( الصفحة 267 )
مسألة 7 : لايجوز الاعتماد على التلغراف ونحوه في الإخبار عن الرؤية ، إلاّ إذا تقارب البلدان أو عُلم توافقهما في الاُفق وتحقّق ثبوتها هناك ; إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعيّة ، ويكفي في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعيّة 1.
1ـ الاستثناء في المتن مبنيّ على ما مرّ في المسألة السابقة من اعتبار وحدة الاُفق أو تقاربه ، كما أ نّ أصل عدم جواز الاعتماد على التلغراف ونحوه في الإخبار عن الرؤية إنّما هو لعدم الدليل على حجّية مثله. نعم ، في صورة المستثنى لابدّ من الثبوت هناك إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعيّة . واكتفى في المتن في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعيّة .
أقول: ولابدّ من إضافة إحراز كون التلغراف من جانبها ، وإلاّ فإذا احتمل أن يكون التلغراف واقعاً من ناحية غيرها لايجوز الاعتماد عليه. نعم ، لا مانع من الالتزام بكفاية الظنّ الاطمئناني الذي يعامل معه عند العرف والعقلاء معاملة القطع الذي هي حجّة بنظر العقل ، كما أشرنا إليه مراراً ، فتدبّر .
( الصفحة 268 )
( الصفحة 269 )
القول في قضاء صوم شهر رمضان
لا يجب على الصبيّ قضاء ما أفطر في زمان صباه ، ولا على المجنون والمغمى عليه قضاء ما أفطرا في حال العذر ، ولا على الكافر الأصليقضاء ما أفطر في حال كفره ، ويجب على غيرهم حتّى المرتدّ بالنسبةإلى زمان ردّته ، وكذا الحائض والنفساء وإن لم يجب عليهما قضاءالصلاة 1 .
1ـ أمّا عدم الوجوب على الصبيّ البالغ بالإضافة إلى قضاء ما أفطر في زمان صباه ، وكذا على المجنون الذي ارتفع جنونه فليس لأجل عدم كونهما مكلّفين بالأداء حتّى يجب عليهما القضاء ، كيف ؟ والمريض والمسافر ومثلهما لا يجب عليهم الأداء ، ومع ذلك يجب عليهم القضاء ، بل لأجل استمرار سيرة المتشرّعة القطعيّة على ذلك ، بل يمكن أن يقال ببلوغه حدّ الضرورة ; أي ضرورة الفقه ، ولم يرد في شيء من الروايات الصادرة مع عموم الابتلاء بذلك إشعار بوجوب القضاء ، فلا ارتياب في هذا الأمر .
وأمّا عدم الوجوب على المغمى عليه : ففي العروة ; سواء نوى الصوم قبل
( الصفحة 270 )
الإغماء أم لا (1) ، وهو إشارة إلى خلاف ما نُسب إلى جماعة(2) من التفصيل بين ما كان مسبوقاً بالنيّة ، وما لم يكن كذلك ، بلزوم القضاء في خصوص الثاني .
والمسألة مبنيّة على أنّ الإغماء هل هو بمنزلة النوم ـ غاية الأمر أنّه نوم شديد لايتحقّق فيه الاستيقاظ غالباً بسرعة النوم ـ أو بمنزلة الجنون ؟ فعلى الثاني: لايجب القضاء مطلقاً ، وعلى الأوّل: فرق بين الصورتين ; لأنّ النائم ولو في جميع النهار الذي هو ظرف الصوم إذا كان مسبوقاً بالنيّة لا يجب عليه القضاء ، كما مرّ(3)في شرائط الصوم . وأمّا إذا لم يكن نومه مسبوقاً بالنيّة فيجب عليه القضاء ، والإنصاف أنّه لابدّ في المسألة من ملاحظة رواياتها ، فنقول :
منها : صحيحة أيّوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة(4) .
ومنها : رواية علي بن محمّد القاساني قال : كتبت إليه (عليه السلام) وأنا بالمدينة : أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته؟ فكتب (عليه السلام) : لا يقضي الصوم(5) .
- (1) العروة الوثقى 2 : 55 ، فصل في أحكام القضاء .
(2) المقنعة : 352 ب 24 ، رسائل الشريف المرتضى 3 : 57 ، الخلاف 2 : 198 مسألة 51 ، المراسم العلويّة : 98، المهذّب 1 : 196 .
(3) في ص 196 ـ 197 .
(4) تهذيب الأحكام 3 : 303 ح 928 و ج 4 : 243 ح 711، وفي ح714 بإسناده عن عليّ بن مهزيار، عنه (عليه السلام) مثله ، وفي ج 3 : 303 ح 927 بإسناده عن عليّ بن محمد بن سليمان ، عنه (عليه السلام) مثله ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 226 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 1 .
(5) تهذيب الأحكام 4: 243 ح 712 ، وعنه وسائل الشيعة 10: 226 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 2 .
( الصفحة 271 )
وفيها إشعار بوجوب قضاء الصلاة عليه، خصوصاً مع ملاحظة إطلاق السؤال .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار أنّه سأله ـ يعني: أبا الحسن الثالث (عليه السلام) ـ عن هذه المسألة ـ يعني : مسألة المغمى عليه ـ فقال : لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وكلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر(1) .
ولكن بإزائها ما يدلّ على الوجوب ، مثل :
صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة ؟ قال : فقال : إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي ، أن تقضي كلّ ما فاتك(2) . وليس ذكر الأربعين موجباً للانصراف عن الصوم ; لأنّ شهر رمضان لا يتجاوز عن ثلاثين ، كما لا يخفى .
ورواية حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يقضي المغمى عليه ما فاته(3) .
ونوقش(4) فيها سنداً بأنّها ضعيفة ، ودلالة بأنّها مطلقة قابلة للتقييد ، وعلى تقدير المعارضة لابدّ من الأخذ بتلك الطائفة الدالّة على عدم الوجوب ; لموافقتها للشهرة الفتوائيّة .
وأمّا الكافر: ففي المتن التفصيل بين الكافر الأصلي فلا يجب القضاء عليه ، وبين
- (1) الفقيه1: 237 ح1042، وعنه وسائل الشيعة 10: 227، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب24 ح6.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 245 ح 725 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 227 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 4 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 243 ح 716 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 227 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 24 ح 5 .
(4) المناقش هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 153 .