جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجارة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة441)



لا للمستأجر ولا لغيره من نفسه أو غيره ، واُخرى تتحقّق في ضمن العمل لغير المستأجر ، وفي هذا القسم تارةً يعمل لنفسه واُخرى لغيره ، وفي هذا القسم تارةً يعمل للغير تبرّعاً من دون أن يكون في البين عقد معاوضة معه من إجارة أو جعالة ، واُخرى يعمل له وفاء بمقتضى عقد المعاوضة الذي أوقعها معه ، فهنا صور :
الصورة الاُولى : ما إذا لم يعمل في مدّة الإجارة رأساً لا للمستأجر ولا لغيره ، ويظهر من جماعة أنّ المستأجر مخيّر في هذه الصورة بين الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّـاة ، وبين إبقاء العقد ومطالبة اُجرة المثل ; أي مثل المنفعة الفائتة تحت يد الأجير ، حيث حكي عن المسالك(1) وحواشي الشهيد(2) والرياض(3) التصريح بالخيار فيما إذا عمل للمستأجر الأوّل بعض العمل ـ كما عن التذكرة(4) ـ فيما لو سكن المالك الدار التي آجرها في أثناء المدّة ، فإنّه إذا كان الخيار ثابتاً فيما إذا عمل بعض العمل ففي المقام أيضاً يكون ثابتاً لعدم الفرق ، لو لم نقل بكون المقام أولى من جهة عدم تحقّق التسليم بالإضافة إلى العمل أصلاً .
ثمّ إنّه لو لم يسلّم نفسه حتّى يعمل يكون ثبوت الخيار حينئذ للمستأجر أولى منه فيما إذا سلّم ولم يعمل ، وذلك لعدم تحقّق التسليم بوجه ، والخيار على هذا التقدير خيار تعذّر التسليم ، ويظهر من المفتاح(5) التفصيل بين صورة تسليم نفسه وعدمه  بالحكم بعدم الخيار في الصورة الاُولى ; نظراً إلى حصول التسليم المعتبر في

(1) مسالك الأفهام : 5 / 189ـ 191 .
(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 174 وجواهر الكلام : 27 / 267 .
(3) رياض المسائل : 6 / 45 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2 / 326 .
(5) مفتاح الكرامة : 7 / 174 .

(الصفحة442)



تحقّق المعاوضة فيها ، وذلك كما لو غصب المؤجر العين المستأجرة بعد التسليم ، فإنّه لا خيار للمستأجر حينئذ على ما صرّحوا به(1) ، وإن كان فيه خلاف في الجملة .
وكيف كان ، لابدّ أوّلاً من التكلّم حول الاحتمال الذي ربما يحتمل في المقام ، لتقدّمه على البحث في ثبوت الخياروعدمه، وهواحتمال انفساخ العقدبنفسه، خصوصاً فيما لم يسلّم نفسه للعمل أصلاً ، فنقول : منشأ هذا الاحتمال جريان ما ورد في حكم المبيع قبل القبض في المقام ، وهو النبويّ المشهور : كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه(2) . ورواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل اشترى متاعاً من رجل وأوجبه ، غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غداً إن شاء الله ، فسرق المتاع، من مال من يكون ؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتّى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يرد ماله إليه(3) . والاستدلال بهما لدعوى الانفساخ في المقام يتوقّف على اُمور :
1 ـ دلالتهما على الانفساخ في موردهما ; وهو البيع كما هو المشهور(4) ، لا كما يقال(5) تبعاً للمسالك(6) : من أنّ ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع، يوهم خلاف ماهو المشهور ; لأنّ ظاهره كون تلفه من ماله بمعنى كون دركه عليه ، فيوهم ضمانه بالمثل أو القيمة ، وذكر الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في أحكام القبض

(1) جامع المقاصد : 7 / 148 ، مسالك الأفهام : 5 / 219 ، كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 220 .
(2) عوالي اللئالي : 3 / 212 ح59 ، مستدرك الوسائل : 13 / 303 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب9 ح1 .
(3) الكافي : 5 / 171 ح12 ، وسائل الشيعة : 18 / 23 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب10 ح1 .
(4) رياض المسائل : 5 / 127 ، مفتاح الكرامة : 4 / 596 ، كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 270 ـ 271.
(5) قاله في مفتاح الكرامة : 4 / 596 .
(6) مسالك الأفهام : 3 / 216 .

(الصفحة443)



بعد استظهار الانفساخ من النبوي ـ بناءً على جعل «من» للتبعيضـ : إنّ دلالة الرواية ـ يعني رواية عقبة بن خالد ـ على الانفساخ قبل التلف لعلّها أظهر من النبوي(1) ، والتحقيق في محلّه .
2 ـ عدم اختصاص التلف الموجب للانفساخ بالتلف القهري غير الاختياري ، وشموله للإتلاف كشموله للتلف العرفي ، على ما تدلّ عليه رواية عقبة بن خالد الواردة في السرقة ، نظراً إلى أنّ مقابلة التلف للإتلاف مفهوماً لا تنافي مساوقتهما وجوداً وصدقاً ، وعليه فالحكم يعم صورة الإتلاف ، سواء كان من أجنبيّ أو من البائع نفسه .
3 ـ وهو العمدة عدم اختصاص الحكم المذكور في الروايتين بخصوص موردهما وهو البيع ، بل يجري في غيره من المعاوضات سيّما الإجارة وأشباهها ، كما ربما يظهر من بعض مواضع التذكرة(2) ; كالعبارة التي حكاها الشيخ الأعظم (قدس سره) عنها مستظهراً منها أنّ ذلك من المسلّمات بين الخاصّة والعامّة ، وإن نفى الشيخ (قدس سره) وجدان التصريح بذلك من أحد نفياً أو إثباتاً بنحو العموم . نعم ، ذكر أنّهم ذكروا في الإجارة(3)والصداق(4) وعوض الخلع(5) ضمانها لو تلف قبل القبض ، ولكن العموم مسكوت عنه في كلماتهم(6) .

