( الصفحه 345 )
أنّ المبغوض لا يمكن أن يكون مقرّباً فلا تصحّ العبادة لأنّ صلاحيتها للتقرّب معتبرة في صحّتها وتعلّق الأمر بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيات مختلفة والنهي بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه وإن كان يوجب التغاير بين المتعلّقين لكنّه من مصاديق مسألة اجتماع الأمر والنهي والحقّ في تلك المسألة وإن كان هو القول بالجواز إلاّ انّه لا يمنع من الحكم ببطلان العبادة التي اجتمع فيها الأمر والنهي لعدم صلاحيتها للتقرّب كما تقدّمت الإشارة إليها آنفاً .
هذا ولكن حقّقنا في الاُصول انّ الحقّ هي صحّة العبادة بعد فرض القول بالجواز فلا مجال لهذا القول .
ثانيهما : لزوم اجتماع الأمر والنهي كما استدلّ به العلاّمة في التذكرة في عبارته المتقدّمة وتقريبه انّ النهي إنّما تعلّق بلبس الذهب على الرجال والأمر إنّما تعلّق بالتستّر ضرورة انّه يجب أن يكون المصلّي متستّراً وبين العنوانين عموم من وجه ومادّة الاجتماع هو لبس الذهب في الصلاة ومقتضى هذا الدليل اختصاص الحكم بما إذا كان الساتر من الذهب مع أنّ المدّعي عام شامل لما إذا كان في يده خاتم من الذهب في حال الصلاة ، وعليه فدعوى كون التستّر في صورة تعدّد اللباس إنّما يكون مستنداً إلى الجميع على حدٍّ سواء وليس استناد الستر إلى بعضها أولى من بعض حتّى يقال : إنّ الستر وقع بالمحلّل دون المحرّم أو بالعكس إنّما تجدي على فرض تماميتها بالنسبة إلى الألبسة المتعدّدة التي تصلح للساترية ولا تجدي في مثل الخاتم كما هو ظاهر .
ويرد على هذا الدليل انّ لزوم اجتماع الأمر والنهي إنّما هو على تقدير ثبوت التكليفين معاً وفي المقام ليس كذلك لأنّ تعلّق الوجوب بالتستر مع كونه من شرائط الصلاة إنّما هو على فرض القول بوجوب المقدّمة واتصافها بالوجوب
( الصفحه 346 )
الغيري مع أنّه محلّ إشكال بل منع كما حقّقناه في الاُصول ودعوى كون التستّر من أجزاء الصلاة فينبسط عليه أيضاً الأمر المتعلّق بالكلّ فالأمر بالصلاة بالتستّر أيضاً مدفوعة بوضوح عدم كونه من أجزاء الصلاة بل من شرائطها .
ثمّ لو فرض ثبوت الأمر وتعلّق الوجوب بالتستّر وتحقّق الاجتماع فليس لازمه القول بالبطلان في المقام وإن قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي أو قلنا بالجواز مضافاً إلى البطلان وذلك لأنّ مورده ما إذا كان مورد الاجتماع أمراً عبادياً والتستّر لا يكون كذلك وكونه شرطاً للصلاة التي هي عبادة لا يوجب أن يكون نفسه عبادة ، فعلى تقدير الحرمة وترجيح جانب النهي أيضاً لا يلزم أن تكون الصلاة باطلة كما هو محلّ الكلام .
وربما يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ نظراً إلى أنّ المقام من صغرياته لأنّ النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه والصلاة تكون ضدّاً لما تعلّق به الأمر الجائي من قبل النهي عن اللبس إذ نزع الثوب يستلزم تحقّق الفعل الكثير المبطل للصلاة فهي مع عدم تحقّق ذلك فيها تضادّ عدم اللبس والنزع المتعلّق للأمر وهو يقتضي النهي عنها ، فالصلاة باطلة لتعلّق النهي بها .
وفيه ـ مضافاً إلى أنّ نزع الثوب قد لا يكون مستلزماً لتحقّق الفعل الكثير فلا تتحقّق المضادّة بينهما في هذه الصورة ومضافاً إلى أنّ المفروض في الاستدلال من لبس الذهب قبل الشروع في الصلاة مع أنّ الكلام في أنّه هل يجوز للمصلّي لبس الذهب في حال الصلاة أو لا يجوز حتّى لا يلبس ـ انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ كما حقّق في محلّه .
