(الصفحة 241)
المعنوية. و هذا يدل على كون الإسلام محقّاً في دعويه صادقاً في خبره، بخلاف صورة التشتت في الذبح و التفرق الذي ليس فيه هذه الحكاية بوجه.
نعم يبقى إشكال تضييع اللحوم بالذبح أو النحر و عدم الإستفادة منها إلاّ قليلاً مع في انه في صورة الذبح في محلّ كل مكلف و بلده لاتحقق هذا التضييع بوجه.
و الجواب عن هذا الإشكال مع أنّ الوجه فيه ضعف القوى الحاكمة على الحرمين و إلا كان اللازم خصوصاً في هذه الأزمنة الإستفادة من الإمكانيات و الوسائل الموجودة بنحو لايتحقق التضييع بوجه انّ كون أحكام الحج مع أنه من الفرائض المهمة الإسلامية تعبدية محضة، لاتكاد تنال عقولنا الناقصة و علومنا الضعيفة إلى مغزاها و عللها و حكمها يقتضى عدم الاتكال على مثل هذا الإشكال، فتأمل حتى لايشتبه عليك الحال. و قد انقدح أنه لاتبعد دعوى تعين الذبح في المذبح الجديد بالنحو المذكور.
(الصفحة 242)فروع في الذبح و النيابة فيه
مسألة 12 ـ لو شك بعد الذبح في كونه جامعاً للشرائط أولا، لايعتني به، ولو شك في صحة عمل النائب لايعتنى به، ولو شك في أن النائب ذبح أولا، يجب العلم بإتيانه ولايكفي الظنّ، ولو عمل النائب على خلاف ماعيّنه الشرع في الأوصاف أو الذبح، فان كان عالماً عامداً ضمن و تجب الإعادة، فإن فعل جهلاً أو نسياناً و من غير عمد، فإن أخذ للعمل أجرة ضمن أيضاً، و إن تبرع فالضمان غير معلوم، و فى الفرضين تجب الإعادة. [1]
[1]
فى هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو شك بعد الفراغ عن الذبح و تماميته في كونه جامعاً للشرائط المعتبرة فى المذبوح أو الخصوصيات المعتبرة فى الذبح المحلّل ففي المتن انه لايعتنى بهذا الشك و يبنى على صحته و تماميته من كلتا الجهتين. و الوجه فيه جريان قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحة. ولكن موردها ما اذا احتمل أنه كان محرزاً للشرائط حين الذبح. و أمّا مع العلم بالغفلة حال الذبح بحيث كان ثبوت الشرائط مستنداً إلى الصدفة فلاتجري قاعدة الفراغ ـ كما في نظائره من الموارد ـ .
الثانى: ما لو وقع الذبح من النائب ثم شك فى صحة عمله و تماميّته، و فى المتن ايضاً انه لايعتنى به. والوجه فيه جريان اصالة الصحة فى عمل المسلم من دون فرق بين العبادات و المعاملات. ففي العبادات الصادرة من الغير نيابة يحكم بالصحة، مع عدم إحراز خلافها.
(الصفحة 243)
الثالث: لو شك في تحقق الذبح من النائب و عدمه. ولايكون في هذا الفرع ما يدل على البناء على الوقوع من أصل أو قاعدة، بل اللاّزم إحرازه بالعلم أو الإطمينان القائم مقامه عند العقلاء ولايكفى الظن، فضلاً عن الشكّ.
الرّابع: مالو عمل النائب على خلاف الوظيفة المقررة الشرعية في الأوصاف أو الذبح، فإن كان عالماً عامداً، فالنائب ضامن لقيمة المذبوح بالنسبة إلى المنوب عنه و الوجه فيه انه تصرف فيه بالنحو الذي لايكون مأذوناً فيه من قبل المنوب عنه فيكون ضامناً، و ان كان جاهلاً أو ناسياً من دون أن يكون هناك عمد فإن لم تكن النيابة المتعقبة للاستنابة تبرعيّة، بل كانت في مقابل الأجرة، فالظاهر أيضاً ثبوت الضمان لعدم العمل على طبق الإجارة و وقوع الذبح غير مطابق لما هو نائب فيه فيكون ضامناً، و الجهل أو النسيان لايقتضي عدمه لعدم مدخلية العلم و العمد في الأحكام الوضعية.
