جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
مدخل التفسير - الطبعة المحققة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


صفحه 308

وبيده ، ومرتّباً مؤلّفاً في زمنه ، إن لم يكن مثبتاً لكون ترتيب السور أيضاً بأمره ونظره ، فلا أقلّ من إثباتها لكون ترتيب الآيات وتشكيل السور كذلك ; ضرورة أنّ له المدخليّة الكاملة في ترتّب غرض الكتاب وحصول الغاية المقصودة ; لأنّ المطالب المتفرّقة المتشتّتة لا تفي بتحقّق الغرض ، فالدليل على ترتيب الآيات هو الدليل المتقدّم على تحقّق الجمع في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبيده .

هذا كلّه فيما يتعلّق بمغايرة مصحف عليّ (عليه السلام) مع سائر المصاحف من جهة الترتيب بين السور . نعم ، لا ينبغي الارتياب في عدم اختصاص المغايرة بهذا المقدار ، بل الظاهر ثبوت المغايرة أيضاً من حيث اشتماله على إضافات وزوائد لاتكون فيها أصلاً .

لكنّ الظاهر أنّ تلك الإضافات والزوائد لا تكون جزءاً للقرآن ، وإطلاق «التنزيل» عليها لا يدلّ على كونها من القرآن ; لعدم اختصاص هذا الوصف بالقرآن . وكان المعمول به نزول بعض الاُمور بعنوان التوضيح والتفسير للقرآن ، وكان بعض الكتّاب يكتبه مع القرآن من دون علامة ; لكونهم آمنين من الالتباس ، ولأجله حكي أنّ ابن عباس قرأ وأثبت في مصحفه: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحجّ» (1) .

وحكي عن ابن الجزري أ نّه قال: وربما كانوا يُدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً ; لأنّهم محقّقون لما تلقَّوه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قرآناً ، فهم آمنون من الالتباس ، وربما كان بعضهم يكتبه معه (2) .

وحينئذ ، فالظاهر أنّ الإضافات الواقعة في مصحف عليّ (عليه السلام) كانت من هذا


(1) صحيح البخاري: 5 / 186 ، كتاب تفسير القرآن 65 ب 34 ح4519 ، الإتقان في علوم القرآن: 1 / 265  ، النوع 22 ـ 27 .
(2) النشر في القراءات العشر 1 : 32 ، الإتقان في علوم القرآن 1: 266 ، النوع 22ـ 27 .


صفحه 309

القبيل ، وأ نّ امتيازه إنّما هو من جهة اشتماله على جميع ما نزل بهذا العنوان من دون أن يشذّ عنه شيء ، وهذا بخلاف سائر المصاحف ، ويؤيّده التأمّل في بعض الروايات المتقدّمة(1) الواردة في هذا الشأن ; الدالّ على أنّ التنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ كلّها كان عند عليّ (عليه السلام)  ، فأين الدلالة على اشتماله على مقدار ممّا نزل بعنوان القرآن ، ولا يكون موجوداً في المصحف الفعلي ؟ كما هو واضح .


(1) في ص 301 ـ 302.


صفحه 310

الشبهة الرابعة

الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب وادّعي تواترها (1) ، وهي وإن كان أكثرها ضعيفاً من حيث السند ; لأجل اشتماله على أحمد بن محمّد السيّاري ، الذي اتّفق على فساد مذهبه واتّصافه بالوضع والجعل(2) ، أو على عليّ بن أحمد الكوفي الذي حكي عن علماء الرجال في حقّه: أ نّه فاسد المذهب ، وأ نّه كذّاب(3) ، إلاّ أنّ دعوى التواتر الإجمالي فيها الذي مرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها لا تنبغي المناقشة فيها ، ولكن لابدّ من ملاحظتها ليظهر حالها من حيث الدلالة على القول بالتحريف ، وانطباقها على مدّعى القائل به .

فنقول : هذه الروايات على طوائف مختلفة:

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وقوع التحريف بعنوانه ، أو التغيير والتبديل وما يشابهها من العناوين ، وهي كثيرة :

1 ـ ما رواه الشيخ الكشّي في أوّل رجاله ـ على ما حُكي عنه ـ عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير قالا: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الرازي قال: حدّثني عليّ بن حبيب المدائني ، عن عليّ بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن الأوّل (عليه السلام) وهو في السجن : وأمّا ما ذكرت يا عليّ ممّن تأخذ معالم دينك ؟ لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين ، الذين خانوا الله ورسوله


(1) اُنظر هذه الروايات في كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوري الذي اعتمدها دليلاً على ما ذهب إليه ، الدليل الحادي عشر: 211 ـ 227 .
(2) يأتي تضعيفه تفصيلاً في ص333 ـ 336.
(3) معجم رجال الحديث: 11 / 246، الرقم 7876.


