(الصفحة 476)
في رؤية الهلال ، ولا يقبل في الهلال إلاّ رجلان عدلان(1) .
وصحيحة العلاء ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال(2) .
نعم في رواية داود بن الحصين، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل قال : لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين ، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة(3) ، وحكى صاحب الوسائل عن الشيخ أنّه قال : الوجه في ذلك هوأن يصوم الإنسان بشهادة النساء استظهاراً واحتياطاً دون أن يكون ذلك واجباً(4)
ولكنّ الرواية معرض عنها باعتبار أنّه لم ينقل عن أحد الفتوى بمضمونها ، فانّ المحكيّ عن المبسوط(5) انّه أفتى بقبول الشاهد والامرأتين في الهلال لا امرأة واحدة ، وقد ادّعى في الغنية(6) الإجماع على عدم القبول .
وكيف كان فان كان اصطياد الضابطة من الموارد المتعدّدة التي دلّ الدليل على عدم قبول شهادتهنّ مطلقاً في كلّ واحد من الموارد ، كالأمور المذكورة في المتن ، فيرد عليه أنّه لم يقم دليل في المقام كذلك ، بل قام الدليل بالإضافة إلى بعضها فقط ، وإن كان المراد استفادة الضابطة من مثل الطلاق والهلال وبعض الأمور التي دلّ الدليل على عدم اعتبار شهادتهن فيه ، فيرد عليه منع جواز اصطياد القاعدة الكلية الجارية في جميع الأمور المذكورة في المتن من مثلهما ، خصوصاً مع أنّ الطلاق يعتبر
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 355 ، كتاب الشهادات ب27 ح17 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب27 ح18 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 361 ، كتاب الشهادات ب27 ح36 .
- (4) التهذيب : 6 / 270 ذ ح 726 ، الإستبصار : 3 / 30 ذ ح 98 .
- (5) المبسوط : 8 / 172 .
- (6) غنية النزوع : 438 .
(الصفحة 477)
فيه الإشهاد على ما عرفت ، وكون الهلال حقّ الآدمي محل تأمّل ، مضافاً إلى أنّه من الاُمور المرتبطة بعموم الناس ، وكثير من الناس يتصدّون للرؤية خصوصاً في أوّلي رمضان وشوّال ، مع أنّه يرد على المتن أنّ ذكر عيوب النساء في عداد الأمور المذكورة غير صحيح ، فانّ عيوب النساء خصوصاً الباطنة منها مثل العفل والبرص والجذام ممّا لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليها ، وقد دلّ الدليل على قبول شهادتهنّ بالإضافة إلى هذه الأمور .
ففي صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ـ إلى أن قال : ـ تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، الحديث(1) .
ورواية عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تجوز شهادة النساء في العذرة ، وكلّ عيب لا يراه الرجل(2) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام) أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ، ولا نكاح ، ولا في حدود إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(3) .
ويحتمل قويّاً أن تكون في الأصل «وعيوب النساء الظاهرة»، كماحكي عن أصل الوسيلة لآية الله المرحوم الإصبهاني ذلك(4)، ويؤيّده تقييدالعيوب بالباطنة في المسألة السادسة الآتية، التي حكم فيها بقبول شهادة النساء والفرق بينها وبين الظاهرة، فانتظر.
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح9 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 362 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .
- (4) وسيلة النجاة : 343 ، في العيوب الموجبة لخيار الفسخ في النكاح .
(الصفحة 478)مسألة 4 ـ من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين ، وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين المدعي ، وبامرأتين ويمين المدّعي ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال كالديون بالمعنى الأعم ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع والسلف وغيرها ممّا في الذّمة، وكالغصب وعقودالمعاوضات مطلقا، والوصية له والجناية التي توجب الدية ، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمي ، والمأمومة والجائفة وكسر العظام ، وغير ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالا أو مقصوداً منها المال ، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر1 ، وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرّجل 2 .
ومن هذه الروايات يستفاد حكم شهادة النساء في الرّضاع وانّ شهادة النساء مقبولة فيه ، كما استقربه في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(1) ، خلافاً لما عن الأكثر(2)من العدم ، إستناداً إلى مرسلة ، وهي أنّه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع(3) ، وهي غير موجودة في الاُصول ، فلا ينبغي توهم الإنجبار فيها ، كما لايخفى .
