( الصفحة 256 )
الرابع : يعتبر توافقهما في الأوصاف ; فإنّه وإن كان لا يعتبر في قبول الشهادة التعرّض للوصف ، بل تكفي الشهادة بأصل الرؤية ، ولا يلزم الشاهد بذكر الخصوصيّات والأوصاف ، إلاّ أنّه في فرض التعرّض إذا كانا مختلفين في الأوصاف لم تقبل شهادتهما ; لعدم قيام البيّنة على شيء واحد ، بل شهد كلّ واحد من العدلين بما يغاير الآخر ، واستثني من ذلك ما إذا كان الأوصاف التي اختلفا فيها ممّا يحتمل فيه الاختلاف في التشخيص بشرط أن لا يكون فاحشاً ، مثل الأمثلة المذكورة في المتن ; فإنّه لا يقدح الاختلاف المذكور الراجع إلى التشخيص في اعتبار الشهادة وقبولها ، خصوصاً مع ملاحظة وجود الاختلاف كثيراً في خصوصيّات المرئي المسلّم كزيد المرئي وعمرو المرئي وهكذا .
نعم ، في صورة كون الاختلاف فاحشاً بحيث لا يكون عند العرف غير معتنى به لا مجال لقبول الشهادة ; لما عرفت من عدم التوافق على الشهادة على أمر واحد ، وعدم جريان احتمال كون الاختلاف راجعاً إلى التشخيص .
الخامس : لو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع ، ككون تحدّيه إلى السماء عكس ما يُرى في أوائل الشهر ; لأنّ دليل حجّية البيّنة بنحو الإطلاق أو في خصوص المقام منصرف عن مثل المورد الذي تكون الشهادة فيه على خلاف الواقع . وإن شئت قلت : إنّ حجّيتها مقصورة بما لو لم يكن الواقع مكشوفاً ولو في الجملة ، ومع الانكشاف لا يبقى لها مجال ولو في صورة الاتّفاق فضلاً عن الخلاف .
السادس : لو أطلقا معاً، أو أطلق أحدهما ووصف الآخر بما لا يخالف الواقع كفى في قبول الشهادة ; لما عرفت من أنّه لا يعتبر في قبول الشهادة بالرؤية بيان الأوصاف ، بل يكفي مجرّد أصل الشهادة بالرؤية ، وحينئذ فمع إطلاقهما لا مجالللمناقشة في القبول ، كما أنّه مع إطلاق أحدهما وبيان الآخر للوصف الذي
( الصفحة 257 )
مسألة 3 : لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء ، ولا برجل وامرأتين ، ولا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين 1 .
لا يخالف الواقع لابدّ من الالتزام بالقبول بعد عدم لزوم التعرّض للأوصاف أصلاً ، والمفروض كون وصف الآخر غير اللازم غير مخالف للواقع ، فتدبّر .
1ـ أمّا عدم الاعتبار في ثبوت الهلال بشهادة النساء منفردة أو منضمّة إلى رجل واحد فيدلّ عليه أخبار كثيرة ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا اُجيز في الهلالإلاّ شهادة رجلين عدلين(1) .
وقد رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين (2)، مع أنّ من الواضح عدم التعدّد ، خصوصاً مع أنّ الراوي عن الحلبي في كلتيهما هو حمّاد بن عثمان .
وصحيحة محمد بن مسلم قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال(3) .
ورواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا يجوز إلاّ شهادة رجلين عدلين(4) ، ومع كون الراوي
- (1) الكافي 4 : 76 ح 2 ، الفقيه 2 : 77 ح 338 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 286 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 180 ح 499 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 288 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8 .
(3) الكافي 4 : 77 ح 3 ، تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 725 ، الاستبصار 3 : 30 ح 97 ، وعنها وسائل الشيعة : 10 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 2 و ج27 : 356 ، كتاب الشهادات ب 24 ح 18 .
(4) الكافي 4 : 77 ح 4 ، تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 724 ، الفقيه 2 : 77 ح 340 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3 و ج 27 : 355 ، كتاب الشهادات ب 24 ح 17 .
( الصفحة 258 )
عن الحلبي في الروايتين الأوّلتين هو حمّاد ، يغلب على الظنّ أ نّ حمّاداً نقل الرواية مع الواسطة لابدونها ، كما لا يخفى .
ورواية شعيب بن يعقوب ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) أ نّ عليّاً (عليه السلام) قال : لا أُجيز في الطلاق ولا في الهلال إلاّ رجلين(1) .
وفي مقابلها رواية واحدة دالّة على التفصيل بين الفطر والصوم ، وأنّه تقبل شهادة النساء في الثاني ; وهي رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين ، ولابأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة(2) .
