جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجارة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة581)



أنّ أسباب الضمان إنّما تستفاد من الشرع(1)، وغرضه (قدس سره) أنّ الفقهاء قد عدّوا للضمان أسباباً مذكورة في محلّه من اليد والإتلاف وغيرهما، ولم يعدّوا الاشتراط من جملة الأسباب، وهذا دليل على عدم تأثيره في ثبوته، وإلاّ لم يكن وجه لإهماله .
ويرد عليه أنّ القول بثبوت الضمان بسبب الاشتراط لا يكون مستنداً إلى غير الشرع; لأنّ المستند له هو عموم «المؤمنون عند شروطهم»(2). فهذا السبب أيضاً كسائر الأسباب إنّما يكون مستفاداً من الشرع، وأمّا عدم كونه معدوداً من جملة الأسباب في الكتب الفقهية فهو بمجرّده لا ينفي السببية عن الاشتراط، خصوصاً لو كان غرضهم من الأسباب هي الاُمور التي كانت بعناوينها الأوّلية سبباً للضمان دون الاُمور التي قد تصير سبباً لا بعنوانها الأوّلي، فتدبّر .
نعم، لو قام دليل على انحصار السببية بالأسباب المعدودة لكان مقتضى الجمع بينه وبين عموم دليل الشرط تخصيصه بسببه لو فرض دلالة العموم على الصحّة واللزوم معاً ، وأمّا لو فرض دلالته على اللزوم فقط فيما كانت صحّته مفروغاً عنها فلا منافاة بين الدليلين أصلاً، كما لا يخفى .
الخامس : مخالفة هذا الشرط لمقتضى القعد ، وقد صرّح به العلاّمة (قدس سره)في محكي التذكرة(3)، ولكن في الجواهر(4) تبعاً للرياض(5) عدم كونه منافياً لمقتضى العقد، وهو الحقّ، وذلك لأنّ المراد بمقتضى العقد إن كان هو ما يقتضيه العقد بحقيقته وماهيّته فلا ريب في أنّ اشتراط الضمان في الإجارة لايكون منافياً لمقتضى العقد بهذا

(1) جواهر الكلام: 27 / 217.
(2) مرّ في ص406.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 318.
(4) جواهر الكلام: 27 / 217.
(5) رياض المسائل: 6 / 19.

(الصفحة582)



المعنى، ضرورة أنّ الإجارة لاتكون حقيقتها إلاّ تمليك المنفعة بإزاء الاُجرة، واشتراط الضمان لا ينافي هذه الحقيقة، بل المنافي بهذا المعنى إنّما هومثل اشتراط عدم الّتملك في باب البيع مثلاً، فإنّ هذا الشرط يخالف حقيقة البيع المقتضية للتمليك والتملّك .
وإن كان المراد به هو ما يقتضيه العقد لا بمعنى كونه مقتضاه بحقيقته وماهيّته، بل بمعنى كونه من لوازم تلك الحقيقة عند العرف والعقلاء، وكونه من اللوازم غير المفارقة كاقتضاء البيع لجواز التصرّف مثلاً، فلا ينبغي الإشكال في أنّ الإجارة لا  تكون مقتضية لعدم الضمان بهذا المعنى حتّى يكون اشتراطه منافياً لها .
كما أنّه لو كان المراد به هو ما يقتضيه إطلاق العقد بمعنى ترتّب ذلك الشيء على العقد لو خلّي وطبعه، فإن كان ترتّبه مستنداً إلى الاقتضاء فلا ريب في أنّ الاشتراط لا يكون مخالفاً لمقتضى عقد الإجارة بهذا المعنى أيضاً; لعدم ثبوت اقتضاء لعدم الضمان في باب الإجارة، وإن كان من جهة قيام الدليل الخارجي على الترتّب، فهذا يرجع إلى المخالفة لذلك الدليل لا لمقتضى العقد، وسيجيء التحقيق فيه .
فانقدح أنّ اشتراط الضمان في باب الإجارة لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد بشيء من المعاني الثلاثة الراجعة إلى اقتضاء العقد بماهيّته واقتضائه له; لكونه من اللوازم غير المفارقة واقتضائه لترتبه بنفسه، لا من جهة قيام الدليل عليه.
السادس: مخالفة هذا الشرط للكتاب والسنّة، وقد قام الدليل على أنّ الشرط المخالف للكتاب باطل(1) أو زخرف(2)، وأنّ لزوم الوفاء بالشرط إنّما هو فيما إذا لم يخالف كتاب الله ونحو ذلك من التعبيرات الواردة، وحيث كانت الآراء والمباني في

(1) التهذيب: 7/67 ح 289، وسائل الشيعة: 18/16، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 6 ح 3.
(2) وسائل الشيعة: 18/17، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب6 ح4 و ج 27/110 و 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب9 ح 12 و 14

(الصفحة583)



