( الصفحه 619 )
وقع التصريح بالوجه فيها .
ومنها : رواية الحسن بن السري قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة يتأمّلها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال : نعم لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها إلى خلفها وإلى وجهها .
وقد استدلّ بهذه الطائفة على وجوب ستر الوجه نظراً إلى أن الحكم بجواز النظر إليه قد وقع بيانه بصورة قضية شرطية ومفهومها عدم الجواز عند عدم إرادة التزويج معها الذي هو المفروض في محلّ البحث .
ولا يخفى انّه لو قلنا بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية رأساً أو بأن ثبوته لها إنّما هو فيما لو لم يكن الشرط وارداً لبيان الموضوع ، وامّا مع كون الشرط مسوقاً لبيان الموضوع كما في قوله : إن رزقت ولداً فاختنه فلا مفهوم له والمقام أيضاً من هذا القبيل فإنّ إرادة التزويج يوجب تحقّق الموضوع للنظر لأنّه لا داعي إليه بدونها فالاستدلال بهذه الطائفة غير صحيح .
وإن أبيت عن ذلك وقلت بثبوت المفهوم وانّ المقام من قبيل قوله : إن جاءك زيد فاكرمه فمفهوم الروايات ثبوت البأس عند عدم إرادة التزويج ومن المعلوم انّ البأس أعمّ من الحرمة لشموله للكراهة أيضاً .
وقد أجاب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في رسالة النكاح بأنّ بين النظر للتزويج والنظر المبحوث عنه في المقام فرق; لأنّ النظر للتزويج إنّما يكون لتشخيص خلقتها وللاختبار وكشف الواقع بخلاف النظر في غير مورد إرادة التزويج فإنّه عبارة عن مجرّد النظر بدون التلذّذ والريبة كالنظر إلى وجه الرجل ، كما انّه يمكن الفرق بأنّ البحث في المقام إنّما هو في جواز النظر وحرمته ، وامّا النظر في هذه الروايات فيمكن أن يكون مستحبّاً مندوباً كما يرشد إليه الرواية الاُولى فتدبّر
( الصفحه 620 )
فبين النظرين بون بعيد .
سلّمنا دلالة هذه الطائفة على حرمة النظر إلى الوجه مع عدم إرادة التزويج ولكنّها لا دلالة لها على وجوب ستره لما عرفت .
الطائفة الرابعة : الروايات الواردة في موارد مختلفة التي منها ما في صحيح البخاري عن ابن عبّاس قال : كان الفضل رديف النبي (صلى الله عليه وآله) فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت : إنّ فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أنا أحجّ عنه قال : نعم وذلك في حجّة الوداع ، وزاد في فتح الباري في شرح صحيح البخاري انّه (صلى الله عليه وآله) قال في آخره : رأيت غلاماً حدثاً وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان بتقريب انّه لو كان النظر إلى وجه المرأة غير محرم لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) يصرف وجه الفضل إلى الجانب الآخر .
والجواب عنه أوّلا : انّ صرف النبي (صلى الله عليه وآله) وجهه لعلّه كان لخشيته (صلى الله عليه وآله) دخول الشيطان بينهما كما علّله بذلك في الزيادة المنقولة ، وعليه فالمحذور إنّما هو دخول الشيطان وانجرار النظر إلى الأعمال القبيحة وإلاّ فنفس النظر لا يكون محرماً حتى يكون إطاعة للشيطان .
وثانياً : انّ رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) نظر المرأة إلى الفضل كما هو ظاهر الرواية تشهد على تحقّق نظره إليها وهو دليل على جوازه فتدبّر .
وثالثاً : لو كان ستر الوجه واجباً على المرأة فلِمَ لم يأمرها بذلك حتى يتحقّق الأمر بالمعروف ولا يحتاج إلى صرف وجه الفضل بوجه ، فالإنصاف انّ الرواية من هذه الجهة أقوى الأدلّة على عدم وجوب ستر الوجه كما لا يخفى .
كلّ ذلك مضافاً إلى أنّه لم يعلم انّ انصراف وجه الفضل وعدم النظر إليها كان
( الصفحه 621 )
على طريق الوجوب فلعلّ صرفه كان لعدم ملائمة ذلك مع محضر النبي (صلى الله عليه وآله)والحضور فيه لا لحرمته هذا كلّه ما يتعلّق بالسنّة .
ومن الوجوه التي قد استدلّ بها على وجوب ستر الوجه والكفّين ثبوت الاتفاق في المسألة كما ادّعاه الفاضل المقداد في كنز العرفان حيث قال : لاطباق الفقهاء على أنّ بدن المرأة كلّها عورة إلاّ على الزوج والمحارم . ومن المعلوم شمول البدن للوجه والكفّين خصوصاً مع التصريح بكلمة «كلّ» .
ولا يخفى انّ مدّعاه ليس هو الإجماع المصطلح بل مجرّد الاطباق والاتفاق وهو أعمّ منه مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة كما قرّر في محلّه مع أنّ التمسّك بالإجماع في محل النزاع خصوصاً مع ذهاب كثير من الأعلام إلى عدم وجوب ستر الوجه والكفّين ممّا لا وجه له أصلا .
