جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


الصفحة 241

حكم منه الذي هو إنشاء خاصّ ; لعدم فرضه في الحديث ، وإنّما المفروض مجرّد قيام الشهود لديه وصدور الأمر منه ، وهو غير الحكم بالضرورة ، وهذه الإطاعة خاصّة بمن هو إمام بقول مطلق ، ولم ينهض دليل على إثبات هذه الولاية المطلقة لغيره من الفقهاء في عصر الغيبة ، بعد انحصار وجوب الإطاعة بعنوان الإمام بمعناه المعهود عند المتشرّعة ، فالرواية خاصّة بالإمام وإن كان التطبيق محمولاً على التقيّة أحياناً ، ولا مساس للصحيحة بنفوذ حكم الحاكم والمجتهد الجامع للشرائط (1).

وأنت خبير بأنّه لا ظهور في الرواية في وجوب إطاعة الإمام حتّى يقال بأنّ المراد منه هو الإمام المطلق ـ الذي هو من مصاديق اُولي الأمر في الآية الشريفة المعروفة (2) ـ بل الغرض الأصلي من الرواية بيان أمرين :

الأوّل : كفاية مضيّ ثلاثين يوماً من الهلال الذي قد رأياه الشاهدان قبلاً .

والثاني : التفصيل بين قبل الزوال وبعده في الصلاة، كما ذكرنا .

نعم ، لا ينبغي الإغماض عن أنّ المفروغ عنه في الرواية كون أمر الإفطار بيد الإمام ، وأمّا الإمام الآمر بذلك من هو ؟ فلا دلالة للرواية عليه وليست بصدد بيانه ، ويؤيّده أنّ ظاهر الرواية وجوب الأمر على الإمام في الصورة المفروضة فيها، ولامجال لإيجاب حكم على الإمام المعصوم (عليه السلام) من ناحية إمام آخر، فالمرادمن الإمام من كان متصدّياً لهذه المسائل من الاُمّة ، غاية الأمر عدم دلالة الرواية على مورد تحقّقه ، فإذا قلنا بثبوت ولاية الفقيه كما لابدّ من البحث عنها في محلّها ، فلابدّ من الالتزام بجواز الحكم المزبور للوليّ الفقيه ; لوجود هذه المزيّة في المعصوم بلا كلام .



(1) المستند في شرح العروة 22 : 80 ـ 81 .
(2) سورة النساء 4 : 59 .


الصفحة 242

نعم ، لابدّ لاستفادة الولاية للفقيه من الاستناد إلى دليل آخر غير هذه الرواية ، والذي ينبغي بل لابدّ وأن يلاحظ في الرواية أنّ أمر الإفطار والصيام لم يكن بأيدي الأئـمّة (عليهم السلام) أصلاً ، فهذا دليل على أنّ الرواية ليست ناظرة إلى هذا المعنى . وكيف كان، فدعوى كونها غير ناهضة لحكم المقام أمر ، وكونها ظاهرة فيما أفاد أمر آخر ، ولا ارتباط بينهما في النفي والإثبات .

ومنها : ما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام ، عن محمد بن يعقوب ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل اُشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)  : أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ; فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم . . .إلخ(1). نظراً إلى أنّ أمر الهلال، خصوصاً في شهر رمضان وفي شهر ذي الحجّة من الحوادث الواقعة ، فاللازم الرجوع فيه إلى رواة الحديث الذين هم الفقهاء والمجتهدون ، فقولهم حجّة على الاُمّة بمقتضى الرواية الدالّة على أنّ حجّة الله جعلهم حجّة على الناس .

وقد نوقش في الرواية سنداً ودلالة :

أمّا السند : فلجهالة ابن عصام ، وكذا إسحاق بن يعقوب المدّعي لرؤية خطّ الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف .

وأمّا الدلالة : فلإجمال المراد من الحوادث الواقعة الواردة في الرواية ; لجريان



(1) كمال الدين : 484 ب 45 قطعة من ح4 ، غيبة الطوسي : 291 قطعة من ح 247 ، الاحتجاج 2 : 543، الرقم 344، وعنها وسائل الشيعة 27 : 140 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح9.


الصفحة 243

احتمالات فيه :

الأوّل : موارد الشبهات الحكميّة ; وهي الاُمور التي تتّفق خارجاً ولم يعلم حكمها ، كما لو مات زيد وله ثياب أو مصاحف عديدة ولم يعلم أنّ الحبوة هل تختصّ بواحد منها أو تشمل الكلّ ؟ ونحو ذلك ، وقد أمر على هذا التقدير بالرجوع إلى الرواة ، فتكون الرواية حينئذ من أدلّة حجّيّة الخبر لو كان المراد هو الراوي ، أو من أدلّة حجّية الفتوى لو كان المراد هو المجتهد . وعلى التقديرين لا ارتباط للرواية بالمقام ; فإنّ غاية مدلولها لزوم رجوع الجاهل إلى العالم والسؤال عن الحكم ، ومن الواضح أنّ في زمانهم (عليهم السلام) ، وحتى ما بعده بقليل، كان المرجع للسؤال في هذه الشبهات عند تعذّر الوصول الى الإمام (عليه السلام) أو تعسّره، هم رواة الأحاديث .

الثاني : الشبهات الموضوعيّة الواقعة مورد النزاع والخصومة والمطروحة في باب القضاء ، فتكون الرواية حينئذ من أدلّة نفوذ القضاء ، ويبعّد هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى بعده في نفسه ـ أمران :

أحدهما : أ نّه لو كان المراد هذا الاحتمال لقال : فارجعوها ، بدل قوله (عليه السلام)  : «فارجعوا فيها» .

ثانيهما : أ نّه لا مدخل للراوي بما هو راو في مسألة القضاء ; لعدم كونها من شؤونه ، مع أنّ ظاهر الرواية الدخالة .

الثالث : مطلق الحوادث التي منها ثبوت الهلال الذي هو محلّ البحث في المقام .

ثمّ قال المناقش ما حاصله : إنّ هذا الاحتمال هو مبنى الاستدلال، ولكنّه لا مقتضي له بعدوجود الطرق الشرعيّة المتعدّدة لاستعلام الهلال، كالاُمور الخمسة المتقدّمة، ومن الواضح أنّ الأمر بالرجوع إنّما هو فيما لو كان الإمام (عليه السلام) حاضراً وكان الوصول إليه ممكناً، ومسألة الهلال لاتكون كذلك; فإنّه لاتجب فيهامراجعة الإمام (عليه السلام)


الصفحة 244

بوجه ، ولم يعهدذلك في عصر أحدمن الأئـمّة (عليهم السلام) حتى أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمان خلافته الظاهريّة ، فمحصّل الرواية وجوب الرجوع إلى الفقيه فيما يجب فيه الرجوع إلى الإمام (عليه السلام)  ، ولا دلالة فيها على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الشاملة للمقام(1) .

أقول : إن كان المقصود من وجود الطرق الشرعيّة السابقة لاستعلام حال الهلال، وجودها بالإضافة إلى الشيعة ، فهم كأئـمّتهم (عليهم السلام) كانوا مجبورين بإطاعة قضاة الناس والمشاكلة معهم في الأمر المربوط بالصيام والإفطار ، وببالي أنّ في الرواية ـ التي ذكرها الشيخ الأعظم (قدس سره) ـ قوله (عليه السلام)  : «لئن أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي(2)»(3) .

وإن كان المقصود وجود تلك الطرق لغير الشيعة أيضاً ، فيدفعه أوّلاً : أنّه غير معلوم . وثانياً : أنّه مع وجودها كيف يلزمون أنفسهم بالتبعيّة لحكّامهم في هذه الجهة ، مع أنّه من الواضح ثبوت التبعيّة عندهم ، وهذا يشعر بل يدلّ على ثبوت هذا الحقّ بالإضافة إلى حكّام الشيعة .

وأمّا وجه عدم المعهوديّة في زمن الأئـمّة (عليهم السلام) ، ففي غير زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فواضح ; لما عرفت ، وأمّا في زمان المولى وخلافته الظاهريّة ـ فمضافاً إلى قلّة مدّتها ، وابتلائه في جلّها بالحروب المعروفة ـ يدفعه عدم المعلوميّة ، ومن المحتمل رجوع الناس إلى ذاته المقدّسة وشخصه الشريف ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ سيرة المتشرّعة الثابتة في هذه الأزمنه من الرجوع إلى مراجعهم في هذا الأمر ، كان أصلها



(1) المستند في شرح العروة 22 : 82 ـ 84 .
(2) الكافي 4 : 83 ح 9 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 132 ، كتاب الصوم ، أبواب مايمسك عنه الصائم ب 57 ح4 ، ولفظ «لئن» ليس بموجود فيهما.
(3) كتاب الصوم للشيخ الأنصاري : 86 .


الصفحة 245

ما هو المتداول من السابق ومعهوداً من زمن أمير المؤمنين (عليه السلام)  .

ويؤيّد الاحتمال الثالث عموم «الحوادث الواقعة» في الرواية باعتبار كونها جمعاً محلّى باللام ، مع أنّ إطلاق كلمة «الحادثة» ـ الدالّة على وجود أمر جديد وشيء لم  يكن قبلاً ـ على الشبهة الحكميّة وعلى الشبهات الموضوعيّة في باب التنازع والتخاصم محلّ نظر ، بل منع ، وإطلاقها على الهلال الذي يترتّب عليه آثار مهمّة، خصوصاً بالإضافة إلى الشهرين ، فالظاهر الصحّة ، سيّما مع ملاحظة ما ذكرنا من تبعيّة الناس لحكّامهم في ذلك ، فالإنصاف تماميّة دلالة الرواية وإن كان بحث ولاية الفقيه يحتاج إلى نطاق أوسع .

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ، المشتملة على قوله (عليه السلام)  : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا رادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله... الحديث(1) .

