( الصفحه 414 )
ومنها : رواية ثالثة لزرارة قال : قلت له : المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال : تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً .
ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت .
والظاهر اتحادها مع الموثقتين المتقدّمتين فيما ظاهره المنع بمعنى انّ هذه تمام الرواية وما تقدّم مشتمل على بعضها كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي ضحى وأمامه امرأة تصلّي ، بينهما عشرة أذرع قال : لا بأس ليمض في صلاته . ولكنّها لا تبلغ من الظهر في اعتبار العشرة مرتبة الموثقة كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل قال : إذا كان بينهما حاجز فلا بأس . ومقتضى إطلاقها لولا انّه المنصرف إليه الشمول لحال الصلاة الرجل أيضاً ويؤيّد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز مع أنّه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما .
ومنها : صحيحة اُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي وهو يراها وتراه قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس . والظاهر انّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير ، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة كما في الحائط
( الصفحه 415 )
القصير ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة .
ومثلها روايته الاُخرى عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال : سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس . قال في الوافي : «الكواء ـ ممدوداً ومقصوراً جمع الكوة بالتشديد وهي الروزنة» .
إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة : طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً ، واُخرى على المنع كذلك وثالثة على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً فاعلم انّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث النسد حتى رواية جميل التي رواها عنه الصدوق باسناده لما مرّ من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي مرّ انّه لا ملائمة بينه وبين الحكم المذكور في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بأنّ غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية .
وبالجملة روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له فلم تبق في المسألة إلاّ الطائفتان الأخيرتان .
وليعلم انّ ما دلّ من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل والمرأة لا ينافي ما دلّ على المنع مطلقاً; لأنّ مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز كما لا يخفى فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد .
ثمّ إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين :
الأوّل : حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة والتصرّف في ظهورها في
( الصفحه 416 )
إطلاق النهي نظراً إلى صراحة الطائفة المفصلة في الحكم بالجواز وعدم المنع مقيّداً بالقيود المذكورة فيها فيحمل ظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق على الكراهة في مورد تلك القيود ويقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع أو موضع رحل أو عشرة أذرع ويحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة فهي في الشبر أشدّ وأقوى وفي عشرة أذرع أضعف وأنقص من مسائر المراتب .
الثاني : إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهي والتصرّف في الروايات المفصّلة بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها ليس صورة التحاذي أو تقدّم المرأة بل موردها فرض تقدّم الرجل على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها بحمل العناوين المذكورة فيها من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة .
ربّما يؤيّد الثاني تفسير الشر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر فإنّه يظهر منه انّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة ووقوع البينيّة بهذا المعنى ، وعليه تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار ، كما انّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع حالات الصلاة فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار كما لا يخفى .
ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة من قوله (عليه السلام) : لا تصلّي المرأة بحيال الرجل بقوله : إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال .
( الصفحه 417 )
ويؤيّده أيضاً روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدّمتان الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين وانّه لا يجوز ذلك ، بل يصلّي الرجل أوّلا ثمّ المرأة فإنّ هذا لا يناسب الكراهة مع أنّه في السفر يرخص ما لا يرخص في غيره ومن الواضح ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل فتدلاّن على المنع في مورد الشبر ودعوى عدم وقوعهما في هذا المقام كما في تقريرات النائيني (قدس سره) مدفوعة جدّاً .
ويؤيّده أيضاً إحدى روايات جميل المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبه : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس فإنّ الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال إلى قسمين والحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما ، وعليه فيكون التأخّر بهذا المقدار غير مناف للجنب والحذاء وإلاّ يلزم أن يكون حكم مورد السؤال مستفاداً من المفهوم وهو خلاف الظاهر .
ويضعف ظهور قوله (عليه السلام) بينهما شبر أو ذراع في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خطّ مستقيم كذا ما يستفاد من إحدى روايات أبي بصير المتقدّمة من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار بأن كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل كما مرّ .
فهذه كلّه ممّا يوجب تضعيف الظهور المذكور بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخّر بهذا المقدار كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع .
ويمكن الايراد على الوجه الأوّل بأنّ حمل النهي على الكراهة إنّما هو فيما إذا كان النهي نهياً مولوياً ظاهراً في التحريم ، وامّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات فلا وجه للحمل على الكراهة .
( الصفحه 418 )
ودعوى إمكان التقييد بموارد الروايات المفصلة وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد مدفوعة بأن لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقية قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم إتفاقه بناء على أن يكون المراد بقوله : بينهما شبر هو الفصل بين الموقفين فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتصال البدنين من ناحية الأيدي ، هذا مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً الذي هو عبارة عن عشرة أذرع في غاية البعد فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه ، وامّا في السنخ الواحد كما في المقام فبعيد جدّاً .
وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة لا المحاذاة والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل انّ موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة عليها صريحة في انّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الإمام واليمين واليسار ، وامّا الخلف فيكفي تحقّقه بالإضافة إلى المرأة وإن كانت تصيب ثوبه .
ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لابدّ من التنبيه عليها :
أحدها : فيما ترتفع به الحرمة الوضعية أو الكراهة التي يقول بها المتأخّرون ـ على ما هو المشهور بينهم ـ وهي اُمور مستفادة من الروايات المتقدّمة :
الأوّل : تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة وإليه ينظر جمع من الأخبار المفصّلة المتقدّمة ، بل كلّها سوى ما دلّ على اعتبار عشرة أذرع بناءاً على ما اخترناه في معناها ، وامّا بناءً على الكراهة فالدالّ على هذا الأمر جملة من تلك الأخبار .
ولكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف :