جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الحدود « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة21)

في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة1.


1 ـ اشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني والزّانية اموراً أربعة ، وهي الشرائط التي اشير إليها في ذيل المسألة الاُولى بقوله: مع شرائط يأتي بيانها ، والظاهر أنّ هذه الشرائط لا تكون زائدة على ما أفاده في تعريف الزنا الموجب للحدّ ; لعدم ثبوت التحريم الفعلي مع فقدان شيء منها ، وكيف كان .
فالأول : البلوغ ، ويدلّ على اعتباره مضافاً إلى رفع القلم عن الصبيّ(1) روايات متعدّدة:
منها: صحيحة يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوّجت واقيمت عليها الحدود التامّة لها وعليها ، قال: قلت: الغلام إذا زوَّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم(2) . ورواه الشيخ(قدس سره) إلاّ أنّه زاد بعد مبلغ سنّه: فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة .
ومنها: صحيحة حمّاد بن عيسى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال: لا  حدّ على مجنون حتّى يفيق ، ولا على صبيّ حتّى يدرك ، ولا على النّائم حتّى يستيقظ(3) .
والثاني: العقل ، والبحث فيه تارة في المجنونة إذا زنت ، واُخرى في المجنون


(1) وسائل الشيعة: 1 / 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 314 ، أبواب مقدّمات الحدود ب6 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 316 ، أبواب مقدّمات الحدود ب8 ح1 .

(الصفحة22)



إذا زنى .
أمّا الأوّل: لا خلاف بين الأصحاب قديماً وحديثاً في سقوط الحدّ عنها ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى رفع القلم عنها ، واشتراط التكليف بالعقل ، وإلى صحيحة حمّاد المتقدّمة ، لظهور كون المراد من المجنون فيها أعمّ من المجنونة ، كما أنّ المراد من الصبيّ فيها أيضاً أعمّ من الصبيّة ـ ما رواه المفيد(قدس سره) في محكيّ الإرشاد قال: روت العامّة والخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل وقامت البيّنة عليها ، فأمر عمر بجلدها الحدّ ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إنّ رجلا فجر بها فهرب وقامت البيّنة عليها ، فأمر عمر بجلدها ، فقال لهم: ردّوها إليه وقولوا له: أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان ، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق ، وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها ، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ(1) .
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) في امرأة مجنونة زنت ، قال: إنّها لا تملك أمرها ، ليس عليها شيء(2) .
وأمّا الثاني: فالمشهور بين الأصحاب هو سقوط الحدّ عنه ، ولكنّه نسب الخلاف إلى الشيخين(3) والصدوق(4) والقاضي(5) وابن سعيد(6) . ودليل المشهور ـ مضافاً إلى رفع القلم عنه كما في المجنونة ـ صحيحة حمّاد ورواية الإرشاد


(1) وسائل الشيعة: 18 / 316 ، أبواب مقدّمات الحدود ب8 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب21 ح1 .
(3) النهاية: 696 ، المقنعة: 779 .
(4) المقنع: 436 .
(5) المهذّب: 2 / 521 .
(6) الجامع للشرائع: 552 .

(الصفحة23)



المتقدّمتان ، وصحيحة أو حسنة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا حدّ لمن لا حدّ عليه ، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلا لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال: يا زان! لم يكن عليه حدّ(1) فإنّ ذكر المجنون بعنوان المصداق للضابطة المذكورة أوّلا ـ الناظرة إلى نفي ثبوت طبيعة الحدّ النفعي لمن كانت طبيعة الحدّ الضرري منتفية بالإضافة إليه ـ يدلّ على انتفاء الحدّ الضرري مطلقاً ، ومنه حدّ الزنا الذي هو محلّ البحث في المقام في المجنون ، كما لا يخفى .
ودليل المخالفين هو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ وإن كان محصناً رجم ، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى ، والرّجل يأتي ، وإنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة ، وإنّ المرأة إنّما تستكره ويفعل بها ، وهي لا تعقل ما يفعل بها(2) .
والكلام في هذه الرواية تارة من جهة السند ، واُخرى من حيث الدلالة:
أمّا من جهة السند فقد ضعفت الرواية من جهة وجود إبراهيم بن الفضل فيه ، نظراً إلى أنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح .
ولكنّه ربما يقال: بأنّ تضعيف الرواية مشكل من جهة أنّ إبراهيم المذكور هو الهاشمي ، كما يظهر من جامع الرواة ، وهو إماميّ ، وقيل: هو حسن . واستشعر المحقّق الوحيد البهبهاني(قدس سره) في التعليقة وثاقته من جهة رواية جعفر بن بشير عنه(3) ،


(1) وسائل الشيعة: 18 / 332 ، أبواب مقدّمات الحدود ب19 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب21 ح2 .
(3) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 26 .

