جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الحدود « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة701)



الثانية : ما دلّ على استتابة المرتدّ وقبول توبته مطلقاً ، كالخبرين المتقدّمين آنفاً ، وهما خبرا عباد وابن محبوب ; لاشتمالهما على قوله (عليه السلام) : «المرتدّ يستتاب ، فإن تاب ، وإلاّ قتل» .
الثالثة : ما دلّ على التفصيل بين الفطري والملّي ، مثل صحيحة عليّ بن جعفر المتقّدمة أيضاً ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن مسلم تنصّر ، قال : يقتل ولا يستتاب . قلت : فنصرانيّ أسلم ثمَّ ارتدَّ ، قال : يستتاب ، فإن رجع ، وإلاّ قتل(1) . وتؤيّدها صحيحة الحسين بن سعيد المتقدّمة(2) .
ومقتضى الجمع جعل الطائفة الثالثة شاهدة على حمل الاُولى على المرتدّ الفطري ، والثانية على المرتدّ الملّي ، فيصير الحكم في الثاني لزوم قبول التوبة وعدم القتل .
والظاهر بمقتضى النصّ أنّ الاستتابة واجبة على الحاكم ; لإفادة الجملة الخبريّة الواقعة في مقام الإنشاء للوجوب . نعم ، قد مرّت الإشارة إلى أنّه لو سبق الحاكم بالتوبة تقبل توبتها ، ولا حاجة معها إلى الاستتابة بوجه .
وأمّا مع تحقّق الاستتابة ، فمقتضى الرواية لزوم التوبة فوراً في رفع حكم القتل ; للتعبير بالفاء فيه ، ولازمه أنّه مع تأخير التوبة لا يرتفع هذا الحكم .
لكن هنا رواية ظاهرة في أنّ الاستتابة ظرفها ثلاثة أيّام ، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام)قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته ، ولا تؤكل


(1) وسائل الشيعة: 18 / 545، أبواب حدّ المرتد ب1 ح5.
(2) في ص688.

(الصفحة702)



ذبيحته ،  ويستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب ، وإلاّ قتل اليوم الرابع إذا كان صحيح العقل(1) .
والرواية بهذا السند معتبرة ، ولا وجه لتضعيفها كما في الجواهر(2) .
وهل المراد بالاستتابة ثلاثة أيّام هو تحقّق الاستتابة متكرّراً بتكرّر الأيّام ، أو أنّ المراد بها هو الاستتابة الواحدة والإمهال ثلاثة أيّام؟ فيه وجهان ، ولا يبعد الوجه الثاني . وكيف كان ، فمقتضى الاحتياط في الدماء أيضاً ذلك ، وعدم القتل بمجرّد عدم التوبة بعد الاستتابة .
ثمّ إنّه لو قال عقيب الاستتابة : حلّوا شبهتي . ففي محكيّ القواعد «احتمل الإنظار إلى أن تحلّ شبهته وإلزامه التوبة في الحال ثمّ يكشف له»(3) . وقال في الجواهر بعد نقل العبارة : «ولعلّ الأوّل لوجوب حلّ الشبهة وكون التكليف بالإيمان معها من التكليف بما لا يُطاق ، والثاني لوجوب التوبة على الفور ، والكشف وإن وجب كذلك ، لكن يستدعي مهلة وربّما طال زمانه ، ويكفي في الحكم بإسلامه التوبة ظاهراً ، وإن كانت الشبهة تأبى الاعتقاد ، وأيضاً ربّما لا تأبي الاعتقاد تقليداً ، ثمّ قال : وفيه أنّ ذلك كلّه مناف لإطلاق ما دلّ على قتله مع عدم التوبة نصّاً وفتوىً ، ولعلّه لعدم معذوريّته في الشبهة»(4) .
وفي محكيّ كشف اللثام : «وقيل : إن اعتذر بالشبهة أوّل ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة الأيّام أو الزمان الذي يمكنه فيه الرجوع أمهل إلى رفعها ، وإن أخّر الإعتذار


(1) وسائل الشيعة: 18 / 548، أبواب حدّ المرتد ب3 ح5.
(2) جواهر الكلام: 41 / 613.
(3) قواعد الأحكام: 2 / 275.
(4) جواهر الكلام: 41 / 614.

(الصفحة703)



عن ذلك لم يمهل ; لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر ، ولمضيّ ما كان يمكنه فيه إبداء العذر وإزالته ولم يبديه فيه»(1) . وفي الجواهر بعد نقل العبارة : «ولم أجده ـ أي هذا القول ـ لأحد من أصحابنا ، ولعلّه لبعض العامّة ، ولا ريب في وضوح ضعفه . . .»(2) .
أقول : الظاهر ما أفاده صاحب الجواهر من عدم كونه معذوراً في الشبهة التي هي أوجبت الارتداد ، إذ الظاهر أنّه ليس المراد منها شبهة اُخرى غير ما أوجبت الارتداد ، وعليه لا ينبغي الإشكال في عدم المعذوريّة ; لعدم كون المسلم معذوراً في الارتداد ، والسرّ فيه : أنّ الإسلام حيث يكون مطابقاً للفطرة والمنطق ، وليس فيه ـ أصلا وفرعاً ـ ما ينافي العقل السليم ، ويخالف الفطرة غير المنحرفة ، فالشبهة فيه إذا تحقّقت تكون ناشئة من عدم التحقيق الكامل ، والقصور في الدقّة والتعميق ، وعليه فلا مانع من دلالة إطلاق النصّ على عدم الإمهال ولزوم التوبة عقيب الاستتابة بلا فصل ، أو في الثلاثة المذكورة في الرواية .
ويؤيّد الإطلاق رواية أبي الطفيل : أنّ بني ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف ، وكانوا قوماً يدعون في قريش نسباً ، وكانوا نصارى ، فأسلموا ، ثمّ رجعوا عن الإسلام ، فبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) معقل بن قيس التميمي ، فخرجنا معه ، فلمّا انتهينا إلى القوم جعل بيننا وبينه أمارة ، فقال : إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح ، فأتاهم ، فقال : ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالوا : نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم ديناً خيراً من ديننا ، فنحن عليه ، وقالت طائفة : نحن


(1) كشف اللثام: 2 / 436.
(2) جواهر الكلام: 41 / 615.

(الصفحة704)

مسألة 2 : يعتبر في الحكم بالإرتداد البلوغ والعقل والإختيار والقصد ، فلا عبرة بردّة الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون وإن كان أدوارياً دور جنونه ، ولا المكره ، ولا بما يقع بلا قصد كالهازل والساهي والغافل والمغمى عليه ، ولو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالإرتداد1.


كنّا نصارى ثمّ أسلمنا ، ثمّ عرفنا أنّه لا خير في الدّين الذي كنّا عليه ، فرجعنا إليه ، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرّات فأبوا ، فوضع يده على رأسه ، قال : فقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم . قال : فاُتي بهم عليّاً (عليه السلام) فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم ، فأعتقهم وحمل إلى عليّ (عليه السلام) خمسين ألفاً فأبى أن يقبلها ، قال : فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية ، قال : فأخرب أمير المؤمنين (عليه السلام) داره وأجاز عتقهم(1) .