( الصفحه 347 )
الخامس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال ، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكة والقلنسوة ونحوهما على الأحوط ، والمراد به ما يشمل القز ويجوز للنساء ولو في الصلاة ، وللرجال في الضرورة وفي الحرب 1 .
1 ـ يقع الكلام في هذا الأمر أيضاً في مقامين لأنّه قد يبحث فيه عن التكليف النفسي المتعلّق بلبسه مطلقاً من غير اختصاص بحال الصلاة ، وقد يبحث فيه عن التكليف الغيري المتعلّق به الراجع إلى منعه عن الصلاة وصحّتها .
امّا الكلام في المقام الأوّل فقد ادّعى الإجماع ـ كما عن جماعة ـ على ثبوته على الرجال بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه بل قيل إنّه من ضروريات الدين والظاهر انّ المراد به هو ضروري الفقه لا الإسلام بحيث يكون منكره محكوماً بالكفر ويدلّ عليه النصوص المتكثّرة :
مثل رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلاّ في الحرب .
ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلاّ في الحرب .
وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في تقريراته انّ موضوع الديباج منتف في هذه الأعصار وكان من نبات شبيه بالقطن أرقّ من الحرير وأغلى منه يعمل منه الثياب سابقاً قد انقطع بذره وقال : كان لانقطاعه تاريخ عجيب من حيل الافرنج .
وأورد عليه المقرّر الفاضل بقوله : «لم نطّلع على هذا التاريخ العجيب وما ذكره أهل اللغة مخالف مع ما أفاده فعن المغرب : الديباج الثوب الذي سداه أو لحمته ابريسم ، وعندهم اسم للمنقش ، وعن مجمع البحرين بعد أن ذكر انّ الديباج ثوب
( الصفحه 348 )
سداه أو لحمته ابريسم قال : وفي الخبر لا تلبسوا الحرير والديباج يريد به الاستبرق وهو الديباج الغليظ ، وقال في الوافي : الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرّب وكان الحرير يطلق على ما لا نقش فيه ويقابله الديباج» .
وموثقة سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الحرير والديباج فقال : امّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وبالجملة فأصل ثبوت الحكم بالإضافة إلى الرجال ممّا لا إشكال فيه وقد استثنى منه حالتا الضرورة والحرب .
امّا الاُولى فمضافاً إلى الإجماع المحكي عن جماعة كثيرة يدلّ عليه مثل قولهم (عليهم السلام) : ليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه ، وقولهم (عليهم السلام) : كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وقد أوردها في الوسائل في أبواب متعدّدة كأبواب لباس المصلّي والقيام وقضاء المغمى عليه وكتاب الأطعمة وغيره والمراد من الاضطرار هو العرفي كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام في الكتاب والسنّة .
وامّا الثانية فلدلالة مرسلة ابن بكير وموثقة سماعة المتقدّمتين وغيرهما على استثنائها وهل الوجه في الاستثناء تقوية القلب أو إظهار شوكة الإسلام والمسلمين أو غيرهما فغير معلوم .
ثمّ إنّه قد ادّعى الإجماع بل إجماع أهل العلم كافّة كما عن بعض كتب المحقّق والعلاّمة وصاحب جامع المقاصد على اختصاص الحكم بالرجال وانّه يجوز لبس الحرير للنساء ويدلّ عليه غير واحد من النصوص :
( الصفحه 349 )
مثل مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلاّ في الاحرام .
وفي حديث المناهي قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال فامّا النساء فلا بأس .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال : لا بأس .
ورواية ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا اسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها فقال : مهلا يا اُسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك . وغير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز . وبهذه الروايات يقيد إطلاق موثقة سماعة بن مهران المتقدّمة الشامل للنساء فإنّ الحكم وإن كان يستفاد من مفهوم الجواب إلاّ انّه حيث كان الجواب مسوقاً لبيان المفهوم فلابدّ من الالتزام به ولم يفرق فيه بين الرجل والمرأة كما في السؤال ولكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها ، وامّا رواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهي عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء فالجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة يقتضي حمل النهي فيها على الكراهة بقرينة الذيل وحمل الكراهة على الأعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة بمعنى ثبوت التحريم في حقّ الرجال والكراهة في حقّ النساء ولا مانع من الالتزام بها .
المقام الثاني : في الحكم الغيري المتعلّق بلبس الحرير في الصلاة وقد ادّعى الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه والظاهر انّه لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في ذلك ، نعم المسألة خلافية بين العامّة حيث إنّه ذهب بعضهم إلى الجواز