(الصفحة24)



مضافاً إلى عمل الشيخين والصدوق والقاضي وابن سعيد (قدس سرهم) .
أقول: ظاهر جامع الرواة وإن كان ما ذكر ، حيث أورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواقع في سندها إبراهيم بن الفضل الهاشمي(1) ، إلاّ أنّه كما في «قاموس الرجال»(2): لا دليل على كون المراد بإبراهيم المذكور فيها هو الهاشمي ، لأنّها كلّها بلفظ إبراهيم بن الفضل ، ولعلّ المراد به هو إبراهيم بن الفضل المدني أبو اسحاق الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام) متّصلا بإبراهيم بن الفضل الهاشمي(3) ، وعلى تقدير كون المراد به ذلك لا دليل على وثاقته أو كونه حسناً ، وعمل المذكورين معارض بإعراض المشهور عن الرواية وتضعيفهم لها ، كما لا يخفى .
وبعد ذلك كلّه لا مجال للاتّكال على الرواية ، خصوصاً بعد دلالتها على حكم مخالف للروايات الكثيرة المتقدّمة الدّالة على عدم ثبوت الحدّ على المجنون .
وأمّا من جهة الدلالة ، ففيها إشكال أيضاً ; لأنّ تعليل الفرق بين المجنون والمجنونة بما ذكر في الرواية لا يستقيم ، لأنّه إن كان المراد به ثبوت تمييز وشعور للمجنون بقدر أقلّ مناط التكليف ـ كما حمل الرواية على ذلك في الوسائل بعد نقلها ـ ففيه: أنّه خارج عن الفرض ، لأنّ محلّ البحث هو المجنون الكامل الذي لا يكون فيه مناط التكليف بوجه ، وإن كان المراد به وجوده في المجنون الكامل ، فيرد عليه أنّ الجنون الراجع إلى مسألة العقل إنّما يكون مرتبطاً بمزيّة متحقّقة في الإنسان ، مميّزة له عن الحيوان ، وأمّا الشهوة وإتيان اللّذة فترتبط بجهة الحيوانية


(1) جامع الرواة: 1/29 .
(2) قاموس الرجال: 1/258 .
(3) رجال الشيخ: 144 رقم 25 ، 26 .

(الصفحة25)



الموجودة في الإنسان ، ولذا يتحقّق ذلك من الحيوانات مع كونها بعيدة عن العقل ، فالإنصاف عدم استقامة التعليل .
هذا ، مع أنّ المستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الواردة في المجنونة أنّ العلّة لعدم ثبوت شيء عليها هو أنّها لا تملك أمرها ، ومن الواضح جريان هذا التعليل في المجنون أيضاً ، فالأظهر بملاحظة ما ذكرنا عدم الفرق بين المجنونة والمجنون من هذه الجهة .
والثالث: العلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه ، والظاهر أنّ المراد بالعلم أعمّ من العلم الوجداني ، فيشمل الأمارة المعتبرة على الحرمة ، كما يدلّ عليه قوله بعده: اجتهاداً أو تقليداً ، كما أنّه يشمل ما لو كان مقتضى الأصل كاستصحاب حرمة المرأة المشكوكة الحرمة ، وعليه فالمراد من العلم بالحرمة هي وجود الحجّة على التحريم حال صدور العمل ، كما أنّ الظاهر عدم اختصاص العلم بخصوص العلم التفصيلي ، والشمول للعلم الإجمالي ، كما إذا كانت المرأة المحرّمة مردّدة بين اثنتين أو أزيد ، فإذا وطأها كذلك وانكشف كونها هي المرأة المحرّمة يثبت عليه الحدّ ; لأنّ المفروض تنجّز الحرمة بسبب العلم الإجمالي .
ثمّ إنّه يظهر من تفريع عدم ثبوت الحدّ في مورد النسيان وكذا الغفلة أنّ المراد من العلم ليس خصوص ما يقابل الجهل ، بل ما يقابله والنسيان والغفلة ، فالمراد منه هو العلم مع التوجّه والالتفات .
والدليل على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى الأدلّة العامّة الواردة في مورد الجهل والنسيان الظاهرة في عدم ثبوت الحدّ ، كحديث الرفع الدّال على رفع ما لا يعلم ، والنسيان ، وغيرهما من الامور المرفوعة فيه ـ الروايات الخاصّة الواردة في المقام :
كصحيحة حمران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدّتها بجهالة

(الصفحة26)



منها بذلك؟ قال: فقال: لا أرى عليها شيئاً ، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّج بها ، ولا تحلّ له أبداً ، قلت: فإن كانت عرفت أنّ ذلك محرّم عليها ثمّ تقدّمت على ذلك؟ قال: إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها (فيهاـ خ ل) الرّجعة فإنّي أرى أنّ عليها الرجم ، فإن كانت تزوّجته في عدّة ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرّجعة فإنّي أرى أنّ عليها حدّ الزاني ، ويفرَّق بينها وبين الذي تزوّجها ولا تحلّ له أبداً(1) .
ثمّ إنّ الظاهر خروج الجاهل المقصّر الملتفت عن الحكم بسقوط الحدّ عن الجاهل ; لعدم كون هذا الجهل عذراً بوجه ، ويدلّ عليه في المقام صحيحة يزيد الكناسي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها؟ فقال: إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرّجعة فإنّ عليها الرّجم ، وإن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزّاني غير المحصن ، وإن كانت تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر والعشرة أيّام فلا رجم عليها وعليها ضرب مائة جلدة . قلت: أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلاّ وهي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت ، ولقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك . قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة ولا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم(2) .
والرابع: الاختيار ، وفرّع عليه عدم ثبوت الحدّ على المكره والمكرهة ، والكلام


