( الصفحة 357 )
ورفعاً ، فمعنى تعلّق الرفع بهذه الأُمور تعلّقه بمناشئ انتزاعها .
وعليه: فلابدّ من تعلّق الرفع بالأمرالمركّب، ومع تعلّقه به كيف يحكم بتعلّق الأمر بالباقي ليحكم بصحّته؟ خصوصاًمع ملاحظة أنّ شأن الحديث،الرفع دون الوضع(1) .
ويمكن الجواب عنه بأنّ مثل الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة من الأحكام الوضعيّة المستقلّة في الجعل ، ولو أُضيفت هذه العناوين إلى المأمور به أي ذاته ، فيمكن جعل الجزئيّة والشرطيّة للصلاة مثلا بمثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ بطهور(2)، أو لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب(3) ، كالملكيّة والزوجيّة والرقّيّة التي لا ينبغي الإشكال في إمكان تعلّق الجعل بها مستقلّة .
وعليه : فلا مانع من أن يكون حديث رفع النسيان رافعاً لمانعيّة الخروج الصادر نسياناً ، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج عن نسيان ، ومرجع رفع المانعيّة أو الجزئيّة في هذه الصورة إلى الصحّة ، فتدبّر .
كما أ نّه يمكن الجواب عن منع الانصراف بعدم تماميّته بعد عدم صدور الفعل عن توجّه والتفات ، كما لا يخفى .
وأمّا الخروج للضرورة العقليّة أو الشرعيّة أو العاديّة ، فيدلّ عليه الصحيحة (4) ; لأنّ الضرورة بأنواعها من الحاجة الملحة التي لابدّ منها المستثناة من
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى 22 : 383 ـ 384 .
(2) تهذيب الأحكام 1: 49 ح144 و ص 209 ح 605، و ج 2 : 140 ح 545، الاستبصار 1 : 55 ح 160 ، وعنهما وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح1 و ص 365 ، أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(3) وسائل الشيعة 6: 37 ـ 39 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ، وفي مستدرك الوسائل 4 : 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح5 عن عوالي اللئالي 1 : 196 ، الفصل التاسع ح 3 و عن تفسير روضُ الجِنان وروحُ الجَنان في تفسير القرآن ، المشهور بـ «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي » 1 : 39.
(4) أي صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة في ص 342 .
( الصفحة 358 )
النهي عن الخروج عن المسجد ، كما في الأمثلة المذكورة في المتن . نعم ، قد وردالدليل على جواز الخروج في موارد لا تكون من الحاجة الملحة ، كعيادة المريض أو الخروج للجنازة تشييعاً أو تجهيزاً(1) ، ولا يجوز التعدّي عن الموارد المنصوصة مع عدم كونها من الحاجة الملحة ومن مصاديق الضرورة ، كما أنّه لا شبهة في لزوم الاقتصار في هذه الموارد بمقدار لا يضرّ بصدق الاعتكاف ، وكذا الحال بالإضافة إلى موارد الضرورة .
بقي الكلام في الاغتسال عن الجنابة ، وقد فصّل فيه في المتن بين المسجدين : المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلم يجوّز الاغتسال فيهما ، بل أوجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، وبين المساجد الأُخر ، فأوجب فيها أيضاً ذلك مع استلزام الغسل للّبث فيها عن جنابة أو التلويث ، وفي غير هذه الصورة جوّز الاغتسال في المسجد ، بل جعله مقتضى الاحتياط وإن أجاز الخروج له ، ولم يفرّق السيّد (قدس سره) في العروة(2) بين المسجدين وغيرهما ، بل نفى وجوب الاغتسال في المسجد وإن أمكن من دون تلويث ، بل جعله مقتضى الاحتياط .
والظاهر أنّ الوجه في تفصيل المتن هو : أنّ مكث الجنب في المسجدين حرام مطلقاً ، فإذا أجنب في أحدهما يجب عليه التيمّم والاغتسال في الخارج . وأمّا سائر المساجد فالحرام على الجنب هو المكث وعلى العموم هو التلويث ، فإذا لم يستلزم الغسل في المسجد للّبث أو التلويث ، فمقتضى القاعدة بل الاحتياط جواز الغسل في المسجد وإن كان الخروج لأجل الاغتسال جائزاً بلحاظ كونه من مصاديق الضرورة الشرعيّة، وإذااستلزم فاللازم التيمّموالخروج للاغتسال كمافي المسجدين.
- (1) وسائل الشيعة 10 : 549 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 و 6 .
(2) العروة الوثقى 2 : 73 ، الأمر الثامن .
( الصفحة 359 )
مسألة 1 : لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ ، فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوى 1 .
مسألة 2 : لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر وإن اتّحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر ، ولا عن نيابة غيره إلى نفسه وبالعكس2 .
1ـ قد مرّ أنّه لا يشترط البلوغ في صحّة الاعتكاف ; لأنّ عبادات الصبيّ شرعيّةلا تمرينيّة ، والاعتكاف لا يكون واجباً في وقت من الأوقات حتّى يكون مرفوعاً عن الصبّي ، كما تقدّم (1).
