جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 7 ص : 260
و سمي الحرام حجرا لضيقه بالنهي عنه قال المتلمس :
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها
حجر حرام ألا تلك الدهاريس و منه حجر الكعبة لأنه لا يدخل عليه في الطواف و إنما يطاف من ورائه لتضييقه بالنهي عنه و الحجر العقل لما فيه من التضييق في القبيح و الهباء غبار كالشعاع لا يمكن القبض عليه و فلان كناية عن واحد بعينه من الناس لأنه معرفة و قال ابن دريد عن أبي حاتم عن العرب أنهم كنوا عن كل مذكر بفلان و عن كل مؤنثة بفلانة فإذا كنوا عن البهائم أدخلوا عليه الألف و اللام فقالوا الفلان و الفلانة .

الإعراب

« يوم يرون الملائكة » العامل في « يوم » معنى قوله « لا بشرى يومئذ للمجرمين » فإنه يدل على يحزنون و « يومئذ » توكيد ليوم يرون و لا يجوز أن يكون « يوم يرون » منصوبا بلا بشرى لأن ما يتصل بلا لم يعمل فيما قبلها و « حجرا » منصوب لأنه مفعول ثاني لفعل مقدر و هو جعل الله عليكم الجنة حجرا محجورا .
« أصحاب الجنة يومئذ خير » العامل في يومئذ خير .
« و يوم تشقق » العامل فيه محذوف تقديره و اذكر يوم تشقق .
« الملك يومئذ الحق للرحمن » يومئذ من صلة « الملك » الذي هو المصدر و « الحق » صفة له و الجار و المجرور الذي هو « للرحمن » في موضع خبر المبتدأ الذي هو « الملك » و يجوز أن يكون يومئذ ظرفا و هو بدل من « يوم تشقق » و يكون العامل فيهما الظرف الذي هو قوله « للرحمن » و أن تقدما عليه .
« و يوم يعض » يجوز أن يكون العامل فيه اذكر و يجوز أن يكون معطوفا على ما قبله و .
« و يقول » جملة في موضع الحال .
« يا ليتني » المنادى محذوف و تقديره يا صاحبي ليتني .
و « يا ويلتا » منادى مضاف أصله يا ويلتي تعالي فإنه وقتك فأبدل من الكسرة فتحة و من الياء ألفا لثقل الكسرة و الياء و خفة الفتحة و الألف .

النزول

قال ابن عباس نزل قوله « و يوم يعض الظالم » في عقبة بن أبي معيط و أبي بن خلف و كانا متخالين و ذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه و كان يكثر مجالسة الرسول فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما و دعا الناس
مجمع البيان ج : 7 ص : 261
فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى طعامه فلما قربوا الطعام قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما أنا بأكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فقال عقبة أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و بلغ ذلك أبي بن خلف فقال صبات يا عقبة قال لا و الله ما صبات و لكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي و لم يطعم فشهدت له فطعم فقال أبي ما كنت براض عنك أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه ففعل ذلك عقبة و ارتد و أخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فضرب عنقه يوم بدر صبرا و أما أبي بن خلف فقتله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم أحد بيده في المبارزة و قال الضحاك لما بزق عقبة في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عاد بزاقه في وجهه فأحرق خديه و كان أثر ذلك فيه حتى مات و قيل نزلت في كل كافر أو ظالم تبع غيره في الكفر أو الظلم و ترك متابعة أمر الله تعالى و قال أبو عبد الله (عليه السلام) ليس رجل من قريش إلا و قد نزلت فيه آية أو آيتان تقوده إلى جنة أو تسوقه إلى نار تجري فيمن بعده إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا .

المعنى

ثم حكى سبحانه عن حال الكفار بقوله « و قال الذين لا يرجون لقاءنا » أي لا يأملون لقاء جزائنا و هذا عبارة عن إنكارهم البعث و المعاد و قيل معناه لا يخافون فهي لغة تهامة و هذيل يضعون الرجاء موضع الخوف إذا كان معه جحد لأن من رجا شيئا خاف فوته فإنه إذا لم يخف كان يقينا و من خاف شيئا رجا الخلاص منه فوضع أحدهما موضع الآخر « لو لا أنزل علينا الملائكة » أي هلا أنزل الملائكة ليخبرونا بأن محمد نبي « أو نرى ربنا » فيخبرنا بذلك و يأمرنا باتباعه و تصديقه قال الجبائي و هذا يدل على أنهم كانوا مجسمة فلذلك جوزوا الرؤية على الله ثم أقسم الله عز اسمه فقال « لقد استكبروا » بهذا القول « في أنفسهم » أي طلبوا الكبر و التجبر بغير حق « و عتوا » بذلك أي طغوا و عاندوا « عتوا كبيرا » أي طغيانا و عنادا عظيما و تمردوا في رد أمر الله تعالى غاية التمرد ثم أعلم سبحانه أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة و إن الله تعالى قد حرمهم البشرى في ذلك اليوم فقال « يوم يرون الملائكة » يعني يوم القيامة « بشرى يومئذ للمجرمين » أي لا بشارة لهم بالجنة و الثواب قال الزجاج و المجرمون الذين أجرموا الذنوب و هم في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر بالله عز و جل « و يقولون حجرا محجورا » أي و يقول
مجمع البيان ج : 7 ص : 262
الملائكة لهم حراما محرما عليكم سماع البشرى عن قتادة و الضحاك و قيل معناه و يقول المجرمون للملائكة كما كانوا يقولون في الدنيا إذا لقوا من يخافون منه القتل حجرا محجورا دماؤنا عن مجاهد و ابن جريج قال الخليل كان الرجل يرى الرجل الذي يخاف منه القتل في الجاهلية في الأشهر الحرم فيقول حجرا أي حرام عليك حرمتي في هذا الشهر فلا يبدأه بشر فإذا كان يوم القيامة رأوا الملائكة فقالوا ذلك ظنا منهم أنه ينفعهم و قيل معناه يقول الملائكة حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله عن عطا عن ابن عباس و قيل يقولون حجرا محجورا عليكم أن تتعوذوا فلا معاذ لكم « و قدمنا إلى ما عملوا من عمل » أي قصدنا و عمدنا كما في قول الشاعر :
و قدم الخوارج الضلال
إلى عباد ربهم فقالوا
إن دماءكم لنا حلال و في هذا بلاغة عجيبة لأن التقدير قصدنا إليه قصد القادم على ما يكرهه مما لم يكن رآه قبل فيغيره و أراد به العمل الذي عمله الكفار في الدنيا مما رجوا به النفع و الأجر و طلبوا به الثواب و البر نحو إنصافهم لمن يعاملهم و نصرهم للمظلوم و أعتاقهم و صدقاتهم و ما كانوا يتقربون به إلى الأصنام « فجعلناه هباء منثورا » و هو الغبار يدخل الكوة من شعاع الشمس عن الحسن و مجاهد و عكرمة و قيل هو رهج الدواب عن ابن زيد و قيل هو ما تسفيه الرياح و تذريه من التراب عن قتادة و سعيد بن جبير و قيل هو الماء المهراق عن ابن عباس و المنثور المتفرق و هذا مثل و المعنى تذهب أعمالهم باطلا فلم ينتفعوا بها من حيث عملوها لغير الله ثم ذكر سبحانه فضل أهل الجنة على أهل النار فقال « أصحاب الجنة يومئذ » يعني يوم القيامة « خير مستقرا » أي أفضل منزلا في الجنة « و أحسن مقيلا » أي موضع قائلة قال الأزهري القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر و إن لم يكن مع ذلك نوم و الدليل على ذلك أن الجنة لا نوم فيها و قال ابن عباس و ابن مسعود لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار قال البلخي معنى خير و أحسن هنا أنه خير في نفسه و حسن في نفسه لا بمعنى أنه أفعل من غيره كما في قوله و هو أهون عليه أي هو هين عليه و كما يقال الله أكبر لا بمعنى أنه أكبر من شيء غيره « و يوم تشقق السماء بالغمام » عطف على قوله « يوم يرون » المعنى تتشقق السماء و عليها غمام كما يقال ركب الأمير بسلاحه و خرج بثيابه أي و عليه سلاحه و ثيابه عن أبي علي الفارسي و قيل تتشقق السماء
مجمع البيان ج : 7 ص : 263
عن الغمام الأبيض عن الفراء و إنما تتشقق السماء لنزول الملائكة و هو قوله « و نزل الملائكة تنزيلا » و قال ابن عباس تتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها و هم أكثر ممن في الأرض من الجن و الإنس ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها و هم أكثر ممن في السماء الدنيا من الإنس و الجن ثم كذلك حتى تتشقق السماء السابعة و أهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها « الملك يومئذ الحق للرحمن » أي الملك الذي هو الملك حقا ملك الرحمن يوم القيامة و يزول ملك سائر الملوك فيه و قيل إن الملك ثلاثة أضرب ملك عظمة و هو لله تعالى وحده و ملك ديانة و هو بتمليك الله تعالى و ملك جبرية و هو بالغلبة « و كان يوما على الكافرين عسيرا » أعسر عليهم ذلك اليوم لشدته و مشقته و يهون على المؤمنين كأدنى صلاة صلوها في دار الدنيا و في هذا بشارة للمؤمنين حيث خص بشدة ذلك اليوم الكافرين « و يوم يعض الظالم على يديه » ندما و أسفا و قيل هو عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس على ما مضى ذكره عن ابن عباس و قيل هو عام في كل ظالم نادم يوم القيامة و كل خليل يخال غيره في غير ذات الله قال عطاء يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين ثم تنبتان و لا يزال هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل « يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا » أي ليتني اتبعت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و اتخذت معه سبيلا إلى الهدى « يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا » يعني أبيا « خليلا » و قيل أراد به الشيطان عن مجاهد و إن قلنا إن المراد بالظالم هنا جنس الظلمة فالمراد به كل خليل يضل عن الدين و لو قال لما اتخذ فرعون و هامان و إبليس و جميع المضلين لطال فقال فلانا حتى يتناول كل خليل مضل عن الدين « لقد أضلني » أي صرفني و ردني « عن الذكر » أي عن القرآن و الإيمان به « بعد إذ جاءني » مع الرسول و تم الكلام هنا ثم قال الله « و كان الشيطان للإنسان خذولا » لأنه يتبرأ منه في الآخرة و يسلمه إلى الهلاك و لا يغني عنه شيئا « و قال الرسول » يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) يشكو قومه « يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا » يعني هجروا القرآن و هجروني و كذبوني عن ابن عباس و المعنى جعلوه متروكا لا يسمعونه و لا يتفهمونه و قيل إن قوله « و قال الرسول » معناه و يقول كما في قول الشاعر :
مثل العصافير أحلاما و مقدرة
لو يوزنون بزف الريش ما وزنوا أي ما يزنون .

