( الصفحه 594 )
ظاهر الآية بعد التأمّل بل بيان للظاهر بالنحو الذي ذكرنا من ارتفاع إبهام حفظ الفرج بالجملة الشريفة الاُولى وإذا كانت الجملة الثانية يرتفع ابهامها بالجملة الاُولى فلِمَ لا يرتفع إبهام الجملة الاُولى بالثانية ، فالإنصاف ظهور الآية فيما ذكرنا كما دلّت عليه رواية النعماني ولا يكون مدلولها أمراً تعبّدياً وتفسيراً على خلاف ما تدلّ عليه الآية بظاهرها .
وقد ذكر بعض الأعلام انّ مفاد الآية وجوب حفظ الفرج عن كلّ ما يترتّب منه من الاستلذاذات إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوّة الشهوية والطبع البشري وذلك لأنّ حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيّد بجهة دون جهة .
ويرد عليه مضافاً إلى ما ذكرنا من أنّ مقتضى الارتباط بين الجملتين في الآية الشريفة أن يكون إبهام كلّ واحدة منهما مرفوعاً بالآخر ونتيجته أن يكون مفاد الآية ناظراً إلى حرمة النظر إلى عورة الغير ووجوب حفظها عن نظر الغير انّ ذلك لا يكفي في إثات المدعى لأنّه عبارة عن حرمة النظر إلى عورة الغير مطلقاً سواء كان مع التلذّذ أو بدونه والآية على هذا التفسير تختص بما إذا كان مع التلذّذ كما لا يخفى هذا بالنظر إلى الكتاب .
وامّا الروايات الواردة في هذا الحكم فكثيرة :
منها : ما رواه الصدوق باسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن النبي ـ عليه وعليهم السلام ـ في حديث المناهي قال : إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته ، وقال : لا يدخل أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر ، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم وقال : من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة
( الصفحه 595 )
المرأة ، وقال : من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمّداً أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله إلاّ أن يتوب .
ولا يخى انّ النهي عن نظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم كما في جملة من الأخبار إن كان المراد به هو النهي عن غيبة المؤمن وإذاعة سرّه وكشف عيوبه كما ورد تفسيره بذلك في جملة من الروايات فلا يرتبط بالمقام وإن كان المراد هو النهي عن النظر إلى العورة المصطلحة فهو ناظر إلى المقام ، كما انّه لو كان المراد منه الأعمّ على تقدير إمكان يجدي لنا أيضاً وهنا رواية ظاهرة في أنّ المراد به ما نبحث عنه هنا وإن كانت الرواية المذكورة أيضاً مشعرة بل ظاهرة في ذلك فتدبّر ، وتلك الرواية ما رواه حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدّي وعمّي حمّاماً بالمدينة فإذا رجل لي البيت المسلخ فقال لنا : مَن القوم؟ إلى أن قال : ما يمنعكم من الازر فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : فبعث أبي إلى عمّي كرباسة فشقّها بأربعة ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحداً ثمّ دخلنا فيها إلى أن قال : فسألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين (عليهما السلام) .
ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في آداب الحمّام الدالّة على وجوب الدخول فيه مع المئزر أو على النهي عن دخوله إلاّ بمئزر أو على أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايدخل الحمّام إلاّ بمئزر أو على غير ذلك من التعبيرات وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب آداب الحمّام ، ومن المعلوم انّه لا خصوصية للحمّام بل التعرّض له إنّما هو لأجل كونه محلاًّ للنظر بعد إخراج اللباس من البدن ، كما انّه لا خصوصية للمئزر بل المراد هو كلّ ما يوجب تحقّق السرّ ويمنع عن النظر .
وفي مقابل هذه الروايات رواية ظاهرها الكراهة وهي ما رواه ابن أبي يعفور
( الصفحه 596 )
قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته؟ أو يصبّ عليه الماء ، أو يروى هو عورة الناس؟ قال : كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد .
وحكى المحقّق الهمداني (قدس سره) عن جماعة انّهم ذكروا انّه لولا مخافة المشهور لأفتينا على طبق هذه الرواية وقلنا بكراهة كشف العورة ، ولكنّ الظاهر انّ الكراهة في مقابل الحرمة اصطلاح فقهي والتقابل إنّما هو في لسان الفقه والفقهاء ، وامّا في لسان الروايات فلم يعلم التقابل بينهما بل كثيراً ما تطلق الكراهة ويراد منها الحرمة مع أنّه على تقدير تسليم ظهورها في الكراهة في مقابل الحرمة ، فمن المعلوم انّه ليس ظهورها بحدّ يقاوم مع ظهور الروايات المتقدّمة في الحرمة خصوصاً مع التعبير بأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكاد يجتمع مع الدخول في الحمّام بغير مئزر ، فالإنصاف انّه لا مجال للفتوى على طبق هذه الرواية على تقدير ظهورها في الكراهة .