2ـ المفروض في هذه المسألة هو العدول في أثناء الاعتكاف ، والسرّ في عدم الجواز ما مرّ في كتاب الصلاة من أنّ العدول يكون على خلاف القاعدة (2) ، ولا يكاد يصار إليه إلاّ مع دليل خاصّ ، كالعدول في أثناء صلاة العصر إلى صلاة الظهر لو تذكّر فيه عدم الإتيان بها أصلا ، وقد مرّ أنّه في مثل هذه الصورة لا يجوز العدول بعد تماميّة العصر في الصورة المفروضة ، ففي الاعتكاف أيضاً يجري ذلك . نعم ، ما ذكره من اتّحاد الاعتكافين المعدول والمعدول إليه في الوجوب ، لا يكاد يستقيم مع ما ذكر غير مرّة من أنّ عنوان الاعتكاف لا يصير واجباً بوجه ، بل الواجب مثل الوفاء بالنذر أو بعقد الإجارة التي لا يتحقّق في الخارج إلاّ بإيجاد الاعتكاف في مواردهما .
- (1) في ص 342 ـ 343 .
(2) نهاية التقرير 2 : 46 ـ 58 .
( الصفحة 360 )
مسألة 3 : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، وبعد تمامهما يجب الثالث ، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوى في الثالث الأوّل والثاني ; أي السادس ، وعلى الأحوط في سائرهما . وأمّا المنذور ، فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب 1 .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أ نّه لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر في جميع الموارد المذكورة في المتن . نعم ، يجوز الإتيان به لنفسه وإهداء ثوابه إلى الغير واحداً كان أو متعدّداً ، حيّاً كان أو ميّتاً ، أو كليهما كما لا يخفى ، كما في المستحبّات الأُخر .
بقي الكلام في أنّه لا يجوز الاعتكاف نيابة عن المتعدّدين وإن جاز الإتيان به لنفسه والإهداء إليهم ، والسرّ أنّه عبادة واحدة كسائر العبادات المستحبّة ، ولايجري فيها التشريك في النيابة ، فتدبّر .
1ـ الأقوال في هذه المسألة مختلفة :
ففي المتن والعروة(1): أنّه يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، وبعد تمامهما يجب الثالث . وأمّا الاعتكاف المنذور ، فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب ، وذهب إليه جماعة من الفقهاء(2) .
وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة(3) عدم جواز القطع مطلقاً ، ونسب إلى السيّد والحلّي والعلاّمة الجواز مطلقاً(4) حتّى في اليوم الثالث .
- (1) العروة الوثقى 2 : 74 مسألة 2564 .
(2) مختلف الشيعة 3 : 580 ، رياض المسائل 5 : 515 ـ 517 ، مستند الشيعة 10 : 562 ـ 563 ، جواهر الكلام 17 : 190 ـ 192 ، مستمسك العروة 8 : 560 .
(3) المبسوط 1 : 289 ، الكافي في الفقه : 186 ، غنية النزوع : 147 .
(4) مسائل الناصريّات : 300 ، السرائر 1 : 422 ، منتهى المطلب 9 : 519 ـ 520 .
( الصفحة 361 )
وقد استدلّ للقول بعدم الجواز مطلقاً بما دلّ على حرمة إبطال العمل ; مثل قوله ـ تعالى ـ : {وَ لاَ تُبْطِـلُوا أَعْمَــلَكُمْ }(1) .
والجواب ما حكي(2) عن الشيخ الأنصاري من أنّ الآية ناظرة إلى إبطال الأعمال بعد وقوعها لا في الأثناء ، والمقصود الإبطال في مثل قوله ـ تعالى ـ : { لاَ تُبْطِـلُوا صَدَقَـتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذَى }(3) .
وربما يستدلّ لهذا القول بما دلّ على وجوب الكفّارة لو جامع خلال الثلاثة ; فإنّ دلالته الالتزامية عدم جواز القطع ; لأنّه لا مجال للزوم الكفّارة بالإضافة إلى أمر مباح .
واُورد عليه أوّلا : بمنع استلزام الكفّارة للحرمة ، كما في لبس الرجل الثوب المخيط اضطراراً .
وثانياً : بأنّ مقتضى الدليل حرمة الإبطال بالجماع لا بشيء آخر ، كما لا يخفى(4) .
وأمّا ما في المتن، فيدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقاميومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام(5) ،والمراد من الاشتراط التعيين بنذر وشبهه ، لا كالاشتراط عند نيّة الإحرام ;
- (1) سورة محمّد (صلى الله عليه وآله) 47 : 33 .
(2) فرائد الاُصول 2 :376 ـ 380 .
(3) سورة البقرة 2 : 264 .
(4) المستند في شرح العروة 22 : 396 ـ 397 .
(5) الكافي 4 : 177 ح 3 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 879 ، الاستبصار 2 : 129 ح 421 ، الفقيه 2 : 121 ح 526 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 543 ، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.