صفحه 311

وخانوا أماناتهم ، إنّهم اؤتمنوا على كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ فحرّفوه وبدّلوه ، فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة (1) .

2 ـ ما عن عليّ بن إبراهيم القمّي ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الجارود ، عن عمران بن هيثم ، عن مالك بن ضمرة ، عن أبي ذرّ (رحمه الله) قال : لمّا نزلت هذه الآية (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ترد عليَّ اُمّتي يوم القيامة على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الاُمّة ، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّاالأكبر فحرّفناهونبذناهوراء ظهورنا ، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه ، فأقول: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .

ثمّ ترد عَليّ راية مع فرعون هذه الاُمّة ، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه ، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه ، فأقول : ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .

ثمّ ترد عليَّ راية مع سامريّ هذه الاُمّة ، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه وصنعنا به كلّ قبيح ، فأقول: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهكم .

ثمّ ترد عَليّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرهم ، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر ففرّقناه ( فمزّقناه  خ ل) وبرئنا منه ، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه ، فأقول لهم: ردّوا إلى النار ظماءً مظمئين


(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 3 ، الرقم 4 ، وعنه وسائل الشيعة 27: 150 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح42، وبحار الأنوار 2: 82 ح2، وعوالم العلوم 3: 408 ح3 .
(2) سورة آل عمران 3: 106 .


صفحه 312

مسودّة وجوهكم .

ثمّ ترد عليَّ راية مع إمام المتّقين ، وسيِّد الوصيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين ، فأقول لهم : ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى اُهرقت فيهم دماؤنا ، فأقول : ردّوا الجنّة رواءً مرويّين مبيضّة وجوهكم ، ثمّ تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يوم تبيضّ وجوه . . .) الآية (1) .

3 ـ ما رواه سعد بن عبدالله القمّي في محكي بصائره على ما نقله عنه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في محكيّ منتخبه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري، المعروف بالشاذكوني ، عن يحيى بن آدم ، عن شريك بن عبدالله ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنى فقال : يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ; فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .

ثمّ قال: أيّها الناس  : إنّي تارك فيكم حرمات ثلاث : كتاب الله ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام .

ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : أمّا كتاب الله فحرّفوا ، وأمّا الكعبة فهدموا ، وأ مّا العترة فقتلوا ، وكلّ ودائع الله قد نبذوا ، ومنها قد تبرّؤوا (2) .

4 ـ ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجل : المصحف ، والمسجد ، والعترة ، يقول المصحف : ياربّ حرّقوني ومزّقوني ، ويقول المسجد : ياربّ


(1) تفسير القمي: 1 / 109 ، وعنه بحار الأنوار: 37 / 346 ح 3 .
(2) مختصر بصائر الدرجات : 213 ح254 ، وأخرجه في بحار الأنوار 23: 140 ب7 ح91 عن بصائر الدرجات: 413 ، الجزء 8 ب 17 ح 3 باختلاف .


صفحه 313

عطّلوني وضيّعوني ، وتقول العترة: ياربّ قتلونا وطردونا وشردونا (1) .

5 ـ ما رواه الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه في محكي «كامل الزيارة» ، عن محمّد بن جعفر الرزّاز الكوفي ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن ابن أبي نجران ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن الحسن بن عطيّة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا دخلت الحائر فقل ـ إلى قوله (عليه السلام) ـ  : اللّهم العن الذين كذّبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرّفوا كتابك ، وسفكوا دماء أهل بيت نبيّك(2) .

6 ـ ما رواه السيّد ابن طاوس في «مهج الدعوات» بإسناده إلى سعد بن عبدالله في كتاب فضل الدّعاء عن أبي جعفر محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا (عليه السلام)  ، وبكير بن صالح ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن الرضا (عليه السلام) قالا: دخلنا عليه وهو في سجدة الشكر ، فأطال السجود ثمّ رفع رأسه ، فقلنا له : أطلت السجود؟ فقال: من دعا في سجدة الشكر ، بهذا الدعاء كان كالرّامي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ، قالا: قلنا: فنكتبه؟ قال: اُكتبا: إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فقولا :

اللّهم العن الّذَين بدّلا دينك ـ إلى قوله (عليه السلام) ـ : وحرّفا كتابك (3) .