ونوقش(2) فيها أيضاً بضعف السند والدلالة :

أمّا ضعف السند: فلأ نّه وإن تلقّاها الأصحاب بالقبول ووسمت بالمقبولة ، إلاّ أنّه لم تثبت وثاقة ابن حنظلة وإن وردت فيه رواية(3) ظاهرة في أنّه في أعلى مراتب



(1) الكافي 1 : 67 ح10 ، تهذيب الأحكام 6 : 301 ح 845 ، الاحتجاج 2 : 260، الرقم 232 ، وعنها وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1 .
(2) المناقش هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 84 ـ 86 .
(3) الكافي 3: 275 ح 1 ، تهذيب الأحكام 2: 20 ح 56، وعنهما وسائل الشيعة 4 : 133 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ب 5 ح 6 و ص 156 ب10 ح1 .


الصفحة 246

التوثيق ، لكنّ الرواية ضعيفة من حيث السند في نفسها .

ولكنّ الظاهر أنّ المناقشة في سندها إنّما هو لأجل وجود مبنى عدم انجبار الضعف بالشهرة ، وإلاّ فعلى مبنى الانجبار ـ كما هو المختار ـ لابدّ من الاختيار كما وصفت بالمقبولة .

وأمّا من حيث الدلالة : فلما قيل : من أنّ دلالتها تتوقّف على مقدّمتين :

وحاصل الاُولى : أنّ دلالة المقبولة على جعل منصب القضاء في زمن الغيبة بل الحضور وإن كانت ثابتة بل واضحة ، خصوصاً مع ملاحظة التعبيرات التي فيها ، إلاّ أنّ المنصب المزبور يختصّ بمورد التنازع المفروض في صدر الحديث ، وإن كان في أمر يرجع إلى الهلال، كما إذا تمتّع بامرأة إلى الشهر ، فوقع الاختلاف في الانقضاء وعدمه من جهة رؤية الهلال وعدمها ، فترافعا عند الحاكم وقضى بالهلال ; فإنّ حكمه حينئذ نافذ بلا إشكال ، وأمّا نفوذ حكمه حتى في غير مورد الترافع ـ كما هو البحث في المقام ـ فلا دلالة للمقبولة عليه أصلاً .

وحاصل الثانية : أنّ وظيفة القضاة لم تكن مقصورة على ختم المنازعات فقط ، بل كان المتعارف لدى قضاة العامّة التدخّل في جميع الشؤون التي تبتلي بها العامّة ، ومنها: التعرّض لأمر الهلال والتصدّي للحكم بالرؤية أو بعدمها ، فإذا كان هذا من شؤون قضاة العامّة وثبت نصب الإمام قاضياً ، فبطبيعة الحال يثبت له جميع تلك المناصب . ولكنّك خبير بأنّ هذه المقدّمة أيضاً غير بيّنة ولا مبيّنة ; لعدم كونها من الواضحات ; فإنّ مجرّد التصدّي لا يكشف عن كونه من وظائف القضاة حتّى يدلّ نصب أحد لهذا المنصب على ثبوت الجميع ، مع احتمال أنّهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم كسائر بدعهم ; لعدم ثبوت الملازمة الشرعيّة ، بل ملازمة خارجيّة محضة ، فلم يثبت بمجرّد نصب القاضي حقّ الدخالة له في هذه المرحلة .


الصفحة 247

والجواب عمّا يتعلّق بالمقدّمة الاُولى : هو أنّ مورد المقبولة وإن كانت صورة التنازع والترافع ، بل التنازع في الدين أو الميراث كما هو مورد السؤال فيها ، إلاّ أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مفادها عامّ لجميع الموارد من دون اختصاص بتلك الصورة ; فإنّ غرض الإمام (عليه السلام) بيان أمر كلّي وإعطاء الضابطة في حقّ رواة الأحاديث الناظرين في حلالهم وحرامهم ، وقد سئل فيها عن الوظيفة فيما إذا اختلف الحكّام لأجل اختلاف مستندهم ، فأجاب (عليه السلام) في هذا المجال بلزوم الرجوع إلى المرجّحات المذكورة فيها ثمّ التخيير مع عدمها ، ولذا تمسّك الفحول بالمقبولة في باب علاج المتعارضين ، بل جعلوا المقبولة في رأس الأدلّة العلاجيّة ، فراجع باب التعادل والتراجيح في علم الاُصول .

وهل يسوغ التفوّه بأنّ حكم الحاكم بالهلال في مثل المثال المذكور واجب الإطاعة دون مثل المقام الذي لا يكون فيه تنازع ؟ فهل مخالفة حكم المجتهد في هذه الصورة ليست استخفافاً بحكم الله وردّاً عليهم (عليهم السلام)  ؟ فإذا حكم بثبوت الهلال يوم الشكّ وأفطر الناس فيه لا يكون هذا استخفافاً بحكم الله ، بخلاف ما إذا حكم بنفس ذلك في مورد النزاع والاختلاف ، ولعمري أنّ هذا الفرق من الغرابة بمكان ، وبعيد جدّاً عن فهم العرف الذين هم الملاك في فهم الروايات الصادرة .

وعمّا يتعلّق بالمقدّمة الثانية : أ نّ الظاهر ثبوت هذا المنصب لقضاة العامّة على طبق موازينهم ولو كانت فاسدة عندنا وكان وجوب إطاعتهم بحيث يخاف ضرب العنق من المخالفة ، وقد أشرنا(1) إلى أنّ الأئـمّة (عليهم السلام) قد حجّوا معهم حدود مائتين سنة، ولم يصدر منهم ما يدلّ على عدم حجّية حكم قضاتهم على طبق موازينهم



(1) في ص139.