(1) وسائل الشيعة: 14 / 348 ، كتاب النكاح أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب17 ح17 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 396 ، أبواب حدّ الزنا ب27 ح3 .

(الصفحة27)



فيه يقع في مقامات ثلاثة:
الأوّل: الدّليل على عدم ثبوت الحدّ مع انتفاء هذا الشرط ، ونقول: يدلّ عليه ـ مضافاً إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه; لعدم اختصاصه بخصوص رفع الحرمة وشموله لرفع الحدّ وسقوطه ـ صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السلام)أتي بإمرأة مع رجل فجر بها ، فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحدّ، ولوسئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، وقد والله فعله أمير المؤمنين (عليه السلام)(1).
وصحيحة محمّد ، عن أحدهما (عليهما السلام) في امرأة زنت وهي مجنونة قال: إنّها لا تملك أمرها وليس عليها رجم ولا نفي ، وقال في امرأة أقرّت على نفسها أنّه استكرهها رجل على نفسها ، قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء قتلها ، ليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم(2) .
وغيرهما من الروايات الدالّة على سقوط الحدّ في مورد الإكراه ، فلا إشكال في هذا المقام .
الثاني: في المراد من الإكراه الموجب لسقوط الحدّ ، والظاهر أنّ المراد به هو الإكراه الرافع للحرمة الفعليّة والنافي للتكليف ، ومن المعلوم أنّ هذا الإكراه غير الإكراه المتحقّق في المعاملات الموجب لخروجها عن الصحّة واتّصافها بالبطلان ، ضرورة أنّ الملاك في البطلان هناك منافاته لما هو المعتبر في صحّتها ، وهو طيب النفس والرضى الباطني ، ومن الواضح أنّ أقلّ مراتب الإكراه لا يكاد يجتمع مع طيب النفس ، لأنّ مجرّد التوعيد والتهديد على الترك ملازم لعدم الرضى المعتبر في صحّة المعاملة .


(1 ، 2) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب18 ح1 و 2 .

(الصفحة28)



وهذا بخلاف الإكراه الرافع للحرمة الفعلية ; لأنّ مجرّد تحقّق الإكراه ومسمّاه لا يوجب ارتفاع الحرمة ، خصوصاً إذا كانت الحرمة شديدة والمبغوضيّة أكيدة ، أترى أنّ التوعيد بالضرب فقط أو الشتم مثلا يوجب حلّية الزنا ، خصوصاً إذا كانت المزنيّ بها ذات بعل مثلا ، فاللازم ملاحظة مراتب الحرمة شدّة وضعفاً ، وملاحظة ما وعد به ، وملاحظة شخص المكره والخصوصيّات المتحقّقة فيه ، فإنّ الفرد العادي إذا وعد بالشتم لا يجري عليه حكم ما إذا كان المكره له خصوصيّة اجتماعية مرتبطة بالجهات المعنويّة والامور الاعتقاديّة ، كما لا يخفى .
الثالث: لا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف المرأة ولا خلاف في ذلك ، والأخبار الدالّة على سقوط الحدّ في مورد الإكراه كلّها واردة في مورد استكراه المرأة ، كما في الصحيحتين المتقدّمتين ، وأمّا في طرف الرجل فقد تردّد فيه في الشرائع(1) ، وإن جعل الأشبه الإمكان ، والمحكيّ عن الغنية الجزم بالعدم(2) نظراً إلى أنّ الإكراه يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوى ، لتوقّفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل المتوقّف عليه صدق الإكراه .
ولكن الظاهر تحقّق الإكراه في طرف الرجل أيضاً ، لأنّه ـ مضافاً إلى ما في الجواهر من إمكان فرضه وتحقّقه بدون الانتشار ، بأن يدخل الحشفة في الفرج وهو غير منتشر ، وكذا يمكن فعله من غير تخويف حين انتشار الآلة ، بأن يدخل الآلة المنتشرة قهراً على صاحبها في الفرج(3) ـ لا مانع من الانتشار الناشئ عن ميل النفس وانبعاث القوى اللذين هما من لوازم الحيوانيّة ووجود الغريزة الجنسية


(1) شرائع الإسلام: 4/933 .
(2) غنية النزوع: 424 .
(3) جواهر الكلام: 41/266 .

