( الصفحه 705 )
ملاحظة الروايات والتأمّل فهيا لا يبقى ارتياب في انّ أمارية يد المسلم أمارية تعبّدية مجعولة لغرض التسهيل والتوسعة وعمدة النظر فيها كون البائع مسلماً غير عارف خصوصاً في زمن الصادقين (عليهما السلام) الذي شاع فيه فتوى أبي حنيفة واستحلاله للميتة وكثر متابعوه ومع ذلك حكم في الروايات بالامارية والاعتبار .
وامّا القول الثاني فيدلّ عليه رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صرداً لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة ويزعمون انّ دباغه زكاته .
وتقريب الاستدلال بها انّ موردها صورة الشكّ في كون البائع مستحلاًّ لظهور عدم اعتماده (عليه السلام) في هذه الجهة إلى علم الغيب الثابت له ، ومن الواضح عدم كون جميع أهل العراق مستحلّين بل كان فيهم من المسلمين العارفين أيضاً فالرواية ناظرة إلى صورة الشكّ وحاكمة بعدم جواز الاعتماد على يده لأنّه (عليه السلام) كان يلقى في حال الصلاة الفراء المأتي إليه من العراق وكذا يلقي القميص الذي يليه فالرواية دالّة على عدم الامارية مع الشكّ .
ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ إجمالها من حيث الدلالة لأنّه (عليه السلام) كان يجمع ـ على طبق الرواية ـ بين اللبس والانتفاع وبين الإلقاء المذكور مع أنّه على تقدير عدم الامارية لا يجوز الانتفاع به أصلا ولو في غير حال الصلاة .
ودعوى كون لبسه إنّما هو لأجل الضرورة المسوغة له كما يشعر به قوله : كان رجلا صرداً أي شديد التألّم من البرد وعدم كون فراء الحجاز دافئاً .
مدفوعة بوضوح عدم كون الضرورة بالغة إلى حدّ يجوز معه المحرم ، كما انّ
( الصفحه 706 )
دعوى الفرق بين اللبس وبين الصلاة لأجل نفس هذه الرواية كما ربّما نسب إلى إشعار بعض الكتب مدفوعة أيضاً مضافاً إلى كونها خلاف الإجماع بأنّها توجب عدم انطباق الدليل على المدعى فالإنصاف إجمال الرواية من حيث الدلالة ولا يرفعه احتمال كون الإلقاء احتياطاً من الإمام (عليه السلام) في حال الصلاة وإن كان هذا الاحتمال مخالفاً لمدّعى المستدلّ إلاّ انّه أيضاً لا يكون صحيحاً لعدم انحصار احتياط الإمام (عليه السلام) بالصلاة كما لا يخفى .
هذا كلّه مضافاً إلى مخالفة الرواية للمطلقات المتقدّمة الدالّة على الامارية مع العلم بالاستحلال فضلا عن الشكّ كما عرفت .
وامّا القول الثالث فعمدة الدليل عليه ، ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية؟ فقال : لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية ، قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : استحلال أهل العراق للميتة وزعموا انّ دباغ جلد الميتة ذكاته ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فإنّ موردها صورة العلم بكون البائع مستحلاًّ و ـ حينئذ ـ فالحكم بعدم جواز البيع بشرط التذكية دليل على عدم كون يده أمارة عليها وإلاّ فلا وجه لعدم جواز البيع كذلك كما هو ظاهر .
ويرد عليه انّه لو لم تكن يده أمارة على التذكية فلم كان الاشتراء منه جائزاً كما هو المفروغ عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) على ذلك فالحكم بالجواز دليل على وجود الامارة وامّا عدم جواز الاشتراط فليس لأجل عدم ثبوت الامارة بل إنّما هو لأجل كون الامارة غير كافية في مثله لظهوره في ثبوت التذكية وجداناً
( الصفحه 707 )
وعدم كفاية إحرازها بحكم الامارة كما في سائر الشرائط وكما في مثل الشهادة بناء على عدم جواز الاستناد فيها إلى الامارة ، نعم يبقى الإشكال في أنّ مقتضى ما ذكرنا عدم جواز الاشتراط ولو لم يكن البائع مستحلاًّ مع أنّ مقتضى ذيل الرواية انّ الموجب لعدم جواز الاشتراط استحلال البائع الأوّل للميتة فتدبّر .
