جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجارة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة181)



الإقباض ; لأنّ غاية الأمر وقوع التزاحم بين الوجوبين وعدم وجود مرجّح في البين .
بل العمدة في هذا المقام عدم إمكان حدوث ملكيّة المنفعة ملكيّة مستقلّة بالنسبة إلى شخصين ، ولابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الاعتبار العقلائي في أمثال ذلك هل هو طرح السببين والحكم بعدم ترتّب المسبّب ، أو أنّه يرى تأثير أحدهما في مسبّبه ؟ وبعبارة اُخرى بعدما كان القوام في باب المعاملات هو الاعتبار ; إذ ليس فيها بحسب الواقع تأثير وتأثّر ولا سبب ومسبّب ، بل حقيقتها اعتبار أمر وراء أمر آخر من القول أو الفعل أو غيرهما ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة الموارد المشابهة للمقام ، وأنّه هل تقارن الأمرين الاعتباريين في تلك الموارد موجب لسقوطهما عن التأثير الاعتباري أم لا ؟
الظاهر هو الثاني ، ألا ترى أنّه لو اشترى زيد بعض أموال أبيه من وكيله واتّفق تقارن الاشتراء مع موت الأب الموجب لانتقاله إليه بالإرث ، فهل تقارن الشراء الموجب لملكية زيد مع الموت الموجب لها أيضاً يوجب سقوط كليهما فينتج عدم كون زيد مالكاً ، أو أنّ دعوى عدم الملكيّة في الفرض ممنوعة عند العقلاء جدّاً ؟ وكذلك لو اشترى زيد داراً مثلاً من صاحبها ووكيله تلك الدار بعينها من وكيله وتقارن البيعان ، فهل ترى من نفسك الحكم بعدم كون زيد مالكاً للدار في المثال ؟ وفي المقام نقول : إنّ الاعتبار الإجاري مقتض لملكية المستأجر للمنفعة ، والاعتبار البيعي مقتض لملكية المشتري لها ، واجتماعهما لايوجب سقوطهما ، بل المنفعة بحسب الاعتبارين بضميمة عدم إمكان الجمع ملك لأحدهما عند العقلاء . غاية الأمر عدم تعيّنه ، فهو نظير ما لو وهب ماله أحد الشخصين بنحو الإبهام ـ بناءً على صحّتها ـ فإنّ المالك هناك أحدهما كما في المقام ، وحينئذ يمكن التوصّل إلى التعيين

(الصفحة182)



من طريق القرعة ، بناءً على عدم اختصاص جريانها بما إذا كان هناك واقع معلوم عند الله غير معلوم عندنا ، كما قد حرّرناه في محلّه .
ثمّ إنّه لو كانت نتيجة القرعة بنفع المستأجر، فلازمه ثبوت الخيار للمشتري مع جهله كما هو المفروض . ولو كانت بنفع المشتري فلازمه بطلان الإجارة حينئذ لابطلانها من الأوّل ، كما أنّه لو فرض اتّحاد المشتري والمستأجر ـ بأن اشتراه بنفسه واستأجره وكيله مع الجهل به حين الشراء أو العكس ـ فلا حاجة إلى القرعة في تعيين مالك المنفعة ، وإنّما الكلام في ثبوت الأُجرة عليه زائدة على الثمن ، فتدبّر .


(الصفحة183)

[هل تبطل الإجارة بموت المؤجر والمستأجر؟]

مسألة  : الظاهر أنّه لاتبطل إجارة الأعيان بموت المؤجر ولا بموت المستأجر، إلاّ إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودة بزمان حياته فتبطل بموته ، كما إذا كانت منفعة دار موصى بها لشخص مدّة حياته، فآجرها سنتين ومات بعد سنة . نعم ، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة ، ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة ، فتبطل إلاّ أن يجيز البطن اللاحق . نعم ، لو آجرها المتولّي للوقف لمصلحة الوقف والبطون اللاّحقة مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذة على البطون اللاّحقة ، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة . هذا كلّه في إجارة الأعيان ، وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير . نعم ، لو تقبّل عملاً وجعله في ذمّته لم تبطل بموته ، بل يكون ديناً عليه يستوفى من تركته 1 .



1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في إجارة الأعيان ، وتوضيح الكلام فيها يتمّ برسم أُمور :
الأمر الأوّل : في الوجوه والأقوال بنحو الإجمال ، ونقول : الوجوه المتصوّرة لا تزيد على أربعة : البطلان بالموت مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والبطلان بموت المستأجر دون المؤجر والعكس .
أمّا البطلان بالموت مطلقاً ، فهو على ما في مفتاح الكرامة(1) خيرة المقنعة(2)

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 78 .
(2) المقنعة: 640.

