( الصفحه 699 )
يتخذ ظرفاً للنجاسة لا دليل على اماريته على وقوع التذكية عليه .
السادسة : انّ يد المسلم هل هي أمارة على التذكية مطلقاً حتّى فيما لو علم بمسبوقيتها بيد الكافر بل وبعدم فحص المسلم لكونه ممّن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكّى أو يكون أمارة فيما لم يكن كذلك سواء علم بالمسبوقية بيد مسلم آخر أم لم تعلم الحالة السابقة؟ وجهان بل قولان اختار المحقّق النائيني (قدس سره) وجماعة الثاني نظراً إلى منع الإطلاق في دليل الاعتبار لا من جهة اللفظ ولا من ناحية ترك الاستفصال .
امّا الأوّل فلكونها قضايا خارجية وردت في محلّ الحاجة وهي الجواب عمّا وقع عنه السؤال من الأيدي والأسواق الخارجية في تلك الأزمنة وليست من قبيل القضايا الحقيقية التي حكم فيها بالافراد مطلقاً ولو كانت مقدرة الوجود غير محقّقة ومن المعلوم انّ مثل ذلك لا إطلاق لها ولذا لا تكون متعارفة في العلوم ولا يكون شأن العلوم هو البحث عنها لكونها في قوّة الجزئية وإن كانت مسورة بكلمة «كلّ» مثل كلّ من في البلد مات .
وامّا الثاني فلأنّ منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى هو غلبة العامة على أسواق المسلمين لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفّار إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولا في ذلك الزمان وإنّما هو أمر حدث في هذه الأعصار فهذه الجهة مغفول عنها بالكلّية عند أذهان السائلين وفي مثله لا مجال لترك الاستفصال وجعله دليلا على الإطلاق لظهور الحال .
ويمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى منع كون أدلّة اعتبار السوق بأجمعها قضايا خارجية فإنّ مثل حكم الإمام (عليه السلام) في رواية الفضلاء المتقدّمة بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين قضية حقيقية يكون موضوعها سوق المسلم أعمّ من
( الصفحه 700 )
الأفراد المحقّقة والمقدّرة ولذا لا نحتاج في التمسّك به إلى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع ـ بأنّه لو سلم كون ذلك على نحو القضايا الخارجية نقول منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى لا ينحصر بغلبة العامّة على أسواق المسلمين بل كما اعترف به قبل ذلك ربّما كان المنشأ اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين من اليهود والنصارى وغيرهما المقيمين في البلاد الإسلامية ، ومن الواضح انّ هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها خصوصاً مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدّمة بأنّه إذا رأيتم المشركين يبيعون . . . حيث فرض كون البائع مشركاً بل لو بنى على كفر الخوارج والنواصب والغلاة يتحقّق منشأ آخر لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها وبيع جلودها فاحتمال سبق يد الكافر على يد المسلم من الاحتمالات العقلائية غير المغفول عنها في مورد الروايات ، وعليه فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال فتدبّر .
السابعة : انّه كما تكون يد المسلم أمارة على التذكية فهل تكون يد الكافر أمارة تعبّدية شرعية على عدم التذكية أو انّ عدم اعتبارها لأجل عدم وجود الامارة على التذكية لا ثبوت الامارة على عدمها وجهان بل قولان أيضاً استظهر في الجواهر الأوّل وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الامارتين على الاُخرى لاقوائيتها أو اقوائية دليلها ، ولكن الظاهر هو الثاني لأنّ العمدة في هذه الجهة هو قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل المتقدّمة : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، ولا دلالة له على ذلك لأنّ إيجاب السؤال والفحص لا يلازم مع كونه أمارة على العدم بل يجتمع مع عدم الامارية بل ربّما يقال : ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شيء لأنّ السؤال يناسب الجهل وعدم الامارة ولكنّه مردود بأنّ أمارية العدم على تقديرها تكون مجعولة
( الصفحه 701 )
بنفس إيجاب السؤال لا قبله حتّى لا يناسب السؤال مع وجود الامارة فتدبّر . وبالجملة فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أمارية العدم .
ثمّ إنّه على تقدير الاستفادة وثبوت الامارية لكلتا اليدين فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض بل اللاّزم تخصيص دليل امارية يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر وكذا دليل أمارية يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم كما لا يخفى .
الثامنة : هل المصنوعية في أرض الإسلام امارة على وقوع التذكية مطلقاً ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم أو انّه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع أو انّه ليس أمارة في عرض يد المسلم بل هو أمارة على الامارة كسوق المسلمين على ما عرفت من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب وهي رواية إسحاق بن عمّار المعتبرة عن العبد الصالح (عليه السلام) انّه قال : لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس .
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها كما رجّحه سيدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بعلى .
فعلى الأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الامارة أرض الإسلام أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورياستهم بضميمة كون الغلبة العددية مع أفراد المسلمين تكون الامارة هي يد المسلم وما ذكر امارة على الامارة لأنّ الأكثرية طريق إلى استكشاف
( الصفحه 702 )
مجهول الحال وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة ، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا .
وعلى الثاني إن كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم تصير المصنوعية أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم ، وإن كان المراد هو انّ المصنوعية فيها أمارة على كون الصانع مسلماً لأنّه يبني على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية ، غاية الأمر انّ الامارة على الامارة على هذا هو مجرّد المصنوعية في أرض الإسلام وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين كما لا يخفى .
هذا والظاهر ما قاله الشهيد لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام ولا يكون أمراً زائداً عليها لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين فلا يكون الجواب دالاًّ على أمر آخر بوجه .
وبعبارة اُخرى الضمير في قوله : إذا كان الغالب عليها ، يرجع إلى أرض الإسلام لا مطلق الأرض ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً ، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد وهو لا ينطبق إلاّ على تفسير الشهيد وقد عرفت انّ مقتضاه انّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً ، نعم مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً وبين أن لا يكون كذلك .
التاسعة : هل المطروحة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على
( الصفحه 703 )
المطروح أو على الامارة عليه أو انّها لا تكون امارة أصلا إلاّ إذا كان عليه أثر استعمال المسلم وجريان يده عليه ، ومن المعلوم انّه ـ حينئذ ـ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريتها .
والدليل في هذا البحث رواية السكوني المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا .
ويجري في معنى الرواية احتمالات :
أحدها : أن تكون الرواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشكّ في النجاسة ومنشأ الشكّ عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسي من جهة ملاقاة المجوسي ، وعليه فالمراد بقوله (عليه السلام) : هم في سعة حتّى يعلموا ، هو التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة .
ثانيها : أن تكون الرواية بصدد بيان أمارة المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة ومنشأ الشكّ احتمال كونها لمجوسي وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الإسلام ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللحم لعدم الشكّ فيه من هذه الجهة كما هو ظاهر .
ثالثها : أن تكون الرواية بصدد بيان انّ الحكم في مورد الشكّ في الحلّية مطلقاً هي الحلية وهو الإباحة ومنشأ الشكّ احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها .
والاستدلال بها على الامارية متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني ،