جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب المكاسب المحرمة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

المکاسب المحرمة


صفحه 5

الشكر والتقدير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، الصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أهل بيته الطيّبين ، واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .

أمّا بعد ، فقد روي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين . وممّن أنعم الله عليه بهذه الكرامة في هذا العصر سماحة الفقيه المجاهد المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني متّع الله المسلمين بطول بقائه ، حيث جعله الله من أعلى فقهاء الشيعة، ووفّقه لتأليف موسوعة تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، الذي كان من أكبر تأليفاته وأحسن شروح هذا الكتاب وأقدمه . وكان الإمام الراحل يهتمّ بهذا الشرح .

وهذا المجلّد الذي بين يديك الطبعة الاُولى من كتاب المكاسب من هذه الموسوعة القيّمة ، نسأل الله تعالى دوام عمر المؤلّف والتوفيق لإكمالها .

ولا يخفى عليك أنّ الماتن القائد للثورة الإسلاميّة الإمام الخميني(قدس سره)


صفحه 6

وإن بحث مبسوطاً في المباحث الاستدلاليّة عن المكاسب المحرّمة والبيع في مجلس درسه ، بحيث قرّرت في سبع مجلّدات ، وتعمّق فيها تعمّقاً يُعجب أَهل الدقّة والنظر ، ولكنّه(قدس سره) سلك مسلك الاختصار في بيان فروع المكاسب المحرّمة في التحرير بالنسبة إلى ما طرحها الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) من البحث ، وحيث كان هذا المجلّد شرحاً لهذا الكتاب ، فطبعاً يؤثّر ذلك في اختصاره بالنسبة إلى بقيّة المجلّدات والمباحث .

وقد تمّ هذا المشروع بإشراف حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّدرضا الفاضل القاساني و جهود المحقّقين الأعزّاء حجج الإسلام والمسلمين الشيخ عباد الله السرشار الطهراني الميانجي والشيخ إبراهيم الأميري والسيّد محمّد علي الميرصانع ، والشيخ رضا علي المهدوي ، الذين بذلوا غاية جهودهم في استخراج المصادر وتصحيح المتون . شكر الله مساعيهم وجزاهم الله خير الجزاء .

مركز فقه الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)
محمّد جواد الفاضل اللنكراني


صفحه 7

كتاب المكاسب والمتاجر

وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة به في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائل :

التكسّب بالأعيان النجسة

مسألة 1 : لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم، لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمناً في البيع، وأُجرة في الإجارة، وعوضاً للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهراً أو عوضاً في الخلع ونحو ذلك ، بل لا يجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض، بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة; كالتسميد في العذرة ، ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته ، والكافر بجميع أقسامه حتى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد ، بل والماشية
والزرع والبستان والدور
1.

1 ـ الظاهر أنّ المكسب والمتجر مصدران ميميان(1)، كما فيما حكي عن مولانا



(1) مجمع البحرين 1: 218.


صفحه 8

أميرالمؤمنين(عليه السلام) من أنّه كان يقول على المنبر : الفقه ثمّ المتجر(1) .

والبحث في حكم المسألة تارةً: من جهة الحكم التكليفي، واُخرى: من جهة الحكم الوضعي وإن كان التعرّض في المتن لهذه المسألة إنّما هو بالإضافة إلى الحكم التكليفي فقط ، والظاهر أنّ متعلّق الحرمة التكليفيّة في المعاملة ليس مجرّد إيقاع صورتها، بل الإنشاء الواقعي بقصد حصول النقل والانتقال ولو مع العلم بعدم التأثير في ذلك، كما فيما إذا كانت محرّمة ولو لم تكن باطلة، كالبيع وقت النداء(2) إذا قلنا بحرمته; فإنّه لا يكون فاسداً ، بل ربما يقال(3) بأنّ النهي في المعاملة يدلّ على صحّتها في صورة عدم الإرشاد إلى البطلان، كأكثر النواهي الواردة في المعاملات بل العبادات ; كقوله : لا تصلِّ في جلد ما لايؤكل لحمه ، ومثله (4). فالغرض هنا بيان متعلّق النهي التكليفي; سواء كانت المعاملة فاسدة أو صحيحة، وهو لا يكون إلاّ الإنشاء الواقعي الملازم لقصد حصول النقل والانتقال .