باب المخالفة وبيان معناها مختلفة، فلابدّ من الإشارة إليها وملاحظة أنّ اشتراط الضمان في المقام هل يكون مخالفاً لكتاب الله الذي هو بمعنى الأحكام المكتوبة، وإن كانت ثابتة بالسنّة على جميع تلك الآراء، أو هي مختلفة في هذه الجهة، فنقول :
قد يقال : بأنّ المراد بالمخالفة التي يضرّ اتّصاف الشرط بها هي المخالفة لشيء من الأحكام التكليفيّة، أعمّ ممّا ينطبق على مخالفتها عنوان المعصية، وعليه فالمخالفة للأحكام الوضعية لا يوجب كون الشرط زخرفاً أو باطلاً، فاشتراط الضمان في المقام لا يكون مخالفاً للكتاب بهذا المعنى; لأنّ الحكم بعدم الضمان للعين المستأجرة حكم وضعيّ وليس من الأحكام التكليفية .
وقد يقال : بأنّ المراد بها هي المخالفة لخصوص شيء من الأحكام التكليفية التي يترتّب على مخالفتها تحقّق عنوان المعصية، الموجب لاستحقاق الإثم والعقوبة، وعدم كون اشتراط الضمان في المقام مخالفاً للكتاب بهذا المعنى أولى وأوضح من الفرض الأوّل .
وربما يقال : بأنّ المراد بالمخالفة هي المخالفة لشيء من الأحكام المكتوبة أعمّ من التكليفيّة والوضعية، ولا فرق في التكليفيّة بين ما يترتّب على مخالفتها استحقاق العقوبة، وبين ما لا يترتّب على مخالفتها ذلك ، ومن الواضح أنّ اشتراط الضمان في المقام مخالف للكتاب بهذا المعنى; لأنّ الحكم بعدم الضمان هنا من الأحكام المجعولة الشرعية ، ولكن تفسير المخالفة بهذا المعنى في غاية البعد; لاقتضائه عدم نفوذ اشتراط المباحات فعلاً أو تركاً لكونه مخالفاً بهذا المعنى، اللّهمّ إلاّ أن يقال بخروج المباحات فراراً عن اللغويّة في دليل الشرط، أو لقيام الدليل من السيرة أو الإجماع على الجواز والنفوذ فيها .
وقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ المراد بالمخالفة التي يضرّ اتّصاف الشرط بها هي المخالفة

(الصفحة584)



للأحكام المكتوبة الاقتضائية; بمعنى أنّ الحكم المجعول في الواقعة الذي يكون الشرط مخالفاً له إن كان حكماً ناشئاً عن الاقتضاء المتحقّق في تلك الواقعة ونظائرها فالشرط المخالف له باطل أو زخرف، وإن لم يكن اقتضائيّاً بهذا المعنى فلا تضرّ مخالفة الشرط له. وعليه فلابدّ من ملاحظة أنّ اشتراط الضمان في المقام هل يكون من الشروط المخالفة للأحكام الاقتضائية أم لا؟ وأنّ الحكم بعدم ضمان العين المستأجرة هل يكون من الأحكام الاقتضائية أم هو لأجل عدم وجود المقتضى للضمان في العين المستأجرة؟ فنقول :
قال المحقّق الرشتي (قدس سره) : إنّ الإجارة تقتضي عدم ضمان العين المستأجرة، فاشتراط الضمان مناف لمقتضى العقد فيخالف الكتاب. ودعوى الجماعة كون ذلك من لوازم مطلق الإجارة لا الإجارة المطلقة تحكّم ، من أين ثبت لهم هذا، وأيّ دليل دلّ عليه في مقابل إطلاق ما دلّ على كونها أمانة ؟ والنقض بالعارية بعد النص والإجماع قياس مع الفارق; لأنّ دليل صحّة هذا الشرط هناك يكشف عن كون عدم الضمان لازم للعارية المطلقة لا مطلق العارية(1) .
وقال المحقّق العراقي (قدس سره) في شرح التبصرة : ومبنى المسألة أنّ الأمانة ممّا تقتضي عدم الضمان، أو أنّه لا تقتضي الضمان قبال سائر الأيادي المقتضية له ، ولعلّ مقتضى الجمع بين أدلّة أيادي الأمانيّة مع عموم «على اليد»(2) الحكم ببقاء اليد على اقتضائه، وأنّ الأمانية مانعة عن الاقتضاء المزبور، ولازمه كونه موجباً ومقتضياً لعدمه. فدليل الشرط حينئذ غير صالح لمزاحمة ما يكون مخالفاً; لأنّ نفي مخالفته

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي: 65.
(2) تقدّم في ص337 ـ 338.

(الصفحة585)



حينئذ فرع عدم مانعيّة الأمانة ، وهذه الجهة منوطة بصحّة الشرط فيدور، فيصير الشرط حينئذ مخالفاً للسنة قهراً.
نعم، لو كان لدليل الأمانة نظر إلى تحديد اقتضاء اليد بغيرها كان لصحّة الشرط مجال; لعدم مخالفة مضمون الشرط لمقتضى الأمانة، إذ هما من قبيل الاقتضاء واللااقتضاء ولا مزاحمة بينهما، ولكن أنّى لنا بإثباته، إذ الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور عموم «على اليد» في فعلية تأثيره مع بقائه على اقتضائه، أو رفع اليد عن ظهوره في اقتضائه أيضاً.
ولئن شئت قلت : إنّ المقام من باب التخصيص أو التزاحم والأصل هو الثاني، فلازمه بطلان الشرط. ولكن الذي يوهنه ورود النصّ(1) بالضمان بالشرط في العارية مع أنّه يد أمانة أيضاً، فذلك يؤيّد كون المقام من باب التخصيص لا من باب التزاحم، كيف وعلى التزاحم يلزم الالتزام بتخصيص عموم مخالفة الشرط للسنّة، وهو أبعد من الالتزام بالتخصيص في عموم «على اليد» ولا أقلّ من تصادم الظهورين، فيجري عليها حكم المجمل، والمرجع في المقام أصالة عدم مخالفة الشرط للسنّة فتصحّ، وحينئذ فالمسألة في غاية الإشكال(2)، انتهى .
والتحقيق أنّه إمّا أن يقال بعدم شمول عموم «على اليد» لمثل الاستيلاء على العين المستأجرة، نظراً إلى اختصاصها بالأيادي القاهرة الحادثة عن غير رضا المالك; إمّا لأجل ظهورها في نفسها في ذلك، أو لأجل استلزام الشمول لكثرة التخصيص ، وإمّا أن يقال بالشمول وعدم الاختصاص بتلك الأيادي المخصوصة .