الصفحة 248

الفاسدة ، ولو لم يكن كذلك لصدر منهم ذلك غير مرّة ، والظاهر أنّ فقهاءهم لم  يتعرّضوا لعدم الحجّية طبقاً لها ، واللازم الرجوع إلى كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (قدس سره) ، أو بداية المجتهد لابن رشد القرطبي، وغيرهما من الكتب المتعرّضة لفتاويهم .

وكيف كان ، فالتأمّل في المقبولة يقضي بدلالتها على حجّية حكم الحاكم ولو في غير مورد الترافع والتخاصم كالهلال . والنقض بحكم الحاكم بالغروب ، حيث إنّه لا يكون مسوّغاً للإفطار ، بل لابدّ في جوازه من الاتّكال على الطرق الاُخرى علماً وعلميّاً ، وبدونها يجري استصحاب بقاء النهار وعدم تحقّق الغروب ، يدفعه أ نّه على تقدير تسليم ذلك يمكن أن يقال بوجود الفرق من جهات :

منها : تكرّر هذا العنوان في كلّ يوم مرّة بخلاف الهلال .

ومنها : ـ وهي العمدة ـ أ نّ رفع الشكّ في أمر الغروب لا يتوقّف على أزيد من الصبر دقائق متعدّدة ، وبعده يجوز تحقّقه ، بخلاف الهلال الذي ربّما يكون الشك فيه باقياً الى آخر الشهر ، بل إلى آخر العمر ; ولأجله لا تكون المراجعة إلى الحاكم معهودة بالإضافة إلى الغروب . فالإنصاف عدم تماميّة النقض المذكور .

بقي الكلام في طريقيّة حكم الحاكم في القيدين المذكورين في المتن ، والوجه فيه : أ نّ حجّية الأمارة إنّما هي في صورة عدم العلم بالخلاف ، فإذا علم به لا يبقى مجال لطريقيّة شيء آخر ، كما هو ظاهر .

بقي الكلام في أصل المسألة في اُمور :

الأوّل :أ نّه لا اعتبار بقول المنجّمين ـ ولو في العصر الحاضر الذي تكامل علمه وتجهّزت أسبابه ، وتكثّرت آلاته ـ في صورة عدم إفادة العلم ; وذلك لأصالة عدم


الصفحة 249

حجّية الظنّ فيما لم يثبت الدليل على اعتباره ، كما هو المحقّق في الاُصول(1) ، وفي المقام لم  يدلّ دليل على الاعتبار ، بل قام الدليل على العدم ; لتطابق النصوص على حصر الثبوت بما تقدّم من الطرق ، فقول المنجّم بما هو منجّم لا يكون معتبراً .

الثاني :أ نّه لا اعتبار بتطوّق الهلال في ثبوت كون أوّل الشهر الليلة الماضية ، ونسب إلى الصدوق أنّ الهلال إذا كان مطوّقاً ـ بأن كان النور في جميع أطراف القمر كطوق محيط به ـ فهو أمارة كونه لليلتين ، فيحكم بأنّ السابقة هي الليلة الاُولى ولو  لم ير الهلال فيها (2) ، وحكي عن صاحب الذخيرة الميل إليه فيها (3)، وعن تهذيب الشيخ (قدس سره) القول به في خصوص ما إذا كان في السماء علّة من غيم ونحوه (4).

والمستند ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن محمد بن مرازم ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث(5) . والمحكي في الجواهر عن العلاّمة في التذكرة(6) رمي السند بالضعف(7) ، مع أنّ سند الصدوق إلى محمد بن مرازم وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ سند الكليني والشيخ الطوسي إليهما ليس كذلك على ما حققّه بعض الأعلام (قدس سره)  (8) . غاية الأمر أنّ



(1) سيرى كامل در اصول فقه 10: 41 ـ 47.
(2) رياض المسائل 5 : 416 ـ 417 ، جواهر الكلام 16 : 375 ، المستند في شرح العروة 22 / 100 ـ 101 .
(3) ذخيرة المعاد : 534 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 178 ـ 179 .
(5) تهذيب الأحكام 4 : 178 ح 495 ، الاستبصار 2 : 75 ح 229 ، الكافي 4 : 78 ح 11 ، الفقيه 2 : 78 ح 342 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 281 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2 .
(6) تذكرة الفقهاء 6 : 140 ـ 141 .
(7) جواهر الكلام 16: 375.
(8) المستند في شرح العروة 22 : 101 ـ 102 .


الصفحة 250

المشهور لم يعمل بهذه الرواية ، والشيخ كما عرفت وإن أفتى بها إلاّ أنّه حملها على صورة وجود الغيم في السماء ومثله .

نعم ، ربما يقال بمعارضتها مع طائفتين من الروايات :

إحداهما :ما في الحدائق(1) من المعارضة مع الروايات الدالّة على أنّ من أفطر يوم الشكّ لا يقضيه إلاّ مع قيام البيّنة على الرؤية ، حيث إنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورة وجود التطويق وعدمه .

