( الصفحه 667 )
وحدة الموجود في الخارج إلاّ انّه لابدّ من ملاحظة انّ الموجود في الخارج هل يكون اتصافه بالمقرّبية والمبعّدية لأجل نفسه أو لأجل انطباق عنوان المأمور به وكذا المنهي عنه عليه فالموجود من الصلاة في الخارج مقرب لأجل كونه مصداقاً لهذه الطبيعة الكلّية ومنطبقاً عليه هذا العنوان وكذا في جانب المنهي عنه فإذا فرض انطباق عنوانين على الوجود الخارجي الواحد والمفروض ثبوت التكليفين وفعلية الحكمين فما المانع من أن يكون ذاك الموجود الخارجي مقرّباً ومبعّداً معاً فمن جهة انطباق عنوان الصلاة يكون مقرّباً ومن جهة انطباق عنوان الغصب يكون مبعّداً والمفروض انّ قصد التقرّب من المكلّف الملتفت إنّما هو من الجهة الاُولى فأركان صحّة العبادة تامّة فهذا الوجه أيضاً لا يصحّ الاتّكال عليه .
الثالث : ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره) عنهم من أنّه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّاً للصلاة والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه فيفسد لأنّ النهي المتعلّق بالعبادات يقتضي الفساد .
ويرد عليه أوّلا : انّه لم يثبت توجّه تكليف وجوبي إلى الغاصب متعلّق بعنوان الردّ والإبانة بل غاية ما هناك انّ الغاصب في كلّ آن وزمان مرتكب للمحرم ومستول على مال الغير عدواناً والعقل يحكم عليه بالخروج عن دائرة العصيان وترك مخالفة الرحمن والخروج إنّما يتحقّق بالردّ إلى المالك وإعادة استيلائه عليه ، وامّا ثبوت حكم شرعي وجوبي ما عدى التكليف التحريمي الثابت في كلّ زمان ولحظة فلم يدلّ عليه دليل ولذا لا يستحقّ إلاّ عقوبة مخالفة التكليف التحريمي لا عقوبتين ، ودعوى انّ حكم العقل بلزوم الردّ يستتبع بالملازمة حكم الشرع باللزوم ، مدفوعة بعدم كون الأحكام العقلية الثابتة في موارد العصيان والإطاعة وشؤونهما مستلزمة للحكم الشرعي بوجه وإلاّ يلزم التسلسل كما حقّق في محلّه .
( الصفحه 668 )
وبالجملة فالظاهر انّ وجوب الردّ شرعاً غير ثابت .
وثانياً : انّه على تقدير تسليم الوجوب الشرعي فقد يكون الردّ متعذّراً لغيبة المالك مثلا ، ومن المعلوم سقوط الوجوب ـ حينئذ ـ لتعذّر متعلّقه فيلزم جواز الصلاة في الثوب المغصوب في هذه الصورة مع أنّ المدّعى عام .
وثالثاً : انّه قد لا يكون الردّ متوقّفاً على فعل تكون الصلاة مضادّة له كما إذا كان المالك أو وكيله حاضراً ـ مثلا ـ .
ورابعاً : انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ خصوصاً فيما إذا كان الأمر غيرياً كما انّ اقتضاء النهي الغيري للفساد محلّ بحث وإشكال .
وخامساً : انّ لازم هذا الدليل بطلان الصلاة مطلقاً ولو في غير الثوب المغصوب إذا كان المصلّي غاصباً لشيء آخر لا ربط له بالصلاة ولكن كان ردّه متوقّفاً على اُمور مضادّة للصلاة لأنّها في هذه الصورة أيضاً تصير منهياً عنها فتفسد ولا يلتزم بذلك أحد .
الرابع : ما حكى عن المعتبر من أنّ النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به والحركات فيه انتفاع فتكون محرّمة منهياً عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود وهي أجزاء الصلاة فتكون منهياً عنها فتفسد .
وأجاب عنه في المستمسك : بأنّ كون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمّل أو منع فإنّ المفهوم منها عرفاً انّها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل ، نعم الحركة من قبيل المقدّمة لوجودها وحرمة المقدّمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده قال : وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فإنّ التذلّل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنّما يكون بالهيئة الخاصّة التي يكون عليها العبد في مقام
( الصفحه 669 )
عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى .
والتحقيق في الجواب انّه على تقدير كون مثل الركوع والسجود من قبيل الحركات أيضاً لا يتعدّى النهي في باب الغصب عن عنوان متعلّقه إلى عنوان الركوع والسجود ضرورة انّ الحرمة في ذلك الباب متعلّقة بعنوان التصرّف في مال الغير ـ على ما يدلّ عليه الرواية ـ فالمنهي عنه نفس عنوان التصرّف ولا يتعدّى النهي عنه إلى غيره ، وامّا ما هو جزء للعبادة فعنوان الركوع والسجود وأشباههما ومن الواضح مغايرة العنوانين واختلاف المتعلّقين وإن اتّحدا في الوجود الخارجي والتحقّق في العين ولكن الاتحاد الخارجي لا يقتضي سراية الحكم من أحد المتعلّقين إلى الآخر كما في جميع موارد اجتماع الأمر والنهي وقد ذكرنا انّه على القول بجواز الاجتماع ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ بكون اللاّزم صحّة المجمع إذا كان عبادة فالجزء المتّحد مع التصرّف في الثوب المغصوب لا يكون فاسداً فلا تكون العبادة فاسدة .
