جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب المكاسب المحرمة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

صفحه 201

وهو غير ما نحن فيه من إعدام ما يوجب الضلال(1) .

ومنها : قوله ـ تعالى ـ : { وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}(2) نظراً إلى أنّ كتب الضلال من مصاديق قول الزور .

واُورد عليه بأنّ قول الزور قد فسّر بالكذب، وقد مرّ(3) في بحث الغناء تفسير قول الزور بالغناء، وإن اُجيب عن ذلك بأنّه لا منافاة بين التفسيرين; فإنّ كلاًّ منهما لبيان المصداق، والقرآن لا يختصّ بطائفة ولا بمصداق(4)، ولكن مرّت منّا المناقشة في ذلك، كما أشرنا إليها في الجواب عن الآية الاُولى .

وكيف كان، فالآية بكلا تفسيريها أجنبيّة عن المقام، ولا يمكن الاستدلال بها فيه .

ومنها : بعض فقرات رواية تحف العقول المعروفة التي سلكنا مسلكاً للحكم باعتبارها(5)، مثل :

قوله(عليه السلام) : إنّما حرّم الله الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً(6) ، بدعوى أنّ مفهوم الحصر يقتضي حرمة الصناعة المحرّمة بجميع منافعها التي منها الحفظ .

وفيه : أنّ حرمة الصناعة لا تلازم حرمة الحفظ، كما ذكرنا في بحث التصوير



(1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 152.
(2) سورة الحجّ 22: 30.
(3) في ص: 164 ـ 165.
(4) مصباح الفقاهة 1: 404.
(5) في ص 13 ـ 15.
(6) تحف العقول: 335، وعنه وسائل الشيعة 17: 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1، والحدائق الناضرة 18: 70.


صفحه 202

من حرمة الإيجاد وعدم حرمة الاقتناء بوجه(1) .

وقوله(عليه السلام) : وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ـ إلى قوله :ـ وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها إلخ(2) .

وقد عرفت في أوائل الكتاب(3) أنّ صدق التقلّب في مثل ذلك ممنوع، وقد مثّلنا هناك أنّ صاحب الميتة إذا نقل الميتة من المنزل إلى محلّ بعيد للتحفّظ عن عفونتها لا يصدق على عمله التقلّب، وهكذا الحفظ في المقام .

وقوله(عليه السلام) : أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحقّ، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه(4) .

وفيه: أنّه خارج عن المدّعى ; لأنّ الغرض من الحفظ ومثله ليس هو الإضلال وحصول الوهن للحقّ، وإلاّ فهو حرام بلا إشكال .

ومنها: حسنة عبد الملك بن أعين، حيث سأل الإمام(عليه السلام) عن ابتلائه بالنجوم ـ الى أن قال ـ : فقال لي : تقضي؟ قلت : نعم ، قال : أحرق كتبك(5). بناءً على كون الأمر بالإحراق للوجوب، لا للإرشاد عن الابتلاء بالنجوم .

وفيه: أنّ استفصال الإمام(عليه السلام) عن القضاء بالنجوم دليل على عدم وجوب



(1) في ص157 ـ 161.
(2) تحف العقول: 335 ـ 336، وعنه وسائل الشيعة 17: 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1 والحدائق الناضرة 18 : 70.
(3) في ص11.
(4) تحف العقول: 333، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ـ 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب1 قطعة من ح1 والحدائق الناضرة 18: 68.
(5) الفقيه 2: 175 ح779، وعنه وسائل الشيعة 11: 370، كتاب التجارة، أبواب آداب السفر ب14 ح1 وروضة المتّقين 4: 196 ـ 197.


صفحه 203

الإهراق مع عدم القضاء .

وأمّا التمسّك بالإجماع(1) في المقام، فيدفعه ـ مضافاً إلى فرض تحقّقه ـ أوّلاً: أنّه لاأصالة للإجماع في مثل المسألة ممّا كانت له أدلّة متعدّدة ووجوه مختلفة وإن ناقشنا في الجميع كما عرفت ، وثانياً: أنّه دليل لبّي لا إطلاق له يشمل جميع فروض المدّعى .

وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض دليل معتبر على الحكم بالحرمة في جميع صور المسألة، خصوصاً إذا عمّمنا الحفظ للحفظ عن ظهر القلب، كما هو ظاهرهم، وقد صرّح به الشيخ الأنصاري(قدس سره) في آخر البحث(2) .