مجمع البيان ج : 7 ص : 264
وَ كَذَلِك جَعَلْنَا لِكلِّ نَبى عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَ كَفَى بِرَبِّك هَادِياً وَ نَصِيراً(31) وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَحِدَةً كذَلِك لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادَك وَ رَتَّلْنَهُ تَرْتِيلاً(32) وَ لا يَأْتُونَك بِمَثَل إِلا جِئْنَك بِالْحَقِّ وَ أَحْسنَ تَفْسِيراً(33) الَّذِينَ يحْشرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُولَئك شرُّ مَّكاناً وَ أَضلُّ سبِيلاً(34) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكتَب وَ جَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيراً(35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَدَمَّرْنَهُمْ تَدْمِيراً(36) وَ قَوْمَ نُوح لَّمَّا كذَّبُوا الرُّسلَ أَغْرَقْنَهُمْ وَ جَعَلْنَهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً وَ أَعْتَدْنَا لِلظلِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً(37) وَ عَاداً وَ ثَمُودَا وَ أَصحَب الرَّس وَ قُرُونَا بَينَ ذَلِك كَثِيراً(38) وَ كلاًّ ضرَبْنَا لَهُ الأَمْثَلَ وَ كلاًّ تَبرْنَا تَتْبِيراً(39) وَ لَقَدْ أَتَوْا عَلى الْقَرْيَةِ الَّتى أُمْطِرَت مَطرَ السوْءِ أَ فَلَمْ يَكونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كانُوا ا يَرْجُونَ نُشوراً(40)

القراءة

في الشواذ قراءة مسلم بن محارب فدمرناهم تدميرا على التأكيد بالنون الثقيلة و روي ذلك عن علي (عليه السلام) و عنه فدمرناهم و هذا كأنه أمر لموسى و هارون أن يدمراهم .

اللغة

العدو المتباعد عن النصرة للبغضة من عدا يعدو إذا باعد خطوة وعدا عليه باعد خطوة للإيقاع به و تعدى في فعله إذا أبعد في الخروج عن الحق و منه عدوتا الوادي
مجمع البيان ج : 7 ص : 265
لأنهما بعداه و نهايتاه و الترتيل التبيين في تثبيت و ترسل و ثغر رتل و رتل بفتح التاء و سكونها إذا كان مفلجا لا لصص فيه التدمير الإهلاك لأمر عجيب و منه التنكيل يقال دمر على فلان إذا هجم عليه بالمكروه و الرس و البئر التي لم تطو بحجارة و لا غيرها و التتبير الإهلاك و الاسم من التبار و منه قيل التبر لقطع الذهب .

الإعراب

قال الزجاج « هاديا و نصيرا » منصوب على وجهين ( أحدهما ) الحال أي كفى ربك في حال الهداية و النصر ( و الآخر ) أن يكون منصوبا على التمييز أي كفى ربك من الهداة و النصار .
« جملة » نصب على الحال معناه مجموعا و « أحسن » مجرور بالعطف على الحق .
« على وجوههم » في موضع نصب على الحال و تقديره يحشرون مكبوبين « و قوم نوح » منصوب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر تقديره أغرقنا قوم نوح و العامل في لما أغرقناهم « و عادا و ثمود » و ما بعد ذلك عطف على الهاء و الميم في قوله « و جعلناهم » و يجوز أن يكون عطفا على معنى « و أعتدنا للظالمين عذابا » و يكون تقديره وعدنا للظالمين بالعذاب و وعدنا عادا و كلا منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره .
المعنى و أنذرنا كلا ضربنا له الأمثال و تبرنا كلا .
« مطر السوء » منصوب لأنه مصدر أمطرت تقديره أمطار السوء .

