( الصفحة 164 )
الإفطار الموجب للكفّارة في آخر النهار الذي يراد به لا محالة بعد الزوال، وكان غرضه من الخروج للسفر إبطال الكفّارة فهي لا تسقط ، ولأجله لابدّ من الحكم به بنحو الفتوى كما في المتن .
نعم ، لو كان خروجه في أوّل النهار ، الذي يراد به قبل الزوال بغير قصد الفرار عن الكفّارة فقد احتاط فيه وجوباً بعدم السقوط ، ولعلّ الوجه فيه استفادة وحدة الملاك ; وهو حصول الإفطار في زمان كان مأموراً فيه بالصيام وإن انكشف الخلاف بعد .
الثاني : لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص المجوّز للإفطار ; فإنّه احتاط وجوباً أيضاً فيه بالملاك المتقدّم .
الثالث : ما لو تعمّد الإفطار ثمّ عرض له عارض قهريّ من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها ، فقد قوّى فيه في المتن سقوطها واحتاط استحباباً بالعدم ، ولازم ما ذكرنا من الملاك هو القول بعدم السقوط في هذا الفرع أيضاً ; لأنّه كان مأموراً حين الإفطار بالصيام وعدم جواز الإفطار ، لكن يمكن أن يقال بالسقوط هنا ; لأنّه لم يفعل موجبه اختياراً ، وحتى لا يكون كالسفر بعد الزوال ، بل العلّة ناشئة من أمر غير اختياري ، وإن شئت قلت : إنّه كما لا يجب في هذه الصورة القضاء في أكثر مواردها ، كذلك لا تجب الكفّارة ، فتدبّر جيّداً .
الرابع : ما لو أفطر في يوم الشكّ من شوّال ثم تبيّن أ نّه لم يكن من شهر رمضان وأنّ الإفطار قد وقع في يوم العيد ، فقد قوّى في هذه الصورة عدم وجوب الكفّارة ولا القضاء ، ولعلّ الوجه فيه أ نّ الإفطار الكذائي واقع في محلّه ، غاية الأمر عدم الاطّلاع عليه وكون مقتضى الاستصحاب العدم ، ومع انكشاف الخلاف يعلم بالعدم ، فلا وجه فيه لشيء من الأمرين أصلاً .
( الصفحة 165 )
مسألة 6 : لو جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان ، فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة والتعزير ، وهو خمسة وعشرون سوطاً ، وإن أكرهها على ذلك يتحمّل عنها كفّارتها وتعزيرها ، وإن أكرهها في الابتداء ـ على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ـ ثمّ طاوعته في الأثناء ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها ، وإن كان الإكراه على وجه صدر الفعل بإرداتها وإن كانت مكرهة ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها . وكذا الحال في التعزير على الظاهر . ولا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبيّة . ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة . ولو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً 1 .
1ـ لو جامع زوجته في شهر رمضان وهو صائم ، فتارة: لا تكون هي صائمة فالحكم لا يعدو عنه ، ولا مجال لاحتمال التحمّل . وأمّا إذا كانت صائمة ففيه صور ثلاث :
الاُولى : ما إذا كانت مطاوعة ابتداءً واستدامة ، فعلى كلّ منهما حكمه من الكفّارة والتعزير ، والمستند الوحيد في هذا الأمر هي رواية المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة ، وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً(1).
قال صاحب الوسائل (قدس سره) بعد نقل الرواية : ذكر المحقّق في «المعتبر» أ نّ سندها
- (1) الكافي 4: 103 ح 9 ، الفقيه 2: 73 ح 313 ، تهذيب الأحكام 4 : 215 ح 625 ، المقنعة : 348 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 56 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1 .
( الصفحة 166 )
ضعيف ، لكنّ علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة فيجب العمل بها ، وتعلم نسبة الفتوى إلى الأئـمّة (عليهم السلام) باشتهارها(1) ، انتهى .
والظاهر أنّ الأمر كذلك ; لعدم ذكر التعزير في رواية اُخرى ، وعدم ثبوته على الصائم المجامع لامرأته مع عدم كونها صائمة أصلاً ; لما عرفت من أنّ الثابت في هذه الحالة ليس إلاّ الكفّارة ، فالحكم بثبوت التعزير في المقام لابدّ وأن يكون مستنداً إلى هذه الرواية ، والظاهر أ نّ هذا هو مراد المحقّق من الإجماع ، لا الإجماع المصطلح الذي هو فوق الشهرة، كما صرّح به في آخر كلامه ، فالإيراد(2) عليه باحتمال أن يكون مراد المحقّق التمسّك بالإجماع وإلغاء الرواية لضعفها ، في غاية البعد .
الثانية : عكس الصورة السابقة ، وهو ما لم تكن هناك مطاوعة أصلاً لا ابتداءً ولا استدامة ، والحكم فيها ـ كما يستفاد من الرواية ـ لزوم تحمّله عنها الكفّارة والتعزير ، فيجب عليه كفّارتان كما أ نّه يجب عليه تعزيران ; وهما خمسون سوطاً على ما فيها .