وبعبارة اُخرى: هنا اُمور متعدّدة لا ينبغي الخلط بينها : أحدها: النهي التكليفي بمعنى الحرمة ، وثانيها: النهي الوضعي للإرشاد إلى البطلان ، وثالثها: كون النهي التكليفي دالاًّ على الفساد أو على الصحّة ، أو أنّه لا دلالة له على شيء من الأمرين . والبطلان في المقام ليس من جهة دلالة النهي التكليفي عليه ، بل من جهة بعض الأدلّة العامّة أو الخاصّة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .



(1) الكافي 5: 150 ح1، تهذيب الأحكام 7: 6 ح16، الفقيه 3: 121 ح519، وعنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب1 ح1، وفي بحارالأنوار 103: 117 ح16 عن روضة الواعظين: 465.

(2) سورة الجمعة 62: 9.

(3) مصباح الفقاهة 1: 22 ـ 23 و56 ـ 60.

(4) وسائل الشيعة 4: 345 ـ 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2.


صفحه 9

هذا، وأمّا النهي التحريمي المتعلّق بالعبادة فلا يكاد يجتمع مع صحّة العبادة، كالنهي عن صوم يوم العيدين; ضرورة أنّ النهي يدلّ على المبغوضيّة وكون الصوم يوم العيدين مبعّداً ومبغوضاً، وهو لا يتلائم مع قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة، بخلاف مادّة الاجتماع في اجتماع الأمر والنهي، كالصلاة في الدار المغصوبة; فإنّ التحقيق هناك مغايرة متعلّق الأمر مع متعلّق النهي وإن وقع بينهما الاتّحاد في الخارج، وفي الحقيقة لم يتعلّق النهي هناك بالعبادة ، بل بعنوان آخر .

وهذا بخلاف صوم يوم العيدين; فإنّ النهي قد تعلّق بعنوان العبادة، وليس النهي راجعاً إلى حرمة التشريع.

ضرورة أنّ الصائم أحد اليومين يستحقّ العقوبة من حيث نفس الصوم لا من حيث التشريع ، مع أنّه ربما يقال بعدم إمكانه من حيث هو، فكونه عبادة منهيّاً عنها ترجع إلى أنّها لو كانت مأموراً بها ولو على سبيل الاستحباب لكان قصد القربة معتبراً في صحّتها ، مع أنّه لو كان بنحو التشريع لم يلزم أن يكون بصورة النهي، ولم يستحقّ العقاب إلاّ على التشريع، لا على الصوم في المثال المذكور. فانقدح إمكان اجتماع العبادة مع الحرمة التكليفيّة غير التشريعيّة وإن لم تكن صحيحة .

أمّا من جهة الحكم التكليفي، فمن الأدلّة المهمّة في هذا الباب ـ وإن لم تكن
عامّة لجميع الموارد قوله ـ تعالى ـ : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ
إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ
}(1) إلى آخر الآية الشريفة ; نظراً إلى أنّ الحرمة لا يمكن أن تتعلّق بالأعيان; لأنّ موضوع التكاليف الخمسة هو فعل المكلّف وعمله، فلا محالة يكون



(1) سورة المائدة 5: 3.


صفحه 10

متعلّق الحرمة هو جميع الانتفاعات بهذه الأشياء، ومن جملتها التكسّب بها والتجارة عليها .