7 ـ ما رواه الخوارزمي في محكيّ «مقتل الحسين (عليه السلام) » بإسناده إلى عبدالله بن


(1) الخصال: 175 باب الثلاثة ح 232 ، وعنه بحار الأنوار 7: 222 ح137 و ج24: 186 ح3 وج83 : 368 ح26 وج92: 49 ح9، ووسائل الشيعة 5: 202 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ب5 ح2. وفي بحار الأنوار 24: 186 ح6 عن ابن البطريق في المستدرك نقلاً من الفردوس بمأثور الخطاب 5: 499 ح8880 .
(2) كامل الزيارات: 362 ب 79 قطعة من ح 617 ، وعنه بحار الأنوار 101: 150 قطعة من ح1 ، وفي ص209 قطعة من ح33 عن المزار الكبير: 375 ـ 376 ب15 .
(3) مهج الدعوات: 461 ، دعاء مولانا الرضا (عليه السلام) في سجدة الشكر، وعنه بحار الأنوار: 86 / 223 ، كتاب الصلاة ، باب سجدة الشكر وفضلها (66) ح 44 ، ومستدرك الوسائل: 5 / 139 ، كتاب الصلاة ، أبواب سجدتي الشكر ب5 ح5516 .


صفحه 314

محمّد بن سليمان بن عبدالله بن الحسن بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عبدالله بن الحسن في خطبة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، وفيها : فإنّما أنتم من طواغيت الاُمّة ، وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ، الخطبة (1) .

قال المحدّث المعاصر ـ بعد نقل هذه الرواية: ونسبته (عليه السلام) التحريف إليهم مع كونه من فعل أسلافهم، كنسبة قتل الأنبياء إلى اليهود المعاصرين لجدّه (صلى الله عليه وآله) في القرآن العظيم; لرضاهم جميعاً بما فعلوه واقتفائهم بآثارهم ، واقتدائهم بسيرتهم (2) .

8 ـ ما رواه السيّد ابن طاوس في «مصباح الزائر» ومحمّد بن المشهدي في مزاره ـ كما في البحار ـ عن الأ ئـمّة (عليهم السلام) في زيارة جامعة طويلة معروفة ، وفيها في ذكر ما حدث بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «وعقّت سلمانَها ، وطردت مقدادها ، ونفت جندبها ، وفتقت بطن عمّارها ، وحرّفت القرآن ، وبدّلت الأحكام . . .» (3) .

مناقشة الطائفة الاُولى:

والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: أ نّ المراد بالتحريف وما يشابهه من العناوين المذكورة في هذه الطائفة ليس هو التحريف بالمعنى المتنازع فيه ; وهو تنقيص الكتاب وحذف بعض آياته وكلماته ، بل المراد به ـ كما عرفت(4) في أوّل البحث في معاني التحريف وإطلاقاته ـ هو حمل الآيات على غير معانيها ، وإنكار فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ونصب العداوة لهم وقتالهم وهضم حقوقهم .


(1) مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي: 2 / 6 ـ 7 ، بحار الأنوار: 45 / 8 ، عوالم العلوم 17: 251ـ 252 .
(2) فصل الخطاب للمحدث النوري: 222 ، الدليل الحادي عشر .
(3) مصباح الزائر: 464 ، المزار الكبير: 297 ، وعنهما بحار الأنوار: 102 / 166 ، كتاب المزار ب 57 .  (4) في ص197.


صفحه 315

والدليل على ذلك ـ مضافاً إلى ظهور الروايات بنفسها في أنّ المراد بالتحريف غير ما يدّعيه القائل به ، وإلى أنّ عدم ظهوره في ذلك يكفي لعدم صحّة الاستدلال ; لقيام الاحتمال المنافي له ـ دلالةُ كثير من هذه الروايات على إسناد التحريف إلى جميع الناس ، الذين لم يكونوا تابعين للعترة (عليهم السلام) وقائلين بإمامتهم وولايتهم ، مع أنّ التحريف الذي هو محلّ البحث إنّما وقع ـ على تقدير وقوعه ـ في زمن الخلفاء قبل أمير المؤمنين (عليه السلام)  ; لما مرّ سابقاً(1) من أنّ القائل بالتحريف لا يدّعي وقوعه بعده إلاّ الشاذّ منهم .