(الصفحة29)

مسألة 5 : لو تزوّج امرأة محرَّمة عليه كالأمّ ، والمرضعة ، وذات البعل ، وزوجة الأب والإبن ، فوطىء مع الجهل بالتحريم فلا حدّ عليه ، وكذا لا حدّ مع الشبهة ، بأن اعتقد فاعله الجواز ولم يكن كذلك ، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة ، كما لو أخبرت المرأة بكونها خليّة وكانت ذات بعل ، أو قامت البيّنة على موت الزوج أو طلاقه ، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم وكان حاصلا ، ويشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر فضلا عن مجرّد الإحتمال ، فلو جهل الحكم ولكن كان ملتفتاً واحتمل الحرمة ولم يسأل ، فالظاهر عدم كونه شبهة . نعم ، لو كان جاهلا قاصراً أو مقصِّراً غير ملتفت إلى الحكم والسؤال ،


والقوّة الشهويّة ، غاية الأمر أنّ الإكراه الراجع إلى عدم تحقّق الفعل مع قطع النظر عنه إنّما هو لوجود الزجر الشرعي والتحريم الإلهي ، كما أنّ تحقّق امتثال النهي عن الزنا مثلا بالترك إنّما هو لأجل كون الزجر مانعاً عن تحريك القوّة الشهويّة ، لإيجاد مقتضاها في الخارج لا لأجل عدم الميل ، بل تحقّق الامتثال في صورة الميل لعلّه أقوى من غيرها ، كما لا يخفى .
وإلى هذا يرجع التعليل للإمكان في الشرائع بما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع ، وقد فسّره في المسالك بأنّ الانتشار يحدث عن الشهوة ، وهو أمر طبيعي لا ينافيها تحريم الشرع(1) . ولولا ما ذكر لكان تحقّق الإكراه بالإضافة إلى كثير من المحرّمات الشرعية منتفياً ; لوجود الميل النفساني إليه ، وموافقته للطبع الحيواني ، غاية الأمر أنّ المانع عن تحقّقه هو الزجر الشرعي ، فالإنصاف إمكان تحقّق الإكراه في طرف الرجل أيضاً ، كما في المتن .


(1) مسالك الأفهام: 14/331 .

(الصفحة30)

فالظاهر كونه شبهة دارأة1.


1 ـ الوجه في التعرّض للفرع الأوّل من فروع هذه المسألة هو وجود الفتوى بالخلاف من أبي حنيفة في صورة العلم بالتحريم(1) . قال الشيخ الطوسي(قدس سره)في الخلاف في مسائل كتاب الحدود: إذا عقد النكاح على ذات محرم له كأمّه ، وبنته ، وأخته ، وخالته ، وعمّته ، من نسب أو رضاع ، أو امرأة ابنه ، أو أبيه ، أو تزوّج بخامسة ، او امرأة لها زوج ووطئها ، أو وطء امرأة بعد أن بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم ، فعليه القتل في وطء ذات محرم ، والحدّ في وطء الأجنبية ، وبه قال الشافعي إلاّ أنّه لا يفصّل(2) . وقال أبو حنيفة: لا حدّ في شيء من هذا ، حتّى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها لا حدّ عليه ، فإن استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحدّ(3) ،(4) . ونظره إلى أنّ العقد بانفراده شبهة في سقوط الحدّ ، مع كونه عالماً بالتحريم ، قال في الجواهر بعد الإشارة إلى مذهبه: وكم له مثل ذلك ممّا هو مخالف لضرورة الدّين في الأموال والفروج والدماء ، والمحكيّ من كلامه لا يقبل الحمل على إرادة ما لا يعلم حرمته يقيناً ، وإن كان هو حراماً بمقتضى الاجتهاد(5) .
وكيف كان ، فالكلام تارة في مستند سقوط الحدّ بالشبهة ، واُخرى في حقيقتها وبيان المراد منها ، فنقول:


(1) المغني لابن قدامة: 10/152 ، الفقه على المذاهب الأربعة: 4/124 .
(2) المجموع: 21/319 ، المغني لابن قدامة: 10/152 ـ 153 .
(3) المبسوط للسرخسي: 9/58 و 85 ، المجموع: 21/318 .
(4) الخلاف: 5/386 مسألة 29 .
(5) جواهر الكلام: 41/264 .

(الصفحة31)



أمّا من الجهة الأولى ، فربّما يقال: إنّ الزنا قد فسر بالفجور ، ومن الظاهر أنّه يعتبر في تحقّق مفهومه وصدقه احراز عدم الاستحقاق ، كالغصب في الأموال ، فلا يثبت على الواطئ بالشبهة حدّ مع عدم صدق الزنا .
وهذا القول وإن كان تامّاً في الجملة ، إلاّ أنّ منع صدق الزنا في جميع موارد الشبهة حتّى ما إذا كان هناك جهل عن تقصير محلّ تأمّل ، والعمدة في هذه الجهة الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ الشبهة دارئة للحدّ:
منها: مرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إدرأوا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ»(1) .
وقد مرّت الإشارة مراراً إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال ، خصوصاً إذا كان مرسلها مثل الصدوق ، والرواية شاملة لجميع الحدود ، كما أنّها تشمل الشبهة الموضوعيّة والحكميّة معاً ، كما لا يخفى .
ومنها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو أنّ رجلا دخل في الإسلام وأقرّ به ، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ، ولم يتبيّن له شيء من الحلال والحرام لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلا ، إلاّ أن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا ، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته ، فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحدّ(2) . وهذه الرواية واردة في الشبهة الحكمية ، والمراد من الحدّ فيها أعمّ من التعزير ; لعدم ثبوت الحدّ الخاصّ في مورد أكل الربا ، وقريب منها صحيحتا محمّد بن مسلم ، وأبي عبيدة الحذّاء ، إلاّ أنّ فيهما: إلاّ أن تقوم عليه بيّنة أنّه