ثمّ الظاهر أنّ المراد بالضلال في العنوان مقابل الهداية، فكتاب الضلال إن كان الغرض من تأليفه وجمعه إضلال الناس وإغوائهم وانحرافهم عن طريق الحقّ، فلا إشكال في كونه مصداقاً لكتاب الضلال ، وإن كان مثله بحسب الغالب المتعارف لا يكون جميع مطالبه من الصدر إلى الذيل كذلك، بل مختلط نوعاً ، غاية الأمر أنّ أكثره كذلك وإن لم يكن موضوعاً للإضلال والانحراف ، بل مترتّباً عليه الضلالة، ولو كان ذلك لأجل قصور إدراكه عن الوصول إلى عمق المطلب وحقيقته، كبعض مسائل الفلسفة والعرفان ، فالظاهر أنّه بالإضافة إليه يكون كذلك وإن كان بالإضافة إلى غيره لا يكون كذلك .

وأمّا الكتب السماويّة، كالتوراة والإنجيل، فالظاهر عدم كونها من هذا القبيل ; أمّاعلى تقديرعدم التحريف فواضح، وأمّاعلى تقديرالتحريف كماهوالظاهر، فالدليل على العدم كونها منسوخة بنظر المسلمين وباعتقادهم، فلا معنى لحصول الإضلال



(1) مفتاح الكرامة 12: 206، جواهر الكلام 22: 58 ـ 59.
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 238.


صفحه 204

بالإضافة إليهم، وإن كانت عبارة الشيخ في المبسوط المتقدّمة(1) دالّة على هذا المعنى.

وأمّا الكتب المصنّفة لغيرنا، فإن كانت في مثل موضوع الفقه والاُصول والتاريخ والشعر والأدب ونحوها، فالظاهر أنّها ليست من كتب الضلال . وأمّا إن كانت في الموضوعات الاعتقاديّة المخالفة لعقائد الشيعة، فهي من كتب الضلال، كالموضوعة في الجبر والتجسيم، والولاية غير الحقّة، ومثل ذلك .

ومن الأسف ما نراه بالوجدان في هذا العصر من وجود كتب مختلفة متعدّدة في ردّ عقائد الشيعة الإماميّة الحقّة ، وأصلها ينشأ من الاستعمار والاستكبار العالمي وإن كان لبعض المعاندين مدخليّة في ذلك غير قابلة للإنكار ، كما نرى في بعض تأليفاتهم في الحطّ من شأن الشخصيّات والرموز الشيعيّة العظيمة; مثل فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ التي افتخر باُمومتها الأئمّة المعصومون(عليهم السلام)(2) ، فكلّها من كتب الضلال بلا إشكال .

ثمّ إنّك عرفت أنّ عنوان مورد البحث لم يقع موضوعاً للحكم في شيء من الأدلّة حتّى يؤخذ بإطلاقه، ويحكم بثبوت الحرمة في جميع الموارد ، بل مقتضى تناسب الحكم والموضوع أنّه إذا كان الغرض من حفظ كتب الضلال الجواب عنها وعن شبهاتها، وكان الشخص أهلاً لذلك وقادراً على النقض والحلّ، لا يكون الحفظ محرّماً بالإضافة إليه .

نعم ، اللازم عليه رعاية عدم الوصول إلى غير الصالح ولو في شطر من الزمان .

هذا، ولو كان الغرض مجرّد الاطّلاع على مطالب الكتاب من دون أن يكون



(1) في ص198.
(2) تفسير العياشى 2: 303 ح 120، الارشاد للشيخ المفيد 2:15 و 97 ـ 98، مقاتل الطالبيّين: 70، مناقب آل أبي طالب(عليهم السلام) 4:36 و 51، الاحتجاج 1:422 و ج 2:96.


صفحه 205

الشخص قادراً على الجواب لأجل قصور مرتبته العلميّة ، ومن دون أن يصير متأثّراً من مطالبه بوجه; للعلم الإجمالي بمخالفته للعقائد الحقّة، فيمكن أن يقال بأنّ المستفاد من المتن الجواز; لعدم خوف الضلال وخشية الزلل; للحكم فيه بعدم الجواز بالإضافة إلى العوام الذين يخشى عليهم الزلل .

وقد فرّع على ذلك أنّ اللازم عليهم التجنّب عن مثل الكتب المشتملة على خلاف عقائد المسلمين، خصوصاً إذا كانت مشتملة على شبهات يكونوا عاجزين عن دفعها وحلّها، وقد عرفت(1) في أوائل البحث أنّه ليس المراد بالكتاب ما هو معناه الاصطلاحي المشتمل على صفحات متكثّرة ، بل يشمل المجلاّت المطبوعة وشبهها، كبعض المجلاّت المنتشرة في زمن الطاغوت، والوجه فيه واضح .



(1) في ص: 199.


