( الصفحه 146 )
فيه الخصوصيتان المذكورتان فمضافاً إلى أنّه لا شاهد لهذا التقييد انّ تشخيص النجوم الكذائية في غاية الإشكال فكيف يتيسّر تشخيص النجوم الطالعة عند الغروب الدائرة في مدارات الشمس ، وعليه فلابدّ امّا من حمل الرواية على بيان الوقت التقريبي خصوصاً مع كون منظور السائل هو تشخيص وقت صلاة الليل الداخل بالانتصاف كما لايخفى ، وامّا من إرجاعها إلى أهله وردّه إليهم لعدم وضوح مراده خصوصاً مع اضطراب الجواب عن السؤال الأوّل كما عرفت .
وامّا رواية أبي بصير فغاية مفادها انّ غسق الليل إنّما هو نصفه كما انّ زوال الشمس نصف النهار ، وامّا كون المناط في نصف الليل هو النصف من غروب الشمس إلى طلوعها فلا دلالة لها عليه أصلاً كما لا يخفى .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّه لا شاهد لهذا القول الذي يرجع إلى كون نصف الليل هي الساعة الثانية عشرة بعد زوال الشمس ، بل مقتضى الدليل هو ما ذهب إليه المشهور ، وذكر صاحب الجواهر : «انّه لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة انّ المنساق من إطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة ومواقف الحج والقسم بين الزوجات وأيّام الاعتكاف وجميع الأبواب انّ المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغرو ومنه إلى طلوعه بالثالث كما قد نصّ عليه غير واحد من الفقهاء والمفسّرين واللغويين فيما حكى عن بعضهم» ثمّ شرع في نقل أقوال جمع من المفسِّرين في الموارد المختلفة ثمّ استدلّ هو بآيات كثيرة مثل قوله تعالى : }سلام هي حتّى مطلع الفجر{ وقوله تعالى : }والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر{ وقوله تعالى : }قل أرأيتم ان آتيكم عذابه بياتاً أو نهاراً{ وقوله تعالى : }أيّاماً معدودات أو عدّة من أيّام اُخر{ وقوله تعالى : }أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم{ وقوله تعالى : }فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا
( الصفحه 147 )
رجعتم{ وقوله تعالى : }قم الليل إلاّ قليلا{ وقوله : }فالق الإصباح وجعل الليل سكناً{ وقوله تعالى : }وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم{ وغير ذلك من الآيات التي استدلّ بها وبين وجه دلالتها ثمّ ذكر انّ المجلسي في البحار قد جمع شطراً من النصوص الدالّة أو المشعرة بذلك وربّما يقرب إلى المائة من كتب متفرّقة كالكافي والتهذيب والفقيه وفقه الرضا و . . . .
ولا يخفى انّ بلوغ الرواية في الكثرة إلى مثل هذا الحدّ يغنينا عن ملاحظة السند وانّه معتبر أم لا وذلك لثبوت التواتر الإجمالي فيها ومرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها ولو واحداً وهو يكفي في مقام الاستدلال مع انّ استناد المشهور إليها وموافقتها للآيات الظاهرة في ذلك ممّا يجبر الضعف على تقديره فالمناقشة فيها من حيث السند لا مجال لها أصلاً .
كما انّ احتمال كون الاستعمال في الروايات البالغة ذلك الحدّ استعمالاً مجازياً مبنياً على المسامحة ورعاية العلاقة ممّا لا يعتنى به عند العقلاء ، وكيف يمكن حمل الاستعمال في مأة رواية على المجاز خصوصاً مع كون الاستعمال في معناه الحقيقي ـ على هذا الفرض ـ في غاية الندرة ، فالإنصاف انّ الاستدلال بالكتاب والسنّة خال عن المناقشة ولا بأس بإيراد بعض الروايات فنقول :
منها : ما رواه الصدوق باسناده عن يحيى بن أكثم القاضي انّه سأل أبا الحسن الأوّل عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنّما يجهر في صلاة الليل فقال : لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر قال : مع طلوع الفجر انّ الله تعالى يقول : }انّ قرآن الفجر
( الصفحه 148 )
كان مشهوداً{ يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرّتين تثبته ملائكة الليل وملائكة النهار .
ومثلها رواية زريق عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو قبل أن يستعرض وكان يقول : }وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهوداً{ ، انّ ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر فأنا أحبّ أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي وكان يصلّي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم .
وأورد على الأخيرتين بعض الأعلام بما حاصله : انّه من البعيد جدّاً بل يمتنع عادة الإتيان بصلاة الغداة حين طلوع الفجر ومقارناً له أي في الآن الأوّل منه لاختصاص العلم بأنّ الآن هو الآن الأوّل من الطلوع بالمعصومين (عليهم السلام) على انّ الصلاة تتوقّف على مقدّمات ولاسيما فيما إذا كانت جماعة ولا أقلّ من أن يؤذن ويقام لها وهي تستلزم تأخّر صلاة الفجر عن الآن الأوّل فكيف تشهدها ملائكة الليل ـ حينئذ ـ فلا مناص معه امّا من أن تتقدّم ملائكة النهار وامّا من أن تتأخّر ملائكة الليل حتّى تشهدها الطائتفان ولا ترجيح للثاني .
أقول : بطلان هذا الإيراد واضح فإنّه كيف يمكن مقايسة تأخّر الملائكة أي ملائكة الليل بدقائق لا تتجاوز عن مثل عشرة بتقد ملائكة النهار ساعة ونصف ساعة الذي هو زمان بين الطلوعين نوعاً كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه قد استدلّ بروايتين على كون ما بين الطلوعين لا من الليل والنهار :
إحداهما : رواية أبي هاشم الخادم قال : قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) : لِمَ جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال : لأنّ
( الصفحه 149 )
ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل الله لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة .
ثانيتهما : رواية عمر بن أبان الثقفي قال : سأل النصراني الشامي الباقر (عليه السلام) عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر (عليه السلام) : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : إذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : من ساعات الجنّة وفيها يفيق مرضانا ، فقال النصراني : أصبت .
أقول : مع انّ الروايتين لا تنافيان ما نحن بصدده من كون منتهى الليل طلوع الفجر ، بل تدلاّن عليه يرد عليهما مضافاً إلى ضعف السند انّ الرواية الاُولى مضطربة ومجملة لدلالتها على كون مجموع الفريضة والسنّة خمسين لا يزاد فيها ولا ينقص منها أمراً مسلماً لا ارتياب فيه مع انّها في مقام الحساب يبلغ عدد المجموع بلحاظ الركعة المجعولة للغسق زائداً على المذكور بواحدة وكون الواحدة بدلاً عن صلاة الوتر كما عرفت سابقاً لا يجتمع مع دلالتها على أنّها مجعولة للغسق الذي هي ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق مع أنّ جعل المجموع خمسة وعشرين ساعة غير معهود مع أنّ جعل ما بين الطلوعين ساعة من خمسة وعشرين لا يظهر وجهه لكونه ساعة ونصفاً من أربع وعشرين ساعة على ما هو المتداول فالرواية غير صالحة للاستدلال بها .
وامّا الرواية الثانية فيخطر بالبال انّ جواب الإمام (عليه السلام) فيها كان مطابقاً لما هو معتقد النصراني ولا يكون من موارد التقرير الذي يكون حجّة كما لا يخفى وكون ما بين الطلوعين من ساعات الجنّة بحيث يفيق فيه المرضى لا ينافي كونه من ساعات
( الصفحه 150 )
النهار واقعاً فتدبّر .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الظاهر كون ما بين الطلوعين من ساعات النهار وانّ الليل ينتهي بطلوع الفجر وانّ منتصفه قبل ساعة الثانية عشرة بعد الزوال بنصف ساعة وربع تقريباً .
الأمر الثاني : في وقت فريضة العشاء والكلام فيه يقع من جهتين أيضاً :
الجهة الاُولى : في ابتداء وقتها فنقول : لا خلاف بين الفقهاء من العامّة في أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق ، وإنّما اختلفوا في ماهية الشفق فذهب بعضهم كالشافعي ومالك إلى أنّه الحمرة فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء ، وبعضهم إلى أنّه هو البياض كأبي حنيفة .
وامّا علمائنا الإمامية فالمسألة محلّ خلاف بينهم فاختار جمع كثير منهم السيّد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس دخول وقتها بغيبوبة الشمس وغروبها وقد صار هذا القول من زمان العلاّمة (قدس سره) إلى هذه الأزمنة أمراً مسلّماً مقطوعاً به وذهب الشيخ في أكثر كتبه والمفيد وسلاّر والصدوق في النهاية إلى أنّ أوّل وقتها غيبوبة الشفق بمعنى الحمرة ، بل وصف هذا القول الشيخ في الخلاف بأنّه الأظهر من مذهب أصحابنا ومن رواياتهم وبالجملة فالمسألة مختلف فيها بينهم .
ومنشأ اتفاق العامة هو استمرار عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التفريق والإتيان بالعشاء بعد زوال الشفق مع أنّ التفريق والإتيان بالثانية في وقت واحد معيّن إنّما هو لمراعاة الفضيلة وكذا مراعاة المأمومين ليجتمعوا في وقت واحد ويدركوا فضيلة الجماعة وقد روى ابن عبّاس انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا علّة ولا وجه لطرح هذه الرواية من روايات ابن عبّاس بعد كونها واجدة لشرائط الحجّية .