المعنى

ثم عزى الله سبحانه نبيه بقوله « و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين » أي و كما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه عن ابن عباس و المعنى في جعله إياهم عدوا لأنبيائه أنه تعالى أمر الأنبياء (عليهم السلام) أن يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى و ترك ما ألفوه من دينهم و دين آبائهم و إلى ترك عبادة الأصنام و ذمها و كانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة فإذا أمرهم بها فقد جعلهم عدوا لهم « و كفى بربك هاديا و نصيرا » أي حسبك بالله هاديا إلى الحق و ناصرا لأوليائه في الدنيا و الآخرة على أعدائهم و قيل هاديا للأنبياء إلى التحرز عن عداوة المجرمين بالاعتصام بحبله « و قال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة » معناه و قال الكفار لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة و الإنجيل و الزبور جملة واحدة قال الله تعالى « كذلك » أي نزلناه كذلك متفرقا « لنثبت به فؤادك » أي لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة و ذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة و كل أمر كان ذلك أقوى لقلبه و أزيد في بصيرته و قيل إنما أنزلت الكتب جملة واحدة لأنها نزلت على الأنبياء يكتبون و يقرءون فنزلت عليهم مكتوبة و القرآن إنما نزل على نبي أمي
مجمع البيان ج : 7 ص : 266
لا يكتب و لا يقرأ و لذلك نزل متفرقا و أيضا فإن في القرآن الناسخ و المنسوخ و فيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور و فيه ما هو إنكار لما كان و فيه ما هو حكاية شيء جرى فاقتضت الحكمة إنزاله متفرقا « و رتلناه ترتيلا » أي بيناه تبيينا و رسلناه ترسيلا بعضه في إثر بعض عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل فصلناه تفصيلا عن السدي و قيل فرقناه تفريقا عن النخعي و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا قال و ما الترتيل قال بينه تبيينا و لا تنثره نثر الدقل و لا تهذه هذ الشعر قفوا عند عجائبه و حركوا به القلوب و لا يكونن هم أحدكم آخر السورة « و لا يأتونك بمثل » أي و لا يأتيك المشركون بمثل يضربونه لك في إبطال أمرك و مخاصمتك « إلا جئناك بالحق » الذي يبطله و يدحضه « و أحسن تفسيرا » أي و بأحسن تفسيرا مما أتوا به من المثل أي بيانا و كشفا « الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم » أي يسحبون على وجوههم إلى النار و هم كفار مكة و ذلك أنهم قالوا لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه هم شر خلق الله فقال الله سبحانه « أولئك شر مكانا » أي منزلا و مصيرا « و أضل سبيلا » أي دينا و طريقا من المؤمنين و روى أنس أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري في الصحيح ثم ذكر سبحانه حديث الأنبياء و أممهم تسلية للنبي فقال « و لقد آتينا موسى الكتاب » يعني التوراة « و جعلنا معه أخاه هارون وزيرا » أي معينا يعينه على تبليغ الرسالة و يحتمل عنه بعض أثقاله « فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا ب آياتنا » يعني فرعون و قومه و في الكلام حذف أي فذهبا إليهم فلم يقبلوا منهما و جحدوا نبوتهما « فدمرناهم تدميرا » أي أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة « و قوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم » أي و أغرقنا قوم نوح بالطوفان و هو مجيء السماء بماء منهمر و تفجير الأرض عيونا حتى التقى الماء على أمر قد قدر قال الزجاج من كذب نبيا فقد كذب بجميع الأنبياء « و جعلناهم للناس آية » أي عبرة و عظة « و أعتدنا » أي و هيأنا « للظالمين عذابا أليما » سوى ما حل بهم في الدنيا « و عادا و ثمود » أي و أهلكنا عادا و ثمود « و أصحاب الرس » و هو بئر رسوا فيها نبيهم أي القوة فيها عن عكرمة و قيل إنهم كانوا أصحاب مواش و لهم بئر يقعدون عليها و كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه فانهار البئر و انخسفت بهم الأرض فهلكوا عن وهب و قيل الرس قرية باليمامة يقال لها فلج قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عن قتادة و قيل كان لهم نبي يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا عن سعيد بن جبير و الكلبي و قيل هم أصحاب رس و الرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار فنسبوا إليها عن كعب و مقاتل و قيل
مجمع البيان ج : 7 ص : 267
أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات عن أبي عبد الله (عليه السلام) قرونا بين ذلك كثيرا أي و أهلكنا أيضا قرونا كثيرا بين عاد و أصحاب الرس على تكذيبهم و قيل بين نوح و أصحاب الرس و القرن سبعون سنة و قيل أربعون سنة عن إبراهيم « و كلا ضربنا له الأمثال » أي و كلا بينا لهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا عن مقاتل و قيل معناه بينا لهم الأحكام في الدين و الدنيا « و كلا تبرنا تتبيرا » أي و كلا أهلكنا إهلاكا على تكذيبهم و جحودهم قال الزجاج كل شيء كسرته و فتته فقد تبرته « و لقد أتوا » يعني كفار مكة « على القرية التي أمطرت مطر السوء » يعني قرية قوم لوط أمطروا بالحجارة « أ فلم يكونوا يرونها » في أسفارهم إذا مروا بها فيخافوا و يعتبروا « بل كانوا لا يرجون نشورا » يعني بل رأوها و إنما لم يعتبروا بها لأنهم كانوا لا يخافون البعث و قيل لا يأملون ثوابا و لا يؤمنون بالنشأة الثانية فركبوا المعاصي .
وَ إِذَا رَأَوْك إِن يَتَّخِذُونَك إِلا هُزُواً أَ هَذَا الَّذِى بَعَث اللَّهُ رَسولاً(41) إِن كادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْ لا أَن صبرْنَا عَلَيْهَا وَ سوْف يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَاب مَنْ أَضلُّ سبِيلاً(42) أَ رَءَيْت مَنِ اتخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَ فَأَنت تَكُونُ عَلَيْهِ وَكيلاً(43) أَمْ تحْسب أَنَّ أَكثرَهُمْ يَسمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كالأَنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضلُّ سبِيلاً(44) أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّك كَيْف مَدَّ الظلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشمْس عَلَيْهِ دَلِيلاً(45) ثُمَّ قَبَضنَهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً(46) وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاساً وَ النَّوْمَ سبَاتاً وَ جَعَلَ النهَارَ نُشوراً(47) وَ هُوَ الَّذِى أَرْسلَ الرِّيَحَ بُشرَا بَينَ يَدَى رَحْمَتِهِ وَ أَنزَلْنَا مِنَ السمَاءِ مَاءً طهُوراً(48) لِّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَ نُسقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَماً وَ أَنَاسىَّ كثِيراً(49) وَ لَقَدْ صرَّفْنَهُ بَيْنهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكثرُ النَّاسِ إِلا كفُوراً(50)

مجمع البيان ج : 7 ص : 268

القراءة

قرأ البرجمي نسقيه بفتح النون و الباقون « نسقيه » بضم النون و في الشواذ قراءة الأعرج من اتخذ الألاهة هواه و قراءة ابن السميفع الرياح بشرى .

