جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الخمس « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة361)

الطائفة الثالثة: ما ورد في حكم مجهول المالك وأنّه يتصدّق به(1) ، والظاهر حكومة أدلّة الكنز الظاهرة في ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان عليها ; لأنّ مورد هذه الطائفة ما إذا لم يكن ملكاً للواجد بل لمالكه الأصلي المجهول ، وأدلّة الكنز تحكم بثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ، فلا يكون الكنز مجهول المالك أصلا .
الطائفة الرابعة : ما ورد فيما وجد في جوف دابّة مبتاعة من جوهر أو غيره :
مثل صحيحة عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام): عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه(2) .
هذا ، ولكن الظاهر خروج مثل مورد الرواية عن مفهوم الكنز عرفاً ولغة ، فلا يشمل الحكم المذكور فيها له ، بل الظاهر ما عرفت من أنّ الشامل للمقام هو الطائفة الاُولى الظاهرة في حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان مطلقاً .
ثم إنّه يقع الكلام بعد ذلك في نصاب الكنز .
فنقول: مقتضى رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(3) ، أنّ النصاب في باب الكنز هو النصاب في باب الزكاة ، وحيث إنّه وقع الإشكال في مفاد الرواية ومقدار دلالتها ، فلابدّ لنا من التكلّم فيها حتى يظهر الحال ويرتفع الإشكال .
فنقول وعلى الله الاتكال: إنّ الرواية ـ مع قطع النظر عن صحيحة اُخرى لابن

(1) الوسائل 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 .
(2) الكافي 5 : 139 ح9 ، التهذيب 6 : 392 ح1174 ، الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 ح1 .
(3) الفقيه 2 : 21 ح75 ، الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5  ح2 .

(الصفحة362)

أبي نصر الواردة في نصاب المعدن(1) ، ومع قطع النظر عن مرسلة المفيد في المقنعة(2) ، التي تكون بحسب الظاهر نقلا لمضمون هذه الرواية على حسب ما استفاد منها ـ يحتمل فيها وجوه:
أحدها: أن يكون السؤال فيها عن النوع الذي يجب فيه الخمس من أنواع الكنوز ; من الذهب والفضّة والحديد والرصاص ، وغيرها من الأشياء المذخورة تحت الأرض المنكشفة للواجد ، فمرجع السؤال إلى أنّ الخمس الثابت في الكنز هل يكون ثابتاً في جميع أنواع الكنوز، أو أنّه يختصّ ببعض الأنواع، بل ربما يمكن أن يقال بظهور الرواية على هذا الوجه في أنّه كان من المسلّم عند السائل عدم ثبوت الخمس في جميع الأنواع ، بل ثبوته بالنسبة إلى البعض فقط ، غاية الأمر كون ذلك البعض مجهولا عنده ، ولذا تصدّى للسؤال عنه ، ومحصّل الجواب حينئذ أنّ ما يجب الزكاة في مثله من أنواع الكنز، هو الذي يثبت فيه الخمس ، ومن المعلوم أنّ الزكاة لا تكون ثابتة إلاّ بالنسبة إلى الذهب والفضّة لا مطلقهما ، بل المسكوكين منهما .
فحاصل الرواية على هذا التقدير اختصاص ثبوت الخمس بخصوص الذهب والفضّة وعدم ثبوته في غيرهما .
ثانيها: أن يكون السؤال فيها عن المقدار والنصاب الذي يكون البلوغ إليه موجباً لثبوت الخمس بعد مفروغيّة ثبوته في جميع أنواع الكنز من الذهب والفضّة وغيرهما ، وعدم اختصاصه بخصوص الأوّلين ، ويرجع الجواب حينئذ إلى أنّ النصاب المعتبر في باب الخمس في الكنز هو النصاب المعتبر في باب الزكاة ، كالبلوغ عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة على هذا التقدير المماثلة

(1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
(2) المقنعة : 283 .

(الصفحة363)

من حيث مقدار الماليّة ، كما أنّ المراد بها على الوجه الأوّل هو المماثلة في الجنس والنوع .
ثالثها: أن يكون المراد من السؤال هو السؤال عن النوع والمقدار معاً ، والجواب ناظر إلى أنّه لا يجب الخمس إلاّ فيما يثبت فيه الزكاة من الذهب والفضّة ، ولا يثبت الخمس فيهما أيضاً إلاّ إذا بلغا مقدار النصاب المعتبر بلوغه في وجوب الزكاة ، فالمراد من المثل حينئذ هو المماثل من جهة النوع والماليّة معاً .
هذا ، والظاهر أنّ الوجه الأوّل ـ الراجع إلى كون مورد السؤال هو تعيين النوع ، الذي يجب فيه الخمس من أنواع الكنوز بعد الفراغ عن عدم ثبوته في الجميع ـ بعيد عن مساق الرواية ; إذ المنساق منها كون السؤال ناظراً إلى المقدار فقط ، أو إليه وإلى النوع معاً ، وعلى أيّ حال فيدلّ على اعتبار النصاب في الكنز وأنّ النصاب فيه هو نصاب الزكاة .
وأمّا دلالتها على ثبوت الخمس في خصوص النوع الذي يجب فيه الزكاة فغير معلومة ، بل تصير الرواية مجملة من هذه الحيثية ، والقاعدة مع إجمال الدليل المقيّد تقتضي الرجوع إلى الإطلاق ، فلابدّ في المقام ـ بعد عدم ثبوت ما يدلّ على التقييد بالنسبة إلى النوع ; لأنّ المفروض إجمال الرواية من هذه الجهة ـ من الرجوع إلى الإطلاقات الواردة في الكنز الظاهرة في ثبوت الخمس في جميع أنواعها بلا اختصاص بخصوص الذهب والفضّة .
هذا كلّه مع قطع النظر عن الصحيحة والمرسلة ، وأمّا مع ملاحظتهما فلا محيص عن حمل السؤال على كون مورده هو تعيين المقدار والنصاب ; لأنّ الصحيحة هي التي وردت في المعدن، ورواها ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن(عليه السلام) ـ الظاهر في كونه هو أبا الحسن الرضا(عليه السلام) ـ قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة

(الصفحة364)

عشرين  ديناراً(1) .
فإنّ السؤال وإن لم يكن ظاهراً في السؤال عن الخمس ، بل يحتمل أن يكون المراد السؤال عن الزكاة بتخيّل ثبوت الزكاة في المعدن ، كما ذهب إليه بعض العامّة على ما عرفت(2) ، كما أنّ الجواب أيضاً لا يكون ظاهراً في ثبوت الخمس ، إلاّ أنّه باعتبار أنّ السائل هو ابن أبي نصر البزنطي الذي هو من أجلاّء الطبقة السادسة من الطبقات التي رتّبناها ، وكان من أرباب الجوامع الأوّليّة المأخوذة من الاُصول الكثيرة المشتملة على الأحاديث المروية عن الصادقين (عليهما السلام) .
ومن المعلوم أنّه لم يكن يخفى عليه مثل هذا الحكم; وهو ثبوت الخمس في المعدن عن الأئمة  (عليهم السلام) ، فلابدّ من أن يكون المراد هو خصوص الخمس ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ سؤاله إنّما كان عن المقدار ، وأنّه هل يعتبر في المعدن نصاب معيّن يعتبر بلوغه في ثبوت الخمس أم لا؟
ولا مجال لتوهّم كون السؤال فيها عن خصوص النوع المستخرَج من المعدن ، وأنّه هل الخمس ثابت في أيّ نوع ; لأنّه ـ مضافاً إلى إباء ظاهر العبارة عن الحمل على ذلك ، خصوصاً بملاحظة قوله : «من قليل أو كثير» ـ يبعّده أنّ ابن أبي عمير كان عالماً بثبوت الخمس في جميع أنواع المعدن بعد صراحة الروايات المرويّة عن الصادقين (عليهما السلام) في عدم الاختصاص بالذهب والفضّة .
وحينئذ نقول : بعد ثبوت كون السؤال في هذه الصحيحة عن المقدار ، يفهم أنّ السؤال في الصحيحة الواردة في باب الكنز أيضاً إنّما هو عنه ، خصوصاً بعد قوّة احتمال كونهما صادرتين في مجلس واحد .


(1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
(2) في ص344 .

(الصفحة365)

ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً مرسلة المفيد في المقنعة ، قال : سُئل الرضا(عليه السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس ، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه(1) ، فإنّ الظاهر كون المرسلة هي الصحيحة بعينها ، وأنّ السائل هو البزنطي ، ونقل الرواية بالمضمون دليل على ظهورها في السؤال عن المقدار ، بل صراحتها فيه بحيث لا يحتمل الخلاف ، وإلاّ فلا وجه لتغيير الألفاظ ونقل الرواية بما فهمه الناقل مع احتمال خلافه ، كما لايخفى .
وقد انقدح أنّه لا محيص بملاحظة ما ذكرنا من حمل الرواية على كون السؤال عن المقدار ، وأنّ النصاب الثابت في جميع أنواع الكنز هو النصاب الثابت في باب الزكاة ، ولا يعتبر فيه شيء آخر من الاُمور المعتبرة في الزكاة ، كالحول وغيره حتى النصاب الثاني ، فتدبّر .
ثمّ إنّ النّصاب في الكنز هل هو خصوص عشرين ديناراً أو ما بلغ قيمته إليه ، بحيث كان المعتبر في باب الكنز هو النصاب الأوّل الثابت في الذهب المسكوك في باب الزكاة ، فلابدّ من البلوغ إليه عيناً أو قيمة ، فلا يكفي بلوغ مائتي درهم على تقدير نقصانه عن العشرين من حيث القيمة والماليّة ، بل لابدّ من بلوغ الفضّة أيضاً إلى العشرين من حيث القيمة ، كغير الذهب والفضّة من أنواع الكنوز ، أو أنّ النصاب في الكنز هو النصاب الأوّل الثابت في الذهب والفضّة في باب الزكاة ، فلابدّ من البلوغ إلى أحدهما عيناً أو قيمة وإن كان أقلّ من الآخر من حيث الماليّة ، فلو كان نوع الكنز من الذهب وبلغ مائتي درهم يجب فيه الخمس وإن لم يبلغ عشرين ديناراً كما في العكس ، أو أنّه لابدّ من التفصيل بين الذهب والفضّة وبين غيرهما ،

(1) المقنعة : 283 ، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح6 .

