( الصفحة 78 )
مسألة 4 : من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع علمه بذلك ، فهو كمتعمّد البقاء عليها ، ولو وسع التيمّم خاصّة عصى وصحّ صومه المعيّن ، والأحوط القضاء 1 .
حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم(1) .
ورواية ابن بكير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوّعاً ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه ونصف النهار؟ الحديث(2) . ودلالتهما على عدم مفطريّة البقاء على الجنابة متعمّداً في المندوب واضحة ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين النوم مع الجنابة مع البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، وبينه مع العلم بأنّه ينام إلى الطلوع . وأمّا صوم الثلاثة الأيّام فالظاهر أنّ المراد به هو الصوم الواجب بدلاً عن الهدي الواجب في حجّ التمتّع لمن لا يقدر عليه ، فهو أيضاً من أفراد الواجب المعيّن، نظير رمضان وقضائه في صورة التضيّق .
1ـ لا شبهة في صحّة الصلاة مع التيمّم في صورة عدم إمكان الاغتسال; لعدم وجدان الماء ومثله ممّا يوجب الرخصة في التيمّم . وأمّا صحّة الصوم فالظاهر أنّه لا ينبغي الارتياب في ذلك في الجملة ; لقيام السيرة من المتشرّعة على الإجناب الاختياري في ليالي رمضان مع العلم بوجوب الصوم عليهم، الذي يقدح فيه تعمّد البقاء على الجنابة مع عدم التمكّن من الاغتسال، ومع فرض التمكّن من التيمّم وسعة الوقت له .
- (1) الفقيه 2 : 49 ح 212، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح1 .
(2) الكافي 4 : 105 ح 3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2 .
( الصفحة 79 )
إنّما الإشكال في مشروعيّة الانتقال إلى التيمّم في موارد التعجيز الاختياري ، واستظهر بعض الأعلام (قدس سره) عدم المشروعيّة لقصور المقتضي ; نظراً إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً . . .}(1) هو عدم الوجدان بالطبع ، لا جعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء مثلاً . نعم ، في خصوص باب الصلاة لابدّ من الالتزام بالمشروعيّة ; لقوله (عليه السلام) : «لا تترك الصلاة بحال»(2) مع ملاحظة اشتراطها بالطهارة . وأمّا في مثل الصوم فلم يرد مثل هذا الدليل ، واستنتج من ذلك العصيان والبطلان ; لكونه من مصاديق تعمّد البقاء على الجنابة (3) .
والظاهر أنّه لا مجال للحكم بالبطلان ; لأنّ قوله (عليه السلام) : التيمّم أحد الطّهورين(4)يكون المتفاهم منه قيام التيمّم مقام الوضوء والغسل مطلقاً ، خصوصاً مع ملاحظة قوله (صلى الله عليه وآله) : يكفيك الصعيد عشر سنين(5); فإنّ الكفاية في مثل هذه المدة الطويلة مع حدوث حوادث مختلفة بالإضافة إلى الأشخاص يوجب أن يكون الصوم المذكور واجداً لوصف الصحّة ، غاية الأمر ثبوت العصيان; لأنّه كإراقة الماء عامداً في باب الوضوء الموجب للانتقال إلى التيمّم قهراً من ثبوت الصحّة للصلاة وتحقّق العصيان . نعم، لا مجال لإنكار أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام قضاء ذلك الصوم .
- (1) سورة المائدة 5 : 6 .
(2) لم نجد بهذا اللفظ. نعم، يستفاد من الروايات الواردة في وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 11، و ج 2: 373، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .
(3) المستند في شرح العروة 1 : 199 ـ 200 .
(4) الكافي 3 : 63 ح 4، تهذيب الأحكام 1: 200 ح 580، وعنهما وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب21 ح1.
(5) وسائل الشيعة 3 : 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب14 ح12.
( الصفحة 80 )
مسألة 5 : لو ظنّ السعة وأجنب فبان الخلاف ، لم يكن عليه شيء إذا كان مع المراعاة ، وإلاّ فعليه القضاء 1 .
مسألة 6 : كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً ، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر ، فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومهما . وكذا يُشترط على الأقوى في صحّة صوم المستحاضة الأغسالُ النهاريّة التي للصلاة دون غيرها ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل ـ كالمتوسّطة والكثيرة ـ فتركت الغسل بطل صومها ، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين ، فتركت الغسل إلى الغروب ; فإنّه
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحكم فيمن أحدث بسبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع العلم بذلك هو جريان حكم تعمّد البقاء، كما لا يخفى .
