جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
الدولة الاسلامية « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة121)

* الأوّل: قول المعصوم
من السنّة قول المعصوم كأن يُسأل: ما الجهاد الأكبر؟ فيجيب: جهاد النفس .
* الثاني: فعل المعصوم
كأن يطالعنا التأريخ بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يجلس على هيئة الحلقة مع أصحابه . أو ما يُرى أنّ أحداً لم يتقدّم عليه (صلى الله عليه وآله)في السلام طيلة عمره الشريف وغير ذلك ، فمثل هذه الأفعال والتصرّفات تسمّى بفعل المعصوم .
* الثالث: تقرير المعصوم
يصطلح بتقرير المعصوم في حالة صدور فعل من شخص أمام أحد المعصومين ولم يصدّه عنه ولم يردعه .

مفهوم المحكم والمتشابه في القرآن
تقسّم الآيات القرآنية إلى قسمين: محكم و متشابه . ويراد بالآيات المحكمة: تلك التي تحمل معنى واحداً صريحاً أو لها ظهور واحد ، أمّا المتشابهة فيراد بها: تلك التي تحتمل أكثر من معنى .

احتمال التشابه في السنّة
يعتقد البعض بأنّ الأحاديث على غرار القرآن تشتمل على محكم ومتشابه ، ولا نرى هذا الاعتقاد صائباً; لأنّنا نعتقد بأنّ السنّة جاءت لتبيين القرآن ، فلو اشتملت على المتشابه سوف لن يكون لدينا من تفسير للقرآن ، ولا سيّما للآيات المتشابهة والمطلقة وغيرها .
وهذا ما جعلنا نعتقد بأنّ السنّة تقتصر على الأحاديث المحكمة . وعلى ضوء هذه المقدّمات نستطيع أن نقف على كلمات الإمام (عليه السلام) ، حيث قال:


(الصفحة122)

«وَارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الأُمُورِ ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (1) فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ: الأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ: الأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ» .
والذي نفهمه من كلام الإمام (عليه السلام) ـ ولاسيّما باستشهاده بالآية القرآنية في الرجوع إلى القرآن والسنّة ـ أنّ أوامر النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على نوعين:
* أوامر بيان الأحكام الشرعية
* الأوامر الولائية ـ الحكومية ـ
حين يبيّن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) الأحكام الشرعية ، ويتحدّثون عن الحلال والحرام ، ويدعون الأُمّة إلى الإتيان بالواجبات واجتناب المحرّمات وغير ذلك ، فإنّما يوردون ذلك في إطار بيانهم لأحكام الله ، فلما أسّسوا الحكومة فأصدروا أوامرهم للاُمّة بالتهيّؤ للقتال وإعداد العدّة وما إلى ذلك ، فإنّما يطلق على أوامرهم في هذه الحالة بالأوامر الحكومية ، وهي غير الأحكام التي أوحِيَت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القرآن .
وهذا سرّ تكرار كلمة «أطيعوا» في الآية الشريفة {أطيعوا الله} أي في الأحكام ، {أطيعوا الرسول} أي في الأوامر الحكومية .
وعلى هذا الأساس لم تتكرّر لفظة «أطيعوا» في أولي الأمر الذين هم الأئمة المعصومين (عليهم السلام); لأنّ المراد الأوامر الحكومية وقد انتقلت حكومته (صلى الله عليه وآله) إلى الأئمّة (عليهم السلام) .


1 . سورة النساء ، الآية 59 .

(الصفحة123)


القضاء وشخصيّة القاضي في الإسلام

إنّما تترسّخ دعائم الحكومة وتتجذّر إذا ما غاب الظلم والجور والفساد والعدوان عن المجتمع ، ولا يزول الظلم والفساد إلاّ في ظلّ سيادة العدالة والأمن القضائي وممارسته لاقتداره في المجتمع بحيث يكتسح كافّة أساليب البغي والعدوان ، وهذا بدوره لا يتيسّر إلاّ إذا تمكّنت الحكومة من إسناد منصب القضاء إلى القضاة الصلحاء ممّن تتوفّر فيهم شرائطه ومقوّماته .
نعم ، إنّ الحكومة التي تفتقر إلى الصلحاء من القضاء الأكفّاء ، إنّما تقود قضاءها إلى التحلّل والفساد وانعدام الأمن وسيادة الغطرسة والعدوان ، بينما تزول حاكمية القانون وتعمّ الفوضى والهرج والمرج .
وعليه فإنّنا نحتاج إلى القضاة الصلحاء قبل كلّ شيء بغية سيادة القانون والنظام ، وهنا يطرح هذا السؤال: ما الخصائص التي ينبغي أن يتحلّى بها القاضي؟ أو مَن هو القاضي الذي يشتمل على هذه الخصائص؟
يكشف الإمام (عليه السلام) عن القاضي الجدير بهذا المنصب في أنّه الفرد الذي يتمتّع بالصفات التالية:
1 ـ أن يكون من أفضل الأفراد .
2 ـ أن يكون واسع الصدر محيطاً بكافّة ملابسات القضية التي يحكم فيها بالعدل .
3 ـ شهم الأخلاق ، يقرّ بخطأه فيقلع عنه فوراً .
4 ـ بطيء الغضب ولاسيّما حين سماعه لمرافعة المدّعين .
5 ـ أن يكون ذا روح عالية لا تجعله يخشى أصحاب القوّة والسطوة .