(الصفحة184)



والنهاية(1) والخلاف(2) والمبسوط في موضعين منها(3) والمراسم(4) والمهذّب(5)والوسيلة(6) والغنية(7) وجامع الشرائع(8) ، وهو ظاهر التذكرة في موضع(9) ، بل والسرائر كذلك(10) ، وهو المحكي في كشف الرموز عن البشرى(11) ، وحكاه القاضي في المهذّب عن السيّد(12) ، كما فهمه منه في التنقيح(13) .
ثمّ إنّ هؤلاء بين من عبّر بالبطلان الظاهر في بطلان الإجارة من أصلها ، ولازمه حينئذ الرجوع إلى اُجرة المثل بالنسبة إلى المدّة التي استوفيت المنفعة فيها ، وبين من عبّر بالفسخ أو الانفساخ كالشيخ في المبسوط ، حيث قال : الموت يفسخ الإجارة ، والسيّد في الغنية حيث قال : تنفسخ بموت أحد المتعاقدين ، وظاهر هذا التعبير صحّة الإجارة بالنسبة إلى ما مضى من المدّة ، فيقسّط عليه الأُجرة المسمّـاة .
ويمكن أن يكون مراد من عبّر بالبطلان وشبهه هو البطلان من حين الموت ،

(1) النهاية : 441 و444 .
(2) الخلاف : 3 / 491 مسألة 7 .
(3) المبسوط : 3 / 216 و224 .
(4) المراسم : 199 .
(5) المهذّب: 1 / 501.
(6) الوسيلة : 267 .
(7) غنية النزوع : 287 .
(8) الجامع للشرائع : 292 .
(9) تذكرة الفقهاء : 2 / 325 .
(10) اُنظر السرائر : 2 / 471 .
(11) كشف الرموز : 2 / 30 ، ولكن المحكي عن البشرى لابن طاووس هو الوجه الثالث كما سيأتي .
(12) المهذّب : 1 / 502 .
(13) التنقيح الرائع : 2 / 255 .

(الصفحة185)



فيشترك مع الانفساخ في الأثر وهو تقسيط الأُجرة المسمّـاة ، وإن كان بينهما فرق من جهة اُخرى ; وهو ظهور التعبير بالبطلان في تماميّة الاقتضاء بسبب الموت ، وظهورالتعبيربالانفساخ في استمرارالاقتضاء،ولأجل ذلك ذكرالمحقّق الإصفهاني (قدس سره): أنّ مقتضى كون هذه المسألة متفرّعة على لزوم الإجارة ، وكذا مقتضى الاستدلال بعمومات لزوم الإجارة هو أنّ البحث في انفساخ الإجارة الصحيحة وعدمه ، فينبغي التعبير به دون البطلان ، كما أنّ مقتضى الوجوه العقليّة ـ الراجعة إلى عدم ملك المنفعة مقارناً للموت ـ هو عدم تأثير العقد دون تأثيره وانفساخه به(1) .
وكيف كان ، فقد احتمل في عبارة من عبّر بالبطلان أن يكون مراده منه هو التوقّف على إجازة الوارث ، نظير ما صرّحوا به في إجارة الوقف من البطلان ، مع أنّ المراد به التوقّف على إجازة البطون اللاّحقة .
وأمّا عدم البطلان بالموت مطلقاً فهو كما في المفتاح(2) خيرة كافي أبي الصلاح(3)والسرائر(4) والشرائع(5) والنافع(6) وجمع كثير من المتأخّرين(7) ، ونسبه في السرائر إلى الأكثرين المحصّلين(8) ، وفي المسالك : عليه المتأخّرون أجمع(9) .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 19 .
(2) مفتاح الكرامة : 7 / 76 .
(3) الكافي في الفقه: 348.
(4) السرائر : 2 / 449 و460 .
(5) شرائع الإسلام : 2 / 179 .
(6) المختصر النافع : 247 .
(7) كالشهيد في اللمعة : 94 ، وابن فهد في المقتصر : 204 ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد : 7/84 .
(8) السرائر : 2 / 449 .
(9) مسالك الأفهام : 5 / 175 .

(الصفحة186)



وأمّا البطلان بموت المستأجر دون المؤجر فهو المحكي عن ابن طاووس(1)والمنسوب إلى المبسوط أيضاً ، حيث إنّه بعدما ذكر أنّ الموت يفسخ الإجارة ، سواء كان الميّت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا ، قال : والأظهر عندهم أنّ موت المستأجر يبطلها وموت المؤجر لا يبطلها ، وفيه خلاف(2) . لكن في المفتاح : أنّ الأظهر في عبارة المبسوط أنّ مراده بالأظهر عندهم هو الأظهر عند العامّة ، كما هو عادته ، وبذلك يرتفع الإشكال عن القوم في عبارته(3) ، وحكي عن ابن البرّاج نسبة هذا القول إلى الأكثر (4).
وأمّا العكس فهو الذي نسبه العلاّمة في محكي التذكرة إلى بعض علمائنا ، حيث قال : وقال بعض علمائنا تبطل بموت المؤجر خاصّة دون المستأجر ، وعكس آخرون(5) ، وحكي عن الشهيد (قدس سره) في نكته(6) أنّ هذا القول غير موجود بين أصحابنا ، ولعلّ المنشأ في توهّم وجود القائل بهذا ما حكي عن المرتضى(7) وابن الجنيد(8) من تصريحهما بعدم البطلان بموت المستأجر ، من دون تعرّض لموت المؤجر ، مع أنّ عدم التعرّض لا دلالة فيه على القول بالبطلان بموت المؤجر ، كما هو غير خفيّ .

(1) حكى عنه في كشف الرموز: 2 / 30.
(2) المبسوط : 3 / 224 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(4) المهذّب: 1 / 501 ـ 502.
(5) تذكرة الفقهاء : 2 / 325 .
(6) غاية المراد : 2 / 321 .
(7) الناصريات : 438 مسألة 200 .
(8) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 107 مسألة 6 .