1 ـ قد تقدّم الكلام في اعتبار هذه الأمور الأربعة في ترتّب الحدّ على موجبه(2) ، ولا خلاف فيه ظاهراً إلاّ من الشيخ في كتاب الخلاف ، حيث اعتبر إسلام المراهق وارتداده والحكم بقتله إن لم يتب ، للخبر : «الصبيّ إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامّة ، واقتصّ منه ، ونفذت وصيّته وعتقه»(3) . ولكن هذا الخبر ـ على تقدير صحّته ، وإن لم نعثر على مدركه ـ يكون في الحدود معارضاً بالروايات الكثيرة المتقدّمة ، النافية للحدّ على الصبي ، وقد وقع في بعضها التصريح بأنّ غاية الحكم هو الإدراك والبلوغ ، والشهرة المحقّقة الفتوائيّة على طبق هذه الروايات ،


(1) وسائل الشيعة: 18 / 548، أبواب حدّ المرتد ب3 ح6.
(2) تقدّم في ص81 ـ 83.
(3) الخلاف: 3 / 591 ـ 592 مسألة 20.

(الصفحة705)



والحكم بنفوذ وصيّة البالغ عشر سنين ـ كما عليه أكثر الفقهاء(1) ، ويدلّ عليه الروايات المتعدّدة ـ لا يلازم الحكم بإقامة الحدود عليه .
وقد ورد في الإكراه في المقام ـ مضافاً إلى عموم مثل حديث الرفع ، المشتمل على رفع ما استكرهوا عليه ـ قوله تعالى  : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}(2)الوارد في قصّة عمّار وأبويه المعروفة ، الدالَّ على استثناء الإكراه على الإرتداد .
ثمّ إنّه لا حاجة للمكره على الإرتداد إلى تجديد الإسلام ; لعدم ارتفاع إسلامه بذلك بعد كون عمله كذلك كالعدم ، بل ولو عرض عليه الإسلام لا يجب عليه إظهار القبول ، وله الإمتناع من تجديده كسائر المسلمين ، حيث لا يجب عليهم الإظهار بعد العرض ، ولكن في محكيّ القواعد : «دلّ ذلك على اختياره في الردّة»(3)وفيه : مضافاً إلى عدم الدلالة يكون ذلك خلاف ما هو المفروض ; لأنّ الفرض إنّما هو ما إذا أحرز كون ارتداده عن إكراه ، ولا مجال للتجديد فيه بعد لغويّة الارتداد وعدم تحقّقه .
والدليل على اعتبار القصد ظهور عنوان المرتدّ ، ومثله في الروايات في وقوعه عن التفات وجدّ ، فلا يقال للهازل : إنّه قد رغب عن الإسلام وكفر ، ومنه يظهر عدم ثبوت الإرتداد مع الغضب الغالب ، الذي لا يملك معه نفسه .
ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة عليّ بن عطيّة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كنت عنده وسأله رجل عن رجل يجيء منه الشيء على جهة غضب ، يؤاخذه الله


(1) النهاية: 611، المقنعة: 667، المهذّب: 2 / 119، المراسم: 206، الجامع للشرائع: 493، التنقيح الرائع: 2/366.
(2) سورة النحل 16: 106.
(3) قواعد الأحكام: 2 / 275.

(الصفحة706)

مسألة 3 : لو ظهر منه ما يوجب الإرتداد فادّعى الإكراه مع احتماله ، أو عدم القصد وسبق اللسان مع احتماله قبل منه ، ولو قامت البيّنة على صدور كلام منه موجب للإرتداد فادّعى ما ذكر قبل منه 1.


به؟ فقال : الله أكرم من أن يستغلق عبده ، وفي نسخة : يستقلق عبده(1) .
ومعناه على الأوّل أن يكلّفه ويجبره فيما لم يكن فيه اختيار . وفي القاموس : استغلقني في بيعته : لم يجعل لي خياراً في ردّه(2) ، وعلى الثاني الإنزعاج والاضطراب ، والأنسب هو الأوّل ، وعلى كلا التقديرين يدلّ على الحكم في المقام ، فتدبّر .

1 ـ لو ظهر منه ما يوجب الإرتداد فادّعى الإكراه ، فإن كان هناك قرينة وأمارة على وجود الإكراه فلا ينبغي الإشكال في قبول دعواه ; لوجود الأمارة عليه ، وإن لم يكن في البين قرينة بل كان هناك مجرّد الإدّعاء فالظاهر أيضاً القبول ; لما يدلّ على لزوم درء الحدّ بالشُّبهة(3) ، وهو وإن كانت رواية مرسلة ، إلاّ أنّها من قبيل المرسلات المعتبرة كما أشرنا إليه مراراً .
والمناقشة في دلالتها ، بأنّ المراد بالشّبهة إن كان هو الشُّبهة الواقعيّة فهي متحقّقة في أكثر موارد ثبوت الحدّ ، وإن كان المراد بها الشبهة واقعاً وظاهراً فهي غير متحقّقة في المقام ; لتحقّق ما يوجب الارتداد وجداناً ، والمانع وهو الإكراه مدفوع بالأصل .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 464، أبواب حدّ القذف ب28 ح1.
(2) القاموس المحيط: 3 / 282 (غلق).
(3) وسائل الشيعة: 18 / 336، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4.

(الصفحة707)

مسألة 4 : ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم ، فلو بلغ واختار الكفر اُستتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، وكذا ولد المرتدّ الفطري قبل ارتداده بحكم المسلم ، فإذا بلغ واختار الكفر وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام  ، فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطريّاً عليهما ، بل يستتابان ، وإلاّ فيقتلان 1.


مدفوعة بأنّ المراد هو الثاني ، واستصحاب عدم الإكراه لا يثبت اتّصاف الارتداد بكونه لا عن إكراه ، الذي هو الموضوع للحدّ فتدبّر .
وأمّا فرض قيام البيّنة ، فتارةً تكون البيّنة قائمة على صدور كلام منه موجب للارتداد وهو يدّعي الإكراه ، فالظاهر فيه القبول ; لعدم رجوع دعواه إلى تكذيب البيّنة بوجه .
واُخرى تكون البيّنة قائمة على ارتداده ، وفي هذه الصورة يكون ادّعاء الإكراه تكذيباً للبيّنة ; لأنّ مرجع دعواه إلى عدم حصول الإرتداد الموجب للحدّ ، ومقتضى البيّنة حصول ذلك ، فادّعاؤه تكذيب لها ، فلا وجه لقبوله بوجه ، ولا يكون المورد من موارد الشُّبهة حينئذ ، كما لا يخفى .

1 ـ لا خفاء في أنّ ولد المرتدّ مطلقاً فطريّاً كان أو ملّياً قبل ارتداده ـ أي في حال إسلامه لا مطلقاً حتّى يشمل حال الكفر في الملّي ، بناءً على ما عرفت في تعريفه من اعتبار اختيار الكفر بعد البلوغ ثمّ الإسلام ـ إنّما هو بحكم المسلم ، وارتداد الأب مثلا لا يوجب تغيرّاً في الولد المحكوم بالإسلام ; لانعقاد نطفته في حال إسلام أحد الأبوين أو كليهما ; ولذا لو ماتت الاُمّ مرتدّةً وهي حامل به تدفن في مقابر المسلمين .


