( الصفحه 252 )
اُخرى فليس عليها قضاء وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها .
والظاهر انّ المراد من الفرض الثاني في الرواية ما إذا طهرت المرأة فقامت لإتيان الغسل وتهيئة أسبابه فجاز وقت الصلاة مع اعتقادها خلافه أو غفلتها عن انّ القيام في ذلك يوجب فوت الوقت ولكنّه استدلّ بها لفتوى المشهور ، بل المجمع عليه كما عرفت من الجواهر وهو اعتبار سعة الوقت للطهارة المائية وانّه مع عدمها لا يجب الاداء فضلاً عن القضاء نظراً إلى ثبوت الإطلاق لها من حيث العمد وعدمه والالتفات وغيره وانّه تدلّ على عدم وجوب الصلاة مع الطهارة الترابية ولو علمت بضيق الوقت وعدم سعته إلاّ لها .
وموثقة عبيد الله الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي ظهرها (طهرها ـ ظ) حتّى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال : إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي . والكلام فيها ما في الرواية السابقة .
وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال : تصلّي العصر وحدها فإن ضيقت (ضيّعت) فعليها صلاتان .
والظاهر انّ المراد بوقت العصر هو الوقت الاختصاصي للعصر والمراد انّه إذا اشتغلت في شأنها من دون توان وتضييق فدخل وقت العصر فلا يجب عليها إلاّ صلاة العصر لا اداءً ولا قضاءً ، وعليه فالمراد برؤية الطهر عند الظهر هي رؤيتها قبل ذلك الوقت المختص لا أوّل الظهر والمراد بقوله : فإن ضيّقت انّه إن كانت هي الموجبة لثبوت الضيق بمعنى انّه كان الضيق مستنداً إليها لا إلى قصور الوقت فيجب عليها في الصورة المفروضة صلاتان إحداهما اداء صلاة العصر والاُخرى قضاء
( الصفحه 253 )
صلاة الظهر وهكذا لو كانت الكلمة : «ضيّعت» وليس المراد بالتضييع هو تضييع صلاة العصر الواجبة فقط; لأنّه لا يقتضي وجوب صلاتين بعنوان القضاء فالفاء في قوله : «فإن» تفريع على أصل المسألة وبيان لصورة اُخرى لها لا على إيجاب صلاة العصر وحدها فتدبّر .
وكيف كان فالظاهر من الرواية أيضاً انّ اشتغالها في شأنها الذي هو كناية عن الغسل ومقدّماته إنّما هو مع عدم العلم والالتفات إلى اقتضائه لخروج وقت صلاة الظهر واستفادة الإطلاق منها مشكلة جدّاً .
وقد تحصّل ممّا ذكرنا انّ مستند الأصحاب لابدّ وأن يكون امّا ثبوت الإطلاق لهذه الطائفة ، وامّا استفادة الملاك من الطائفة الاُولى كما مرّ وعلى تقدير المناقشة في كليهما لا يبقى لهم دليل في ذلك ، بل مقتضى القاعدة لزوم الصلاتين مع الطهارة الترابية لو لم يكن الوقت متسعاً إلاّ له . ثمّ إنّه بملاحظة ما ذكر هنا وفي المباحث المتقدّمة يظهر وجه سائر الفروض المذكورة في المتن في هذا المقام ولا حاجة إلى التفصيل .
( الصفحه 254 )
مسألة 16 ـ يعتبر لغير ذي العذر العلم بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة ، ويقوم مقامه شهادة العدلين إذا كانت شهادتهما عن حسّ كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه ، ولا يكفي الأذان ولو كان المؤذِّن عدلاً عارفاً بالوقت على الأحوط ، وامّا ذو العذر ففي مثل الغيم ونحوه من الأعذار العامّة يجوز له التعويل على الظنّ به ، وامّا ذو العذر الخاصّ كالأعمى والمحبوس فلا يترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخوله 1 .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : في غير ذي العذر ـ عامّاً كان أو خاصّاً ـ ويعتبر فيه العلم بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة ولا يكفي فيه مجرّد الظنّ; لأنّ مقتضى القاعدة في كلّ موضوع رتّب عليه حكم عدم الاكتفاء في تشخيصه بغير العلم ، نعم لو قام الدليل على اعتبار شيء وقيامه مقام العلم يحكم بترتّب الحكم عند تحقّقه وبدونه لا يقوم مقامه أصلاً .
ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما ذكر روايات متعدّدة :
منها : رواية عبدالله بن عجلان قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا كنت شاكّاً في الزوال فصلِّ ركعتين فإذا استيقنت انّها قد زالت بدأت بالفريضة . والمراد انّه مع الشكّ في الزوال لا يصلح الوقت لغير الإتيان بالنافلة ولا يجوز الشروع في الفريضة .
