( الصفحه 665 )
الثوب الذي يحرم التصرّف فيه وثبوت الغصب وعدمه لا مدخل له في ذلك أصلا .
وكيف كان فالظاهر انّ اعتبار هذا الأمر في لباس المصلّي لا يكون مستنداً إلى نص لعدم وجود النص في المسألة وعدم كونها مذكورة في الجوامع الأوّلية المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة بعين الألفاظ الصادرة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ كما انّ ظاهر الشيخ (قدس سره) في كتاب الخلاف ذلك أيضاً حيث استدلّ لاعتبار الاباحة في قبال العامّة القائلين بأجمعهم بجواز الصلاة في الثوب المغصوب بغير الإجماع والاخبار كما سيأتي دليله .
نعم ربّما استدلّ ببعض الروايات الضعيفة أو غير الدالّة ولعلّه يأتي التعرّض له ، وممّا ذكرنا يظهر انّه لا يجوز الاستناد إلى الإجماع في المقام وإن ادّعاه في الجملة في محكي الناصريات والغنية ونهاية الاحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس وغيرها لأنّه مضافاً إلى عدم تمسّك الشيخ (قدس سره) به في كتاب الخلاف مع كون دأبه فيه في أكثر المسائل التمسّك بإجماع الفرقة وأخبارهم نقول : إنّه من المحتمل بل المعلوم استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية فلابدّ من ملاحظتها وانّها هل تصلح لإثبات اعتبار هذا الأمر أم لا؟ فنقول :
الأوّل : قاعدة الاشتغال وقد استند إليها الشيخ (قدس سره) في الكتاب المزبور قال : «طريقة براءة الذمّة تقتضي وجوب إعادتها لأنّ الصلاة في ذمّته واجبة بيقين ولا يجوز أن يبرئها إلاّ بيقين ولا دليل على برائتها إذا صلّى في الدار والثوب المغصوبين» .
والجواب انّ المقام من موارد جريان أصالة البراءة لأنّه قد شكّ فيه في شرطية أمر زائد وهي إباحة اللباس والمرجع في مثله أصالة البراءة الجارية في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين سواء كان المشكوك هي الجزئية أو
( الصفحه 666 )
الشرطية فلا مجال لقاعدة الاشتغال .
الثاني : ما استدلّ به الشيخ (قدس سره) أيضاً في الكتاب المذكور من أنّ الصلاة تحتاج إلى نيّة بلا خلاف ولا خلاف انّ التصرّف في الدار المغصوبة والثوب المغصوب قبيح ولا تصحّ نية القربة فيما هو قبيح .
وأوضحه سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) على ما أوردته في تقريرات بحثه بأنّ صحّة العبادة متوقّفة على صلاحيتها للتقرّب بها مع قصده أيضاً وإذا اتّحدت مع عنوان محرم لا تكون العبادة صالحة لذلك ولا يتمشّى قصد التقرّب بها من الملتفت إلى حرمته لأنّ الفعل الصادر عن المكلّف عصياناً للمولى وطغياناً عليه لا يعقل أن يكون مقرّباً له اخليه وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بجواز اجتماع الأمر والنهي كما هو مقتضى التحقيق أو نقول بامتناعه لأنّ المقربية والمبعدية من شؤون الموجود في الخارج والمفروض انّه واحد ليس بمتعدّد فإذا فرض كونه مبعداً لتنجّز الحرمة على ما هو المفروض فلا معنى لاتصافه بالمقرّبية ومعه لا يصلح لأن يقع عبادة كما هو ظاهر .
واُجيب عن هذا الوجه بأنّ نيّة القربة المعتبرة في الصلاة إنّما هي في أفعال الصلاة لا في التصرّف في الثوب ، والتستّر بالثوب وإن كان تصرّفاً فيه إلاّ انّه ليس من أفعال الصلاة بل من شرائطها ولذا لا إشكال ظاهراً في صحّة الصلاة مع الغفلة عن التستّر أصلا والقصد شرط في صحّة العبادة .
والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه بناء على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي يكون المجمع صحيحاً ولو كانت عبادة كما في مثل المقام وذلك لأنّ المبعدية والمقرّبية وإن كان من شؤون الموجود في الخارج ضرورة انّ المأمور به ما لم يتحقّق في الخارج لا يكون مقرّباً والمنهي عنه ما لم يوجد فيه لا يكون مبعّداً ، كما انّه لا شكّ في
( الصفحه 667 )
وحدة الموجود في الخارج إلاّ انّه لابدّ من ملاحظة انّ الموجود في الخارج هل يكون اتصافه بالمقرّبية والمبعّدية لأجل نفسه أو لأجل انطباق عنوان المأمور به وكذا المنهي عنه عليه فالموجود من الصلاة في الخارج مقرب لأجل كونه مصداقاً لهذه الطبيعة الكلّية ومنطبقاً عليه هذا العنوان وكذا في جانب المنهي عنه فإذا فرض انطباق عنوانين على الوجود الخارجي الواحد والمفروض ثبوت التكليفين وفعلية الحكمين فما المانع من أن يكون ذاك الموجود الخارجي مقرّباً ومبعّداً معاً فمن جهة انطباق عنوان الصلاة يكون مقرّباً ومن جهة انطباق عنوان الغصب يكون مبعّداً والمفروض انّ قصد التقرّب من المكلّف الملتفت إنّما هو من الجهة الاُولى فأركان صحّة العبادة تامّة فهذا الوجه أيضاً لا يصحّ الاتّكال عليه .