(1) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 272 .
(2) تذكرة الفقهاء : 10 / 130 .
(3) المبسوط : 3 / 222 ـ 223 ، شرائع الإسلام : 2 / 183 ، مفتاح الكرامة : 7 / 91 .
(4) المبسوط : 4 / 276 ، شرائع الإسلام : 2 / 325 ، مسالك الأفهام : 8 / 187 ، جواهر الكلام : 31/39 .
(5) المبسوط : 4 / 355 ، شرائع الإسلام : 3 / 51 ، مسالك الأفهام : 9 / 398 ، جواهر الكلام : 33/31 .
(6) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 280 .

(الصفحة444)



وبالجملة : فالاستدلال بالنبوي وبالرواية للمقام يتوقّف على هذه الاُمور الثلاثة ، ومن المعلوم إمكان المناقشة في جميعها خصوصاً الأخير منها ; نظراً إلى أنّ دعوى إلغاء الخصوصية عن المورد الذي ورد فيه حكم مخالف للقواعد ثابت لمحض التعبّد كما في الروايتين ـ من دون فرق بين أن يكون مفادهما الانفساخ أو الضمان بالمثل أو القيمة ; لأنّ كلاًّ منهما مخالف للقاعدة كما هو واضح ـ تحتاج إلى مؤنة كثيرة وبيّنة قويّة ، ومجرّد إرسال العلاّمة له إرسال المسلّمات لا يكفي في صدقها بعد كون الكلمات ساكتة عن هذه الجهة ، كما مرّ .
ثمّ إنّه يقع الكلام بعد ذلك تارةً في وجه احتمال تعيّن الرجوع باُجرة المثل للمنفعة الفائتة على المستأجر تحت يد الأجير ، واُخرى في وجه احتمال كون المستأجر مخيّراً بين الرجوع بالاُجرة المسمّـاة لأجل فسخ العقد أو انفساخه ، وبين الرجوع باُجرة المثل الذي هو لازم بقاء العقد ، فنقول :
أمّا الوجه الأوّل : فهو قصور الدليل الوارد في تلف المبيع قبل القبض عن الدلالة على الانفساخ في المقام ، مضافاً إلى أنّ مقتضى أصالة بقاء العقد على حاله خلافه ، وعليه فلابدّ من الاستدلال بدليل الإتلاف الدالّ على الضمان بالمثل أو القيمة ، وقد عرفت فيما سبق(1) أنّ قاعدة الإتلاف وإن لم تكن منصوصاً عليها بالعبارة المعروفة على الظاهر ، إلاّ أنّها تستفاد من التتبع في الروايات الواردة في الموارد المختلفة ومن التعليل في بعضها ، ولكن قد عرفت(2) أيضاً أنّه وإن كانت المنافع من الأموال ، إلاّ أنّ شمول الإتلاف للمنفعة الفائتة غير مسلّم ، ومن هذه الجهة يمكن المناقشة في الاستدلال بهذه القاعدة للمقام .

(1، 2) في ص337.

(الصفحة445)



وأمّا الوجه الثاني : فأحد طرفي التخيير إمّا أن يقال : بأنّه هو مفاد دليل الانفساخ ، وإمّا أن يقال : بأنّه هو مفاد ما يدلّ على الخيار بين الفسخ والإمضاء ، والطرف الآخر على التقديرين مدلول دليل الضمان بالمثل أو القيمة ، فنقول :
أمّا الوجه على التقدير الأوّل فهو جريان دليل كون التلف قبل القبض من مال البائع ، بناء على دلالته على الانفساخ وجريان قاعدة الإتلاف ، نظراً إلى أنّ مقتضاهما متنافيان لدلالة الأوّل على الانفساخ والثاني على عدمه ; لأنّ موضوعه إتلاف مال الغير ، وكونه مالاً له يتوقّف على بقاء العقد وعدم انفساخه ، وحيث إنّه لا يمكن إعمال الدليلين لفرض التنافي ، ولا موجب لإهمالهما ولا معين في البين ، فاللاّزم الحكم بثبوت التخيير بين مطالبة المسمّى والبدل الواقعي من المثل أو القيمة .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى عدم وجود القائل به ، وإلى عدم معقولية هذا النحو من التخيير ; لأنّ طرفي التخيير أو أطرافه لابدّ وأن يكون كلّ واحد منهما أو منها فعلاً اختيارياً للشخص الذي حكم بثبوت التخيير له، ولا معنى لأن يكون أحد طرفيه الانفساخ الذي هو على تقدير ثبوته حكم شرعيّ خارج عن اختيار المكلّف، إلاّ أن يرجع هذا التخيير إلى تخيير المكلّف في الأخذ بأحد الدليلين المتنافيين الواردين في المقام .
وبعبارة اُخرى هو مخيّر بين الأخذ بقاعدة الإتلاف ، وبين إجراء دليل التلف قبل القبض ، ويرد عليه حينئذ أنّ الظاهر ثبوت هذا التخيير للمجتهد ، لا أنّه يفتي بكون الحكم في الواقعة هو التخيير ، والبحث في هذه الجهة موكول إلى محلّه . ومضافاً إلى ما عرفت من عدم جريان شيء من الدليلين في المقام ; لابتناء شمول

(الصفحة446)



