( الصفحه 496 )
بنحو العزيمة أو تفصيل بين الموارد ولابدّ قبل ذلك من التعرّض لمعنى العزيمة والرخصة .
فنقول : امّا العزيمة فمعناها هو عدم المشروعية وثبوت الحرمة التشريعية لا الذاتية ضرورة عدم ثبوت الحرمة الذاتية في المقام .
وامّا الرخصة فمعناها في نفسها هو جواز الترك وعدم لزوم الفعل وحيث إنّ الأذان كان مستحبّاً ولازمه جواز الترك فالسقوط في تلك الموارد بمعنى الرخصة لابدّ وأن يكون المراد به أحد معنيين :
الأوّل : هي الكراهة في العبادات المكروهة التي لا بدل لها كصوم يوم عاشوراء ومرجعها إلى طروّ خصوصية للعبادة بعد الفراغ عن كونها عبادة راجحة في مقابل تركها موجبة لأرجحية الترك كانطباق عنوان أرجح على الترك كالتشبّه ببني اُميّة في مثال الصوم المذكور فالصوم إن لوحظ بالإضافة إلى الترك مع قطع النظر عن الخصوصية المذكورة يكون راجحاً ولأجله يكون عبادة وإن لوحظ بالإضافة إلى العنوان الأرجح المنطبق على الترك يكون تركه أرجح من فعله وفي المقام نقول : إنّ الخصوصية المحتملة هي سرعة الإتيان بالصلاة الثانية والمبادرة إليها وعدم الفصل بينها وبين الاُولى حتّى بالأذان .
وهذا الوجه إنّما يلائم مع استحباب الجمع كما في المواضع الثلاثة المتقدّمة لا مع مجرّد جوازه كما في غيرها من الموارد إلاّ أن يقال بثبوت خصوصية اُخرى غير المبادرة والسرعة مستكشفة من دليل السقوط فيها ولا مجال لاعتبار العلم بتلك الخصوصية كما يظهر من بعض العبارات .
الثاني : سقوط بعض مراتب الرجحان وبقاء مراتب اُخرى كافية في أصل الرجحان والاستحباب ، وبعبارة اُخرى أقلّية الثواب بالإضافة إلى الأذان في غير
( الصفحه 497 )
موارد السقوط .
إذا ظهر معنى العزيمة والرخصة فنقول : لابدّ من البحث في كلّ واحد من الموارد المتقدّمة مستقلاًّ وملاحظة دليله كذلك ليظهر حاله من هذه الجهة .
امّا صلاة العصر يوم الجمعة فإن كان مستند السقوط فيه هي رواية حفص المتقدّمة فلا خفاء في كون السقوط بنحو العزيمة لتصريحها بكون الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة لكن عرفت عدم تمامية الاستدلال بها وإن كان المستند ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من الإجماع القولي على السقوط والسيرة العملية على الترك ففي الجواهر انّ المرجع أصالة عدم المشروعية المقتضية للحرمة لأنّه لا وجه للتمسّك بإطلاق أوامر الأذان أو عموماته ضرورة الاتفاق على عدم شمولها للمفروض وإلاّ لاقتضيا بقاء ندبه .
وأورد عليه في المستمسك بأنّ البناء على انتفاء البعث إليه بظهور السيرة في ذلك لا يقتضي البناء على عدم المصلحة المصحّحة للتشريع والتعبّد لاحتمال ملازمته لعنوان مرجوح فلا موجب لرفع اليد عن دلالة الأدلّة العامّة على رجحانه ووجود المصلحة فيه لأنّ دلالة الأوامر العامّة على البعث والحثّ عليه بالمطابقة وعلى وجود المصلحة المصحّحة للتشريع بالالتزام ولا تلازم بين الدلالتين في الحجّية فسقوط الاُولى عن الحجّية لظهور السيرة في خلافها لا يقتضي سقوط الثانية عنها ولذا بنى على التساقط في المتعارضين وعلى كونهما حجّة في نفي الثالث .
والجواب عنه ما اُفيد من أنّ العمومات المذكورة مخصّصة على أي حال فإنّ استحباب الأذان بمقتضى ظواهر الأدلّة مقدّمي أي موجب لتكميل الصلاة المتعقبة له كما ينادي بذلك المستفيضة الدالّة على أنّ من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه صفّ واحد فالأدلّة الدالّة على
( الصفحه 498 )
أفضلة الأذان كلّها راجعة إلى أنّ الصلاة المتعقبة للأذان أفضل من الصلاة الفاقدة له فلو فرضنا إطلاق هذه الأدلّة في تمام الحالات فمقتضاها كون صلاة العصر في يوم الجمعة مع الأذان أفضل ومقتضى الإجماع والسيرة أفضلية الاكتفاء للعصر بإقامة وإيجادها بلا أذان وهل هذا إلاّ التنافي بالعموم والخصوص المطلق فالعمومات مخصّصة بهما لا محالة ومقتضاه عدم المشروعية ، نعم لو كان هناك ما يدلّ على أصلها لقلنا بها لكن المفروض عدمه .
وامّا صلاة العصر يوم عرفة والعشاء بمزدلفة فظاهر دليل السقوط فيهما هو انّ السقوط بنحو العزيمة فإنّ قوله (عليه السلام) في رواية ابن سنان المتقدّمة السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثمّ يصلّي ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة ظاهر في أنّ الأذان المشروع والراجح بمقتضى الإطلاقات أو العمومات الواردة فيه يكون المراد به هو الأذان في غير الموضعين بالإضافة إلى الصلاة الثانية ففي الحقيقة تكون الرواية حاكمة ومفسّرة لأدلّة المشروعية ومخصّصة لها بغير الموضعين خصوصاً مع التصريح بترك الأذان والإتيان بها بدونه فالإنصاف ظهور مثل الرواية في تخصيص أدلّة المشروعية وتوضيح اختصاصها بغيرهما وإنّ ما في ذهن السائل من السنّة في الأذان ينحصر بغيرهما كما لا يخفى .
وامّا الصلاة الثانية في سائر موارد الجمع فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين دليل السقوط ومثل قوله : لا صلاة إلاّ بأذان وسائر الأدلّة العامّة أو المطلقة الواردة في مشروعية الأذان في مطلق الصلوات وكونه عبادة مستحبّة هو كون السقوط فيها أيضاً بنحو العزيمة على ما هو المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة الدليلين كما عرفت في صلاة العصر يوم الجمعة والإنصاف إنّ السقوط فيها بنحو العزيمة لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من كونه مقتضى الاحتياط الوجوبي كما في المتن .
( الصفحه 499 )
والأمر الثاني : الظاهر انّ المراد من الجمع هو الجمع بين خصوص الظهرين وخصوص العشائين كما هو الظاهر من المتن ، وامّا الجمع بين العصر والمغرب ـ مثلاـ فالظاهر انّه لا دليل على السقوط فيه ، نعم ورد النصّ على سقوط الأذان في مورد الجمع بين قضاء الصلوات أيضاً وامّا في الاداء فلا دليل عليه في غير ما ذكر .
الأمر الثالث : في معنى الجمع ويظهر من الكلمات انّه يجري فيه احتمالات أربعة :
الأوّل : انّ المراد به إتيان الصلاتين في وقت فضيلة واحدة منهما سواء فرق بينهما بالزمان أو صلاّهما من غير تراخ وفي مقابله التفريق الذي هو عبارة عن إيقاع كلّ صلاة في وقت فضيلتها فلو أوقع صلاة الظهر في آخر وقت فضيلتها وصلاة العصر في أوّل وقتها كذلك فلا جمع ولو لم يتحقّق الفصل بينهما بزمان .
وهذا الوجه هو الظاهر من المحقّق (قدس سره) في مقام جوابه عن تلميذه جمال الدين الشامي حين سئل عنه واعترض عليه بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إن كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة إلى الأذان الثاني إذ هو للإعلام ، وإن كان يفرق فلِمَ جعلتم الجمع أفضل؟ فأجاب (قدس سره) : بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يجمع تارة ويفرّق اُخرى وانّه إنّما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا أتى بالنوافل والفرضين فيه لأنّه مبادرة إلى تفريغ الذمّة .
فإنّ الظاهر انّ المراد بالوقت الواحد هو وقت الفضيلة وإلاّ فهو مشترك ، وعليه فهو ظاهر في أنّ المراد بالجمع ما ذكر وإنّ الإتيان بالنوافل لا يقدح فيه ، كما انّه يظهر منه استحباب الجمع في جميع الموارد لكونه مبادرة إلى تفريغ الذمّة .
الثاني : أن يكون المراد بالجمع والتفريق معناهما العرفي الذي يرجع إلى تحقّق الفصل بين الصلاتين بما يتحقّق معه التفريق وعدمه بما يتحقّق معه الجمع ففي الحقيقة هما أمران عرفيان لا دخالة للشرع فيهما بوجه .
الثالث : أن يكون المراد بالجمع مجرّد عدم الفصل بينهما بالنافلة سواء وقعتا في
( الصفحه 500 )
وقتهما أو في وقت واحد وسواء تحقّق الفصل بينهما وعدمه ، وعليه فمرجعه إلى ثبوت معنى شرعي للجمع والتفريق لا يرتبط بما هو معناهما عند العرف ، نعم يقع الكلام ـ حينئذ ـ في أنّ المراد هل هو الفصل بنفس النافلة بحيث لو حصل الفصل بمقدارها لا يكون تفريقاً أو أنّه يكفي الفصل بمقدار ادائها كما انّه يقع الكلام في أنّ المراد هل هو مطلق النافلة أو انّ المراد خصوص النافلة الموظفة كنافلة العصر الواقعة بين الظهرين ونافلة المغرب الواقعة بين العشائين .
الرابع : ما يظهر من المتن من أنّ المراد بالجمع معناه العرفي الذي يرجع إلى عدم الفصل بينهما إلاّ انّ الشارع قد خطأ العرف وحكم بأنّ النافلة الموظفة تمنع عن تحقّقه الجمع أيضاً فالتفريق يتحقّق امّا بالفصل بمقدار يصدق معه التفريق عرفاً ، وامّا بالإتيان بالنافلة الموظفة بين الصلاتين .
إذا عرفت ذلك فنقول : لابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المقام وهي كثيرة :
منها : رواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوّع بينهما . والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى التي رواها في الوسائل بعد هذه الرواية قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع فإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع .
وربما يقال بظهور الرواية في الاحتمال الثالث ولكن الإنصاف انّ ظاهرها قدح التطوّع في الجمع لا انّ المراد من الجمع عدم التطوّع ولو مع الفصل الطويل كما لايخفى .
ومنها : خبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال : رأيت أبي وجدّي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ولا يصلّيان