1ـ لو ظنّ وتخيّل سعة الوقت وأجنب فبان الخلاف وأنّه لم يكن الوقت وسيعاً من هذه الجهة، لم يجب القضاء ولا الكفّارة ، وفي المتن قيّده بما إذا كان مع المراعاة، وإلاّ فعليه القضاء ، والظاهر أنّ مقصوده من المراعاة هو اعتبار الظن من جهة قيام البيّنة أو قول العادل الواحد على تقدير اعتباره في الموضوعات على خلاف التحقيق، كما مرّ (1)، والمقصود من ثبوت القضاء في صورة عدم المراعاة الاعتماد على الاستصحاب ثمّ انكشاف الخلاف ، وإن كان ظاهر العبارة يفيد أنّ المفروض في كلتا الصورتين الاعتماد على الظنّ ، فتأمّل فيها .
- (1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد والتقليد، مسألة العدالة .
( الصفحة 81 )
لا يبطله ، ولا يُترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية ، ويكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر ، فصحّ صومها حينئذ على الأقوى 1 .
1ـ في المسألة مقامان :
المقام الأوّل : البقاء على حدث الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر ، وظاهر المتن أ نّ الباقية على أحدهما كالباقي على الجنابة متعمّداً إلى طلوع الفجر ، والدليل عليه أ مّا في الحيض فهو :
ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم(1) .
وفي السند علي بن الحسن الفضال الذي اشتهر بالإضافة إلى اُسرته «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (2). ولكن مع ذلك فقد وصفها جماعة فيما هو المحكي منهم بضعف السند، كالشيخ والمحقّق والأردبيلي وصاحب المدارك (3). واُجيب عن ذلك بانجبار الضعف باستناد المشهور إلى الرواية ، وقد قرّر في محلّه جابريّة الشهرة الفتوائيّة وقادحيّتها في صورتي الاستناد والإعراض .
- (1) تهذيب الأحكام 1 : 393 ح 1213 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 69 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1 .
(2) غيبة الشيخ: 390 ذح 355، وعنه وسائل الشيعة 27 : 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13 .
(3) المعتبر 1 : 227 ، مجمع الفائدة والبرهان 5 : 47 ، مدارك الأحكام 6 : 57 ، وحكاه عن النهاية في مصباح الفقيه 14: 419، ولم نجده في النهاية .
( الصفحة 82 )
ولكنّه أورد على هذا الجواب بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح ـ مضافاً إلى منع الكبرى كما هو مختاره ـ بمنع الصغرى ; لأنّ القدماء من الأصحاب لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم ، مع أنّ الإشكال لا ينحصر في وجود ابن فضّال في السند ، بل في طريق الشيخ إليه علي بن محمد بن الزبير ، ولم يذكر فيه قدح ولا مدح ، مع أنّه لا أصل للشهرة المذكورة وإن كانت مذكورة في بعض كتب الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، والأصل فيها ما ذكره الشيخ في محكي كتاب الغيبة أنّه سئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغاني ، فأجاب بأنّي أقول فيها بما قاله العسكري (عليه السلام) في كتب بني فضال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (2).
واستظهر عدم صحّة هذه الرواية ; لأنّها مروية عن خادم الحسين بن روح وهو مجهول حتى إسماً ، فالإشكال المهمّ عدم إحراز وجود أصل الرواية في كتاب ابن فضّال ، وذكر في الذيل أ نّ طريق الشيخ إلى كتاب ابن فضّال وإن كان ضعيفاً لما ذكر ، إلاّ أنّه حيث يكون طريق النجاشي إليه صحيحاً ، وشيخهما شخص واحد ; وهو أحمد بن محمد بن عبدون ، فطبيعة الحال تقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي من دون زيادة ولا نقيصة ، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ إليه(3) .
أقول : هذا الطريق يكفي جواباً عن عدم وجود الرواية في كتاب ابن فضال احتمالاً ، وأمّا الاعتماد على أصل رواياتهم فهو ـ أي الإشكال ـ بحاله ; لما مرّ منه من أنّ الراوي عن الحسين بن روح خادمه المجهول من حيث الإسم فضلاً عن
- (1) كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1 : 36 .
(2) غيبة الشيخ: 389 ح 355 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 201 ـ 203 .