(1) وسائل الشيعة: 18 / 336 ، أبواب مقدّمات الحدود ب14 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 323 ، أبواب مقدّمات الحدود ب14 ح1 .

(الصفحة32)



قد كان أقرّ بتحريمها(1) .
ومنها: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً ، قال: عليه الجلد وعليها الرجم ، لأنّه تقدّم بعلم وتقدّمت هي بعلم وكفّارته إن لم يقدم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصيع دقيقاً(2) . ولولا الجواب لكان الظاهر من السؤال الجهل بوجود الزوج ، وكيف كان فهي تدلّ بالظهور على سقوط الحدّ مع عدم العلم ، وموردها الشبهة الموضوعية .
ومنها: صحيحة عبدالصمد بن بشير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث إنّ رجلاً أعجمياً دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه ، فقال لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّي كنت رجلا أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة ، فحيث أحجّ لم أسأل أحداً عن شيء ، وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي وإنّ حجي فاسد وإنّ عليَّ بدنة؟ فقال له: متى لبست قميصك أبعدما لبّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي ، قال: فأخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحجّ من قابل ، أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ، طف بالبيت سبعاً وصلّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلَّ بالحج واصنع كما يصنع الناس(3) .
والمراد من قول السائل: «لم أسأل أحداً عن شيء» هل هو عدم السؤال لأجل عدم الالتفات وعدم التوجّه وتخيّل العلم بطريق الحج وكيفيّته ؟ أو عدم السؤال مع الالتفات والتوجّه إلى الجهل ؟ ويمكن أن يكون الوجه فيه على هذا الاحتمال عدم


(1) وسائل الشيعة: 18 / 324 ، أبواب مقدّمات الحدود ب14 ح2 و3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 397 ، أبواب حدّ الزنا ب27 ح5 .
(3) وسائل الشيعة: 9 / 125 ، كتاب الحجّ أبواب تروك الإحرام ب45 ح3 .

(الصفحة33)



التمكّن من ملاقاة الإمام (عليه السلام) وأصحابه العالمين بأنظاره، وإن كان متمكّناً من المراجعة إلى مراجع الناس وعلمائهم ، وهذه الرواية شاملة لكلتا الشبهتين كما لا يخفى .
وأمّا من الجهة الثانية ، الراجعة إلى مفهوم الشبهة ومعناها فنقول: قال صاحب الرياض: وضابطها ـ يعني الشبهة ـ ما أوجبت ظنّ الإباحة بلا خلاف أجده(1) ، وهل مراده بالظنّ العلم كماربّما فسّر كلامه به ، والتعبير منه به لأجل مخالفته للواقع كما هو المفروض ، أو أنّ مراده به أعمّ من العلم والظنّ في مقابل الاحتمال؟ وجهان ، والظاهر هو الثاني .
وعن بعض في تعريف الوطء بالشبهة: أنّه الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم ، ومقتضاه كفاية مجرّد احتمال الإباحة في تحقّق معنى الشبهة وإن كان مساوياً أو مرجوحاً ، فضلا عمّا إذا كان راجحاً .
وعرّفه العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) في محكيّ مصابيحه: أنّه الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق ، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع ، أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم ، والمراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق ، ويكون النكاح مع ذلك جائزاً ، كما لو اشتبه عليه ما يحلّ من النساء بما يحرم منهنّ مع عدم الحصر ، أو عوّل على إخبار المرأة بعدم الزوج أو انقضاء العدّة ، أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته ، إلى غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعاً وإن كان قريباً أو مظنوناً ، وبارتفاع التكليف إلى آخره ، الجنون والنوم ونحوهما ، دون ما كان بسبب محرّم


(1) رياض المسائل: 10/8 .