(الصفحة124)

6 ـ عزيز النفس وعالي الهمّة ، بعيداً عن أطماع الدنيا ، مترفّعاً عن الرشوة .
7 ـ من أهل التأمّل والتحقيق ولا يمرّ بسهولة على القضايا ، ولا يقضي دون دليل وعلم ، ولا يكتفي بسماع الأقوال في إصداره لأحكامه .
8 ـ إذا اشتبهت عليه الاُمور وبدت له صعوبتها لم يفقد القدرة على الاحتياط والتأمّل ، ولا يتخلّى عن كشف الواقع على أساس الأدلّة والبراهين .
9 ـ طلق الوجه مع الخصوم ، لا يكلّ عن سماع دعواهم .
10 ـ لا يخدع بأساليب المكر والحيلة ولا يستهويه التملّق والإطراء .
11 ـ أن يكون صارماً في إصدار الأحكام العادلة إذا تكشّفت الحقائق وليس هنالك من يعيقه ، فليس في حكمه محاباة لأحد و لا بخس لآخر .
ثمّ ينبّه الإمام (عليه السلام) واليه إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد قلّة ، وأنّ الظفر بمثل هؤلاء القضاة توفيق عظيم:
«ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ ، مِمَّنْ لاَتَضِيقُ بِهِ الأُمُورُ ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ ، وَ لاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع ، وَ لاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأُمُورِ ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ ، وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ» .


(الصفحة125)


وظائف الحاكم تجاه القضاة

قلنا بأنّ الأفراد الذين تتوفّر فيهم صفات القاضي العادل قليلون ، وعلى الولاة أن يسعوا جهدهم من أجل إسناد القضاء لمثل هؤلاء الأفراد ، إلاّ أنّ مسؤولية الوالي أو الحاكم لا تقتصر على هذا الحدّ ، فما إن ينصّب مثل هذا الفرد الصالح للقضاء ، حتّى تبرز أمامه قضيّتان مهمّتان بشأن وظائفه وسلوكه حيال القضاة ، ولعلّ هذا أهمّ حتّى من الظفر بالقاضي الصالح وهما:
أوّلاً: على الحاكم أن يلتفت إلى ضرورة عدم معاناة القاضي من ضيق الحياة المادّية; وذلك لأنّه إما أن يستقيل من منصبه ، أو أن يثبّط عزمه فلا يمارس وظيفته كما ينبغي ، أو أن يخشى عليه من الزلل بحيث تنفذ إليه الرشوة التي تجعله يقلب الحقّ رأساً على عقب .
وثانياً: على الحاكم أن يعزّز منزلة القاضي ويمنحه مكانة رفيعة لديه ، حتّى أوّلاً: لا يتمكّن أحد من فرض آرائه وإرادته عليه ، وثانياً: لا يطمع فيه أحد أبداً ، وثالثاً: لا يحقّ لأحد سوى الحاكم عزله عن منصبه ، ورابعاً: لا يجرأ أحد على الوشاية به والتواطئ عليه ، وليعلم الجميع بأنّ القاضي العادل والصالح مأمون الجانب لدى الحاكم من كلّ وشاية وسعاية .
وما إن يفرغ الإمام (عليه السلام) من استعراض وظائف الحاكم حيال القاضي العادل حتّى يؤكّد على عظم منزلة القاضي واستقرار العدل والقانون لدى الحكومة ، ثمّ يتطرّق (عليه السلام) إلى العصر الذي أعقب رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) والذي أصبح فيه الإسلام اُلعوبة بيد الأشرار وقد ارتكبوا أشنع الأفعال باسمه ، ولاسيّما الجهاز القضائي الذي جعلوه مطيّة لأطماعهم ومآربهم:


(الصفحة126)

«ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ . وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ . فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً ، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الأَشْرَارِ ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى ، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا » .

الضوابط معيار التوظيف في الحكومة لا العلاقات

إنّ من أهمّ مميّزات المجتمع الإسلامي والحكومة الإسلاميّة هي سيادة العدل واعتماد المساواة دون التمييز وتغييب الوساطة والاتّجاهات السياسية والأهواء الشخصية .
وبعبارة اُخرى: أنّ المعايير الشخصية والفئوية والعلاقات الخاصّة المعتمدة في إسناد المناصب في الحكومات غير الإسلاميّة ليس لها وجود في الحكومة الإسلاميّة ، فالمقرّرات والضوابط هي المعتمدة في النظام الإسلامي بدلاً من العلاقات والرغبات الشخصية ، وأنّ رعاية العدالة الإسلامية تقتضي اعتماد الخصال الإسلاميّة والامتيازات الخلقية في توزيع المناصب ، بحيث يشغل كلّ فرد المنصب الذي تؤهّله إليه كفاءته وجدارته وعلمه و تقواه وورعه .
ولذلك يرى الإمام (عليه السلام) أنّ الوالي الناصح مَن يعتمد العدل والحقّ في توزيع المسؤوليات وألاّ يسندها إلاّ بعد تعريض الفرد للامتحان والاختبار . ولذلك يطالب مالكاً باعتماد الملاكات الإسلاميّة في استعمال الأفراد بعيداً عن كافّة أشكال المحاباة والمجاملات .
أمّا الملاكات المعتبرة من وجهة نظر الإمام (عليه السلام) فيمكن إيجازها في مايلي:
1 ـ التجربة والاختصاص والتعايش مع القضايا والمشاكل .


(الصفحة127)

2 ـ النجابة والعفّة والحياء وصون النفس عن الرذيلة والفحشاء .
3 ـ الترعرع على التقوى والورع والفضيلة في البيوتات الصالحة وعدم النشوء في أجواء الفساد والانحراف والجور والخيانة .
4 ـ امتلاكه للسابقة الحسنة في الإسلام بما يجعله يتقدّم على غيره ، أي يكون ممّن تعايش مع الإسلام قبل تنامي شوكته واتّساع نطاقه ، لا من أولئك الذين اعتنقوه عندما أصبح أمراً واقعاً إرضاءاً لنزواتهم وأطماعهم في الثروة والجاه .
5 ـ أن يكون من الشخصيات الذين جهدوا في صون نفوسهم وتهذيب أرواحهم وبعدوا عن الزلاّت والعثرات .
6 ـ أن يكون ممّن له القدرة على الإدارة وبُعد النظر ، ومن أهل التدبّر والتأمّل في مختلف الأُمور .
7 ـ أن يكون عالي الهمّة بعيداً عن مطامع الدنيا وحطامها وزخرفها .
وفي ذات الوقت وضمن الإشارة إلى خصائص الولاة والعمّال ، يبيّن (عليه السلام)مسؤوليات الحاكم في انتخاب مثل هؤلاء الأفراد ، التي منها:
1 ـ أن يعرض ولاته وعمّاله للاختبار والامتحان .
2 ـ ألاّ يعتمد آراءه الشخصية والأثرة بما يعتقد في انتخاب الولاة ، وعليه استشارة الآخرين واحترام آرائهم .
3 ـ أن يمنح ولاته الفرصة التي يعبّرون فيها عن كفاءتهم وأهليّتهم .
4 ـ ألاّ يسند المناصب للأفراد على ضوء رغبته وعلاقاته الشخصية أو إثر صفة توسّمها في فرد قد لا يكون جديراً بذلك المنصب .
وأخيراً يذكّر (عليه السلام) بأنّ عدم اعتماد مثل هذه المعايير والملاكات في الوظائف لاتكون له نتيجة سوى شيوع الظلم والاضطهاد والخيانة:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً ،

(الصفحة128)

فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ ، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالْقَدَمِ فِي الإِسْلامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاقاً ، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً ، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً ، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُمُورِ نَظَراً» .