(الصفحة366)

فيجب الخمس فيهما بشرط بلوغ كلّ منهما إلى نصابه في الزكاة ، فيشترط في الذهب البلوغ إلى العشرين ، وفي الفضّة البلوغ إلى المائتين ، وفي غيرهما البلوغ إلى أحد الأمرين؟ وجوه واحتمالات :
ربّما يقال في تقريب الوجه الأوّل : إنّ الظاهر اتّحاد نصاب المعدن ونصاب الكنز ، خصوصاً مع كون الراوي للنصاب في المقامين هو البزنطي ، كما عرفت من الصحيحتين ، سيّما مع احتمال كونهما صادرتين في مجلس واحد ، كما نفينا البعد عنه .
ومن المعلوم أنّ ظاهر الصحيحة الواردة في باب المعدن(1) هو اعتبار البلوغ إلى عشرين ديناراً ، كما وقع التصريح به ، ولم يقع ذكر من النصاب الثابت في الفضّة في باب الزكاة ، فبقرينة اتّحاد العبارتين الواقعتين في المقامين ـ وهي وجوب الخمس فيما يجب في مثله الزكاة ـ يستفاد أنّ النصاب الثابت في الكنز أيضاً إنّما هو عشرون ديناراً عيناً أو قيمة .
هذا ، ولكن ذلك إنّما على تقدير ثبوت كون نصاب المعدن هو العشرون ، مع أنّه يمكن المناقشة فيه ـ وإن وقع التصريح به في الصحيحة الواردة في المعدن ولم يقع التعرّض لنصاب الفضّة ـ بأنّه يحتمل أن يكون ذكر العشرين من باب المثال ، والغرض بلوغ النصاب المعتبر في باب الزكاة أعمّ من العشرين والمائتين .
هذا ، ولكن الإنصاف أنّه لا يمكن استظهار شيء من الأمرين من الصحيحة الواردة في باب المعدن ، وأنّه هل للعشرين خصوصيّة، أو أنّ ذكره من باب المثال حتّى يستفاد بقرينة الاتحاد حكم المقام ، ومع عدم ثبوت الظهور لابدّ من إعمال القواعد ، وهي تقتضي في المقام وجوب الرجوع إلى الإطلاقات الواردة في الكنز ; لأنّه فيما إذا كان الدليل المقيّد مجملا من حيث الدلالة لا محيص عن الرجوع إلى

(1) الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .

(الصفحة367)

الإطلاق ، فالبلوغ إلى أحد من النصابين يكفي في ثبوت الخمس . غاية الأمر أنّ الدليل فيما إذا بلغ إلى العشرين هي الصحيحة الدالّة على اعتبار النصاب في الكنز(1)، وفيما إذا بلغ إلى المائتين هي الإطلاقات الدالّة على ثبوت الخمس في الكنز مطلقاً(2).
هذا ، ولنرجع إلى حكم صور الكنوز وبيان أنّ الخمس في أيّ منها واجب .
فنقول: قال الشيخ في المبسوط: ويجب أيضاً في الكنوز التي توجد في دار الحرب من الذهب والفضّة والدراهم والدنانير ، سواء كان عليها أثر الإسلام أو لم يكن عليها أثر الإسلام .
فأمّا الكنوز التي توجد في بلاد الإسلام ، فإن وجدت في ملك الإنسان وجب أن يعرّف أهله ، فإن عرفه كان له ، وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها فهي على ضربين : فإن كان عليها أثر الإسلام ، مثل أن يكون عليها سكّة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وسنذكر حكمها في كتاب اللقطة ، وإن لم يكن عليها أثر الإسلام أو كانت عليها أثر الجاهلية من الصور المجسّمة وغير ذلك ، فإنّه يخرج منها الخمس ، وكان الباقي لمن وجدها .
وقال في ذيل كلامه: وإذا وجد الكنز في ملك إنسان فقد قلنا : إنّه يعرّف ، فإن قال : ليس لي وأنا اشتريت الدار عرّف البائع ، فإن عرف كان له ، وإن لم يعرف كان حكمه ما قدّمناه(3) .
ونظير ذلك قال في محكي الخلاف مع الاختلاف في بعض الفروع ، حيث حكي عنه أنّه أوجب الخمس في الجميع(4) ، وقال في باب الخمس من كتاب

(1) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .
(2) الوسائل 9 : 495 ـ 496 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح1 و3 و4 .
(3) المبسوط 1 : 236 ـ 237 .
(4) الخلاف 2 : 122 ـ 123 مسألة 148 ـ 150 .

(الصفحة368)