الأوّل ودلالته على الانفساخ هنا على الاُمور الثلاثة التي عرفت المناقشة في بعضها ، بل في جميعها ، وابتناء شمول الثاني على صدق الإتلاف بالنسبة إلى المنافع الفائتة وهو غير معلومـ : أنّه على تقدير الشمول لا وجه لتوهّم المنافاة بينهما ; لأنّ موضوع قاعدة الإتلاف هو الإتلاف المتعلّق بمال الغير ، وتحقّق هذا الموضوع فرع عدم جريان دليل التلف ، إذ مع جريانه ينفسخ العقد ، وليس المال حينئذ مالاً للغير ، فجريان قاعدة الإتلاف موقوف على عدم جريان قاعدة التلف ، وجريانها لا يتوقّف على شيء ; لأنّ موضوعها تلف المبيع ، فهي لا مانع من جريانها ، ومعه لا مجال لقاعدة الإتلاف لعدم انحفاظ موضوعها .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ جريان قاعدة التلف أيضاً فرع اتّصاف المال بعنوان المبيعية الذي هو ملازم لكون المال متعلّقاً بالغير ، وعليه فكلا الدليلين واردان في موضوع مال الغير .
ولكن يدفع ذلك أنّ فرض دلالة قاعدة التلف على الانفساخ ينافي مع كون موضوعها هو تلف المال المتصف بعنوان المبيعية حين التلف ; لعدم اجتماع هذا الاتّصاف المأخوذ في الموضوع مع الانفساخ الذي هو الحكم . نعم ، لا ضير فيه بناء على كون مفاد قاعدة التلف هو الضمان بالمثل أو القيمة ، كما حكي عن المسالك(1) ، وعلى هذا التقدير أيضاً لا منافاة بين القاعدتين ، لدلالة كلّ منهما على الضمان بالبدل الواقعي في مورد مال الغير ، فافهم واغتنم .
وأمّا الوجه على التقدير الثاني ; وهو التخيير بين إعمال سبب رجوع المسمّى وإعمال سبب ضمان البدل الواقعي ، فهو ما حكاه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) عن الشيخ

(1) مسالك الأفهام : 3 / 216 ، والحاكي هو الشيخ الأنصاري (قدس سره) في كتاب المكاسب : 6 / 271 .

(الصفحة447)



الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) من أنّ تعذّر التسليم يوجب الخيار ، فإذا فسخ العقد رجع إليه المسمّى ، وإلاّ كان الإتلاف وارداً على ماله ، فله تضمين المتلف بالبدل .
ولكنّه أورد عليه بأنّ التعذّر الموجب للخيار ما لا يكون ملحقاً بالتلف من حيث امتناعه عادةً ، وإلاّ فهو موجب للانفساخ دون الخيار ، ولأجل ذلك اختار كون الحكم في المقام هو تعيّن الرجوع باُجرة المثل ، لقاعدة الإتلاف وعدم كون هذا التعذّر موجباً للخيار لما ذكر ، ولا للانفساخ لاختصاص دليله بالتلف وعدم شموله للإتلاف (2).
أقول : أمّا جريان قاعدة الإتلاف في مثل المقام فقد عرفت النظر فيه ، وأمّا المناقشة في أصل ثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء مجّاناً فلا وجه لها ، لعدم توقّف ثبوته على صدق تعذّر التسليم هنا حتّى يناقش فيه بما ذكر ، وذلك لأنّ الغرض إثبات أصل الخيار لا الخيار الناشئ عن تعذّر التسليم ، وقد قرّر في محلّه عدم انحصار الخيار بالعناوين المذكورة له في كتاب البيع ، لعدم دليل على الانحصار .
وحينئذ فنقول : إنّ الوجه في ثبوت الخيار هو التخلّف عمّا وقع العقد عليه ، فإنّه موجب للخيار عند العقلاء ، ويستفاد ثبوته عند الشارع من الموارد التي ثبت الخيار فيها عنده ، فإنّه إذا كان تخلّف الشرط موجباً للخيار فكيف لا يكون التخلّف عن أصل ما وقع العقد عليه موجباً له ، وكذلك إذا كان الغبن موجباً للخيار بحيث لايكاد يسقطه جبران الضرر من قِبَل الغابن ، فكيف لا يكون التخلّف في المقام موجباً له ، وهكذا سائر الموارد ، فإنّه يستفاد من التأمّل في مثل هذه الموارد ثبوت الخيار في المقام ، وإن لم يكن الرجوع إلى اُجرة المثل موجباً لتضرّره ولا كان

(1) راجع كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 276 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 138 .

(الصفحة448)



معسوراً ، والعمدة حكم العقلاء بالثبوت وعدم دليل على الانحصار بالعناوين المعروفة ، وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) في حاشية العروة; من أنّ أخذ العوض نحو استيفاء لمنفعة الأجير ، فمع تمكّن المستأجر منه بلا عسر ولا ضرر لايبعد عدم جواز الفسخ(1) .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوى في المقام هو التخيير بين الفسخ والرجوع بالمسمّى والإمضاء مجاناً . نعم ، لو لم يناقش في جريان قاعدة الإتلاف إمّا بنفسها أو بتنقيح المناط كما لا يبعد الثاني ، لكان الطرف الآخر للتخيير هو الرجوع إلى أُجرة المثل لا نفس الرجوع ، بل الإمضاء الذي حكمه جواز الرجوع كما هو غير خفي .
ثمّ إنّه لا فرق في الحكم الذي ذكرنا في هذه الصورة بين ما إذا لم يسلّم الأجير نفسه حتّى يعمل ، وبين ما إذا سلّم ولم يعمل ، وإن كان يمكن الفرق بينهما بناءً على القول بالانفساخ ، وبتحقّق القبض بمجرّد التسليم وإن لم يأخذ في العمل بعد ، ومنه يظهر الخلل فيما تقدّم(2) نقله عن المفتاح من التفصيل بين الصورتين في الخيار ، فإنّ المناسب هو التفصيل بينهما في الانفساخ ; لأنّه يدور مدار القبض لا في الخيار، إلاّ أن يكون المراد هو خيار تعذّر التسليم كما هو الظاهر ، كما أنّه يمكن الفرق بينهما من جهة إمكان دعوى صدق الغرور فيما إذا سلّم نفسه ولم يعمل ، وكان المستأجر معتقداً بأنّه يعمل نظراً إلى تسليمه نفسه ، ثمّ انكشف الخلاف بعد المدّة دون غيره ، ولكن لافرق من حيث الحكم الذي ذكرنا بين الصورتين أصلاً .
كما أنّه لا فرق بين ما إذا أعلم قبل دخول مدّة الإجارة بأنّه لا يعمل فيها ، وبين ما إذا لم يُعلِم بذلك ، فإنّ الملاك في ثبوت الخيار للمستأجر ليس جهله بوفاء