الثالثة : ما إذا كانت مكرهة في الابتداء مطاوعة في الاستدامة ، وقد فصّل فيها في المتن بين ما لو كان الإكراه في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته بعد ذلك ، فحكم بثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها ، وبين ما لو كان الإكراه ـ كما في سائر الموارد ـ على وجه صدر منها الفعل عن إرادة واختيار ، غاية الأمر أنّ المحرّك هو الفرار عن توعيده وتهديده ، فقد قوّى فيه ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها ، وهكذا التعزير .
- (1) المعتبر 2: 681.
(2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 369 .
( الصفحة 167 )
مسألة 7 : لو كان مفطراً لكونه مسافراً أو مريضاً، وكانت زوجته صائمة، لايجوز إكراهها على الجِماع ، وإن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة 1 .
والظاهر أنّ وجه التفصيل المذكور; أنّ الإكراه الموجب لسلب الاختيار والإرادة في الابتداء كما في الفرض الأوّل يوجب ثبوت كفّارتين عليه ، وبالمطاوعة البعديّة تثبت كفّارة عليها ، ولا يكون تحمّل الزوج مانعاً عن ثبوتها عليها لأجل المطاوعة ، وأمّا الإكراه بالمعنى الآخر فلا ينافي الاختيار والإرادة من الأوّل ، والمطاوعة العارضة لا تؤثّر في حدوث الإرادة ، غاية الأمر أنّ الرواية دلّت على تحمّل الزوج لأمرين ، فلم يتحقّق هنا عنوان آخر موجب لتغيّر الحكم أو الثبوت على الزوجة زائداً على الزوج .
وبعبارة اُخرى : حيث يكون أصل التحمّل على خلاف القاعدة ; لأنّها مقتضية للثبوت على نفس الشخص مع بقاء الإرادة، وللسقوط عنه على تقدير عدمها، والتحمّل يحتاج إلى دليل على الخلاف المذكور ، فلابدّ من الأخذ بالرواية التي قد اُخذ فيها عنوان الإكراه لثبوت تحمّل الزوج ، من دون التعرّض لصورة المطاوعة بعد الإكراه ، بل اللازم الحكم فيها على طبق القاعدة ، ومقتضاها ثبوت كفّارات ثلاث، بخلاف الإكراه بالمعنى الثاني الذي لايكاد ينفكّ عن الإرادة والاختيار.
ثمّ إنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة; لإطلاق الرواية ، نظراً إلى السؤال وترك الاستفصال في الجواب . وحيث عرفت أنّ التحمّل على خلاف القاعدة مدلولاً عليه بالنصّ ، فلا يجري الحكم في الزوجة الصائمة إذا أكرهت زوجها الصائم على الجماع ، كما أ نّه لا يجري فيها إذا أكره الرجل المرأة الأجنبية على الجماع وإن كانا صائمين; لخروج الفرضين عن مورد الرواية .
1ـ لو كان الزوج مفطراً لكونه مسافراً رجع من سفره بعد الزوال ، أو بعد
( الصفحة 168 )
الإفطار في السفر ، أو كان مريضاً لا يجب عليه الصوم ، وكانت زوجته صائمة في شهر رمضان ، فهنا أمران :
الأوّل : أنّه إذا أكرهها على الجماع من غير مطاوعة، فهل يتحمّل عنها الكفّارة ، غاية الأمر لزوم كفّارة واحدة; لعدم كونه بنفسه صائماً ؟ احتاط وجوباً في المتن بالتحمّل ، ولكن صرّح السيّد في العروة(1) بالعدم ، وهو الظاهر في بادئ النظر ; بلحاظ ما عرفت من كون التحمّل على خلاف القاعدة ، ومورد الرواية المتقدّمة هما الزوجان الصائمان ، فإذا لم يكن الزوج صائماً فهو خارج عنه ، ولكنّ التأمّل فيها يقضي بأنّ منشأ التحمّل هي صفة الصوم المتحقّقة في المرأة وإكراهها على الجماع من دون مطاوعة ، ولا فرق في ذلك بين صورة صوم الزوج الموجب لتحقّق الكفّارة، وثبوتها عليه في الجماع في شهر رمضان مثلاً ، وبين صورة العدم كما في فرض المقام ، فالظاهر هو الاحتياط المذكور في المتن .
الثاني : أصل جواز الإكراه في هذه الصورة وعدمه ، وقد صرّح في المتن بعدم الجواز، كما ربما يحكى(2)عن البعض الآخر; نظراً إلى أنّه لا يجوز لأحد أن يكره غيره فيما ليس له عليه حقّ . نعم، في حقّه الثابت المشروع له الإكراه،كما بالإضافة إلى المديون القادر على أداء الدين الممتنع فيه ، وفي المقام ليس له حقّ ; لأنّ الزوج وإن كان له حقّ الاستمتاع إلاّ أ نّه ليس له هذا الحقّ في هذه الحالة،كما في حال الحيض.
ولكن استظهر بعض الأعلام (قدس سره) أ نّه لا دليل على حرمة إكراه الغير على ما ليس فيه الحقّ على نحو الكبرى الكلّية . نعم ، لو كان العمل المكرَه عليه محرّماً كشرب
- (1) العروة الوثقى 2 : 38 مسألة 2487 .
(2) الحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 374 .