جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الخمس « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة201)



يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط لقوله(صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم(1) ، لكن المشروط هو أداء مقدار الخمس نيابةً عنه ، لا الخمس الاصطلاحي بعد عدم ثبوت الدليل عليه كما هو المفروض . نعم ، لا مجال لاشتراط السقوط في مورد الثبوت; وهو الاشتراء في ضمن هذا العقد أو عقد لازم آخر ; لأنّه لا يكون حقّاً للبائع حتّى يسوغ له اشتراط العدم ، بل هو حكم شرعيّ ثابت في مورده بمقتضى الدليل . نعم ، لو اشترط الذمّي المشتري على البائع المسلم إعطاء مقدار خمس المبيع نيابةً عن الذمّي فلا مانع منه ; لأنّ مرجعه إلى أنّ أصل الحكم ثابت بالإضافة إليه ، غاية الأمر أنّه يشترط على البائع النيابة عنه في الإطاعة والموافقة .
ثمّ إنّه لو باع الذمّي الأرض التي اشتراها من مسلم وكان الثابت عليه الخمس لا يسقط عنه الخمس بإسلامه ولا ببيعه من آخر ولو كان مسلماً; لثبوته عليه بمجرّد الاشتراء ، والأصل عدم السقوط بذلك أي الإسلام والبيع من آخر . نعم ، لو كان أصل المعاملة مشتملاً على الخيار للبائع أو المشتري فالظاهر أيضاً عدم سقوط الخمس بإعمال الخيار ، استناداً إلى انفساخ المعاملة وصيرورتها كالعدم ; لأنّ الظاهر أنّ تأثير الفسخ بسبب الخيار ونحوه إنّما هو من حين إعمال الخيار ، لا من الأصل الذي هو العقد ، وعليه فاللازم دفع مقدار ثمن الخمس إلى البائع لو أدّاه أو أجبره الحاكم على الدفع .
المقام الثالث : في مصرف هذا الخمس ، والظاهر أنّه لا يبقى إشكال ـ بملاحظة ما ذكرنا في المقام الأوّل من أنّ الرواية الوحيدة التي هي مستند أصل الحكم ناظرة إلى الخمس الاصطلاحي المعهود المذكور في الآية الشريفة ، وكونه في عداد سائر

(1) التهذيب 7: 371 ح1503، الاستبصار 3: 232 ح835، الوسائل 21: 276، كتاب النكاح أبواب المهور ب20 ذح4.

(الصفحة202)



الاُمور المتعلّقة للخمس كالمعدن والكنز وغيرهما ـ في أنّ مصرفه هو مصرف الخمس في تلك الموارد .
وحكي عن صاحب المدارك الترديد في ذلك(1) ، نظراً إلى خلوّ النصّ عن المصرف والمتعلّق من كونه رقبة الأرض أو حاصلها بعنوان الزكاة ، لكن عرفت(2)أنّه في غير محلّه .
بقي الكلام في أصل المسألة في أمرين :
الأمر الأوّل : أنّه لا نصاب لهذا الأمر المتعلّق للخمس كما كان النصاب ثابتاً بالإضافة إلى أكثر الاُمور المتقدّمة على ما مرّ ، بل الموضوع هي الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ، سواء كانت قليلة أو كثيرة; لعدم دلالة دليله على اعتبار النصاب بوجه ، فلو اشترى أرضاً ولو كانت متراً واحداً لأجل إحداث الدكّان مثلاً يجب عليه خمسها; لعدم الفرق فيها من هذه الجهة .
الأمر الثاني : أنّه لا إشكال في عدم ثبوت نيّة القربة بالإضافة إلى الذمّي الذي يجب عليه الخمس; لعدم إمكان تمشّي قصد القربة من الكافر المنكر للإسلام الثابت فيه هذا الحكم ، سواء كان قصد القربة بمعناه الظاهر أو بمعنى قصد امتثال الأمر بعد إنكاره لأصل الأمر ، ولم يقم دليل لفظي على اعتبار قصد القربة في مورد الخمس بنحو الإطلاق ، بل غاية الأمر ثبوته في سائر الموارد بالإجماع والسيرة اللّذين هما دليلان لبّيان لا إطلاق لهما ، وكون كتاب الخمس من كتب الفقه العبادية لا دلالة فيه على لزوم اتّصاف جميع موارده بذلك .


(1) مدارك الأحكام 5 : 386 .
(2) في ص192 ـ 194.

(الصفحة203)

مسألة 25 : إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض ، والكلام في تخييره كالكلام فيه على ما مرّ قريباً ، ولو كانت مشغولة بالغرس أو البناء مثلاً ليس لوليّ الخمس قلعه ، وعليه اُجرة حصّة الخمس لو بقيت متعلّقة له . ولو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مع وصف كونها مشغولة بها بالاُجرة ، فيؤخذ خمسها1 .