ثانيتهما :ما يدلّ على أنّ الصوم والإفطار لا يكونان إلاّ بالرؤية ، وقد اشتهر كما عرفت(2) : صُم للرؤية وأفطر للرؤية .

وهنا خدشة رابعة في الرواية ; وهي اشتمالها على اعتبار ظلّ الرأس فيه لثلاث ، مع أنّه لم يقل به أحد ظاهراً .

والجواب :أ مّا عن عدم عمل المشهور بالرواية ـ ولذا لم يذكروا التطويق من العلامات بوجه ـ فهو أنّ القادح في الحجّية بناءً على ما هو مقتضى التحقيق ، كما ذكرناه مراراً ، هو الإعراض ، وعدم العمل أعمّ منه ، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكر بالإضافة إلى الظلّ .

وأمّا عن المعارضة مع الطائفة الاُولى : أنّه ما المانع من حمل المطلقات فيها على صورة عدم التطوّق ، كسائر موارد حمل المطلق على المقيّد في الفقه ؟ وهو ليس بنادر بل شائع ، ويؤيّده لزوم الحمل فيما إذا ثبت هلال رمضان من غير طريق البيّنة من الطرق المتعدّدة المذكورة، غير الرؤية التي يكون مفروض الرواية عدمها ;



(1) الحدائق الناضرة 13 : 290 .
(2) في ص 234 .


الصفحة 251

لكونه يوم الشك كما لا يخفى .

وبهذا يجاب عن الطائفة الثانية ; فإنّها مطلقات ولا دلالة فيها على الحصر ، خصوصاً مع عدم التعرّض إلاّ للرؤية ، ولا مانع من تقييدها بمثل الرواية بعد اشتهار التقييد وحمل المطلق على المقيّد ، كما أ نّه لابدّ من التصرّف فيها بلحاظ الطائفة الاُخرى ; لأنّ مفادها الحصر في الرؤية ، ومفاد تلك الطائفة الحصر في أمرين ، فتدبّر .

وأمّا الخدشة الرابعة : فمدفوعة بإمكان التفكيك في الرواية وعدم العمل ببعض فقراتها ; فإنّه لا يوجب طرد الرواية رأساً ، ولذا يخطر بالبال أوّلاً لزوم العمل بالرواية في المقام والالتزام بمفادها مطلقاً من دون أيّ قيد ، كما صنعه الشيخ على ما  عرفت .

نعم ، يجري فيها احتمال أن تكون الرواية غير متعرّضة لحكم شرعيّ ، بحيث تكون في مقام بيان الحكم بطريقيّة التطويق شرعاً كسائر الطرق المتقدّمة ، بل في مقام بيان حكم تكوينيّ واقعيّ ، وأ نّ التطوّق بمقتضى القواعد الفلكية والعلوم النجوميّة يكشف عن عدم كون الليلة ليلة أوّل الشهر ، بل هي الثانية من الليالي ، والكشف فيه كشف قطعيّ بمقتضى تلك القواعد ، ويؤيّده جعل الظلّ دليلاً ; أي كاشفاً قطعيّاً عن الليلة الثالثة . وعليه : فتخرج الرواية عن مرحلة التعبّد الشرعي .

هذا ، ولكنّ الالتزام بمثل ذلك مشكل بالإضافة إلى الروايات بعد كون شأن الأئـمّة (عليهم السلام) بيان الأحكام الشرعيّة والمسائل التعبّديّة ، مع أنّ شمول أدلّة حجّية خبر الواحد للرواية على هذا التقدير مشكل ، خصوصاً على المختار من عدم اعتبار أخبار العدل الواحد في الموضوعات الخارجيّة . نعم ، لو كانت الرواية قطعيّ الصدور ، أو كان المطلب مسموعاً من شخص الإمام (عليه السلام) لما كان فيه ريب ، مع أنّ


الصفحة 252

القائلين باعتبار هذا الأمر ، إمّا مطلقاً أو مع وجود القيد المذكور ، لا يرونه إلاّ طريقاً شرعيّاً، لا كاشفاً قطعيّاً .

وبالجملة : لم ينهض دليل يطمئنّ إليه على اعتبار هذا الطريق بوجه .

الأمر الثالث :أ نّه لا اعتبار بغيبوبته بعد الشفقأيضاً في كون أوّل الشهر هي الليلة الماضية ، كما ذهب إليه بعضهم على ما حكي(1) ، خلافاً للمشهور(2) ، حيث لم  يروا ذلك من الطرق والأمارات .

والمستند ما رواه الشيخ بإسناده عن إسماعيل بن الحسن (بحر)(3) عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، ورواه الكليني بإسناده عن الصلت الخزّاز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين(4) . والظاهر كما هو المنقول عن غالب الكتب إسماعيل بن الحرّ ، وفي بعض النسخ إسماعيل بن الحسن ، وعلى أيّ فالرواية ضعيفة لجهالة إسماعيل على التقديرين ، وكذا الصلت الخزّاز على رواية الكليني .