وحينئذ يقع الكلام في أنّ التحريف الواقع في زمان مخصوص من أشخاص معدودين ، كيف يصحّ إسناده إلى جميع الناس غير الشيعة ، والحكم بأنّه إذا تعدّيت الشيعة لأخذ معالم الدين أخذت دينك من المحرّفين الذين خانوا الله ورسوله ؟ وكيف يصحّ توجيه الخطاب إليهم ـ كما في خطبته (عليه السلام) يوم عاشوراء ـ بأنّكم محرّفوا الكتاب (2)؟ وكيف سكتوا في مقابل هذا الكلام ولم يعترضوا عليه (عليه السلام)  ؟

وما ذكره المحدّث المعاصر وجهاً لصحّة الإسناد من رضاهم جميعاً بما فعله أسلافهم واقتفائهم لآثارهم واقتدائهم بسيرتهم (3) ، واضح الفساد ; ضرورة أنّه هل يرضى مسلم معتقد بأساس الإسلام، وناظر بالكتاب العزيز بعنوان الوحي الإلهي والمعجزة الوحيدة الخالدة للنبوّة والرسالة بأن يقع فيه التحريف؟! وهل يُقتدى بسيرة المحرّف ويُقتفى أثره في هذه الجهة ؟ ومجرّد الاعتقاد بخلافة المحرّف لا يوجب الرضا بعمله والخضوع في مقابل فعله ، بل وهل يجتمع الاعتقاد بالخلافة


(1) في ص251 ـ 252.
(2) تقدّم في ص314 ذ ح 7.
(3) وهو ما ذكره المحدث النوري ، اُنظر الصفحة السابقة .


صفحه 316

مع الاعتقاد بأ نّه المحرّف والمغيّر ؟ بل وهل يرضى القائل بخلافته بإسناد التحريف ونسبته إليه ؟ فهذه كتبهم بين أيدينا تنادي بأعلى الصوت ، وتصرّح بأعلى مراتب الصراحة بكذب هذه النسبة، ونفي وقوع التحريف منه ومن غيره ، ومع ذلك هل يصحّ إسناد التحريف إلى جميع القائلين بخلافته مستنداً إلى رضاهم بذلك ؟

سلّمنا وقوع التحريف منه ، فهل تصحّ نسبة عمل قبيح صادر من إمام قوم إلى جميع أفراد ذلك القوم مع عدم اطّلاعهم على وقوعه منه ، وعدم ارتكابهم إيّاه وعدم رضاهم بذلك ؟ ولعمري ، إنّ هذا من الوضوح بمكان ، فلا محيص عن حمل التحريف الواقع في هذه الروايات المسندة إلى غير الشيعة على ما ذكرنا من حمل الآيات على غير معانيها ، وإنكار فضل أهل البيت وعدم الالتزام بإمامتهم والاقتداء بسيرتهم ، فلا مساس لهذه الطائفة من الروايات بمرام المستدلّ أصلاً .

الطائفة الثانية: الروايات التي تدلّ على أنّه قد ذكر في بعض آيات الكتاب اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) والأ ئـمّة المعصومين من ولده (عليهم السلام)  ، وهذه الطائفة أيضاً كثيرة:

1 ـ ما رواه في الكافي بإسناده عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ولاية عليّ (عليه السلام) مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث الله رسولاً إلاّ بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ووصيّة عليّ (عليه السلام)  (1) .

2 ـ رواية سيف بن عميرة ، عن غير واحد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال:


(1) الكافي: 1 / 437 ، كتاب الحجّة ب 109 ح 6 ، وعنه الصراط المستقيم 1: 278 وتأويل الآيات: 84 ، 161 ، 388 و 547 . وأخرجه في بحار الأنوار 26: 280 ح44 عن بصائر الدرجات 72 ، الجزء الثاني ب8 ح1 ، وفي ج38: 46 عن مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب 2: 253 نقلاً من الكافي .


صفحه 317

لو ترك القرآن كما اُنزل لألفينا فيه مسمّين كما سمّي من كان قبلنا (1) .

3 ـ ما رواه في الكافي أيضاً عن عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (صلى الله عليه وآله) هكذا : ( وَ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ـ في عليّ ـ فَأْتُوا بِسُورَة مِّن مِّثْلِهِ) (2) (3) .

4 ـ ما رواه فيه أيضاً عن أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم الحسني ، عن محمّد ابن الفضل عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (صلى الله عليه وآله) هكذا: ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَـلَمُوا ـ آل محمّد حقّهم ـ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَـلَمُوا ـ آل محمّد حقّهم ـ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُوايَفْسُقُونَ) (4) (5) .