(الصفحة708)



وكيف كان ، فكلّ ولد محكوم بالإسلام ، سواء كان ولد المسلم أو المرتدّ قبل ارتداده إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام لا يكون مرتدّاً فطريّاً ; لما عرفت في تعريفه من اعتبار اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد الفطري ، ولا ملّياً ، لاعتبار عدم كونه محكوماً بالإسلام قبل البلوغ ، بل يعتبر أن يكون انعقاد نطفته في حال كفر كلا الوالدين .
نعم ، بناءً على ما عرفت سابقاً ـ من المسالك من عدم اعتبار اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد عن فطرة(1) ـ يكون المقام من مصاديق المرتدّ الفطريّ ، فيجري فيه حكمه ; ولذا استشكل على المحقّق في الشرائع القائل بالاستتابة والقتل بعد عدم القبول(2) ، بأنّ هذا لا يوافق القواعد المتقدّمة من أنّ المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة ولا تقبل توبته ، وما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا(3) .
أقول : هذا القول من المحقّق في المقام شاهد على أنّه أيضاً يعتبر اختيار الإسلام بعد البلوغ في تحقّق الارتداد عن فطرة ، فلا وجه للاستشكال عليه .
وبالجملة : فبناءً على ما ذكرنا لا يكون المقام من مصاديق المرتدّ ، بل لا يوافق معنى الإرتداد الذي هو الرجوع عن الإسلام ، أي الإسلام الحقيقي لا الأعم منه ومن الحكمي ، ولكنّ الذي يظهر من الأصحاب إجراء حكم المرتدّ الملّي عليه ، وهو الاستتابة والقتل بعد عدم التوبة ، وبعبارة اُخرى ظاهر الأصحاب أنّ أمر حكمه غير خارج عن حكم المرتدّ بكلا قسميه ، فإذا فرض أنّ القائل بإجراء حكم المرتدّ


(1) مسالك الأفهام: 15 / 23 ـ 24.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 962.
(3) مسالك الأفهام: 15 / 28.

(الصفحة709)

مسألة 5 : إذا تكرّر الإرتداد من الملّي قيل : يقتل في الثالثة ، وقيل : يقتل في الرابعة ، وهو أحوط 1.


الفطري إنّما يقول بذلك لأجل أنّه يرى أنّ المقام من مصاديق المرتدّ الفطري ، ونحن لا نقول بذلك ، فاللازم الالتزام بإجراء حكم المرتدّ الملّي عليه من جهة الاستتابة والقتل بعد عدم القبول .
ويدلّ عليه أيضاً مرسلة الصدوق المعتبرة ، قال : قال عليّ (عليه السلام) : إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فإن أبى قتل ، وإن أسلم الولد لم يجرّ أبويه ولم يكن بينهما ميراث(1) .
بناءً على عدم اختصاص قوله (عليه السلام) : «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام» بما إذا كان إسلامه بعد وجود الولد وولادته، بل يشمل ما إذا كان إسلامه في حال انعقاد نطفته، فإنّه أيضاً يجرّ الولد إلى الإسلام ، كما أنّ ظاهر قوله (عليه السلام) : «دعي إلى الإسلام» هو اختياره الكفر بعد البلوغ والإدراك، وعلى ما ذكرنافالرواية تنطبق على الفتاوى.

1 ـ المحكيّ عن الشيخ(قدس سره) في الخلاف أنّه يقتل في الرابعة ، مستدلاًّ عليه بإجماع أصحابنا على أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة(2) ، وعن المبسوط روي عنهم (عليهم السلام) أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة(3) .
وعن الشيخ (قدس سره) أيضاً أنّه قال : وروى أصحابنا يقتل في الثالثة أيضاً(4) ، فإن كان


(1) وسائل الشيعة: 18 / 549، أبواب حدّ المرتد ب3 ح7.
(2) الخلاف: 5 / 504 ـ 505.
(3) المبسوط: 7 / 284.
(4) المبسوط: 8 / 74، الكافي: 7 / 256 ذ ح5.

(الصفحة710)



مراده بذلك هي الرواية الصحيحة المتقدّمة مراراً ، الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة(1) ، فمن الظاهر عدم شمولها للارتداد ; لأنّها ـ مضافاً إلى انسباق خصوص الكبائر غير المنافية للإسلام والاتّصاف به منها لاما يعمّ الارتدادالموجب للخروج عن الإسلام ـ يكون القتل في الثالثة فيها مشروطاً بسبق إقامة الحدّ مرّتين لا مطلق الارتكاب في الثالثة ، وليست الاستتابة بمجرّدها في المقام حدّاً حتّى يتوهّم تحقّقها مرّتين ; ولأجله لا مجال لدعوى الأولويّة ، نظراً إلى أنّ اقتضاء سائر الكبائر للقتل في المرّة الثالثة يوجب ثبوته في الارتداد فيها بطريق أولى ; وذلك لأنّه حيث يكون المفروض في المقام عدم المسبوقيّة بالحد ; لعدم كون الإستتابة حدّاً ، فاقتضاء المسبوق بالحدّ لذلك لا يوجب الثبوت في المقام كذلك ، فالإنصاف أنّه لا دلالة للصحيحة على الحكم في المقام أصلا .
وإن كان مراده من الرواية ما رواه عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن حديد ، عن جميل بن درّاج وغيره ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل رجع عن الإسلام ، فقال : يستتاب ، فإن تاب ، وإلاّ قتل ، قيل لجميل : فما تقول إن تاب ثمّ رجع عن الإسلام؟ قال : يستتاب ، قيل : فما تقول إن تاب ثمّ رجع ؟ قال : لم أسمع في هذا شيئاً ، ولكنّه عندي بمنزلة الزّاني الذي يقام عليه الحدّ مرّتين ثمّ يقتل بعد ذلك(2) . فمن الواضح أنّه ليس من هذه الجهة رواية ، بل هو اجتهاد من جميل ، مضافاً إلى ضعف سند أصل الرواية بعليّ بن حديد .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 313، أبواب مقدّمات الحدود ب5 ح1.
(2) الكافي: 7 / 256 ح5، التهذيب: 10 / 137 ح544، الإستبصار: 4 / 253 ح960، وصدرها في الوسائل: 18/ 547، أبواب حدّ المرتدّ ب3 ح3.

(الصفحة711)



فانقدح أنّه لم يدلّ دليل على القتل في الثالثة في الارتداد لا بنحو العموم ولا ينحو الخصوص .
نعم ، في المقام رواية رواها جابر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام)برجل من بني ثعلبة قد تنصّر بعد إسلامه ، فشهدوا عليه ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما يقول هؤلاء الشهود؟ فقال : صدقوا وأنا أرجع إلى الإسلام ، فقال : أما أنّك لو كذَّبت الشهود لضربت عنقك ، وقد قبلت منك فلا تعد ، فإنّك إن رجعت لم أقبل منك رجوعاً بعده(1) . وظاهرها بعد حملها على خصوص المرتدّ الملّي ثبوت القتل في المرّة الثانية .
ولكنّها مضافاً إلى ضعف سندها مخدوشة من جهة الدلالة على ترتّب القتل على تكذيب الشهود ، مع أنّه لا يعلم وجهه ، فإنّ تكذيب الشهود غايته أنّه لا أثر له في نفي الحكم المترتّب على المشهود عليه ، وأمّا استلزامه لثبوت القتل فلا وجه له أصلا ، ومن جهة عدم الفتوى على طبقها ; لدوران الأمر من جهة الفتاوى بين الثالثة والرابعة ، كما لا يخفى .
وقد ظهر من جميع ذلك أنّ ترتّب القتل على الرابعة لو لم يكن أقوى ، فلا أقلّ من أن يكون أحوط وجوباً كما في المتن .
ويمكن أن يقال بعدم ثبوت القتل في المقام أصلا ; لعدم الدليل عليه . أمّا في الثالثة ; فلما عرفت من أنّه لم يدلّ دليل على القتل فيها لا بنحو العموم ولا بنحو الخصوص . وأمّا في الرابعة فلأنّ مستنده فيها هو الإجماع المزبور الذي نقله الشيخ كما تقدّم ، وهو ليس بحجّة كما قد قرّر في الأُصول .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 547، أبواب حدّ المرتد ب3 ح4.