ومع ذلك فهي معارضة برواية أبي علي ابن راشد قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكري (عليه السلام) كتاباً وأرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شكّ ، وصام أهل بغداد يوم الخميس ،



(1) المقنع : 183 .
(2) رياض المسائل 5 : 415 ـ 416 ، جواهر الكلام 16 : 365 ، مستمسك العروة 8 : 464 ، المستند في شرح العروة 22 : 92 .
(3) كذا في الوسائل 7 : 204 ح 3، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي ، وفي الطبعة الجديدة: إسماعيل بن الحرّ.
(4) تهذيب الأحكام 4 : 178 ح 494 ، الاستبصار 2 : 75 ح 228 ، الكافي 4 : 77 ح 7 و ص78 ح 12 ، الفقيه 2 : 78 ح 343 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 282 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3 .


الصفحة 253

مسألة 1 : لابدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية ، فلا تكفي الشهادة العلميّة 1 .


وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس ، ولم يغب إلاّ بعد الشفق بزمانطويل .

قال فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس ، وأنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء . قال : فكتب إليّ : زادك الله توفيقاً فقد صمت بصيامنا . قال : ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه ، فقال لي : أولم أكتب إليك إنّما صمت الخميس ولا  تصم إلاّ للرؤية(1) .

والرواية ـ مضافاً إلى اعتبارها ـ ظاهرة في أنّ الغيبوبة بعد الشفق لا تكون أمارة كاشفة عن ثبوت الهلال في الليلة الماضية ، بل الأمارة الكاشفة هي الرؤية المتحقّقة بالإضافة إلى هذه الليلة ، وعلى فرض التعارض فهذه الرواية مقدّمة; لاعتبارها سنداً وإن كانت دلالة الاُخرى أيضاً ظاهرة ، فالحقّ مع المتن وفاقاً للمشهور .

1ـ يدلّ على هذه اللابدّية ـ مضافاً إلى أنّ الرؤية مأخوذة في مفهوم الشهادة ، فعنوان العالم مغاير لعنوان الشاهد ; لأنّ الشهود في مقابل الغيبوبة ، وإطلاق هذا العنوان على الشاهد باعتبار حضوره ورؤيته في جميع الموارد ، من غير اختصاص بهذا المقام ، فالبيّنة في باب الحدود عبارة عن شهادة من كان حاضراً في الواقعة الموجبة للحدّ ، وقد اشتهر أنّ الشاهد في باب الزنّا لابدّ وأن يكون رائياً للعمل



(1) تهذيب الأحكام 4 : 167 ح 475 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 281 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1 .


الصفحة 254

مسألة 2 : لا يعتبر في حجيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعي ، فهي حجّة لكلّ من قامت عنده ، بل لو قامت عند الحاكم ، وردّ شهادتها من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده،وكانا عادلين عند غيره ، يجب ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار .ولايعتبر اتّحادهمافي زمان الرؤية بعد توافقهماعلى الرؤية في الليل . نعم ، يعتبر توافقهما في الأوصاف ، إلاّ إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يُحتمل فيه اختلاف تشخصيهما، ككون القمر مرتفعاً أو مطوّقاً، أو له عرض شمالي أو جنوبي; فإنّه لايبعد معه قبول شهادتهما إذا لم يكن فاحشاً

القبيح كالميل في المكحلة ، ولذا تصدّوا لدفع شبهة أنّه كيف تجتمع عدالة الشاهد المعتبرة بلا خلاف مع ادّعائه الرؤية بالنحو المذكور الموجب للفسق بطبعه ؟ والتفصيل في كتاب القضاء والشهادات(1) ـ الروايات الواردة في خصوص المقام ، مثل : صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه(2) .


وصحيحة عبيد الله بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال عليّ (عليه السلام)  : لا  تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين(3) .

وغيرهما من الروايات التي يظهر منها ذلك .



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء والشهادات: 455 ـ 459.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 157 ح 436 ، الاستبصار 2 : 63 ح 205 ، المقنعة : 297 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 180 ح 498 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 288 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7 .


الصفحة 255

ولو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع ـ ككون تحدُّبه إلى السماء عكس ما يرى في أوائل الشهر ـ لم يسمع شهادتهما ، ولو أطلقا أو وصف أحدهما بما لا يخالف الواقع وأطلق الآخر كفى 1 .

1ـ في هذه المسألة أُمور :

الأوّل : أنّ البيّنة حجّة لكلّ من قامت عنده ، ولا يعتبر في حجّيتها القيام عند الحاكم ; لعموم دليل الحجّية أوّلاً ، وعدم إمكان القيام عند الحاكم غالباً ، وعدم الجدوى له ثانياً بالنظر إلى حكم الحاكم ; لما عرفت من أ نّه وإن كان لابدّ وأ ن تكون البيّنة قد شهدا بالرؤية ، إلاّ أنّه لابدّ في اعتبار الحكم الإنشاء بمثل قوله : «حكمت بذلك » ، كما في موارد فصل الخصومة ورفع المنازعة ; فإنّها لا تفصل إلاّ بالحكم وإنشائه .

وكيف كان ، فحيث إنّ موارد قيام البيّنة كثيرة جدّاً ، ولا تختصّ بباب القضاء ولا بأمر رؤية الهلال ، مثل الشهادة بالخمريّة ونظائرها ، فاللازم الأخذ بها لكلّ من قامت عنده ، من دون اعتبار وجود الحاكم فضلاً عن قيام البيّنة عنده .