(1) الكافي: 5 / 238 ح1، وسائل الشيعة: 19 / 91، كتاب العارية ب1 ح1.
(2) شرح تبصرة المتعلّمين: 5 / 436 ـ 437.

(الصفحة586)



فعلى الأوّل: لا دليل على كون الحكم بعدم ضمان العين المستأجرة حكماً اقتضائياً صادراً عن وجود المقتضي له لو لم نقل بامتناعه، نظراً إلى أنّه لا يعقل التأثير في الأمر العدمي، وعليه فلا مانع من تأثير الاشتراط بمقتضى عموم دليله في ثبوت الضمان .
وعلى الثاني: فلا ريب في أنّ اليد المستولية على العين المستأجرة مقتضية للضمان بمقتضى عموم دليلها، وعليه فلابدّ أن يكون الحكم بعدم الضمان ناشئاً عن وجود مقتض له أقوى من اليد المقتضية للضمان، وإن شئت فقل بوجود المانع عن تأثير اليد في ثبوت مقتضاها، وعليه فيتّجه في بادئ النظر أن يقال بكون اشتراط الضمان مخالفاً لكتاب الله; لثبوت الحكم الاقتضائي على خلافه، فيترتّب عليه البطلان وعدم النفوذ، ولكنّ التدقيق يقضي بأنّ الحكم بعدم الضمان إنّما هو لأجل الائتمان المتحقّق في الإجارة ومثلها ، فالمانع عن تأثير اليد في مقتضاها إنّما هو الائتمان، وحينئذ نقول : إنّ تحقّق الائتمان إنّما هو مع إطلاق عقد الإجارة، وأمّا مع اشتماله على اشتراط الضمان فلا يكاد يتحقّق الائتمان حتّى يمنع عن تأثير اليد، فموضوع المانع ينتفي مع وجود الاشتراط .
وما أفاده المحقّق الرشتي (قدس سره) فيما تقدّم من كلامه من أنّه أيّ دليل دلَّ عليه في مقابل إطلاق ما دلّ على كونها أمانة ، إن أراد بكون العين المستأجرة أمانة كونها أمانة حقيقة مطلقاً فنحن نمنع ذلك; لأنّ الأمانة بمقتضى ماهو المتفاهم منها في السنّة العرف والعقلاء تختصّ بالوديعة، وقد عرفت أنّ استعمالها فيها أيضاً لا يخلو عن شوب المجازية ورعاية العلاقة . وإن أراد بذلك تحقّق الائتمان بالنسبة إلى العين المستأجرة فهو مسلّم، ولكنّه فيما إذا كانت الإجارة خالية عن اشتراط الضمان، وأمّا معه فنمنع تحقّق الائتمان كما عرفت، كيف ومن الواضح أنّه لافرق من هذه الجهة بين

(الصفحة587)



الإجارة والعارية، فجواز اشتراط الضمان في الثانية دليل على انتفاء موضوع الائتمان بمجيء الاشتراط، وإلاّ فيصير من الشروط المخالفة للكتاب ، مع أنّ عموم ما دلّ على أنّ الشرط المخالف باطل غير قابل للتخصيص، كما عرفت من المحقّق العراقي (قدس سره) .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه بناءً على هذا المبنى في تفسير المخالفة لا يكون اشتراط الضمان متّصفاً بذلك، مع أنّ المبنى أيضاً لا يخلو عن المناقشة; لأنّ مقتضاه عدم جواز إسقاط الخيار بالشرط في ضمن العقد; لأنّ الحكم بثبوت الخيار للبيّعين حكم اقتضائيّ بمقتضى قوله (عليه السلام) : «البيّعان بالخيار»(1). وكذا عدم جواز إثبات الخيار بالاشتراط في العقد اللاّزم; لأنّ اللزوم إنّما هو مقتضى العقد، نظراً إلى عموم {أَوفُوا بِالعُقُودِ}(2) وغيره من أدلّة اللزوم، فاشتراط الخيار مخالف لدليل اللزوم الذي هو من الأحكام الاقتضائية لا محالة، كما لا يخفى .
وقد يقال في تفسير المخالفة بأنّ المخالفة المضرّة إنّما هي المخالفة للأحكام المكتوبة، والحكم العدمي لا يطلق عليه الحكم; لأنّ مايتعلّق به الجعل إنّما هو الأحكام الوجودية، مثل الوجوب والحرمة ونظائرهما من الأحكام الوجودية التكليفية والوضعية . وأمّا الحكم العدمي فليس حكماً مكتوباً إلهيّاً، وعليه فليس الحكم بعدم الضمان في العين المستأجرة من الأحكام المكتوبة الإلهية حتّى يكون اشتراط خلافه مخالفاً لكتاب الله .
ويرد عليه منع عدم كون الحكم العدمي من الأحكام الإلهية، ضرورة أنّه ليس

(1) وسائل الشيعة: 18 / 5 ـ 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1.
(2) سورة المائدة 5: 1.