(الصفحة187)



الأمر الثاني : فيما تقتضيه القواعد والنصوص ، فنقول : إنّ طروّ الشبهة في هذا الأمر يمكن من وجوه :
أحدها : من جهة احتمال اعتبار عدم الموت وبقاء حياة كلّ من المؤجر والمستأجر في صحّة الإجارة بقاءً ، بناءً على أن يكون المحتمل هو طروّ البطلان ، أو الانفساخ من حين الموت ، أو من جهة احتمال اعتبار بقاء حياتهما في صحّة الإجارة من رأس ، بناءً على أن يكون المحتمل هو بطلان الإجارة من حينها ، كما هو الظاهر من لفظ البطلان على ما مرّ .
فإن كان منشأ الشبهة هذا الوجه يكون الرافع لها هي الإطلاقات ; لكونها رافعة للشكّ في اعتبار شيء زائد على ماعلم اعتباره ، كما أنّه لامانع من التمسّك باستصحاب بقاء العقد وعدم الانفساخ بالموت في خصوص الصورة الاُولى ، كما أنّه لو احتمل صيرورة العقد جائزاً بالموت ـ بمعنى توقّفه على إجازة الوارث ـ يكون مقتضى استصحاب بقاء اللزوم العدم ، كما هو غير خفي .
ثانيها : من جهة احتمال محدودية ملكيّة المنفعة بحال الحياة ، كما أنّ المالكية محدودة بها ، وحينئذ لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة في جميع المدّة حتّى يملكها .
والجواب عنه : أنّ التحديد إنّما هو في طرف المالكية ; لأنّه لا يعقل بقاؤها بعد انتفاء الموضوع عرفاً بالموت ، وأمّا في طرف المملوك فلا يكون هناك حدّ ; لأنّ الإنسان مالك في حياته للمنفعة ملكيّة مرسلة غير موقّتة ، ولذا يجوز الصلح عليها ما دامت العين موجودة ، وكذا غير الصلح من أنواع النقل والانتقال ، فالشبهة من هذه الجهة أيضاً مندفعة .
ثالثها : من جهة أنّ الوارث لا يكون مكلّفاً بالوفاء بعقد الإجارة ; لأنّ المكلّف به هما المتعاملان ، ولا معنى لانتقال التكليف بالموت إلى الوارث ، وبعد عدم

(الصفحة188)



التكليف لا مانع من تصرّفه في العين بما شاء .
والجواب : أنّ حرمة تصرّفه فيها وعدم جواز المزاحمة ليس لأجل التكليف بالوفاء ، بل إنّما هو لأجل حرمة التصرّف في مال الغير ، وعدم جواز المزاحمة معه في حقّه ، كما أنّ عدم الجواز في حق المتعاملين أيضاً إنّما هو لأجل ذلك ، فتدبّر .
وفي المقام نقول : إنّ المستأجر ملك منفعة العين في المدّة الخاصّة ، فلا تجوز المزاحمة معه في حقه بعد موت المؤجر في أثناء تلك المدّة ، وليست المنفعة بعد تفكيك المؤجر لها ونقلها إلى الغير من جملة ما تركه حتّى تشملها أدلّة الإرث ، كما أنّها بموت المستأجر في الأثناء تنتقل إلى ورثته ; لأنّها من جملة ما تركه ، فلا يجوز للمؤجر المزاحمة معهم ، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون موت أحدهما واقعاً قبل إقباض العين أو بعده ; لأنّ حرمة التصرّف وعدم جواز الممانعة والمزاحمة ثابتة على كلا الفرضين .
رابعها : من جهة احتمال كون انقضاء مدة الإجارة جزءاً للسبب المقتضي للتأثير أو شرطاً له ، ومع مصادفة متمّم السبب للموت لا معنى للتأثير ; كالموت بين الإيجاب والقبول ، أو قبل القبض في الصرف مثلاً .
ومنشأ هذا الاحتمال ما ذكره الفقهاء من بطلان الإجارة بالتلف ولو بعد القبض ، فإنّه لو لم يكن لانقضاء المدّة دخل في السبب جزءاً أو شرطاً لما كان وجه للحكم بالبطلان بعد وقوع العقد صحيحاً .
والجواب ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ممّا حاصله : أنّه لادليل على مدخلية تماميّة المدّة ، مضافاً إلى ابتناء ذلك على معقولية تأخّر العلّة عن معلولها ; لعدم تعقّل الملك المقارن لتماميّة المدّة ، وعلى فرض المعقولية إنّما يلتزم بالشرط المتأخّر إذا كان هناك موجب للالتزام به ، ومجرّد احتمال المدخلية مدفوع بالإطلاقات ، والوجه في

(الصفحة189)