هذا، ولكن ربما يقال ـ بعد وضوح أنّ الحرمة في الآية هي الحرمة التكليفيّة ـ إنّ النظر في الآية الكريمة إنّما هو إلى الأكل والشرب ; لأنّهما المتعارفان بالإضافة إلى تلك الأشياء ، فلا دلالة لها على حرمة التكسّب بها لبعض الانتفاعات المحلّلة، كاشتراء الميتة لأن يأكلها كلبه المتعلّق به، أو للدفن في أرض البستان لتقوية النباتات ، وقد شاع في زماننا هذا المؤسّسات المبنية على إهداء الدم وبيعه وشرائه للمرضى المحتاجين إليه وتزريقه للمعالجة . وما يمكن أن يقال من أنّ حذف المتعلّق قرينة على العموم، فهو على تقدير صحّته إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك انصراف إلى بعض التصرّفات، أفترى أنّه يستفاد من الآية حرمة النظر إلى الاُمور المذكورة فيها أو النقل المكاني مثلاً ; فهذا دليل على الانصراف; كالتحريم المتعلّق بالاُمّهات والبنات، كما لايخفى.

ومثل الآية المتقدّمة في عدم الدلالة قوله ـ تعالى ـ في أواخر سورة البقرة : {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ}(1) إلى آخره .

وأمّا قوله ـ تعالى ـ : {وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ}(2) الدالّ على وجوب الهجرة المطلقة عن الرجز، فتماميّة دلالته متوقّفة على أن يكون المراد بـ «الرُّجز» بالضمّ هي النجس الفقهي في مقابل الطاهر، مع أنّ المراد به كما يظهر من التفاسير(3) هو صنم خاصّ ، فالرجسيّة من هذه الجهة . وعليه: فالآية لا دلالة لها على حكم المقام .



(1) سورة البقرة 2: 173.
(2) سورة المدّثّر 74: 5.
(3) مجمع البيان 10: 153، الجامع لأحكام القرآن 19: 66.


صفحه 11

وقوله ـ تعالى ـ : {وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(1) لا يكون قرينة على أنّ المراد بـ «الرُّجز» هي النجاسة; لأنّ الثياب كناية عن نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو مطلق أقربائه ، والتطهير يراد به إزالة وسخ الشرك عنهم; كما كان هو الرائج بينهم في زمان نزول الآية التي هي أوّل آية نزلت على النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو ثانيتها ، فتدبّر .

ومن الأدلّة العامّة رواية تحف العقول المفصّلة المشتملة على قوله(عليه السلام) : وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه (لبسه ظ) أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته، أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد; نظير البيع بالربا، أو البيع للميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شيء من وجوه النجس، فهذا كلّه حرام ومحرّم ; لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وإمساكه والتقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام(2) . وهي ظاهرة بل صريحة في الحرمة التكليفيّة، خصوصاً بلحاظ قوله(عليه السلام): «فجميع تقلّبه في ذلك حرام».

ولا يقدح في جواز التمسّك به للمدّعى ما ذكرنا من قيام الإجماع أو الضرورة على جواز التقلّب المكاني بالإضافة إلى مثل الميتة خوفاً من التعفّن ونحوه ; لأنّ العامّ المخصَّص حجّة فيما عدى مورد التخصيص، كما قد حقّق في محلّه من علم الاُصول(3)، بخلاف ما ذكرنا من أنّ مثل جواز النقل المذكور دليل على أنّ المحرّم في



(1) سورة المدّثّر 74: 4.
(2) تحف العقول: 333، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1، وبحار الأنوار 103: 46 قطعة من ح11.
(3) سيرى كامل در اصول فقه 8  : 59 ـ 108 .


صفحه 12

الآيات على ما تقدّم هو ليس جميع التصرّفات المتعلّقة بهذه الاُمور، بل المحرّم هو المنصرف إليه من التصرّف المناسب له، مثل الأكل والشرب وغيرهما .

وبالجملة: فرق بين التخصيص الذي يجري فيه القاعدة المزبورة ، وبين استكشاف متعلّق الحرمة في صورة تعلّقها بالذوات، كما لايخفى .