(الصفحة588)



المراد من الحكم إلاّ ما اعتبره الشارع من مجعولاته التكليفية والوضعية، من دون فرق بين أن يكون وجودياً أو عدمياً. نعم، قد ينتزع من الحكم الوجودي بعض الأحكام العدمية، كما أنّه قد ينتزع من الحكم بالوجوب عدم الحرمة، وكذلك نظائره، ولكنّه ليس بحكم لعدم اعتبار الشارع له، كما هو ظاهر .
وقد يقال في تفسير المخالفة كما قاله الشيخ الأعظم العلاّمة الأنصاري (قدس سره): بأنّ المراد بحكم الكتاب والسنّة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له هو ما ثبت على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط لأجل تغيّر موضوعه بسبب الاشتراط ، وقال في توضيح ذلك: إنّ حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه ومجرّداً عن ملاحظة عنوان آخر طارئ عليه، ولازم ذلك عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم، وبين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع، ومثال ذلك أغلب المباحات والمستحبّات والمكروهات بل جميعها، حيث إنّ تجويز الفعل والترك إنّما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طروّ عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك كأكل اللحم، فإنّ الشرع قد دلَّ على إباحته في نفسه، بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف على تركه أو أمر الوالد بتركه ، أو عروض الوجوب له إذا صار مقدّمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده ، وقد يثبت له لا مع تجرّده عن ملاحظة العناوين الخارجة الطارئة عليه، ولازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم، وبين ثبوت حكم آخر له. وهذا نظير أغلب المحرّمات والواجبات، فإنّ الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيّد بحيثيّة تجرّد الموضوع إلاّ عن بعض العناوين كالضرر والحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج والضرر، فلابدّ من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه

(الصفحة589)



أو بالخارج .
ثمّ قال : الشرط إذا ورد على ما كان من قبيل الأوّل لم يكن الالتزام بذلك مخالفاً للكتاب، إذ المفروض أنّه لا تنافي بين حكم ذلك الشيء في الكتاب والسنّة، وبين دليل الالتزام بالشرط ووجوب الوفاء به ، وإذا ورد على ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفاً للكتاب والسنّة(1)، انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ درجاته ومقامه .
وقد انقدح أنّه بمقتضى هذا التفسير يكون اشتراط عدم الضمان في المقام من الشروط غير المخالفة للكتاب والسنّة; لأنّ مقتضى أدلّة عدم ضمان الأمين عدم ضمانه في نفسه من غير إقدام عليه، فلا ينافي إقدامه على الضمان من أوّل الأمر، ولذا استشكل هو (قدس سره) فيما بعد هذا الكلام في الفرق بين الإجارة والعارية، نظراً إلى قيام الشهرة على العدم في الاُولى والاتفاق على الجواز في الثانية(2).
وكيف كان، فاللاّزم بناءً على ذلك نفوذ اشتراط الضمان في المقام، ولكن قد اُورد على هذا المبنى بعض الإيرادات :
منها : أنّ عروض العنوان المغيّر للحكم في باب المباحات والمستحبّات والمكروهات لايقتضي أن يكون الموضوع للحكم الثاني الطارئ هو ما كان موضوعاً للحكم الأوّل، بل الموضوع للحكم الثاني هو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في موضوع الحكم الأوّل من جهة المفهوم ، مثلاً إذا كانت صلاة الليل موضوعة للحكم بالاستحباب بعنوانها، فلا تصير هذه موضوعة للوجوب إذا
(1) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري: 6 / 26 ـ 27.
(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري: 6 / 30.

(الصفحة590)



تعلّق النذر بها، بل الموضوع للوجوب حينئذ إنّما هو الوفاء بالنذر بعنوانه، من دون أن يسري الوجوب من موضوعه إلى عنوان آخر، بل هو مستحيل كما حقّق في محلّه .
وعليه فكما أنّ عروض عنوان آخر في باب المحرّمات والواجبات لا يقتضي خروج الموضوع بعنوانه الأوّلي عن الحكم المتعلّق به ، فكذلك عروضه في باب غيرهما، فصلاة الليل مستحبة مطلقاً تعلّق بها النذر أم لا . غاية الأمر أنّه مع تعلّق النذر يتعلّق التكليف بوجوب الوفاء به على عهدته، فلم يكن فرق بين الأحكام من هذه الجهة أصلاً، كما لا يخفى .
ومنها : أنّ معنى الإطلاق ـ كما قد حقّق في الاُصول ـ لا يكون راجعاً إلى ملاحظة المتكلّم جميع القيود والمشخّصات التي يمكن أن تتّحد في الخارج مع الماهية المطلقة، بل معناه يرجع إلى ملاحظة ذات المطلق موضوعاً للحكم من غير لحاظ شيء آخر معه، ومرجع ذلك إلى أنّ تمام الموضوع لهذا الحكم هو هذا العنوان المأخوذ في الموضوع، ولا دخالة لشيء آخر في ذلك أصلاً، ولذا اشتهر بين المحقّقين من الاُصوليّين أنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود لا جمعها، وعليه فلا يبقى فرق بين أدلّة مثل المباحات وأدلّة الواجبات والمحرّمات أصلاً، بمعنى أنّه كما أنّ دليل وجوب الصلاة مثلاً مطلق، ومرجعه إلى أنّ الموضوع للوجوب إنّما هي نفس الصلاة من غير دخالة شيء آخر فيه، كذلك الموضوع لاستحباب صلاة الليل مثلاً إنّما هي نفس صلاة الليل من دون مدخلية شيء آخر، فالفرق بين الأدلّة من الجهة المذكورة ممّا لا يرجع إلى محصّل، وإن نفى (قدس سره) الإشكال عنه، والتحقيق موكول إلى محلّه .
السابع : ما اشار إليه في الجواهر أيضاً من قصور عموم دليل الشرط لمثل المقام

(1) جواهر الكلام: 27 / 217.