5 ـ ما رواه فيه أيضاً عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي يحيى ، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا


(1) التنزيل والتحريف: 2 .
(2) سورة البقرة 2: 23 .
(3) الكافي: 1 / 417 ، كتاب الحجّة ب 108 ح 26 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 157 ح357، وبحار الأنوار 23: 373 ملحق ح51 . وفي ج35: 57 عن مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب 3 : 106 ، وفي ج36: 114 ح61 عن الروضة: 133 / 16 .
(4) سورة البقرة 2: 59 .
(5) الكافي: 1 / 423 ، كتاب الحجّة ب 108 ، ح 58 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 229 ح488، وبحار الأنوار 24: 224 ح15 . وفي ص222 ح8 ، وتفسير الصافي 1: 121 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 229 ح491 عن تفسير العيّاشي 1: 45 عن زيد الشحّام مثله .


صفحه 318

وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام (1) .

6 ـ رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام (2) .

ومنها غير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون .

مناقشة الطائفة الثانية

والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ـ مضافاً إلى عدم دلالة بعضها على كون الاسم مذكوراً في الكتاب بالصراحة ; فإنّ اشتمال جميع صحف الأنبياء (عليهم السلام) ، ومنها القرآن، على ولاية أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين، كما في الرواية الاُولى لا دلالة فيه على ذكر الاسم والتعرّض له صريحاً ، وهو غير خفيّ ، كما أنّ نزول القرآن ثلثه أو ربعه في الأ ئـمّة (عليهم السلام) ليس معناه التعرّض لأساميهم المقدّسة والتصريح بعناوينهم الشريفة ، بل المراد هو الاشتمال على فضائلهم ومدائحهم


(1) الكافي: 2 / 627 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 2 ، وعنه الوافي 9: 1768 ح9075 ومرآة العقول 12: 517 ح2 وتفسير نور الثقلين 1: 165 ح569 . وفي تفسير الصافي 1: 23 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 9 ح3 . وفي بحار الأنوار 92: 114 ح2 عن تفسير العيّاشي . ورواه في شواهد التنزيل 1: 58 ح59 .
(2) الكافي 2: 628 ح4 ، وعنه الوافي 9: 1769 ح9077 ، ومرآة العقول 12: 517 ح4 ، وتفسير نور الثقلين 1: 167 ح571 . وفي تفسير الصافي 1: 22 ـ 23 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 9 ح1 عن أبي الجارود . وفي بحار الأنوار 92: 114 ح1 عن تفسير العيّاشي . ورواه في مسائل السرويّة 80 مرسلاً ، وشواهد التنزيل 1: 57 ح58 ، وتفسير فرات: 47 ح58 بإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مثله . وفي الفضائل لشاذان بن جبرئيل: 347ـ 348 ذ ح 149 باختلاف .


صفحه 319

بالعناوين التي هم أظهر مصاديقها وأكمل أفرادها ، كما أنّ اشتماله على قدح أعدائهم لا يرجع إلى ذكرهم بأسمائهم ، بل إلى ذكرهم بالعناوين التي لا تنطبق إلاّ عليهم ولايصدق على من سواهم كما هو ظاهر ـ :

أنّ الظاهر أنّ المراد بالتنزيل والنزول ليس هو التنزيل بعنوان القرآنيّة ، بل بعنوان التفسير والتوضيح له ; لما مرّ(1) في ذكر مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنّ اشتماله على جميع ما نزل لا دلالة فيه على كونه قرآناً بأجمعه ، بل كان امتيازه من بين سائر المصاحف لأجل اشتماله على جميع ما نزل بعنوان التفسير والتأويل ، من دون أن يشذّ عنه شيء ، بخلاف سائر المصاحف .

وعليه: فالظاهر أنّ اسمه المبارك والأسامي الشريفة للأئمّة من ولده ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ كانت مذكورة في مقام بيان المراد والشرح والتوضيح لابعنوان القرآنيّة .

ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ أ نّه لو كان اسمه مصرّحاً به في القرآن ، ولا محالة يكون التصريح به مقروناً بمدحه والتعرّض لولايته وخلافته ; لكان اللاّزم الاستدلال به في مقام الاحتجاج على خلافته وولايته ; من دون فرق بين أن يكون الاستدلال صادراً من نفسه الشريفة ، أو من غيره ممّن يتولاّه ويعتقد بولايته ، مع أنّ الاحتجاجات مضبوطة ، وليس في شيء منها الاحتجاج بالكتاب بهذا النحو المشتمل على وقوع التصريح باسمه وخلافته ، كما يظهر لمن راجعها .