النهاية: ويجب أيضاً الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها ـ إلى أن قال: ـ وجميع ما قدّمنا ذِكرَهُ من الأنواع يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيراً ، إلاّ الكنوز ومعادن الذهب والفضّة ، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلاّ إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة(1) .
وقال فيها في باب اللقطة والضالّة: ومن وجد كنزاً في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث ، إن كان له شريك فيه . فان كانت الدار قد انتقلت إليه بابتياع من قوم عرَّف البائع ، فإن عرفه، وإلاّ أخرج خُمسَه إلى مستحقّه وكان له الباقي . وكذلك إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة ، فذبح شيئاً من ذلك فوجد في جوفه شيئاً له قيمة ، عرَّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه ، فإن عرفه أعطاه ، وإن لم يعرفه أخرج منه الخُمُس وكان له الباقي . فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة وما أشبه ذلك أخرج منه الخمس ، وكان له الباقي(2) ، انتهى .
واستشكل على الحكم الأخير الحلّي في السرائر ، حيث قال: وشيخنا أبو جعفر الطوسي لم يعرّف بائع السمكة الدرّة ، بل ملكها المشتري من دون تعريف البائع ، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا ، ولا رواه عن الأئمة  (عليهم السلام) أحد منهم(3) .
هذا ، ولا يخفى الفرق الواضح بين ما إذا ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة، وبين ما إذا ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة ، فذبحه فوجد في جوفه شيئاً له قيمة ، حيث حكم الشيخ في الثاني بوجوب تعريف البائع ولم يحكم به في الأوّل .
وكيف كان، فقد عرفت أنّ التفصيل بين دار الحرب ودار الإسلام، وفي الثانية بين ما إذا كان على الكنز أثر الإسلام وبين ما إذا لم يكن ، إنّما ذكره الشيخ في

(1) النهاية :  197 .
(2) النهاية : 321 ـ 322 .
(3) السرائر 2 : 106 .

(الصفحة369)

كتاب مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي له ، كما نبّهنا عليه مراراً ، ولم يتعرّض لهذا التفصيل في كتاب نهايته الذي كان بناؤه فيه على الاقتصار على ذكر ما ورد فيه النصّ أو النصوص من الأئمّة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادر منهم، وهذا يدلّ على عدم ثبوت نصّ على هذا التفصيل المذكور في المبسوط ، بل التعرّض له إنّما وقع تبعاً للعامّة .
وكيف كان، فمقتضى إطلاق الحكم بملكيّة الكنز الموجود في دار الحرب لمن وجده ثبوت الملكيّة للواجد ، ولو وجده في دار الحرب في ملك مسلم ، إلاّ أن يقال بعدم كون هذه الصورة مرادة له أصلا ، والسرّ أنّه لم يكن في زمانه مسلم مقيم في دار الحرب; لأجل بُعد الطريق وعدم تحقّق الارتباطات الموجودة في هذه الأزمنة بين الكفّار والمسلمين ، كما لايخفى .
كما أنّ حكمه بوجوب التعريف فيما إذا وجد الكنز في ملك الإنسان ليس المراد به مطلق ما إذا وجد في ملك إنسان . ولو لم يكن مثل الدار والبيت ونحوهما محاطاً بالجدار ونحوه ; بأن وجده في صحراء قرية لها مالك شخصي ، فإنّ الظاهر عدم الافتقار إلى التعريف في هذه الصورة ، بل حكمه حكم ما لو وجده في الأراضي المباحة أو شبهها .
والتحقيق في المقام أنّه لابدّ في استكشاف حكم صور الكنز من ملاحظة الروايات الواردة في الكنز ، والروايات الواردة في حكم الشيء الذي جهل مالكه ، كاللقطة والضالّة والموجود في بطن السمكة أو الشاة ونحوها .
فنقول: أمّا ما ورد في غير الكنز على اختلاف موردها فهي كثيرة:
منها: الروايات الواردة في اللقطة الدالّة على وجوب التعريف في الدرهم وما زاد ، وأنّه بعد التعريف يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن صاحبه ، فإن جاء ورضي ، وإلاّ فهو له ضامن ، على اختلاف الروايات الواردة فيه ، ويجوز له الحفظ

(الصفحة370)

بعد التعريف أيضاً(1) .
ومنها: ما ورد في الشاة الضالّة من قول النبي(صلى الله عليه وآله): هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب . وفي البعير الضالّة من قوله(صلى الله عليه وآله) : معه حذاؤه وسقاؤه، حذاؤه خفّه ، وسقاؤه كرشه ، فلا تهجه(2) .
ومنها: ما ورد في ما يوجد في بطن الدابّة من المال ، من أنّه يجب تعريفه البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء للواجد رزقه الله إيّاه(3) ، وما ورد فيما يوجد في بطن السمكة ممّا ظاهره حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان من دون أن يعرّف البائع(4) .
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي جعلها في الجواهر(5) وغيره(6) روايتين ، والظاهر أنّها رواية واحدة ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(7) .
ومنها: موثّقة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قضى علي(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(8) .
هذا، ولا ينبغي توهّم المنافاة بين الموثقة والصحيحة ، نظراً إلى أنّ مقتضى الصحيحة الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا كانت الدار خربة من دون لزوم التعريف ،

(1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 .
(2) الكافي 5 : 140 ح12 ، التهذيب 2 : 395 ح1184 ، الوسائل 25 : 457 ، كتاب اللقطة ب13 ح1 .
(3) الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 .
(4) الوسائل 25 : 453 ، كتاب اللقطة ب10 .
(5) جواهر الكلام 16 : 29 .
(6) كمسالك الأفهام 12 : 523 ، الحدائق الناضرة 12 : 335 ـ 336 .
(7) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6  : 390 ح1169 ، الوسائل 25: 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 و2 .
(8) التهذيب 6 : 398 ح1199 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح5 .

