( الصفحه 558 )
مضافاً إلى ثبوت الجهالة في بعضها وهي رواية خراش والطائفة المعارضة بين صحيحة أو ما هي كالصحيحة لكون مرسلها ابن أبي عمير إلاّ انّ استناد المشهور إليها وإعراضهم عنهما يوجب انجبارها والقدح فيهما خصوصاً مع ملاحظة اعتبارهما ذاتاً ، ومع انّ فتوى المشهور موافقة للقادة لعدم الدليل على سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة بعد كون مقتضى الإطلاقات الواردة في القبلة ذلك خصوصاً مثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة . . . كما في رواية زرارة المتقدّمة ومن الواضح توقّف إحراز الشرط على التكرير إلى أربع جهات لما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو الربع من الدائرة المشتمل عليها فالصلاة إلى الجهات الأربع توجب تحقّق الصلاة إلى القبلة الواقعية .
وربّما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين انّ الثلاثة الدالّة على مذهب المشهور محمولة على صورة التمكّن من الصلاة إلى أربع جهات والروايتين محمولتان على صورة عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة ، ولكن الظاهر انّ هذا الجمع غير مقبول عند العرف والعقلاء خصوصاً مع أنّ عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة فرض نادر قليل ومن المستبعد حمل ما ورد جواباً عن السؤال عن قبلة المتحيّر على ذلك مع عموم السؤال وكذا ما يدلّ على أنّ الاجزاء إنّما هو بنحو الأبدية فإنّ حمله على ذلك في غاية البعد كما لا يخفى .
فالظاهر انّ الروايتين ساقطتان عن الاعتبار لأجل إعراض المشهور عنهما ، نعم نوقش في الصحيحة منهما وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم بأنّه ليس إلاّ في الفقيه دون الكافي والتهذيب والاستبصار التي علم من عادتها التعرّض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضاً ممّا يؤيّد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه وانّه محرّف بقلم النسّاخ عن الصحيح الآخر;
( الصفحه 559 )
يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب وقد حكي عن المحدِّث المجلسي (قدس سره) الجزم بذلك مؤيّداً له بتأييدات كثيرة .
ثمّ الظاهر انّه يشترط في الصلاة إلى الجهات الأربع تقابل الجهات وانقسامها إلى خط مستقيم بحيث يحدث منها زوايا قوائم لأنّه مضافاً إلى أنّ المنساق من النصّ والفتوى ذلك يكون إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية متوقّفاً على ذلك بعدما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو ربع الدائرة التي تمرّ بها وانّ التوجّه نحو ذلك الربع يوجب وقوع إحدى الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة لا محالة فإنّه بناء عليه لامحيص عن تقسيم الدائرة إلى الأربع والصلاة إلى كلّ ربع بحيث يعلم بوقوع إحدى تلك الخطوط إليها وهو لا يتحقّق مع عدم كون الزوايا قوائم كما لا يخفى . ومن المعلوم انّ الأمر في النصّ بالتكرير أربعاً لا يكون مولوياً حتّى يؤخذ بإطلاقه وتحصل موافقته بغير النحو المذكور بل هو إرشاد إلى القاعدة العقلية الحاكمة بوجوب التكرار لإحراز القبلة الواقعية وهو متوقّف على النحو المذكور بلا إشكال .
الرابع : إذا لم يتمكّن من الصلاة إلى أربع جهات لضيق الوقت وعدم سعته فتارة لا يتمكّن إلاّ من الصلاة إلى جهة واحدة واُخرى يتمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات .
امّا في الصورة الاُولى فلا يجب عليه إلاّ صلاة واحدة إلى جهة واحدة مخيّراً في تعيينها ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الروايتين المتقدّمتين الواردتين في المتحيّر الدالّتين على أنّه يصلّي أينما توجّه وحيث يشاء بعد حملهما على صورة عدم تمكّنه من الصلاة إلى أربع جهات لأجل المعارضة مع ما يدلّ على وجوبها إليها في مورد المتحيّر أيضاً كما عرفت وإن ذكرنا انّ هذا الحمل بعيد جدّاً إلاّ انّه على تقدير تماميّته يثمر في
( الصفحه 560 )
هذه الصورة ـ انّ الاستقراء والتتبّع وملاحظة الشرائط يقتضي الحكم بأنّ للوقت خصوصية من بين الشرائط لا يعادلها شرط آخر وانّ الشارع في مقام تزاحم الوقت مع غيره من الشرائط قد قدم الوقت وحكم بسقوط غيره ، نعم إلاّ في بعض الموارد وهو فاقد الطهورين بناء على عدم وجوب الصلاة عليه في الوقت .
وبالجملة فالوقت مقدّم على سائر الشرائط عند التزاحم و ـ حينئذ ـ فمقتضى القاعدة مع عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة سقوط شرطية القبلة فلا محالة تكفي الصلاة إلى جهة واحدة ولازم ذلك عدم وجوب القضاء خارج الوقت لو انكشف عدم كون تلك الجهة التي صلّى إليها جهة الكعبة ، نعم على تقدير كون المستند لوجوب صلاة واحدة هو الروايتين بعد الحمل المذكور يمكن أن يقال بأنّ غاية مفادهما هو الاكتفاء بها مع ثبوت المانع فإذا زال المانع يجب عليه الصلاة إلى بقية الجهات ولكن ذلك يبتني على كون مفاد الروايتين بعد الحمل المذكور حكماً شرعياً مولوياً ، وامّا إذا كان مفادهما الإرشاد إلى حكم العقل كما عرفت نظيره فلا يبقى لهما دلالة زائدة على ما ذكرنا وهو سقوط شرطية القبلة لا محالة وعدم وجوب القضاء خارج الوقت وهذا هو الظاهر .