وكيف كان ، فعدم تمشّي قصد القربة من الكافر لا يلتئم مع اعتباره ، ولا دليل على لزوم الدفع إلى الحاكم ، بل الواجب عليه هو دفعه بنفسه ، وأمّا الحاكم فيما إذا أخذ منه الخمس فلا يجب عليه النيّة لا حين الأخذ; لأنّه لا وجه لثبوت النيّة على المدفوع إليه مع كون التكليف ثابتاً بالإضافة إلى الذمّي ، ولا حين الدفع إلى المصرف; لعدم كون التكليف ثابتاً عليه ، أللّهمّ إلاّ في صورة اشتراط النيابة كما تقدّم ، والعمدة ما ذكرنا من عدم ثبوت دليل لفظيّ مطلق على اعتبار قصد القربة في جميع موارد الخمس ، فتدبّر .

1 ـ المتعلّق للخمس في هذا الأمر إنّما هي رقبة الأرض وعينها في مقابل الأبنية أو الأشجار الموجودة فيها على فرضه ، سواء قلنا بثبوت الخمس في مثلها مطلقاً ، أو في خصوص ما إذا كانت الأرض مشتراة مستقلّة لا تبعاً ، كما عليه الماتن (قدس سره)على ما مرّ(1) ، والبحث في تخيير الذمّي بين أن يدفع نفس المتعلّق أو قيمته هو الكلام فيما مرّ في المسألة الثالثة والعشرين من دون فرق ، وقد تقدّم البحث فيها .
ولو كانت الأرض المتعلّقة للخمس مشغولة بالغرس أو البناء مثلاً لا يجوز لوليّ الخمس قلع ذلك الغرس أو البناء ; لعدم كون ثبوته بغير حقّ كما في الأرض

(1) في ص191 .

(الصفحة204)

مسألة 26 : لو اشترى الذمّي الأرض المفتوحة عنوة ، فإن بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها كذلك ـ كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم ـ فلا إشكال في وجوب الخمس عليه ، وأمّا إذا بيعت تبعاً للآثار فيما كانت فيها آثار من غرس أو بناء ، وكذا فيما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعية بالشراء من المسلم المتقبّل من الحكومة ـ الذي مرجعه إلى تملّك حقّ الاختصاص الذي كان للمتقبّل ـ فالأقوى عدم الخمس وإن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلى أهله عليه1 .


المغصوبة التي يغرس فيها الغاصب أو يبني مثلاً ، فلا مجال للحكم بجواز القلع في المقام . نعم ، على الذمّي اُجرة حصّة الخمس ودفعها إلى وليّه لو كانت الأرض باقية كما كانت متعلّقة للخمس . وأمّا لو فرض خروج حصّة الخمس عن كونها كذلك ، كما لو فرض تحقّق الهبة من وليّ الخمس للذمّي ، وقلنا بصحّتها وبعدم تعلّق الخمس في صورة الهبة ، فإنّه ليس على الذمّي الاُجرة أصلاً ، وكما لو فرض دفع الخمس من القيمة .
ثمّ إنّه على القول بثبوت التخيير للذمّي بين دفع الخمس من نفس الأرض ، وبين دفع القيمة لو أراد الذمّي دفع القيمة ، فإن كانت الأرض غير مشغولة بمثل الغرس أو البناء فاللازم دفع قيمة خمس الأرض ، وإن كانت مشغولة به فتقويم الأرض إنّما هو مع وصف كونها مشغولة ، وثبوت الاُجرة بالإضافة إلى الغرس أو البناء وأخذ خمس القيمة الكذائية ، ولا مجال للتقويم بدون الإشغال أو الإشغال بدون الاُجرة . ومن الواضح مدخليّة الوصف الكذائي في تقليل القيمة ، فقيمة الخمس تنقص عن قيمة الأرض لو فرض عدم كونها مشغولة ، كما لا يخفى .

1 ـ قد تصوّر في المتن للأرض المفتوحة عنوة التي اشتراها الذمّي من المسلم صوراً ثلاثاً :


(الصفحة205)



الاُولى : ما إذا بيعت الأرض بنفسها وفرض جواز هذا البيع ، كما إذا كان البائع وليّ المسلمين واقتضت مصلحة المسلمين بيع نفس الأرض لثبوت الضرورة ، فإنّه لا إشكال في هذه الصورة في ثبوت الخمس على الذمّي; لانتقال نفس الأرض إليه بالبيع والشراء ، ويتفرّع عليه أنّه لو انتقل الخمس من وليّه إلى شخص آخر يصير مالكاً له ملكاً طلقاً ، وإذا كان المشتري له الذمّي يثبت عليه الخمس كما سيأتي نظيره ، وجواز بيع الحاكم مع عدم كونه مالكاً كالجواز في سائر الموارد مثل الدين والاحتكار وغيرهما .
الثانية : ما إذا بيعت الأرض تبعاً للآثار الموجودة فيها من الغرس أو البناء ، وقد قوّى في المتن عدم ثبوت الخمس فيها ، والظاهر أنّ منشأه ما أفاده سابقاً(1) من أنّ اشتراء الأرض إذا كان بنحو التبعيّة لا يشملها دليل ثبوت الخمس في هذا الأمر ، لا عدم كون الأرض ملكاً للبائع حتّى ينتقل إلى المشتري; لأنّ المشهور ثبوت الملكية للبائع ، غاية الأمر بالملك المتزلزل أي الباقي ما دامت الآثار موجودة فيها ، فإذا فرض خرابها يكون ملكاً لعامّة المسلمين ، ولا اختصاص لدليل الخمس الثابت على الذمّي بما إذا تحقّقت الملكية له دائماً ، فالدليل على عدم الخمس في هذه الصورة كون دخول الأرض بنحو التبعية ، وخروج هذه الصورة عن دليل وجوب الخمس كما مرّ منه بالإضافة إلى غير الأراضي المفتوحة عنوةً .
الثالثة : ما إذا انتقلت إليه الأرض الخالية الزراعية من المسلم المتقبّل من الحكومة ، ومرجع هذا الانتقال إلى تملّك حقّ الاختصاص الذي كان للمتقبّل ، وقد قوّى في هذه الصورة أيضاً عدم ثبوت الخمس على الذمّي ، والظاهر أنّ منشأه أنّ

(1) في ص191 .