صفحه 206

عمل السحر و مايلحق به

مسألة 16 : عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام ، والمراد به مايعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره، أو إنامته، أو إغمائه، أو تحبيبه، أو تبغيضه، ونحو ذلك .
ويلحق بذلك استخدام الملائكة، وإحضار الجنّ وتسخيرهم، وإحضار الأرواح وتسخيرها، وأمثال ذلك ، بل يلحق به ـ أو يكون منه ـ الشعبذة; وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة .
وكذلك الكهانة; وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها .
والقيافة; وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض، وسلب بعض عن بعض على خلاف ما جعله الشارع ميزاناً للإلحاق وعدمه; من الفراش وعدمه.
والتنجيم; وهو الإخبار عن البتّ و الجزم عن حوادث الكون; من الرخص والغلاء والجدب والخصب، وكثرة الأمطار وقلّتها، وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستنداً إلى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقداً تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع الله ـ تعالى عمّا يقول الظالمون ـ دون مطلق التأثير، ولو بإعطاء الله ـ تعالى ـ إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ.
 

وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهِلّة، واقتران الكواكب


صفحه 207

وانفصالها، بعد كونه ناشئاً عن اُصول وقواعد سديدة، والخطأ الواقع منهم أحياناً ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد كسائر العلوم1.

1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لجملة من العناوين المحرّمة التي
منها :

عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به; فإنّه حرام بلا خلاف(1) ظاهراً ، بل ربما يدّعى أنّه ضروريّ(2) ، والظاهر أنّ المراد كونه من ضرورة الفقه لا ضروريّ الدِّين ، والأخبار الواردة في ذلك مستفيضة، ويدلّ على حرمته ثبوت حدّ القتل في مورده مع عدم ثبوت مثل هذا الحدّ حتّى في الزنا إلاّ في بعض موارده; كالزنا مع الإحصان(3)، أو مع ذات النسب(4)، ومثلهما .

وبالجملة: لا إشكال في حرمته، والتعبيرات الواقعة بالإضافة إليه في الروايات تدلّ على بلوغه في الحرمة المرتبة العالية .

ففي موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ساحر المسلمين يُقتل وساحر الكفّار لا يقتل ، قيل : يارسول الله لِمَ لا يُقتل ساحر



(1) الخلاف 5: 329 مسألة 15، منتهى المطلب 2: 1014، الطبعة الحجريّة، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 440، مستند الشيعة 14: 111، جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 257، مصباح الفقاهة 1: 445.
وفي مجمع الفائدة والبرهان 8 : 78، أنّه إجماع (إجماعيّ خ ل) بين المسلمين.
(2) جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 257.
وفي إيضاح الفوائد ج1 / 405: كلّ ذلك محرّم في شريعة الإسلام، ومستحلّه كافر. وكذا في التنقيح الرائع ج2 / 12 مثله، إلاّ أنّ فيه: والكلّ حرام.
(3) وسائل الشيعة 28: 61 ـ 67، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب1.
(4) وسائل الشيعة 28: 113 ـ 116، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب19.


صفحه 208

الكفّار؟ قال : لأنّ الشرك أعظم من السّحر ; لأنّ السحر والشرك مقرونان(1) .

وفي رواية أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ثلاثة لا يدخلون الجنّة : مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم ، الحديث(2) .

وفي رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً(عليه السلام) قال : من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه وحدّه أن يُقتل إلاّ أن يتوب(3) .

ثمّ إنّه حكى الشيخ الأعظم(قدس سره) عن بعض أهل اللغة: أنّ السحر ما لطف
مأخذه ودقّ(4). وعن بعضهم: أنّه صرف الشيء عن وجهه(5) ، وعن ثالث: أنّه



(1) الكافي 7: 260 ح1، تهذيب الأحكام 10: 147 ح583، الفقيه 3: 371 ح1752، علل الشرائع: 546 ب338 ح1، وعنها وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح2، وج28: 365، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح1.
وفي بحار الأنوار 79: 212 ح9 عن العلل، وفي ص214 ح13 عن النوادر للراوندي: 90 ح24، وفي مستدرك الوسائل 13: 106، 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب22 ح14906 و14908، وج18: 191، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح22474 و22476 عن الجعفريّات: 128 ودعائم الإسلام 2: 482 ح1725 باختلاف يسير.
(2) الخصال: 179 صدر ح243، معاني الأخبار: 330 صدر ح1، وعنهماوسائل الشيعة15: 346، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب49 صدر ح19، وج17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح6 وج25: 304، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب9 صدر ح21، وبحارالأنوار 79: 129 ح15.
(3) قرب الإسناد: 152 ح554، وعنه وسائل الشيعة 17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح7 وبحار الأنوار 79: 210 ح1.
وفي وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب3 ح2 عن تهذيب الأحكام 10: 147 ح586.
(4) الصحاح 1: 555، القاموس المحيط 2: 108.
(5) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 346.


صفحه 209

الخدع (1)، وعن رابع: أنّه إخراج الباطل في صورة الحقّ(2) ،(3).

والتحقيق أن يُقال ـ بعد كون معنى السحر كما يقتضيه ملاحظة موارد استعماله ومشتقّاته هو الصرف ـ : إنّ التأمّل القرآني يقتضي الذهاب إلى ثبوت أمرين في السحر، خصوصاً ما ورد في قصّة السحرة مع موسى(عليه السلام):

أحدهما: كون الصور المبدعة فيه تخيّليّة، لا بمعنى التخيّل المجامع لاحتمال الخلاف ، بل بمعنى التخيّل المقرون بزعم كونها الصور الواقعيّة والاُمور الحقيقيّة .

ثانيهما : تأثير تلك الصور المرئيّة ونظيرها حقيقةً وتكويناً ، فانظر إلى قوله ـ تعالى ـ : {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِى خِيفَةً مُّوسَى}(4) ، حيث جمع فيه بين كون الحبال والعصيّ يخيّل أنّها تسعى، وبين حصول الخوف لموسى النبيّ(عليه السلام) ، مع أنّه كان طرف المقابلة .

وكذا يستفاد ممّا ورد في قصّة الملكين النازلين ببابل بعد شيوع السحرة المموّهون بعد نوح(عليه السلام)(5)، وكان الغرض من إنزالهما تعليم الناس السحر بواسطة نبيّ الوقت ليستطيعوا إبطال السحر الرائج ، وفي هذه القصّة قوله ـ تعالى ـ :



(1) الصحاح 1: 555، معجم تهذيب اللغة 2: 1640.
(2) مجمل اللّغة: 488، تاج العروس 6: 503، لسان العرب 3: 253.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 258.
(4) سورة طه 20: 66 ـ 67.
(5) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 267 ـ 268 قطعة من ح1، التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) : 473 ـ 474 قطعة من ح304، وعنهما بحار الأنوار 59: 320 قطعة من ح3، وفي وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح4 عن العيون.
وفي البرهان في تفسير القرآن 1: 293ـ 294 قطعة من ح569 عن تفسير الإمام العسكري(عليه السلام).


صفحه 210

{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِى بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِى}(1) ; فإنّ ظاهره تأثير السحر في حصول التفرقة جدّاً حقيقة ، وكذا قوله ـ تعالى ـ : {وَ مِن شَرِّ النَّفَّـثَـتِ فِى الْعُقَدِ}(2) الظاهر في ثبوت الشرّ واقعاً لهذه الطائفة ، وغير ذلك من الموارد .

وبالجملة : السحر لا يكون قادراً على تغيير الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة الموجبة لأثرات تكوينيّة خاصّة ، ولعلّه لذلك يكون أصل معناه الصرف . قال في مجمع البحرين : {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا}(3); أي مصروفاً عن الحقّ(4) ، ويظهر ذلك من بعض الروايات أيضاً ، ولا منافاة بين ما ذكرناه، وبين المعنى الذي ذكره بعض أهل اللغة; من أنّ السحر ما لطف مأخذه ودقّ ; فإنّ لطافة المأخذ ودقّته لا يرجع إلى تغيير الحقيقة النوعيّة، كما لايخفى .

ثمّ إنّ عمدة الفرق بين السحر والمعجزة ترجع إلى أمرين :

الأوّل : ما عرفت من أنّ السحر لا يقدر على الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة; وإن كان يترتّب عليها آثار تكوينيّة حقيقيّة .

وأمّا المعجزة، فهي قادرة على إيجاد الصور الواقعيّة ، غاية الأمر أنّ خرق العادة الموجود فيه إنّما هو بالإضافة إلى تقريب الأسباب ورفع الموانع ; فجعل الشجر اليابس أخضر في فصل الشتاء مرجعه إلى تقريب الأزمنة المؤثّرة في ذلك عادةً



(1) سورة البقرة 2: 102.
(2) سورة الفلق 113: 4.
(3) سورة الإسراء 17: 47.
(4) مجمع البحرين 2: 823 .


صفحه 211

ليحصل فصل الربيع الذي يكون فيه الأخضر، أو بحسب العادة الرائجة في باب الأشجار، فكأنّه يقرّب فصل الربيع ويوجده في فصل الشتاء .

