( الصفحه 488 )
عبّر فيه بأنّ الأذان المراد به الأعمّ من الإقامة سنّة ، وما دلّ على أنّ الإقامة توجب اقتداء صفّ طويل من الملائكة بالمصلّي الظاهر في أنّ ثمرتها صيرورة الفرادى جماعة وما دلّ على أنّ الأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل .
ودعوى انّه إنّما يثبت أفضلية الأذان والإقامة مجتمعاً لا أفضلية كلّ واحد منهما بالإضافة إلى تركه .
مدفوعة بأنّ هذا التعبير لا يجتمع مع وجوب الإقامة كما لا يجتمع مع وجوب الأمرين كما هو واضح والتعبير بـ «ينبغي» في بعض الروايات المتقدّمة وكونها أيضاً نداء كالأذان والنداء خارج عن حقيقة الشيء وإن كان هذا التعبير إنّما ينفي الوجوب الشرطي لا الاستقلالي وغير ذلك ممّا يظهر منه عدم الوجوب ، ولكن في النفس شيء وهو انّه لا يوجد في الروايات الواردة في الإقامة ـ مع كثرتها في الغاية ـ مورد رخص فيه في تركها ما عدى النساء مع وجود الترخيص في ترك الأذان في كثير من الموارد مثل السفر وغير الفجر والمغرب وبعض الموارد الاُخر فهذا يوجب التزلزل في الحكم بعدم الوجوب مطلقاً كما هو المشهور ، وعليه فينبغي أن لا يترك الاحتياط في الإقامة بالإضافة إلى الرجال فتدبّر .
بقي الكلام في مشروعية أذان الاعلام وعدمها فنقول : يظهر من جماعة من الفقهاء كصاحب الحدائق وتلميذه العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) المشروعية ، واستدلّ على ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) بجريان السيرة القطعية به وباستفادتها من النصوص المستفيضة كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة . وغيره من الأخبار الواردة في مدح المؤذّنين .
وقد فرّفوا بينه وبين الأذان للصلاة في جملة من الأحكام التي منها اعتبار
( الصفحه 489 )
الذكورة في هذا الأذان دون أذان الصلاة ، قال العلاّمة الطباطبائي بعد قوله : «وما له الأذان في الأصل وسم ، شيئان : اعلام وفرض قد علم» وبعد بيان افتراقهما في الأحكام : «فافترق الأمران في الأحكام ، فرقاً خلا عن وصمة الابهام» .
أقول : امّا السيرة فلا خفاء في أنّ الغالب في الأذان هو كونه للصلاة والغرض منه دعوة الناس إليها والشركة في صلاة الجماعة ، ويؤيّده انّ المحلّ المعدّ لذلك هو المسجد أو مثله من الأمكنة التي تقام فيها الجماعة كالمشاهد المشرفة ولم يعهد إعداد محلّ له غير مرتبط بالصلاة ، نعم لا ينبغي إنكار وقوع الأذان من المتشرّعة لمجرّد الاعلام بدخول الوقت خصوصاً في شهر الصيام إلاّ انّ اتصال هذه السيرة بزمن الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ بحيث كان بمرئى منهم ولم يتحقّق منهم ردع عنها غير معلوم وللمدّعي إثبات ذلك .
وامّا الروايات الدالّة على ثبوت الفضيلة والأجر للأذان والواردة في مدح المؤذنين فلا دلالة لها على المقام بوجه ضرورة انّ موضوعها هو الأذان المشروع ولابدّ من ثبوت المشروعية بدليل آخر والملائمة بين تلك الفضائل والأذان للصلاة ظاهرة لأنّه حيث يكون الأذان كذلك متوقّفاً على الصوت البليغ الذي يسمعه الناس كما يدلّ عليه التعبير عنه في الآيتين بالنداء ومن المعلوم انّ الصوت كذلك ممّا يأبى عنه بعض الناس بل أكثرهم لمنع صفة التكبّر الموجودة فيهم عنه ترتّبت عليه تلك المثوبات العظيمة والفوائد الخطيرة .
وبالجملة هذه الروايات إنّما وردت في خصوص مورد المشروعية ولا دلالة لها على التشريع فهل يمكن استفادة مشروعية الأذان قبل الوقت ـ مثلا ـ من هذه الروايات .
