جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الحدود « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة661)

مسألة 6 : ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب ، سواء قتل شخصاً أو لا ، وسواء رفع وليّ الدم أمره إلى الحاكم أو لا . نعم ، مع الرفع يقتل قصاصاً مع كون المقتول كفواً ، ومع عفوه فالحاكم مختار بين الاُمور الأربعة ، سواء كان


والصدوق وغيرهما إلى التخيير ، فاللازم ملاحظة أنّه بعد ثبوت الحجّة على التخيير ، التي هي الآية الشريفة وبعض الروايات الصحيحة المتقدّمة ، كصحيحة جميل بن درّاج معتضدةً ببعض الروايات الواردة في شأن نزول الآية ـ  وهو أنّه قدم على رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوم من بني ضبّة مرضى ، فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أقيموا عندي ، فإذا برئتم بعثتكم في سريّة ، فقالوا : أخرجنا من المدينة ، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها ، فلمّا برئوا واشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كان في الإبل ، فبلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الخبر ، فبعث إليهم عليّاً (عليه السلام) وهم في واد قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه ـ قريباً من أرض اليمن  ـ فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فنزلت هذه الآية { إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} ، فاختار رسول  الله(صلى الله عليه وآله)القطع ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف(1) ـ هل يكون في البين حجّة على الترتيب أقوى من حجّة التخيير بعد اختلاف الفتاوى والنصوص؟ الظاهر هو العدم .
نعم ، لا مانع من الالتزام برجحان الترتيب وملاحظة المناسبة بين الجناية والعقوبة كما في المتن ، وإن كان يرد عليه الحكم بالتخيير في مورد القتل بين القتل والصلب ، فتدبّر .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 535، أبواب حدّ المحارب ب1 ح7.

(الصفحة662)

قتله طلباً للمال أو لا ، وكذا لو جرح ولم يقتل كان القصاص إلى الوليّ ، فلو اقتصّ كان الحاكم مختاراً بين الأُمور المتقدّمة حدّاً ، وكذا لو عفا عنه 1.


1 ـ لا إشكال بناءً على التخيير الذي قوّاه الماتن دام ظلّه في ثبوته فيما إذا لم يتحقّق من المحارب القتل، وأمّا مع صدوره منه ففيه أقوال ثلاثة بين القائلين بالتخيير:
أحدها : ثبوت التخيير فيه أيضاً ، وعدم تعيّن القتل على الحاكم ، وهو ظاهر الجواهر(1) وصريح المتن .
ثانيها : تعيّن القتل عليه مطلقاً ، سواء كان قتله طلباً للمال أو لا ، كما هو ظاهر إطلاق المفيد في محكيّ المقنعة(2) ، وحكاه في الروضة عن جماعة من الأصحاب ، حيث قال بعد نقل القول بالتخيير : نعم ، لو قتل المحارب تعيّن قتله ولم يكتف بغيره من الحدود ، سواء قتل مكافئاً أم لا ، وسواء عفا الوليّ أم لا ، على ما ذكره جماعة من الأصحاب ، وفي بعض أفراده نظر(3) .
ثالثها : التفصيل بين ما إذا كان قتله طلباً للمال وبين ما إذا لم يكن كذلك ، واختاره المحقّق في الشرائع(4) .
والظاهر أنّه لا دليل على هذا الاستثناء بناءً على التخيير ; لأنّ الدليل عليه هي صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الصريحة في أنّه إن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله ، مع أنّه لو كانت الصحيحة مورداً للعمل لكان اللازم الالتزام بالترتيب في أصل المسألة ، والمفروض الإعراض عنها والحكم بخلافها ، ومع ذلك


(1) جواهر الكلام: 41 / 580.
(2) المقنعة: 805.
(3) الروضة البهيّة: 9 / 296.
(4) شرائع الإسلام: 4 / 960.

(الصفحة663)

مسألة 7 : لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ دون حقوق الناس من القتل والجرح والمال ، ولو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط الحدّ أيضاً 1.


لا يبقى مجال للأخذ بها ولو في خصوص هذه الجهة .
ويرد على المحقّق زائداً على ذلك أنّه لو عملنا بالصحيحة ، وقلنا بتعيّن القتل في هذه الصورة ، فما الدليل على التفصيل بين الصورتين في القتل؟ والحقّ أنّ إطلاق دليل التخيير بحاله من دون فرق بين فرض القتل وغيره ، وثبوت القصاص في الأوّل لا يرتبط بمسألة الحدّ التي هي مرتبطة بالإمام ، وهكذا الكلام في الجرح ، فإنّه لو كان جرحه بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلا لا يتعيّن على الحاكم من جهة الحدّ اختيار قطع العضوين ، بل يختار ما يشاء من الحدود الأربعة وإن عفا الوليّ عنه .