1 ـ كذا في طبعة الآداب / النجف الأشرف وأيضاً في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم، ولكن في الطبعة الثالثة / بيروت 1401هـ توزيع دار التعارف: بشهادة المرأة واليمين على الأظهر.
2 ـ القسم الثاني من حقوق الآدمي ما يثبت بغير شاهدين عدلين ذكرين أيضاً ،
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 921 .
- (2) الخلاف: 6 / 257 ـ 258 مسألة 9 ، المبسوط: 5 / 311 ، السرائر: 2 / 137 ، الجامع للشرائع: 543 ، تحرير الأحكام: 2 / 212 ، وفي مسالك الأفهام: 14/259 نسبه إلى الأكثر.
- (3) المبسوط : 8 / 175 .
(الصفحة 479)
بل يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين المدّعي ، وبامرأتين ويمين المدّعى ، وهو كلّ ما كان مالا أو المقصود منه المال ، ولا فرق في الأوّل بين الدين والعين ، وقد ورد في آية الدين قوله تعالى :
{وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم فَاِن لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ} الآية(1) ، كما أنّ الدين يشمل جميع الديون بالمعنى الأعم من القرض وثمن المبيع والسّلف وغيرها ممّا في الذمّة ، والعين تشمل الغصب وعقود المعاوضات مطلقاً وسائر الأمور المذكورة في المتن ، كما هو المشهور(2) .
ولكن بعض الأعلام(قدس سره) استقرب عدم الثبوت في مثل الغصب والوصية إليه والأموال ، نظراً إلى أنّه لا دليل على قيام المرأتين مقام رجل واحد في الموارد المزبورة ، ومقتضى الأصل العدم ، ولا وجه للتعدّي عن مورد الآية مع عدم القرينة على إلغاء الخصوصيّة ، ومعتبرة داود بن الحصين تدلّ على اختصاص الآية بالدين ، مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات على عدم قبول شهادتهنّ مطلقا إلاّ فيما دلّ الدليل على اعتبارها(3) .
أقول : امّا معتبرة داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فهي مشتملة على سؤال الراوي بعد حكمه (عليه السلام) بالفرق بين النكاح والطلاق ، بأنّه قال : فقلت : فأنّى ذكر الله تعالى قوله :
{فَرَجُلٌ وَامرَأتَانِ}؟ فقال : ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ، الحديث(4) .
- (1) البقرة 2 : 282 .
- (2) المبسوط : 8 / 172 ، الجامع للشرائع : 542 ، شرائع الإسلام : 4 / 921 ، قواعد الأحكام : 2 / 239 ، الدروس الشرعية : 2 / 137 ـ 138 .
- (3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 126 مسألة 100 .
(الصفحة 480)
ومن الواضح أنّ الدين فيه في مقابل النكاح والطلاق لا في مقابل الأموال الآخر ، فلا دلالة لها على الاختصاص بالدين ، ولو بني على الاختصاص بالمورد لكان اللازم الالتزام بالاختصاص بما إذا وقع بينهما التداين والدين إلى أجل مسمّى ، فيختص بالقرض المؤجّل إليه ، مع أنّ لازمه الاختصاص بما إذا استشهد رجلين ، ولا يعمّ صورة عدم الاستشهاد ، ولا يقول بذلك أحد ظاهراً ، فإذا بني على عدم الاختصاص بخصوص المورد فأيّ فرق بين الدين والعين على ما هو المتفاهم عرفاً ، وعليه فالدليل على قبول شهادتهنّ في سائر الديون هو الدليل على القبول في سائر الموارد .
نعم ، لا مجال للتعدّي إلى غير الأموال خصوصاً بعد ظهور مثل آية الطلاق في لزوم كون الشاهدين ذكرين عادلين، قال الله تعالى:
{وَأشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) ، ويؤيّد ما ذكرنا مرسلة يونس ، عمّن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، الحديث(3) .
ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الدالّة على إنحصار قبول شهادة النساء بالمنفوس والعذرة ، والمراد بالأوّل الولد وبالثاني البكارة ، ففي رواية عبدالله بن سنان قال : سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة أتجوز شهادتها؟ فقال : لاتجوز شهادتها إلاّ في المنفوس والعذرة(3) .
والظاهر أنّ المراد شهادة المرأة وحدها وعدم انضمام الرجل ولا مثل اليمين إليها،
- (1) الطلاق 65 : 2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح24 .