تلبية الحاجات المادّية لموظّفي الحكومة

لقد بحثنا هذه القضية سابقاً وقلنا: إنّ الإسلام بصفته مدرسة إنسانية عظمى وديناً إلهيّاً واقعياً قد أولى أهمّية قصوى لتغطية الحاجات المادّية للأفراد وضرورة تلبيتها وإشباعها ، حتّى وضع بعض المقرّرات والضوابط بهذا الخصوص .
ولذلك يؤكّد الإمام (عليه السلام) على ضرورة معالجة الأُمور المادّية وإشباع حاجات عمّال الدولة ، الأمر الذي يعدّ من الأركان المهمّة لإدارة شؤون البلاد ، كما يشكّل العامل الأساسي في الحيلولة دون خيانة العمّال وتطاولهم على بيت المال وتعاطي الرشوة وبالتالي هضم الحقوق وتصدّع النظام .
ثمّ يحذِّر (عليه السلام) بأنّ عدم تلبية هذه الحاجات سيدفع بالأفراد المغرضين لاتّخاذ ذلك ذريعة من أجل مقارفة السرقة والرشوة والتعدّي على أموال الآخرين ، وبالتالي تضيع العفّة والأمانة ، آنذاك تزول حجّة الوالي على الرعيّة والعمّال ، فهم يبرّرون السرقة والخيانة بوقوعهم تحت طائلة الحاجة ، فيلقوا بالمسؤولية على الوالي:
«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأَرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاحِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغِنَىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ» .


(الصفحة129)


دور الحاكم في الإشراف على أعمال الولاة

لا تقتصر وظيفة الحاكم على انتخاب العمّال والولاة ومعالجة مشاكلهم المادّية وتلبية حاجاتهم ، بل عليه أن يراقب عن كثب سير أعمالهم وقيامهم بمهامّهم . فيجب عليه التحرّي عن كيفيّة قيام الولاة والعمّال بوظائفهم واُسلوب معاملتهم للرعية ، والتأكّد من صحّة وعدم صحّة ما يصله من تقارير بشأن حسن سير الاُمور ، والوقوف على صدق الشكاوى التي تتقدّم بها الرعية ضدّ العمّال من كذبها وما إلى ذلك من أمور .
فلو لم يمارس الحاكم هذه الوظيفة ، لا يستبعد أن يستغلّ بعض الأفراد مناصبهم ومسؤولياتهم فيما رسوا ألوان الظلم والعدوان على الأُمّة فيشيعوا الفساد والاضطهاد بما يجعل الأُمّة تسيء الظنّ بالحكومة ، الأمر الذي يؤدّي إلى انهيارها وسقوطها ، إلى جانب تصدّع كيان المجتمع وتمزّق عراه .
وعليه وبغية الحيلولة دون هذا الأمر تتأتّى ضرورة الإشراف الدقيق والمستمرّ على فعّاليات وأنشطة عمّال الدولة ، ولا يتحقّق هذا الهدف إلاّ من خلال تشكيل جهاز إشراف وتحرّي يتّصف بالصدق والأمانة ، ليرفع التقارير الموثّقة بشأن الولاة والعمّال ، وهذه إحدى وظائف الحاكم الإسلامي .
ومن الطبيعي أن يكون كادر هذا الجهاز من الأفراد المعروفين بالورع والتقوى والصدق والأمانة ومن المعتمدين لدى الحاكم ، حيث لابدّ من وثوقه بصحّة أخبارهم وتقاريرهم التي لا يشوبها أدنى كذب أو افتراء ، ولا يقصدون في تحرّيهم ورفعهم لهذه التقارير سوى خدمة الإسلام والمسلمين والحكومة الإسلاميّة .


(الصفحة130)