(الصفحة206)



إطلاق الشراء على هذه الصورة إنّما هو بنحو العناية والمسامحة ، ضرورة عدم تحقّق الشراء الحقيقي المشتمل على انتقال نفس الأرض إلى المشتري كما في الصورة الاُولى ، والمفروض أنّه لا يكون هناك آثار من الغرس وغيره .
ثمّ إنّ ظاهر السيّد بل صريحه ثبوت الخمس في الصورتين الأخيرتين ، قال في العروة : لو كانت الأرض من المفتوحة عنوةً وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم; لأنّها للمسلمين ، فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع وأنّ المبيع هو الآثار ، ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري ، وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح(1) .
وقد عرفت الجواب عنه بالإضافة إلى كلتا الصورتين ، مع أنّ في تعليل الحكم بالثبوت بأنّ الأرض للمسلمين ما لا يخفى من عدم الارتباط بين العلّة والمعلول .
ثمّ إنّ قوله في المتن ـ بعد الحكم بأنّ الأقوى عدم الخمس في الصورتين الأخيرتين: «الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلى أهله عليه» وإن كان ظاهراً في الاحتياط الاستحبابي; لكونه مسبوقاً بالفتوى ـ لا يخلو عن النظر ; لأنّ مقتضى الاشتراط المذكور صيرورة وليّ الخمس مالكاً له ، ولازمه كون الباقي ملكاً للمشروط عليه ، مع أنّ المفروض خصوصاً في الصورة الأخيرة عدم تملّك الذمّي لنفس الأرض ، بل غايته التملّك لحقّ الاختصاص ، أللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المراد دفع مقدار الخمس من حقّ الاختصاص ، وهو ـ مع أنّه خلاف ظاهر العبارة; لدلالتها على كون وليّ الخمس مالكاً لمقداره من نفس الأرض ـ خلاف الظاهر من الدليل الوارد في أصل المسألة ، كما لا يخفى .


(1) العروة الوثقى 2 : 387 مسألة 40 .

(الصفحة207)



مسألة 27 : إذا اشترى الذمّي من وليّ الخمس ، الخمس الذي وجب عليه بالشراء وجب عليه خمس ذلك الذي اشتراه وهكذا على الأحوط; وإن كان الأقوى عدمه فيما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها . نعم ، لو ردّ الأرض إلى صاحب الخمس أو وليّه ثمّ بدا له اشتراؤها فالظاهر تعلّقه بها1.


1 ـ إذا اشترى الذمّي من المسلم الأرض ووجب عليه خمس الأرض المشتراة ، فتارةً يؤدّي الخمس من نفس الأرض ، واُخرى يؤدّي قيمته إليه بناءً على ثبوت التخيير له من أوّل الأمر ، أو موافقة الحاكم لذلك ، وقد فصّل في المتن بين الصورتين بالحكم بأنّه لو اشترى الأرض من وليّ الخمس يجب عليه ثانياً أداء خمسه ; لأنّه أرض اشتراها من مسلم ، ولا فرق في شمول الدليل بين الأراضي العرضية ، وبين الأراضي الطولية بعد صدق الموضوع ، ولو قوّمت الأرض المتعلّقة للخمس بأجمعها ثمّ أدّى خمس القيمة فلا يجب على الذمّي شيء ، ولكنّه يرد عليه أنّه ليس تفصيلاً في المسألة; لأنّ الصورة الثانية لا تكون من مصاديق المقام بعد كون المدفوع إلى وليّ الخمس القيمة .
ومنه يظهر أنّه لا مجال للاحتياط في الصورتين وإن كان ظاهره الاحتياط الاستحبابي; لأنّه ملحوق بالفتوى بالتفصيل; لعدم تصوّر اشتراء الأرض من المسلم بعد دفع القيمة إليه .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مرجع جواز دفع القيمة إلى وليّ الخمس إلى تحقّق معاملة قهريّة بين الدافع والمدفوع إليه واختيارها بيد الدافع ، ولا يلزم فيه رضى المدفوع إليه ولا يرتبط إليه تعيين الثمن ، بل الملاك هو نظر الدافع ورعاية القيمة الواقعية العادلة ، كما لا يبعد أن يكون الأمر كذلك بناءً على القول بالإشاعة في مسألة الخمس ، كما يقتضيه ظاهر الآية ، فإنّ الجمع بين الإشاعة ، وبين جواز دفع القيمة

(الصفحة208)

السابع : الحلال المختلط بالحرام

[هذا] مع عدم تميّز صاحبه أصلاً ولو في عدد محصور وعدم العلم بقدره كذلك ، فإنّه يخرج منه الخمس حينئذ . أمّا لو علم قدر المال ، فإن علم صاحبه دفعه إليه ولا خمس ، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلّص منهم ، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة . ولو جهل صاحبه ، أو كان في عدد غير محصور تصدّق بإذن الحاكم على الأحوط على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص ، وإلاّ فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلاًّ له . نعم ، لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور ، ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح ، ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصحّ1 .