(1) العروة الوثقى : 5 / 84 ، التعليقة 2 .
(2) في ص441.

(الصفحة449)



الأجير بمقتضى عقد الإجارة حتّى لا يبقى له موقع مع الإعلام ، بل الملاك هو تخلّف الأجير وعدم وفائه ، وهذا لافرق فيه بين صورة الإعلام وعدمه . نعم ، يقع الكلام في خصوص صورة الإعلام في أنّه هل يجوز للمستأجر الفسخ وإن لم تدخل مدّة الإجارة ، أو أنّه لا يجوز له ذلك إلاّ بعد دخولها وعدم شروعه في العمل ؟ نظراً إلى أنّ ملاك الخيار هو التخلّف ، وهو يتوقّف على دخول المدّة وعدم العمل ، ومجرّد الإعلام لا يكفي في ذلك ، فإنّه يمكن أن يحصل له البداء ، بل الظاهر عدم الكفاية ولو مع العلم بعدم حصول البداء له وبقاء عزمه على التخلّف ، فإنّ الموجب لثبوت الخيار نفس التخلّف الخارجي لا العلم بتحقّقه في ظرفه ، كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو لم يفسخ المستأجر في هذه الصورة لكان مقتضى حكمهم بأنّ الاُجرة تملك بنفس العقد أنّ الأجير مالك للاُجرة المسمّـاة ملكاً مستقرّاً غير متوقّف على شيء . غاية الأمر أنّه لا يستحقّ المطالبة ; لأنّه يتفرّع على الأخذ في العمل ، بل على الفراغ منه كما مرّ الكلام فيه مفصّلاً(1) ، وحينئذ يقع الإشكال هنا في أنّه مع مضيّ المدّة المعتبرة في الإجارة وخلوّها عن العمل لا يتحقّق هنا شيء أصلاً حتّى يستحقّ بسببه للمطالبة ; لأنّ العمل في خارج المدّة غير المستأجر عليه ، والمدّة المنقضية لا يمكن عودها ثانياً فبم يحصل له الاستحقاق ، وعليه فاعتبار ملكيّته للاُجرة مع عدم استحقاق المطالبة لها بوجه يصير كأنّه من اللغو ، مع وضوح كون حكمهم بأنّ الاُجرة تملك بنفس العقد عاماً شاملاً لأقسام الإجارة وأنواع الأجير فراجع ، هذا كلّه فيما لو لم يعمل في المدّة أصلاً .
وأمّا لو عمل للمستأجر بعض المدّة وترك العمل في البعض الآخر رأساً ; كما لو عمل له نصف النهار وترك النصف الآخر ، فتارةً يكون البعض الذي عمل فيه أوّل

(1) في ص235ـ 245.

(الصفحة450)



المدّة ، واُخرى وسطها وثالثة آخرها ، وعلى التقادير تارةً يعلم بذلك المستأجر واُخرى لا يعلم به ، فهذه هي الصور المتصوّرة وإن لم يكن بين كثير منها الاختلاف في الحكم كما سيظهر .
فإن عمل له في البعض الأوّل كما في المثال على تقدير كون النصف هو الأوّل ، فتارةً يقع الكلام في الاحتمالات المتصوّرة بالنسبة إلى الأجير من حيث حكمه ، واُخرى في الاحتمالات الجارية بالإضافة إلى المستأجر كذلك ، وثالثة فيما يجري في العقد .
أمّا الأوّل : فيحتمل فيه أن لا يستحقّ شيئاً نظراً إلى أنّه لم يأت بما هو مقتضى عقد الإجارة من العمل في جميع المدّة ، فلا يستحقّ من الاُجرة المسمّـاة ، ولم يكن هذا المقدار مأموراً به من طرف المستأجر وواقعاً بإذنه ، فلا يستحقّ اُجرة المثل .
ويحتمل أن يستحقّ من الاُجرة المسمّـاة ماتقع بإزاء هذا المقدار نصفاً أو ثلثاً أو أقلّ أو أكثر ; لإتيانه ببعض العمل المستأجر عليه الواقع بإزائه مجموع الاُجرة المسمّـاة فتقسّط على الأبعاض .
ويحتمل أن يستحقّ اُجرة مثل عمله لكونه محترماً ناشئاً عن وقوع المعاوضة ولم يقصد به التبرّع والمجانيّة .
ويحتمل أن يستحقّ جميع الاُجرة المسمّـاة لصيرورته مالكاً لها بنفس العقد ، وقد استحق مطالبتها بنفس الشروع في العمل بناءً على أن يكون مجرّد الشروع كافياً في استحقاق الجميع ، كما هو أحد الاحتمالات المتقدّمة في استحقاق الأجير(1) .
ويحتمل أن يفصّل بين ما إذا كان المقدار الذي عمله ممّا يمكن أن يتعلّق به الغرض مستقلاًّ بحسب النوع ، كما إذا خاط ثوباً في نصف النهار ، وبين ما إذا لم يكن

(1) في ص251 ـ 252.