يصطلح الإسلام على مثل هؤلاء الأفراد الذين يمارسون مهمّة الإشراف والتحرّي بـ «العيون» والحقّ أنّه اسم على مسمّى ، فالحكومة عمياء إذا ما افتقرت لهذا الجهاز الدقيق والموثوق; ولذلك يأمر الإمام (عليه السلام) واليه ببعث هذه العيون سرّاً في مختلف مناطق البلاد; لأنّ المراقبة السرّية تدفع بالعمّال إلى الأمانة واجتناب الخيانة والاستغلال من جانب ، وتحثّهم على الرأفة والشفقة بالأُمّة والإسراع في إنجاز أعمالها من جانب آخر .
كما يؤكّد (عليه السلام) على وجوب ثقة الحاكم بعيونه ، فيرى أخبارهم حجّة ينبغي ترتيب الأثر عليها; إذ لو شعر العيون بريبة الحاكم في تقاريرهم التي تتضمن عيوب الولاة ومفاسدهم ، وعدم التعامل معها ، فسوف لن يعد هناك مَن يكترث لجهاز المراقبة والإشراف ، ويفتح الباب على مصراعيه أمام المغرضين ليرتكبوا ما شاءوا من المفاسد حتّى يقضوا على النظام السائد في المجتمع ، ولذلك يوصي (عليه السلام) بكفاية الوثوق بالتقارير السرّية التي يرفعها العيون والتي تؤيّد فساد وخيانة بعض العمّال وإن كانوا من أقرب مقرّبي الوالي .
ثمّ يوضّح (عليه السلام) كيفيّة مجابهة الخائن إذا ثبت جرمه ، فيقول: أبسط على الخائن العقوبة ، وأقم عليه الحدّ دون زيادة أو نقيصة ، ثمّ انصبه بمقام المذلّة ، وسِمْهُ بالخيانة ، وقلِّده عار التهمة; ليكون عبرة للآخرين ، ورادعاً لهم عن الخيانة والفساد .
الجدير بالذكر في كلام الإمام (عليه السلام)أنّه قدّم الأجوبة مسبقاً لكلّ سؤال يمكن طرحه بشأن الاعتماد على العيون . نعم ، إذا كانت هنالك بعض التقارير الكاذبة رغم الدقّة في انتخاب العيون فما معنى الثقة التامّة بهم؟
لابدّ من الالتفات إلى أنّ الإمام (عليه السلام)وضمن تأكيده على الدقّة في انتخاب العيون والوثوق بسلامتهم الروحية ومكارمهم الخلقية فإنّه يدعو الولاة أيضاً إلى

(الصفحة131)

متابعة سير الأعمال من مختلف الطرق والقنوات ، بحيث يزول شكّه في صحّة ما يرده من تقارير إذا وردت من عدّة قنوات .
ومعنى هذا الكلام أنّه ورغم توفّر كافّة الشرائط المعتمدة في انتخاب العيون فإنّ التقرير بمفرده ليس بحجّة هذا أوّلاً ، وثانياً: إذا لم يكن هناك من اتّفاق ووحدة رأي في تقرير فلابدّ من القيام بمزيد من التحقيق والتحرّي .
وبغضّ النظر عن ذلك فإنّ التقرير الكاذب لأحد العيون بمثابة الخيانة واستغلال المنصب الحكومي ، والذي يجابه بأشدّ العقوبات والفضيحة أمام الملأ:
«ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ . وَتَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً ، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ» .

أهمّية الزراعة والمفهوم الاصطلاحي للخراج

لم يكن للصناعة في صدر الإسلام من دور في الآلية الاقتصادية ، بسبب ضعفها ومحدوديّتها ، إلى جانب ضعف التجارة نتيجة انعدام المواصلات والطرق التجارية وعدم توفّر الغطاء الأمني ، الأمر الذي جعل الاقتصاد يعتمد بالمرّة على الأراضي الزراعية والمحاصيل المستخرجة منها; ولذلك كانت «الضرائب» مقتصرة على الأراضي والمحاصيل الزراعية .
ويصطلح فقهياً بالخراج والمقاسمة على هذه الضرائب ، فإذا عيّنت الحكومة

(الصفحة132)

مقداراً معيّناً من الأرض مثل ثلثها أو نصفها ـ كضرائب أُطلق عليها اسم «المقاسمة» ، وإذا عيّنت بصورة قطعية ـ مثلاً مائتي درهم لكلّ هكتار ـ سمّيت «خراجاً» كما يطلق «أهل الخراج» على الأفراد الذين يؤدّون الخراج والمقاسمة .
ولنرى الآن أهمّية الزراعة ودورها في المسيرة التكاملية الاقتصادية للمجتمع بعد أن اتّضح لدينا المفهوم الاصطلاحي للخراج ، فأغلب الأفراد الذين يعيشون في المدينة وقد تطبّعوا على أساليبها إنّما هم أفراد مستهلكون ـ وكلّما كانوا أكثر رفاهية كانوا أكثر استهلاكاً ـ يغطّون حاجاتهم من خلال ما ينتجه المزارعون ، بينما لا طاقة إنتاجية لهم ، فإذا نشط المزارعون ونهضوا بمحاصيلهم الزراعية فإنّ ذلك يؤدّي إلى ضمان حاجات أهل المدينة ، وإلاّ عجز أهل المدن حتّى عن إعداد حاجتهم من المواد الأوّلية; ولذلك فإنّ قيمة المزارع باقية لكونه الضامن على الدوام لحاجة الأفراد .
من جانب آخر فإنّ أهل المدن لا يؤمّنون حاجاتهم بصورة مباشرة دون واسطة ، بل يعتمدون على التجّار والوسطاء وسائر العناصر العاملة التي تشتري بدورها فائض المنتجات الحيوانية والنباتية من المزارعين .
وبالطبع فإنّ المزارعين إنّما يوفّرون أدواتهم المنزلية من قبيل الملبس ووسائل العمل وسائر الحاجات من خلال الأموال التي يحصلون عليها من بيع منتجاتهم ومحاصيلهم الزراعية .
ومن شأن هذه المقايضة أن تؤدّي إلى ازدهار وتطوّر اقتصاد المجتمع ، وكلّ ذلك يرتكز على أنشطة المزارعين; ولذلك فإنّ أيّ تعثّر تتعرّض له أنشطة المزارعين فإنّه يمتدّ إلى كافّة مرافق المجتمع ، الأمر الذي يؤدّي إلى شلل العملية الاقتصادية وتهديدها بالزوال والانهيار:
«وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ; فَإِنَّ فِي صَلاحِهِ وَ صَلاحِهِمْ صَلاحاً