ومن الوجوه انّ السيرة المستمرّة من المتشرّعة قائمة على منع النساء أن يخرجن منكشفات وعلى مراقبتهن وعدم خروجهن من البيوت إلاّ متستّرة كما انّ النظر إلى وجه المرأة الأجنبية قبيح عند المتشرّعة مطلقاً من دون فرق بين صورة التلذّذ وغيرها وقد عبّر صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ التطلّع على النساء من المنكرات في الإسلام .
ويمكن الجواب عنه بأنّ عدم ستر الوجه والكفّين يوجب كون المرأة في معرض النظر ، ومن المعلوم انّ الأنظار مختلفة بعضها مقرون بالتلذّذ وبعضها خال عنه ، وحيث إنّه لا سبيل إلى تشخيص النظر المقرون بالتلذّذ لأنّ المقصود لا يطلع عليها فطريق الاحتجاب عن الناظر بشهوة هو الاحتجاب مطلقاً .
وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ السيرة قائمة على التستّر في نفسه لا لما قيل من تحقّق الاحتجاب عن الناظر بشهوة فالجواب انّ السيرة لا دلالة لها على خصوص
( الصفحه 622 )
الحكم اللزومي ، بل هي أعمّ منه فإنّ صاحب الجواهر (قدس سره) مع اتكائه على هذه السيرة وإنكار المتشرّعة أفتى بجواز النظر إلى جميع جسد المرأة لمن أراد التزويج معها مع أنّ هذا ممّا ينكره المتشرّعة أشد الإنكار فيظهر من ذلك انّ السيرة قاصرة عن اخثبات الحكم اللزومي .
ومنها : انّ عدم التستّر والنظر ربّما يوجب الوقوع في الفتنة والحرام وحيث إنّ نظر الشارع عدم تحقّق الفتنة بوجه فيكشف ذلك عن وجوب التستّر وحرمة النظر .
وقد أجاب الشيخ الأعظم (قدس سره) عن هذا الوجه بأنّ المعهود من الشارع في أمثال هذه الموارد هو الحكم بالكراهة دون التحريم كالروايات الدالّة على حسن الاحتياط في الشبهات الحكمية وان ارتكاب الشبهات ربّما يوجب الوقوع في حمى الله ومحرّماته وقد ثبت في الاُصول انّ مقدّمة الحرام ليست بمحرمة ولو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب ، نعم المقدّمة التي هي علّة تامّة لوقوع الحرام بحيث يترتّب عليها قهراً من دون تخلّل الإرادة والاختيار تكون محرّمة ومن المعلوم انّ النظر وكذا عدم التستّر لا يكون كذلك .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ الوجوه التي استدلّ بها على وجوب ستر الوجه والكفّين كلّها مخدوشة مردودة .
وامّا القول بالتفصيل بين النظرة الاُولى وغيرها فمستنده روايات ظاهرة في ذلك :
منها : رواية الكاهلي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : وقال (عليه السلام) : أوّل نظرة لك والثانية عليك ولا لك
( الصفحه 623 )
والثالثة فيها الهلاك .
ومنها : ما رواه أيضاً في الخصال باسناده عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال : لكم أوّل نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها نظرة اُخرى واحذروا الفتنة .
ومنها : ما رواه أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الجعابي عن الحسن بن عبدالله بن محمد الرازي عن أبيه عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من قتل حيّة قتل كافراً ، وقال : لا تتبع النظرة النظرة فليس لك يا علي إلاّ أوّل نظرة .
والجواب عن الاستدلال بهذه الرواية : انّ البحث إنّما هو في النظر إلى الوجه والكفّين وليس في هذه الروايات إطلاق يشمل النظر إليهما ، بل موردها هو النظر المحرّم ، وامّا ان أيّ نظر يكون محرّماً فلا دلالة لها عليه .
وبالجملة شمول الروايات للنظر إلى الوجه والكفّين والحكم بالتفصيل فيه غير واضح .
وربما يقال : بأنّ المراد من النظرة الاُولى هي النظرة غير العمدية ومن الثانية هي النظرة العمدية ولكنه لا شاهد على هذا القول أصلا فظهر من جميع ما ذكرنا عدم تمامية أدلّة القائلين بوجوب ستر الوجه والكفّين ، امّا مطلقاً أو في غير النظرة الاُولى ، وهنا شواهد وأدلّة على عدم الوجوب :
الأوّل : الآية الشريفة المتقدّمة المشتملة على استثناء ما ظهر من الزينة بناء على تفسيرها بالوجه والكفّين ، كما لعلّه الظاهر من الآية وقد وردت به روايات على ما تقدّم ، نعم لو قلنا بأنّ الروايات الواردة في تفسيرها مختلفة وانّ الزينة الظاهرة تكون مجملة لكان لازمه إجمال المخصّص المتّصل وهو يسري إلى العام ويصير سبباً لإجماله ، وعليه فلا دلالة في الآية على جواز كشفهما ، كما انّه لا دلالة لها على حرمة