( الصفحة 385 )
للنذر وشبهه . نعم ، يصير إبقاؤه واجباً في اليوم الثالث من دون فرق بين موارده ، فتدبّر .
الرابعة : فيما إذا أفسده ، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه . وأمّا المندوب فيجب قضاؤه إن أفسده بعد اليومين ، وأمّا قبلهما فلا شيء عليه ، بل استشكل في مشروعيّة القضاء فيه .
أقول : أمّا وجوب القضاء في الواجب المعيّن ، فالدليل عليه عموم وجوب قضاء الفوائت وإن نوقش فيه بعدم ثبوت هذا العموم(1) ، والتحقيق في محلّه .
كما أ نّه على تقدير الوجوب لا يجب الفور ـ وإن جعله أحوط في المتن وفي العروة(2) ـ لعدم الدليل عليه . وقد ثبت في الأُصول أ نّ الأمر لا دلالة له على الفوريّة(3) . نعم ، لابدّ وأن لا يكون التأخير بمثابة يعدّ توانياً وتهاوناً بحيث يؤدّي إلى ترك الواجب .
وأمّا الواجب غير المعيّن ، فلا يتحقّق فيه عنوان القضاء ، بل لم يأت بالمأمور به على وجهه . فاللازم الاستئناف .
وأمّا المندوب ، فإذا كان الإفساد بعد اليومين الأوّلين ; أي في اليوم الثالث الذي يجب البقاء فيه على الاعتكاف ، فيجب فيه القضاء لعين ما مرّ من الدليل عليه في الواجب المعيّن . وإن كان الإفساد في اليومين الأوّلين ، فلا يجب القضاء فيه ، بل استشكل في عنوان القضاء فيه .
- (1) المناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 22 : 492 .
(2) العروة الوثقى 2 : 83 مسألة 2608 .
(3) كفاية الاُصول 103 المبحث التاسع .
( الصفحة 386 )
مسألة 3 : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلا وجبت الكفّارة . وكذا في المندوب على الأحوط لو جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، وأمّا معه فالأقوى عدم الكفّارة ، كما لا تجب في سائر المحرّمات وإن كان أحوط . وكفّارته ككفّارة شهر رمضان وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار 1 .
والظاهر أنّ وجه الاستشكال أنّه حيث لا يكون استحباب الاعتكاف محدوداً بوقت خاصّ ، فكلّ زمان يريد الاعتكاف فيه فهو أداء ، وإن كان الاستحباب مؤكّداً في أزمنة خاصّة ، لكن أصل الاستحباب ثابت في جميع الأزمان. نعم ، عدا بعض الموارد المصادف لأحد العيدين ، كما هو الحال في جميع النوافل غير الموقّتة .
نعم ، في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرين : عشراً لعامه ، وعشراً قضاء لما فاته(1) .
والظاهر أ نّه ليس المراد هو القضاء الاصطلاحي ، بل الإضافة على الأداء بمقدار كان يعتكف فيه في شهر رمضان .
الخامسة : أنّه قد عرفت(2) أنّ مع اشتراط عدم البقاء في صورة عروض عارض لايجب البقاء مع العروض ، فلا وجه للقضاء ولا الاستئناف .
1ـ في هذه المسألة مقامان :
الأوّل : في مورد ثبوت الكفّارة في إفساد الاعتكاف الواجب ، لا إشكال
- (1) الكافي 4 : 175 ح 2 ، الفقيه 2 : 120 ح 518 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 533 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 2 .
(2) في ص 374 ـ 375 .
( الصفحة 387 )
ولا خلاف(1) في ثبوتها بالإفساد بالجماع ; سواء كان في النهار أو في الليل ، ويدلّ عليه روايات كثيرة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك :
منها : صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع (أهله خل) ؟ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر(2) .
ومنها : موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله ؟ فقال (قال خل) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(3) ، ورواه في الوسائل في باب واحد مرّتين، مع أنّه من الواضح الاتّحاد وعدم التعدّد .
ومنها : رواية عبدالأعلى بن أعين ـ التي رواها عنه محمّد بن سنان ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وطىء امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ؟ قال : عليه الكفّارة . قال : قلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : عليه كفّارتان(4) . وقد صرّح في هذه الرواية بالجماع ليلا ، ومقتضى الإطلاق وترك الاستفصال في غيرها أيضاً ذلك ، هذا بالإضافة إلى الاعتكاف الواجب .