(الصفحة712)

مسألة 6 : لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته وقبل استتابته لم يقتل ، ولو طرأ الجنون بعد استتابته وامتناعه المبيح لقتله يقتل ، كما يقتل الفطري إذا عرضه الجنون بعد ردّته 1 .

مسألة7: لو تاب المرتدّ عن ملّة فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة قيل: عليه القود ، والأقوى عدمه. نعم ، عليه الدية في ماله 1.


هذا ، ولكنّ الظاهر تسالم الفقهاء على ثبوت القتل إمّا في الثالثة وإمّا في الرابعة ،والأحوط ما ذكرنا .

1 ـ الوجه في إطلاق الحكم في المرتدّ الفطري والتفصيل في الملّي واضح ; لثبوت الاستتابة في الثاني دون الأوّل ، وظاهرٌ أنّ الاستتابة والامتناع مشروطان بسلامة العقل كأصل الارتداد ، فإذا تحقّقا في هذا الحال ثمّ عرض الجنون يقتل كما يقتل المرتدّ الفطري بعد جنونه .

2 ـ القائل بالقود هوالشيخ(قدس سره) في محكيّ المبسوط(1)والخلاف(2)وابن شهرآشوب في محكيّ متشابه القرآن(3) . نظراً إلى أنّه صدر منه قتل المسلم بغير حقّ ، والوجه في كونه مسلماً وضوح أنّه لا يصدق عليه المرتدّ بعد التوبة التي مرجعها إلى الرجوع إلى الإسلام حقيقةً لا بمعنى الاعتقاد القلبي ، بل بمعنى كونه مسلماً واقعاً كأصل إسلامه السابق على ارتداده ، وحينئذ فالقتل يضاف إلى المسلم مع


(1) المبسوط: 8 / 72.
(2) الخلاف: 5 / 503 مسألة 3.
(3) متشابه القرآن: 2 / 221.

(الصفحة713)

مسألة 8 : لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً فللوليّ قتله قوداً ، وهو مقدّم على قتله بالردّة ، ولو عفا الوليّ أو صالحه على مال قتل بالردّة 1.


اتّصافه بكونه بغير حقّ ، فعليه القود .
ولكنّ الظاهر أنّ موجب القصاص هو قتل المؤمن متعمّداً ، ومعناه تعلّق الإرادة بقتله بما أنّه مؤمن ; أي مع العلم باتّصافه بكونه كذلك ، ألا ترى أنّ قوله تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً . . .}(1) معناه هو قتله عن إرادة مع الإعتقاد بكونه كذلك وعلمه به ، وإلاّ فمجرّد قتل المؤمن مع الإعتقاد بعدم كونه كذلك بل باستحقاقه للقتل لا يترتّب عليه الخلود في النّار ، فلا مجال للقصاص في المقام .
وربّما أيّد ذلك بأنّ جمعاً من الصحابة منهم اُسامة بن زيد وجدوا أعرابيّاً في غنيمات ، فلمّا أرادوا قتله تشهَّد ، فقالوا : ما تشهَّد إلاّ خوفاً من أسيافنا ، فقتلوه واستاقواغنيماته ،فنزل : {وَلاَتَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ . . .}(2) إلى آخرها ، فغضب النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقال لاُسامة : هلاّ شققت قلبه ، ولكن لم يقتصّ منهم(3) .
فالظاهر بمقتضى ما ذكر عدم ثبوت القِوَد ، ولكنّه ليس من قتل الخطأ أيضاً حتّى تكون الدية على العاقلة ، بل من قبيل شبيه العمد فتكون الدية في ماله .

1 ـ لا خلاف ولا إشكال في أنّه لو قتل المرتدّ مسلماً عمداً أي مع الإرادة والعلم بكونه مسلماً يثبت عليه القود ; لتحقّق موجبه ، من دون فرق بين أن يكون المرتدّ فطريّاً أو ملّياً ، كما أنّه لا خلاف في تقدّم هذا الحقّ على حقّ الردّة ; لأنّ الأوّل من


(1، 2) سورة النساء 4: 93 و 94.
(3) انظر تفسير القمّي: 1 / 148 ـ 149 وتفسير الدرّ المنثور: 2 / 200، كشف اللثام: 2 / 436.

(الصفحة714)

مسألة 9 : يثبت الإرتداد بشهادة عدلين وبالإقرار ، والأحوط إقراره مرّتين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات2.


حقوق الناس والثاني من حقوق الله ، والظاهر منهم تقدّم الأوّل على الثاني . نعم ، مع فرض عفو الوليّ أو مصالحته معه على مال يقتل بالارتداد ، هذا فيما إذا كان القتل عن عمد .
وأمّا مع كونه خطأً ففي المرتدّ الملّي يحتمل ثبوت الدية في ماله لا على عاقلته ; نظراً إلى أنّه لا عاقلة للمرتدّ لا من المسلمين الذين لا يعقلون الكفّار ، ولا من الكفّار ; لعدم إرثهم منه ، ويحتمل ثبوتها على العاقلة ; نظراً إلى أنّه بعد فرض كون المسلمين وارثين له ، ومن كان الإرث له كان العقل عليه فلا محالة يتّصفون بذلك ، ولكنّ التحقيق سيأتي إن شاء الله تعالى في بحث العاقلة من كتاب الديات .
وأمّا المرتدّ الفطري فربّما يشكل ثبوت الدية في ماله ; نظراً إلى أنّه لا مال له ، ولكن ذكرنا في بحث الارتداد الفطري : أنّه لا دليل على عدم تملّكه بالأسباب المتحقّقة بعد الارتداد ، فإنّ مقتضى الدليل انتقال أمواله في حال الارتداد إلى الورثة ، وأمّا خروجه عن صلاحيّة الملكيّة بالكليّة فلم يدلّ دليل عليه أصلا .

2 ـ قد تقدّم البحث في مثل هذه المسألة مراراً ، وذكرنا وجه كون الاحتياط في الإقرار هو التعدّد(1) ، كما أنّه ذكرنا اعتبار شهادة النساء منضمّات لا مطلقاً ، بل القدر المتيقّن منه وهو قيام امرأتين مقام الرجل(2) لا أزيد ، فراجع .


(1) في ص347 ـ 348 و461.
(2) في ص116 ـ 120.

(الصفحة715)







القول في وطء البهيمة والميّت


مسألة 1 : في وطء البهيمة تعزير ، وهو منوط بنظر الحاكم ، ويشترط فيه البلوغ والعقل والإختيار وعدم الشبهة مع امكانها ، فلا تعزير على الصبيّ ، وإن كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب أدّبه الحاكم بما يراه ، ولا على المجنون ولو أدواراً إذا فعل في دور جنونه ، ولا على المكره ، ولا على المشتبه مع امكان الشبهة في حقّه حكماً أو موضوعاً1.