هو الالتزام بما ذكر من وقوع معاملة قهرية أمرها بيد من عليه الخمس ، وعليه فالاحتياط المذكور في المتن في محلّه ، ووجه استظهار عدم الوجوب ظهور دليل الخمس في الشراء المعمولي الذي أمره بيد الطرفين: البائع والمشتري ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكنّ الظاهر افتقار ما ذكر إلى بيان واضح ، ولا يكفي فيه مجرّد التفصيل المذكور .

1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : في أصل ثبوت الخمس في هذا الأمر وعدمه ، فالمشهور(1) على الثبوت كثبوته في سائر الاُمور المتقدّمة المتعلّقة للخمس ، والمحكيّ عن المقدّس

(1) النهاية : 197 ، الوسيلة : 137 ، الشرائع 1 : 181 ، اللمعة الدمشقية : 25 ، منتهى المطلب 1 : 548 ، الحدائق الناضرة 12 : 363 ، مفاتيح الشرائع 1 : 226 .

(الصفحة209)



الأردبيلي (قدس سره) وتلميذه صاحب المدارك (قدس سره) المخالفة في ذلك(1) ، حيث لم يقع في عِداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، كما في كلام جماعة(2) كالعامّة ، وعن المستند للنراقي المناقشة في ذلك(3) .
وقد استدلّ صاحب الجواهر(4) لثبوت الخمس في هذا الأمر بكونه غنيمة ، والظاهر أنّ نظره في ذلك إلى صيرورة المال حلالاً له بعد التخميس والخروج بذلك عن لزوم الاحتياط الثابت في موارد العلم الإجمالي ، ونحن وإن احتملنا ذلك سابقاً ، خصوصاً بملاحظة ما دلّ على أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة ، لكنّ الظاهر عدم تماميّته وإن قلنا بعدم اختصاص الغنيمة بغنائم دار الحرب ; وذلك لأنّ ظاهر الآية ثبوت الخمس في مورد تحقّق الغنيمة مع قطع النظر عن دليل ثبوت الخمس .
وبعبارة اُخرى الغنيمة الثابتة بعنوانها يجب فيها الخمس لا ما يصير غنيمة بعد التخميس وثبوت دليل الخمس ، كما لا يخفى .
ويؤيّده عطف هذا الأمر على الغنيمة كما في بعض الروايات الآتية .
وكيف كان ، فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ، فنقول :
منها : موثّقة عمّار بن مروان على ما رواه في الوسائل عن خصال الصدوق ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى (أحمد بن محمّد بن عيسى خ ل) ، عن الحسن بن محبوب ، عنه قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : فيما يخرج من المعادن

(1) مجمع الفائدة والبرهان 4 : 320 ـ 321 ، مدارك الأحكام 5 : 387 ـ 388 .
(2) كابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد على ما في مختلف الشيعة 3 : 189 مسألة 145 .
(3) مستند الشيعة 10 : 45 .
(4) جواهر الكلام 16 : 70 .

(الصفحة210)



والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس(1) .
والظاهر بملاحظة فهم العرف وتناسب الحكم والموضوع عدم معروفية المقدار كعدم معروفية الصاحب ، وسيأتي التحقيق فيه إن شاء الله تعالى .
ومنها : ما رواه في الوسائل عن الخصال أيضاً ، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس(2) .
وعن الصدوق كما في محكي المستند(3) حكاية عن بعض مشايخه تفسير ما نسيه ابن أبي عمير بما نحن فيه ، حيث ذكر أنّه قال مصنّف هذا الكتاب: الذي نسيه مالٌ يرثه الرجل ، وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام ، ولا يعرف أصحابه فيؤدّيه إليهم ، ولا يعرف الحرام بجنسه فيخرج منه الخمس(4) .
ومن الواضح أنّ فرض الإرث إنّما هو لغلبة عدم العلم بالإضافة إليه لا لخصوصيّة فيه ، كما أنّ المراد عدم عرفان المقدار أيضاً .
وأنت خبير بأنّه بعد رواية الوسائل الروايتين عن الخصال ـ مع كونه خرّيت هذا الفنّ أي فنّ نقل الرواية ـ لا مجال للمناقشة المحكية عن المستند بأنّ روايات الباب غير ناهضة لإثبات الخمس ; نظراً إلى رواية ابن مروان عن الخصال بسنده إلى ابن أبي عمير; لاختلاف النسخ وعدم وجدانها بشيء من الطريقين في

(1) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 .
(2) الخصال : 291 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 .
(3) مستند الشيعة 10 : 40 .
(4) الخصال 1 : 291 ح53 .