1 ـ أمّا قبول التوبة قبل القدرة عليه ; فلدلالة قوله تعالى عقيب آية المحاربة : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِم فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1)وبعض الروايات مثل :
مرسلة داود الطائي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المحارب وقلت له : إنّ أصحابنا يقولون : إنّ الإمام مخيّر فيه إن شاء قطع ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قتل ، فقال : لا ، إنّ هذه أشياء محدودة في كتاب الله عزّ وجلّ ، فإذا ما هو قتل وأخذ قتل وصلب ، وإذا قتل ولم يأخذ قتل ، وإذا أخذ ولم يقتل قطع ، وإن هو فرّ ولم يقدر عليه ثمّ اُخذ قطع إلاّ أن يتوب ، فإن تاب لم يقطع(2) .


(1) سورة المائدة 5: 34.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 535، أبواب حدّ المحارب ب1 ح6.

(الصفحة664)

مسألة 8 : اللص إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم ، وإلاّ فله أحكام تقدّمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1.


والقدر المتيقّن منها هي التوبة قبل الأخذ . وغير ذلك من الروايات .
ثمّ إنّ سقوط الحدّ لا يلازم سقوط حقّ الناس في القصاص بسبب القتل أو الجرح ، وكذا سقوط حقّ استرداد المال عيناً أو بدلا ; لعدم الارتباط بين الأمرين ، بل كما في الجواهر : لعلّ التوبة تتوقّف صحّتها على أداء ذلك(1) ، والتحقيق في محلّه .
وأمّا عدم القبول بعد القدرة ; فلدلالة التقييد في الآية عليه عرفاً ، مضافاً إلى أنّه مقتضى الاستصحاب ، وإلى أنّ القبول يستلزم تعطيل الحدّ نوعاً ، كما لا يخفى . وتوهّم الإطلاق في المرسلة المتقدّمة مندفع ، مضافاً إلى ثبوت القدر المتيقّن أنّه على تقديره لا يكون حجّة بعد كون الرواية مرسلة .

1 ـ قال في «أقرب الموارد» اللّص ويثلّث : السارق . جمع لصوص(2) . وقال المحقّق(قدس سره) في الشرائع : «اللّص محارب ، فإذا دخل داراً متغلِّباً كان لصاحبها محاربته ، فإن أدّى الدفع إلى قتله كان دمه ضائعاً لا يضمنه الدافع»(3) . وظاهر صدره وإن كان هو الحكم بكون اللّص محارباً مطلقاً ، إلاّ أنّ توصيف الدخول بكونه على نحو التغلّب ظاهر بملاحظة التفريع في كون مراده من اللّص هو اللّص المتغلِّب ، الذي لا  ينبغي الإشكال في كونه محارباً ، وعليه فالفرق بين عبارة الشرائع وبين المتن إنّما هو في أنّ الموضوع في المقام هو مطلق اللّص ، وفي العبارة هو


(1) جواهر الكلام: 41 / 581.
(2) أقرب الموارد: 2 / 1142.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 960.

(الصفحة665)



اللص المتغلِّب .
ولكن قال الشهيد الثاني في الروضة في شرح قول المصنّف : واللّص محارب(1) : بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه ولو بالقتال ، ولو لم يندفع إلاّ بالقتل كان دمه هدراً ، أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً ، وإنّما أطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص . نعم ، لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقاً ، وبذلك قيّده المصنّف في الدروس(2) وهو حسن(3) .
والذي ينبغي ملاحظته في المقام أنّ التعرّض لمسألة اللّص في المقام هل هو بلحاظ الحدود الأربعة المترتّبة على المحارب تخييراً أو ترتيباً ، أو بلحاظ أمر آخر؟ وهو جواز قتله ابتداءً ، والمحاربة معه كذلك ، من غير تقييد بمراعاة الأسهل فالأسهل والتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى ، كما في المهاجم المجرّد عن السلاح المريد لأخذ المال من الغير من دون أن يدخل في داره ، حيث إنّه يلزم فتوىً أو احتياطاً مراعاة التدرّج المذكور ، بخلاف المحارب ، فإنّه يجوز قتله ابتداءً والمحاربة معه في أوّل الأمر .
ظاهر كلمات الفقهاء هو الأوّل ، كما عرفت في عبارة الشرائع وغيره ، وظاهر المتن هو الثاني ; لأنّ الحكم المتقدّم في المحارب هو الحدود التي وقع البحث عنها سابقاً ، وأمّا جواز قتل المحارب فلم يتقدّم منه في بحث المحارب .
كما أنّ ظاهر الروايات الواردة في اللّص موافق لكلمات الفقهاء ، ففي رواية


(1) اللمعة الدمشقيّة: 172.
(2) الدروس الشرعيّة: 2 / 59.
(3) الروضة البهيّة: 9 / 302 ـ 303.