1 ـ أمّا ثبوت التعزير في وطء البهيمة إجمالا ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى فتوى المشهور به ، بل دعوى نفي وجدان الخلاف فيه ، بل تحصيل الإجماع عليه كما في الجواهر(1) ـ روايات متعدّدة ، مثل :
رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يقع على بهيمة ، قال :


(1) جواهر الكلام: 41 / 638.

(الصفحة716)



فقال : ليس عليه حدّ ولكن تعزير(1) .
ورواية الفضيل بن يسار وربعي بن عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يقع على البهيمة ، قال : ليس عليه حدّ ، ولكن يضرب تعزيراً(2) .
والظاهر أنّه ليس المراد تعيّن الضرب للتعزير حتّى لا يجوز التعزير بغيره ولا الزائد على الضرب ، بل المراد هو التعزير ، وذكر الضرب إنّما هو لأجل غلبة وقوع التعزير به .
وفي سند هاتين الروايتين محمّد بن سنان وفيه كلام ، وعلى تقدير الضعف منجبرتان بعمل المشهور عليهما ، كما لا يخفى .
ورواية الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) ، أنّه سئل عن راكب البهيمة ؟ فقال : لا رجم عليه ولا حدّ ، ولكن يعاقب عقوبة موجعة(3) .
ومثل هذه الروايات ما تدلّ على أنّ حدّه ما دون الحدّ ، كموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بهيمة : شاة ، أو ناقة ، أو بقرة ، قال : فقال : عليه أن يجلد حدّاً غير الحدّ ، ثمّ ينفى من بلاده إلى غيرها ، وذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها(4) .
وموثّقة سدير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يأتي البهيمة ، قال : يجلد دون الحدّ ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها ; لأنّه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه ، وإن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحدّ ، وأخرجها من


(1) وسائل الشيعة: 18 / 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح3.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح5.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 573، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح11.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح2.

(الصفحة717)



المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اُخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كيلا يعير بها صاحبها(1) .
لكن في مقابلها طوائف اُخرى من الروايات :
إحداها : ما تدلّ على تعيّن خمسة وعشرين سوطاً ربع حدّ الزاني ، وهي :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) . وصحيحة الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) . وموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم موسى (عليه السلام) في الرجل يأتي البهيمة ، فقالوا جميعاً : إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت ، فإذا ماتت اُحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حدّ الزّاني ، وإن لم تكن البهيمة له قوّمت واُخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها وذبحت واُحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وضرب خمسة وعشرين سوطاً ، فقلت : وما ذنب البهيمة؟ فقال : لا ذنب لها ، ولكن رسول الله(صلى الله عليه وآله) فعل هذا وأمر به لكيلا يجترىء الناس بالبهائم وينقطع النسل(2) .
ثانيتها : ما تدلّ على أنّ حدّه حدّ الزاني ، أو على أنّ عليه الحدّ الظاهر في كون المراد هو حدّ الزاني ، مثل :
رواية أبي بصير ، التي رواها الشيخ بسند صحيح ، والكليني بسند فيه سهل بن زياد ـ وهو مورد اختلاف ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أتى بهيمة فأولج ، قال : عليه الحدّ . وفي رواية الكليني قال : حدّ الزّاني(3) .
ورواية أبي فروة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الذي يأتي بالفاحشة والذي يأتي


(1) وسائل الشيعة: 18 / 571، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 570، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح1.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح8.

(الصفحة718)



البهيمة حدّه حدّ الزاني(1) .
ثالثتها : ما تدلّ على ترتّب القتل عليه ، كصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أتى بهيمة ، قال : يقتل(2) .
ورواية سليمان بن هلال قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي البهيمة ، فقال : يقام قائماً ، ثمّ يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ . قال : فقلت : هو القتل ، قال : هو ذاك(3) .
إذا عرفت ذلك فالمحكيّ عن الشيخ(قدس سره) أنّه قال : الوجه في هذه الأخبار أن تكون محمولة على أنّه إذا فعل دون الإيلاج فعليه التعزير ، وإذا كان الإيلاج كان عليه حدّ الزاني كما تضمّنه خبر أبي بصير ، أو محمولة على من تكرّر منه الفعل ; لما تقدّم عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّ أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة ، ويجوز الحمل على التقيّة ; لأنّ ذلك مذهب العامّة(4) .
وقد حمل صاحب الوسائل ما ورد في القتل على أنّ المراد به هو الضرب الشديد(5) .
أقول : الظاهر أنّه لا مجال للجمع بين الروايات بنحو تخرج عن عنوان التعارض ; لأنّ حمل ما دلّ على التعزير على كون مورده هو الفعل من دون إيلاج ـ مع ظهور إتيان البهيمة في الإيلاج ; ولذا رتّب عليه القتل فيما ورد فيه ـ بعيد


(1) وسائل الشيعة: 18 / 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح9.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح6.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ح7.
(4) تهذيب الأحكام: 10 / 62 ذ ح227، الإستبصار: 4 / 224 ـ 225 ذ ح10 وح11.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 572، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب1 ذ ح6.

(الصفحة719)

مسألة 2 : يثبت ذلك بشهادة عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وبالإقرار إن كانت البهيمة له ، وإلاّ يثبت التعزير بإقراره ،


في الغاية ، كما أنّ حمل ما ورد في القتل على صورة التكرّر أيضاً كذلك ، وأبعد منه دعوى إرادة الضرب الشديد من القتل ، كما أنّه لا مجال للحمل على التقيّة بعد وجود بعض المرجّحات المتقدّمة عليه .
والحقّ ثبوت التعارض ولزوم الرجوع إلى المرجّحات ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة ، وهي موافقة في المقام مع روايات التعزير ، فلا محيص عن الحكم به كما في المتن . نعم ، يمكن حمل ما دلّ على تعيّن ربع حدّ الزاني على كونه بعنوان أحد مصاديق التعزير ، وإن كان فيه بعد أيضاً .
ثمّ إنّه لا فرق في ثبوت التعزير في وطء البهيمة بين أن تكون مأكولة اللحم عادة وبين أن لا تكون كذلك ، بل كان الأمر الأهمّ فيها ظهرها كالخيل والبغال والحمير كما هو مقتضى إطلاق المتن ، وإن كان بينهما فرق في بعض الأحكام ، كما دلّت عليه موثّقة سدير المتقدّمة ، مثل أنّه يجب أن تذبح الاُولى وتحرق ، بخلاف الثانية ، فإنّها تنفى من بلد الوطء إلى بلاد اُخرى فتباع فيها .
ثمّ إنّه يشترط في ثبوت التعزير في وطء البهيمة الاُمور الأربعة المذكورة في المتن ، التي منها البلوغ ، والفرق بين تعزير البالغ وتأديب الصبيّ ـ مضافاً إلى ما مرّ في بحث التأديب من التحديد ولو بالإضافة إلى مازاد(1) ـ أنّ تعزير البالغ إنّما هو لتحقّق الفعل المحرّم منه ، بخلاف الصبيّ ، فإنّه إنّما هو لشناعة العمل ، فتدبّر .