(الصفحة451)



كذلك فيستحق في الأوّل قسطه من الاُجرة المسمّـاة دون الثاني ، فهذه هي الوجوه الخمسة المحتملة بالإضافة إلى الأجير من حيث هو .
وأمّا الثاني : فيحتمل فيه أن يكون له الفسخ في الجميع والرجوع بتمام الاُجرة المسمّـاة لتحقّق التخلّف الموجب للخيار ولو كان في البعض .
ويحتمل أن يكون له الفسخ في البعض الباقي والرجوع بقسطه من الاُجرة المسمّـاة .
ويحتمل أن لا يكون له الفسخ أصلاً ، فيرجع باُجرة مثل ما فات من المنفعة في بعض المدّة أو بدون الرجوع إليها أيضاً ; لعدم جريان قاعدة الإتلاف في مثل المقام كما مرّت الإشارة إليه(1) .
وأمّا الثالث : فيحتمل فيه البطلان من رأس ، والانفساخ من حين ترك العمل ، واللزوم مع عدم الخيار بوجه ، وثبوت الخيار فيه ، فهذه الاحتمالات الأربعة تجري في العقد من حيث هو ، ويمكن بيان الوجه لكلّ واحد منها وإن كان أكثر الوجوه غير وجيهة بل فاسدة ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى .
والتحقيق في المقام أنّه لا مجال للحكم ببطلان العقد من رأس قهراً ومن دون اختيار ; لأنّه لم يفقد بسبب التخلّف شيء من الاُمور المعتبرة في صحّة العقد ، وليس التخلّف كاشفاً عن فقد بعض ما يعتبر فيها ، فالحكم بالبطلان الذي يترتّب عليه رجوع جميع الاُجرة المسمّـاة إلى المستأجر قهراً ممّا لا وجه له .
ثمّ إنّه على هذا التقدير هل يستحقّ الأجير اُجرة مثل ما عمل أم لا ؟ فيه وجهان : من أنّ المقدار من العمل الذي أتى به يغاير ما استؤجر عليه ; لأنّه عبارة عن العمل في تمام المدّة ولم يقع بأمر المستأجر أيضاً فلا يستحقّ شيئاً ، ومن أنّ

(1) في ص444 ـ 445.

(الصفحة452)



الإتيان به لم يكن ناشئاً عن قصد التبرّع والمجانية ، بل أتى به وفاءً بالعقد المعاوضي . غاية الأمر وقوع التخلّف بالنسبة إلى البعض ; وهو لا يوجب خلوّ ما عمل عن العوض .
ويمكن استظهار الوجه الأوّل من صاحب العروة ـ حيث إنّه استند فيما إذا عمل الأجير للغير تبرّعاً ; لعدم جواز رجوع المستأجر على فرض عدم الفسخ إلى الغير المتبرّع له بالعوض ، سواء كان جاهلاً أو عالماً بالحال ـ بأنّ المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير ، وإن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل ، إلاّ إذا فرض على وجه يتحقّق معه صدق الغرور(1) ، فإنّه يستفاد منه أنّ الملاك في جواز الرجوع إلى غير المتلف هو صدق الغرور المفروض عدمه في المقام ; لأنّه لم يتحقّق هنا غرور من ناحية المستأجر أصلاً كما لا يخفى ، فلا يرجع الأجير عليه بشيء .
نعم، اعترض عليه بعض المحقّقين من محشّي العروة(2) بأنّ مجرّد الاستيفاء يكفي في جواز الرجوع ، وإن لم يتحقّق معه غرور كما سيجيء تحقيقه ، هذا ما يتعلّق باحتمال البطلان الذي عرفت أنّه بلا وجه .
وأمّا احتمال الانفساخ من حين ترك العمل الذي يترتّب عليه استحقاق الأجير ما يقع بإزاء المقدار الذي عمل من الاُجرة المسمّـاة لو لم يفسخ المستأجر أصل العقد لأجل التبعّض ، فلابدّ وأن يكون مستنداً إلى جريان دليل التلف قبل القبض هنا أيضاً ، نظراً إلى عدم تحقّق القبض بالنسبة إلى ما لم يعمل ، وقد عرفت(3) الإشكال في أصل دلالة القاعدة على الانفساخ في

(1) العروة الوثقى : 5 / 83 مسألة 4 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 83 ، التعليقة 1 .
(3) في ص442ـ 444.

(الصفحة453)



باب الإجارة ، فضلاً عن مثل المقام الذي لا ينبغي الإشكال في تحقّق التسليم في الجملة .
وبالجملة : فهذا الاحتمال أيضاً خال عن الوجه الوجيه ، مضافاً إلى أنّ تقسيط الاُجرة المسمّـاة ربما ينافي ما ذكروه من توقّف استحقاق الأجير للاُجرة على الفراغ عن العمل وتماميّته ، فتدبّر .
وأمّا احتمال اللزوم وعدم ثبوت الخيار بوجه فهو ينافي ما ذكرناه من الحكم بثبوت الخيار في موارد التخلّف عن العقد ; لعدم الفرق بين كون التخلّف بنحو الكليّة أو في الجملة ، فلا محيص عن الحكم بثبوت الخيار للمستأجر ، ولكن يقع الكلام حينئذ في أنّ الثابت له هل هو الخيار واحد أو أزيد ، صرّح المحقّق الرشتي (قدس سره)بأنّ الثابت له خياران ، أحدهما : خيار التلف والإتلاف بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، والثاني : خيار التبعّض بالنسبة إلى الماضي ، وذكر أنّ ثبوت خيار التبعّض يتوقّف على اختيار الفسخ بمقتضى الخيار الأوّل ; لأنّ التبعّض لا يتحقّق بدونه ، وعليه فرجوع جميع الاُجرة المسمّـاة إلى المستأجر يتوقّف على إعمال الخيارين معاً كما صرّح به نفسه(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لم يعلم المراد من خيار التلف والإتلاف ، فإنّه إن كان المراد بالتلف هو التلف الوارد في دليل التلف قبل القبض ، وبالإتلاف هو الإتلاف الواقع في قاعدته فمن الواضح عدم دلالة شيء من القاعدتين على ثبوت الخيار ، بل مفاد الاُولى على ما هو المشهور(2) الانفساخ ، ومفاد الثانية ثبوت العقد في المقام والرجوع إلى اُجرة المثل ، فليس من الخيار عين ولا أثر ، وإن كان المراد بهما هو

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 215 .
(2) رياض المسائل : 5 / 127 ، مفتاح الكرامة : 4 / 596 ، كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 6 / 270 .

(الصفحة454)



تعذّر التسليم كما هو الظاهر ، فالتعبير عنه بهما ليس بوجيه كما هو غير خفي ، وإلى أنّ الخيار الثابت في مثل المقام كما عرفت هو الخيارالناشئ عن التخلّف لا تعذّر التسليم ، لما مرّ من المناقشة فيه ، وإلى أنّ إعمال خيار التبعّض لا يتوقّف على إعمال الخيار الأوّل ; لأنّ المراد بالتبعض الموجب للخيار ليس خصوص التبعّض في الملك ، كما في بيع ما يملك وما لا يملك حتّى يتوقّف تحقّق موضوعه على فسخ العقد بالنسبة إلى بعض أجزاء الزمان في المقام ، بل يمكن أن يقال : بأنّه على هذا التقدير أيضاً ليس له خيار التبعّض ; لأنّ التبعّض الناشئ من قبل المستأجر نفسه لا يوجب الخيار ، بل المراد بالتبعّض هو الأعمّ من التبعّض في الملك أو في الانتفاع ، ومن الواضح تحقّق التبعّض في الانتفاع في المقام بنفس إهمال الأجير في بعض المدّة ، من دون أن يتوقّف على فسخ المستأجر فيه ـ أنّه ليس في المقام إلاّ خيار واحد وهو خيار التبعّض ; وذلك لأنّ التخلّف الموجب للخيار لم يتحقّق في جميع المدّة ; لأنّ المفروض عمل الأجير في البعض الأوّل من المدّة ، فالتخلّف إنّما هو بالنسبة إلى البعض الآخر ، غاية الأمر عدم انحصار الخيار بخصوص التخلّف في الجميع ، بل الحقّ كما عرفت أنّ التخلّف في البعض أيضاً كذلك وعليه فلا موجب للخيار في المقام إلاّ التخلّف في البعض ، ومن الواضح أنّه عبارة اُخرى عن تبعّض الصفقة المعروف إيجابه للخيار .
نعم ، يترتّب على إعمال هذا الخيار فسخ العقد بالنسبة إلى الجميع الموجب لرجوع جميع الاُجرة المسمّـاة إلى المستأجر ، لا كما تشعر به عبارة المحقّق الرشتي (قدس سره)من كون أثر هذا الخيار عند الإعمال فسخ العقد بالنسبة إلى الماضي فقط ، إلاّ أن يقال : إنّ المفروض في كلامه فسخه بالنسبة إلى الباقي أوّلاً فلا معنى له ثانياً ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة455)



وقد ظهر أنّ الأقوى في هذا الفرض ثبوت خيار التبعّض في المجموع فقط ، كما صحّحه المحقّق الإصفهاني (قدس سره)(1) ، ولا فرق فيما ذكرنا من حكم هذا الفرض ـ وهي صورة الإعمال ـ بين أنواع الأجير الخاصّ ; وهي من كانت جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة أو منفعته الخاصّة فيها ، أو استؤجر لعمل كلّي في الذمّة مباشرة مدّة معيّنة ; لعدم الفرق في الملاك بين هذه الأنواع الثلاثة ، هذا كلّه فيما لو أهمل الأجير في البعض الأوّل من المدّة .
وممّا ذكرنا فيه يظهر حكم سائر الفروض المتصوّرة في إهمال البعض ، كما أنّه ظهر لك أنّ المختار فيما إذا أهمل في جميع المدّة هو ثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء مجّاناً ، وفيما إذا أهمل في البعض أيضاً الخيار ، غاية الأمر أنّ الخيار هنا يسمّى خيار التبعّض ، أي التخلّف في البعض كما مرّ .
الصورة الثانية : ما إذا عمل الأجير لنفسه في جميع المدّة أو في البعض ، وظاهرهم ـ كما صرّح به في العروة وتبعه المحشّون ـ ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّـاة كلاًّ أو بعضاً ، وبين الإمضاء والرجوع إلى العوض(2) ، من دون أن يكون هنا فرق في الأجير بين الأجير بالمعنى الأوّل الذي يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة ، وبين الأجير بالمعنى الثاني الذي تكون منفعته الخاصّة فيها له ، وبين الأجير بالمعنى الثالث الذي هو عبارة عمّن استؤجر لعمل كلّي في الذمة مباشرة في مدّة معيّنة .
والظاهر أنّه لا فرق بين هذه الصورة والصورة المتقدّمة في شيء ممّا ذكرنا فيها

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 139 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 82 مسألة 4 .