الثالث : ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره) عنهم من أنّه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّاً للصلاة والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه فيفسد لأنّ النهي المتعلّق بالعبادات يقتضي الفساد .
ويرد عليه أوّلا : انّه لم يثبت توجّه تكليف وجوبي إلى الغاصب متعلّق بعنوان الردّ والإبانة بل غاية ما هناك انّ الغاصب في كلّ آن وزمان مرتكب للمحرم ومستول على مال الغير عدواناً والعقل يحكم عليه بالخروج عن دائرة العصيان وترك مخالفة الرحمن والخروج إنّما يتحقّق بالردّ إلى المالك وإعادة استيلائه عليه ، وامّا ثبوت حكم شرعي وجوبي ما عدى التكليف التحريمي الثابت في كلّ زمان ولحظة فلم يدلّ عليه دليل ولذا لا يستحقّ إلاّ عقوبة مخالفة التكليف التحريمي لا عقوبتين ، ودعوى انّ حكم العقل بلزوم الردّ يستتبع بالملازمة حكم الشرع باللزوم ، مدفوعة بعدم كون الأحكام العقلية الثابتة في موارد العصيان والإطاعة وشؤونهما مستلزمة للحكم الشرعي بوجه وإلاّ يلزم التسلسل كما حقّق في محلّه .
( الصفحه 668 )
وبالجملة فالظاهر انّ وجوب الردّ شرعاً غير ثابت .
وثانياً : انّه على تقدير تسليم الوجوب الشرعي فقد يكون الردّ متعذّراً لغيبة المالك مثلا ، ومن المعلوم سقوط الوجوب ـ حينئذ ـ لتعذّر متعلّقه فيلزم جواز الصلاة في الثوب المغصوب في هذه الصورة مع أنّ المدّعى عام .
وثالثاً : انّه قد لا يكون الردّ متوقّفاً على فعل تكون الصلاة مضادّة له كما إذا كان المالك أو وكيله حاضراً ـ مثلا ـ .
ورابعاً : انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ خصوصاً فيما إذا كان الأمر غيرياً كما انّ اقتضاء النهي الغيري للفساد محلّ بحث وإشكال .
وخامساً : انّ لازم هذا الدليل بطلان الصلاة مطلقاً ولو في غير الثوب المغصوب إذا كان المصلّي غاصباً لشيء آخر لا ربط له بالصلاة ولكن كان ردّه متوقّفاً على اُمور مضادّة للصلاة لأنّها في هذه الصورة أيضاً تصير منهياً عنها فتفسد ولا يلتزم بذلك أحد .
الرابع : ما حكى عن المعتبر من أنّ النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به والحركات فيه انتفاع فتكون محرّمة منهياً عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود وهي أجزاء الصلاة فتكون منهياً عنها فتفسد .
وأجاب عنه في المستمسك : بأنّ كون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمّل أو منع فإنّ المفهوم منها عرفاً انّها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل ، نعم الحركة من قبيل المقدّمة لوجودها وحرمة المقدّمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده قال : وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فإنّ التذلّل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنّما يكون بالهيئة الخاصّة التي يكون عليها العبد في مقام
( الصفحه 669 )
عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى .
والتحقيق في الجواب انّه على تقدير كون مثل الركوع والسجود من قبيل الحركات أيضاً لا يتعدّى النهي في باب الغصب عن عنوان متعلّقه إلى عنوان الركوع والسجود ضرورة انّ الحرمة في ذلك الباب متعلّقة بعنوان التصرّف في مال الغير ـ على ما يدلّ عليه الرواية ـ فالمنهي عنه نفس عنوان التصرّف ولا يتعدّى النهي عنه إلى غيره ، وامّا ما هو جزء للعبادة فعنوان الركوع والسجود وأشباههما ومن الواضح مغايرة العنوانين واختلاف المتعلّقين وإن اتّحدا في الوجود الخارجي والتحقّق في العين ولكن الاتحاد الخارجي لا يقتضي سراية الحكم من أحد المتعلّقين إلى الآخر كما في جميع موارد اجتماع الأمر والنهي وقد ذكرنا انّه على القول بجواز الاجتماع ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ بكون اللاّزم صحّة المجمع إذا كان عبادة فالجزء المتّحد مع التصرّف في الثوب المغصوب لا يكون فاسداً فلا تكون العبادة فاسدة .
وامّا ما أفاده في المستمسك فقد اُجيب عنه بأنّ الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل ، والشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركناً لأنّ المراد به هو القيام المتعقب بالركوع الذي لا يكون بينه وبينه فصل فمنأوّل انهدام القيام إلى البلوغ إلى حدّ الركوع يكون كلّها ركوعاً ومن أفعال الصلاة ضرورة انّ تعقّب القيام بالركوع المحصل للقيام المتصل بالركوع هو بأن يركع عن قيام . كما انّ الظاهر انّ السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أوّل جزء من الوضع بنيّة سجود الصلاة فلو وضع جبهته على الأرض بلا نية السجود لم يجز الاكتفاء به بل قيل إنّه لو وضع ثمّ نوى سجود الصلاة كان ذلك موجباً لزيادة السجدة لأنّه بمجرّد الوضع تحقّق السجود وحيث لم يكن بنيّة