فلم تثبت مشروعية أذان الأعلام خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من أنّ
( الصفحه 490 )
تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، غاية الأمر انّه قد شرع للمنفرد أيضاً لأن تصير صلاته جماعة والآيتان الواردتان فيه قد عبّر فيهما عنه بالنداء إلى الصلاة ويؤيّده أيضاً فصوله الأخيرة التي هي بمنزلة المعرف لماهيته كالحيّعلات شاهدة على ما ذكرنا من ارتباطه بالصلاة وكونه دعوة إليها ، غاية الأمر انّه يدعوهم إلى الصلاة بعبارات مختلفة موجبة للأوقعية في النفوس ففي الابتداء يدعوهم إليها بعنوانها وفي المرتبة الثانية يدعوهم إليها بعنوان الفلاح الذي هو مطلوب الناس وفي الثالثة يدعوهم إليها بعنوان خير العمل الذي هو منتهى رغبة الناس وغاية مطلوبهم فهذه الفصول التي هي بمنزلة الفصول تدلّ على كمال الارتباط بينه وبين الصلاة كما هو ظاهر .
وعلى ما ذكرنا لا مجال للإتيان بأذان الاعلام ، نعم لا بأس به رجاء نظراً إلى اخبار «من بلغ» بدعوى عدم اختصاص البلوغ بالرواية وصدقه بمجرّد الفتوى أيضاً وفيه تأمّل .
( الصفحه 491 )
مسألة 2 ـ يسقط الأذان في العصر والعشاء إذا جمع بينهما وبين الظهر والمغرب من غير فرق بين موارد استحباب الجمع مثل عصر يوم الجمعة وعصر يوم عرفة ، وعشاء ليلة العيد في المزدلفة حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة ، وبين غيرها ، ويتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين ، وبفعل النافلة الموظفة بينهما على الأقوى فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين ونافلة المغرب بين العشائين يتحقّق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان ، والأقوى انّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد بمزدلفة عزيمة بمعنى عدم مشروعيته فيحرم إتيانه بقصدها ، والأحوط الترك في جميع موارد الجمع 1 .
1 ـ ظاهر المتن انّ سقوط الأذان في موارد الجمع ـ المذكورة فيه ـ إنّما هو بملاك واحد وهو مجرّد الجمع من غير فرق بين موارد استحبابه كالمواضع الثلاثة المذكورة وبين موارد جوازه من دون رجحان ويظهر من بعض الكلمات انّ السقوط في المواضع الثلاثة إنّما هو لخصوصية فيها لا لأجل مجرّد الجمع وانّه لا دليل على سقوط الأذان في تمام موارد الجمع ، وعليه فالمناسب البحث أوّلا في خصوص تلك المواضع وثانياً في إمكان استفادة الكلّية المذكورة من الدليل وعدمه فنقول :
الموضع الأوّل عصر يوم الجمعة والقدر المتيقّن هو سقوط الأذان بالإضافة إليها إذا تحقّق الجمع بينها وبين خصوص صلاة الجمعة وقد اعتمد في الجواهر في الحكم بالسقوط فيها على الإجماعات الصريحة أو الظاهرة المحكية عن الغنية والسرائر والمنتهى وغيرها الكافية في رفع اليد بها عن إطلاقات الاستحباب أو عموماته مضافاً إلى السيرة العملية الجارية على ذلك .
( الصفحه 492 )
ولسيّدنا الاستاذ العلاّمة البروجردي (قدس سره) في نظائر هذا المقام ممّا يكون خالياً عن النص ومع ذلك أفتى به الأصحاب طريق خاص وهو استكشاف وجود نصّ معتبر في الجوامع الأوّلية وانّه لم يصل إلينا من نفس تلك الفتاوى والآراء المتطابقة المتوافقة خصوصاً مع كون الحكم على خلاف القاعدة العامّة أو المطلقة .
وربّما يستدلّ على ذلك برواية حفص بن غياث عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى المذكورة في الوسائل بعدها عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
وجه الاستدلال انّ الظاهر انّ المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لأنّها الصلاة الثالثة وقبلها الظهر والصبح .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على كون المراد بالصلاة الثانية هي خصوص صلاة الجمعة لاحتمال كون المراد بها صلاة الظهر أو الأعمّ منها ومن صلاة الجمعة وإلى أنّه لا دلالة لها على خصوص صورة الجمع لشمول إطلاقها لصورة التفريق أيضاً ـ انّه لم تقم قرينة على كون المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لاحتمال كون المراد به هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي ابتدعه عثمان بعد الخطبتين والمراد بالأذانين قبله هما أذان الصبح والأذان الأوّل لصلاة الجمعة الواقع قبل الخطبتين أو أذان الاعلام واذان الصلاة كما ربّما يقال ويؤيّده إطلاق البدعة عليه الظاهرة في التشريع الذي قد ارتكبه أحد وصدر منه بخلاف مطلق التشريع فتدبّر . كما انّه يؤيّده ورود التعبير في بعض الأخبار بأنّ الأذان الثاني بدعة نظراً إلى أنّ الظاهر عدم ثبوت البدعتين في أذان يوم الجمعة وانّ الذي عبّر عنه بالأذان الثالث هو الذي عبّر عنه في بعض الأخبار بالأذان الثاني والظاهر