الثاني : لو قامت البيّنة عند الحاكم وردّ شهادتهما من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده بل ثبوت الفسق ، ولكنّهما كانا عادلين عند غيره ممّن قامت عنده ، يجب عليه ترتيب الأثر عليها من الصوم أو الإفطار ; لأنّ الثبوت عند الحاكم مقدّمة لحكمه ، والمفروض الاعتناء بالشهادة لا بالحكم .

الثالث: لايعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية، وأ نّه هل كان أوّل المغرب أو بعده مثلاً، بعد التوافق على أصل الرؤية في الليلة المخصوصة ؟ والوجه فيه وجود الفصل بين زمان طلوعه وغروبه ولو كانت المدّة قليلة . وعليه : فيمكن الاختلاف بينهما من حيث الرؤية في أوّل تلك المدّة أو وسطها أو آخرها ، ولا منافاة بينهما حينئذ أصلاً .


الصفحة 256

الرابع : يعتبر توافقهما في الأوصاف ; فإنّه وإن كان لا يعتبر في قبول الشهادة التعرّض للوصف ، بل تكفي الشهادة بأصل الرؤية ، ولا يلزم الشاهد بذكر الخصوصيّات والأوصاف ، إلاّ أنّه في فرض التعرّض إذا كانا مختلفين في الأوصاف لم تقبل شهادتهما ; لعدم قيام البيّنة على شيء واحد ، بل شهد كلّ واحد من العدلين بما يغاير الآخر ، واستثني من ذلك ما إذا كان الأوصاف التي اختلفا فيها ممّا يحتمل فيه الاختلاف في التشخيص بشرط أن لا يكون فاحشاً ، مثل الأمثلة المذكورة في المتن ; فإنّه لا يقدح الاختلاف المذكور الراجع إلى التشخيص في اعتبار الشهادة وقبولها ، خصوصاً مع ملاحظة وجود الاختلاف كثيراً في خصوصيّات المرئي المسلّم كزيد المرئي وعمرو المرئي وهكذا .

نعم ، في صورة كون الاختلاف فاحشاً بحيث لا يكون عند العرف غير معتنى به لا مجال لقبول الشهادة ; لما عرفت من عدم التوافق على الشهادة على أمر واحد ، وعدم جريان احتمال كون الاختلاف راجعاً إلى التشخيص .

الخامس : لو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع ، ككون تحدّيه إلى السماء عكس ما يُرى في أوائل الشهر ; لأنّ دليل حجّية البيّنة بنحو الإطلاق أو في خصوص المقام منصرف عن مثل المورد الذي تكون الشهادة فيه على خلاف الواقع . وإن شئت قلت : إنّ حجّيتها مقصورة بما لو لم يكن الواقع مكشوفاً ولو في الجملة ، ومع الانكشاف لا يبقى لها مجال ولو في صورة الاتّفاق فضلاً عن الخلاف .

السادس : لو أطلقا معاً، أو أطلق أحدهما ووصف الآخر بما لا يخالف الواقع كفى في قبول الشهادة ; لما عرفت من أنّه لا يعتبر في قبول الشهادة بالرؤية بيان الأوصاف ، بل يكفي مجرّد أصل الشهادة بالرؤية ، وحينئذ فمع إطلاقهما لا مجالللمناقشة في القبول ، كما أنّه مع إطلاق أحدهما وبيان الآخر للوصف الذي


الصفحة 257

مسألة 3 : لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء ، ولا برجل وامرأتين ، ولا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين 1 .


لا  يخالف الواقع لابدّ من الالتزام بالقبول بعد عدم لزوم التعرّض للأوصاف أصلاً ، والمفروض كون وصف الآخر غير اللازم غير مخالف للواقع ، فتدبّر .

1ـ أمّا عدم الاعتبار في ثبوت الهلال بشهادة النساء منفردة أو منضمّة إلى رجل واحد فيدلّ عليه أخبار كثيرة ، مثل :

صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا اُجيز في الهلالإلاّ شهادة رجلين عدلين(1) .

وقد رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين (2)، مع أنّ من الواضح عدم التعدّد ، خصوصاً مع أنّ الراوي عن الحلبي في كلتيهما هو حمّاد بن عثمان .

وصحيحة محمد بن مسلم قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال(3) .

ورواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام)  : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا يجوز إلاّ شهادة رجلين عدلين(4) ، ومع كون الراوي



(1) الكافي 4 : 76 ح 2 ، الفقيه 2 : 77 ح 338 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 286 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 180 ح 499 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 288 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8 .
(3) الكافي 4 : 77 ح 3 ، تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 725 ، الاستبصار 3 : 30 ح 97 ، وعنها وسائل الشيعة : 10 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 2  و ج27 : 356 ، كتاب الشهادات ب 24 ح 18 .
(4) الكافي 4 : 77 ح 4 ، تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 724 ، الفقيه 2 : 77 ح 340 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3  و ج 27 : 355 ، كتاب الشهادات ب 24 ح 17 .


الصفحة 258

عن الحلبي في الروايتين الأوّلتين هو حمّاد ، يغلب على الظنّ أ نّ حمّاداً نقل الرواية مع الواسطة لابدونها ، كما لا يخفى .