(الصفحة34)



كشرب الخمر المسكر ، فإنّه بحكم الزاني في تعلّق الحدّ وغيره(1) .
ومقتضى هذا التعريف عدم كفاية مجرّد احتمال الإباحة ، بل وعدم كفاية الظنّ إذا لم يقم دليل شرعيّ على اعتباره حتّى يكون جهالة مغتفرة ، فهنا احتمالات ثلاثة في مفهوم الشبهة ومعناها ، وظاهر المتن اختيار الاحتمال الثالث .
أقول: ما أفاده العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) في ضابط الشبهة يرجع إلى أنّ موردها ما إذا لم يكن التكليف التحريمي فعليّاً ، إمّا لوجود اعتقاد الخلاف ، وإمّا لوجود الحجّة الشرعية على الخلاف ، وإمّا لوجود مثل النوم ممّا لا يكون التكليف معه بفعليّ أصلا ، وعليه فالشبهة الدارئة للحدّ ما كانت منافية لفعليّة التكليف ورافعة لها ، فالملازمة متحقّقة بين مقام ثبوت التكليف ومورد ثبوت الحدّ ، فكلّ مورد يكون التكليف فعليّاً فالحدّ يترتّب عليه ، وكلّ مورد ترتفع فعليّة التكليف فالحدّ ساقط .
مع أنّ الظاهر أنّ قول النبي(صلى الله عليه وآله) في مرسلة الصدوق المتقدّمة: إدرأوا الحدود بالشبهات . يفيد أمراً زائداً على ذلك ، ومرجعه إلى أنّ مقام إجراء الحدود وإثبات المجازات أضيق دائرة من مقام ثبوت التكليف ، ولعلّ الحكمة فيه حفظ أعراض الناس وحيثياتهم، وعدم التعرّض لها إلاّ في موارد العلم بالحرمة وقيام الحجّة عليها.
ويؤيّد ما ذكرنا اعتبار العلم بالحرمة في جملة شروط ثبوت الحدّ في مورد الزنا كما تقدّم البحث فيه ، فإنّ اعتبار العلم بالحرمة ووجود الحجّة عليها ـ أعمّ من القطع أو الأمارة المعتبرة أو الأصل الشرعي ـ مرجعه إلى عدم ثبوت الحدّ مع عدم الحجّة على التحريم ، وإن لم يكن هناك دليل على الحلّية أصلا ، وإلاّ فلو كان الرافع للحدّ وجود طريق معتبر على الحلّية لما كان وجه لاعتبار العلم بالحرمة في ثبوت


(1) حكى عن نكاح المصابيح في جواهر الكلام: 41 / 263 .

(الصفحة35)



الحدّ ، كما لا يخفى .
ويؤيّده أيضاً التعليل المتقدّم في رواية أبي بصير ، المذكورة في الجهة الاُولى ، وهو قوله (عليه السلام): «لأنّه تقدّم بعلم وتقدّمت هي بعلم » فإنّ ظاهره أنّ العلّة لثبوت الحدّ من الجلد والرجم هو وجود الحجّة على الحرمة وثبوت العلم بها ، فينتفي مع انتفاء العلّة وهي العلم ، ومقتضاه سقوط الحدّ وإن لم تكن حجّة على الحلّية .
كما أنّه يؤيّده أيضاً استثناء بعض صور الجهل عن تقصير كما في المتن ، فإنّ مرجعه إلى أنّ دائرة سقوط الحدّ أضيق من دائرة ثبوت التكليف وتحقّق الإثم والعصيان ، كما هو مقتضى كون الجهل عن تقصير .
وآخر ما يؤيّد ما ذكرنا ظهور رواية درء الحدّ في مورد الشبهة في كون موضوع الزنا ثابتاً مع الشبهة ، ومع ذلك يدرأ الحدّ بها ، وما جعل ضابطاً مرجعه إلى عدم تحقّق حقيقة الزنا الذي فسّر بالفجور ، ومثله في موارد الشبهة ، وذلك لوضوح عدم تحقّق الفجور والفاحشة ومثلهما مع اعتقاد الخلاف أو وجود الحجّة الشرعية على الحلّية ، أو وجود مثل النوم .
وأمّا ما في ذيل صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة(1) من الحكم بثبوت الحدّ في مورد العلم بأصل العدّة والشكّ في مقدارها ، معلّلا بقوله (عليه السلام): «إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم» فلا دلالة له على خلاف ما ذكرنا ، نظراً إلى ظهورها في ثبوت الحدّ مع الجهل ، وذلك لأنّ الحكم بذلك إنّما هو لوجود الحجّة على التحريم ، وهو استصحاب بقاء العدّة مع الشكّ في مقدارها ، فتدبّر .
فالإنصاف بملاحظة ما ذكرنا رجحان ما أفاده صاحب الرياض ، من كون الملاك في الشبهة هو الظنّ بالإباحة لو لم نقل بشمولها لصورة الاحتمال أيضاً .


(1) في ص26 .

(الصفحة36)

مسألة 6: لو عقد على محرّمة عليه كالمحارم ونحوها مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ ، وكذا لو استأجرها للوطء مع علمه بعدم الصحّة فالحدّ ثابت ، خلافاً للمحكيّ عن بعض أهل الخلاف ، وكذا لا يشترط في الحدّ كون المسألة إجماعيّة ، فلو كانت اختلافيّة لكن أدّى اجتهاده أو تقليده إلى الحرمة ثبت الحدّ ، ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب وقال الوالي بعدم الحرمة ، فهل له إجراء الحدّ أم لا؟ الأشبه الثاني ، كما أنّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه1.


1 ـ أمّا الفرع الأوّل: فقد وقع التعرّض له في المسألة المتقدّمة ، وكان ينبغي إيراده عقيب الفرع الأوّل في تلك المسألة .
وأمّا عدم اشتراط الحدّ بكون المسألة إجماعيّة ، فمنشأ توهّم الخلاف ما يوهمه ظاهر المحكيّ عن الفاضل في كتاب النكاح من تخصيص الزنابالمعلوم حرمته إجماعاً، كنكاح المحارم ونحوهنّ دون ما كان محلّ خلاف(1) . فإنّ ظاهره عدم تحقّق الزنا في المسائل الاختلافية ، مع أنّه لا يكون مراداً للفاضل قطعاً ، فإنّه كما في الجواهر يجب حمله على إرادة عدم الحكم بالزناء على من نكح في المسائل الخلافيّة، لاحتمال تقليده من يرى الجواز ، لا أنّ المراد عدمه ممّن هو مجتهد في الحرمة أو مقلّد له(2) .
وقد مرّ(3) أنّ المراد بالعلم بالحرمة المعتبر في ثبوت الحدّ هو وجود الحجّة عليها ، سواء كان علماً أو ظنّاً معتبراً ، أو كان مقتضى أصل شرعيّ .
ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب أو تقليده وقال الوالي بعدم الحرمة فقد جعل الأشبه عدم إجراء الحدّ عليه ، وذلك لأنّ إجراء الحدّ عمل الوالي وفعله ،


(1) تحرير الأحكام: 2 / 219 .
(2) جواهر الكلام: 41 / 264 .
(3) في ص25 .

(الصفحة37)

مسألة 7: يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ ، كمن وجد على فراشه امرأة فتوهّم أنّها زوجته فوطأها ، فلو تشبّهت امرأة نفسها بالزوجة فوطأها فعليها الحدّ دون واطئها ، وفي رواية يقام عليها الحدّ جهراً وعليه سرّاً ، وهي ضعيفة غير معوّل عليها1.


ولابدّ له من إحراز مشروعيّته ، ومع الاعتقاد بعدم كون العمل الواقع زناً محرّماً كيف يكون إجراء الحدّ مشروعاً؟ وإن كان يمكن أن يقال بأنّ إجراء الحدّ إنّما هو لسدّ باب الفساد ومنع تكرّر العمل المحرّم ، ومع اعتقاد الفاعل بفساد عمله وكونه محرّماً لا مانع من التوسّل إلى إجراء الحدّ دفعاً لتكرّر الفساد ، ولكنّ الأظهر هو الأوّل .
وأمّا لو كان بالعكس ، بأن قال الوالي بالحرمة ، واعتقد المرتكب اجتهاداً أو تقليداً الحلّية ، فلا شبهة في عدم ثبوت الحدّ ، وذلك لكون المورد من أظهر مصاديق الشبهة الدارئة للحدّ ، لأنّه باعتقاد الوالي من الجهالة المغتفرة في الشرع ، لاقتضاء الاجتهاد أو التقليد له ، فهو كما لو قامت البيّنة على الحلّية في الشبهات الموضوعيّة مع اعتقاد الوالي كذبها ، كما لا يخفى .

1 ـ المراد من التوهّم المذكور في المتن هو الاعتقاد ، والوجه في التعبير عنه به هو كونه مخالفاً للواقع ، كما هو المفروض في المسألة ، والسبب للتعرّض لسقوط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ ـ مع أنّه الفرد الظاهر من الشبهة وقد وقع التعرّض له في المسألة الخامسة ـ هو التعرّض للفرع الذي وردت فيه الرواية على خلاف القاعدة ، وإلاّ لا يكون وجه للتكرار .
والرواية هي ما رواه الشيخ باسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض

(الصفحة38)



أصحابه ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إبراهيم بن يحيى الدوري ، عن هشام بن بشير ، عن أبي بشير ، عن أبي روح: أنّ امرأة تشبّهت بأمة لرجل وذلك ليلا فواقعها وهو يرى أنّها جاريته ، فرفع إلى عمر ، فأرسل إلى عليّ (عليه السلام) فقال: إضرب الرجل حدّاً في السرّ واضرب المرأة حدّاً في العلانية(1) .
والرواية مع إرسالها وضعفها بإبراهيم بن يحيى الدوري ومن بعده من الرواة غير معمول بها عدا القاضي(2) . وفي الجواهر عن نكت النهاية: «سمعت من بعض فقهائنا أنّه أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً ، ولم يقم الحدّ عليه استصلاحاً وحسماً للمادّة ، لئلا يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً ، وهذا ممكن»(3) .
بقي الكلام في نكاح الكفّار وأنّ الوجه في عدم ترتّب آثار الزنا عليه مع كونه باطلا بمقتضى القواعد والضوابط في شريعة الإسلام ، هل هو كونه من مصاديق الشبهة ، نظراً إلى اعتقادهم تحقّق الحلّية بذلك ، أو أنّ منشأه كونه ممضى في الشرع ومحكوماً بالصحّة في الإسلام ، نظير الحكم بصحّة المعاملة إذا باع الذمّي الخمر من الذمّي مع عدم صحّته في الإسلام إذا وقع بين المسلمين؟
وعلى التقدير الأوّل هل يكون هناك فرق بين الكافر الذي لم يحتمل حقّية الإسلام أصلا ، وبين الكافر الذي احتملها ولم يفحص بعده ، بل بقي على كفره ونكح في هذه الحالة ، نظراً إلى قوله (عليه السلام) في صحيحة يزيد الكناسي المتقدّمة: «لزمتها الحجّة» أو لا يكون فرق بينهما كما هو ظاهر الفتاوى؟