(الصفحة666)



منصور ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اللّص محارب لله ولرسوله فاقتلوه ، فما دخل عليك فعليّ(1) .
ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : إذا دخل عليك اللّص يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه ، وقال : اللّص محارب لله ولرسوله فاقتله ، فما منك منه فهو عليّ(2) .
فإنّ تفريع الحكم بالقتل على الحكم بكون اللّص محارباً ظاهر في أنّ الأثر المترتّب على هذا الحكم هو جواز القتل من دون تدرّج ، لا ترتّب الحدود الأربعة عليه ، ومنه يظهر أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد من اللّص في الروايتين هو مطلق اللّص ، والحكم بكونه محارباً إنّما هو على سبيل التعبّد ، ومرجعه إلى تنزيل اللّص منزلة المحارب في جواز المحاربة معه ابتداءً وقتله كذلك ; وذلك إنّما هو لأجل خصوصيّة في اللّص غير موجودة في مطلق المهاجم ، وذلك لوروده في مثل الدار الذي هو محلّ الأمن والطمأنينة لأكثر الناس ، ففي الحقيقة صار اللّص سبباً لتزلزل هذه الجهة وذهاب الطمأنينة ، لهتكه حرمة الدار المتّصف بكونه كذلك .
نعم ، في مرسلة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا دخل عليك اللّص المحارب فاقتله ، فما أصابك فدمه في عنقي(3) .
وقد جعلها في الجواهر كالموثّق أو كالصحيح(4) ، والظاهر أنّه بلحاظ كونها من مراسيل ابن أبي عمير ، التي يعامل معها معاملة المسانيد ، وقد تقدّم منّا في بحث حدّ


(1) وسائل الشيعة: 18 / 543، أبواب حدّ المحارب ب7 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 543، أبواب حدّ المحارب ب7 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 11 / 92، أبواب جهاد العدوّ ب46 ح7.
(4) جواهر الكلام: 41 / 584.

(الصفحة667)



المسكر المناقشة في ذلك(1) .
وظاهرها ـ بلحاظ كون الأصل في القيود هي الإحترازية ـ أنّ جواز القتل إنّما هو في اللّص المتّصف بكونه محارباً لا مطلق اللّص ، ويؤيّده رواية أيّوب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن ، وهو في عنقي(2) .
والروايتان شاهدتان على عدم كون اللّص مطلقاً بحكم المحارب ولو في الحكم بجواز القتل ، وعليه فالمراد من قوله (عليه السلام) «اللّص محارب» كما في الروايتين الأوّلتين هو خصوص اللّص الذي يكون محارباً حقيقةً ، فلا يرجع معنى الرواية إلى التعبّد والتنزيل كما عرفت ، بل معناه هو كونه كذلك حقيقة ، والإطلاق مع كون معناه اللغوي غير مختصّ بالمحارب إمّا لأجل الإنصراف إليه ، أو لأجل كون المراد هو اللّص في الجملة ، وكان الغرض دفع توهّم اختصاص عنوان المحارب بقاطع الطريق الذي هو شأن نزول آية المحاربة ، بناءً على ما قاله أكثر المفسّرين والفقهاء على ما مرّ .
نعم ، هنا بعض الروايات الدالّة على جواز محاربة مطلق اللّص ، مثل :
ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : إنّ الله ليمقت العبد يدخل عليه في بيته ولا يحارب ، ورواه الشيخ بطريق آخر عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، إلاّ أنّ فيه : «فلا  يقاتل» بدل «ولا يحارب»(3) . وقد جعله في الجواهر


(1) في ص448 ـ 452.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 543، أبواب حدّ المحارب ب7 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 11 / 91، أبواب جهاد العدوّ ب46 ح2.

(الصفحة668)



روايتين(1) . مع أنّه ليس  كذلك .
نعم ، في هامش الوسائل حكى عن فروع الكافي نقل الرواية عن أبي عبدالله (عليه السلام)وإضافة «اللصّ» بعد قوله (عليه السلام) : «يدخل عليه»(2) .
ورواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار ، أيقتل به أم لا؟ فقال : إعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شيء(3) .
ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : لو دخل رجل على امرأة وهي حبلى ، فوقع عليها فقتل ما في بطنها ، فوثبت عليه فقتلته؟ قال : ذهب دم اللّص هدراً ، وكان دية ولدها على المعقلة(4) .
بل المستفاد من رواية الفتح عدم الاختصاص باللّص ، بل يجري الحكم في مطلق من دخل دار غيره، الظاهر ـ ولو بحكم الإنصراف ـ في الدخول غير المشروع.
بل هنا روايات متعدّدة ظاهرة في شمول الحكم لغير الداخل إذا أشرف على قوم أو نظر من خلل شيء ، وأنّه يجوز قتله أو فقأ عينه ، مثل :
رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا اطّلع رجل على قوم يشرف عليهم ، أو ينظر من خلل شيء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم ، وقال : إنّ رجلا اطّلع من خلل حجرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فجاء


(1) جواهر الكلام: 41 / 584.
(2) الكافي: 5 / 51 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 19 / 51، أبواب القصاص في النفس ب27 ح2.
(4) وسائل الشيعة: 19 / 309، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب13 ح3.

(الصفحة669)



رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أي خبيث ، أما والله لو ثبتَّ لي لفقأت عينك(1) .
هذا ، ولكن قال صاحب الجواهر بعد نقل كثير من الروايات الواردة في هذا البحث ما ملخّصه : إنّي لم أجد مصرّحاً بالعمل بها على الوجه المزبور ، بل الذي يظهر منهم أنّه لا فرق بين دفاع المحارب واللّص وغيرهما من الظالمين وإن اختلفت الحدود ، إلاّ أنّ الجميع متّحدة في كيفيّة الدفاع الذي ذكروا فيه التدرّج ، بل قدّ يقال بوجوب القصاص على من قتل المحارب بعد أن كفّ عنه ، وإن كان هو مفسداً ومن حدّه القتل(2) .
ولكن يرد عليه أنّ إطلاق المحارب على اللّص ، وتفريع جواز المحاربة والمقاتلة معه كما في مثل عبارة الشرائع لا يلائم مع ما أفاده صاحب الجواهر ; لأنّه إذا فرض اتّحاد كيفيّة الدفاع في المحارب واللّص والمهاجم وغيرهم من الظالمين ، فلا مجال لطرح مسألة اللّص في بحث المحارب والحكم عليه بأنّه محارب مطلقاً أو في الجملة ; لعدم ترتّب ثمرة على هذا البحث من جهة ما هو المقصود لهم من جواز القتل ; لأنّ المفروض لزوم رعاية التدرّج والأسهل فالأسهل .
ودعوى أنّ ذلك إنّما هو لأجل التبعيّة للنصوص كما في آخر كلام صاحب الجواهر(3).
مدفوعة بأنّ التبعيّة لاتجتمع مع عدم الالتزام بتلك النصوص وعدم الفتوى على طبقها ، فالإنصاف في هذا المجال أنّ ملاحظة الخصوصيّات والجهات تقضي


(1) وسائل الشيعة: 19 / 49، أبواب القصاص في النفس ب25 ح6.
(2) جواهر الكلام: 41 / 587.
(3) جواهر الكلام: 41 / 588.

(الصفحة670)

مسألة 9 : يصلب المحارب حيّاً ، ولا يجوز الإبقاء مصلوباً أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ ينزل ، فإن كان ميّتاً يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن ، وإن كان حيّاً قيل : يجهز عليه وهو مشكل . نعم ، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به ، وهو أيضاً لا يخلو من إشكال 1.


بثبوت خصوصيّة للمحارب من هذه الجهة ، وأنّه يجوز محاربته ومقاتلته في أوّل وهلة ، ولا يجري فيه التدرّج ، وإلاّ فلا مجال لطرح مسألة اللّص بهذه الكيفيّة كما لا  يخفى ، ولكن لتحقيق المسألة زائداً على ما ذكر مجال آخر .

1 ـ أمّا أنّه يصلب المحارب حيّاً فإنّما هو على القول بالتخيير بين الحدود الأربعة للمحارب ; لأنّه على هذا القول يكون الصلب قسيماً للقتل ، وأمّا على القول بالترتيب فظاهر أكثر الروايات الواردة فيه الجمع بين الصلب والقتل ، بمعنى أنّه يقتل ثمّ يصلب ، وعليه فالصلب لا يترتّب عليه عنوان العقوبة ، بل إنّما هو للإعلام وعبرة الناس ، وإن كان فيه نوع إهانة وتخفيف ، ولكن بعض الروايات الواردة في الترتيب قد جمع بينه وبين القطع ، كرواية عبيد بن بشر المتقدّمة(1) . وفي صحيحة عليّ ابن حسّان المتقدّمة أيضاً التخيير بين القتل أو الصلب فيما لو أخذ المال وقتل(2) ، ولكن يحتمل فيها قويّاً أن يكون «الواو» مكان «أو» ، والشاهد عليه الجملة الثانية فراجع .
ثمّ إنّه على كلا القولين لا إشكال في وجوب الإبقاء مصلوباً ثلاثة أيّام ، كما أنّه لا إشكال في أنّه على تقدير الموت لا يجوز الإبقاء أكثر من الثلاثة ، ولا خلاف فيه


(1) في ص659 ـ 660.
(2) في ص657 ـ 658.