(الصفحة456)



إلاّ في بعض الجهات ، ولابدّ من التعرّض لها :
منها : أنّه يمكن أن يقال : بأنّ الأجير بأحد المعنيين الأوّلين إذا سلّم نفسه إلى المستأجر ومهّدها لإطاعة أوامره وإنجاح أغراضه ومقاصده ، أو خصوص الغرض المذكور في عقد إجارته كالخياطة أو الكتابة ، فتارةً يعيّن عليه المستأجر عملاً في الخارج ، فيقول له مثلاً : خط هذا الثوب ، واُخرى لم يعيّن عليه . غاية الأمر أنّ الغرض من إجارته تهيّئه لرجوع المستأجر إليه في المدّة المعيّنة ، ففي الفرض الأوّل إذا تخلّف واشتغل بالعمل لنفسه ، كما لو خاط ثوب نفسه لا بأس بالحكم بثبوت الخيار لأجل التخلّف وعدم الوفاء بمقتضى عقد الإجارة ، وأمّا في الفرض الثاني إذا عمل لنفسه في تلك المدّة مع تهيّئه لرجوع المستأجر إليه ، غاية الأمر أنّه لم يرجع إليه بعد ، فلا يكون العمل لنفسه مخالفاً للوفاء بعقد الإجارة ولا يعدّ الأجير متخلِّفاً ; لأنّ التخلّف فرع تعيين عمل عليه ، أو عمل خاصّ مذكور في العقد ، وبدونه لا يكاد يتحقّق هذا العنوان الموجب للخيار ، كما لا يخفى .
نعم ، في الأجير بالمعنى الثالث الذي مرجعه إلى الاستئجار لعمل في الذمّة ـولازمه تحويل ذلك العمل إلى المستأجر ـ لا ريب في صدق التخلّف مع الاشتغال بعمل نفسه ، كما أنّه في الصورة الاُولى أي صورة الإهمال يكون فرض الإهمال مساوقاً لتعيين العمل من المستأجر وعدم اشتغال الأجير به وتركه العمل رأساً ، ففيها أيضاً يتحقّق التخلّف ، وأمّا في المقام فمع عدم تقدير عمل له لا يتحقّق التخلّف ، فلا وجه لثبوت الخيار للمستأجر ، اللّهم إلاّ أن يقال : إنّه يكفي في صدق عدم الوفاء بالعقد مجرّد إيجاد العمل لغير المستأجر في المدّة المعيّنة ، أو يقال : بأنّه لا يكاد يجتمع كون جميع المنافع للمستأجر مع وقوع العمل للأجير ، وكذا في الأجير الخاصّ بالمعنى الثاني ، فتدبّر جيّداً .


(الصفحة457)



ومنها : أنّه ذكر بعض المعاصرين من محشّي العروة(1) أنّه يشكل ثبوت الخيار فيما إذا عمل الأجير لنفسه في بعض المدّة ; لاستلزامه التبعيض في الخيار .
أقول : يمكن أن يقال : إنّ الفسخ إذا كان بالنسبة إلى المقدار الذي صرف في العمل لنفسه لايكاد يتحقّق التبعيض في الخيار إلاّ أن يقال بمنافاة ذلك ، لما مرّ من أنّ الخيار الثابت في صورة التخلّف في البعض هو خيار التبعّض وهو ثابت في المجموع ، ومع اختيار الفسخ لابدّ من رجوع جميع الاُجرة المسمّـاة لا البعض فقط ، فهذا الإشكال موجّه ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاصه بهذه الصورة ، بل جريانه في الصورة الاُولى أيضاً ; وهي ما إذا أهمل الأجير في بعض المدّة .
ومنها : ذكر صاحب العروة أنّه مع بقاء الإجارة وعدم الفسخ يطالب المستأجر عوض الفائت من المنفعة بعضاً أو كلاًّ(2) ، وقال بعض أجلّة العصر في حاشيتها : بل عوض المنفعة التي استوفاها المستأجر أو غيره ، وهو اُجرة مثل العمل الذي أوقعه لنفسه أو غيره ، ثمّ قال : ولعلّ هذا هو مراد الماتن هنا وفي الصورة الآتية(3) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ فرض استيفاء المستأجر خارج عن محلّ الكلام ; لأنّ مورده ما إذا عمل الأجير لنفسه كما هو ظاهر ، وإلى أنّ عبارة الماتن لا تساعد على ما ذكره أصلاً ـ أنّه لا دليل على كون الاُجرة التي يرجع المستأجر بها على الأجير هي اُجرة مثل العمل الذي أوقعه لنفسه ، فإنّه لو عمل الأجير لنفسه عملاً له اُجرة قليلة مع أنّه لو كان يعمل للمستأجر يعمل عملاً له أُجرة كثيرة هل يلزم على

(1) العروة الوثقى : 5 / 82 ، التعليقة 4 .
(2) العروة الوثقى: 5 / 82 ـ 83 مسألة 4.
(3) العروة الوثقى : 5 / 82 التعليقة 5.

(الصفحة458)



المستأجر الرجوع إلى الاُجرة القليلة ؟
نعم ، يمكن الإيراد على الماتن أيضاً بأنّ الرجوع إلى عوض الفائت من المنفعة إنّما يتحقّق فيما إذا قدّر له عملاً معيّناً ، وهو لم يشتغل به بل عمل لنفسه ، وأمّا مع عدم تقدير عمل له أصلاً فما المنفعة الفائتة حتّى يرجع بعوضها ، إلاّ أن يقال : إنّه يجوز له أخذ اُجرة المنفعة التي هي أكثر من جميع المنافع قيمة كما في العبد المغصوب ; لأنّه يمكن للمستأجر استيفاء تلك المنفعة .
ويمكن أن يقال ـ بناءً على عدم جريان قاعدة الإتلاف في مثل المقام لما مرّت(1)الإشارة إليه ـ : إنّه لا محيص إلاّ عن الرجوع باُجرة مثل العمل الذي أوقعه لنفسه ; لأنّه العمل الموجود في الخارج المملوك للمستأجر بعد عدم فسخ الإجارة ، فيرجع باُجرته ، لكن الإنصاف أنّ هذه المسألة مشكلة لوجود احتمالات كثيرة فيها عدا ما ذكر ; لأنّه يحتمل أيضاً أن يكون المستأجر مخيّراً بين الرجوع باُجرة مثل العمل ، وبين أخذ عوض المنفعة الفائتة ، ويحتمل أيضاً أن يكون له الجمع بينهما ، نظراً إلى أنّ العمل الذي أوقعه مملوك له فعليه اُجرة مثله ، وأنّه أتلف المنفعة على المستأجر فعليه أيضاً عوضها ، ويحتمل ضعيفاً أن لا يكون له شيء من الأمرين في صورة عدم تعيين عمل عليه ; وذلك لعدم صدق التفويت والإتلاف بعد عدم التعيين ، فلا يستحقّ عوض الفائت ، وعدم كون العمل لنفسه موجباً للتخلّف ونقض الوفاء ومنافياً للإجارة ، فلا وجه لاستحقاق اُجرة مثله ، ويحتمل أيضاً بعض الاحتمالات الاُخر فتدبّر .
ويمكن أن يقال في الأجير الخاصّ بالمعنى الأوّل الذي تكون جميع منافعه

