( الصفحه 131 )
أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضاً يرجع إلى أربعة :
أحدها : القول بامتداده إلى زمان غيبوبة الشفق وهو الحمرة وهو مذهب من عدى أبي حنيفة من القائلين بالامتداد إلى الشفق .
وثانيها : هذا القول ولكن المراد بالشفق هو البياض الغربي اختاره أبو حنيفة .
وثالثها : ضيق وقت المغرب ، قاله الشافعي حيث ذكر انّ وقت المغرب وقت واحد وهو إذا غابت الشمس وتطهر وستر العورة واذّن وأقام فإنّه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت فإن أخّر عنه فاته .
ورابعها : امتداد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الثاني ذهب إليه مالك .
وامّا أصحابنا الإمامية فقد ذكر في الحدائق انّ المشهور انّه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار اداء العشاء وهو اختيار السيّد المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقّق وابن عمّه نجيب الدين وسائر المتأخّرين .
وقال الشيخ في أكثر كتبه : آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح . وقال في الخلاف : آخره غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج .
وحكى الشيخ في الخلاف القول بالامتداد إلى طلوع الفجر عن بعض أصحابنا وصرّح المحقّق في محكي المعتبر بامتداد العشائين إلى طلوع الفجر للمضطرّ وتبعه صاحب المدارك وشيده وتبعه جملة ممّن تأخّر عنه .
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول : إنّها على خمس طوائف :
الطائفة الاُولى : ما ظاهره التضيق كرواية زيد الشحام قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)ن وقت المغرب فقال : إنّ جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لكلّ صلاة بوقتين غير
( الصفحه 132 )
صلاة المغرب فإنّ وقتها واحد وإنّ وقتها وجوبها .
ورواية أديم بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلوات كلّها فجعل لكلّ صلاة وقتين إلاّ المغرب فإنّه جعل لها وقتاً واحداً .
ولكن هذه الطائفة مضافاً إلى معارضتها لبعض الروايات الدالّة على ثبوت الوقتين لصلاة المغرب أيضاً وسيأتي التعرّض له ولما هو المقصود من ثبوت الوقتين لكلّ صلاة إن شاء الله تعالى لا دلالة لها على التضييق بمثل ما قال به الشافعي لبعض الروايات الآتية الواردة في انّ آخر الوقت سقوط الشفق المصرّحة بثبوت الوقت الواحد للمغرب وبأنّ وقت فوتها سقوط الشفق أيضاً فيعلم من ذلك انّ ثبوت الوقت الواحد لا يستلزم التضيق بوجه ، ويؤيّده أيضاً التعبير بالضيق في وقت المغرب مع التصريح بأنّ آخر وقتها ذهاب الحمرة في رواية إسماعيل بن مهران الآتية فهذه الطائفة لا تدلّ على الضيق الاصطلاحي أصلاً مع أنّه لا قائل به بين الإمامية كما عرفت .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على أنّ آخر وقتها زوال الشفق أو الحمرة :
كصحيحة زرارة والفضيل قالا : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لكلّ صلاة وقتين غير المغرب فإنّ وقتها واحد ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها سقوط الشفق .
ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في اُفق المغرب .
( الصفحه 133 )
ورواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت المغرب قال : ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق .
وصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة المصرّحة بأنّ آخر ذلك غيبوبة الشفق .
والطائفة الثالثة : ما تدلّ على الامتداد إلى ربع الليل والظاهر انّها لا تكون إلاّ رواية واحدة رواها عمر بن يزيد ، غاية الأمر انّها رويت بصور متعدّدة وقد جعلها في الوسائل روايات متعدّدة مع أنّ الظاهر عدم كونها إلاّ رواية واحدة فروى في الباب التاسع عشر من أبواب المواقيت :
الحديث الأوّل هكذا : عمر بن يزيد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل .
والحديث الثاني : عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل .
والحديث الثالث : قال الكليني : وروى أيضاً إلى نصف الليل . وظاهره انّه رويت هذه الرواية أيضاً إلى نصفه .
والحديث الخامس : عمر بن يزيد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل ثمّ قال ، ورواه الكليني كما مرّ .
والحديث الثامن : عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت المغرب فقال : إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل فقال : قال لي هذا وهو شاهد في بلده .
والحديث الحادي عشر : عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا
( الصفحه 134 )
نزلت اُصلّي معهم لم أستمكن (أتمكّن ـ خ ل) من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة فقال : ايت منزلك وانزع ثيابك وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلِّ فإنّك في وقت إلى ربع الليل .
والحديث الرابع عشر : عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل فإن أخّرت الصلاة حتّى اُصلّي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أنا اُصلّي في بعض المساجد؟ فقال : صلِّ في منزلك .
ومن الواضح انّ هذه الأحاديث الستّة لا يكون إلاّ حديثاً واحداً مروياً بعبارات مختلفة ولا يكون روايات متعدّدة و ـ حينئذ ـ فلا يعلم انّ المروي هل هو ربع الليل أو ثلثه أو نصفه وانّه هل كان في خصوص السفر أو مطلق الحاجة أو الأمكنية أو مطلقاً ولم تكن هناك حاجة أو أمكنية وعليه فلايجوز الاستناد بالرواية أصلاً لعدم تعيّن صورتها وعدم وضوح ما هو الصادر أصلاً ، نعم القدر المتيقّن هو الامتداد إلى النصف .
والطائفة الرابعة : ما يدلّ على الامتداد إلى انتصاف الليل وهي :
رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية عبيد بن زرارة ـ على ما رواه الشيخ (قدس سره) ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلاّ انّ هذه قبل هذه .
( الصفحه 135 )
ومرسلة الكليني المتقدّمة .
والطائفة الخامسة : ما يدلّ على الامتداد إلى طلوع الفجر امّا مطلقاً أو في موارد النوم والنسيان والحيض وهي :
رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس .
ورواها الصدوق بالإرسال المعتبر قال : قال الصادق (عليه السلام) : لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتى تغرب الشمس ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، وذلك للمضطرّ والعليل والناسي .
والظاهر انّه لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند ، كما انّ الظاهر انّ المراد من صلاة الليل هي الصلوات الليلية التي هي المغرب والعشاء في قبال صلاة النهار وصلاة الفجر . والتخصيص بالمضطرّ والعليل والناسي في ذيل رواية الصدوق لا يكون جزء للرواية وتتمّة لها ، بل هو من اجتهاد الصدوق أورده في ذيل الرواية كما هو دأبه .
نعم يمكن أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق لرواية مع عدم الذيل أيضاً خصوصاً مع التعبير بعدم الفوت الظاهر في عدم كون التأخير اختياراً وإن كانت قرينة السياق تقتضي جواز التأخير اختياراً كما في الظهرين وفريضة الصبح . وبالجملة لم يثبت للرواية من حيث هي إطلاق يقتضي امتداد الوقت إلى طلوع الفجر ولو في حال الاختيار فتدبّر .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن نام رجل ولم يصلِّ صلاة المغرب والعشاء أو نسى فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما وإن خشى