(الصفحة671)



بينهم ، بل عن ظاهر المسالك الإجماع(1) كما عن الخلاف التصريح به(2) ، ومنشؤه روايات متعدّدة واردة في هذا الباب ، مثل :
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيّام ، ثمّ أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه ودفنه(3) .
وروايته الاُخرى عنه (عليه السلام) ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة ايّام حتّى ينزل فيدفن(4) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال الصادق (عليه السلام) : المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام ويُغسّل ويدفن ، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام(5) .
وأمّا إذا لم يمت بالصلب في تلك المدّة ، فعن المسالك(6) وكشف اللثام(7) : أُجهز عليه بعدها ، وعن الرياض : يصلب حيّاً إلى أن يموت(8) .
ويمكن الاستدلال له بأنّ المفروض في الروايات المتقدّمة الدالّة على حرمة الإبقاء أكثر من تلك المدّة ما إذا اتّصف المصلوب بالموت إمّا لعروضه عليه وإمّا لصلبه ميّتاً ، بناءً على القول بالترتيب . وأمّا لو فرض عدم الاتّصاف فلا دلالة لها على حرمة الإبقاء .


(1) مسالك الأفهام: 15 / 17.
(2) الخلاف: 5 / 463 مسألة 5.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح2.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح3.
(6) مسالك الأفهام: 15 / 16.
(7) كشف اللثام: 2 / 432.
(8) رياض المسائل: 10 / 212.

(الصفحة672)



ولكن يرد عليه أنّه لا دليل على لزوم تحقّق الموت بالصلب بعد كونه قسيماً للقتل على القول بالتخيير ، كما أنّه يرد عليه أنّ الحكم بلزوم تغسيله بعد نزوله كما في المرسلة شاهد على عدم لزوم إدامة الصلب إلى أن يموت ، وإلاّ كان اللازم تقديم غسله على الصلب ، كما في نظائره من الحدود المنتهية إلى القتل ، حيث إنّ اللازم فيها تقديم الغسل كما في الرجم ونحوه ، فالحكم بلزوم التغسيل بعده في المرسلة شاهد على أنّ الصلب قد ينتهي إلى القتل وقد لا ينتهي إليه ، ولأجله لا مجال للتقديم .
كما أنّه يرد على صاحبي المسالك والكشف أنّه لا دليل على الإجهاز عليه بعد الصلب في تلك المدّة ونزوله حيّاً ، خصوصاً مع ملاحظة كون الصلب قسيماً للقتل لا أنّه من أفراده ; ولأجله استشكل في كلا القولين في المتن ، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ مراده من القول الثاني الذي استشكل فيه أيضاً هو التصرّف في كيفيّة الصلب وجعله بنحو يموت به ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، حيث تكون كيفيّة الصلب ملازمة لتحقّق الموت ، بخلاف الصلب المتداول في تلك الأزمنة وفي زمن نزول الآية الشريفة .
ووجه الإشكال فيه أنّه لا دليل على جواز هذا النحو من الصلب بعد عدم تحقّقه في زمان نزول الحكم ، خصوصاً مع كونه قسيماً للقتل لا أنّه أحد أفراده .
ثمّ الظاهر أنّ المراد من ثلاثة أيّام المذكورة في الروايات هو ثلاثة أيّام بلياليها فتدخل الليلة الأخيرة أيضاً ; لاستعمال كلمة «اليوم» في اليوم واللّيلة كثيراً في الكتاب والسنّة ، والشاهد له في المقام الرواية الاُولى للسكوني المتقدّمة الدالّة على أنّه (عليه السلام) أنزله في اليوم الرابع ، مع أنّه في صورة التلفيق لا مجال للإشكال في الدخول .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما عن المسالك من أنّ المعتبر من الأيّام ، النهار دون

(الصفحة673)

مسألة 10 : إذا نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر ، يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوى إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورته ، والأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة وإن تاب ، ولو لم يتب استمرّ النفي إلى أن يتوب ، ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها ، قالوا : وإن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه1.


الليل . نعم ، تدخل الليلتان المتوسّطتان تبعاً(1) .
كما أنّه لا خفاء في أنّ مبدأ الأيّام هو الصلب دون الموت ، ولا وجه لتوهّم الخلاف ; بناءً على كون الصلب واقعاً في حال الحياة كما لا يخفى .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :
الاُولى : في المراد من النفي من الأرض الواقع في الآية ، ويظهر من الفقهاء في ذلك أقوال :
أحدها : ما ذكره الشيخ(قدس سره) في المبسوط ، قال في كتاب قطّاع الطريق بناءً على كون المراد بالمحارب في الآية هو قاطع الطريق : «وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ، والقتل ينحتم عليهم ، ولا يجوز العفو عنهم ، وإنّما يكون منحتماً إذا كان قصده من القتل أخذ المال ، وأمّا إن قتل رجلا لغير هذا فالقود واجب غير منحتم ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، فمتى ارتكبوا شيئاً من هذا نفوا من الأرض ، ونفيهم أن يتبعهم أينما حلّوا كان في طلبهم ، فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود التي ذكرناها ـ إلى أن قال بعد أسطر :ـ


(1) مسالك الأفهام: 15 / 17.