وأمّا المندوب : فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان الجماع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، فاحتاط لزوماً بثبوت الكفّارة ، وبين رفع اليد عن الاعتكاف ، فقد قوّى عدم الكفّارة ، والوجه في الاحتياط في الصورة الأُولى : هو احتمال شمول الأخبار الواردة في الجماع ـ المتقدّمة ـ للاعتكاف المندوب ، خصوصاً مع إطلاق
- (1) تذكرة الفقهاء 6 : 314 ، رياض المسائل 5 : 526 ، جواهر الكلام 17 : 209 ، مستمسك العروة 8 : 594 ، المستند في شرح العروة 22 : 497 .
(2) تقدّمت في ص 163 و 318.
(3) تقدّمت في ص 162 ـ 163، 317 و 378.
(4) تقدّمت في ص 164 .
( الصفحة 388 )
السؤال وترك الاستفصال في الجواب ، وخصوصاً مع ملاحظة ندرة الاعتكاف الواجب وكثرة الاعتكاف المندوب .
نعم ، التنزيل منزلة الإفطار في شهر رمضان ربما يشعر بأنّ المراد هو الاعتكاف الواجب ، كوجوب الإمساك في شهر رمضان ، لكن هذا الإشعار لا يقاوم الاحتمال المذكور ، خصوصاً مع أنّ التنزيل إنّما ورد في بعض الروايات على ما عرفت ، فالإنصاف أنّه لا مجال للتنزّل عن الاحتياط الوجوبي كما في المتن .
هذا كلّه بالإضافة إلى الجماع . وأمّا بالإضافة إلى سائر محرّمات الاعتكاف،فقد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الكفّارة وإن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي التكفير .
نعم ، في صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائباً ، فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها ؟ فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ; فإنّ عليها ما على المظاهر . وقد رواها المشايخ الثلاثة (1).
والظاهر منها: أنّ الحكم بالكفّارة إنّما هو لأجل الجماع الواقع عقيب الخروج ، لا لأجل الخروج في حال الاعتكاف ، خصوصاً لو قلنا بجوازه ; لأنّه من الضروريّات العرفيّة المسوّغة للخروج ولو مع عدم الاشتراط ، فالظاهر أنّه لادليل على ثبوت الكفّارة في غير الجماع .
المقام الثاني : في كيفيّة كفّارته ، وقد ذكر في المتن أنّ « كفّارته ككفّارة شهر
- (1) تقدّمت في ص 318 و 379 .
( الصفحة 389 )
مسألة 4 : لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع في نهار شهر رمضان ، فعليه كفّارتان . وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال . وإذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان ،فإن لم تكن معتكفة فعليه كفّارتان عن نفسه ; لاعتكافهوصومه ، وكفّارة عن زوجته لصومها . وكذا إن كانت معتكفة على الأقوى وإن كان الأحوط كفّارة رابعة عن زوجته لاعتكافها ، ولو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل ، وكفّارتان إن كان في النهار 1 .
رمضان وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار ». ويدلّ على الأوّل ما دلّ من الروايات على أنّ الجماع في حال الاعتكاف بمنزلة الإفطار في شهر رمضان ، حيث إنّ هذا التنزيل يدلّ على الحرمة والإفساد وثبوت كفّارة الإفطار ، لكن في الروايتين الصحيحتين المتقدّمتين : أنّ كفّارته كفّارة الظهار ، والظاهر أنّ رفع اليد عن هاتين الروايتين مشكل ، خصوصاً مع ندرة الظهار ، بخلاف الإفطار في شهر رمضان ، فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي كما لا يخفى .
1ـ في هذه المسألة فرعان :
الأوّل : لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ، فإن كان في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى اقتضاء الأصل ذلك ; لأنّ الأصل عدم التداخل ـ بعض الروايات المتقدّمة المصرّحة بذلك ، وحيث إنّ مقتضاها موافق للأصل ، فلا مانع من اشتمال سندها على مثل محمّد بن سنان ، الذي وقع فيه الاختلاف ، وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال ، على ما عرفت(1) من ثبوت الكفّارة في هذه الصورة .