(1) في ص444 ـ 448.

(الصفحة459)



للمستأجر : إنّ المراد بكون جميعها له هل هو أن يكون الأجير مختاراً في تعيين العمل ، وأنّ ما يعمله في مدّة الإجارة لنفسه أو لغيره لابدّ من أداء عوضه إلى المستأجر ، ففي الحقيقة يستأجره المستأجر لا لأن يعمل له بل لأن يعمل لأيّ شخص شاء من نفسه أو غيره ويؤدّي عوضه إليه ، أو أنّ المراد بالأجير الخاصّ بالمعنى الأوّل أن يكون الأجير ممهِّداً لرجوع المستأجر إليه لاستيفاء منافعه ، وأنّ الاختيار في تعيين العمل بيد المستأجر ، ولا يجوز له التخلّف عمّا عيّن المستأجر من العمل ، ولا يجوز له العمل للغير بل لابدّ من أن يكون تحت اختيار المستأجر ، نظير الخادم الذي يستخدمه الإنسان لإرجاع حوائجه إليه ؟
فعلى التقدير الأوّل الذي هو خلاف ما يظهر من كلماتهم في المراد من الأجير الخاصّ بالمعنى الأوّل ، بل يمكن أن يقال بعدم صحّة هذا النحو من الإجارة رأساً لاستلزام الغرر المنهي عنه ، فتدبّر ، لا محيص عن القول بأنّ ما يرجع به المستأجر على الأجير إنّما هو اُجرة مثل العمل الذي أوقعه لنفسه أو لغيره ، ولا يتصوّر هنا الرجوع إلى عوض الفائت من المنفعة كما هو ظاهر .
وعلى التقدير الثاني الذي هو الموافق لظاهر الكلمات ، فتارةً يعيّن له المستأجر عملاً خاصّاً ويتخلّف الأجير عنه ويعمل لنفسه كما هو المفروض ، واُخرى يعمل لنفسه مع عدم تعيين عمل عليه ، ففي الأوّل يكون مقتضى القاعدة جواز رجوعه إلى الأجير باُجرة مثل العمل الذي أوقعه لنفسه ; لأنّه كان مملوكاً للمستأجر ، وبعوض المنفعة المعيّنة الفائتة ; لأنّه فوّتها وأتلفها على المستأجر ، ولا دليل في البين على عدم جواز الرجوع بكلتا الاُجرتين ، وإن كان الظاهر هو الرجوع إلى الأوّل فقط ، وفي الثاني يتعيّن عليه الرجوع باُجرة مثل العمل فقط ; لعدم تحقّق الإتلاف والتفويت أصلاً .


(الصفحة460)



وأمّا الأجير الخاصّ بالمعنى الثاني ، فإن كان العمل الذي عمله لنفسه من نوع العمل المستأجر عليه ، كما إذا كان العمل المستأجر عليه الخياطة واشتغل بالخياطة لنفسه ، فالرجوع إنّما هو باُجرة المثل للعمل . وإن كان من غير ذلك النوع، كما إذا اشتغل بالكتابة لنفسه في الفرض المزبور فالظاهر الرجوع باُجرة عوض ما فات من المنفعة ، ولا مجال للرجوع إلى اُجرة الكتابة بعد عدم ارتباطها بالمستأجر أصلاً ، كما لا يخفى .
الصورة الثالثة : ما إذا عمل الأجير للغير تبرّعاً في بعض المدّة أو جميعها وحكم هذه الصورة من الحيثيّة الراجعة إلى العقد وثبوت التخيير للمستأجر بين الفسخ والإمضاء وعدمه ـ وكذا من الجهة الراجعة إلى المقدار الذي يرجع به المستأجر من اُجرة مثل العمل ، أو عوض الفائت أو التخيير أو غيرها من الاحتمالات المتقدّمة ـ حكم الصورة الثانية ، من دون فرق بينهما إلاّ في بعض الجهات غير المهمة كما يظهر بالتأمّل ، والذي لابدّ من البحث عنه هنا هو التكلّم فيمن يرجع إليه المستأجر من الأجير أو الغير المتبرّع له ، والذي يظهر منهم أنّه هنا أقوال :
أحدها : ما حكي عن المسالك(1) من التخيير بين مطالبة من شاء منهما معلّلاً بتحقّق العدوان . وردّ عليه(2) بأنّ هذا التعليل ـ مع اختصاصه بصورة علم الغير وعدم شموله لصورة الجهل ـ غير ظاهر ; لأنّ العدوان فرع التصرّف في المنفعة المملوكة للغير ، وهو أي المتبرّع له لا يكون متصرّفاً فيها كالتصرّف في العين التي تكون منفعتها للغير .

(1) مسالك الأفهام : 5 / 191 .
(2) راجع كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 217 ومستمسك العروة : 12 / 100 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>