(الصفحة674)



وأمّا قوله تعالى : {أَوْ يُنفَواْ مِنَ الأَرْضِ}(1) معناه : إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئاً من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبداً حتّى يجده ، ولا يدعه يقرّ في مكان ، هذا هو النفي من الأرض عندنا ، وعند قوم : المنفيّ من قدر عليه بعد أن يشهر السلاح وقبل أن يعمل شيئاً ، والنفي عنده الحبس ، والأوّل مذهبنا(2) .
وظاهره أنّ المراد من النفي هو أن يتبع المحارب الوالي الحاكم حتّى يجده ، ويجري عليه ما يستحقّه من العقوبات الثلاثة ، وليس هو عقوبة مستقلّة في رديف سائر العقوبات ، ومن الواضح كونه خلاف ظاهر الآية ، وأنّه لا يجتمع مع كلمة «أو» الواقعة في الآية ، بل إنّما يلائم مع كلمة «الواو» .
ثانيها : ما يظهر من محكيّ الصدوق في الفقيه من أنّ المراد به هو الغرق في البحر ، حيث قال: «ينبغي أن يكون نفياً شبيهاً بالصلب والقتل تثقل رجلاه ويرمى في البحر»(3) .
ثالثها : ما حكاه الشيخ في عبارته المتقدّمة عن قوم من أنّ المراد به الحبس .
رابعها : ما أشار إليه ابن سعيد في محكيّ الجامع ، قال : نفي من الأرض بأن يغرق على قول ، أو يحبس على آخر ، أو ينفى من بلاد الإسلام سنةً حتّى يتوب ، وكوتبوا أنّه منفيّ محارب فلا تئووه ولا تعاملوه ، فإن آووه قوتلوا(4) . ومرجعه إلى كون المراد هو النفي من بلاد الإسلام وإخراجه إلى بلاد الكفر .
خامسها : ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المراد من النفي من الأرض أن لا يسمح


(1) سورة المائدة 5: 33.
(2) المبسوط: 8 / 48.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 68.
(4) الجامع للشرائع: 241 ـ 242.

(الصفحة675)



للمحارب بالاستقرار في مكان ، ولم يكن له مقرّ يستقرّ فيه ، نظراً إلى إطلاق الأرض في الآية الشريفة وعدم التقييد بأرض الإسلام ، مضافاً إلى أنّ بلاد المسلمين حين نزول الآية المباركة كانت قليلة جدّاً ، ولا يمكن تقييد الأرض في الآية بها ; لأنّه مستلزم لتخصيص الأكثر(1) .
سادسها : ما هو المشهور من أنّ المراد هو النفي من الأرض التي وقعت فيها المحاربة الموجبة للحدّ وإخراجه منها إلى غيرها ، ولا يلزم أن يكون الغير مشخّصاً، وهذا هو الظاهر من الآية الشريفة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الباب .
وأمّا الروايات ، فإثنتان منها ظاهرتان في النفي من بلاد الإسلام كلّها ، وهما :
موثّقة أبي بصير قال : سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال : ينفى من بلاد الإسلام كلّها ، فإن قدر عليه في شيء من أرض الإسلام قتل ، ولا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك(2) .
وموثّقة بكير بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا نفى أحداًمن أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام ، فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام(3) .
ولكنّهما ـ مضافاً إلى أنّه لا ظهور فيهما في كون المراد هو نفي المحارب ، ويمكن أن يكون المراد نفي غيره ، وإلى الإضمار في الاُولى ـ لم يعمل بهما غير ابن سعيد فيما أشار إليه في عبارته المتقدّمة ، فهما معرض عنهما لدى المشهور كما هو ظاهر .
وواحدة منها مشعرة بما ذكره الصدوق في الفقيه ، وهي :


(1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 323.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح7.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح6.