وامّا القول الرابع فقد استدلّ له برواية محمد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال : إذا كان مضموناً فلا بأس . والمراد من الضمان هو الاخبار والإعلام بالتذكية لا التعهّد المتضمّن لقبول الخسارة والظاهر ـ حينئذ ـ انّ عدم البأس مشروط بالإعلام .
والجواب : انّه مع ظهور الروايات المتقدّمة بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال والاستعلام من البائع ، ومن الواضح انّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار الجواب والإعلام وإلاّ فلابدّ من الاستعلام لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية فلابدّ من الحمل على الاستحباب والفرق بين صورتي الإعلام وعدمه من هذه الجهة كما لا يخفى .
( الصفحه 708 )
وامّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شيء منه وإن ذكّى من غير فرق بينما تحلّه الحياة منه أو غيره ، بل تجب إزالة الفضلات الطاهرة منه كالرطوبة والشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه 1 .
1 ـ من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن لا يكون من أجزاء الحيوان الذي لا يحلّ أكل لحمه واعتباره فيه من متفرّدات الإمامية خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم مع كونها ممّا يعمّ به البلوى .
والأخبار الواردة في هذا المقام وإن كان أكثرها لا يخلو من علل الحديث من ضعف أو إرسال أو غيرهما إلاّ انّ ذلك لا يوجب الإشكال في أصل الحكم بعد ذهاب الأصحاب من السلف إلى الخلف في قبال سائر المسلمين إلى ثبوته وبعد الإجماعات المنقولة في الكتب الكثيرة عليه ، هذا مع وجود رواية معتبرة وهي موثقة ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم انّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : انّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ، ثمّ قال : يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي وقد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله فحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أو لم يذكه . والظاهر كون ابن بكير ثقة وإن ضعّفه المحقّق في محكي المعتبر لتصريح الشيخ (قدس سره) به في الفهرست ، وكذا ابن شهرآشوب وقال الكشي هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وقال الشيخ (قدس سره) في محكي العدّة : عملت الطائفة بأخباره هذا مع انّ الراوي عنه في هذه
( الصفحه 709 )
الرواية هو ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله فضلا عن مسانيده ومع استناد الكلّ في الفتوى بهذا الحكم المخالف للقاعدة ولسائر فرق المسلمين إليها فلا يبقى موقع للإشكال في الرواية من حيث السند ، وامّا استشكال صاحب المدارك في المسألة فإنّماهو مبني على مذهبه من اختصاص حجّية الخبر الواحد بالصحيح الاعلائي وعدم حجّية غيره وإن كان موثقاً معتبراً عند غيره ، كما انّ التكرار الواقع في قوله : إنّ الصلاة . . . والحزازة الواقعة في قوله : لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي . . . وغير ذلك من الجهات المخالفة للفصاحة يشعر بأنّ الرواية منقولة بالمعنى وانّ الراوي لم يضبط الألفاظ الصادرة من الإمام (عليه السلام) ولكنّه لا يوجب إشكالا في الاستدلال بها بعد معلومية المضمون الصادر منه (عليه السلام) . وبالجملة بعد ملاحظة ما ذكرنا الاشكال في أصل المسألة ممّا لا ينبغي أن يصدر من الفقيه أصلا .
وإنّما الإشكال في فروع المسألة وانّه هل يكون اعتبار هذا الأمر منحصراً بلباس المصلّي وهو ما يلبسه المصلّي ويكون محيطاً به كالقميص وغيره أو يشمل مثل التكة والجورب والقلنسوة ونحوها ممّا يصدق عليه اللباس ولا يكون محيطاً بالشخص اللاّبس له ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا لم يكن لباساً ولكن كان لباسه ملاصقاً وملابساً معه كما إذا كان على ثوبه رطوبة غير المأكول أو بعض شعراته ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا كان محمولا للمصلّي ومستصحباً له أيضاً؟ وجوه والمحكي عن ظاهر المشهور هو الأخير وعن الشهيدين اختصاص المنع بما إذا كان لباس المصلّي من أجزائه بل نقل عنهما انّ عدم شمول دليل المنع لما إذا صلّى في الثوب الذي القي عليه شعراته وجواز الصلاة فيه من المقطوع به .
ويدلّ على المشهور الموثقة المتقدّمة نظراً إلى صدق الصلاة في أجزاء غير المأكول في جميع الفروض .