( الصفحة 277 )
والسنّة ـ صريح صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء(1) .
وقد ورد في بعض الأخبار أنّ نساء النبي (صلى الله عليه وآله) كنّ يقضين ما فاتهنّ من صيام رمضان في شعبان كي لا يمنعن النبي (صلى الله عليه وآله) من الاستمتاع (2).
وبالجملة : لا إشكال كما أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في التوسعة بالنسبة إلى السنة الأُولى وعدم لزوم القضاء فوراً بمجرّد خروج رمضان(3) . نعم ، احتاط في المتن وجوباً بأنّه لا يجوز التأخير إلى رمضان آخر ، وقد ذكر مثل ذلك في العروة ، ولكنّه قال بعد ذلك : لا دليل على حرمته(4) ، ولكنّ المشهور(5) ظاهراً هو الثاني ، واستدلّ(6) عليه بأحد أُمور :
أحدها : التعبير عن التأخير إليه بالتواني كما في بعض الروايات الصحيحة(7)أو بالتهاون كما في بعض الروايات الاُخرى(8) ; نظراً إلى أ نّ التعبيرين يشعران
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 274 ح 828 ، الاستبصار 2 : 117 ح 380 ، الكافي 4 : 120 ح 3 ، الفقيه 2 : 95 ح 427 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 341 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 5 .
(2) الكافي 4 : 90 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 308 ح 932 و ص 316 ح 960 ، الفقيه 2 : 57 ح 251 ، ثواب الأعمال : 85 ح 9 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 486 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 2 .
(3) غنائم الأيّام 5 : 379 ، مستمسك العروة 8 : 506 ، المستند في شرح العروة 22 : 201 .
(4) العروة الوثقى 2 : 58 مسألة 2539 .
(5) المستند في شرح العروة 22 : 201 .
(6) المستدلّ هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 201 ـ 204 .
(7) الكافي 4 : 119 ح 1، تهذيب الأحكام 4 : 250 ح 743 ، الاستبصار 2 : 110 ح 361 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 335 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1 .
(8) تهذيب الأحكام 4 : 251 ح 746 ، الاستبصار 2 : 111 ح 364 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 337 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6 .
( الصفحة 278 )
بالوجوب، وأنّه(1) كان لا يجوّز التواني والتهاون .
هذا ، ولكنّ الغاية الإشعار لا الدلالة ، وأنّ التعبيرين يصدقان حقيقة مع عدم الوجوب ، ويتحقّقان في الواجب الموسّع مع عدم امتثاله في أوائل أزمنة الإمكان ، مع أنّك عرفت تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) نساءه على تأخير قضاء الصوم إلى شعبان .
ثانيها : التعبير عن التأخير بالتضييع الذي لا يلائم إطلاقه إلاّ مع ترك الواجب .
والجواب عنه هو الجواب عن الأوّل .
ثالثها : التعبير بكلمة «الفدية» ; أي الكفّارة المجعولة لجبران الحزازة الحاصلة بترك الواجب مثلا .
وضعفه واضح لا يحتاج إلى البيان ، مع أنّ إطلاق الفدية لم يقع إلاّ في خصوص بعض الموارد ; كمن استمرّ به المرض ، ولا مجال لاحتمال الحرمة فيه بوجه ، خصوصاً مع ملاحظة الأمر بالفدية في موارد لا يحتمل فيه الحرمة بوجه ، كما في بعض محرّمات الإحرام .
رابعها : الأمر بالصدقة عليه في جملة من الروايات(2) .
والجواب : أنّه لا ملازمة بين وجوب الصدقة وعدم جواز التأخير ، ومرجع هذه الروايات إلى التخيير بين البدار والصدقة ، ويدلّ على عدم الوجوب صريحاً رواية سعد بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل يكون مريضاً في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ما عليه في ذلك ؟ قال : اُحبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس
- (1) أي المستدلّ.
(2) وسائل الشيعة 10 : 335 ـ 339 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 .
( الصفحة 279 )
مسألة 5 : لا يجب الترتيب في القضاء ولا تعيين الأيّام ، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها بنيّة القضاء كفى وإن لم يعيّن الأوّل والثاني ، وهكذا 1 .
عليه شيء»(1) . ولكنّها ضعيفة السند وإن كان لا فرق فيها من حيث الدلالة بين ما كان منشأ الإفطار وجوازه المرض، أو غيره كالسفر ونحوه ، وإن كان ظاهر بعض الروايات اختصاص الحكم بمن استمرّ عليه المرض ; كرواية ضعيفة للفضل بن شاذان دالّة على ما ذكرنا ، مع الاشتمال على التعليل بقوله (عليه السلام) : لأنّه دخل الشهر وهو مريض ، فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء(2) .
فانقدح أ نّه لا دليل على حرمة التأخير وإن كان مقتضى الاحتياط العدم .
ثمّ الظاهر أنّه على فرض عدم جواز التأخير إلى رمضان آخر فتوى أو احتياطاً ، فالظاهر أنّه يصير بعد التأخير موسّعاً ، وليس الواجب بعد التأخير فوراً بحيث يصير كالفور بعد الفوريّة ، والعمدة في جواز ذلك عدم الدليل على حرمة التأخير بعد ما أخّر عن رمضان التالي .
1ـ الدليل على عدم وجوب الترتيب وكذا التعيين ، إطلاقات الأدلّة الواردة في الكتاب والسنّة ، وقد يفصّل بين ما تكون الذمّة مشتغلة به متّصفاً بخصوصيّة، بها يمتاز عن غيره وإن شاركه في الصورة ; كالظهرين ، والأداء والقضاء ، ونافلة الفجر
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 252 ح 749 ، الاستبصار 2 : 111 ح 365 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 337 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7 .
(2) علل الشرائع : 271 ح 9 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 117 ح 1 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 337 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8 .
( الصفحة 280 )
وفريضته ، وأ نّ في مثله لابدّ من تعلّق القصد بإحدى الخصوصيّتين كي تتشخّص وتتميّز عن غيرها في مقام التفريغ ، فلا يكفيه الإتيان بالصورة المشتركة فقط ، وبين ما لا يكون متّصفاً بأيّة خصوصيّة حتّى في صقع الواقع وفي علم الله سبحانه ، ولا يمتاز عن غيره إلاّ في مجرّد الاثنينيّة وكونهما فردين من طبيعة واحدة ، وجب أحدهما بسبب والآخر بسبب آخر ، كما لو استدان من زيد درهماً ثمّ استدان منه درهماً آخر ، فإنّ الثابت في الذمّة أوّلا لا مائز بينه وبين ما ثبت ثانياً .
نعم ، قد يمتاز أحدهما عن الآخر بأمر خارجيّ وأثر جعليّ ، كما لو جعل لأحد الدينين رهناً ، أو لأحد القضاءين نذراً ، فنذر من فاته يومان من شهر رمضان أن لا يؤخّر قضاء اليوم الثاني عن شهر شوّال مثلا ، ففي مثله لا مناص من تعلّق القصد بما له الأثر في حصول ذلك الأثر وترتّبه خارجاً من فكّ الرهن أو الوفاء بالنذر ، ولو أدّى الواجب من غير قصد الخصوصيّة فهو طبعاً يقع عمّا هو أخفّ مؤنة ، وهو الطبيعيّ المنطبق قهراً على العاري عن تلك الخصوصيّة ، فلا يحصل به الفكّ ولا البرّ بالنذر . هذه خلاصة ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) على ما في تقريراته في شرح العروة الوثقى(1) .
ويرد عليه : أوّلا : أ نّ لزوم اعتبار قصد الظهريّة والعصريّة، وكذا الأمثلة المذكورة ليس لأجل الاشتراك في الصورة المتحقّق فيها ، بل لأجل أنّه كما يعتبر قصد عنوان أصل الصلاة لكونه من العناوين القصديّة غير المتحقّقة بدون القصد ، كذلك يعتبر قصد عناوين الأنواع كالظهريّة والعصريّة وإن لم يكن هناك اشتراك في الصورة ، كصلاة المغرب .
- (1) المستند في شرح العروة 22 : 176 ـ 177 .
( الصفحة 281 )
مسألة 6: لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر ، يتخيّر بين تقديم السابق وتأخيره . نعم ، لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق ، ولم يسع الوقت لهما إلى رمضان الآتي ، يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط. ولو عكس فالظاهر صحّة ماقدّمه ولزمه الكفّارة; أعني كفّارة التأخير 1.
وثانياً : أ نّ التفصيل في الصورة الثانية ـ التي لا يتّصف الواجب بأيّة خصوصيّة ـ في صقع الواقع وفي علم الله سبحانه ، بين ما لم يكن هناك امتياز من جهة أمر خارجيّ وأثر جعليّ ، وبين ما كان هناك امتياز من تلك الجهة، كما في مثال الاستدانة المذكور ـ ممّا لا يكاد يستقيم ; فإنّ الظاهر ترتّب ذلك الأمر الخارجي والأثر الجعلي في الصورة الثانية بأداء فرد من الدَين ; ضرورة أنّ أداء الدَين وإن كان من العناوين القصديّة ، إلاّ أنّ انضمام نيّة خصوص الدَين الذي وقع في مقابله الرهن لا دليل عليه ، ولذا لو دفع الدَين الواحد الواقع في مقابله الرهن مع عدم التوجّه إلى الرهن حال الأداء ، لا مجال للمناقشة في الفكّ .
وكذا الوفاء بالنذر ; فإنّه وإن كان واجباً قصديّاً ، إلاّ أنّه لا يعتبر فيه قصد القربة ، فمن نذر تطهير ثوبه من النجاسة فألقى ثوبه في الماء من دون الالتفات إليه يصير طاهراً لا محالة وإن لم يتحقّق منه التطهير مباشرة ، ولم يتحقّق منه القصد إليه ، والمقام من هذا القبيل .
فالمتحصّل أنّه لا يجب رعاية الترتيب ولا التعيين مطلقاً ، من دون فرق بين الموارد كما هو ظاهر المتن .
1 ـ أمّا التخيير بين تقديم السابق وتأخيره فلما عرفت من عدم لزوم البدار وصيرورة الوقت موسّعاً بدخول رمضان الآتي ، ففي صورة سعة الوقت لكليهما يتخيّر في القضاء بين تقديم السابق وتأخيره ، وفي صورة عدم سعة الوقت لكليهما