(1) مرّ في ص424 ـ 427.

(الصفحة720)

ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلاّ أن يصدّقه المالك 1.


1 ـ أمّا الثبوت بشهادة عدلين فقد ذكر في الجواهر : أنّه بلا خلاف محقّق أجده فيه للعموم ، نعم في كشف اللثام : كلام المبسوط(1) يعطي اشتراط أربعة رجال أو ثلاثة مع امرأتين(2) ، ثمّ قال : وعلى تقديره لا دليل له سوى القياس على الزناء الذي ليس من مذهبنا ، لكن في الرياض جعله استقراءً ، ثمّ قال : لا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً(3) ، ويحتمل مطلقاً ، لإيراثه الشّبهة الدارئة لا أقلّ منها ، فتأمّل ، ولا يخفى عليك ما فيه(4) .
والوجه في بطلان كلام الرياض أمّا في صورة إفادة الظنّ ، فلأنّه لا دليل على اعتبار هذا الظنّ بوجه ، ومقتضى الأصل المقرّر في الاُصول حرمة التعبّد بالظنّ مع عدم قيام الدليل على حجيّته ، وأمّا في صورة عدم الإفادة ، فلأنّه لا مجال للشبهة بعد كون مقتضى عموم دليل حجيّة البيّنة اعتبارها في المقام أيضاً ، وفي الحقيقة لا شبهة مع هذا العموم .
والظاهر أنّ الوجه في كلام الشيخ ما تقدّم منه من الجمع بين روايات التعزير ورواية حدّ الزاني ، بحمل الاُولى على عدم الإيلاج ، والثانية على الإيلاج ، وكان مراده في المقام هي الصورة الثانية التي يكون الحكم فيها هو حدّ الزنا ، فإنّه حينئذ يمكن أن يقال بالإشتراط الذي ذكره لثبوت مثله في الزنا .
ولكن يرد عليه ، مضافاً إلى ما ذكرنا من عدم تماميّة الجمع بهذا النحو ـ أنّ مجرّد


(1) المبسوط: 8 / 7.
(2) كشف اللثام: 2 / 411.
(3) رياض المسائل: 10 / 226.
(4) جواهر الكلام: 41 / 642 ـ 643.

(الصفحة721)

مسألة 3 : لو تكرّر منه الفعل ، فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلاّ التعزير ، ولو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة 1.


ثبوت حدّ الزنا في المقام لا يلازم اعتبار الأمور المذكورة فيه هنا أيضاً .
وأمّا عدم الثبوت بشهادة النساء فقد تقدّم الكلام فيه ، ومقتضى ما اخترناه الثبوت في مثل المقام مع الإنضمام(1) .
وأمّا الإقرار ، فإن كان بالنسبة إلى بهيمته ، فمقتضى عموم دليل نفوذ الإقرار الثبوت به ، ولا مجال لاحتياط التعدّد في المقام ، الذي لا يكون فيه إلاّ التعزير ، وأمّا بالنسبة إلى بهيمة الغير فالإقرار يؤثّر في ثبوت التعزير فقط ، لا في ترتّب سائر الأحكام ; لأنّه إقرار بالإضافة إلى الغير ، إلاّ أن يصدّقه المالك .

1 ـ الوجه في احتمال كون القتل في الثالثة بعد تخلّل تعزيرين ماتقدّم من الصحيحة الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة ; نظراً إلى أنّ المراد من الحدّ فيها أعمّ من التعزير ، والشاهد كون الموضوع هو أصحاب الكبائر مع تأكيدها بكلمة «كلّ» . ومن الواضح أنّه لا يكون الحدّ ثابتاً في كثير منها ، بل في أكثرها ، فيصير ذلك قرينة على أنّ المراد بالحدّ هو المعنى الأعمّ .
والوجه في كون القتل في الرابعة ما تقدّم من دعوى إجماع الأصحاب عليه في مطلق الكبائر ، كما عن الشيخ في الخلاف(2) والإسناد إلى الرواية عنهم(عليهم السلام) كما عن المبسوط(3) ، وهو وإن لم يكن بحجّة ، إلاّ أنّ إيجابه للاحتياط ممّا لا يكاد يخفى . ثمّ إنّ


(1) تقدّم في ص116 ـ 120.
(2) الخلاف: 5 / 505.
(3) المبسوط: 7 / 284.

(الصفحة722)

مسألة 4 : الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة رجماً مع الإحصان وحدّاً (جلداً ظ) مع عدمه بتفصيل مرّ في حدّ الزنا ، والإثم والجناية هنا أفحش وأعظم ، وعليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه ، ولو وطأ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ ، وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ ، ويعزّر تغليظاً على تأمّل 1.


الحكم في بعض الروايات المتقدّمة بثبوت القتل في وطء البهيمة لا يؤيّد ثبوت القتل في المرتبة الثالثة بعد كون الرواية الدالّة عليه ساقطة عن الحجيّة ، لأجل المرجوحيّة كما عرفت(1) .

1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : وطء المرأة الميّتة الأجنبيّة ، والدليل على ثبوت حدّ الزنا ـ رجماً أو جلداً ـ في وطء المرأة الميّتة ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه ، بل إمكان تحصيل الإجماع فضلا عن محكّيه كما في الجواهر(2) ، وإلى نفي الشُّبهة عن ثبوت الإجماع عليه كما عن الإنتصار(3) والسرائر(4) ـ الروايات الواردة في هذا الباب ، مثل :
صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : لمّا مات الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) ، وقد حضر خلق من الشيعة ـ إلى أن قال :ـ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ؟ فقال أبي : يقطع يمينه للنبش ، ويضرب حدّ الزنا ، فإنّ حرمة الميّتة كحرمة الحيّة ، فقالوا : يا سيّدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال :


(1) في ص188 ـ 190.
(2) جواهر الكلام: 41 / 544.
(3، 4) الإنتصار: 514، السرائر: 3 / 468.

(الصفحة723)



نعم ، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجابهم فيها وله تسع سنين(1) .
ورواية عبدالله بن محمّد الجعفي قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وجاءه كتاب هشام بن عبدالملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها ، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا : طائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه ، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ، إن اُحصن رجم ، وإن لم يكن اُحصن جلد مائة(2) .
وفي مقابلهما رواية أبي حنيفة (الذي اسمه سعيد بن بيان) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل زنى بميّتة ، قال : لا حدّ عليه(3) .
وليس المراد بنفي الحدّ ما يعمّ نفي التعزير أيضاً بعد كون المراد من السؤال بملاحظة التعبير بالزنا هو خصوص الحدّ كما لا يخفى ، وحكي عن الشيخ أنّه قال في توجيه الرواية : هذا يحتمل وجهين : أحدهما أنّه لا حدّ عليه موظّف لا يجوز غيره ; لأنّه إن كان محصناً رجم وإلاّ جلد ، والآخر أن يكون مخصوصاً بمن أتى زوجة نفسه بعد موتها ، فإنّه يعزّر ولا حدّ عليه . وقال صاحب الوسائل بعد نقل كلام الشيخ : أقول : ويمكن الحمل على الإنكار ، وعلى ما دون الإيلاح كالتفخيذ ونحوه لما مرّ(4) .
والرواية مع ذلك ضعيفة من حيث السند ، وعلى تقدير الإغماض عنه تكون


(1) وسائل الشيعة: 18 / 511، أبواب حدّ السرقة ب19 ح6.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 510، أبواب حدّ السرقة ب19 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح3.
(4) أي في باب 10 من أبواب حدّ الزنا وح2 و 6 من الباب 19 من أبواب حدّ السرقة، وفي ح1 و2 من أبواب نكاح البهائم.

(الصفحة724)



مرجوحة ، لمخالفتها للشهرة الفتوائيّة المحقّقه كما لا يخفى .
هذا بالإضافة إلى ثبوت الحدّ . وأمّا التعزير الزائد على الحدّ فربّما يستدلّ عليه بمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الذي يأتي المرأة وهي ميّتة ، فقال : وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حيّة(1) .
ولكنّها مضافاً إلى كونها مرسلة ، وقد مرّ أنّ مقتضى التحقيق عدم اعتبار مرسلات مثل ابن أبي عمير أيضاً ، لا دلالة لها إلاّ على كون وزره وإثمه أعظم ، ولا ملازمة بين ذلك وبين ثبوت التعزير الزائد ، وثبوته في مثل شرب المسكر في شهر رمضان إنّما هو لتحقّق عنوان آخر زائد على أصل الفعل ، وهو عنوان الهتك بالإضافة إلى شهر رمضان ، وليس في المقام عنوان آخر ، بل مفاد الرواية مجرّد كون حرمة الميّت كحرمة الحيّ ; ولأجل ذلك تأمّل في المتن في ثبوت التعزير الزائد .
الفرع الثاني : وطء زوجته الميّتة ، والمحكيّ عن الأكثر القطع بأنّه يقتصر في التأديب فيه على التعزير(2) ، بل نفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه(3) ، والدليل على عدم ثبوت الحدّ في هذا الفرع ـ بعد كون روايات الحدّ في الفرع السابق واردة في مورد الزنا بالأجنبيّة ; لدلالتها على أنّ الميّتة تنزّل منزلة الحيّة ـ عدم شمول أدلّة الزنا للمقام ; لعدم كونه زناء لا بحسب اللغة ولا بنظر العرف ، لبقاء علقة الزوجيّة ; ولذا يجوز له النظر إليها ولمسها وأشباه ذلك .
وحرمة الوطء بعد الموت للإجماع عليها لا يلازم ثبوت الحدّ المتوقّف على تحقّق


(1) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح2.
(2) النهاية: 708، المقنعة: 790، السرائر: 3 / 468، شرائع الإسلام: 4 / 966، قواعد الأحكام: 2 / 258، اللمعة الدمشقية: 172، وقال في رياض المسائل: 10 / 227: «كما قطع به الأكثر، بل لم أجد خلافاً فيه».
(3) جواهر الكلام: 41 / 645.

(الصفحة725)

مسألة 5 : يعتبر في ثبوت الحدّ في الوطء بالميّت ما يعتبر في الحيّ من البلوغ والعقل والإختيار وعدم الشبهة 1 .

مسألة 6 : يثبت الزنا بالميّتة واللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال ، وقيل :


عنوان الزنا ، وقد عرفت احتمال الشيخ(قدس سره) حمل رواية أبي حنيفة المتقدّمة على زوجته الميّتة ، وإن كان يبعّده التعبير بالزنا في السؤال ، مع أنّه لا زناء في المقام .
وبالجملة : لا دليل على أزيد من التعزير الثابت في خصوص المعاصي الكبيرة أو مطلقاً ، على خلاف مرّ فيما سبق(1) .
الفرع الثالث : اللواط بالميّت ، ويدلّ على ثبوت الحدّ فيه ـ مضافاً إلى عموم دليل ثبوت الحدّ في اللواط للوطء بالميّت ; لعدم الفرق في صدقه بين الحي والميّت ـ ما تقدّم في الروايات الواردة في الفرع الأوّل من أنّ «حرمة الميّت كحرمة الحيّ» ، فإنّ ظاهرها ثبوت هذا الحكم بالنحو الكلّي وبعنوان الضابطة ; لوروده مورد التعليل ، أو وقوعه مقدّمة للحكم بثبوت حدّ الزنا في وطء الميّتة ، فلا اختصاص له بالحكم المذكور فيها ، والكلام في ثبوت التعزير الزائد ما تقدّم في الفرع الأوّل .

1 ـ أمّا اعتبار الأمور الأربعة فقد مرّ الكلام فيه مراراً(2) ، وأمّا ما يعطيه الجمود على ظاهر المتن من كون هذه الأمور معتبرة في الحدّ الثابت في الفرعين من الفروع الثلاثة المتقدّمة فهو مخدوش ; لاعتبار هذه الأمور في التعزير أيضاً ، إلاّ أن يراد بالحدّ في المتن أعمّ من التعزير ، فيشمل جميع الفروع الثلاثة ، وهو وإن كان متداولا


(1) في ص417 ـ 424.
(2) في ص81 ـ 83.

(الصفحة726)

يثبت بشهادة عدلين ، والأوّل أشبه ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولامنضمّات حتى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وطء الميّتة ، وعلى الأقوى في الميّت ، وبالإقرار أربع مرّات 1.


في ألسنة الروايات إلاّ أنّ هذا النحو من الاستعمال في المتون الفقهيّة بعيد ، فتدبّر .

1 ـ أمّا الزنا بالميّتة الأجنبية فقد وقع الخلاف في عدد الحجّة على ثبوته ، فالمحكيّ عن الشيخين(1) وابني حمزة وسعيد(2) والعلاّمة في المختلف(3) الثبوت بشاهدين .
والأشهر بل قيل : إنّه المشهور ، بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين عدم الثبوت إلاّ بأربعة(4) كالزنا بالحيّة ، وفي المتن جعله أشبه أي بالقواعد .
واستدلّ للأوّل ـ مضافاً إلى عموم دليل حجيّة البيّنة ـ بما رواه إسماعيل بن أبي حنيفة ، عن أبي حنيفة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان ، والزنا لا يجوز فيه إلاّ أربعة شهود ، والقتل أشدّ من الزنا؟ فقال : لأنّ القتل فعل واحد ، والزنا فعلان ، فمن ثمّ لا يجوز إلاّ أربعة شهود : على الرجل شاهدان ، وعلى المرأة شاهدان(5) .
نظراً إلى أنّ المستفاد من التعليل الواقع فيها كفاية شاهدين في مثل القتل ممّا يكون فعلا واحداً كالمقام ، فإنّ الزنا بالميّتة لا يكون خارجاً عن هذا العنوان ،


(1) المقنعة: 790، النهاية: 708.
(2) الوسيلة: 415، الجامع للشرائع: 556.
(3) مختلف الشيعة: 9 / 200 مسألة 58.
(4) رياض المسائل: 10 / 227.
(5) وسائل الشيعة: 19 / 103، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب1 ح1.