مضافاً إلى أنّ حديث «الغدير» وقصّته الشريفة صريح في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما نصب عليّاً (عليه السلام) بأمر الله بتلك الكيفيّة المعروفة المشتملة على أنّ النبيّ إنّما كان عنده خوف من ذلك ، ووعده الله أن يعصمه من الناس ، وأكّده بأنّه إن لم يفعل ما بلّغ رسالته ;


(1) في ص308 ـ 309.


صفحه 320

ولأجله جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس في اليوم المعروف في وسط الطريق ; لأجل إظهار الولاية وتبليغ الخلافة وتعيين الوصاية(1) ، ولو كان اسم عليّ (عليه السلام) مذكوراً في القرآن ـ ولا محالة كان ذلك بعنوان الولاية والإمارة ـ لما كان حاجة إلى أصل النّصب ، ولما كان وجه لخوف الرسول(صلى الله عليه وآله)  ، ولما كان لمكث الناس وجمعهم في


(1) غدير خمّ وولاية عليٍّ(عليه السلام) : غدير خمّ: منطقة تقع بين مكّة والمدينة ، بينها وبين الجحفة ميلان ، وفيها تتشعّب طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين . كان النبي (صلى الله عليه وآله) في طريق عودته من مكة إلى المدينة سنة 10 هجريّة بعد أدائه لحجّته الأخيرة (حجّة الوداع) نزل عليه الوحي بقوله ـ تعالى ـ : (يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـفِرِينَ) سورة المائدة 5: 67 . أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) الحجّاج المسلمين بالتوقّف في هذا المكان ، وألقى خطبته الشهيرة التي قال فيها: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره  . . . . وما أن أتمّ (صلى الله عليه وآله) خطبته حتى نزل جبريل بقوله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلَـمَ دِينًا) سورة المائدة 5: 3 . ثمّ طفق القوم يهنّئون أميرالمؤمنين(عليه السلام) وفي مقدمتهم الشيخان أبو بكر وعمر كلّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة . وقال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم . وقال حسّان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديا يقول فمن مولاكم ووليّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت وليّنا *** ولم ترَ منّا في الولاية عاصيا فقال له: قم ياعليُّ فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللّهمّ وال وليّه *** وكن للذي عادى عليّاً معاديا كشف الغمّة 1: 318 ـ 319 عن الحافظ ابن مردويه ، وخصائص وحي المبين: 61ـ 62 عن الحافظ أبي نعيم ، المسند لابن حنبل 1: 182 ح 641 ، وج 9: 43 ح 23168 وص143 ح23622 ، وسنن ابن ماجة 1: 88 ح 116 ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير2: 14 ، والبداية والنهاية 5: 198ـ 203 وج7: 328ـ 332 ، ولمزيد الاطّلاع اُنظر مصادر حديث الغدير عند الفريقين في كتاب الغدير للأميني .


صفحه 321

وسط الطريق مع كثرتهم جدّاً أثر أصلاً .

كلّ ذلك دليل قطعيّ على عدم كون موضوع الولاية معلوماً عند المسلمين ، وعدم كون إمارة عليّ (عليه السلام) معروفة لديهم ; لأجل عدم اشتمال القرآن على ذلك صريحاً ، وعدم التعرّض لاسمه قطعاً  ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ قصّة الغدير إنّما وقعت في أواخر عمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الرجوع عن حجّة الوداع ، وفي ذلك الزمان قد نزلت عامّة القرآن وشاع بين المسلمين .

وبالجملة: فنفس حديث الغدير ـ الذي لا مجال للخدشة فيه ، وهو المسلّم عند القائل بالتحريف أيضاً ـ دليل قطعيّ على عدم اشتمال القرآن على التصريح بالولاية لعليّ (عليه السلام) بحيث لم يكن معه حاجة إلى النصب ، كما هو واضح .

هذا ، مضافاً إلى دلالة الروايات المتواترة على وجوب عرض الروايات المنسوبة إليهم (عليهم السلام) ـ المنقولة عنهم ـ على الكتاب والسنّة ، وأ نّ ما خالف الكتاب يجب طرحه ، وأ نّهم لم يقولوا به ولم يصدر عنهم (عليهم السلام) (1) ، ومن الواضح:

أوّلاً: أنّ المراد بالكتاب الذي يجب عرض الروايات عليه ، ليس هو الكتاب الذي لم يكن بأيدي الناس ، بل كان عند أهله على فرض اختلافه مع القرآن الذي يكون بأيدي الناس ، كما يقول به القائل بالتحريف; ضرورة أنّ المأمور بالعرض على الكتاب هو عموم الناس ، والكتاب الذي اُمروا بالعرض عليه هو الكتاب الذي يكون بأيديهم .

ثانياً: أ نّ أخبار العرض على الكتاب لا يختصّ موردها بخصوص الروايات الواردة في الأحكام الفرعيّة العمليّة ; لأ نّه ـ مضافاً إلى عدم قرينته على


(1) وسائل الشيعة 27: 106ـ 124 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 .


صفحه 322

الاختصاص ـ يدلّ عليه أنّ القرآن لا دلالة له على كثير من هذه الأحكام ، فكيف يكون الغرض من هذه الأخبار ـ على كثرتها ـ عرض خصوص الروايات الواردة في الفروع ؟ بل الظاهر العموم ، وحينئذ نقول:

إنّ هذه الطائفة من الروايات الدالّة على اشتمال القرآن على ذكر أسماء الأ ئـمّة (عليهم السلام) مخالفة للكتاب ، فيجب طرحها وضربها على الجدار .

مع أنّ عمدتها هي ما رواه في الكافي عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام)  (1) ، وفيها قرينة واضحة على كذبها وعدم صدقها ; فإنّ ذكر عليّ (عليه السلام) في الآية التي كانت بصدد إثبات النبوّة وفي مقام التحدّي على الإتيان بمثل القرآن ، لا مناسبة له أصلاً ; ضرورة أنّ الغرض منها إثبات أصل النبوّة والسفارة ، وكون القرآن نازلاً من عند الله غير قابل للريب فيه ، وأ نّ البشر عاجز عن الإتيان بمثله ، فأيّ تناسب بين هذا الغرض وبين ذكر عليّ (عليه السلام)  ؟!

وبعبارة اُخرى: الريب الذي كانوا فيه ، هو الريب بالإضافة إلى جميع القرآن ، وتخيّل أ نّه غير مرتبط بالوحي الإلهي ، لا الريب فيما نزل في عليّ  (عليه السلام)  ، والتحدّي المناسب إنّما هو التحدّي على الإتيان بما يماثل القرآن ، ولا ملاءمة بين الريب فيما نزل في عليّ ، وبين الإتيان بسورة مثل القرآن ، كما هو واضح .

ومع قطع النظر عن جميع الأجوبة المذكورة ، وتسليم ما استفاد المستدلّ من هذه الطائفة نقول: إنّها معارضة برواية صحيحة صريحة في خلافها ، وهي ما رواه في الكافي عن أبي بصير ، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ  : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الاَْمْرِ مِنكُمْ) (2) فقال: نزلت في


(1) تقدّمت في ص316 .
(2) سورة النساء 4: 59 .


صفحه 323

عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)  . فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عزّوجلّ؟ قال: فقال : قولوا لهم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)  . . . هو الذي فسّر ذلك لهم . . . الحديث (1) .

فإنّه يستفاد منه مفروغيّة عدم اشتمال القرآن على اسم عليّ والأ ئـمّة من ولده (عليهم السلام) بين السائل والإمام ، وكان غرض السائل استفهام العلّة ، والسؤال عن نكتة عدم الاشتمال وعدم التسمية .

وعليه: فهذه الرواية حاكمة على الروايات المتقدّمة ومبيّنة للمراد منها ، وأ نّ الغرض من الاشتمال ليس هو التصريح بالاسم بعنوان القرآنيّة ، بل بعنوان التفسير والتأويل ، ولو أبيت عن الحكومة وقلت بالمعارضة ، يكفي ذلك لسقوط الاستدلال ، وأن لا يكون للتمسّك بهذه الطائفة مجال ، فهل مع ذلك يبقى الشكّ والإشكال ؟!

الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على ذكر أسامي أشخاص اُخر في القرآن ، وأ نّ المحرّفين حذفوها وأبقوا من بينها اسم أبي لهب:

1 ـ ما في محكيّ غيبة النعماني عن أبو سليمان أحمد بن هوذة قال : حدّثنا إبراهيم ابن اسحاق النهاوندي ، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن الحصيرة ، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلّمون الناس القرآن كما اُنزل، قلت: يا أميرالمؤمنين


(1) الكافي: 1 / 286 ، كتاب الحجّة ب 64 ح 1 ، وعنه الوافي 2: 269 ح745 ، والبرهان في تفسير القرآن 2: 105 ح2481 ، ومرآة العقول 3: 213 ح1 . وفي تفسير الصافي 1: 428 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 249 ح169 . وأخرجه في البرهان في تفسير القرآن 2: 111 ح2493 وبحار الأنوار 35: 210 ح12 عن تفسير العيّاشي باختلاف .


