( الصفحه 513 )
نعم حيث كان متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي رواية الكليني زيادة قوله : قلت على البعير والدابة قال : نعم حيث ما كنت متوجّهاً قلت : استقبل القبلة إذا أردت التكبير قال : لا ولكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابّته في الأمصار فقال : لا بأس .
وصحيحة اُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريباً من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال : إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم وإلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ .
ويمكن المناقشة في مثل الروايتين الأخيرتين بعدم ظهوره في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة لأنّه من المحتمل أن يكون مراد السائل هو مجرّد الصلاة على الدابة المستلزمة لعدم الاستقرار ، وعليه فالحكم في الجواب بالجواز لا يدلّ على أزيد من عدم اعتبار الاستقرار ويؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الأخيرة : فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ ، لإشعاره بكون المراد هو مجرّد الوقوع على الأرض وعدمه .
وقد دفعت المناقشة بإمكان استفادة عدم اعتبار الاستقبال أيضاً من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة ، بل الغالب انحراف ما يكون منها على القبلة عنها يميناً وشمالا ولو في الأثناء ، بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيماً من أوّله إلى آخره فيكون عدم التعرّض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم اعتباره .
( الصفحه 514 )
أقول : وإن كان يؤيّد هذا الدفع حمل السؤال عن صلاة النافلة على البعير والدابة في رواية الحلبي المتقدّمة مع كونه مماثلا للسؤال فيهما على كون المراد هو النظر إلى القبلة كما يظهر من الجواب وهو يدلّ على عدم كون النظر إلى حيث الاستقرار فقط بل إلى حيث الاستقبال أيضاً ، إلاّ انّ الذي يبعّده عدم المنافاة بين كون سير الدابة وتوجّهها إلى غير القبلة وبين رعاية الاستقبال في الصلاة ولذا سئل في رواية الكرخي المتقدّمة على لزوم التوجّه إليها مع القدرة على التوجّه في المحمل إلاّ أن يقال إنّ استلزامه للضيق والعسر كما تشهد به الرواية يمنع عن كون النظر في الروايات المذكورة إلى خصوص الاستقرار بحيث لا ينافي اعتبار الاستقبال وكيف كان ففي غيرها غنى وكفاية .
وما رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في قوله تعالى : (فأينما تولّوا فثم وجه الله) انّها ليست بمنسوخة وانّها مخصوصة بالنوافل في حال السفر .
ومثلها ما رواه الشيخ (قدس سره) في النهاية عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال : هذا في النوافل خاصة في حال السفر فامّا الفرائض فلابدّ فيها من استقبال القبلة .
ثمّ إنّ المحكي عن ابن أبي عقيل اختصاص عدم اعتبار الاستقبال في النافلة بالسفر والظاهر انّ منشأه هو مثل الروايتين الأخيرتين الواردتين في تفسير الآية الظاهرتين في مدخلية السفر مع أنّ المتفاهم منهما عرفاً هو كون حال السفر جارياً مجرى التمثيل اُريد به حال الحاجة إلى السير في الأرض كما هو الغالب في السفر لا حال السفر من حيث هو ولذا ينسبق إلى الذهن منه إلاّ إرادة حال الضرب لا الاستقرار في المنزل مع أنّ حال السفر أعمّ منها .
( الصفحه 515 )
ويؤيّده رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي ويقرأ فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمّ مشى .
فإنّ تقييد السفر بالمشي في الجملة الاُولى والاقتصار على المشي فقط في الجملة الثانية ربّما يشهد بعدم مدخلية السفر في هذا الحكم وانّ المناط هو المشي وعدم الاستقرار ، هذا مضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة وصراحة البعض الآخر في عدم الاختصاص كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاُولى المتقدّمة الواردة في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار ودعوى انّه يحتمل كون المراد من الأمصار هي الأمصار التي تكون غير مصره فهو عبارة اُخرى عن السفر مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّه على هذا التقدير كان اللاّزم هو التعبير بالسفر وإلى انّ عمدة النظر في حيثية السفر إلى الطريق والحركة فيه لا الكون في غير مصره من مصر آخر بأن ما يتقوّم به عنوان السفر هو عدم الكون في بلده لا الكون في بلد آخر فالمراد من السؤال هو صلاة النافلة في الحضر على الدابّة وأصرح منها صحيحته الاُخرى الواردة في صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابّة بناء على كون النظر فيها إلى حيث الاستقبال أيضاً كما مرّ الكلام فيه .
وبالجملة فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالسفر وشموله للحضر أيضاً .
