( الصفحه 598 )
الحجّية واُخرى بعدم ثبوت موضوع الإعراض وذلك لوجود طائفتين من الروايات في المقام ، ومن الممكن أن يكون الأخذ بالطائفة الاُخرى الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الكافر أيضاً لأجل رجحانها على هذه الطائفة من موافقة الكتاب والشهرة الفتوائية لا لأجل الاعراض والمهجورية الكاشفة عن وجود الخلل فيها .
هذا والظاهر انّه لا مجال لإنكار موضوع الاعراض واحتمال عدمه أصلا ; لأنّه على غير هذا التقدير لا تصل النوبة إلى الترجيح لعدم المعارضة بين الطائفتين بعد كون قاعدة حمل المطلق على المقيّد مقتضية للجمع والخروج عن موضوع التعارض فلولا الإعراض لكان اللاّزم تقييد الإطلاق وتخصيص الحكم بخصوص المسلم وقد حقّق في محلّه قدح الاعراض في الحجّية فالمرسلة وإن كانت معتبرة سنداً ولكنّها مهجورة دلالة فلا فرق بين المسلم والكافر من هذه الجهة مع أنّ النسبة إلى الصدوق إنّما نشأت من نقله الرواية المذكورة وإلاّ فهو لم يفت بخلاف الأصحاب صريحاً .
بقي الكلام في اُمور :
الأوّل : في المراد من العورة وقد عبّر عنها في الآية بالفرج ويستفاد من الروايات الصريحة الواضحة انّ المراد بها القبل والدبر ولكن في بعض الروايات انّها ما بين السرّة والركبة ، امّا الطائفة الاُولى فكثيرة منها مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : العورة عورتان : القبل والدبر والدبر مستور بالاليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة .
ومنها : مرسلة الصدوق قال الصادق (عليه السلام) : الفخذ ليس من العورة . ومنها ما عن محمد بن حكيم قال الميثمي : لا أعلمه إلاّ قال رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) أو من رآه
( الصفحه 599 )
متجرّداً وعلى عورته ثوب فقال : إنّ الفخذ ليست من العورة .
وفي مقابلها رواية بشير النبال قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمّام فقال : تريد الحمّام؟ قلت : نعم ، فأمر بإسخان الماء ثمّ دخل فاتزر بازار فغطّى ركبتيه وسرّته إلى أن قال : ثمّ قال : هكذا فافعل . ورواية الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليه السلام)قال : إذا زوج الرجل أمَته فلا ينظرن إلى عورتها والعورة ما بين السرّة والركبة .
ولكن بشير النبّال ضعيف أوّلا والعمل أعمّ من الوجوب ثانياً والأمر بالفعل إنّما هو لأجل ذلك أي الاستحباب أو لرعاية الأدب كما لا يخفى ، والحسين أيضاً ضعيف ويحتمل أن يكون المراد من عورة الأمَة ذلك لا مطلق النساء ولا الرجال وعلى تقدير ظهورها في التعميم يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على الاستحباب ويؤيّده رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : إذا تعرّى أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا .
الثاني : في أنّ المحرم في باب النظر إلى العورة هل هو النظر إلى اللون أو أعمّ منه ومن الحجم فالمشهور على الأوّل وعن المحقّق الثاني ، الثاني ودليل المشهور فهم العرف من الآية والرواية وانّ الحفظ والستر إنّما يتحقّق بستر اللون وترك النظر إليه فقط وقد استدلّ لهم أيضاً برواية رواها الصدوق بإسناده عن عبيدالله الرافقي في حديث إنّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثمّ يلفّ ازاره على أطراف احليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه فقلت له يوماً من الأيّام : إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته قال : كلاّ انّ النورة سترة (ستره) . ومرسلة محمد بن عمر انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلاّ بمئزر قال : فدخل ذات يوم الحمّام فتنوّر فلمّا أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر فقال له مولى له : بأبي أنت واُمّي انّك
( الصفحه 600 )
لتوصينا بالمئزر ولزومه ولقد ألقيته عن نفسك فقال : أما علمت انّ النورة قد أطبقت العورة . ولكن الاستدلال بهما غير تام لعدم العلم بكون النورة غير ساترة للحجم كما لايخفى .