صفحه 324

أوليس هو كما اُنزل؟ فقال: لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وما ترك أبو لهب إلاّ إزراءً على رسول الله(صلى الله عليه وآله)  ; لأ نّه عمّه (1) .

2 ـ ما رواه الشيخ أبو عمر والكشّي في محكيّ رجاله في ترجمة أبي الخطّاب ، عن أبي علي خلف بن حامد قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن طلحة ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن بريد العجلي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستَّة وتركوا أبا لهب (2) .

3 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال: دفع إليّ أبو الحسن (عليه السلام) مصحفاً وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (3) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : اِبعث إليّ بالمصحف (4) .

مناقشة الطائفة الثالثة

والجواب عن هذه الطائفة ـ مضافاً إلى عدم تماميّة شيء منها من حيث السند لأجل الضعف أو الإرسال ، وإلى ثبوت المعارضة والمنافاة بين أنفسها ، ولا يدفعها ما ذكره المحدّث المعاصر من عدم حجّية مفهوم العدد ، ولعلّ الاقتصار على السبعة في رواية بريد لعدم تحمّل السامع أزيد منها ; فإنّهم كانوا يكلّمون الناس


(1) الغيبة للنعماني : 318 ب 21 ح 5 ، وعنه بحار الأنوار: 52 / 364 ب 27 ح 141 وج92: 60 ح46 .
(2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ«رجال الكشي»: 290 ، الرقم 511 ، وعنه بحار الأنوار 92: 54 ، كتاب القرآن ب 7 ح 21 .
(3) سورة البينة 98 : 1 .
(4) الكافي: 2 / 631 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 16 ، وعنه الوافي 9: 1778 ح9088 ومرآة العقول12: 521 ح16 ، وقد تقدّم في ص205 .


صفحه 325

على قدر عقولهم (1) ،(2); لوضوح بطلان الدفع ، وإلى مخالفتها للكتاب ، فتشملها الأخبار الدالّة على العرض على الكتاب ، وأ نّ ما خالفه باطل أو زخرف(3)بالتقريب المتقدّم في الطائفة السابقة ـ أ نّ ملاحظة مضامينها تشهد بكذبها ; ضرورة أ نّ ترك أبي لهب لا مساس له بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)  ; فإنّ مجرّد العمومة ما لم يكن اشتراك في التوحيد والنبوّة ، لا يترتّب عليها شيء من التوقير والحرمة .

مضافاً إلى أنّ الرواية الاُولى مشعرة بأ نّه كان المناسب محو اسم أبي لهب أيضاً ، ولا يتوهّم في الإمام (عليه السلام) مثل ذلك بوجه .

والرواية الثانية صدرها مناقض لذيلها ; لأنّ صدرها يدلّ على أنّه أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، والذيل يدلّ على محو السبعة جميعاً وترك أبي لهب ، فهو يدلّ على كون المجموع ثمانية ، وليس قوله (عليه السلام) : «وتركوا أبا لهب » بمنزلة الاستثناء عن محو السبعة ، كما لا يخفى .

والرواية الثالثة لا دلالة فيها على كون اسم سبعين من قريش بعنوان الجزئيّة للقرآن ، مع أنّ تصريح الراوي بمخالفة نهي الإمام (عليه السلام) عن النظر فيه يوجب سقوط روايته عن الاعتماد ، كما أنّ الظاهر من الرواية أ نّ دفع الإمام (عليه السلام) المصحف إليه إنّما هو لأجل أن يرى فيه ما رأى ، ولا يجتمع ذلك مع النهي عن النظر ، فتدبّر .

وكيف كان ، فالاعتماد على هذه الطائفة مع ملاحظة ما ذكرنا لا يتحقّق من الطالب المنصف البعيد عن التعصّب ، والتابع للدليل والبرهان .

الطائفة الرابعة: الروايات الدالّة على أنّه قد غُيِّر بعض كلمات الكتاب العزيز


(1) الكافي: 1 / 23 ح15 ، وج8 / 268 ، تحف العقول: 37.
(2) فصل الخطاب: 214، أوائل الدليل الحادي عشر «يج».
(3) يراجع ص173، 237 و 332.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>