(الصفحة211)



الخصال ، مع أنّك عرفت أنّ هناك روايتين: إحداهما عن ابن مروان والاُخرى عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، ولعلّ النسخة الموجودة عنده من الخصال كانت مغلوطة ، والعمدة ما ذكرنا كما في الوسائل .
ولو نوقش في دلالة الثانية بأنّه لا دليل على اعتبار تفسير الصدوق ، فلا مجال للمناقشة في الاُولى بعد اعتبار السند ووضوح الدلالة . نعم ، بناءً على مبنى صاحب المدارك في الرواية التي تكون حجّة; وهي ما كان صحيحاً بالصحيح الأعلائي يمكن المناقشة في الاعتبار ، لكنّا لا نقول بهذا المبنى .
ومنها : رواية الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ، فقال له : أخرج الخمس من ذلك المال ، فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ قد رضي من المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم(1) .
وبعض الأعلام (قدس سره) ناقش في هذه الرواية سنداً ودلالةً ، أمّا السند فبلحاظ الحكم بن بهلول وهو مجهول ، وأمّا دلالةً فمن جهة أنّ موردها المال المختلط بالحرام قبل الانتقال إليه بإرث أو هبة أو نحوهما ، ومحلّ الكلام ما إذا تحقّق الاختلاط في يده وبعد الانتقال إليه(2) .
ويرد عليه أنّ معنى قوله : «أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه» لا يرجع إلى تحقّق الانتقال إليه مختلطاً ، فإنّ معناه وجود مال في يده كذلك ، ويؤيّده بعض الروايات الآتية(3) التي وقع التعبير فيها بـ «أنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه

(1) التهذيب 4 : 124 ح358 وص 138 ح390 ، الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح1 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 126 .
(3) الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح3 و4 .

(الصفحة212)



حلالاً وحراماً» فالمراد وصوله إلى مال كذائيّ ، وليس فيه دلالة على الانتقال وحصول الاختلاط قبله ، مع أنّه لا فرق في أصل المسألة بين الصورتين ، فإذا فرض انتقال صبرة حنطة إليه بالإرث وهو وارث منحصر يعلم باشتمالها على الحرام مع عدم العلم بمقداره ولا بصاحبه يكون الأمر كذلك ، كما لا يخفى .
هذا ، وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ في بعض نسخ الوسائل بدل قوله : «يُعلم» «يعمل» وأنّه إن كان المذكور في الرواية هو الأوّل لا دلالة فيها على انتقال المال من الغير إليه مختلطاً ، وإن كان المذكور في الرواية هو الثاني يكون فيها الدلالة على ذلك ، كما يؤيّده بعض الروايات .
هذا ، وفي نسخة الوسائل المطبوعة أخيراً مع رعاية الدقّة في المصادر لم يذكر قوله: «يعمل» ولو بصورة الاحتمال .
وكيف كان ، فقد أفاد الاُستاذ المذكور أنّ المراد من قوله : «لا أعرف حلاله من حرامه» يجري فيه احتمالان :
أحدهما : الاختصاص بما إذا لم تكن عين الحلال متميّزة عن عين الحرام; بأن كان هنا عينان مثلاً يعلم بكون إحداهما حلالاً والاُخرى حراماً على سبيل الشبهة المحصورة ، من دون أن يكون النظر إلى جهالة مقدار الحرام .
ثانيهما : عدم الاختصاص بذلك والشمول لما إذا كان مقدار الحرام الموجود على نحو الإشاعة في المجموع مجهولاً أيضاً ، كما إذا لم يعلم أنّ الحرام هل هو ثلث المجموع أو ربعه أو غيرهما من الكسور المشاعة ؟ وجهان .
قال : فإن قلنا بالوجه الثاني تكون الرواية دالّة على ثبوت الخمس في جميع أفراد محلّ البحث ، وأمّا إذا قلنا بالوجه الأوّل فلا دلالة للرواية إلاّ على ثبوت الخمس في الشبهة المحصورة التي يكون مقتضى القاعدة فيها الاحتياط بالاجتناب

(الصفحة213)



عن الجميع ، ثمّ استظهر الاحتمال الأوّل ، نظراً إلى ظهور هذا التعبير في عدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام ، وليس فيه إشعار بالجهل من حيث المقدار .
ثمّ دفع توهّم أنّ الحكم بوجوب إخراج الخمس في الجواب لا يلائم إلاّ مع كون المراد الجهل بالمقدار ، خصوصاً مع التعليل بـ «أنّ الله قد رضي من ذلك المال بالخمس» في الجواب ، فإنّ المستفاد منه عرفاً أنّ مقدار الحرام وإن كان مجهولاً من حيث البلوغ حدّ الخمس وعدمه والزيادة عليه ، إلاّ أنّه تعالى قد رضي بالخمس من بين الكسور المشاعة المحتملة ، فإيجاب الخمس ظاهر في أنّ المورد صورة الجهل من حيث المقدار .
وخلاصة دفعه ترجع إلى أنّ إيجاب إخراج الخمس لا ينافي كون المراد صورة عدم تميّز عين الحلال من الحرام ، ومرجعه إلى أنّ اختلاط العينين وعدم تميّزهما يوجب الرجوع إلى الخمس من المجموع ، فيرجع إلى معاوضة قهرية من قبل الله الذي هو المالك الحقيقي للأشياء بين الخمس الذي يجب عليه ، ولا شهادة في ذلك على كون المراد صورة الجهل من حيث المقدار(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى منع الظهور في هذا الاحتمال في نفسه ـ أنّ الظاهر كون القضيّة المرتبطة بأمير المؤمنين(عليه السلام) التي حكاها الإمام الصادق(عليه السلام) واحدة غير متعدّدة ، وقد وقع التعبير بقوله : «أغمضت فيه» في المرسلة المعتبرة الآتية ، وبقوله : «أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً» في موثّقة السكوني الآتية أيضاً ، فهل يحتمل مع ذلك كون المراد من قوله : «لا أعرف حلاله من حرامه» في هذه الرواية غير ذلك . فالإنصاف أنّ المراد هو الجهل بالمقدار وتماميّة دلالة الرواية مع الإغماض