ومنها : رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال : الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصلِّ في سفر ولا حضر حتى نتبيّنه فإنّ الله سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال : }وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر{ .
ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) في الرجل يسمع الأذان فيصلّي
( الصفحه 255 )
الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انّه يظنّ لمكان الأذان انّه طلع قال : لا يجزيه حتّى يعلم انّه قد طلع .
وحكي عن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية الاكتفاء بالظنّ مطلقاً ، وعن الحدائق اختياره لرواية إسماعيل بن رياح المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) إذا صلّيت وأنت ترى انّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك . بملاحظة انّ كلمة «ترى» معناها تظنّ فالرواية تدلّ على جواز الاعتماد على الظنّ في دخول الوقت والشروع في الصلاة ولكنّ الظاهر انّ هذه الكلمة معناها هو الاعتقاد الجازم وليست بمعنى المظنّة ولو سلّم فلا إطلاق لها لكون الرواية في مقام بيان حكم آخر وهي صحّة الصلاة مع وقوع جزء منها في الوقت .
ثمّ إنّ هنا اُموراً يقوم مقام العلم أو قيل بقيامه كذلك :
الأوّل : البيّنة وقد تكلّمنا في حجّيتها سابقاً وذكرنا انّ المستفاد من النصّ هي حجّيتها في الموضوعات المترتّبة عليها أحكام في الشريعة ومنها الوقت في المقام ولا ينافيها دلالة الروايات المتقدّمة على اعتبار العلم; لأنّ الظاهر انّ أخذه في الموضوع إنّما هو بنحو الطريقية لا الصفتية وقد تقرّر في محلّه قيام الأمارات المعتبرة الشرعية مقام العلم بهذه الكيفية فالبيّنة صالحة للاتكال عليها في دخول الوقت .
الثاني : أخبار العدل الواحد ، بل الثقة كذلك وعمدة الدليل على حجّيته استمرار السيرة العقلائية على ترتيب الأثر عليه والاعتبار به ، ولكن ذكرنا سابقاً أيضاً أنّ أدلّة حجّية البيّنة رادعة عن هذه السيرة لأنّ مرجع جعل الحجّية للبيّنة إلى مدخلية وصف التعدّد والعدالة في ثبوت الحجّية ولا يكون الوصفان كالحجر في جنب الإنسان ولا يجتمع الحكم بحجّية البيّنة مع الحكم بحجّية خبر الثقة الواحد
( الصفحه 256 )
الفاقد للوصفين ، نعم لو لم يكن خبره من سنخ البيّنة بل كان مغايراً لها سنخاً لم يكن الحكم بالحجّية لها منافياً لثبوتها فيه أصلاً كما لا يخفى .
وبالجملة لا مجال لدعوى حجّية خبر العادل الواحد فضلاً عن الثقة في جميع الموارد التي تكون البيّنة حجّة فيها ، نعم لا مانع من جعل الحجّية له في بعض الموارد تسهيلاً أو لمصلحة اُخرى كما إذا فرض حجّية خبر العدل ، بل الثقة في الأعلام بدخول الوقت مثلاً ولكنّه يحتاج إلى قيام الدليل عليه ، وما يمكن أن يستدلّ به في المقام هي الأخبار الآتية الدالّة على جواز الاعتماد على أذان المؤذّن نظراً إلى أنّ اعتبار الأذان إنّما هو من باب الطريقية وكاشفيته عن الوقت بلحاظ كونه اخباراً فعلياً فاخباره بالقول صريحاً أولى بالاعتبار ويدفعه مضافاً إلى وقوع الكلام في جواز الاعتماد على أذان المؤذِّن وانّه على تقديره هل يكون بنحو الإطلاق أو مقيّداً ببعض القيود كما سيجيء انّ الأذان عبادة مبنية على الاعلان غالباً ويتحقّق الاستظهار فيه كذلك بنحو لا يحصل في الاخبار بالوقت فاعتباره على تقديره لا دلالة له على اعتبار القول والاخبار أصلاً .
وبعبارة اُخرى اعتبار الأذان ظاهر في مدخليته في الحكم به وليس من جهة كونه اخباراً فعلياً .
نعم يمكن أن يقال كما قيل : بأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار عن الصادق (عليه السلام)في جواز صلاة الجمعة بأذان العامّة بأنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت يظهر منه انّ المناط مجرّد اعلام من يوثق به وإن كان بغير اذانه ويدفعه مضافاً إلى أنّ مقتضاه جواز الاعتماد على صلاة من يوثق به أيضاً مع أنّ الظاهر عدم التزامهم به انّ مقتضى التعليل هو كونهم في مسألة الأذان أشدّ شيء مراقبة للوقت وانّ المراقبة المنظورة فيها مراقبة خاصّة فلا يستفاد منه جواز الاعتماد على مجرّد اخبار من