(الصفحة591)



ممّا تكون شرط النتيجة(1) ، والوجه في القصور إمّا دعوى انصراف العموم إلى شرط الفعل وعدم شموله لشرط النتيجة وإن كان هو أيضاً شرطاً ، وإمّا ما ذكره بعض الأعلام من المعاصرين في شرحه على العروة من بطلان شرط النتيجة; لأنّ النتائج لا تقبل أن تكون مضافة إلى مالك فلا تكون شرطاً; إذ التحقيق أنّ الشرط مملوك للمشروط له، فإذا امتنع أن تكون مملوكة امتنع أن تشترط ملكيّتها. نعم، إذا كانت في العهدة جاز أن تكون مملوكة; لكنّها حينئذ تخرج عن كونها شرط نتيجة، بل تكون من قبيل شرط الفعل، وليس هو محلّ الكلام ـ إلى أن قال : ـ هذا، مضافاً إلى أنّ مفاد صيغة الشرط مجرّد جعل التمليك بين المشروط له والشرط لا جعل الشرط المملوك، فإنّ الصيغة لا تتكفّله، فإذا لم يكن مجعولاً لم يكن ثابتاً، فلا يكون شرط النتيجة موجباً لتحقّق النتيجة، ولا يصحّ حينئذ ترتيب الأثر عليها، وليس المراد من بطلان شرط النتيجة إلاّ هذا المعنى; أعني عدم ترتّب النتيجة عليه .
ثمّ قال : إنّ الإشكالين المذكورين في شرط النتيجة إنّما يمنعان عنه إذا كان مفاد الشرط في العقد تمليك الشرط للمشروط له كما هو الظاهر، ويقتضيه مناسبته بباب شرط الفعل وباب الإقرار ونحوهما . أمّا لو كان مفاده مجرّد الالتزام للمشروط له بالشرط فمرجعه إلى إنشاء شرط النتيجة في ضمن العقد، ولا بأس به عملاً بعموم نفوذ الشرط إلاّ إذا كان مفهومه لا ينشأ إلاّ بسبب خاصّ، فإنّ عموم الشرط حينئذ لا يصلح لتشريع صحّة إنشائه بدون ذلك السبب; لأنّه يكون مخالفاً للكتاب فيدخل في الشرط الباطل(1) .

(1) مستمسك العروة الوثقى: 12 / 71 ـ 72.

(الصفحة592)



أقول : إن كان الوجه في القصور هو دعوى انصراف العموم عن مثل المقام فيرد عليه منع ذلك; لعدم ثبوت الشاهد على هذه الدعوى بعد انسباق العموم من دليل الشرط .
وإن كان الوجه فيه عدم انطباق عنوان الشرط على شرط النتيجة لما أفاده البعض المذكور من أنّ الشرط ما كان مملوكاً للمشروط له، والنتائج لا تقبل أن تكون مضافة إلى مالك فلا تكون شرطاً، فيرد عليه أيضاً المنع من عدم كون شرط النتيجة شرطاً، فإنّه قد اشتهر بينهم تقسيم الشرط إلى قسمين : شرط الفعل وشرط النتيجة، ومن المعلوم ظهور ذلك في كون المقسم حقيقة في القسمين، فلابدّ أن يكون المراد بالشرط أمراً متحقّقاً في شرط النتيجة أيضاً، وليس ذلك إلاّ مجرّد الالتزام بثبوت المشروط أعمّ من أن يكون فعلاً أو نتيجة .
نعم، يمكن أن يقال بالفرق بين شرط النتيجة، وبين نذرها بأنّ دليل الشرط يعمّ شرط النتيجة; لأنّ شموله يدور مدار عنوان الشرط ، وأمّا نذر النتيجة فدليله أيضاً وإن كان عاماً إلاّ أنّ صيغة النذر ظاهرة في ثبوت المنذور على عهدة الناذر، وملكيّته تعالى ذلك على عهدته كما هو الظاهر من كلمتي «عليّ، واللاّم». ومن الواضح أنّ الثابت على العهدة إنّما هو الفعل الصادر عن اختيار وإرادة، وأمّا النتائج فلا يعقل أن تكون ثابتة على العهدة لعدم ارتباطها بالناذر .
وكيف كان، فلا وجه لتخصيص عنوان الشرط بخصوص شرط الفعل بعد كونه على قسمين .
هذا، مضافاً إلى إمكان منع الصغرى في المقام والقول بعدم كون اشتراط الضمان من شرط النتيجة; لأنّ القدر المتيقن من شرط النتيجة ما إذا كانت النتيجة مورداً للشرط، من دون أن تكون مقدّمة للفعل الذي هو باختيار المشروط عليه، كما إذا

(الصفحة593)



