( الصفحه 316 )
فهذه القضية السالبة بانتفاء الموضوع المستلزم لانتفاء المحمول كانت متيقّنة قد شكّ في بقائها بعد تحقّق الموضوع فلا مانع من استصحابها ويترتّب عليه انتفاء المحمول وهو المطلوب .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا تبعد دعوى انّ القضية السالبة بانتفاء الموضوع مغايرة عرفاً للقضية السالبة بانتفاء المحمول ومجرّد اتحادهما لفظاً وصورة لا يوجب اتحادهما حقيقة ومع المغايرة لا مجال للاستصحاب للزوم اتحاد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ـ انّ استصحاب الحالة الصادقة مع انتفاء الموضوع وان كان صحيحاً من حيث وجود الحالة السابقة إلاّ انّ تطبيق تلك الحالة على الحالة اللاّحقة المشروطة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل فيصير ـ حينئذ ـ من الاُصول المثبتة التي لا نقول بها .
الثاني : انّ العدم النعتي وإن كان موضوعاً في أدلّة غير المأكول إلاّ انّه لا ينافي جريان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم الأزلي وتوضيحه يتوقّف على بيان مقدّمتين :
الاُولى : انّ معنى أخذ العام موضوعاً للحكم هو ملاحظته مع جميع الحالات الطارئة فمرجع قوله : أكرم العلماء إلى قوله : أكرم العلماء سواء كانوا عدولاً أم لا ، وسواء كانوا هاشميين أم لا ، وسواء كانوا كذا وكذا أم لا ، فكلّ واحد من هذه الصفات ملحوظة مع نقيضها في مقام الحكم .
الثانية : انّه إذا دلّ الدليل على خروج بعض تلك العوارض عن حكم العام تكون بقية العوارض والعناوين داخلة فيه بلا لزوم تعنونه بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاص الخارج عنه فإذا شكّ في صدق عنوان الخاص على فرد ولم تكن له حالة سابقة وكان لبعض العناوين الباقية حالة سابقة يستصحب ذلك العنوان ويحكم
( الصفحه 317 )
عليه بحكم العام ففي مثل قوله : «كلّ امرأة ترى دم الحيض إلى خمسين» يكون مفاده ثبوت هذا الحكم على جميع العناوين سواء كانت المرأة قرشية أو كانت غير قرشية على نحو مفاد كان الناقصة أو كانت المرأة التي لم توجد بينها وبين قريش نسبة أو لم توجد بينها وبين غير قريش نسبة على نحو مفاد ليس التامّة فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه ورفع مفاد كان الناقصة ليس خصوص ليس الناقصة بل أعمّ منها ومن ليس التامّة فإذا دلّ الدليل على خروج القرشية وانّها ترى الدم إلى ستّين لم يكن خروجها موجباً لتعنون العام ، بل مقتضاه خروج هذا العنوان وبقاء البقية تحت العام فإذا شكّ في كون المرأة قرشية أم لا فإنّه وإن لم تكن له حالة سابقة على نحو مفاد كان الناقصة إلاّ انّه لا ينافي إحراز عدم القرشية على نحو «ليس التامّة» باستصحاب العدم الأزلي والمفروض بقاء هذا العنوان تحت العام فيشمله حكمه وهكذا الكلام في المقام .
ويرد على هذا الوجه ـ مضافاً إلى إمكان منع كلتا المقدّمتين لأنّ مرجع العموم إلى ملاحظة جميع الأفراد بعنوان كونها من مصاديق العام فقط لا إلى ملاحظة جميع العناوين والحالات الطارئة فالعالم العادل ملحوظ بما انّه عالم وكذا العالم الهاشمي لا بما انّهما عالم عادل وعالم هاشمي ، بل يمكن دعوى عدم معقولية ملاحظة الحالات المتضادّة في موضوع الحكم بحيث كان لكلّ حالة مدخلية في ترتّب الحكم وثبوت الأثر وكذا مرجع التخصيص إلى تعنون العام بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاصّ فإنّه وإن لا يكون مستلزماً للمجازية الموجبة لاستعمال العام من الأوّل في غير نوان المخصّص إلاّ انّ تصرّفه في الإرادة الجدّية وقصرها فيما عدى ذلك العنوان ممّا لا مجال لإنكاره فالإرادة الجدّية متعلّقة بعنوان كونه غيره ـ .
انّه على تقدير تسليم كلتا المقدّمتين نقول : إنّ عدم تحقّق النسبة بنحو ليس
( الصفحه 318 )
التامّة لا يكون له حالة سابقة لأنّ النسبة من الاُمور ذات الإضافة ومتقوّمة بالمنتسبين وحينئذ نقول : إنّ عدم تحقّق النسبة إن كان المراد به هو عدم تحقّقها بنحو كلّي لا مضافة إلى مرأة خاصة فهو وإن كان له حالة سابقة إلاّ انّ انتقاض تلك الحالة مسلّم ولا شكّ فيه أصلاً وإن كان المراد به هو عدم تحقّقها بالإضافة إلى مرأة خاصة وقع الشكّ في قرشيتها فهو ليس له حالة سابقة بوجه فهذا الوجه أيضاً غير تامّ .
الثالث : الاستصحاب التعليقي بأن يقال : إنّ المصلّي كان قبل لبس المشكوك بحيث لو صلّى لم تكن صلاته واقعة في غير المأكول وبعد لبسه يشكّ في بقاء هذه القضية التعليقية فتستصحب ويحكم ببقائها .