الحجة

قد مضى الفرق بين نسقي و نسقي فيما تقدم الألاهة الشمس و قيل ألهة بالضم غير مصروفة و أنشد
تروحنا من اللعباء عصرا
فأعجلنا الألاهة أن تصبا و يروى و أعجلنا الإلاهة و من قرأ و ألهتك فمعناه و عبادتك و قد يجوز أن يكون أراد هذه المعرفة فأضافها إليه لعبادته لها فيكون كقولك و يذرك و شمسك أي و الشمس التي تعبدها و من قرأ بشرى فهو مصدر وضع موضع الحال أي مبشرة كقولهم هلم جرا أي جارا أو منجرا و يأتينك سعيا و قد ذكرنا الاختلاف بين القراء فيه و ما لهم من الاحتجاج في كل وجه منه في سورة الأعراف و ذكرنا اختلافهم في « ليذكروا » في سورة بني إسرائيل .

اللغة

القبض جمع الأجزاء المنبسطة و اليسير السهل القريب و اليسير أيضا نقيض العسير و أيسر الرجل ملك من المال ما تتيسر به الأمور عليه و قيل اليد اليسرى لأنه يتيسر بها العمل مع اليمني و تياسر أخذ في جهة اليد اليسرى و السبات قطع العمل و منه سبت رأسه يسبته سبتا إذا حلقه و منه يوم السبت و هو يوم قطع العمل و النشر خلاف الطي و أناسي جمع إنسان جعلت الياء عوضا عن النون و قد قالوا أيضا أناسين و قد يجوز أيضا أن يكون جمع إنسي فيكون مثل كرسي و كراسي .

الإعراب

« أ هذا الذي بعث الله رسولا » العائد من الصلة إلى الموصول محذوف لطول الكلام أي بعثه الله « رسولا » منصوب على الحال من الهاء المحذوفة و « إن كاد ليضلنا » إن مخففة و اسمه محذوف تقديره أنه كاد و هو ضمير الأمر و الشأن و اللام في « ليضلنا » لام التأكيد التي تقع في خبر إن « كيف مد الظل » كيف في محل النصب على الحال من الضمير المستكن في مد و التقدير أ مبدعا مد الظل أم لا و يجوز أن يكون في موضع المصدر و التقدير أي مد مد الظل و قال الزجاج الأجود أن يكون « أ لم تر » من رؤية القلب و يجوز أن يكون من رؤية العين
مجمع البيان ج : 7 ص : 269
و « بشرا » نصب على الحال في الوجوه كلها من الرياح و العامل فيه « أرسل » .
« مما خلقنا » الجار و المجرور في موضع نصب على الحال .