شرط في البيع مملوكية شيء آخر له بمجرّد الاشتراط من دون توسّط التمليك، فإنّ شرط المملوكية بهذا النحو شرط للنتيجة قطعاً ، وأمّا في مثل المقام فالغرض من اشتراط الضمان هو التوصّل به إلى الفعل الذي يكون باختيار المشروط عليه; وهو أداء المثل أو القيمة، ولم يعلم كون مثله من شرط النتيجة بعد كونها مقدّمة للفعل الخارجي ، كما أنّه في النتائج التي لا يمكن تحقّقها بدون توسّط الفعل ـ لكونه من المقدّمات الوجودية لها ـ يمكن جريان هذا الإشكال; مثل ما إذا شرط في البيع كون ثوبه مخيطاً، إذ من الواضح عدم إمكان اتصاف الثوب بذلك الوصف إلاّ بعد توسّط الخياطة التي هي فعل للمشروط عليه .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّه هنا فرضان ظاهران في كونهما من شرط النتيجة ولكنّهما ليسا متمحضين في ذلك، ولأجله يمكن إجراء حكم شرط الفعل عليهما، ولتحقيق الكلام زائداً على ما ذكر محلّ آخر .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في هذه المسألة أنّه لم يقم دليل على بطلان اشتراط ضمان العين المستأجرة بعد الفراغ عن إمكانه وعدم استحالته، وأنّ شيئاً من الاُمور السبعة المتقدّمة التي كانت العمدة منها هي مخالفة الشرط للكتاب أو السنّة لم ينهض لإفادة البطلان، إلاّ أنّه يبقى هنا شيء; وهو أنّ مجرّد عدم قيام الدليل على البطلان لايجدي، بل اللاّزم إقامة الدليل على الصحّة ولزوم الوفاء بهذا الشرط، وحينئذ نقول :
تارةً يُقال بأنّ دليل الشرط وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) مسوق لبيان إفادة اللزوم فقط. غاية الأمر أنّه تستكشف الصحّة بقاعدة التلازم; لعدم
فعلى الأوّل: يكون مقتضى عمومه لزوم الوفاء بالشرط في المقام، وقد عرفت

(1) مرّ في ص406.

(الصفحة594)



معقولية اللزوم من دون الصحّة، واُخرى يقال بإفادته مجرّد الصحّة وأنّ كلّ شرط صحيح من دون دلالة له على اللزوم بوجه .
عدم انفكاك اللزوم عن الصحّة فيفيد الصحّة بقاعدة التلازم، إلاّ أنّه يرد على هذا الوجه أنّ مقتضاه كون الشرط المخالف للكتاب والسنّة مستثنى من اللزوم الذي هو المدلول المطابقي لقوله (صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم». فلا دلالة حينئذ إلاّ على أنّ الشرط المخالف لأحدهما غير لازم الوفاء به، وهذا لا ينافي اتّصافه بالصحّة لافتراقها عن اللزوم في بعض الموارد ، وحمل الاستثناء على كونه استثناءً عن الصحّة التي هي المدلول الالتزامي بناءً على هذا الفرض خلاف الظاهر جدّاً ، ولا يرد مثل هذا الاشكال على آية وجوب الوفاء بالعقود(1) بناءً على القول بإفادته لمجرّد اللزوم بحسب مدلوله المطابقي، وذلك لخلوّه عن مثل هذا الاستثناء .
وبالجملة : فالظاهر أنّ الحكم المنفيّ في المستثنى هو الحكم الثابت في المستثنى منه بالدلالة المطابقية، فحمله على اللزوم يوجب كون المنفي في الشرط المخالف أيضاً هو اللزوم، وهذا لا ينافي الصحّة مع أنّه لاريب في بطلانه .
وعلى الثاني: يكون مقتضى التمسّك بعموم دليل الشرط ثبوت وصف الصحّة للاشتراط في المقام، ويكفي في لزومه دليل وجوب الوفاء بالعقد; لظهوره في أنّ ما يجب الوفاء به هو العقد مع توابعه وخصوصياته، أو يقال: بأنّه لا حاجة إلى إقامة الدليل على اللزوم في مثل المقام من شرط النتائج; لأنّ مجرّد إثبات الصحّة فيه كاف، فتدبّر جيّداً .

(1) سورة المائدة 5: 1.

(الصفحة595)



تتمة
قد ظهر لك ممّا تقدّم أنّه مضافاً إلى عدم قيام الدليل على بطلان اشتراط ضمان العين المستأجرة يكون مقتضى عموم دليل الشرط الصحّة واللزوم; لعدم كون مثله من الشروط المخالفة للكتاب والسنّة، ويقع الكلام هنا في فرض الشكّ في اتّصاف الشرط في المقام بالمخالفة وعدمه تارةً في جواز التمسّك بالعموم مع وجود هذا الشكّ، واُخرى في إمكان إثبات عدم كونه مخالفاً من طريق الاستصحاب .
أمّا الأوّل : فالظاهر أنّه لايجوز التمسّك بعموم دليل الشرط مع الشكّ في كونه مخالفاً، وذلك لما قرّرنا في محلّه من أنّ الخاصّ إذا كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر، وكان متّصلاً بالعام كقوله: «أكرم العلماء إلاّ الفساق منهم» وتردّد الفاسق بين أن يكون مختصّاً بمن يرتكب الكبيرة فقط، أو شاملاً لمن يرتكب الصغيرة أيضاً، فلاشبهة في عدم جواز الرجوع إلى العامّ بالنسبة إلى المورد المشكوك; لأنّ الخاصّ المتّصل بالكلام يصير مانعاً عن انعقاد ظهور للعام في العموم، والمقام من هذا القبيل، وذلك لأنّ إخراج الشرط المخالف للكتاب إنّما وقع بنحو الاستثناء المتّصل بالكلام، ووضوح كون المستثنى على هذا التقدير مردّداً بين الأقلّ والأكثر; لصدق المخالفة قطعاً في بعض الموارد والشكّ في صدقها في مثل المقام على ما هو المفروض .
ودعوى أنّ دليل الشرط بمقتضى بعض الروايات يكون خالياً عن الاستثناء وارداً بنحو العموم ، وإن كان بمقتضى بعضها الآخر يكون مشتملاً عليه، وعليه فيمكن ادّعاء عدم كون المقام من قبيل التخصيص بالمتّصل .
مدفوعة بأنّ التعرّض للمستثنى منه أيضاً في بعض الروايات دليل على عدم كون ما ورد بنحو العموم ـ مع كونه خالياً عن الاستثناء ـ من قبيل سائر العمومات التي يكون من شأن التقنين المتداول بين العقلاء إلقاؤها ثمّ إخراج بعض المصاديق