البطلان بالتلف إنّما هو عدم المنفعة في الواقع في المدّة المضروبة ، لا من حيث عدم تماميّة المدّة وعدم تماميّة السبب ، بل السبب تامّ لكنّه ليس هناك منفعة(1) .
خامسها : ما استدلّ به القائل بالبطلان ـ على ما حكاه العلاّمة في محكي المختلف ـ من أنّ استيفاء المنفعة يتعذّر بالموت ; لأنّه استحقّ بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر ، فإذا مات زال ملكه عن العين وانتقلت إلى الورثة ، فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحقّ المستأجر استيفاءها(2) ، وإلى هذا يرجع ما حكي عن الغنية(3) والخلاف(4) من أنّ المستأجر رضي على أن يستوفي المنفعة من ملك المؤجر .
والجواب ما أفاده المحقّق المذكور أيضاً : من أنّه إن اُريد استيفاؤها من ملك المؤجر للمنفعة فقد بيّنا أنّه يملك المنفعة المرسلة اللاموقتة فله تمليكها ، وإن اُريد استيفاؤها من العين المملوكة للمؤجر ، ففيه : أنّ اللازم في تملّك المنفعة من المؤجر ملكه لها لا للعين ; لصحّة الإجارة من المستأجر بلا شبهة ، مع أنّ العين مملوكة له حال التمليك ، وملكه لها حال الاستيفاء لا موجب له أصلاً(5) .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ماذكر منقوض بما لو زوّج أمته ثمّ مات ، وبما لو باع العين المستأجرة من غير المستأجر ، وبغيرهما من الموارد المشابهة للمقام .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى القواعد عدم بطلان الإجارة بموت

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 20 .
(2) مختلف الشيعة : 6 / 108 مسألة 6 .
(3) غنية النزوع : 287 .
(4) الخلاف : 3 / 492 مسألة 7 .
(5) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 21 .

(الصفحة190)



واحد من المؤجر أو المستأجر ، وأنّ الشبهات كلّها قابلة للدفع . هذا ، مضافاً إلى أنّه هنا روايات خاصة يمكن الاستدلال بها على ذلك ، مثل رواية علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ ؟ قال : الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه ، والخيار في أخذ الكراء إلى ربّها ، إن شاء أخذ وإن شاء ترك(1) .
ومورد السؤال فيها إن كان هو لزوم الإجارة وعدمه ; بمعنى أنّ محطّ السؤال أنّ الإجارة هل تكون مثل البيع لازمة أم لا ؟ فالجواب بلزومها إلى آخر الوقت الذي تكارى إليه ـ بناءً على أن يكون الكراء الأوّل بمعنى الإجارة ـ أو بلزوم الأُجرة إلى آخر ذلك الوقت ـ بناءً على أن يكون الكراء الأوّل أيضاً بمعنى الأُجرة ـ دليل على عدم البطلان بالموت ; لأنّ إطلاق الحكم باللزوم مع كونه في مقام بيانه على ما هو المفروض يرفع الشكّ في عروض البطلان بالموت .
وإن كان المورد هو لزوم كراء جميع الوقت الذي تكارى إليه مع عدم كون العين المستأجرة مستعملة في جميع السنة ـ كما هو الغالب في السفينة ; بمعنى أنّ محطّ السؤال هو أنّه هل على المستأجر كراء جميع الوقت مع عدم إستفادته من العين في جميعه ، أم ينقص بمقدار عدم الاستعمال ؟ ففي المفتاح : أنّ الرواية حينئذ ظاهرة في الإحياء ولا يكاد ينكر ، قال : ولهذا لم يعملوا بها فيما إذا كان المؤجر موقوفاً عليه ومات(2) .
أقول : ويمكن الاستدلال بها حينئذ أيضاً ، خصوصاً إذا كان الكراء الأوّل في

(1) التهذيب : 7 / 209 ح920 ، الفقيه : 3 / 159 ح697 ، الكافي : 5 / 292 ح1 ، وسائل الشيعة : 19/110 ، كتاب الإجارة ب7 ح1 .
(2) مفتاح الكرامة: 7 / 77.

(الصفحة191)



الجواب بمعنى الإجارة ; لأنّ نفس الجواب بلزوم الإجارة أو الأُجرة إلى آخر الوقت ظاهر في عدم عروض البطلان بالموت أيضاً ، وإن كان محط السؤال أمراً آخر ، وعدم العمل بها في الصورة التي ذكرها لا شهادة فيه على عدم دلالة الرواية ، بل هي من هذه الجهة تامّة ، وإن كان اللاّزم تخصيصها بما إذا كان المؤجر موقوفاً عليه ومات ، لو لم نقل بخروج هذه الصورة عن منصرف الرواية ، كما ليس ببعيد .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّ دلالة هذه الرواية الخاصّة وشبهها على لزوم الإجارة وعدم البطلان بالموت ممّا لا سبيل إلى المناقشة فيها ، كما عرفت .
ثمّ إنّ هنا رواية صحيحة أو موثّقة استدلّ بها كلّ من القائل بالبطلان والصحّة ، وقد اعترف بعض بإجمالها وعدم دلالتها على شيء منهما ، وهي ما حكاه في الوسائل عن الكافي للكليني ، أنّه روى عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الإجارة (الاُجرة ـ خ ل) في كلّ سنة عند انقضائها ، لا يقدم لها شيء من الإجارة (الاُجرة ـ خ ل) ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت ، أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة ؟ فكتب : إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ (لم تبلغه ـ خل) فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فتعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله(1) .
وحكاه في الحدائق(2) عن التهذيب مع اختلاف ، حيث إنّ فيه بدل «مالم يمض»

(1) الكافي : 5 / 270 ح2 ، التهذيب : 7 / 207 ح912 ، وسائل الشيعة : 19 / 136 ، كتاب الإجارة ب25 ح1 .
(2) الحدائق الناضرة : 21 / 541 .