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ جريان الاستصحاب التعليقي محلّ خلاف وإشكال ـ انّ مورده ما إذا كان التعليق واقعاً في لسان الدليل الشرعي مثل قوله : العنب إذا غلا يحرم سواء قلنا بأنّ مفاده جعل الحرمة على نحو الواجب المشروط بأن يكون المجعول هو الحكم على تقدير تحقّق المعلّق عليه أو قلنا بأنّ مفاده جعل الملازمة بين الغليان والحرمة أو سببيّة الأوّل لثاني .
وامّا إذا كان التعليق غير واقع في لسان الدليل الشرعي كالتعليق الاختراعي في مثل هذا الوجه فلا مجال لدعوى جريان استصحابه أصلاً كما لا يخفى .
ثمّ إنّه ربّما يقال : بأنّه لا مانع من جريان الاستصحاب بناء على الوجه الأخير الذي عرفت انّه هو الظاهر من أدلّة المانعية في المقام لكن لا في جميع فروض المسألة بل في خصوص ما إذا شرع في الصلاة في اللباس مع العدم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول ثمّ ألقى عليه بعد الشروع ما يشكّ في كونه من أجزائه فإنّه يصدق انّ الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول قبل إلقاء المشكوك عليه والآن تكون كما
( الصفحه 319 )
كانت فالحالة السابقة المتيقّنة موجودة في هذه الصورة بناء على أن تكون الصلاة عبارة عن الحالة الخاصة العبادية المتحقّقة بأوّل جزء منها والمستمرّة إلى آخر أجزائها والأفعال والأقوال المخصوصة إنّما هي الاُمور التي يجب أن يشتغل بها في حالها ويؤيّده التعبير بالفراغ عنها بعد تحقّق الجزء الآخر وكذا توصيفها بأنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وغير ذلك من التعبيرات الظاهرة في عدم توقّف تحقّق عنوانها على تحقّق الجزء الآخر أيضاً كما هو الشأن في المركّبات حيث إنّه لا تحقّق لها بوجه قبل تحقّق أجزائها بأسرها فبناء على الوجه الأوّل يصدق انّ الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول ولا مانع من استصحاب هذه الخصوصية والحكم ببقائها من دون لزوم إحراز كون اللباس من غير المأكول حتّى يصير مثبتاً لأنّ المفروض هو الوجه الثالث ، نعم لو كانت الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال والأقوال المخصوصة بحيث كان تحقّقها متوقّفاً على الإتيان بالجزء الآخر أيضاً لما كانت الحالة السابقة المتيقّنة متحقّقة كما هو ظاهر .
وأورد على ذلك سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) بأنّه على هذا التقدير أيضاً لا مجال لجريان الاستصحاب لأنّها وإن كانت متحقّقة بمجرّد الشروع والمفروض العلم بعدم وقوعها في اللباس المشكوك إلاّ انّ المستفاد من أدلّة المانعية انّه يعتبر أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في شيء من أجزاء غير المأكول والمفروض الشكّ في ذلك فاليقين بوجود الحالة السابقة منتف كما في غير هذه الصورة .
ويمكن دفع الايراد بأنّا لا ننكر انّ المستفاد من أدلّة المانعية ما أفاده (قدس سره) وإلاّ لم تكن حاجة إلى الاستصحاب ، بل كان وقوع ركعة منها ـ مثلاً ـ في المأكول كافياً وإن لم تكن البقية كذلك ، بل نقول : إنّ مفاد تلك الأدلّة قادحية الوقوع في غير
( الصفحه 320 )
المأكول ولو كان ذلك بالإضافة إلى لحظة منها فالمانع هذه الخصوصية ونحن لا ننكرها ولكنّه لا يمنع عن جريان الاستصحاب فإنّ الصلاة كانت واقعة في المأكول قطعاً وبضميمة الاستصحاب يثبت وقوع باقيها فيه أيضاً وبذلك يتحقّق ما هو المعتبر فيها وهو أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في أجزاء غير المأكول .
وبعبارة اُخرى وقوع الصلاة بحسب الاستدامة في اللباس المشكوك لا يمنع عن وقوعها حقيقة خالية عن المانع كما انّه لو فرض العلم بوقوع جزء منها في غير المأكول لا يمنع ذلك عن العلم بوقوعها حقيقة بلا مانع فإنّ الصلاة على هذا التقدير تصير كالطبيعة المتّصفة بالوجود والعدم معاً في آن واحد بلحاظ وجود بعض الافراد وعدم البعض الآخر ، غاية الأمر انّ اتصافها بعدم الوقوع في غير المأكول لا يجدي ، بل اللاّزم إحراز عدم القادح وهو الوقوع في غير المأكول واستصحاب الحالة السابقة المتيقّنة يكفي في إحرازه والحكم بعدم تحقّق الصلاة في جزء غير المأكول الموجب لفسادها بمقتضى الموثقة ونحوها فالإنصاف تمامية الاستصحاب في هذه الصورة كما اختاره المحقّق النائيني (قدس سره) أيضاً ، نعم فيما إذا كان الشكّ في أصل الوجود كما إذا شكّ في أنّه هل بال الخفاش محاذياً للمصلّي بحيث لو بال لوقع عليه أو على ثوبه قطعاً ربّما يقال بجريان استصحاب عدم الوجود وعدم البول في المثال ولكن الظاهر انّه مثبت لأنّ استصحاب عدم البول لا يثبت الخصوصية في الصلاة المعتبرة بحسب ما هو المفروض فإنّ ثبوت الخصوصية لازم عقلي لعدم الوجود فتدبّر .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في مسألة اللباس المشكوك انّ الأظهر فيها هو القول بالجواز في جميع فروض المسألة لجريان البراءة العقلية والنقلية واصالة