ثمّ إنّ بعض الأعلام(قدس سره) بعد الحكم بضعف سند الرواية المذكورة من جهة الإرسال قال : وربما يتوهّم انجبار ضعفها بعمل المشهور ; إلاّ أنّه مدفوع; لكونه فاسداً كبرى وصغرى . أمّا الوجه في منع الكبرى، فهو مبنيّ على مبناه من عدم كون الشهرة جابرة لضعف السند . وأمّا الوجه في منع الصغرى، فهو عدم ثبوت عمل المتقدّمين بها . وأمّا عمل المتأخّرين، فهو على تقدير ثبوته غير جابر لضعفها، مضافاً إلى أنّ استنادهم إليها في فتياهم ممنوع جدّاً ; فإنّ المظنون بل الموثوق به هو اعتمادهم في الفتيا على غيرها، وإنّما ذكروها في بعض الموارد تأييداً للمرام .

ودعوى أنّ آثار الصدق منها ظاهرة ، مندفعة بأنّ هذه الآثار هل هي غموض الرواية واضطرابها، أم تكرار جملها وألفاظها، أم كثرة ضمائرها وتعقيدها، أم اشتمالها على أحكام لم يفت بها أحد من الأصحاب ومن أهل السنّة، كحرمة بيع جلود السباع والانتقاع بها وإمساكها، مع أنّ الروايات المعتبرة(1) إنّما تمنع عن الصلاة فيها فقط لا مطلق الانتفاع(2) ، انتهى .

والظاهر أنّه ناظر في ذيل كلامه إلى السيّد الطباطبائي المرحوم في حاشية المكاسب للشيخ الأنصاري(قدس سره)، حيث إنّه نفى البأس عن العمل بالرواية; لأنّ



(1) وسائل الشيعة 4: 354 ، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب6.
(2) مصباح الفقاهة 1: 19 ـ 22.


صفحه 13

مضامينها مطابقة للقواعد، ومع ذلك فيها أمارات الصدق(1) .

أقول : هنا جهات ينبغي بل يجب الالتفات إليها :

الاُولى : أنّه قد مرّ منّا مكرّراً أنّ الشهرة الفتوائيّة المحقّقة قابلة وصالحة لجبر ضعف الرواية من أيّ جهة كانت، كما أنّها قادحة، وإعراض المشهور يمنع عن اعتبار الرواية ولو كانت من الصحّة في الدرجة العالية، ومن الاعتبار في المرتبة المتعالية.

الثانية : أنّه قد مرّ منّا مكرّراً أيضاً تبعاً لسيّدنا الاُستاذ الماتن(قدس سره) أنّ الإرسال على قسمين : قسم يسند الراوي المرسل ـ كالصدوق ـ الرواية إلى شخص الإمام(عليه السلام)، كما نلاحظه في عدّة من مراسيله ، وقسم يسنده إلى الرواية والحكاية; كقوله : روي عن الإمام الباقر أو الصادق(عليهما السلام) كذا وكذا ، ولايبعد أن يقال بحجّية المرسلة بالنحو الأوّل; لأنّه بمنزلة توثيق مثل الصدوق جميع الوسائط بينه وبين الإمام(عليه السلام) ، وهو لا يقصر عن توثيق مثل الكشي والنجاشي، ورواية تحف العقول من هذا القبيل، خصوصاً مع أنّ مصنّفه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني أو الحلبي، كان رجلاً وجيهاً فاضلاً جليل القدر، رفيع الشأن عظيم المنزلة.

وقد عبّر عن كتابه هذا صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، المتبحّر في مؤلّفات الشيعة وتصانيفهم، بأنّ كتابه ممّا لم يسمح الدهر بمثله(2) ، وكذا السيّد حسن الصدر صاحب كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، حيث عبّر عنه بأنّه كتاب جليل لم يصنّف مثله(3) ، ومع هذه الخصوصيّة هل يمكن رفع اليد عن هذا الكتاب والإعراض عن رواياته؟ خصوصاً مع قوله في مقدّمته : وأسقطت الأسانيد تخفيفاً



(1) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 34.
(2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 3: 400.
(3) تأسيس الشيعة: 413.