والرواية وإن كانت معتبرة من حيث السّند ، إلاّ أنّ التعبير في ناحية الفطر بعدم الجواز ، وعدم قبول شهادة النساء مطلقاً بالإضافة إليه ، وبعدم البأس في ناحية الصوم إنّما يشعر بل يدلّ على عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء . غاية الأمر أنّه حيث إنّ الأمر دائر بين الحرمة والعدم في الإفطار ، وبين الوجوب والاستحباب في ناحية الصوم ، فقد وقع الاختلاف بين التعبيرين ، وعلى تقدير المعارضة فالترجيح مع الروايات الكثيرة المتقدّمة ، لا لكثرتها بل لموافقتها للشهرة التي هي أوّل المرجّحات على المختار ، كما مرّ مراراً .
وأمّا عدم الاعتبار بشاهد واحد ويمين ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على حصر القبول في شهادة رجلين عدلين ـ رواية أحمد بن محمد
- (1) تهذيب الأحكام4 : 316 ح 962 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 289 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9 .
(2) تهذيب الأحكام 6 : 269 ح 726 ، الاستبصار 3 : 30 ح 98 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 291 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15 ، وج27: 361، كتاب الشهادات ب24 ح36 .
( الصفحة 259 )
مسألة 4 : لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه ، كان في السماء علّة أو لا . نعم ، مع عدم العلّة والصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الخلاف والتكاذب بينهم; بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ، ففي قبول شهادتهما حينئذ إشكال 1 .
ابن عيسى في نوادره، عن أبيه ، رفعه قال : قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة الواحد واليمين في الدين ، وأمّا الهلال فلا إلاّ بشاهدي عدل(1) .
ورواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تصم إلاّ للرؤية أو يشهد شاهدا عدل(2) .
نعم ، هنا رواية واحدة تدلّ بإطلاقها على الاكتفاء بشهادة عدل واحد ، وهي صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين... الحديث(3) . ولكنّ الإطلاق قابل للتقييد ، مضافاً إلى أنّ النسخ مختلفة ، ففي بعضها «العدول»(4) بصيغة الجمع ، وإلى أنّه قد رواها في الوسائل في باب آخر ، «بيّنة عدل»(5) .
1ـ الوجه في عدم الفرق إطلاق دليل حجّية البيّنة ، كما أنّ الوجه في الإشكال في
- (1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 160 ح 410 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 292 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 17 .
(2) المقنعة : 297 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 292 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح16 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح 440 و ص 177 ح 491 ، الاستبصار 3 : 64 ح 207 وص73 ح 222 ، الفقيه 2 : 77 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 264 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11 و ص 278 ب 8 ح 1 .
(4) كما في الاستبصار 2 : 64 ح 207 وتهذيب الأحكام 4 : 177 ح 491 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 288 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 6 .
( الصفحة 260 )
مسألة 5 : لا تختصّ حجّية حكم الحاكم بمقلّديه ، بل حجّة حتّى على حاكم آخر لو لم يثبت خطؤه أو خطأ مستنده 1 .
صورة اجتماع الاُمور المذكورة ، قوّة احتمال الاشتباه في العدلين ، وفي الحقيقة حصول الطمأنينة بخلافها ، وأدلّة الحجّية قاصرة عن الشمول لصورة الاطمئنان بالخلاف ، وقد وردت الرواية أنّه في صورة الصحو «إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف»(1) ولا أقلّ من الإشكال في الشمول كما في المتن .
1ـ وجه عدم الاختصاص ـ حتى لو لم يكن له مقلّد أصلاً ، أو كان غيره أعلم ـ إطلاق دليل الحجّية ، وأ نّ الرادّ عليه كالرادّ على الأئـمّة (عليهم السلام) ، ولا فرق فيهبين المقلّد وبين غيره مطلقاً ، كما أنّ حكم الحاكم في باب القضاء أيضاً مثلذلك ، غاية الأمر أنّ حكم الحاكم مطلقاً إنّما يكون نافذاً لأجل أنّه طريق ، وهو حجّة لمن لا يكون عالماً بالخلاف ، وإلاّ ففي صورة ثبوت خطئه أو خطأ مستنده لا اعتبار به .
وقد اشتهرت هذه الرواية ـ في كتاب القضاء ـ الدالّة على أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّمارجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار(2) .
وبالجملة : لا إشكال في الحجّية مطلقاً، وفي أنّ العلم بالخلاف مانع عن النفوذ والحجّية ، فتدبّر .
- (1) تقدّمت في ص241.
(2) الكافي 7 : 414 ح 1 ، تهذيب الأحكام 6 : 229 ح 552 ، معاني الاخبار : 279 ، وعنها وسائل الشيعة 27 : 232 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب 2 ح 1 .