(الصفحة676)



رواية عبدالله بن طلحة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : {إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً}(1) الآية ، هذا نفي المحاربة غير هذا النفي ، قال : يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل وينفى ، ويحمل في البحر ثمّ يقذف به ، لو كان النفي من بلد إلى بلد ، كأن يكون إخراجه من بلد إلى بلد عدل القتل والصلب والقطع ، ولكن يكون حدّاً يوافق القطع والصلب(2) . ولا يخفى اضطراب متن الرواية جدّاً .
وروايات ظاهرة في أنّ المراد هو ما عليه المشهور ، مثل :
رواية عبيدالله المدائني ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث المحارب ، قال : قلت : كيف ينفى وما حدّ نفيه؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفيّ فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه ، فيفعل ذلك به سنة ، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السنة ، قلت : فإن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟ قال : إن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها(3) .
قال في الوسائل بعد نقل الرواية : ورواه أيضاً عن إسحاق المدائني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) نحوه ، إلاّ أنّه قال : فقال له الرجل : فإن أتى أرض الشرك فدخلها؟ قال : يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك(4) . وقال فيها أيضاً : وعنه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن سليمان ، عن عبيد الله بن إسحاق ،


(1) سورة المائدة: 5 / 33.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 540، أبواب حدّ المحارب ب4 ح5.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح2.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح3.

(الصفحة677)



عن أبي الحسن (عليه السلام) مثله ، إلاّ أنّه قال في آخره : يفعل ذلك به سنة ، فإنّه سيتوب وهو صاغر ، قلت : فإن أمّ أرض الشرك يدخلها؟ قال : يقتل(1) .
والظاهر اتّحاد هذه الروايات ، وتردّد راويها بين كونه هو عبيدالله أو أباه الذي هو إسحاق ، ولا تكون روايات متعدّدة .
وهنا روايتان اُخريان : إحداهما: صحيحة حنّان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ: {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} الآية، قال: لا يبايع ولا يؤوى ولا يطعم ولا  يتصدّق  عليه(2).
وثانيتهما : رواية زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في قوله : {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ـ إلى قوله : ـ {أَوْ يُصَلَّبوُا} الآية ، قال : لا يبايع ولا يؤتى بطعام ولا  يتصدّق عليه(3) .
والظاهر أنّه ليس المراد بالروايتين كون عدم المبايعة وما في رديفه معنى النفي الواقع في الآية ، بل الظاهر كونه من آثار النفي ومترتّباً عليه بعد تحقّقه ، وعليه تكون الروايتان مؤيّدتين للروايات التي قبلهما ، الدالّة على أنّ المراد هو النفي من بلد الجناية ووقوع المحاربة إلى بلد آخر ، ويدلّ عليه أيضاً ذيل صحيحة جميل المتقدّمة في بحث التخيير والترتيب(4) ، وهو قوله : قلت : النفي إلى أين؟ قال : من مصر إلى مصر آخر . وقال : إنّ عليّاً (عليه السلام) نفى رجلين من الكو فة إلى البصرة ، فإنّ ظاهرها النفي من محلّ وقوع الجناية الذي كان هو الكوفة ، وأمّا ما في الجواهر من


(1) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 539، أبواب حدّ المحارب ب4 ح1.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب4 ح8.
(4) تقدّمت في ص653 ـ 654.

(الصفحة678)



أنّه لم يعمل بها إلاّ الصدوق في المقنع(1) ،(2) فلعلّه بلحاظ تعيين محلّ النفي ، أو بلحاظ عدم التضييق عليه ، فتدبّر .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا محيص عن القول بكون المراد من النفي ما ذكرنا ، وعليه فيلزم التقييد في الآية ; ودعوى كون مثله مستلزماً لتخصيص الأكثر مدفوعة ، بأنّه لا يلاحظ في التقييد الأفراد من حيث القلّة والكثره ، وليس مثل التخصيص في هذه الجهة كما قرّر في محلّه ، كما أنّ دعوى أنّ الروايتين الدالّتين على النفي من بلاد الإسلام مخالفتان لظاهر الكتاب غريبة جدّاً ; لعدم كون التقييد موجباً لتحقّق المخالفة بوجه ; وأغرب منه دعوى أنّه لا خلاف في كون المراد من النفي هو المعنى الخامس ، مع أنّك عرفت ذهاب المشهور إلى المعنى الأخير .
الجهة الثانية : في أنّه بعد تحقّق النفي يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوى إليه بالمنع عن المبايعة ومثلها من الاُمور المذكورة في المتن ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى صحيحة حنّان الظاهرة في ذلك على ما ذكرنا في معناها ـ رواية المدائني المتقدّمة بضميمة عمل المشهور بها من هذه الجهة .
الجهة الثالثة : في حدّ النفي ، المشهور على عدم التقييد بمثل السنة ، بل صرّح الشهيد الثاني في محكيّ الروضة(3) والمسالك(4) باستمرار النفي إلى أن يموت ، ونسبه في الثاني إلى الأكثر ، وذهب ابن سعيد في عبارته المتقدّمة إلى التقييد بالسنة ، وظاهر المتن تبعاً للمحقّق في النافع(5) والشهيد في الروضة الاستمرار إلى أن


(1) المقنع: 450.
(2) جواهر الكلام: 41 / 593.
(3) الروضة البهيّة: 9 / 302.
(4) مسالك الأفهام: 15 / 18.
(5) المختصر النافع: 304.