(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 393 ـ 396 .

(الصفحة214)



عن السند .
ومنها : مرسلة الصدوق المعتبرة قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال : إئتني بخمسه ، فأتاه بخمسه ، فقال : هو لك ، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه(1) .
ومنها : موثّقة السكوني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال : إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليَّ ، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) : تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال(2) . ودلالتها على وجوب الخمس واضحة ، ويأتي الكلام في التصدّق به فيما بعد إن شاء الله تعالى(3) .
ومنها : موثّقة عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال : لا إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت(4) .
وربما يقال بأنّ الظاهر أنّ هذه الرواية خارجة عن محلّ الكلام ، إذ لم يفرض فيها الاختلاط بالحرام بوجه ، لجواز أن يكون المال الواصل إليه من السلطان كلّه حلالاً وإن كان العمل له في نفسه حراماً ، فلا يبعد أن يكون المراد من الخمس هنا الخمس بعنوان الغنيمة والفائدة ، وأنّه إذا عمل له عملاً فاستفاد فهو من مصاديق مطلق الفائدة يسوغ التصرّف فيها بعد دفع خمسها ، وإن لم يكن العمل في

(1) الفقيه 2 : 22 ح83 ، الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح3 .
(2) الكافي 5 : 125 ح5 ، الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح4 .
(3) في ص236 ـ 238.
(4) التهذيب 6 : 330 ح915 ، الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح2 .

(الصفحة215)



نفسه مشروعاً(1) .
ويرد عليه أنّ العمل للسلطان الجائر إذا كان غير جائز ومحُرّماً في نفسه يكون المأخوذ بإزائه من الاُجرة محرّماً ، وإن كان حلالاً في نفسه كسائر موارد الإجارة على الأعمال ، كإجارة الجنب على المكث في المسجد حال الجنابة ، إلاّ أن يقال: إنّ المجوّز لأكله إنّما هي الضرورة ، وعليه فلا مجال للأمر ببعث الخمس; لثبوت الضرورة بالإضافة إليه أيضاً ، وإلاّ ربما يقال من أنّ الخمس لعلّه ـ بل الظاهر ـ يكون كفّارة للعمل للسلطان ، كما احتمله الاُستاذ المذكور(2) .
فيرد عليه: أنّه لا إشعار في الرواية بثبوت الكفّارة ، مع أنّه يحتمل أن يكون الأمر بالبعث في خصوص صورة الجواز لا في صورة العدم ، واللاّزم وجوب ردّ علم الرواية إلى أهلها وإن كانت غيرمفتقرة إليها في أصل الاستدلال; لدلالة روايات اُخرى على ثبوت الخمس في هذا المقام، والظاهر أنّ منشأالاستدلال بهاذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في عداد سائر الروايات في باب الحلال المختلط بالحرام .
المقام الثاني : في مصرف هذا الخمس بعد ثبوته ، وقد وقع التعرّض له في آخر عبارة المتن ، وجعل الأصحّ أنّ مصرفه كمصرف غيره ، والظاهر أنّ هذا هو المشهور(3) ، لكن في مقابله وجهان ، بل قولان آخران:
أحدهما: ما عن المدارك(4) من تقوية لزوم التصدّق عن المالك كما في سائر موارد

(1) مستند العروة ، كتاب الخمس: 127 .
(2) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 393 .
(3) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري): 256 ، وفي الحدائق الناضرة 12: 366 نسبه إلى جمهور الأصحاب ، وفي البيان: 218 نسبه إلى ظاهر الأصحاب .
(4) مدارك الأحكام 5 : 388 .