(الصفحة192)



«مالم ينقض» ، وبدل «منقضية» «منتقضة»، وبدل «فإن لم تبلغ» «وإن لم تبلغ» والموجود في التهذيب على ما لاحظت هو الواو دون الفاء ، وهو الاختلاف المهمّ الذي به يختلف معنى الرواية ومفادها ، كما أنّ بدل «منقضية» كان من حيث الكتابة قابلاً للمنتقضة وللمنتقصة المأخوذة من النقص ، وبدل الباء بعدها اللام(1) .
وكيف كان، فقد استدلّ في محكي مجمع البرهان(2) بهذه الرواية على عدم البطلان بموت المؤجر مدّعياً صراحتها في المطلوب، وأنّه لا يضرّ عدم صحّة سندها لأنّها مؤيّدة، وأنّ الإجماع المركّب يدلّ على عدم البطلان بموت المستأجر أيضاً .
وقد استدلّ بها بعض على البطلان ، كالمحكي عن المجلسي (قدس سره) في حواشي الفقيه(3)والرياض(4) وصاحب مفتاح الكرامة(5) ، وحكاه أيضاً المحقّق الرشتي (قدس سره)عن بعض مشايخه ، وعن محكي مجلس درس الشيخ الأعظم العلاّمة الأنصاري (قدس سره)(6) ، ولابدّ من ملاحظة تقريب الاستدلال بها عليه ، وأنّه هل تكون دلالتها عليه تامّة أم لا ؟ لأنّه لا حاجة لنا في إثبات دلالتها على الصحّة بعد كونها هي مقتضى العمومات والروايات كما عرفت ، فنقول : تقريب الاستدلال بها على البطلان من وجوه :
أحدها : ماحكاه المحقّق الرشتي عن بعضهم من أنّ المراد بالوقت في قوله (عليه السلام) : «إن كان لها وقت مسمّى» الأنجم المضروبة للاُجرة المفروضة في السؤال ، وأنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «لم تبلغه» أنّه لم تبلغها اُجرتها ، فالمعنى أنّ المرأة إن ماتت بعد إدراك

(1) أي في التهذيب: «لموت» بدل «بموت».
(2) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 65 ـ 66 .
(3) الحاكي هو المحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 41 .
(4) رياض المسائل : 6 / 16 ـ 17 .
(5) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(6) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 41 .

(الصفحة193)



الأنجم المضروبة قبل أخذ الاُجرة فلورثتها تلك الأُجرة ، فالإجارة بمعنى الأُجرة ، والمراد بالشرطية الثانية أعني قوله (عليه السلام) : «وإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه . . .» إنّها ماتت في أثناء الأجل المضروب قبل أخذ الأُجرة ، وبقوله (عليه السلام) : «فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت» ماهو ظاهره ; أعني استحقاق الورثة اُجرة الماضي من الزمان دون المستقبل . ووجه دلالتها على الفساد على هذا التقدير واضح ; لأنّ اختصاص استحقاق الورثة بالماضي دون المستقبل لا يتمّ إلاّ بفساد الإجارة في الأثناء بموت المرأة ، وفي مفتاح الكرامة(1) أنّ وجه العدول عن جواب سؤال الراوي بكلمة واحدة ـ وهو إمّا إنفاذ الإجارة أو بطلانها إلى التعرّض بحال الأُجرةـ هو التقية عن أصحاب الرأي(2) .
والجواب عن هذا التقريب واضح ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ لازمه عدم مطابقة الجواب مع السؤال ، ضرورة أنّ السؤال إنّما هو عن إنفاذ الإجارة وانتقاضها بالموت ، والجواب متعرّض لحال الأُجرة المضروبة لها أوقات ، ومجرّد احتمال التقية لا يصحّح ذلك ـ يرد عليه أنّ الجواب ظاهر في أنّ الفاعل في كلمتي : «لم تبلغه» «وإن لم تبلغ» واحد وهي المرأة ، فجعل الفاعل في الاُولى «الأُجرة» وفي الثانية «المرأة» خلاف للظاهر جدّاً ، مع أنّ حمل كلمة الإجارة في الجواب على الأُجرة مع كونها في السؤال بمعنى الإجارة المصطلحة ـ على ماهو المفروض ـ ممّا لا شاهد له .
هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا كلّه إنّما يتمّ على تقدير كون النسخة «لم تبلغه» مع أنّ أكثر النسخ على ما رأيت هو «لم يبلغ» والفاعل حينئذ هو الضمير الذي يرجع إلى

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 77 ـ 78 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 41 .