(الصفحة133)

لِمَنْ سِوَاهُمْ ، وَلاَ صَلاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاّ بِهِمْ ، لأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ» .

الدولة والتنمية الزراعية

إذا أرادت الدولة أن تعوّل على الضرائب والخراج فإنّ عليها أن تعدّ مقدّماتها وتمهّد السبيل أمامها ، وذلك من خلال تقديم العون للمزارعين في توفير المياه وتنظيم عمليات السقي وشقّ الأنهار والتُرع وحفر الآبار وإيجاد السدود وشقّ الطرق بين الأراضي الزراعية ، وفي هذه الحالة يحقّ للدولة أن تتوقّع جباية الخراج ، وإلاّ فلو اُصيب القطّاع الزراعي بالشلل وتعذّر على المزارعين تأمين معاشهم وحاجاتهم عن طريق الزراعة ، فإنّ فرض الضرائب على الاُمّة سيستنزف جهودها ويحمّلها فوق طاقتها ، الأمر الذي يثير سخطها وغضبها ، وبالتالي ستندفع البلاد إلى حالة من الفوضى وعدم الأمن وسقوط الدولة; ولذلك يوصي الإمام (عليه السلام)عامله بالتركيز على العمارة قبل التفكير في الضرائب ، فيقول (عليه السلام):
«وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلابِ الْخَرَاجِ ، لأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاّ بِالْعِمَارَةِ ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلادَ ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاّ قَلِيلاً» .


(الصفحة134)


تخفيف الضرائب

تعتبر الطبقة الفلاّحية من أجهد الطبقات وأكثرها عَناءً ، فحياتهم مرهونة بالعوامل والظواهر الطبيعية ، ولعلّ أدنى إهمال لهذه الحوادث الطبيعية والظواهر الصعبة قد يؤدّي إلى أضرار بالغة . وهذا بدوره يجعل الفلاّح يركّز جُلَّ تفكيره طيلة ليله ونهاره من عامه وفي جميع الأحوال ويقضي أوقاته في أرضه ومزرعته دون أدنى غفلة ، بخلاف سائر الطبقات التي تتعامل حسبما تريد مع عملها . فإذا كانت طبيعة عمله بهذه الصعوبة والتعقيد وجب أن يكون مستواه المعاشي ومقدار دخله يتناسب وتلك الحالة ، ليشعر الفلاّح أنّ ثمرة جهوده لاتذهب إلى غيره ، بينما هو الذي يتحمّل أعباءها ، وبالتالي لا ينبغي أن يشعر بظلمه من قبل الآخرين واستغلالهم لجهوده ، بل إنّ الأرض له وملكه وليس لكائن مَن كان أن يجرّده منها ويسلبها عنه .
إلى جانب ذلك لابدّ من الاهتمام بآرائه ومقترحاته بشأن الأرض والزراعة والثمر ، فلو شعر بأنّ الضرائب تفوق دخله ، أو هجمت على محاصيله بعض الآفات الزراعية بحيث يرى نفسه عاجزاً عن أداء الخراج ، وجب على عمّال الدولة أن يُدركوا مشكلاته ويخفّفوا عنه عبء الضرائب والخراج ، أو يتنازلوا عنها تماماً; لأنّ الحدّ من الخراج والضرائب ـ عند حاجة المزارعين ـ يختزن عدّة فوائد تعود على الدولة .
إضافة إلى ذلك فإنّه يبعث الأمل في قلوب المزارعين ، ويثير فيهم الرضى والسرور بما يدفعهم ـ وهم يشكّلون غالبية أفراد المجتمع ـ للتضامن مع الدولة وشدّ أزرها حين الحاجة وحلول الأزمة; ولذلك قال (عليه السلام):


(الصفحة135)

«فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً ، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ . وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ ، وَتَزْيِينِ وِلايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ . فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ » .

نتائج تجاهل المزارعين
نفهم من كلام الإمام علي (عليه السلام) أنّه إذا فرضت على المزارعين ما يثقل كاهلهم من الضرائب ، وتقاعست الدولة عن إعمار الأراضي الزراعية ، وأهملت القطّاع الزراعي ، فإنّ ذلك سيدفع بالمزارعين لأن يشعروا بأنّهم لا يعملون لأجل أنفسهم وضمان معاشهم وأنّهم لا يحصلون على الدخل الذي يتناسب وحجم جهودهم ، وأنّ الآخرين هم الذين يستثمرونهم ويستفيدون من طاقاتهم .
ولا شكّ في أنّ مثل هذا الشعور سيؤدّي بالمزارعين إلى الكذب والخداع والتهريب والسرقة لتأمين متطلّبات حياتهم ، الأمر الذي يدفعهم إلى الجريمة والجناية ، وربما أصبحوا قطّاع طرق يكمنون في طريق الإنسانية .
أمّا الأثر الآخر الذي ستفرزه هذه الأوضاع هو الهجرة التي تلجأ إليها القوى الفاعلة من شباب القرى بغية التمتّع بحياة المدينة ، وليس أمامهم سوى أن يتحوّلوا إلى باعة في الطرق إلى جانب التلوّث بالرذيلة والفساد ، الأمر الذي يؤدّي في خاتمة المطاف إلى تصدّع كيان الدولة .


(الصفحة136)


عوامل سقوط الحكومة وانحطاطها

يرى الإمام علي (عليه السلام) أن هنالك ثلاثة عوامل تؤدّي إلى انحطاط الدولة وسقوطها:
1 ـ روحية التكاثر وجمع الأموال لدى مسؤولي الدولة .
2 ـ سوء الظنّ والتشاؤم ببقاء الدولة وديمومتها .
3 ـ عدم الاعتبار بالعبر والتجارب السابقة .
إنّ ساسة البلاد إنّما يقودون الدولة إلى الانحطاط والسقوط إذا لم يثقوا ببقاء الدولة وديمومتها وتصوّروا بأنّها زائلة ، واتّجهوا صوب التكاثر وجمع الثروة وولّوا ظهورهم للعبر ولم يتّعظوا بها . فالواقع أنّه لن يكتب البقاء لمثل هذه الدولة وسيُسحب البساط من تحتها ، وهي زائلة شاءت أم أبت .
«وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا ، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاةِ عَلَى الْجَمْعِ ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ» .


(الصفحة137)


أفضل المعايير في اختيار موظّفي الدولة

إنّ إقامة العدل والقسط في ربوع المجتمع وإيصال الأُمّة الإسلاميّة إلى الاعتدال يعدّ من الأهداف الرئيسية للإسلام ، فاذا أراد الوالي أن يراعي العدل ـ ولابدّ له من ذلك ـ في انتخاب معاونيه ، وجب عليه أن يختار أحسن الأفراد من حيث الأخلاق ، أي الفرد المتخلّق بأخلاق الله . ومن الواضح أنّ الفرد المتخلّق باخلاق الله يتّصف بالصفات الآتية; إنّه:
* مفكِّر وعالم .
* أمين .
* عليم .
* دقيق في العمل .
* مبدع .
* أديب وسمح .
* يحبّ الصالحين ويبغض الطالحين والظالمين .
* متواضع .

وخلاصة القول يتّصف بالفضائل التي أشار إليها الإمام علي (عليه السلام):
«ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الأَخْلَاقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلأ ، وَلاَتَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ ، وفِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ ، وَلاَ يَعْجِزُ

(الصفحة138)

عَنْ إِطْلاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الأُمُورِ ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ» .