ثمّ إنّ ظاهر المشهور انّه لا تجب رعاية الاستقبال في التكبير وانّه لا فرق بينه وبين غيره ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص رواية الحلبي المتقدّمة على نقل الكافي لكن في مقابلها رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل ، قال : إذا كنت على غير القبلة
( الصفحه 516 )
فاستقبل القبلة ثمّ كبّر وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، قلت : جعلت فداك في أوّل الليل؟ فقال : إذا خفت الفوت في آخره . ورواية معاوية بن عمّار المتقدّمة .
ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب ولكن ربّما يقال بعدم صلاحية مثلهما لتقييد المطلقات ولو مع عدم وجود رواية الحلبي في مقابلهما وذلك لما اشتهر في باب المندوبات من عدم وجوب حمل المطلق على المقيّد واختصاصه بالواجبات .
وأورد عليه بأنّ هذا فيما إذا كان الكلام المطلق مسوقاً لبيان الحكم التكليفي لا لبيان كيفية العمل الذي لم تثبت مشروعية مطلقة كما في المقام وإلاّ فحاله حال الواجبات .
ويدفعه انّه يكفي في إثبات مشروعية المطلق نفس الإطلاقات الواردة الظاهرة فيها ودليل التقييد لا يقتضي التضييق بعد عدم إحراز وحدة الحكم وإمكان التعدّد كما في سائر الموارد فتدبّر .
وكيف كان فمقتضى قاعدة الجمع في المقام هو الحمل على الاستحباب كما عرفت هذا بالنسبة إلى التكبير ، وامّا بالإضافة إلى الركوع والسجود فقد حكى عن الشيخ (قدس سره) الإجماع على عدم اعتبار الاستقبال فيهما ولكن رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة ظاهرة في وجوب تحويل الوجه إلى القبلة في حالات التكبير والركوع والسجود ومقتضى المطلقات خلافه كما انّ رواية عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدّمة الظاهرة في اعتبار الاستقبال في التكبير تدلّ على عدم اعتباره فيهما باعتبار قوله (عليه السلام) : وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، ويدلّ عليه أيضاً صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي على راحلته قال : يؤمى إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ، قلت : يصلّي وهو يمشي؟ قال : نعم يؤمى
( الصفحه 517 )
ايماء وليجعل السجود أخفض من الركوع .
فإنّ السؤال وإن لم يكن في نفسه ظاهراً في كون النظر إلى الاستقبال أيضاً إلاّ انّ التعرّض في الجواب لكيفية الركوع والسجود أيضاً دليل على كون الرواية بصدد بيان جميع الخصوصيات التي تشتمل عليها الصلاة على الراحلة فعدم التعرّض للاستقبال فيهما دليل على عدم اعتباره في شيء من أجزاء الصلاة كما لا يخفى . وعلى ما ذكرنا فرواية معاوية بن عمّار محمولة على الاستحباب كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ الظاهر وفاقاً لأكثر من تعرّض انّ المستفاد من الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم رعاية الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار هو سقوط شرطية القبلة وعدم قيام شيء مقامها .
وبعبارة اُخرى مفاد الروايات هو السقوط وخروج هذا الشرط عن الشرطية رأساً لا تبدّله إلى شرط آخر وقيام شيء آخر مقامه كما ربّما يحكى عن صريح الصيمري وظاهر العلاّمة في جملة من كتبه وصريح البيان حيث حكى عن الأوّلين انّ قبلة الراكب طريقه ومقصده ، وعن الأخير انّ قبلته رأس دابته ولعلّ منشأ ذلك الجمود على ظاهر التعبيرات الواردة في الروايات من قوله حيث ما توجّهت به أو حيث ما كان متوجّهاً أو صلِّ حيث ذهب بك بعيرك مع أنّ المتفاهم منها عرفاً ليس إلاّ مجرّد عدم لزوم رعاية القبلة ولا تكون الروايات بصدد إفادة لزوم أمر آخر مقام القبلة وانّه تجب رعاية الطرف الذي تكون الدابة متوجّهة إليه بحيث لو انحرف المصلّي عن ذلك الطرف يميناً أو شمالا لكانت صلاته فاقدة لما اعتبر فيها ، فالإنصاف انّ ما حكى عنهم خلاف ما هو مفاد الروايات والمتفاهم منها عرفاً فالانحراف لا يقدح بوجه ، هذا كلّه في النافلة في حالة عدم الاستقرار .
وامّا النافلة في حال الاستقرار فالمشهور هو اعتبار الاستقبال فيها ، بل في محكي