(الصفحة216)



مجهول المالك ، بل كما عرفت(1) عدم الالتزام بالخمس أصلاً .
ثانيهما : ما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من التخيير بين الأمرين(2) ، ولابدّ في هذا المقام من ملاحظة اُمور :
الأوّل : أنّه لا ينبغي الارتياب في ظهور موثّقة عمّار بن مروان المتقدّمة في أنّ الخمس الثابت في المقام هو الخمس المعهود المصطلح الثابت في سائر الاُمور المتعلّقة للخمس كالمعدن والكنز والغنيمة; لعطف الحلال المختلط بالحرام على جملة منها ، وعطف البعض الآخر عليه ، بل ربما يدّعى صراحتها فيما ذكر .
الثاني : أنّ الحكم ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ فيما إذا كان الحرام الذي صاحبه مجهولاً ومقداره معلوماً هو لزوم التصدّق به عنه; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الإيصال الواقعي للجهل بالمالك .
الثالث : أنّ كلمة «الخمس» ليست لها حقيقة شرعيّة ، بل هو عبارة عن الكسر المشاع الخاصّ في مقابل الربع والثلث والسدس وغيرها من الكسور المشاعة الواقعة في آيات الإرث ، والظاهر أنّه لا مجال للالتزام بالحقيقة الشرعية فيها وإن قلنا بثبوتها في سائر ألفاظ العبادات ، كما أنّه نقول باعتبار قصد القربة فيه كالعبادات الاُخر ، وذلك لأنّ منشأ الالتزام بالحقيقة الشرعية فيها هو ثبوت الوضع التعيّني لها لأجل كثرة الاستعمال في المعاني المجازية كلفظة الصلاة والزكاة ، ضرورة عدم تحقّق هذه الكثرة في باب الخمس; لاستعماله في الكتاب العزيز في آية واحدة على ما عرفت(3) ، والظاهر أنّ استفادة الخمس المعهود من الروايات

(1) في ص209 .
(2) مصباح الفقيه 14 : 160 .
(3) في ص107 .

(الصفحة217)



الواردة فيها هذا الاستعمال إنّما هو لأجل الاقتران بالألف واللام الدالّتين على العهد الذهني .
وكيف كان ، فالظاهر عدم تحقّق الحقيقة الشرعيّة في كلمة «الخمس» كما لا يخفى .
الرابع : أنّه لم يرد الأمر بالتصدّق في المقام إلاّ في موثّقة السكوني المتقدّمة ، بل قد جمع فيها بين ذلك وبين الخمس ، معلّلاً في ذيلها بـ «إنّ الله رضي من الأشياء بالخمس» والظاهر أنّه لا إشعار فيها بآية الخمس ، ضرورة ورودها في الغنيمة ، ومن المعلوم لزوم تحقّق الغنيمة قبل الحكم بلزوم الخمس كما عرفت في مقام الجواب عن صاحب الجواهر(1) ، ولا يكون الحلال المختلط بالحرام كذلك ، بل الغرض فيه تخليص الحلال ، ولذا عطف على الغنيمة في موثّقة عمّار المتقدّمة ، ولا يلزم في العلّة أن يكون أمراً ارتكازياً عقلائياً ، فإنّا نرى التعليل بالاستصحاب في بعض رواياته ، مع أنّ الاستصحاب لا يكون أمراً ارتكازيّاً عقلائيّاً ، بل أصل تعبّديّ شرعيّ تأسيسيّ، غاية الأمر تقدّمه على مثل أصالة البراءة ونحوها ، فتدبّر .
وبالجملة: لا يلزم في مطلق العلل ذلك وإن كان أكثرها لعلّه كذلك ، فراجع .
الخامس : أنّه لا دلالة في رواية السكوني على كون التصدّق بالخمس المأمور به إنّما هو بعنوان نفسه لا نيابة عن المالك كما في مجهول المالك ، وإن كان الظاهر أنّ المراد به هو التصدّق عن المالك ، لانسباقه من الأمر بمطلق التصدّق .
السادس : إنّك عرفت(2) أنّ جماعة من القدماء لم يعنونوا هذا العنوان في عداد

(1) في ص209 .
(2) في ص208 ـ 209 .

(الصفحة218)



الاُمور المتعلّقة للخمس ، وذهب بعض المتأخّرين إلى لزوم التصدّق ، وبعض آخر إلى التخيير بين الأمرين .
إذا عرفت هذه الاُمور فقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما يرجع إلى أنّ موثّقة عمّار ظاهرة الدلالة ، بل صريحة في أنّ المراد بالخمس في الحلال المختلط هو الخمس المعهود المصطلح . وأمّا رواية السكوني ، فلو سلّمنا أنّ لفظ الصدقة ظاهر في الإنفاق على الفقراء ولم نقل بأنّه موضوع للمعنى الجامع; وهو كلّ مال أو عمل يتقرّب به إلى الله تعالى الشامل للخمس المصطلح ـ بل المحكي عن شيخنا الأنصاري (قدس سره)(1) أنّ لفظ الصدقة قد اُطلق على الخمس في كثير من الأخبار ـ فاللاّزم رفع اليد عنه في مقابل رواية عمّار; لأقوائيّة ظهورها ، فنحمل الصدقة على معناها العامّ الشامل للخمس أيضاً(2) .
والتحقيق أن يقال : إنّ الإضافة المتحقّقة في المقام بالنسبة إلى مجهول المالك الذي حكمه لزوم التصدّق عنه هو الجهل بالمقدار ، ويبدو في النظر أنّ الإحالة إلى الخمس إنّما هو لأجل ذلك ، وإلاّ فلو كان المقدار معلوماً لم تكن حاجة إلى التخميس .
فالمستفاد من مجموع الأوّلتين لزوم التصدّق عن المالك بماله المعلوم ، أو بالخمس مع الجهل بالمقدار كما هو المفروض في المقام .
ويؤيّده أنّ إرادة وجوب الخمس المصطلح تحتاج إلى مؤونة زائدة على إيجاب التصدّق بالخمس عن المالك ، وذلك لأنّه لا إشكال في دلالة الروايات الواردة في المقام على أنّ تخليص المال من الحرام يتوقّف على أداء الخمس واستثنائه من

(1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري) : 258 ، والحاكي هو المحقّق الهمداني (قدس سره) في مصباح الفقيه 14 :  154 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 128 ـ 129 .