ورواية شعيب بن يعقوب ، عن جعفر ، عن أبيه  (عليهما السلام) أ نّ عليّاً (عليه السلام) قال : لا أُجيز في الطلاق ولا في الهلال إلاّ رجلين(1) .

وفي مقابلها رواية واحدة دالّة على التفصيل بين الفطر والصوم ، وأنّه تقبل شهادة النساء في الثاني ; وهي رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين ، ولابأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة(2) .

والرواية وإن كانت معتبرة من حيث السّند ، إلاّ أنّ التعبير في ناحية الفطر بعدم الجواز ، وعدم قبول شهادة النساء مطلقاً بالإضافة إليه ، وبعدم البأس في ناحية الصوم إنّما يشعر بل يدلّ على عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء . غاية الأمر أنّه حيث إنّ الأمر دائر بين الحرمة والعدم في الإفطار ، وبين الوجوب والاستحباب في ناحية الصوم ، فقد وقع الاختلاف بين التعبيرين ، وعلى تقدير المعارضة فالترجيح مع الروايات الكثيرة المتقدّمة ، لا لكثرتها بل لموافقتها للشهرة التي هي أوّل المرجّحات على المختار ، كما مرّ مراراً .

وأمّا عدم الاعتبار بشاهد واحد ويمين ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على حصر القبول في شهادة رجلين عدلين ـ رواية أحمد بن محمد



(1) تهذيب الأحكام4 : 316 ح 962 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 289 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9 .
(2) تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 726 ، الاستبصار 3 : 30 ح 98 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 291 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15 ، وج27: 361، كتاب الشهادات ب24 ح36 .


الصفحة 259

مسألة 4 : لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه ، كان في السماء علّة أو لا . نعم ، مع عدم العلّة والصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الخلاف والتكاذب بينهم; بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ، ففي قبول شهادتهما حينئذ إشكال 1 .


ابن عيسى في نوادره، عن أبيه ، رفعه قال : قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة الواحد واليمين في الدين ، وأمّا الهلال فلا إلاّ بشاهدي عدل(1) .

ورواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تصم إلاّ للرؤية أو يشهد شاهدا عدل(2) .

نعم ، هنا رواية واحدة تدلّ بإطلاقها على الاكتفاء بشهادة عدل واحد ، وهي صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام)  : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين... الحديث(3) . ولكنّ الإطلاق قابل للتقييد ، مضافاً إلى أنّ النسخ مختلفة ، ففي بعضها «العدول»(4) بصيغة الجمع ، وإلى أنّه قد رواها في الوسائل في باب آخر ، «بيّنة عدل»(5) .

1ـ الوجه في عدم الفرق إطلاق دليل حجّية البيّنة ، كما أنّ الوجه في الإشكال في



(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 160 ح 410 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 292 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 17 .
(2) المقنعة : 297 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 292 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح16 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح 440 و ص 177 ح 491 ، الاستبصار 3 : 64 ح 207 وص73 ح 222 ، الفقيه 2 : 77 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 264 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11 و ص 278 ب 8 ح 1 .
(4) كما في الاستبصار 2 : 64 ح 207 وتهذيب الأحكام 4 : 177 ح 491 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 288 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 6 .


الصفحة 260

مسألة 5 : لا تختصّ حجّية حكم الحاكم بمقلّديه ، بل حجّة حتّى على حاكم آخر لو لم يثبت خطؤه أو خطأ مستنده 1 .

صورة اجتماع الاُمور المذكورة ، قوّة احتمال الاشتباه في العدلين ، وفي الحقيقة حصول الطمأنينة بخلافها ، وأدلّة الحجّية قاصرة عن الشمول لصورة الاطمئنان بالخلاف ، وقد وردت الرواية أنّه في صورة الصحو «إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف»(1)  ولا أقلّ من الإشكال في الشمول كما في المتن .

1ـ وجه عدم الاختصاص ـ حتى لو لم يكن له مقلّد أصلاً ، أو كان غيره أعلم ـ إطلاق دليل الحجّية ، وأ نّ الرادّ عليه كالرادّ على الأئـمّة (عليهم السلام)  ، ولا فرق فيهبين المقلّد وبين غيره مطلقاً ، كما أنّ حكم الحاكم في باب القضاء أيضاً مثلذلك ، غاية الأمر أنّ حكم الحاكم مطلقاً إنّما يكون نافذاً لأجل أنّه طريق ، وهو حجّة لمن لا يكون عالماً بالخلاف ، وإلاّ ففي صورة ثبوت خطئه أو خطأ مستنده لا اعتبار به .

وقد اشتهرت هذه الرواية ـ في كتاب القضاء ـ الدالّة على أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّمارجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار(2) .

وبالجملة : لا  إشكال في الحجّية مطلقاً، وفي أنّ العلم بالخلاف مانع عن النفوذ والحجّية ، فتدبّر .



(1) تقدّمت في ص241.
(2) الكافي 7 : 414 ح 1 ، تهذيب الأحكام 6 : 229 ح 552 ، معاني الاخبار : 279 ، وعنها وسائل الشيعة 27 : 232 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب 2 ح 1 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>