صفحه 14

وإيجازاً وإن كان أكثره لي سماعاً(1) ، إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الوسائل كون إرسال الرواية بالنحو الثاني لا بالنحو الأوّل; لأنّه ذكر فيها أنّه رواها عن الصادق(عليه السلام)لا أنّه أسندها إليه ، وإن كان يظهر من حاشية الوسائل نقلاً عن تحف العقول في الطبعتين الأوّلتين منه ـ أنّه سأله سائل فقال إلخ(2) ـ النسبة إلى الصادق(عليه السلام)، كما لايخفى .

الثالثة : أنّه لا يشترط في حجّية خبر الواحد اتّصاف المخبر بالوثاقة ، بل يكفي كونه موثوقاً به ولو لم يكن راويه ثقة، ويدلّ عليه أنّ عمدة الدليل على حجّية خبر الواحد هو بناء العقلاء، وهم لا يفرّقون بين الصورتين .

الرابعة : أنّ ملاحظة نفس الكتاب ، بل شخص هذه الرواية التي هي مورد للبحث والكلام تقضي بعدم صلاحيّة غير الإمام(عليه السلام) لصدور هذه الكلمات والحكم والمواعظ والضوابط والقواعد منه ، بل هي مناسبة لشأنه(عليه السلام) .

الخامسة : أنّ الرواية لأجل طولها وتفصيلها يمكن أن لا يتحقّق حفظها من الراوي عنه(عليه السلام)، فلا يكون ذلك قدحاً فيها وفي اعتبارها، ولأجله حصل فيها القلق والاضطراب والتكرار وبعض الجهات الاُخر .

السادسة : أنّه لا يعتبر في انجبار ضعف الرواية المفصّلة المشتملة على أحكام عديدة وضوابط متكثّرة استناد المشهور إلى جميع فقراتها والأحكام الواردة فيها ، ومن الممكن أن يكون بعض الفقرات أو بعض موارده غير مفتى به عندهم ، ولا يقدح في اعتبار البقيّة وجواز الاستناد إلى الرواية لأجلها.



(1) تحف العقول: 3.
(2) وسائل الشيعة 12: 54، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2، الطبعة الإسلاميّة مع تعليقات للشعراني.


صفحه 15

السابعة: أنّه يجوز في الرواية النقل بالمعنى، كما يجوز النقل باللفظ . وعليه: فيمكن أن يكون عدم تطابقها مع الضوابط الأدبيّة والعربيّة من هذه الجهة، فلايكون وجود القلق والاضطراب أو بعض الجهات الاُخر إلاّ من قبل الراوي لا الإمام(عليه السلام)، فلا يكشف عن عدم كون أصل الرواية منه(عليه السلام) .

هذه هي الأدلّة العامّة ولو في الجملة الواردة في المقام .

وهنا روايات عامّة اُخرى استدلّ بها على المدّعى ـ وهي الحرمة التكليفيّة للتكسّب بالأعيان النجسة ـ كالروايات المنقولة عن الفقه الرضوي ودعائم الإسلام والجعفريات، لكنّها ـ مضافاً إلى كونها مخدوشة من حيث الدلالة، ولعلّ دلالتها على الحرمة الوضعيّة كان أظهر ـ لا اعتبار بشأنها، ولذا لم ينقل عن شيء منها في الوسائل وإن نقل عنها صاحب المستدرك مثبتاً لاعتبارها، لكنّ الأظهر العدم; لوجوه ليس هاهنا مجال لذكرها، وقد ذكرنا مراراً عدم اعتبار الفقه الرضوي، وأشير هاهنا إلى ما هو العمدة في ذلك، وهو أمران :