(الصفحة219)



المختلط; لأنّه رضي الله تعالى من الأشياء بالخمس ولا حاجة إلى دفع أزيد منه ، ومرجع ذلك إلى وقوع معاوضة قهريّة بين المالين على تقدير كون الحرام أزيد من مقدار الخمس بحسب الواقع ، فهذه المعاوضة إنّما هي لأجل الجهل بالمقدار ، فهذه المعاوضة القهريّة لازمة ، سواء قلنا بالتصدّق أو بالخمس المصطلح المعهود .
وأمّا إذا قلنا بلزوم أداء مقدار الخمس ومصرفه فيما يصرف فيه سائر الاُمور المتعلّقة للخمس فاللازم الالتزام بتبدّل المالك قهراً إلى بني هاشم مثلاً المستحقّين للخمس الاصطلاحي ، ففي الحقيقة يكون في البين مبادلتان بخلاف الالتزام بالتصدّق ، فإنّه لا يكون إلاّ مبادلة واحدة ومعاوضة فاردة ، وهي تبديل المال الحرام بالخمس مطلقاً مساوياً كان أو أزيد أو أقلّ . ومن المعلوم أنّ هذا يحتاج إلى تعبّد زائد ولا يكفي فيه مجرّد إيجاب الخمس ، مع أنّه من البعيد أن يكون المراد هو التصدّق عن نفسه بعد فرض كون الموضوع هو الحلال المختلط بالحرام وإرادة تخليص الحلال عن الحرام . واحتمال كون المراد هو التصدّق لنفسه لا عن المالك موهون جدّاً بعدما عرفت من فرض الموضوع ، ومن انسباق التصدّق عن المالك إلى الذهن من الأمر بالتصدّق هنا .
وعليه فخلاصة الكلام ترجع إلى لزوم عناية زائدة لو كان المراد هو الخمس المصطلح ، بخلاف ما لو كان المراد هو التصدّق عن المالك بالخمس كما عرفت ، ويؤيّد عدم ثبوت الخمس المصطلح في المقام أمران :
أحدهما : عدم إمكان تعلّق الخمس بالمال المختلط بمثل ما يتعلّق بسائر الاُمور المتعلّقة للخمس ، مثلاً إذا قلنا فيها بالشركة وأنّ المعدن المستخرج يشترك فيه المالك ومصرف الخمس في مورد بلوغ النصاب وتحقّق سائر الشرائط ، فهل يمكن الالتزام بذلك في المال المختلط ، وأنّ الاختلاط بمجرّده يوجب الشركة مع أرباب

(الصفحة220)



الخمس ، أو أنّ إخراج الخمس إنّما هو لتخليص الحلال عن الحرام وصيرورة سائر المال حلالاً ، من دون أن يكون الاختلاط في نفسه موجباً لاستحقاق أرباب الخمس ؟
ثانيهما : ما تقدّم ممّا ورد من أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة ، مع ملاحظة عدم تحقّق الغنيمة بسبب الاختلاط كما عرفت .
ثمّ إنّه ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) القائل بالتخيير: أنّ هذا هو الأوجه في مقام الجمع إن لم يكن على خلاف الإجماع .
قال في هذا المجال ما ملخّصه(1) على ما لخّصه بعض الأعلام (قدس سره) : إنّ تعلّق الخمس بالمختلط ليس معناه أنّ خمس المال ملك فعليّ للسادة ، بحيث إنّ الخلط بمجرّد حصوله أوجب انتقال هذا الكسر من المال إليهم ابتداءً ، ويشتركون فيه مع المالك بنحو من الشركة ، كما هو الحال في سائر أقسام الخمس من الغنائم ، والمعادن ، والكنوز ونحوها ، فليس تعلّق الخمس في المختلط كتعلّقه في سائر الأقسام ، بل الخمس هنا مطهّر ويكون الباقي له بعد الخمس .
وعليه فله التصدّي للتطهير بنحو آخر; بأن يسلّم المال بأجمعه للفقير قاصداً به التصدّق بجميع ما للفقير في هذا المال واقعاً ، فينوي الصدقة في حصّة المالك الواقعي ردّاً للمظالم ، وبما أنّ الحصّتين مجهولتان حسب الفرض فيقتسمان بعد ذلك بالتراضي أو القرعة أو نحو ذلك ، وبهذه الكيفيّة يحصل التطهير وتبرأ الذمّة أيضاً .
وعلى هذا فليس الخمس واجباً تعيينياً ـ وكلمة العيني في كلامه (قدس سره) سهو من قلمه الشريف ، كما لا يخفى ـ بل التخلّص عن الضمان يتحقّق بكلّ من الأمرين

(1) مصباح الفقيه 14 : 158 ـ 161 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>