وامّا ما أفاده في المستمسك فقد اُجيب عنه بأنّ الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل ، والشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركناً لأنّ المراد به هو القيام المتعقب بالركوع الذي لا يكون بينه وبينه فصل فمنأوّل انهدام القيام إلى البلوغ إلى حدّ الركوع يكون كلّها ركوعاً ومن أفعال الصلاة ضرورة انّ تعقّب القيام بالركوع المحصل للقيام المتصل بالركوع هو بأن يركع عن قيام . كما انّ الظاهر انّ السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أوّل جزء من الوضع بنيّة سجود الصلاة فلو وضع جبهته على الأرض بلا نية السجود لم يجز الاكتفاء به بل قيل إنّه لو وضع ثمّ نوى سجود الصلاة كان ذلك موجباً لزيادة السجدة لأنّه بمجرّد الوضع تحقّق السجود وحيث لم يكن بنيّة
( الصفحه 670 )
الصلاة لم يكن معدوداً من أفعالها فهو سجود خارج عنها وهذا معنى الزيادة .
وكيف كان فلابدّ من النية قبل وضع الجبهة حتى يكون أوّل جزء منه مع النيّة ، ومن المعلوم انّ المقدار المتّصل بالوضع من الحركة المتصلة به المحقّقة له يكون من أفعال الصلاة ، نعم رفع الرأس منهما لا يكون معدوداً من أفعال الصلاة .
ثمّ إنّه أفاد في المستمسك أيضاً وقال : «انّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ الواجب الصلوتي نفس الحركة من أوّل الانحناء عن القيام إلى أن ينتهي إلى حدّ الركوع وهكذا في غير الركوع فلا وجه للالتزام بأنّ المقام من صغريات مسألة الاجتماع ضرورة انّ الحركة الصلواتية الواجبة قائمة بالبدن والحركة الغصبية المحرّمة قائمة بالمغصوب فيكون إحداهما غير الاُخرى في الخارج ضرورة انّ تباين المغصوب وبدن المكلّف يستلزم تباين الحركة القائمة بالآخر فيمتنع أن تكون الحركة الصلواتية عين التصرّف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع ، نعم حركة البدن الصلوتية علّة لحركة المغصوب والتصرّف فيه نظير حركة اليد التي هي علّة لحركة المفتاح فإذا قلنا بأنّ علّة الحرام حرام تكون الحركة الصلوتية محرّمة بالتحريم الغيري إلى أن قال : فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوبة» .
أقول : الظاهر انّ تغاير الإضافة في باب الحركة لا توجب تعدّد الحركة فإنّ قيام إحدى الحركتين بالمغصوب والاُخرى بالبدن إنّما يوجب التغاير بحسب العنوان ، وامّا بحسب الوجود الخارجي فهما واحد من الجهة الراجعة إلى فعل المكلّف وما يوجد منه في الخارج ضرورة انّ ما هو الصادر منه في الخارج إنّما هي حركة واحدة لها إضافة إلى البدن وإضافة إلى الثوب ، وامّا وصف المتحرّكية فلا خفاء في تعدّده لأنّه تابع للموصوف ولكنّه ليس بحرام بل الحرام فعل المكلّف وما يصدر منه في
( الصفحه 671 )
الخارج وهو ليس بمتعدّد ولو بتعدّد العلية والمعلولية فتدبّر . وتبعية الثوب للبدن مقتضاها حصول وصف التحرّك له تبعاً للبدن لا كون عمل المكلّف متعدّداً . وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية هذا الوجه أيضاً .
الخامس : الإجماع الذي ادّعاه جمع من الأصحاب والجواب انّ الإجماع في مثل هذه المسألة لا حجّية فيه كما ذكرناه في صدر المسألة ويؤيّد عدم ثبوت الإجماع التفصيل الذي استقر به في المعتبر وقوّاه جمع من المحقّقين المتأخّرين عنه وسيأتي البحث عنه فإنّه مع ثبوت الإجماع لا يبقى للتفصيل سبيل أصلا .
السادس : بعض الروايات مثل ما رواه الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : لو انّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ . ورواه الكليني عن إسماعيل بن جابر عنه (عليه السلام) مسنداً .
وما رواه في تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لكميل قال : يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول . ورواه الطبرسي في محكي بشارة المصطفى مسنداً .
والجواب عن الرواية الاُولى انّها وإن كانت معتبرة من حيث السد إلاّ انّ كلمة الإنفاق فيها ظاهرة في غير المقام فإنّ الصلاة في المغصوب لا يعبّر عنها بإنفاق المغصوب فيها فإنّ الإنفاق مرجعه إلى رفع اليد عن المال وصرفه فهو يناسب صرف المغصوب في الاحسان إلى الغير ـ مثلا ـ مع أنّ الكلام في نفي الصحّة والرواية ظاهرة في نفي القبول وبهذا يجاب عن الرواية الثانية مضافاً إلى ضعف السند فيها وعدم الانجبار لكونه متوقّفاً على الاستناد ولا يتحقّق بمجرّد موافقة فتوى المشهور مع رواية ضعيفة كما لا يخفى .