المعنى

ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيما تقدم فقال « و إذا رأوك » أي و إذا شاهدوك يا محمد « إن يتخذونك إلا هزوا » أي ما يتخذونك إلا مهزوا به و المعنى أنهم يستهزءؤن بك و يستصغرونك و يقولون على وجه السخرية « أ هذا الذي بعث الله رسولا » أي بعثه الله إلينا رسولا « إن كاد ليضلنا عن آلهتنا » قال ابن عباس معناه لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا و تأويله قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا على وجه يؤدي إلى هلاكنا فإن الإضلال الأخذ بالشيء إلى طريق الهلاك « لو لا أن صبرنا عليها » أي على عبادتها لأزلنا عن ذلك و حذف الجواب لدلالة الكلام عليه فقال سبحانه متوعدا لهم « و سوف يعلمون حين يرون العذاب » الذي ينزل بهم في الآخرة عيانا « من أضل سبيلا » أي من أخطأ طريقا عن الهدى أ هم أم المؤمنون ثم عجب سبحانه نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من نهاية جهلهم فقال « أ رأيت من اتخذ إلهه هواه » أي من جعل إلهه ما يهواه و هو غاية الجهل و كان الرجل من المشركين يعبد الحجر و الصنم فإذا رأى أحسن منه رمى به و أخذ يعبد الآخر عن سعيد بن جبير و قيل معناه أ رأيت من ترك عبادة خالقه و إلهه ثم هوى حجرا فعبده ما حاله عندك عن عطاء عن ابن عباس و قيل من أطاع هواه و اتبعه فهو كالإله له و ترك الحق عن القتيبي « أ فأنت تكون عليه وكيلا » أي أ فأنت كفيل حافظ يحفظه من اتباع هواه و عبادة ما يهواه من دون الله أي لست كذلك و قيل معناه أ تقدر أنت يا محمد أن تهديه إذا لم يتدبر و لم يتفكر أي لا تقدر على ذلك لأن الوكيل هو الكافي للشيء و لا يكون كذلك إلا و هو قادر عليه ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أم تحسب » يا محمد « أن أكثرهم يسمعون » ما تقوله سماع طالب للأفهام « أو يعقلون » ما تقوله لهم و تقرأ عليهم و ما يعاينونه من المعجزات و الحجج أي لا تظن ذلك « إن هم إلا كالأنعام » أي ما هم إلا كالبهائم التي تسمع النداء و لا تعقل « بل هم أضل سبيلا » من الأنعام لأنهم مكنوا من المعرفة فلم يعرفوا و الأنعام لم يمكنوا منها و لأن الأنعام ألهمت منافعها و مضارها فهي لا تفعل ما يضرها و هؤلاء عرفوا طريق الهلاك و النجاة و سعوا في هلاك أنفسهم و تجنبوا سبيل نجاتهم فهم أضل منها ثم نبه سبحانه على النظر فيما يدل على وحدانيته و كمال قدرته فقال « أ لم تر » الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به سائر المكلفين « إلى ربك كيف مد الظل » أي أ لم تر إلى فعل ربك ثم حذف المضاف عن مقاتل و قيل معناه أ لم تعلم فيكون من رؤية القلب عن الزجاج و ذكر أن هذا على القلب و تقديره أ لم تر إلى الظل كيف مده ربك يعني الظل من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ابن عباس و الضحاك
مجمع البيان ج : 7 ص : 270
و سعيد بن جبير و جعله ممدودا لأنه لا شمس معه كما قيل في ظل الجنة ممدودا إذا لم تكن معه الشمس و قال أبو عبيدة الظل ما نسخته الشمس و هو بالغداة و الفيء من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوعها فيكون الظل بالليل لأنه ظل الأرض عن الجبائي و البلخي « و لو شاء لجعله ساكنا » أي مقيما دائما لا يزول و لا تنسخه الشمس يقال فلان يسكن بلد كذا إذا أقام به فهو مثل قوله سبحانه قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة الآية في المعنى و في هذا إشارة إلى أنه قادر على تسكين الشمس حتى يبقى الظل ممدودا بخلاف ما يقوله الفلاسفة « ثم جعلنا الشمس عليه » أي على الظل « دليلا » قال ابن عباس تدل الشمس على الظل بمعنى أنه لو لا الشمس لما عرف الظل و لو لا النور لما عرفت الظلمة و كل الأشياء تعرف بأضدادها و قيل معناه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا بإذهابها إياه عند مجيئها عن ابن زيد و قيل لأن الظل يتبع الشمس في طوله و قصره كما يتبع السائر الدليل فإذا ارتفعت الشمس قصر الظل و إذا انحطت الشمس طال الظل و قيل إن على هنا بمعنى مع فالمعنى ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلا على وحدانيتنا « ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا » أي قبضنا الظل بارتفاع الشمس لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل فجعل سبحانه ذلك قبضا و أخبر أن ذلك يسير بمعنى أنه سهل عليه لا يعجزه قال الكلبي إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا و المعنى ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه حتى ننسخها شيئا فشيئا و قيل معناه ثم قبضنا الظل بغروب الشمس إلينا أي إلى الموضع الذي حكمنا بكون الظل فيه .
قبضا يسيرا أي خفيا و إنما قيل ذلك لأن الظل لا يذهب بغروب الشمس دفعة بل يذهب جزءا فجزأ بحدوث الظلام فكلما حدث جزء من الظلام نقص جزء من الظل « و هو الذي جعل لكم الليل لباسا » أي غطاء ساترا للأشياء بالظلام كاللباس الذي يشتمل على لابسه فالله سبحانه ألبسنا الليل و غشانا به لنسكن و نستريح من كد الأعمال كما قال في موضع آخر لتسكنوا فيه « و النوم سباتا » أي راحة لأبدانكم و قطعا لأعمالكم قال الزجاج السبات أن ينقطع عن الحركة و الروح في بدنه « و جعل النهار نشورا » لانتشار الروح باليقظة فيه مأخوذ من نشور البعث و قيل لأن الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم و معايشهم فيكون النشور هنا بمعنى التفرق لابتغاء الرزق عن ابن عباس « و هو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته » مضى الكلام فيه في سورة الأعراف « و أنزلنا من السماء ماء طهورا » أي طاهرا في نفسه و مطهرا لغيره مزيلا للأحداث و النجاسات « لنحيي به بلدة ميتا » قد مات بالجدب و أراد بالبلدة البلد أو المكان فلذلك قال ميتا بالتذكير و المعنى لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت قال ابن عباس لنخرج به النبات و الثمار « و نسقيه مما خلقنا أنعاما » أي و لنسقي من ذلك
مجمع البيان ج : 7 ص : 271
الماء أنعاما جمة أو نجعله سقيا لأنعام « و أناسي كثيرا » أي أناسا كثيرة « و لقد صرفناه » أي صرفنا المطر بينهم يدور في جهات الأرض و قيل قسمناه بينهم يعني المطر فلا يدوم على مكان فيهلك و لا ينقطع عن مكان فيهلك و يزيد لقوم و ينقص لآخرين على حسب المصلحة « ليذكروا » أي ليتفكروا و يستدلوا به على سعة مقدورنا و لأنه لا يستحق العبادة غيرنا « فأبى أكثر الناس إلا كفورا » أي جحودا لما عددناه من النعم و إنكارا فيقولون مطرنا بنوء كذا و كذا عن عكرمة و قيل فأبوا إلا كفورا بالبعث و النشور .
وَ لَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فى كلِّ قَرْيَة نَّذِيراً(51) فَلا تُطِع الْكفِرِينَ وَ جَهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كبِيراً(52) * وَ هُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَ هَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنهُمَا بَرْزَخاً وَ حِجْراً محْجُوراً(53) وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشراً فَجَعَلَهُ نَسباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّك قَدِيراً(54) وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَ لا يَضرُّهُمْ وَ كانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظهِيراً(55) وَ مَا أَرْسلْنَك إِلا مُبَشراً وَ نَذِيراً(56) قُلْ مَا أَسئَلُكمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلا مَن شاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سبِيلاً(57) وَ تَوَكلْ عَلى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوت وَ سبِّحْ بحَمْدِهِ وَ كفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً(58) الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ مَا بَيْنَهُمَا فى سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ استَوَى عَلى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَسئَلْ بِهِ خَبِيراً(59) وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَ مَا الرَّحْمَنُ أَ نَسجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَ زَادَهُمْ نُفُوراً (60)