أحدهما: أنّه لم يكن بناء الأئمّة(عليهم السلام) على تأليف كتاب في الفقه، ولعلّه لأجل أنّه لو ألّفوا في الفقه لكان ذلك التأليف منعدماً بأيدي الأعداء والخلفاء ، وقد سمعت من سيّدنا الاُستاذ الماتن(قدس سره) ـ في جواب من سأله عن أنّه لِمَ لم يذكر اسم عليّ(عليه السلام) وولايته في الكتاب العزيز ـ أنّه قال : لو ذكر في القرآن اسم عليّ(عليه السلام) لما كان من البعيد أن يتصدّوا أعداء عليّ(عليه السلام)لإمحاء القرآن كما يؤيّده القرائن .

ويؤيّد المقام أنّه لو كان البناء على التأليف لكان الصادقان(عليهما السلام) أولى بذلك زماناً، خصوصاً مع اقتضاء التقيّة عدم الرجوع إلى شخصهما .

ثانيهما : عدم إشارة الأئمّة المتأخّرة عن الرضا(عليهم السلام) بوجود هذا التأليف منه في شيء من الموارد على ما يعلم مع اقتضاء القاعدة ذلك، وثبوت عنوان ابن الرضا


صفحه 16

بالإضافة إليهم .

وما في كلام الإمام الماتن(قدس سره) في المكاسب المحرّمة من احتمال إلغاء الخصوصيّة من الموارد الخاصّة(1) فمستبعد جدّاً.

وأمّا الأدلّة الخاصّة، فمنها : ما ورد في العذرة، مثل:

موثّقة سماعة بن مهران قال : سأل رجل أبا عبدالله(عليه السلام) وأنا حاضر، فقال : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال : حرام بيعها وثمنها . وقال : لا بأس ببيع العذرة(2) .

ويحتمل أن يكون ذيل الرواية رواية مستقلّة صدرت في مورد آخر جمعهما الراوي ـ وهو سماعة ـ في كلام واحد ، ويؤيّده الإتيان بالاسم الظاهر فيه دون الضمير مع الإتيان به في قوله: «حرام بيعها وثمنها» ، كما لايخفى .

وكيف كان، فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ الماتن(قدس سره) ما ملخّصه: أنّه لا يبعد أن يقال في مقام الجمع: إنّ المراد بـ «حرام بيعها وثمنها» الجامع بين الوضعي والتكليفي ، وبقوله(عليه السلام) : «لا بأس ببيع العذرة» نفي الحرمة التكليفيّة، وفي المقام لولا قوله(عليه السلام) : «ولا بأس...» يكون الظاهر من قوله(عليه السلام): «حرام . . .» التكليفيّة; لعدم معنى للوضعيّة بالنسبة إلى الثمن إلاّ بتكلّف بعيد، والحمل على الجامع خلاف الظاهر، والحمل على التكليفيّة بالنسبة إلى البيع وإن كان خلاف الظاهر أيضاً، لكنّه أرجح من الحمل على الجامع ، لكن قوله(عليه السلام) : «لا بأس ببيع العذرة» قرينة على أنّ المراد من الحرمة المعنى الأعمّ، سيّما إذا كانت تلك الفقرة في ذيل الاُولى، فكأنّه قال : يحرم بيعها وضعاً ولا بأس به تكليفاً .



(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 9.
(2) تهذيب الأحكام 6: 372 ح1081، الاستبصار 3: 56 ح183، وعنهما وسائل الشيعة 17: 175 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب40 ح2.


صفحه 17

قال : وما ذكرناه وإن لا يخلو من التكلّف ، لكنّه أرجح من سائر ما قيل في وجه الجمع، بل لايبعد أن يكون مقبولاً مع ملاحظة أنّ في الشريعة بيعاً لا بأس به بعنوانه، وما هو حرام كذلك مع بطلانهما «تأمّل». فتدلّ على عدم حرمة بيعها ذاتاً وإن كان باطلاً، وأنّ مساقها ليس مساق الخمر الحرام بيعها بعنوانه على ما هو ظاهر جملة من الروايات الآتية(1) .