و إن لم تكن في مقابل الأجرة بل كانت النيابة تبرعية محضة ففي المتن ان ثبوت الضمان عليه غير معلوم. و الوجه فيه جريان قاعدة الإحسان بالإضافة إليه، ولازمه عدم الضمان. و قد حققنا الكلام في مفاد القاعدة في كتابنا «القواعد الفقيهة» فراجع. و في الفرضين الأخيرين يجب على المنوب عنه الإعادة لعدم وقوع الذبح المطابق للمأمور به على ما هو المفروض.
(الصفحة 244)في الأكل من الهدي
مسألة 13 ـ يستحبّ أن يقسّم الهدى ثلاثلاً، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، والأحوط اكل شيء منه و إن لايجب. [1]
[1]
يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الأمر الاوّل: في لزوم الأكل من الهدي و عدمه بل استحبابه. فالمشهور هو عدم اللزوم. و المحكي عن إبن إدريس و المحقق في الشرايع و العلاّمة و جمع آخر هو اللزوم و قد اختاره بعض الأعلام (قدس سره) .
و منشأ اللزوم هو الأمر به في قوله تعالى في آيتين من سورة الحج تفريعاً على البدن و بهيمة الانعام:
(فكلوا منها) و ظهوره في خصوص الوجوب. لكن حكي عن كشاف الزمخشرى أنه قال: «الأمر بالأكل منها أمر إباحة لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكهم و يجوز أن يكون ندباً لمافيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع و من ثم استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحية مقدار الثلث». و مراده انه حيث يكون الأمر في مقام توهم الخطر فلايكون ظاهراً في الوجوب، بل في الجواز بالمعنى الأعم في مقابل الحرمة.
وأورد بعض الأعلام (قدس سره) على ذلك مضافاً إلى أنه لم يثبت قول الزمخشري و حكايته عن الجاهلية ثبوت الحرمة في الأكل من النسائك، بأن الدين الإسلامي كان ناسخاً لأحكام الجاهلية و مجرد الحرمة عند أهل الجاهلية لايوجب رفع اليد عن ظهور الأمر ولايوجب وقوع الأمر في مقام توهم الخطر حتى لايكون الأمر ظاهراً في الوجوب.
(الصفحة 245)
والجواب عنه مضافاً إلى أنه لامجال للمناقشة في صحة حكاية الزمخشري مع جلالة قدره و عظمة شأنه، و كان تفسيره الكشاف له موقعية صارت موجبة لتأليف الطبرسى صاحب مجمع البيان كتاباً آخر في التفسير بعد ملاحظة تفسيره سماه جوامع الجامع.
انّ كون الإسلام ناسخاً لأحكام الجاهلية لايتقضى أزيد من نفي الحرمة التي كانوا يعتقدون بها. و أمّا ثبوت الوجوب مكانه فلا، إلاّ أن يقال انه مع العلم بعدم الحرمة لايبقى مجال لتوهم الخطر حينئذ فيبقى ظهور الأمر في الوجوب بحاله لكنه يرد عليه حينئذ ان كون الإسلام ناسخاً لجميع أحكام الجاهلية ممنوع سواء كان في المسائل الإعتقادية أو في الفروع العمليّة ـ كما لايخفى ـ فالأمر المذكور واقع في مقام توهم الخطر فلايبقى له ظهور في الوجوب.
و ربما يستدلّ على وجوب الأكل ببعض الروايات الحاكية لحج رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله: امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة (حذوه) من لحمها ثم تطرح فى مرقة (برمة) ثم تطبخ و أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) و على (عليه السلام) منها وحسيا من مرقها.(1)
و ما رواه الشيخ عن صفوان و ابن أبي عمير و جميل بن درّاج و حمّاد بن عيسى و جماعة عن أبي جعفر و أبي عبدالله (عليهما السلام) قالا: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أن يؤخذ من كلّ بدنة بضعة فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطبخت و اكل هو و علي (عليه السلام) و حسوا المرق و
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الاربعون، ح 2 .