ثمّ إنّه بعد الفراغ عن أصل البحث يقع الكلام في سعة دائرة الحكم وضيقه من جهة انّه هل يختص حرمة النظر إلى عورة الغير بما إذا كان الغير مكلّفاً وكذا ينحصر وجوب حفظ الفرج بما إذا كان الناظر كذلك أو يعمّ غير المكلّف من الطفل والمجنون أيضاً ، الظاهر هو الثاني; لإطلاق الآية الدالّة على الحكمين وتوجيه التكليف إلى المؤمن لا يقتضي تخصيص المتعلّق به أيضاً ويؤيّده قوله تعالى : (قل للمؤمنات . . .)فإنّه لا يمكن الالتزام بأنّه لا يجب عليهنّ حفظ فروجهنّ عن المجنون والطفل المميّز بوجه ، نعم الطفل غير المميّز خارج عن الحكمين كما هو ظاهر .
وقد حكي عن الصدوق من المتقدّمين جواز النظر إلى عورة الكافر واختاره صاحب الحدائق من المتأخّرين والوجه فيه أوّلا المناقشة في ثبوت الإطلاق للآية من هذه الجهة فإنّ المستفاد منها بلحاظ توجيه التكليف إلى المؤمنين والمؤمنات انّ
( الصفحه 597 )
النظر إنّما هو إلى جامعة المسلمين والمتدينين ولا نظر لها إلى الكافر بوجه والروايات الكثيرة المتقدّمة بعضها الواردة في الحمّام ظاهرة في الاختصاص بالمسلمين خصوصاً مع التعبير فيها بعورة المؤمن أو المسلم أو نحوهما ممّا لا يشمل الكافر بوجه ، هذا مضافاً إلى وجود روايتين ظاهرتين في الكراهة :
إحداهما : مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار .
ثانيتهما مرسلة الصدوق قال : روي عن الصادق (عليه السلام) انّه قال : إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم فامّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار .
هذا ولكن الظاهر إطلاق الحكم وشموله للنظر إلى عورة الكافر أيضاً لثبوت الإطلاق للآية وتوجيه الخطاب إلى المؤمنين والمؤمنات لا يقتضي الاختصاص وهل يمكن الالتزام بعدم وجوب حفظ الفرج عن نظر الكافر مع أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالاُصول من دون فرق وذكر المؤمن والمسلم والأخ في روايات الحمّام إنّما هو لأجل كونه مورداً للابتلاء نوعاً مضافاً إلى عدم ثبوت المفهوم لها بحيث ينافي إطلاق الآية .
وامّا الروايتان فقد نوقش فيهما بالإرسال أولا وبإعراض الأصحاب عنهما الكاشف عن وجود خلل فيهما ولو مع العلم برواتهما ثانياً المناقشة من حيث السند مدفوعة بأنّ الاُولى مرسلها ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله والثانية وإن كانت منسوبة إلى الرواية دون الإمام (عليه السلام) إلاّ انّ الظاهر عدم كونه رواية اُخرى بل الظاهر انّها بعينها هي مرسلة ابن أبي عمير رواها الصدوق من دون التعرّض لسندها بوجه ، وامّا الاعراض فالظاهر تحقّقه وكونه قادحاً في حجّية الرواية واعتبارها ولكن ربّما يقال تارة بعدم كون الاعراض موجباً لسقوط الرواية عن
( الصفحه 598 )
الحجّية واُخرى بعدم ثبوت موضوع الإعراض وذلك لوجود طائفتين من الروايات في المقام ، ومن الممكن أن يكون الأخذ بالطائفة الاُخرى الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الكافر أيضاً لأجل رجحانها على هذه الطائفة من موافقة الكتاب والشهرة الفتوائية لا لأجل الاعراض والمهجورية الكاشفة عن وجود الخلل فيها .
هذا والظاهر انّه لا مجال لإنكار موضوع الاعراض واحتمال عدمه أصلا ; لأنّه على غير هذا التقدير لا تصل النوبة إلى الترجيح لعدم المعارضة بين الطائفتين بعد كون قاعدة حمل المطلق على المقيّد مقتضية للجمع والخروج عن موضوع التعارض فلولا الإعراض لكان اللاّزم تقييد الإطلاق وتخصيص الحكم بخصوص المسلم وقد حقّق في محلّه قدح الاعراض في الحجّية فالمرسلة وإن كانت معتبرة سنداً ولكنّها مهجورة دلالة فلا فرق بين المسلم والكافر من هذه الجهة مع أنّ النسبة إلى الصدوق إنّما نشأت من نقله الرواية المذكورة وإلاّ فهو لم يفت بخلاف الأصحاب صريحاً .
بقي الكلام في اُمور :
الأوّل : في المراد من العورة وقد عبّر عنها في الآية بالفرج ويستفاد من الروايات الصريحة الواضحة انّ المراد بها القبل والدبر ولكن في بعض الروايات انّها ما بين السرّة والركبة ، امّا الطائفة الاُولى فكثيرة منها مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : العورة عورتان : القبل والدبر والدبر مستور بالاليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة .
ومنها : مرسلة الصدوق قال الصادق (عليه السلام) : الفخذ ليس من العورة . ومنها ما عن محمد بن حكيم قال الميثمي : لا أعلمه إلاّ قال رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) أو من رآه