أقول : الظاهر أنّه مع التصريح بحرمة البيع الظاهرة في الحرمة التكليفيّة لا يبقى مجال لنفي البأس عن المنع المذكور الظاهر في الجواز التكليفي . نعم، لو لم يقع التصريح بذلك لكان مقتضى الجمع الدلالي ـ المقبول عند العقلاء، الموجب للخروج عن عنوان التعارض والاختلاف ـ حمل الاُولى على الوضعيّة، والثانية على التكليفيّة، ولم يكن حينئذ تعارض في المتن ، كما هو مقتضى الجمع بين الروايتين الآخرتين الواردتين في المقام :

إحداهما : رواية يعقوب بن شعيب الدالّة على أنّ ثمن العذرة من السحت(2) .

ثانيتهما : رواية محمّد بن المضارب الدالّة على أنّه لا بأس ببيع العذرة(3) ، ولكن حكي(4) عن الأصحاب قديماً وحديثاً الجمع بينهما بوجوه اُخر .

منها : ما عن الشيخ الطوسي(قدس سره) من الجمع بين الطائفتين بحمل رواية المنع على



(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 13 ـ 14.
(2) تهذيب الأحكام 6: 372 ح1080، الاستبصار 3: 56 ح182 ، وعنهما وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب40 ح1.
(3) الكافي 5: 226 ح3، تهذيب الأحكام 6: 372 ح1079، الاستبصار 3: 56 ح181 ، وعنها وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب40 ح3.
(4) الحاكي هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 81 ـ 90.


صفحه 18

عذرة الإنسان النجسة، ورواية الجواز على عذرة البهائم من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمها الطاهرة(1) .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لو لم نقل باختصاص كلمة «العذرة» المذكورة في الروايتين بخصوص عذرة الإنسان; لإطلاق لفظ «الروث» أو «السرقين» عليها ـ : أنّ هذا الجمع تبرّعي محض، وكون القدر المتيقّن من كلا الدليلين بلحاظ الحكم المترتّب عليهما عذرة مغايرة للآخر لا يوجب تحقّق الجمع الدلالي المقبول عند العرف والعقلاء، المخرج من موضوع التعارض المفروض في خبر العلاج وأخباره، مثل مقبولة عمر بن حنظلة(2) .

ومنها : ما حكي عن المجلسي من حمل رواية الجواز على بلاد ينتفع بها ، ورواية المنع على بلاد لا ينتفع بها(3) .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه جمع تبرّعي ـ : أنّ التفصيل المذكور لعلّه يناسب التفصيل في الحرمة الوضعيّة لا التكليفيّة التي هي مورد البحث وإن نوقش في صحّة النسبة إلى المجلسي(4) .

ومنها : ما حكي عن المحقّق السبزواري صاحب كتابي الذخيرة والكفاية(5); من احتمال حمل رواية المنع على الكراهة بقرينة رواية الجواز كما هو الشائع .



(1) تهذيب الأحكام 6: 372 ذ ح1080. والاستبصار 3 : 56 ذ ح 182 .
(2) الكافي 1: 67 ح10، الفقيه 3: 5 ح18، تهذيب الأحكام 6: 301 ح845 ، الاحتجاج 2: 260 ، الرقم 232، وعنها وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب9 ح1.
(3) حكاه العلاّمة المجلسي في ملاذ الأخيار 10: 379 ذ ح 202 عن والده العلاّمة المجلسي الأوّل(قدس سرهما).
(4) المناقش هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 85 .
(5) كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 422.


صفحه 19

وفيه: ـ مضافاً إلى الفرق بين المقامين; وهو حمل النهي على الكراهة ، وهو الشائع فيها. وأمّا الوارد في المقام فهو لفظ «السحت» ـ إن قلنا باختصاصه بالحرمة، فلا يقبل الحمل على الكراهة، وإن قلنا بعموميّة لفظ «السحت» واستعماله في موارد الكراهة ، كما يظهر من بعض كتب اللغة(1) ، ومن جملة من الروايات الواردة في
الموارد المختلفة(2)، فلا اختلاف بين الروايتين، ولا تعارض أصلاً . ومنه يظهر أنّ ما ذكرناه من الجمع أيضاً مبنيٌّ على كون «السحت» بمعنى الحرمة الكاشفة عن فساد المعاملة إذا اُسند إلى الثمن; ضرورة أنّه لا تعارض بناءً على كونه أعمّاً من الحرمة .

ومنها : ما استقربه المامقاني (قدس سره) في حاشية المكاسب من حمل رواية الجواز على الاستفهام الإنكاري(3) .

ويرد عليه: أنّه خلاف الظاهر، حيث إنّه لا قرينة في رواية الجواز على الاستفهام المذكور بوجه ; لأنّ اختلافه مع الاستفهام الحقيقي ، أو الجملة الخبرية إنّما هو في كيفيّة التلفّظ، وهي غير معلومة مع عدم وجود أداة الاستفهام .

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) ـ حيث جعل ذيل رواية سماعة; وهو قوله : وقال: «لا بأس ببيع العذرة» تتمّة للرواية، ولم يحتمل كونه رواية مستقلّة صادرة في وقت آخر قد عطفها الراوي على الرواية الاُولى; أعني صدر الرواية ، كما احتملناه في أوّل البحث ـ ذكر بعد الحكم بأظهريّة جمع الشيخ(4) وإن كان جمعاً تبرّعياً; نظراً



(1) النهاية في غريب الحديث 2: 345، لسان العرب 3: 251.
(2) وسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 وص104 ب9، ومستدرك الوسائل 13: 69 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 وص74 ب8 .
(3) غاية الآمال في حاشية المكاسب 1: 67.
(4) أي جمع الشيخ الطوسي في التهذيين .


صفحه 20

إلى أنّ رواية ابن شعيب نصّ بالإضافة إلى العذرة النجسة وظاهرة في غيرها أيضاً، ورواية ابن المضارب بعكس ذلك ، فيؤخذ النصّ بالظاهر .

ثمّ قال : ويقرّب هذا الجمع رواية سماعة نظراً إلى أنّ الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدلّ على أنّ تعارض الأوّلين ليس إلاّ من حيث الدلالة ، فلا يرجع فيه إلى المرجحّات السنديّة أو الخارجيّة، ودفع ما يقال: من أنّ العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلّي هو الرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة ، ثمّ التخيير أو التوقّف لا إلغاء ظهور كلّ منهما(1) ، انتهى .

ومراده بالخبرين هو الذي جمع الشيخ بينهما .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ النصوصيّة تغاير القدر المتيقّن ـ ما أورد عليه الماتن(قدس سره) في كتابه المكاسب المحرّمة من أنّ كون تعارض الأوّلين من حيث الدلالة لا يوجبه رفع اليد عن أدلّة العلاج، بل هو محقّق موضوعها . نعم ، لو كشف ذلك عن وجه الجمع بينهما كان لما ذكر وجه، لكنّه كما ترى; لأنّ الميزان في جمع الروايتين هو الجمع المقبول العقلائي، وهو أمر لا يكاد يخفى على العرف، وليس أمراً تعبّدياً يبنى عليه تعبّداً، ومع عدم وجه الجمع بينهما عرفاً، يحرز موضوع التعارض.

وعدم العمل بأدلّة التعارض في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين، لايوجب عدم العمل بها في الحديثين المختلفين المستقلّين كما في المقام ، مع أنّ عدم الرجوع إلى المرجّحات في رواية مشتملة على حكمين متنافيين غير مسلّم(2) .

أقول: ـ مضافاً إلى أنّ التعارض الموضوع لأدلّة العلاج كما لا يصحّ أن ترتفع



(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 23 ـ 25.
(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 14 ـ 15.



<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>