(الصفحة371)

وقضيّة الموثقة الحكم بوجوب التعريف أوّلا ، وجواز التمتّع مع عدم وجدان من يعرف في الدار الخربة أيضاً ، فظاهرهما ممّا لا يجتمع .
هذا ، ولكن التوهّم مدفوع ، بأنّ المراد بالخربة في الصحيحة بقرينة توصيفها بما إذا جلا عنها أهلها هي الخربة البعيدة عن المكان المعمور ، التي لا يحتمل بحسب العرف كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان ; لعدم الارتباط بينهما أصلا ، والمراد بالخربة في الموثّقة هي الخربة القريبة من المكان المعمور ، التي يحتمل كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان المعمور ; إذ الظاهر أنّه ليس المراد بوجوب التعريف وجوبه في المكان الذي لا يرتبط بالخربة أصلا ، بل المراد تعريفه بالنسبة إلى الساكنين حول الخربة ، الذين يحتمل أن يكون مالك الورق موجوداً بينهم ، فالحكم بوجوب التعريف في الخربة في الموثّقة لا ينافي الحكم بأحقّية الواجد في الخربة أيضاً في الصحيحة ، فلا وجه لتوهّم التنافي .
ثمّ انّ الحكم بملكيّة الورق لأهل الدار فيما إذا وجد في الدار المعمورة ـ التي يكون المراد بها بحسب الظاهر هو المكان الذي يسكنه جماعة من الناس ، مختلفون ويتردّدون فيه بالذهاب والاياب ، كالمكان المشتمل على البيوت الكثيرة ، المتعلّق كلّ واحد منها ببعض منهم ، لا الدّار التي ينحصر مالكها بشخص خاصّ ، كما في صحيحة محمّد بن مسلم ، حيث قال(عليه السلام): «فهي لهم» ـ هل المراد به الإخبار عن أمر واقعي مجهول بالنسبة إلى الواجد معلول عن علله الواقعيّة وهو الملكيّة الثابتة لأهل الدار ، المعلولة عن أسبابها الواقعية ، فيكون الحكم بها نوع إخبار عن الغيب ، ولا يرتبط ببيان الأحكام الشرعية ، الذي هو من وظائف الإمام(عليه السلام) .
أو أنّ المراد به الحكم بثبوت الملكيّة للأهل ; لأجل الأمارة الدالّة على ثبوتها ، وهو اليد والتسلّط الذي يكون أمارة على الملكيّة عند العقلاء أيضاً . فمحصّله حينئذ ثبوت حكم ظاهري معلول عن علّة واحدة ، وهي اليد التي تكون أمارة

(الصفحة372)

على الملكيّة في موارد لم يعلم خلافها .
أو أنّ المراد جعل الملكيّة الظاهريّة لهم بنفس هذه الرواية مع قطع النظر عن ثبوت اليد والتسلّط؟
ومقتضى هذه الاحتمالات الثلاثة ثبوت الملكيّة للأهل ولو لم يعلموا ولم يدّعوا الملكيّة بالنسبة إلى الورق ، بل كانوا شاكّين فيها .
أو أنّ المراد بثبوت الملكيّة لهم لزوم تعريف الورق لهم وإظهار وجدانه حتى لو عرفوه كان ملكاً لهم ، فالملكية تتوقّف على عرفان الورق وادّعائهم الملكيّة له . ويؤيّد ذلك الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا كانت الدار خربة قد باد عنها أهلها ، فإنّ قرينة المقابلة تقتضي الحكم بأحقّية الأهل فيما إذا كانت الدار معمورة ، وذلك لايقتضي ثبوت الملكيّة ، كما أنّ المراد بأحقيّة الواجد ليس ثبوت الملكيّة لها بنفس الوجدان في الدار الكذائية ، بل المراد أنّه حيث تكون الدار خربة ليس لها أهل ، فالواجد أحقّ بالمال ويجوز له أن يتملّك ، لا أنّه يصير ملكاً له قهراً ، فأحقّية الأهل في الدار المعمورة ترجع إلى أنّه يجوز لهم أن يتملّكوا الورق بشرط العرفان وبيان خصوصيّات الورق وعلاماته .
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً الحكم بوجوب التعريف في الموثّقة في الدار الخربة التي يكون من أفراد الدار المعمورة ، كما عرفت أنّه مقتضى الجمع بين الصحيحة والموثّقة ، فالمراد بثبوت الملكيّة للأهل هو لزوم رعاية حقّ الأهل بتعريف الورق لهم ، واستكشاف حالهم من حيث العرفان وعدمه ، وقد انقدح من ذلك أنّ المراد بقوله(عليه السلام) : «تمتّع بها» في الموثّقة ليس هو الحكم بلزوم التمتّع من حيث صيرورته ملكاً للواجد مع عدم العارف ، بل المراد الحكم بجواز التمتّع وإباحة التملّك لنفسه ; لعدم وجود من هو أحقّ منه .
وقدتحصّل من ملاحظة الروايات الواردة في غيرالكنز ـ على اختلاف تعابيرها،

(الصفحة373)

بل ومواردها ـ أنّ غرض الشارع بالنسبة إلى المال الذي وقعت الحيلولة بينه وبين مالكه بالضلال ، أنّه لا ينبغي أن يكون متعطّلا عن الانتفاع ، وأن يصير بالضلال كالذي لا ينتفع به ، بل يجوز الإنتفاع به في هذه الحال وإن لم يكن مالكه معروفاً .
غاية الأمر أنّه لم يسلب أولويّة المالك الأصلي بمجرّد وقوع الحيلولة ، بل قد رُوعي حقّها بالحكم بوجوب التعريف في الورق الموجود في الدار المعمورة أو ما هي بحكمها ، وهو الدار الخربة القريبة من المكان المعمور كما عرفته(1) ، وفي الجوهر الموجود في بطن الدابّة بالنسبة إلى البائع ; لاحتمال كونه هو المالك ، وبوجوب تعريف سنة في اللقطة التي كانت بقدر الدرهم فما زاد .
ويستفاد من مجموع ذلك أنّ الشارع لم يحكم بنفي ملكية المالك بمجرّد وقوع الحيلولة ، بل قد راعى حقّه كمال الرعاية ، ومع ذلك لم يرض بتعطّل المال عن الانتفاع ، فجمع بين الأمرين بوجوب التعريف والحكم بجواز التملّك أو الصدقة عن المالك ، كما في مورد اللقطة ، ومن ذلك يستفاد جواز التملّك في الجملة ، كما أنّه يستفاد أحقّية الواجد بالنسبة إلى غيره كالناظر .
وحينئذ يقع الكلام في اختصاص هذا الحكم بالمال الذي وجد في ظاهر الأرض ممّا وقع الحيلولة بينه وبين مالكه مع عدم شعوره بذلك ، أو أنّه يشمل الكنز الذي هو عبارة عن المال المذخور تحت الأرض قصداً ، التحقيق أنّه لو لم يكن هنا الروايات الواردة في الكنز ، وأنّه يجب الخمس فيه كما يجب في الاُمور الاُخر التي وقع الكنز في سياقها ، لكان الحكم المذكور الوارد في الروايات الواردة في غير الكنز سارياً فيه أيضاً .
إمّا لأجل دعوى عدم اختصاص موردها بغير الكنز ، كما لا يبعد هذه

(1) في ص371 .

(الصفحة374)

الدعوى بالنسبة إلى صحيحة محمّد بن مسلم وموثّقة محمّد بن قيس المتقدّمتين ; لعدم ظهور الروايتين في ما إذا كان الورق الموجود في الدار موجوداً في ظاهرها ، بل مقتضى الإطلاق وترك الاستفصال الشمول للكنز أيضاً .
وإمّا لأجل أنّ موردها وإن كان مختصّاً بغير الكنز ، إلاّ أنّ المتفاهم بنظر العرف عدم الاختصاص بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن إلغاء الخصوصية ، فلو لم يرد في باب الكنز بالخصوص رواية لكان حكمه حكم اللقطة من وجوب التعريف وجواز التملّك بعده ، إلاّ أنّه مع ورود الرواية في مورده خصوصاً مع ذكره في سياق المعدن والغوص والغنائم التي يجب فيها الخمس ، فهل اللازم تقييد أدلّة الكنز الدالّة على وجوب الخمس فيما إذا صار الواجد مالكاً له بالأدلّة الواردة في غيره الظاهرة في توقّف جواز التملّك على التعريف ، بحيث كان ثبوت الخمس بعد التعريف وجواز التملّك ، أو أنّه حيث كان المورد في الدليلين مختلفاً ، حيث إنّ مورد أدلّة الكنز هو الكنز بالمعنى الذي عرفت(1) ، ومورد أدلّة غيره هو المال الموجود في ظاهر الأرض ، وقد وقعت الحيلولة بينه وبين مالكه بدون قصد ولا إرادة ، فلا منافاة بين توقّف جواز التملّك في الثاني على التعريف، وعدم توقّفه عليه في الأوّل ، بل ثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ، غاية الأمر لزوم إخراج الخمس لأربابه ؟ وجهان .
لا مجال لتوهّم التقييد في الكنز الذي وجد في بطن الأرض وكانت الآثار شاهدة على تعلّقه بالاُمم الماضية التي ليس منهم في زمان الوجدان عين ولا أثر ; إذ لا وجه للحكم بوجوب التعريف بالنسبة إلى مثل ذلك الكنز الذي لا يحتمل عند العرف وجود مالك فعلي بالنسبة إليه .
وأمّا في غيره من الكنوز التي يوجد ويحتمل ثبوت المالك لها وبقاؤه في حال

(1) في ص356 .

(الصفحة375)

الوجدان ، فهل يحكم بثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ولزوم إخراج الخمس ، أو أنّه لابدّ من التعريف وجواز التملّك بعده؟
لا يبعد ترجيح الاحتمال الأوّل ; لظهور أدلّة الكنز الجاعلة إيّاه في سياق سائر ما يجب فيه الخمس من الاُمور الثلاثة أو الأربعة في ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان من دون توقّف على التعريف ، ولا مجال للتصرّف فيها بسبب ما ورد فيما يجب فيه التعريف(1) ، كما أنّه لا مجال للحكم بوجوب الخمس فيما يجب فيه التعريف ، نظراً إلى أدلّة الكنز(2) الموجبة للخمس بعد الوجدان .
ومن هنا يشكل الحكم بثبوت الخمس فيما وجد في جوف دابّة اشتراها من الغير مع عدم معرفة البائع إيّاه بعد التعريف ، وذلك لعدم دلالة صحيحة عبدالله بن جعفر المتقدّمة(3) الواردة في حكم هذا الفرع على ثبوت الخمس ، بل مقتضى ظاهرها أنّه مع عدم معرفة البائع يكون الشيء بأجمعه للبائع ، وأنّه رزقٌ رزقه الله إيّاه ، وكذلك الورق الموجود في الدار المعمورة بعد عدم معرفة الأهل أو الساكنين حولها له ، فإنّ مقتضى الصحيحة والموثّقة المتقدّمتين(4) جواز التمتّع به بأجمعه والتملّك له كذلك ، من دون تعرّض بوجوب الخمس كما لا يخفى .
وبالجملة : فلم أعثر على دليل يدلّ على ثبوت الخمس في مثل هذه الصورة ممّا يجب فيه التعريف أوّلا وإن كانت الشهرة بين الشيخ ومن تأخّر عنه متحقّقة على ذلك(5) .