وامّا في الصورة الثانية وهي ما إذا تمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات ففي وجوب صلاة واحدة إلى جهة واحدة أو وجوب مقدار تمكّن منه خلاف مقتضى إطلاق المتن هو الثاني والمحكي عن بعض هو الأوّل واستدلّ له بأنّ وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنّما هو لأجل كونها مقدّمة للعلم بتحقّق الواجب الواقعي وإحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية ، ومن المعلوم انّ المقدّمة العلمية إنّما تجب مع تحقّق العلم بعدها ، وامّا مع عدم إمكان تحقّقه فغير واجبة عند العقل كما في المقام لأنّ المفروض انّ المكلّف غير قادر على الإتيان بجميع المحتملات التي توجب
( الصفحه 561 )
العلم .
وأورد عليه بأنّ العلم بتحقّق الواجب الواقعي ليس واجباً مستقلاًّ في مقابل نفس الواجب الواقعي حتّى تجب مقدّماته الوجودية واستحق المكلّف بموافقته المثوبة وبمخالفته العقوبة ، بل المكلّف لما توجّه إليه التكليف الصادر من المولى وعلم به يحكم العقل عليه بوجوب امتثاله فإذا كان قادراً على الامتثال اليقيني يحكم عليه بوجوه وإذا لم يتمكّن منه فالعقل يحكم عليه بوجوب السعي وتحصيل الجهد في حصول مراد المولى ومقصوده فإذا تمكّن من الامتثال الظنّي يحكم عليه بوجوبه فإذا جهد وسعى غاية السعي ولم يصادف المأتي به للواجب الواقعي فهو معذور عنده وفيما نحن فيه تكون غاية السعي هو إتيان مقدار يتمكّن منه من المحتملات فإنّه وإن لم يتمكّن من الموافقة القطعية إلاّ انّ الموافقة الاحتمالية إذا كانت من وجوه متعدّدة بعضها أقرب إلى الامتثال اليقيني من بعض آخر يحكم العقل بوجوب إتيان ما هو أقرب فلا محيص عن الإتيان بقدر ما وسع .
هذا ولكن يمكن أن يقال : إنّ حفظ شرطية الوقت والاهتمام به وتقديمه على سائر الشرائط كما عرفت يقتضي سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة أيضاً; لأنّ الجمع بينه وبين اعتبار القبلة مع عدم تمكن المكلّف من إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية المتوقّف على التكرير إلى أربع جهات ممّا لا يكاد يمكن فمع الاهتمام بالوقت لابدّ وأن ترفع اليد عن شرطية القبلة ومع رفع اليد عنها لا يبقى مجال للصلاة إلى أزيد من جهة واحدة وما أفاده المورد من تقدّم بعض وجوه الموافقة الاحتمالية على البعض الآخر إنّما يتمّ فيما إذا كان ذلك البعض أقرب من جهة الاحتمال كما إذا كان احتماله راجحاً ، وامّا إذا لم يكن كذلك كما في المقام لأنّه لا يحصل بالصلاة إلى أزيد من واحدة ظنّ بالموافقة ولا يكون التكرير موجباً لقربها فلا وجه للتقدّم أصلا
( الصفحه 562 )
فالظاهر في هذه الصورة ما أفاده البعض المتقدّم من كفاية صلاة واحدة فتدبّر .
الخامس : لو ثبت عدم القبلة في بعض الجهات بالعلم أو بالبيّنة صلّى إلى المحتملات الاُخر لما عرفت من أنّ الأمر بالصلاة إلى أربع جهات بالإضافة إلى المتحيّر ليس أمراً مولوياً يكون مقتضى إطلاقه ثبوته ولو مع العلم بعدم القبلة في بعض الجهات ، بل يكون أمراً إرشادياً إلى ما هو مقتضى حكم العقل ، ومن المعلوم انحصار حكمه بما إذا كان كلّ واحدة من الجهات محتملة للقبلة فاللاّزم مع العلم بالعدم في بعض الجهات تكرار الصلاة إلى بقية الجهات لعين الملاك .
نعم لو حصل له الظنّ بالعدم في بعض الجهات فهل يجوز له الاقتصار على غيره من الجهات أم لابدّ من التكرار إلى أربع؟ والظاهر هو الثاني; لأنّ حجّية الظنّ المستفادة من دليل التحرّي مقصورة على الظنّ التفصيلي بجهة القبلة ولا ملازمة بين حجّية الظنّ التفصيلي وبين حجّية الظنّ الإجمالي . وبعبارة اُخرى المتفاهم عند العرف من دليل اعتبار الظنّ هو الظنّ بثبوت القبلة في جانب خاصّ لا الظنّ بعدمها فيه مع التردّد في سائر الجهات .
السادس : انّه يجوز التعويل على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم في الجملة ، وعن التذكرة وكشف الالتباس الإجماع عليه ولا حاجة إلى إقامة الدليل على حجّيتها مع فرض إفادتها للعلم بجهة القبلة لحجّيته من أي طريق حصل كما هو شأن القطع الطريقي ، وامّا مع عدم إفادتها سوى الظنّ بالجهة فمع عدم التمكّن من تحصيل العلم بالقبلة ولا تحصيل الظنّ الأقوى يكون الدليل على الحجّية هو الدليل الوارد في التحرّي الدالّ على اعتبار الظنّ الحاصل به فإنّها أيضاً من مصاديق التحرّي وطرقه .
وامّا مع التمكّن من تحصيل العلم أو الظنّ المذكور فالدليل على الحجّية هي