(الصفحة194)



الوقت ، كما أنّه يتمّ على تقدير نسخة الواو دون الفاء ، مع أنّ الواو لا تكون إلاّ في التهذيب ، والمعروف أنّ الكافي أضبط من غيره ، وإلى غير ذلك من الإيرادات غير الخفية .
ثانيها : ما وصفه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه أحسن الوجوه ناقلاً حكايته عن غير واحد من مشايخه ; وهو أنّ الوقت في آخر السؤال محمول على مدّة أصل الإجارة ، لا على المدّة المضروبة لدفع الأجرة بقرينة الإنفاذ والانقضاء أو الانتقاض ، والجواب أيضاً محمول عليه ليكون الجواب مطابقاً للسؤال ، وحمل الشرطية الاُولى حفظاً لتقابلها مع الشرطية الثانية على عدم بلوغ شيء من مدّة الإجارة ; بأن يكون زمان العقد منفصلاً عن زمان المنفعة المملوكة بالعقد ، وحمل قوله (عليه السلام) : «فلورثتها تلك الإجارة» على أنّ أمرها بيد الورثة ردّاً وإمضاءً ، أو فعلاً وتركاً ، وحمل قوله (عليه السلام) : «فتعطى ورثتها . . .» على أنّ مقدار استحقاقهم الموروث من المرأة ما بلغت المرأة من الثلث أو النصف دون باقي مدّة الإجارة ، وهذا لازم انفساخ الإجارة بموتها(1) .
والجواب عنه ـ مضافاً إلى كون هذا التقريب أيضاً مبنيّاً على نسخة الواو وهي غير ثابتة ـ : أنّ حمل الشرطية الاُولى على عدم بلوغ شيء من مدّة الإجارة ، وكون زمان العقد منفصلاً عن زمان المنفعة ، مع عدم إشعار في السؤال بهذا الفرض بعيد جدّاً ، وأنّ اللاّم لا تفيد هنا إلاّ الاختصاص ، ومن المعلوم أنّ اختصاص تلك الإجارة بالورثة ليس معناه إلاّ قيامهم مقام المورِّث لا كون أمر الإجارة بيدهم .
مضافاً إلى أنّ إعطاء الورثة مقدار ما بلغت المرأة من الوقت ـ نصفاً أو ثلثاً أو

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 21 ـ 22 .

(الصفحة195)



غيرهما ـ لا يلازم الانفساخ ، فمن الممكن أن يكون المراد مقدار استحقاق الدفع فعلاً ، فلا ينافي صحّة الإجارة بالنسبة إلى جميع الوقت . وإلى أنّ التفصيل بين ما إذا مضى مقدار من الوقت ، وبين ما إذا لم يبلغ شيء منه بالانفساخ في الأوّل وعدمه في الثاني ، غاية الأمر التوقّف على إنفاذ الورثة ـ كما هو المفروض ـ ممّا لا يقبله الذوق السليم ، فإنّ الصورة الثانية أولى بالانفساخ من الاُولى ، كما لايخفى ، فهذا الوجه أيضاً لا يكاد يتمّ بوجه .
ثالثها : ما هو نظير الوجه الثاني ، غاية الأمر ابتناؤه على نسخة الفاء ، وحينئذ فالشرطية الثانية تفريع على الشرطية الاُولى ، وكلتاهما متعرّضتان لحال مورد السؤال ; وهو عدم إدراك المؤجر جميع المدّة المسمّـاة في أصل الإجارة ، واستفادة البطلان حينئذ من إيجاب الإعطاء من الأُجرة بمقدار ما أدركته المرأة من تلك المدّة ، ولا ينافي ذلك قوله (عليه السلام) : «فلورثتها تلك الإجارة» فإنّ معناه عدم وجوب الإنفاذ الذي هو بمعنى الوفاء ; وهو كناية عن البطلان بالموت ، وإن أبيت ذلك نقول : بأنّه يستفاد منه البطلان بمعنى التوقّف على إجازة الوارث ، وهو أحد محتملات البطلان كما مرّ .
وجواب هذا الوجه يستفاد من الجواب عن الوجه المتقدّم ، فتدبّر .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ عدم تماميّة دلالة الرواية على البطلان يكفي لنا ، ولا حاجة إلى إثبات دلالتها على الصحّة بعد اقتضاء العمومات والروايات لها ، إلاّ أنّه لا بأس بإيراد تقريب الاستدلال بها للصحّة ، ثمّ بيان ماهو مقتضى التحقيق في معنى الرواية ومفادها تتميماً للفائدة ، فنقول : إنّ الاستدلال بها للصحّة له تقريبان على ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) :
أحدهما : أنّ المراد من الوقت هو مدّة أصل الإجارة ، ومن الشرطية الاُولى

(الصفحة196)