الثاني : أنّ الإتيان بالمعجزة لا يكون إلاّ بإذن الله وإقداره للآتي بالمعجزة ، ولأجله لا يقدر عليه في كلّ حين وزمان شاء ، وهذا بخلاف السحر الذي يأتي به كلّ من يكون عالماً بكيفيّته في كلّ زمان شاء وأراد ، وجميع الاُمور وإن كان مربوطاً بإذن الله، إلاّ أنّ المراد من الإذن فيها هي القدرة التي أعطاها الله تبارك وتعالى {إِنَّا هَدَيْنَـهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا}(1) .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في معنى المعجزة يجري في مثل عصا موسى الذي صار ثعباناً كما في الكتاب(2). وفي مثل الأسد المنقوش على الستر الذي صار حيواناً مفترساً بأمر الإمام(عليه السلام) وأكلَ المستهزئ له، وقد تقدّم(3) .

وقد ذكرنا في كتابنا مدخل التفسير الفرق بين المعجزة والسحر، وقد كتبنا هذا الكتاب في سالف الزمان، وقد طبع مرّتين ، فراجع (4).

ثمّ إنّه في المتن بعد عنوان السحر موضوعاً وحكماً قال : «ويلحق بذلك استخدام الملائكة، وإحضار الجنّ وتسخيرهم، وإحضار الأرواح وتسخيرها، وأمثال ذلك ـ».والظاهر أنّ مراده هو اللحوق الحكمي لا الموضوعي بحيث تكون الاُمور المذكورة من مصاديق السحر وأفراده ، بل غاية الأمر جريان حكم السحر عليه من جهة الحرمة وعدم الجواز، لا من حيث الحدّ أيضاً الذي هو القتل كما عرفت .



(1) سورة الإنسان(الدهر) 76: 3.
(2) سورة الأعراف 7: 107.
(3) في ص: 143 - 144.
(4) مدخل التفسير: 19 ـ 22.


صفحه 212

ويؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا التعبير باللحوق خصوصاً مع ملاحظة الجملة البعديّة التي وقع التعبير فيها بأنّه «يلحق به أو يكون منه»، كما لايخفى .

مضافاً إلى أنّ الاُمور المذكورة كما عرفت في تعريف السحر ليست من الصور التخيّليّة، بل من الاُمور الواقعيّة ; فإنّ استخدام الملائكة أو الجنّ ـ وكذا مثلهما ـ اُمور حقيقيّة، ولكن حكى الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) في مكاسبه عن الشهيدين(قدس سرهما) أنّهما عدّا من السحر استخدام الملائكة، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب، واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبيّ أو امرأة، وكشف الغائبات على لسانه(1) .

كما أنّه حكى عن العلاّمة المجلسي(قدس سره) في البحار، أنّه بعدما نقل عن أهل اللغة «أنّه ما لطف وخفي سببه»: إنّه في عرف الشرع مختصّ بكلّ أمر يخفى سببها (سببه ظ) ويتخيّل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وأنّه ذكر بعد ذلك أنّ السحر على أقسام ثمانية ، ثمّ حكى تلك الأقسام(2)،(3)، مع أنّ جملة منها لا ينطبق عليه عنوان السحر بالمعنى الشرعي الذي ذكره ، ومن الظاهر أنّ المقسم لتلك الأقسام هو السحر الشرعي، وإلاّ كان عليه البيان ، مضافاً إلى أنّ البحث إنّما هو في هذا السحر لا بمعنى آخر .

وكيف كان، فالظاهر أنّ المراد من المتن هو اللحوق من حيث الحكم لا  الانطباق من حيث الموضوع . نعم ، الكلام إنّما هو في الدليل على هذا اللحوق، والظاهر أنّ



(1) الدروس الشرعيّة 3: 164، مسالك الأفهام 3: 128، الروضة البهيّة 3: 214ـ 215.
(2) بحار الأنوار 59: 277 ـ 297 نقلاً من التفسير الكبير للفخر الرازي 1: 619ـ 625.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 259 ـ 263.


صفحه 213

الدليل عليه هو ادّعاء الضرورة من مثل فخر المحقّقين في الإيضاح(1) وظاهر الشهيد في محكي الدروس (2); نظراً إلى أنّ ادّعاء الضرورة ليس مثل نقل الإجماع في عدم الحجّية والاعتبار ، بل يكشف عن ثبوت الاتّفاق عليه، كما أفاده الشيخ المزبور(3)، خصوصاً مع التصريح بأنّ مستحلّه كافر ، لكنّ اللازم الاقتصار على القدر المتيقّن; لكونه من الأدلّة اللبّية كما لايخفى .

ثمّ إنّه ذكر في المتن قوله : «بل يلحق به ـ أو يكون منه ـ الشعبذة; وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة» .

أقول : الشعبذة كالشعوذة زنةً ومعنى، كما عن جماعة من أكابر اللغويين(4)، وهي إعمال في العين ترى الشيء بغير ما هو عليه ، وهي التي يُعبّر عنها في الفارسية بـ «تردستى و چشم بندى»، وقد وقع الترديد في المتن بين كونها ملحقة بالسحر حكماً; أي من جهة الحرمة، وبين كونها من أفراده ومصاديقه ; نظراً إلى ما عرفت من رؤية العين معها الشيء على غير ما هو عليه. فإن كانت من مصاديق السحر وأفراده تدلّ على حرمتها الإطلاقات الواردة في السحر، وإن أشرنا إلى عدم ترتّب بعض أحكام السحر كحدّ القتل عليها جزماً، وإن لم نقل بذلك بل باللحوق الحكمي فقط يحتاج الحكم بذلك إلى قيام الدليل عليه ، والمفروض عدم وجود دعوى الضرورة فيها، كاستخدام الملائكة واستنزال الشياطين على ما مرّ .

ومنها : الكهانة; وهي كما في المتن تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل



(1) إيضاح الفوائد 1: 405.
(2) الدروس الشرعيّة 3: 164.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 265 ـ 266.
(4) المعجم الوسيط: 484 و 486، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهيّة 2: 339.


صفحه 214

الزمان بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها .

قلت : لا بأس بنقل الرواية التي رواها الشيخ الأعظم(1) عن احتجاج الطبرسي للاطّلاع على بعض خصوصيّات الكهانة وإن كانت الرواية غير معتبرة في نفسها .

فنقول : روى الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبدالله(عليه السلام):

قال الزنديق : فمن أين أصل الكهانة، ومن أين يخبر الناس بما بحدث؟

قال(عليه السلام) : إنّ الكهانة كانت في الجاهليّة في كلّ حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الاُمور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، وذلك من وجوه شتّى: فراسة العين، وذكاء القلب، ووسوسة النفس، وفطنة الروح مع قذف في قلبه; لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة ، فذلك يعلم الشيطان ويؤدّيه إلى الكاهن، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف.

وأمّا أخبار السماء; فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم، وإنّما مُنعت من استراق السمع لئلاّ يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء، ويلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ـ تعالى ـ لإثبات الحجّة ونفي الشبهة ، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثمّ يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيختلط الحقّ بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به، فهو ما أدّاه إليه شيطانه ممّا



(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 34 ـ 36.


صفحه 215

سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة .

واليوم إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخباراً للناس ممّا يتحدّثون به، وما يحدّثونه، والشياطين تؤدّي إلى الشياطين ما يحدث في البُعد من الحوادث: من سارق سرق، ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضاً، صدوق وكذوب إلى آخر الخبر(1) .

وفي الرواية اُمور قابلة للملاحظة والدقّة :

أحدها : قوله(عليه السلام) : «مع قذف في قلبه»، وقد احتمل الشيخ(قدس سره) أن يكون قيداً للأخير، وأن يكون قيداً للجميع .

ثانيها : أنّ المراد من قوله(عليه السلام) : «انقطعت الكهانة» هي الكهانة الكاملة المتضمّنة لأخبار السماء ، وإلاّ فأصل الكهانة فلم تنقطع .

ثالثها : أنّ أخبار الشياطين بالاُمور المستقبلة الأرضيّة مع عدم تحقّقها بعد، من أيّ طريق يكون ويحصل .

وكيف كان، فالبحث في الكهانة تارةً: من جهة أنّها فعل الكاهن وعمله ، فالكلام يقع في جوازه وعدمه ، واُخرى: من جهة الرجوع إلى الكاهن وتصديقه فيما يقول، وترتيب الأثر الشرعي على قوله . وعلى أيّ تقدير فالبحث تارةً: من جهة مقتضى القواعد، واُخرى: من جهة الروايات الواردة.

فنقول:

أمّا من جهة القاعدة، فالظاهر أنّ جواز إخباره على سبيل الجزم والبتّ إنّما



(1) الاحتجاج 2: 218 ـ 219، وعنه بحار الأنوار 10: 168 قطعة من ح2 وج63: 76 ح30.


صفحه 216

ينحصر بما إذا كان عالماً به وقاطعاً بوقوعه، سيّما بالإضافة إلى الاُمور المستقبلة التي عرفت أنّ اطّلاع الشياطين عليها غير معلوم الوجه . وأمّا لو لم يتحقّق له القطع به من أيّ سبب، فلايجوز له الإخبار بالكيفيّة المذكورة ; لأنّه من الظنّ الذي لا يُغني عن الحقّ شيئاً(1) ، فالتعويل في جواز الإخبار على الظنّ الذي لم يقم على اعتباره دليل غير جائز .