(1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 .
(2) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 .
(3) في ص361.
(4) في ص370.
(5) النهاية : 321 ، المراسم: 209 ، المهذّب 2 : 568 ـ 569 ، السرائر 2 : 106 ، إصباح الشيعة : 325 ، الوسيلة : 278 ـ 279 ، الجامع للشرائع : 356 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، إرشاد الأذهان 1 : 292 .

(الصفحة376)

اللّهمّ إلاّ أن يقال: يستكشف من الشهرة وجود نصّ دالّ على ذلك ، مذكور في الجوامع الأوّلية التي هي الأصل بالنسبة إلى الجوامع الثانوية الموجودة بأيدينا ، غاية الأمر أنّه لم ينقل فيها ، إلاّ أنّ بلوغ الشهرة إلى هذا الحدّ الذي يستكشف منه ثبوت النصّ في تلك الجوامع محلّ إشكال ، فانقدح أنّه لا دليل على ثبوت الخمس فيها وإن كان الاحتياط باخراجه ممّا لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّ المراد بالتعريف في المقام هل هو الثابت في تعريف اللقطة من وجوب الدفع إلى مدّعي الملكيّة مع إقامته البيّنة عليه ، وإلاّ فبدونها لا يجب الدفع . نعم، يجوز مع حصول الظنّ بكونه مالكاً من التوصيف وبيان الآثار والعلائم ، وبعد فرض وجدان المالك الحقيقي يكون ضامناً له أيضاً ، أو أنّه لا يلزم في المقام إقامة البيّنة ، بل يكفي في وجوب الدفع إلى البائع مجرّد توصيفه وبيانه الآثار والعلامات ، أو لا يحتاج إلى ذلك أيضاً ، بل يكفي مجرّد ادّعائه الملكيّة وإن لم يكن يعرفه بالخصوصيّات ولم يقم عليه البيّنة أيضاً ، كما حكي عن الشهيد (رحمه الله)(1)؟ وجوه .
الظاهر هو الوجه الثاني ; لظهور الرواية في توقّف وجوب الدفع إلى البائع ، وثبوت الملكيّة له على عرفانه ، ومن الواضح أنّه ليس المراد بالعرفان مجرّد ادّعاء الملكيّة وإن لم يكن يعرف شيئاً من خصوصيات الشيء وآثاره ، بل ظاهر العرفان ، العرفان بالخصوصيّات ، وعليه فلا يبقى مجال للاحتمال الثالث .
نعم، يمكن الاستناد بأنّ مقتضى ثبوت التسلّط والاستيلاء على الدابّة الاستيلاء على ما في جوفها أيضاً ، وهذه السلطة لم تزل بوقوع المعاوضة على نفس الدابّة ، بل هي بعد باقية ، ومقتضاها ثبوت الملكيّة لذي اليد وإن لم يقم البيّنة ولم يعرف الشيء بالخصوصيّات .


(1) الدروس الشرعيّة 1: 260 .

(الصفحة377)

هذا ، ولكن مقتضى هذا الدليل ثبوت ملكيّة البائع وإن لم يدّع الملكيّة أصلا، بل كان شاكّاً في كونه مالكاً له ، ومن الواضح أنّ المستدلّ لا يلتزم بذلك .
هذا، مضافاً إلى أنّ ثبوت اليد على ما في جوف الدابّة بحيث يترتّب عليها آثار الملكيّة كسائر الموارد التي يحكم بترتّب الملكيّة بمجرّد ثبوت اليد ممنوع ; لعدم تبعية ما في جوف الدابّة لنفس الدابّة في اليد عند العرف والعقلاء حتى يحكم بتبعيته لها في الملكيّة ، كما أنّ الحكم بشمول المقام لقاعدة المدّعي بلا معارض ـ المقرّرة في كتاب القضاء(1)ـ ممنوع ; لأنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان مال بين أشخاص لهم اليد عليه ، ولكن لا يدّعيه إلاّ واحد منهم ، كما يظهر من الرواية التي هي المدرك لها(2) ، فلا ارتباط لها بالمقام .
فالإنصاف أنّ ظاهر الرواية الواردة هنا أنّه لا يكفي مجرّد ادّعاء البائع الملكيّة ، كما أنّه لا يحتاج إلى إقامة البيّنة ، كما في باب اللقطة ، بل يكفي الإدّعاء بضميمة التوصيف وبيان الخصوصيات .
هذا ، ويمكن الاستناد لكفاية مجرّد الادّعاء بصحيحة محمّد بن مسلم(3)الظاهرة في الحكم بملكية الأهل فيما إذا وجد الورق في الدار المعمورة ، فإنّ أمر مفادها يدور بين أن يكون المراد جعل الحكم الظاهري ; وهي الملكيّة الظاهرية للأهل ، وبين أن يكون المراد بيان أحقّية الأهل ولزوم التعريف لهم ، كما تشهد به قرينة المقابلة مع الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا وجد الورق في الدار غير المعمورة ،