الثالث : انّه لا إشكال كما عرفت في وجوب الستر مع العلم بوجود الناظر ، وامّا مع الشكّ فيه فهل يجب الستر أم لا؟ ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) انّ فيه وجهين من جريان أصالة الإباحة وعدم الوجوب الجارية في الشبهات الموضوعية ومن أنّه ربّما يقع في الحرام مع عدم التستّر ومقتضى لزوم رعاية التكليف الإلهي الاحتياط وقد قوى بعد بيان الوجهين الوجه الأوّل .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام في شرح العروة انّه هنا خصوصية تمنع عن جريان اصالة الإباحة ولو مع القول بجريانها في الشبهات الموضوعية التحريمية وهي التعبير في الآية الشريفة عن الستر بحفظ الفروج فإنّ المتفاهم من كلمة «الحفظ» هو المراقبة والتحفّظ وهو لا يتحقّق إلاّ مع الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضاً .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ لازم ما أفاده هو التفكيك في الآية المتعرّضة لبيان حكمين والالتزام بأنّ جملة «ويحفظوا فروجهم» دالّ على الوجوب مع احتمال الناظر أيضاً ، وامّا جملة «يغضوا من أبصارهم» فلا دلالة له على ذلك; لعدم وقوع التعبير بالحفظ فيها ، ومن المعلوم بطلان هذا النحو من التفكيك انّ التعبير بالحفظ لا دلالة له على ما رامه لأنّ معناه التخفّي والتستّر ولا شهادة فيه على الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضاً ويؤيّده انّ لازمه الالتزام بذلك في سائر الآيات الدالّة على لزوم حفظ الفرج التي يكون مفادها اللزوم من جهة الزنا ومثله على ما دلّ عليه الرواية المتقدّمة المتضمّنة لأنّ كلّ ما في الكتاب من حفظ الفرج فالمراد به
( الصفحه 601 )
حفظه من الزنا إلاّ هذه الآية التي هي مورد البحث في المقام ضرورة انّ الاختلاف من هذه الجهة لا يوجب الاختلاف بينها من ناحية التعبير بالحفظ المشترك بين جميعها فالظاهر ما قوّاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من عدم الوجوب مع الشكّ في وجود الناظر لما عرفت .
الرابع : قد استثنى من الحكمين المذكورين موارد :
منها : الزوج والزوجة فإنّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى جميع أعضاء الآخر كما يجوز اللمس وقد دلّ عليه الروايات مضافاً إلى أنّ جواز الوطء دليل على انّه يجوز النظر بطريق أولى ولا إشكال في هذا الحكم أصلا .
ومنها : المالك فإنّه يجوز له النظر إلى جميع أعضاء المملوكة ما دام لم يزوّجها أو يحلّلها من الغير فإنّه لا يجوز له النظر ـ حينئذ ـ إلى عورتها كما دلّ عليه بعض الروايات المتقدّمة في معنى العورة ، وامّا المملوكة فالظاهر انّه يجوز لها النظر إلى المالك مطلقاً مع الشرط المذكور بخلاف المالكة فإنّه لا دليل على جواز نظرها إلى مملوكها أو مملوكتها وإطلاق الآية يقتضي عدم الجواز .
ومنها : المحلّلة والمحلّل له فإنّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر لاقتضاء جواز الوطء ذلك على ما مرّ هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .
المقام الثاني : في حكم النساء لا إشكال في أصل وجوب التستّر على النساء وحرمة الابداء والكشف لهنّ وهو من ضروريّات الفقه بل من ضروريات الدين إنّما الإشكال في وجوب ستر الوجه والكفّين وقد ادّعى سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) انّ المشهور بين الخاصّة والعامّة وجوب ستر الوجه والكفّين أيضاً ، ولكن الحقّ انّ المسألة مختلف فيها فذهب بعض إلى الوجوب كالشيخ (قدس سره) في النهاية قال فيها : «من أراد أن يزوّج له أن ينظر إلى الوجه والمحاسن والكفّين والرجلين
( الصفحه 602 )
وكيفية المشي ونحوها ، وامّا في غير هذه الصورة فلا يجوز له النظر إلى المواضع المذكورة» بناء على أن لا يكون المراد مجرّد حرمة نظر الغير بل وجوب التستّر عليها أيضاً وإلاّ فحرمة النظر لا تلازم وجوب التستّر ، نعم جواز النظر لا يجتمع مع وجوب التحفّظ كما لا يخفى . وتبعه في ذلك العلاّمة وابنه وكاشف اللثام وصاحب الجواهر ـ قدّس الله أسرارهم ـ .
وذهب الشيخ (قدس سره) في بعض كتبه إلى جواز النظر إلى الوجه والكفّين واختاره صاحبا الحدائق والمستند والشيخ الأعظم الأنصاري في رسالة النكاح .
وقال المحقّق في الشرائع وتبعه العلاّمة في بعض كتبه بالتفصيل بين النظرة الاُولى وبين النظرة الثانية وما بعدها .
فاللاّزم ملاحظة الأدلّة فنقول :
امّا الكتاب فمن الآيات الواردة في هذا الاب آية الغضّ المعروفة المتقدّمة وهي بلحاظ اشتمالها على إيجاب الغضّ وحفظ الفرج على الرجال والنساء قد تقدّم الكلام فيها وانّها لا ترتبط بالمقام من هذه الجهة ، وامّا بلحاظ قوله تعالى فيها : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فلابدّ من البحث فيها حيث إنّه يستفاد منها انّ الزينة على قسمين ظاهرة وباطنة وقد وقع الخلاف في تفسير الزينة الظاهرة ، فعن عبدالله بن مسعود : انّ المراد بالزينة الظاهرة التي لا يحرم ابدائها هي الثياب ويؤيّده قوله تعالى : (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد) أي خذوا ثيابكم التي تتزيّنون بها عند إرادة الصلاة .
وعن عبدالله بن عبّاس : انّ المراد بالزينة الظاهرة هو الكحل والخاتم والخدان والخضاب في الكفّ .
وحكي انّ المراد منها هو الوجه والكفّان والظاهر انّه مروي أيضاً .