وأمّا تصديقه فيما يقول، فلايجوز مطلقاً وإن كان العلم حاصلاً للكاهن; لاختصاص حجّية القطع بالقاطع دون غيره، فإذا أخبر الكاهن بأنّ المال الذي سرق من زيد قد سرقه عمرو، ولم يكن دليل على ذلك من بيّنة ونحوها، فلايجوز لزيد التقاصّ من مال عمرو، وترتيب الأثر العملي على قول الكاهن وإن كان قاطعاً بذلك .

وأمّا من جهة الروايات، فما ورد فيها عبارة عن :

صحيحة الهيثم ـ التي رواها ابن إدريس في مستطرفات السرائر ـ قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه ذلك فنسأله، فقال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من مشى إلى ساحر، أو كاهن، أو كذّاب يصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل الله من كتاب(2) .

والظاهر أنّ استشهاد الإمام(عليه السلام) بقول الرسول(صلى الله عليه وآله) إنّما هو لأجل عدم كون المخبر المذكور خالياً عن واحد من العناوين الثلاثة، وإلاّ فلا وجه للاستشهاد المزبور، خصوصاً مع التقييد بقوله(عليه السلام): «يصدّقه بما يقول» كما لايخفى .



(1) اقتباس من سورة يونس 10: 36.
(2) مستطرفات السرائر: 83 ح22، وعنه وسائل الشيعة 17: 150، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح3، وبحار الأنوار 2: 308 ح66 وج79: 212 ح11.


صفحه 217

وعليه: فلا وجه لما حكي عن تقريرات بعض الأعلام(قدس سره) من أنّه لا دلالة في الرواية على انحصار المخبر عن الاُمور المغيبة بالكاهن والساحر والكذّاب ، بل الظاهر منها أنّ الأخبار المحرّم منحصر بإخبار هذه الطوائف الثلاث ، فالإمام بين ضابطة حرمة الإخبار عن الغائبات .

ونظيره ما إذا سئل أحد عن حرمة شرب العصير التمري، فأجاب بأنّ الحرام من المشروبات إنّما هو الخمر والنبيذ والعصير العنبي إذا غلا ; فإنّ هذا الجواب لا يدلّ على حصر جميع المشروبات بالمحرّم ، وإنّما يدلّ على حصر المشروبات المحرّمة بالاُمور المذكورة ، وإذن فلا دلالة في الرواية على حرمة مطلق الإخبار(1) .

وفيه ـ مضافاً إلى أنّ محطّ السؤال في الرواية ليس هو جواز إخبار المخبر وعدمه ، بل جواز الرجوع إليه وتصديقه فيما يقول ـ : أنّك عرفت ظهور الاستشهاد المزبور في عدم خروج المخبر المذكور عن هذه الطوائف الثلاث بعد وضوح عدم كونه نبيّاً ولا وصيّاً .

وعليه: فيمكن الاستدلال بالرواية على عدم جواز الإخبار أيضاً بعد ثبوته في الساحر والكذّاب وكون الكاهن مثلهما ، كما أنّه يمكن الاستدلال بها على عدم جواز الإخبار بالاُمور المستقبلة بطريق أولى ، فتدبّر .

ومنها : رواية أبي بصير ـ التي رواها عنه عليّ بن أبي حمزة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد(صلى الله عليه وآله) .

قال : قلت : فالقيافة (فالقافة خل) قال : ما اُحبّ أن تأتيهم. وقيل: ما يقولون شيئاً إلاّ كان قريباً ممّا يقولون ، فقال : القيافة فضلة في النبوّة ذهبت في الناس حين



(1) مصباح الفقاهة 1: 643.


صفحه 218

بُعث النبيّ(صلى الله عليه وآله) .(1)

ومنها : رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه(عليهم السلام) في حديث المناهي أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن إتيان العرّاف ، وقال : من أتاه وصدّقه فقد برئ ممّا أنزل الله ـ عزّوجلّ ـ على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)(2) .

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية : فسّر بعض أهل اللغة العرّاف بالكاهن وبعضهم بالمنجِّم(3) .

هذا ، ولكنّ الرواية ضعيفة كسابقتها ، مضافاً إلى ما عرفت من تفسير بعض أهل اللغة العرّاف بالمنجِّم .

وقد تحصّل ممّا ذكرنا انحصار الرواية المعتبرة بالاُولى; وهي صحيحة الهيثم ، وقد استظهرنا منها حرمة إخبار الكاهن من جهة أنّ الكهانة فعله وإن كان مقتضى القاعدة الجواز في صورة العلم .

ومنها : القيافة; وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض، وسلب بعض عن بعض على خلاف ما جعله الشارع ميزاناً للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه .

أقول : الوجه في ذلك المخالفة لما جعله الشارع ميزاناً للإلحاق ، وقد ذكر الميزان



(1) الخصال: 19 ح68، وعنه وسائل الشيعة 17: 149، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح2 وبحار الأنوار 79: 210 ح4.
(2) الفقيه 4: 3 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 149، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح1 وروضة المتّقين 9: 341 ـ 342.
(3) لسان العرب 4: 310، النهاية في غريب الحديث والأثر 3: 218، مجمع البحرين 2: 1200، القاموس الفقهي: 248.


صفحه 219

في كتاب النكاح في بحث الولادة من ثبوت الفراش ورعاية أقصى الحمل بعدم الانقضاء عنه، وأقل مدّة الحمل بعدم ثبوت الأقلّ منها(1)، وغير ذلك ، فرفع اليد عن ذلك والاستناد إلى علامات خاصّة ـ وإن كان مفيداً للظنّـ مخالف للميزان الشرعي .

وفي رواية أبي بصير المتقدّمة : «القيافة فضلة في النبوّة ذهبت في الناس حين بُعث النبيّ(صلى الله عليه وآله)» .

نعم ، ربما يتحقّق الالتجاء إلى الرجوع إلى القافة مع اجتماع شرائط الإلحاق، كما في مورد الرواية المفصّلة(2) التي أوردها الشيخ(3) في عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)، الذي صار ذات ولد بعد مضيّ مدّة كثيرة من عمره الشريف، ودغدغة بعض المخالفين وحتّى من الأقرباء في ذلك ، مع أنّ الاعتقاد بإمامته وشهادته بذلك أدلّ دليل على ذلك ، فراجع .

وبالجملة: فالقيافة لا تسوّغ مخالفة الشارع ومناقشته فيما جعله ميزاناً للإلحاق إثباتاً ونفياً ، وهذا واضح جدّاً .

ومنها : التنجيم; وهو بالخصوصيّات المذكورة في المتن لاينبغي أن يعدّ من الأعمال المحرّمة في عداد المحرّمات المذكورة في هذه المسألة، كالكهانة والقيافة ، بل



(1) وسائل الشيعة 21: 169 ـ 170، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء ب56 وص172ـ 175 ب58 وص193 ب74، وج22: 430، كتاب اللعان ب9 ح3.
ويراجع تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 503 ـ 514.
(2) الكافي 1: 322 ح14، وعنه مرآة العقول 3: 378 ـ 382 ح14، وشرح اُصول الكافي والروضة للمولى محمد صالح المازندراني 6: 194 ـ 197 ح14.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 9.


صفحه 220

هو موجب للكفر والزندقة; فإنّ الاعتقاد بتأثير الكواكب السماويّة في العناصر الأرضيّة ـ سواء كان بنحو الاشتراك أو الاستقلال ـ لا يلائم إلاّ مع مذاق الدهريّة أو الثنويّة، أو القول بالتفويض الذي مرجعه إلى انعزال البارئ عن التصرّف في مخلوقاته .

وفي بعض الروايات جواباً عن سؤال التفصيل بين ساحر المسلمين وساحر الكفّار في وجوب القتل في الأوّل دون الثاني قوله(صلى الله عليه وآله) : لأنّ الشرك أعظم من السحر(1) .

وكيف كان، فالتنجيم بالمعنى المذكور لا يكاد ينطبق على الاعتقادات الحقّة ، بل نقول: إنّ في الاُمور الأرضيّة مثل قوله : النار حارّة ، ولو في فرض كون العلّية تامّة، كما إذا كانت هناك محاذات ولم يكن المانع مثل الرطوبة موجوداً، فإن كان المراد أنّ النار باستقلالها تكون مؤثّرة في الحرارة، فهو خلاف معتقدنا ، وإن كان المراد تأثيرها فيها بإرادة الله سبحانه، فلا ينافي كونها برداً وسلاماً، كما في قصّة إبراهيم ـ على نبيّنا و آله و عليه السلام ـ (2)، فهذا هو الموافق للواقع والكتاب والسنّة . وعليه: فالتنجيم بالنحو المذكور خلاف للضرورة وموجب للكفر والزندقة .

بقي في التنجيم شيء; وهو أنّ الإخبار بالخسوف والكسوف والأهلّة ومثلها



(1) الفقيه 3: 371 ح1752، علل الشرائع: 546 ب338 ح1، وعنهما وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح2، وج28: 365، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح1.
وفي بحار الأنوار 79: 212 ح9 عن العلل، وفي ج95: 131 عن مكارم الأخلاق 2: 288 ذ ح 2646.
وفي مستدرك الوسائل 13: 106 و 107 ح14906 و14908، وج18: 191 و 192 ح22474 و22476 عن الجعفريّات: 128 ودعائم الإسلام 2: 482 ح1725.
(2) سورة الأنبياء 21: 69.



<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>