مجمع البيان ج : 7 ص : 272

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي لما يأمرنا بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ بالتاء قال إنهم تلقوا أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إياهم بالرد و زادهم أمره إياهم بالسجود نفورا عما أمروا به و من قرأ بالياء فالمعنى أ نسجد لما يأمرنا محمد بالسجود على وجه الإنكار منهم لذلك و لا يكون أ نسجد لما يأمرنا الرحمن بالسجود له لأنهم أنكروا الرحمن تعالى بقولهم و ما الرحمن و أقول إذا جعلت ما بمعنى الذي على ما ذكره فالتقدير أ نسجد لما يأمرنا بالسجود له و ترتيب الحذف فيه على الوجه الذي تقدم بيانه في قوله سبحانه فاصدع بما تؤمر فلا وجه لإعادته و إن جعلت ما مصدرية فإنك لا تحتاج إلى حذف شيء و يكون تقديره أ نسجد لأمرك أو لأمره .

اللغة

أصل المرج الخلط و منه أمر مريج أي مختلط و في الحديث مرجت عهودهم أي اختلطت و مرجت الدابة و أمرجتها إذا خليتها ترعى و عذب الماء عذوبة فهو عذب و الفرات أعذب المياه يقال فرت الماء يفرت فروتة فهو فرات إذا عذب و الملح الأجاج الشديد الملوحة و النسب ما يرجع إلى ولادة قريبة و الصهر خلطة تشبه النسب القرابة و المصاهرة في النكاح المقاربة و في الحديث كان يؤسس مسجد قبا فيصهر الحجر العظيم إلى بطنه أي يدنيه يقال صهره و أصهره .

الإعراب

« هذا عذب فرات » مبتدأ و خبر في موضع نصب على الحال و كذلك قوله « و هذا ملح أجاج » بالعطف عليه و ذو الحال أحد البحرين « مبشرا و نذيرا » نصب على الحال « من شاء » نصب على الاستثناء و المستثنى منه الكاف و الميم في أسألكم و « أن يتخذ » في موضع نصب بأنه مفعول شاء « الذي خلق السماوات و الأرض » في موضع جر تقديره و توكل على الحي الذي لا يموت خالق السماوات و الأرض و يحتمل أن يكون في موضع نصب أو رفع على المدح و الثناء على تقدير أعني الذي خلق أو هو الذي خلق و « الرحمن » بالرفع القراءة و ورد عن بعضهم في الشواذ بالجر ففي الرفع وجوه ( أحدها ) الابتداء و خبره « فاسأل به » عن الزجاج و فيه نظر لأن الفاء إنما يجوز في خبر ما فيه الألف و اللام إذا جاز فيه معنى الشرط و لا يصح ذلك هنا ( و الثاني ) أن يكون خبر مبتدإ محذوف أي هو الرحمن ( و الثالث ) أن يكون بدلا من الضمير المستكن في استوى ( و الرابع ) أن يكون فاعل استوى و أما الجر فعلى أن يكون صفة و تقديره و توكل على الحي الخالق الرحمن و نفورا مفعول ثان لزاد .