(الصفحة727)



لوضوح كونه فعلا واحداً .
والجواب : أمّا عن الدليل الأوّل ، فهو أنّ مفاد الأدلّة الواردة في المقام الدالّة على ثبوت حدّ الزنا أنّ وطء الميّتة من مصاديق الزنا ; ولأجله يترتّب عليه حدّه وهو كذلك لغة وعرفاً أيضاً ، وعليه فأدلّة عدم ثبوت الزنا إلاّ بأربعة تدلّ على أنّ وطء الميّتة أيضاً كذلك ، فلا مجال حينئذ للتمسّك بعموم دليل حجيّة  البيّنة .
وأمّا عن الرواية ـ فمضافاً إلى ضعف السند بإسماعيل بن أبي حنيفة ـ أنّه لا يمكن الالتزام بما هو ظاهرها من التعليل المذكور فيها ; لوضوح أنّه قد يكون الزنا من طرف واحد فقط كالزنا بالنائمة ، والزنا مع كون الوطء من الطرف الآخر مقروناً بالشبهة المجوّزة ، ومثلهما من الموارد ، مع وضوح عدم الثبوت فيه أيضاً إلاّ بأربعة ، مضافاً إلى معلوميّة سماع شهادة عدلين على أزيد من واحد في غير الزنا ، كما إذا شهدا بتحقّق شرب المسكر مثلا من جماعة ، وإلى أنّه قد جعل في بعض النصوص اختلاف القتل والزنا في هذه الجهة دليلا على بطلان القياس ، ومرجعه إلى أنّ القتل مع كونه أشدّ لا يحتاج ثبوته إلى أزيد من شهادة عدلين ، وعليه فتحمل الرواية على بيان الحكمة لا العلّة ، وفي هذه الصورة لا مجال للاستدلال بها كما لا يخفى .
وقد انقدح أنّ مقتضى القاعدة بلحاظ كون المقام من مصاديق الزنا عدم الثبوت إلاّ بأربعة . نعم ، هذا إنّما هو في الزنا بالميّتة ، وأمّا وطء الزوجة الميّتة ، فالظاهر ثبوته بشهادة عدلين ; لعدم كونه من مصاديق الزنا ، فيشمله عموم دليل حجيّة البيّنة ، ولم يتعرّض له في المتن وإن كان ربّما يستفاد من التعبير بالزنا بالميّتة العموم ، إلاّ أنّه حيث لا يكون هنا زناء فالظاهر عدم دلالة المتن عليه .


(الصفحة728)

فرعٌ: من استمنى بيده أو بغيرها من أعضائه عزّر، ويقدّر بنظر الحاكم، ويثبت ذلك بشهادة عدلينوالإقرار،ولايثبت بشهادة النساءمنضمّات ولا منفردات.
وأمّا العقوبة دفاعاً ، فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1.


1 ـ لا إشكال في حرمة الاستمناء ، بل كونه من المعاصي الكبيرة ، ويدلّ على الحرمة قوله تعالى  : {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(1) وعليها مضافاً إلى كونه كبيرة روايات متعدّدة ، مثل :
ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في «نوادره» عن أبيه قال : سئل الصّادق (عليه السلام)عن الخضخضة؟ فقال: إثمٌ عظيم قد نهى الله عنه في كتابه ، وفاعله كناكح نفسه ، ولو علمت بما (بمن خ ل) يفعله ما أكلت معه ، فقال السّائل : فبيِّن لي يا ابن رسول الله من كتاب الله فيه ، فقال : قول الله : {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } وهو ممّاوراء ذلك، فقال الرجل: أيّما أكبر، الزناأوهي؟ فقال: هو ذنبٌ عظيم ، الحديث(2) .
والظاهر رجوع الضمير إلى الخضخضة وإن كان مذكّراً ; لرجوع ضمير المذكّر إليها متعدّداً في الرواية .
وما رواه العلاء بن رزين ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الخضخضة ؟ فقال : هي من الفواحش ، ونكاح الأمة خير منه(3) .
والعجب أنّ صاحب الجواهر جعل الرواية صحيحة(4) مع أنّها مرسلة .


(1) سورة المؤمنون 23: 7.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 575، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب3 ح4.
(3) وسائل الشيعة: 14 / 267، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب28 ح5.
(4) جواهر الكلام: 41 / 648.

(الصفحة729)



ورواية أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : الناتف شيبه ، والناكح نفسه ، والمنكوح في دبره(1) .
وموثّقة عمّار بن موسى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك ، فقال : كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا وشبهه فهو زنا(2) .
وفي مقابلها رواية ثعلبة بن ميمون وحسين بن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام)عن رجل يعبث بيديه حتّى ينزل ، قال : لا بأس به ولم يبلغ به ذاك شيئاً(3) .
وقد حمله الشيخ(قدس سره) على أنّه ليس عليه شيء موظّف لا يجوز خلافه ، بل عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام ، واحتمل صاحب الوسائل حمله على التقّية(4) ، وصاحب الجواهر على السؤال عمّن يعبث بيديه مع زوجته أو أمته لا مع ذكره(5) .
وعلى تقدير عدم صحّة الحمل لابدّ من الطرح ; لموافقة الطائفة الاُولى للشهرة الفتوائيّة المحقّقة ، بل الاتّفاق كما استظهر ، فلا محيص عن الحكم بالحرمة .
وأمّا التعزير ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما تقدّم من ثبوته في المعاصي الكبيرة مطلقاً(6) ـ رواية أبي جميلة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّ عليّاً (عليه السلام) اُتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل ، فضرب يده حتّى احمرَّت ، قال : ولا أعلمه إلاّ قال :


(1) وسائل الشيعة: 14 / 268، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب28 ح7.
(2) وسائل الشيعة: 14 / 264، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم ب26 ح1.
(3، 5) وسائل الشيعة: 18 / 575، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب3 ح3.
(5) جواهر الكلام: 41 / 648.
(6) تقدّم في ص417 ـ 419.

(الصفحة730)



وزوّجه من بيت مال المسلمين(1) . ومثلها رواية طلحة بن زيد(2) ، إلاّ أنّها خالية عن ذكر الإنزال .
والظاهرأنّه لاخصوصيّة للتعزير المذكور فيها بل هو أحد الأفراد، وعليه فالتقدير بنظر الحاكم ، كما أنّ الظاهر أنّ التزويج من بيت المال ليس من اللوازم ، بل هو كما قال المحقّق في الشرائع : تدبيرٌ استصلحه(3) ، أي الإمام (عليه السلام) في ذلك الحال ، فلا يجب مطلقاً .
وأمّاالثبوت بشهادة عدلين وبالإقرار مرّةواحدة فهو مقتضى عموم دليل حجيّة البيّنة ودليل نفوذ الإقرار ، والعجب من صاحب الجواهر ، حيث قال عقيب قول المحقّق في الشرائع : ويثبت بشهادة عدلين(4) : كاللّواط(5) ، مع أنّه من الواضح افتقار ثبوت اللواط إلى أربعة شهود، والظاهرأنّه من سهوالقلم لولم يكن من غلط النسخة.
كما أنّه قد تقدّم منّا كفاية شهادة النساء منضمّـات لا مطلقاً ، بل القدر المتيقّن منه الذي لازمه في المقام كفاية شهادة عدل واحد مع امرأتين(6) .
وهنا ينتهي البحث في كتاب الحدود ، وقد تعرّض في المتن بعدها لأحكام أهل الذمّة وشرائطها ، ونحن نحيل البحث في ذلك إلى الزمان الآتي ، وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1406 القمريّة ، نسأل منه تعالى التوفيق لإتمام بقيّة مباحث الكتاب إن شاء الله تعالى .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 575، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب3 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب3 ح1.
(3، 4) شرائع الإسلام: 4 / 967.
(5) جواهر الكلام: 41 / 649.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>