(الصفحة679)

مسألة 11 : لا يعتبر في قطع المحارب السرقة فضلا عن اعتبار النصاب أو الحرز ، بل الإمام(عليه السلام) مخيّر بمجرّد صدق المحارب ، ولو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنى ، ثمّ يقطع الرجل اليسرى ، والأولى الصبر بعد قطع


يتوب ، وفي الحقيقة يكون ذلك استثناءً من الاستمرار إلى الموت وتقييداً له بعدم التوبة .
والدليل على عدم التقييد بالسنة إطلاق الآية الشريفة ، ولا مجال للتمسّك في ذلك بإطلاق الروايتين الأخيرتين ، فإنّهما لا يكونان في مقام البيان من هذه الجهة .
وأمّا التقييد بالسنة فيدلّ عليه رواية المدائني المتقدّمة ، ولكنّها لا جابر لها من هذه الجهة بعد ضعف سندها ، كما أنّ تأثير التوبة في زوال الحكم لم يقم عليه هنا دليل ، وقوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : «فإنّه سيتوب وهو صاغر» ، وإن كان فيه إشعار بذلك إلاّ أنّه لا اعتبار له من حيث السند .
الجهة الرابعة : في أنّه لو قصد بلاد الشرك منع منه ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما في بعض الروايات المتقدّمة ـ أنّ ذلك مناف لما هو الغرض من نفيه ، وما هو المترتّب عليه من الممنوعيّة في المبايعة ومثلها ، مضافاً إلى أنّ ذلك ربّما ينجرّ إلى المخالفة مع الإسلام والحكومة الإسلاميّة ، فأصل المنع ممّا لا ينبغي الارتياب فيه .
وأمّا لو فرض تمكينهم من دخولها ووروده فيها فقد قالوا : «قوتلوا حتّى يخرجوه»(1) ويشهد له بعض الروايات المتقدّمة ، ولكنّه مضافاً إلى ضعف سنده ربّما يشكل بأنّهم إن كانوا أهل حرب فلا تتوقّف مقاتلتهم على ذلك ، وإن كانوا أهل هدنة وذمّة فلا ينافي مجرّد ذلك مع عهدهم إلاّ مع الاشتراط فيه ، كما لا يخفى .


(1) النهاية: 720، المهذّب: 2 / 553، السرائر: 3 / 505، شرائع الإسلام: 4 / 961، قواعد الأحكام: 2 / 272.

(الصفحة680)

اليمنى حتى تحسم ، ولو فقدت اليمنى أو فقد العضوان يختار الإمام(عليه السلام)غير القطع 1.


1 ـ في هذه المسألة أيضاً جهات :
الاُولى : أنّه لو قلنا في الحدود الأربعة الثابتة على المحارب بالتخيير ، وأنّ الأمر بيد الحاكم يختار ما يشاء منها ، فلا يعتبر في اختيار القطع شيء آخر زائداً على عنوان المحارب ; لأنّ كلّ محارب يمكن أن يختار فيه القطع ، سواء كان آخذاً للمال أم لم يكن كذلك ، وعليه فلا موقع للبحث في اعتبار النصاب أو الحرز ; لأنّ أصل الأخذ غير معتبر فضلا عن النصاب أو الحرز ، فعلى هذا التقدير لا يبقى لهذا البحث مجال .
وأمّا لو قلنا فيها بالترتيب ، فمقتضى أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في الترتيب أنّ القطع إنّما هو فيما لو كان المحارب قد أخذ المال ولم يتحقّق منه القتل ، وعليه فيصحّ البحث في اعتبار النصاب أو الحرز ، فنقول :
حكي عن الخلاف للشيخ(قدس سره) اعتبار النصاب ; لقوله(صلى الله عليه وآله) فيما رواه العامّة : القطع في ربع دينار(1) ولأنّه مجمع عليه ، ولا دليل فيما دونه(2) ، وهو كما ترى ، لانصراف ذلك القول على تقدير الإغماض عن السند إلى القطع المتعيّن الثابت في السرقة ، وعدم شموله للقطع في باب المحاربة ، وإطلاق الآية والروايه دليل على العدم ، كما أنّهما دليلان على عدم اعتبار الحرز .
ثمّ إنّه على تقدير تحقّق النصاب والحرز خارجاً ، الموجب لانطباق عنوان


(1) سنن البيهقي: 8 / 254.
(2) الخلاف: 5 / 464 مسألة 7.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>