(1) راجع شرائع الإسلام 4 : 109 ، رياض المسائل 9 : 376 ـ 377 ، مستند الشيعة 17 : 358 ـ 359 ، جواهر الكلام 40 : 398 .
(2) الكافي 7 : 422 ح5 ، التهذيب 6 : 292  ح810 . الوسائل 27 : 273 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب17 ح1 .
(3) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25 : 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .

(الصفحة378)

كما نفينا البُعد عن هذا الاحتمال فيما سبق .
فعلى التقدير الأوّل يكون مقتضى الصحيحة ثبوت الملكيّة للأهل ولو لم يدّعوا الملكيّة، فضلا عمّا إذا ادّعوها ، ولازمه الانتقال إلى ورثتهم مع موتهم قبل التعريف وادّعاء الملكيّة ووجوب الصرف إلى ديّانهم فيما لو كان عليهم دين وغير ذلك .
وعلى التقدير الثاني يكون مقتضاها وجوب الدفع إلى الأهل بمجرّد الادّعاء ; لأنّه مقتضى أحقيّتهم ، وبالجملة: مفاد الصحيحة ـ بعد عدم إمكان الحمل على بيان الحكم الواقعي المسبّب عن علله الواقعية، أو عن خصوص اليد كما عرفت ـ هو كون الأهل أحقّ ، نظير أحقّية الواجد فيما إذا وجد الورق في الدار الخربة ، وهذا لا يحتاج إلى التوصيف ولا اليمين ولا إقامة البيّنة .
وعليه فيحمل العرفان الوارد في غير هذه الرواية على مجرّد الادّعاء لا على التوصيف وإن كان هو في نفسه ظاهراً في التوصيف ، كما ذكرنا .
وكيف كان، فقد انقدح من جميع ما ذكرنا في حكم صور الكنز أنّ مقتضى الأدلّة الواردة في الكنز الجاعلة إيّاه في سياق ما يجب فيه الخمس ، كالغنائم والغوص والمعدن ، ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان ، وأنّ التفصيل الذي ذكره الشيخ في المبسوط ـ من الفرق بين ما يوجد في دارالحرب ، وبين ما يوجد في دار الإسلام ، وأنّ ما يوجد في دار الحرب يجب فيه الخمس مطلقاً ، بخلاف ما يوجد في دار الإسلام، فإنّه فيه تفصيل عرفته(1) ـ ممّا لا شاهد له في الروايات ، بل مقتضى ظاهر ما ورد منها في الكنز(2) ثبوت الملكيّة للواجد مطلقاً وأنّ عليه الخمس كذلك .


(1) في ص367 .
(2) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 .

(الصفحة379)

اللهمّ إلاّ أن يناقش في ذلك بأنّ الروايات الواردة في الكنز لا تكون بصدد بيان ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان ، بل غاية مفادها أنّ الكنز الذي صار ملكاً للواجد يجب عليه إخراج خمسه ، فهي واردة بعد الفراغ عن ثبوت الملكيّة ، واللازم حينئذ استكشاف حكم الملكيّة من دليل آخر ، بل لو قلنا بدلالة تلك الروايات على ثبوت الملكيّة في المعدن ونحوه بمجرّد الإخراج لا يسعنا القول بذلك في الكنز ; لأنّه مال ادّخره صاحبه تحت الأرض لبعض الأغراض ، وليس كالمعدن المتكوّن تحت الأرض الذي يكون إخراجه من الطرق العقلائية للاكتساب والمعيشة ، فالحكم بثبوت الملكيّة للمخرج في المعدن لا يكون قرينة على الحكم بثبوت الملكيّة للواجد في الكنز بعد عدم كون العثور عليه وإخراجه من الطرق المعمولة للمعيشة ، وكونه مالا لإنسان ادّخره قصداً لبعض الأغراض .


(الصفحة380)


الرابع : الغوص

لا إشكال ولا خلاف في وجوب الخمس فيه وتعلّقه بما يخرج به(1) ، بل حكي دعوى الاجماع عليه عن ظاهر الانتصار(2) وصريح الغنية(3) والمنتهى(4) .
ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال : عليه الخمس(5) .
ورواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(6) .
وكذا الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ الخمس من خمسة أشياء ، كمرسل حمّاد(7) ، وكذا ابن أبي عمير(8) وغيرهما ، حيث عدّ فيها الغوص في عِداد ما يجب فيه الخمس .


(1) راجع الحدائق الناضرة 12 : 343 ، وجواهر الكلام 16 : 39 .
(2) الانتصار : 225 .
(3) غنية النزوع : 129 .
(4) منتهى المطلب 1 : 547 .
(5) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الكافي 1 : 548 ح28 ، الوسائل 9 : 498 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح1 .
(6) الكافي 1: 547 ح21، الفقيه 2  : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
(7) الكافي 1 : 539 ح4 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح4 .
(8) تقدّمت في ص357 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>