حسن الخدمة والمعرفة الشخصية لا تكفيان

قلنا بأنّ أفضل انتخاب يراه الإمام (عليه السلام) هو ذلك القائم على أساس الخُلق الإلهي ، فما أن يفرغ الإمام (عليه السلام) من بيان ذلك حتّى يتعرّض لقضية اُخرى ، فيكشف النقاب بفطنته الربّانية عن سرّ متجذّر في الإنسان ونابع من تركيبته المعقّدة فكلّنا يعلم بأنّ الأفراد الذين يتولّون الاُمور يكثر ويزداد عدد الأصدقاء لهم ، والعجيب أنّ أغلب هذا النوع من الأصدقاء يتمتّع ظاهرياً بالأخلاق الحسنة .
نعم ، فقد يطالعوننا أحياناً بلباس الزهّاد والعبّاد ، واُخرى يتحدّثون عن الشجاعة والبسالة ليسخروا من بسالة إسفنديار ورستم . يحسبون أنّهم أكرم من حاتم الطائي تارة ، وتارة اُخرى يتصوّرون أنفسهم من جهابذة علماء القرن . والحال أنّ هذه الاُمور ليست إلاّ حركات مصطنعة وألاعيب ساذجة يرومون من خلالها إلفات انتباه مصادر القرار من المتصدِّين بغية الأخذ بزمام الاُمور .
ولذلك يوصي الإمام (عليه السلام)مالكاً بعدم اعتماد المعرفة الشخصية كملاك للانتخاب ، ولابدّ من رعاية الاُمور الآتية:
«ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالأَمَانَةِ شَيْءٌ . وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ ، فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَةِ وَجْهاً ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ» .


(الصفحة139)


توزيع الأعمال وتعيين المسؤول

قلنا سابقاً: إنّ تقييم الأعمال وفصل السلطات يعدّ من أهمّ مهامّ الحاكم الإسلامي . إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) وضمن ذكره لتوزيع الأعمال فإنّه يوصي مالكاً بنصب مسؤول لكلّ عمل من الأعمال ، ثمّ يتطرّق لخصائصه ، فيقول (عليه السلام):
«وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ ، لاَيَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا ، وَلاَيَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا ، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ» .

التجّار والصنّاع والعمّال

إذا كانت التجارة وسيلة لرقيّ الحياة وتأمين متطلّبات الإنسان وتنظيم أوضاع الناس وإرشادهم إلى الطريق الحقّ والسبيل الاُخروي ، فإنّها ممدوحة مطلوبة في الإسلام ، أمّا إذا كانت هدفاً في الحياة من أجل جمع الثروة وجسراً للتفاخر والعلوّ على الآخرين ، فإنّها مذمومة ممقوتة في الإسلام ، وهي مصدر شقاء الإنسان وبؤسه .
والمراد بالتجّار وذوي الصناعة ـ في كلام الإمام (عليه السلام) الذي سيأتينا قريباً ـ هم أولئك الصنف الذين لا يرون التجارة والصناعة هدفاً في الحياة ، بل هي وسيلة لتأمين المعاش وتنظيم شؤون المجتمع والنهوض بالمسيرة الإنسانية ، فالإسلام يُكبر التجارة على هذا الأساس ، حتّى أنّه بشّر مثل هؤلاء التجّار بأنّهم في مصافّ الشهداء والصدِّيقين في الآخرة . فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الخصوص:

(الصفحة140)

«البركة عشرة أجزاء ، تسعة أعشارها في التجارة»(1) .
«التاجر الصدوق يُحشر يوم القيامة مع الصدِّيقين والشهداء»(2) .
وقال الصادق (عليه السلام): «التجارة تزيد في العقل»(3) «ترك التجارة ينقص العقل»(4) .
«تعرّضوا للتجارة فإنّ لكم فيها غنى في أيدي الناس»(5) وهذا ما خاطب به علي (عليه السلام) مالكاً:
«ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ ، وَجُلاّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ ، وَسَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ ، وَحَيْثُ لاَيَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا ، وَلاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ ، وَصُلْحٌ لاَتُخْشَى غَائِلَتُهُ ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلادِكَ» .

حدود التجارة

في الوقت الذي يؤمن فيه الإسلام بحرّية التجارة ويثني على التجّار ، لكنّه يعتقد بالنفع المتوازن لها ، وقد أطّرها بآداب خاصة ، ثمّ طالب التجّار بضرورة التفقّه قائلاً: «الفقه ثمّ المتجر» حتّى لا تقود تجارتهم إلى فساد المجتمع وعدم تورّطهم في الحرام .


1 . الخصال: 445 ح44 ، البحار: 103 / 4 ح13 .
2 . إحياء علوم الدين: 2 / 102 .
3 ، 4. الكافي: 5 / 148 ح2 و 1 .
5 . الكافي: 5 / 149 ح9 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>