عدم البلوغ رأساً ومن الثانية عدم البلوغ بتمامه . واللام في قوله (عليه السلام) : «فلورثتها» لام الاختصاص ، ومعناه قيام الورثة مقام مورّثهم ، ولا موقع للحمل على أنّ لهم الردّ والإمضاء ، أو أنّ لهم أن يؤجروا وأن لايؤجروا ، والمراد من قوله (عليه السلام) : «فتعطى» هو دفع الأُجرة بالنسبة إلى المنفعة الماضية لا استحقاق هذا المقدار من الأُجرة ، بل استحقاق فعلية الدفع بالمقدار المزبور ، فالشرطية الاُولى مصحّحة للإجارة والثانية غير منافية لها ، فإنّ استحقاق الأُجرة تماماً لا ينافي عدم استحقاق الدفع إلاّ بمقدار ما بلغت المرأة من النصف أو الثلث أو غيرهما .
ثانيهما : حمل الشرطيتين على الإجمال والتفصيل لا على عدم البلوغ رأساً أو تماماً ، فإنّ الأوّل خارج عن مورد السؤال ، وهذا الحمل مبنيّ على نسخة الفاء كما في الكافي ، والتقريب حينئذ ما تقدّم من كون اللام للاختصاص . .(1) .
ويظهر ممّا ذكرنا في الجواب عن التقريبات المتقدّمة للبطلان، الإشكال في هذين التقريبين أيضاً ، فتأمّل .
والتحقيق في بيان معنى الرواية ومفادها أنّ الرواية لا تعرّض فيها لحال الإجارة ، من حيث بقاء صحّتها أو عروض البطلان لها بموت المرأة التي هي المؤجرة ، وإنّما هي متعرّضة لحال الأُجرة فيها لأجل الاشتراط الواقع على المؤجر في كيفية الدفع والإعطاء . نعم ، يستفاد منها كون بقاء الصحّة بالموت مفروغاً عنه عند الراوي الذي كان هو وأبوه من وكلاء أبي الحسن (عليه السلام) ، وقد وثّقه الإمام (عليه السلام) ، ولذلك تكون الرواية موصوفة عند جمع كثير بالصحّة ، وإن ناقش فيها البعض كالمحقّق الأردبيلي في محكي مجمع البرهان على ما عرفت .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 22 .

(الصفحة197)



وكيف كان ، فتوضيح معنى الرواية أنّه لابدّ في استفادة المراد منها من حفظ ظهورات متعدّدة فيها ، وهي كثيرة :
أحدها : أنّ بيان كيفية دفع الأُجرة وإعطائها في السؤال ظاهر في تعلّق غرض السائل بهذه الخصوصية ، خصوصاً مع عدم الاقتصار على جملة واحدة والإتيان بجملة اُخرى تأكيداً وتوضيحاً ، ودعوى أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل بيان ما هو الواقع وليس له مدخلية فيما هو محطّ نظر السائل ، مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّها في نفسها خلاف الظاهر ـ بأنّه لو كان السائل مثل إبراهيم الذي هو من وكلاء الإمام (عليه السلام)لكان من البعيد جدّاً تقييد مورد السؤال بما هو خارج عن محط نظره ، وغير دخيل فيما هو بصدده ، كما لا يخفى .
ثانيها : ظهور قوله (عليه السلام) : «فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها» في أنّ موت المرأة واقع في أثناء السنة لا عند انقضائها الذي هو الوقت المضروب للاُجرة ، فيدلّ ذلك على أنّه ليس محطّ النظر مجرّد موت المؤجر قبل انقضاء مدّة الإجارة ، وإلاّ لم يكن فرق بين الموت في أثناء السنة أو عند انقضائها .
ثالثها : ظهور ألفاظ الإجارة في السؤال وكذا في الجواب في كونها بمعنى واحد وهي الأُجرة ، ضرورة استعمالها في الرواية بمعنى الأُجرة قطعاً ، والظاهر كون الجميع بمعنى واحد .
رابعها : ظهور لفظ الوقت في الجُمَل الواقعة فيها هذه الكلمة في كونه في الجميع بمعنى واحد ; وهو الوقت المضروب لدفع الأُجرة ، ضرورة استعماله في هذا المعنى قطعاً ، والظاهر كون المراد من الجميع كذلك .
خامسها : ظهور قوله (عليه السلام) : «إنفاذ الإجارة إلى الوقت» في كون المراد من الوقت هو الوقت المضروب لدفع الأُجرة ، ضرورة أنّه لو كان المراد هي مدّة أصل

(الصفحة198)



الإجارة لكان هذا التقييد غير محتاج إليه ، بل كان لغواً ; لأنّه لا يعقل إنفاذ عقد الإجارة المقيّدة بمدّة معيّنة إلى غير تلك المدّة ، كما هو ظاهر .
سادسها : ظهور الشرطية الاُولى في إمكان عدم ثبوت الوقت المسمّى ، وهو إنّما يتمّ بالنسبة إلى الوقت المضروب ، وأمّا بالإضافة إلى أصل الإجارة فلا مجال له ; لأنّه لابدّ فيها من مدّة معيّنة بخلاف دفع الأُجرة . وتوهّم كون النظر إلى حيثية عدم البلوغ فلا ينافي كون المراد هي مدّة الإجارة مدفوع ; بأنّ هذا مجرّد احتمال لا يقاوم الظهور .
إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أنّه لابدّ من بيان المراد من الرواية سؤالاً وجواباً مع حفظ هذه الظهورات الستة ، فنقول :
أمّا بيان مورد السؤال فهو أنّ محط نظر السائل إنّما هو أنّه هل يجب على الورثة إنفاذ الأُجرة إلى الوقت المضروب على ماهو مقتضى الاشتراط الذي التزم به المورّث فلا يستحقّون المطالبة إلاّ بعد انقضاء السنة ، أو أنّ الأُجرة تنقضي بالموت أو تنقص ، بناءً على احتمال كون الكلمة هي المنتقصة المأخوذة من النقص ، ومرجعه إلى استحقاق الورثة مطالبة اُجرة المقدار الذي أدركته المرأة ، فحقيقة السؤال ترجع إلى أنّ الورثة هل يجب عليهم العمل بالشرط الذي التزم به المورّث أم لا ؟ وليس المراد بالإنفاذ هو التوقّف على الإمضاء ، بل المراد بوجوبه هو وجوب الوفاء الذي يكون استعماله في مقام بيان لزوم العقد أو الشرط شائعاً ، كما لايخفى .
ومن المعلوم أنّ السؤال بهذا النحو إنّما هو على تقدير كون بقاء الصحّة بالإضافة إلى الإجارة ، وعدم عروض البطلان لها بالموت أمراً مفروغاً عنه عند السائل ، وإلاّ لا تصل النوبة إلى السؤال عن لزوم الوفاء بالشرط المذكور فيها .