(الصفحة596)



بعنوان التخصيص .
وبالجملة : فالظاهر أنّ العقلاء ـ الذين هم المراجع في مثل المقام ـ لا يعاملون معه معاملة المخصّص المنفصل، وعليه فالقاعدة تقتضي عدم جواز التمسّك بعموم دليل الشرط لما ذكرنا .
وأمّا الثاني : فربما يقال بإمكان إجراء استصحاب العدم الأزلي في المقام، نظراً إلى عدم تحقّق المخالفة في الأزل فيما لم يكن حكم ولا شرط، وقد انقلب اليقين بعدم الحكم والشرط إلى اليقين بوجودهما مع الشكّ في انقلاب عدم المخالفة إلى وجودها، فلا مانع من إثبات بقائه بالاستصحاب .
وقد أُورد على جميع الاستصحابات الأزلية كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم قابلية الحيوان للتذكية ونحوهما; بأنّ أمرها دائر بين المثبتيّة وبين عدم ثبوت الحالة السابقة; لأنّه إن كان المستصحب هو اتّصاف الموضوع ـ المفروض الوجود ـ بعدم ذلك الوصف، وبعبارة اُخرى كان المستصحب هو عدم وجود تلك الصفة بنحو وجودها الربطي، فيرد عليه عدم وجود الحالة السابقة له; لأنّه من أوّل وجوده كان مشكوك الاتّصاف بهذه الصفة، ولم يمض عليه زمان كان فاقداً لها ثمّ شكّ في اتّصافه بها حتّى يكون مقتضى الاستصحاب بقاءه على حال الفقدان .
ودعوى أنّه يمكن أن يقال : بأنّ المستصحب هو اتّصاف المهيّة بعدم تلك الصفة، إذا المهيّة قبل تلبّسها بلباس الوجود كانت خالية من تلك الصفة; لكونها من عوراض الوجود دون الماهية، فيمكن أن يقال : هذه المرأة مثلاً مشيراً إلى ماهيّتها لم تكن قبل الوجود قرشيّة، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود .
مدفوعة بأنّ الإشارة إلى الماهية مساوقة لوجودها، إذا الماهية قبل وجودها ليست بشيء حتّى يمكن أن يشار إليها، كما هو أوضح من أن يخفى .

(الصفحة597)



وإن كان المستصحب هي القضية السّالبة المحصّلة الصادقة مع انتفاء الموضوع أيضاً، فيرد عليه أنّ استصحاب تلك القضية وجرّها إلى زمان وجود الموضوع وإن كان صحيحاً من حيث وجود الحالة السابقة، إلاّ أنّ تطبيق تلك الحالة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع على الحالة اللاّحقة المشروطة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل، فهو يكون حينئذ مثبتاً; لأنّ الأثر الشرعي مترتّب على الخاصّ وإثباته انّما هو بحكم العقل .
فانقدح من ذلك أنّه لايجري الاستصحاب في مثل المقام، سواء كان المستصحب عدم كون الشرط مخالفاً بنحو وجوده الربطي، أو كان عدم كونه كذلك بنحو السالبة المحصّلة لعدم وجود الحالة السابقة في الأوّل وكونه مثبتاً في الثاني .
إلاّ أن يقال : بأنّ التخصيص بالشرط المخالف لايوجب تعنون العامّ بحيث كان الموضوع لوجوب الوفاء هو الشرط المعنون بعدم كونه مخالفاً، بل الدليل على لزوم الوفاء بالشرط عام شامل لكلّ شرط. غاية الأمر أنّ المخالفة مانعة عن تأثير الشرط في لزوم الوفاء به، كما لو فرض كون المخصّص منفصلاً عن العامّ، فإنّه لا مانع حينئذ من إجراء استصحاب عدم المخالفة بنحو السالبة المحصّلة التي هي أعمّ من وجود الموضوع، ولا حاجة إلى تطبيقها على الحالة المشروطة بوجود الموضوع; لأنّ مقتضى عموم دليل الشرط لزوم الوفاء بكلّ شرط ، وثبوت المانع لأجل احتمال المخالفة مندفع بالاستصحاب .
وبالجملة : فالحاجة إلى الاستصحاب إنّما هي لنفي العنوان المانع، وأمّا الحكم بوجوب الوفاء فيدلّ عليه العموم، وهذا نظير إجراء استصحاب عدم المانع في الصلاة مع الشكّ في تحقّقه فيها، فإنّه لا مانع منه لعدم الحاجة إلى أزيد من عدم المانع ولو تعبّداً، كما لا يخفى .

(الصفحة598)