(1) وسائل الشيعة: 18 / 409 ، أبواب حدّ الزنا ب38 ح1 .
(2) المهذّب: 2/524 .
(3) نكت النهاية: 3/295 ـ 296 ، جواهر الكلام: 41 / 265 .

(الصفحة39)

مسألة 8: يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فلو ادّعى الشبهة أحدهما أوهما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه ، ويسقط بدعوى الزوجيّة ما لم يعلم كذبه ،


والظاهر هو الوجه الثاني وأنّ المنشأ هو كونه ممضى في الشريعة ، نظراً إلى قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ما في بعض الروايات: «إنّ لكلّ قوم نكاحاً»(1) وقول أبي عبدالله (عليه السلام) في بعضها: «كلّ قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز»(2) فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بقول الرسول هو الإخبار عن وجود النكاح وثبوته عند كلّ قوم ، بل المراد هو الحكم بالجواز في هذا الشرع ، كما هو ظاهر الحكم بالجواز في الرواية الاُخرى ، ومرجع ذلك إلى ترتّب أحكام الصحّة عليه في الإسلام ، فلا يجوز التزويج بذات البعل من الكفّار ، وكذا يترتّب عليه سائر أحكام النكاح التي من جملتها عدم ترتّب الحدّ عليه .
وأمّا نكاح المخالفين ، ففي الموارد التي تكون القواعد مقتضية للبطلان ، كما إذا تزوّج المطلّقة ثلاثاً في مجلس واحد ، فالظاهر أنّ عدم ترتّب الحدّ عليه ليس لأجل الشبهة الدارئة للحدّ ، بل لأجل قاعدة الإلزام التي تدلّ عليها الروايات الكثيرة التي منها رواية عليّ بن أبي حمزة ، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المطلّقة على غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال (عليه السلام): ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم وتزوّجوهنّ ، فلا  بأس بذلك(3) . وظاهره الحكم بالصحّة وترتّب أحكامها عليه التي منها جواز التزوّج بالمطلّقة على غير السنّة .


(1) وسائل الشيعة: 14 / 588 ، نكاح العبيد والإماء ب83 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 14 / 588 ، نكاح العبيد والإماء ب83 ح3 .
(3) وسائل الشيعة: 15 / 321 ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ب30 ح5 .

(الصفحة40)

ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة1.


1 ـ أقول: لا شبهة في أنّ دعوى الإكراه مسموعة ، ويسقط الحدّ بها لصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ علياً (عليه السلام) أتى بإمرأة مع رجل فجر بها ، فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين ، فدرأ عنها الحدّ ، ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق ، وقد والله فعله أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
وأمّا سقوط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فتارة يستدلّ لها بقوله(صلى الله عليه وآله): ادرأوا الحدود بالشبهات . واُخرى بإلغاء الخصوصيّة من الرواية الواردة في مورد الإكراه ، نظراً إلى أنّه لا خصوصيّة للإكراه من هذه الجهة ، الراجعة إلى قبول الدعوى وسقوط الحدّ .
أقول: وفي كليهما نظر .
أمّا الأوّل: فلأنّ التمسّك بالنبويّ فرع إحراز ثبوت الشبهة في المورد ، والمفروض عدم ثبوتها ، بل مجرّد وجود الدعوى وعدم العلم بصدقها ، فكيف يجوز مع هذا الوصف التمسّك به كما هو ظاهر؟
وأمّا الثاني: فإلغاء الخصوصيّة من الرواية المذكورة مشكل ; لأنّه على تقدير كون الحكم في مورد الرواية على خلاف القاعدة ـ كما هو مقتضى إلغاء الخصوصيّة ـ لا وجه للإلغاء ; لأنّ الحكم على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورده ، ولا مجال فيه لإلغاء الخصوصيّة أصلا .
والتحقيق أنّ الوجه في سقوط الحدّ بمجرّد دعوى الشبهة ما لم يعلم كذبها بأن كانت محتملة في حقّه عدم إحراز موضوع الزنا الموجب للحدّ ، فإنّه لابدّ في إجراء


(1) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب18 ح1 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>