(الصفحة199)



ويؤيّد ما ذكرنا من بيان محطّ نظر السائل أنّ بعض الأعلام من المعاصرين نقل العبارة في شرحه على العروة هكذا : «هل يجب على ورثتها إنفاذ الأُجرة إلى الوقت ؟»(1) فذكر الأُجرة موضع الإجارة مع التزامه في نقل هذه الرواية بذكر الاحتمالات الناشئة من اختلاف النسخ ، كما يظهر لمن راجعه ، وكيف كان ، فمورد السؤال بملاحظة ما ذكرنا عبارة عن خصوص ما يتعلّق بالأُجرة من حيث اشتراط الأنجم المضروبة له .
وأمّا الجواب ، فالظاهر أنّ المراد بالجملة الاُولى هو عدم بلوغ الوقت المضروب للاُجرة ، أو عدم بلوغ المرأة ذلك الوقت كما هو المفروض في السؤال ، وعليه فالضمير في «لها» يرجع إلى الأُجرة ، ولا مجال لإرجاعها إلى المرأة أو إلى الإجارة ، أمّا إلى المرأة فواضح ، وأمّا إلى الإجارة فلما ذكرنا من خروجها عن محط نظر السائل ، مضافاً إلى أنّ الإجارة لا يمكن أن لا يكون لها وقت مسمّى ، فلا محيص إلاّ عن كون المراد هي الأُجرة والوقت المضروب لها ، والمراد من قوله (عليه السلام) : «فلورثتها تلك الأُجرة» أنّه بمجرّد الموت ينتقل الاستحقاق من المورّث إلى الورثة ، فاللام تفيد ملكيّة الورثة للأُجرة بتمامها ، وهذه الجملة توطئة لما هو الجواب المنطبق على السؤال ; وهو ما يستفاد من الجملة الثانية ، ومحصّله أنّه مع عدم إدراك المرأة الوقت المضروب وهو انقضاء السنة ، بل بلوغها النصف أو الثلث أو شيئاً منه يجب أن تعطى الورثة من الأُجرة بمقدار ما بلغت المرأة وأدركته ، ومرجع ذلك إلى أنّ الالتزام المتحقّق من المرأة بالشرط المذكور في عقد الإجارة إنّما يؤثّر بالنسبة إلى زمان حياتها ، وأمّا بعد الموت وانتقال الاستحقاق إلى الورثة فلا تأثير للشرط

(1) مستمسك العروة الوثقى : 12 / 34 .

(الصفحة200)



المذكور ، بل الورثة لهم أن يطالبوا أُجرة نصف سنة أو ثلثها مثلاً .
فالرواية تدلّ على صحّة الإجارة ولزومها ، وعلى عدم لزوم مثل هذا الشرط المذكور فيها بالإضافة إلى الورثة . غاية الأمر أنّ دلالتها على الأوّل بالمفروغية وعلى الثاني بالدلالة اللفظية . هذا غاية ما يقتضيه النظر الدقيق في فهم المراد من الرواية ، والظاهر أنّ المتأمّل المنصف لا يتجاوز عن ترجيحه على سائر المعاني ترجيحاً مستلزماً للتعيين ، كما هو غير خفي .
ثمّ إنّه على تقدير استفادة الصحّة من الرواية ربما يستشكل في الاستدلال بها عليها تارة من جهة عدم اعتبار السند ، واُخرى من جهة إعراض المشهور عنها ، وهو يوجب سقوط الرواية عن الحجية ولو بلغت في الصحّة أقصاها ، وثالثة من ناحية التقية وجهة الصدور ; نظراً إلى أنّ الرواية صادرة في زمان من يقول منهم بعدم بطلان الإجارة بالموت كالشافعي ومالك وأحمد(1) ، و حينئذ فيحتمل جدّاً صدور الحكم تقية ، خصوصاً مع كونها مكاتبة ، واحتمال التقية في المكاتبات أقوى كما هو ظاهر .
ويرد على ذلك أوّلاً : أنّك قد عرفت أنّه لا حاجة لنا في الاستدلال بهذه الرواية للصحّة بعد كونها هي مقتضى العمومات والأخبار الخاصّة .
وثانياً : أنّه على فرض انحصار الدليل بهذه الرواية لا مجال للإشكال فيها من هذه الجهات ، فإنّ المناقشة في سندها وإن وقعت من بعض الأعاظم من الفقهاء كالأردبيلي على ما عرفت(2) ، إلاّ أنّ منشأها هو إبراهيم بن محمّد ، وقد مرّ أنّه هو

(1) راجع الخلاف : 3 / 491 مسألة 7 ، والاُمّ : 4 / 30 ، وبداية المجتهد : 2 / 230 ، والمغني لابن قدامة : 6/42 .
(2) في ص192 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>