وبالجملة : جريان الاستصحاب في المقام وعدمه مبنيّ على أنّ التخصيص بالشرط المخالف هل صار موجباً لتعنون موضوع العامّ وتقيّده بما عدا مورد التخصيص، أم لم يصر موجباً له؟ فإن قلنا بالأوّل نظراً إلى كون التخصيص بنحو الاستثناء كما لايبعد بل هو الظاهر فلا مجال لإجراء الاستصحاب كما عرفت، وإن لم نقل بالأوّل نظراً إلى وجود العمومات الخالية عن الاستثناء، أو عدم كون الاستثناء موجباً له فلا مانع من جريانه، كما مرّ .
ودعوى أنّه على هذا التقدير أيضاً يمكن المناقشة في جريانه; لأنّ غاية ما يثبت بالاستصحاب عدم كون الشرط مخالفاً بنحو السالبة المذكورة، ولم يترتّب في الشريعة أثر على ذلك; لأنّ الأثر المترتّب فيها بين النفوذ المترتّب على كلّ شرط، وبين البطلان والزخرفيّة المترتّبة على الشرط المخالف، وليس هنا أثر ثالث مترتّب على ما ذكر .
مدفوعة بأنّ ظاهرهم التسالم على جريان مثل هذا الاستصحاب كاستصحاب عدم المانع في الصلاة، والسرّ أنّ نفي الحكم الشرعي بنفي موضوعه يكفي في جريان الاستصحاب، ولا حاجة إلى ترتّب أثر شرعي على نفس المستصحب، كما قرّر في محلّه .
وممّا ذكرنا يظهر النظر في بعض ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في هذا المقام، حيث إنّه بعد تصحيح جريان الاستصحاب فيما نحن فيه بعدم كون المستصحب هو عدم المخالفة بنحو العدم المحمولي ليرد المحذور، بل المستصحب عدم كون الشرط مخالفاً ولو بعدم الموضوع قال : إنّ هذا التصحيح صحيح فيما إذا كانت سالبة منطوقيّة، وأمّا إذا كانت بالمفهوم فهي لها شأن آخر، فإنّ المفهوم تابع للمنطوق سعةً وضيقاً ومن جميع الجهات إلاّ في النفي والإثبات ، وإذا كان المنطوق متضمِّناً لمحمول مرتّب على

(الصفحة599)



موضوع محقّق فمفهومه سلبه عن موضوعه، فيتمحّض في السالبة بانتفاء المحمول ومفاد الاستثناء إلاّ شرطاً خالف كتاب الله، وليس في الأدلّة كلّ شرط لا يخالف كتاب الله فهو نافذ حتّى يحقّق هذا المعنى، ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع بالاستصحاب، إلاّ أنّه فيما أرسله في الغنية هكذا : الشرط جائز بين المسلمين مالم يمنع منه كتاب ولا سنّة(1) . فيمكن إثبات عدم المنع منه في الكتاب وأنّه شرط لم يمنع منه الكتاب ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، لكنّه لا وثوق بكونه غير ما ورد في سائر الأخبار(2) .
فإنّه يظهر منه أنّ منشأ الإشكال وعدم إمكان التصحيح بما أفاده هو كون القضية السالبة في المقام مفهومية تابعة للمنطوق من حيث ترتّب المحمول على موضوع محقّق، فيجب أن يكون المفهوم سلبه عن نفس ذلك الموضوع، وإلاّ فلو فرض كون القضية السالبة منطوقية غير تابعة لارتفع الإشكال وأمكن التصحيح بما ذكر، مع أنّه على هذا التقدير أيضاً لايمكن، ضرورة أنّه لايعقل أن يجعل عدم كون الشرط مخالفاً ـ ولو بعدم الموضوع ـ موضوعاً للحكم بالنفوذ والصحّة ووجوب الوفاء، ضرورة أنّ الحكم بمثل ذلك لابدّ وأن يكون له موضوع محقّق مفروض، وهل يمكن أن يكون موضوعه ما كان أعمّ من عدم الموضوع ، وكون السالبة المحصّلة صادقة مع انتفاء الموضوع وإن كان ممّا لا ارتياب فيه، إلاّ أنّ جعلها مع عمومها موضوعة لأمر وجوديّ ممّا لايعقل، فإنّه يصحّ ويصدق قوله : «زيد ليس بقائم» مع انتفاء زيد في الخارج، ولكنّه لو قيل: زيد الذي ليس بقائم

(1) غنية النزوع: 219، التهذيب: 7 / 22 ح94، الفقيه: 3 / 127 ح5.
(2) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 41.

(الصفحة600)



ضاحك مثلاً لايجوز أن يكون نفي كونه قائماً أعمّ من عدمه كما هو واضح، فعدم المخالفة وإن أُخذ بنحو السالبة المحصّلة أيضاً لا يجدي في تصحيح جريان الاستصحاب، فالتحقيق ما ذكرناه .
وقد انقدح من جميع ما ذكرناه في هذه المسألة صحّة اشتراط ضمان العين المستأجرة في عقد الإجارة، ومنه تظهر الصحّة فيما لو اشترط في عقد لازم آخر كالبيع ونحوه، كما أنّه تظهر الصحّة بطريق الأولوية فيما لو اشترط أداء مقدار مخصوص من المال على فرض التلف أو التعيّب لا بعنوان الضمان، وأمّا التضمين خارج العقد قبله أو بعده فتتوقّف صحّته على شمول عموم دليل الشرط للشروط الابتدائية الاستقلالية غير المذكورة في ضمن العقد، أو على شمول عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد لها لو فرض انطباق عنوان العقد عليها، كما لا يخفى. وعليه فيمكن المناقشة فيما ذكره العلاّمة (قدس سره) في القواعد بقوله : ولو ضمنه المؤجر لم يصحّ، فإن شرطه في العقد فالأقرب بطلان العقد(1) .
وما يظهر من مفتاح الكرامة في شرح العبارة من كون المراد بالتضمين في العبارة هو اشتراط الضمان في العقد(2)، ولذا حكم بأنّ عبارة التحرير(3) المصرّحة باشتراط ضمان العين على المستأجر أحسن من هذه العبارة ومن التذكرة(4) التي هي مثلها ، فيه: أنّ التضمين في العبارة أعمّ من الاشتراط في متن العقد، وإلاّ لكان قوله :

(1) قواعد الأحكام: 2 / 304.
(2) مفتاح الكرامة: 7 / 252.
(3) تحرير الأحكام: 3 / 117.
(4) تذكرة الفقهاء: 2 / 318، وفيه: لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين لم يصحّ الشرط; لأنّه مناف لمقتضى العقد.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>