مجمع البيان ج : 7 ص : 273

المعنى

« و لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا » ينذرهم و لكن بعثناك يا محمد إلى القرى كلها رسولا لعظيم منزلتك لدينا و النذير هو الداعي إلى ما يؤمن معه الخوف من العقاب و قيل إنه إخبار عن قدرته سبحانه و المعنى لو شئنا لقسمنا بينهم النذر كما قسمنا الأمطار بينهم و لكنا نفعل ما هو الأصلح لهم و الأعود عليهم في دينهم و دنياهم فبعثناك إليهم كافة « فلا تطع الكافرين » فيما يدعونك إليه من المداهنة و الإجابة إلى ما يريدون « و جاهدهم » في الله « به » أي بالقرآن عن ابن عباس « جهادا كبيرا » أي تاما شديدا و في هذا دلالة على أن من أجل الجهاد و أعظمه منزلة عند الله سبحانه جهاد المتكلمين في حل شبه المبطلين و أعداء الدين و يمكن أن يتأول عليه قوله رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر « و هو الذي مرج البحرين » أي أرسلهما في مجاريهما و خلاهما كما يرسل الخيل في المرج و هما يلتقيان فلا يختلط الملح بالعذب و لا العذب بالملح و هو قوله « هذا » يعني أحد البحرين « عذب فرات » أي طيب شديد الطيب « و هذا ملح أجاج » شديد الملوحة و قيل الفرات البارد و الأجاج الحار و قيل الأجاج المر عن قتادة « و جعل بينهما برزخا » أي حجابا و حاجزا من قدرة الله تعالى يمنعها من الاختلاط « و حجرا محجورا » أي حراما محرما أن يفسد الملح العذب « و هو الذي خلق من الماء بشرا » أي خلق من النطفة إنسانا و قيل أراد به آدم (عليه السلام) فإنه خلق من التراب الذي خلق من الماء و قيل أراد به أولاد آدم فإنهم المخلوقون من الماء « فجعله نسبا و صهرا » أي فجعله ذا نسب و صهر و الصهر حرمة الختونة و قيل النسب الذي لا يحل نكاحه و الصهر النسب الذي يحل نكاحه كبنات العم و الخال عن الفراء و قيل النسب سبعة أصناف و الصهر خمسة ذكرهم الله في قوله « حرمت عليكم أمهاتكم » عن قتادة و الضحاك و قد تقدم بيانه في سورة النساء و قيل النسب البنون و الصهر البنات اللاتي يستفيد الإنسان بهن الأصهار فكأنه قال فجعل منه البنين و البنات و قال ابن سيرين نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و علي بن أبي طالب زوج فاطمة (عليهاالسلام) عليا (عليه السلام) فهو ابن عمه و زوج ابنته فكان نسبا و صهرا « و كان ربك قديرا » أي قادرا على ما أراد ثم أخبر سبحانه عن الكفار فقال « و يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم و لا يضرهم » من الأصنام و الأوثان « و كان الكافر على ربه ظهيرا » الظهير العون و المعين أي معينا للشيطان على ربه بالمعاصي عن الحسن و مجاهد و قال الزجاج لأنه يتابع الشيطان و يعاونه على معصية الله فإن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان و قيل ظهيرا أي هينا كالمطرح من قولهم ظهر فلان بحاجته إذا جعلها خلف ظهره فلم يلتفت إليها و استهان بها و الظهير بمعنى المظهور و هو المتروك المستخف به و منه قوله « و اتخذتموه ورائكم ظهريا » و الأول أوجه و قالوا عنى بالكافر أبا جهل « و ما
مجمع البيان ج : 7 ص : 274
أرسلناك » يا محمد « إلا مبشرا » بالجنة « و نذيرا » من النار و قد سبق معناه « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « ما أسألكم عليه » أي على القرآن و تبليغ الوحي « من أجر » تعطونيه « إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا » بإنفاقه ماله في طاعة الله و اتباع مرضاته و المعنى إني لا أسألكم لنفسي أجرا و لكني لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله سبحانه بل أرغب فيه و أحث عليه و في هذا تأكيد لصدقه لأنه لو طلب على تبليغ الرسالة أجرا لقالوا إنما يطلب أموالنا « و توكل على الحي الذي لا يموت » أي فوض أمورك إليه فإنه ينتقم لك و لو بعد حين فإنه الحي الذي لا يموت فلن يفوته الانتقام « و سبح بحمده » أي احمده منزها له عما لا يجوز عليه في صفاته بأن تقول الحمد لله رب العالمين الحمد لله على نعمه و إحسانه الذي لا يقدر عليه غيره الحمد لله حمدا يكافىء نعمه في عظيم المنزلة و علة المرتبة و ما أشبه ذلك و قيل معناه و أعبده و صل له شكرا منك له على نعمه « و كفى به بذنوب عباده خبيرا » أي عليما فيحاسبهم و يجازيهم بها فحقيق بهم أن يخافوه و يراقبوه « الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما » أي ما بين هذين الصنفين « في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن » قد سبق تفسيره في سورة الأعراف « فسئل به خبيرا » اختلف في تأويله فقيل إن المعنى فاسأل عنه خبيرا و الباء بمعنى عن و الخبير هاهنا هو الله تعالى عن ابن جريج و أنشد في قيام الباء مقام عن قول علقمة بن عبدة
فإن تسألوني بالنساء فإنني
خبير بإغواء النساء طبيب
يردن ثراء المال حيث وجدنه
و شرخ الشباب عندهن عجيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
فليس له في و دهن نصيب و قول الأخطل
دع المعمر لا تسأل بمصرعه
و أسأل بمصقلة البكري ما فعلا و قيل إن الخبير هنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعنى ليسأل كل منكم عن الله تعالى محمدا فإنه الخبير العارف به قيل إن الباء على أصلها و المعنى فاسأل بسؤالك أيها الإنسان خبيرا يخبرك بالحق في صفته و دل قوله « فاسأل » على السؤال كما قالت العرب من كذب كان شرا له أي كان الكذب شرا له و دل عليه كذب و قد مر ذكر أمثاله و قيل إن الباء فيه مثل الباء في قولك لقيت بفلان ليثا إذا وصفت شجاعته و لقيت به غيثا إذا وصفت سماحته و المعنى أنك إذا رأيته رأيت
مجمع البيان ج : 7 ص : 275
الشيء المشبه به و المعنى فاسأله عنه فإنه لخبير به و روي أن اليهود حكوا عن ابتداء خلق الأشياء بخلاف ما أخبر الله تعالى عنه فقال سبحانه « فاسأل به خبيرا » قال نفطويه أي سلني عنه فإنك تسأل بسؤالك خبيرا « و إذا قيل لهم » أي لهؤلاء المشركين « اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن » أي و أي شيء الرحمن و المعنى أنا لا نعرف الرحمن قال الزجاج الرحمن اسم من أسماء الله عز اسمه مذكور في الكتب الأولى و لم يكونوا يعرفونه من أسماء الله فقيل لهم إنه من أسماء الله و معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول رجل ريان و عطشان في النهاية من الري و العطش و فرحان و جذلان إذا كان في النهاية من الفرح و الجذل « أ نسجد لما تأمرنا » مر تفسيره « و زادهم نفورا » أي زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان عن مقاتل و المعنى أنهم ازدادوا عند ذلك نفورا عن الحق و قبول قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

النظم

وجه اتصال الآية بما قبلها أن فيها إخبار أنه سبحانه أفرده بالإرسال مراعاة لحسن التدبير في تمييزه بالإكرام و الإجلال لعلمه بما فيه من الخلال الموجبة في الحكمة إرساله إلى الخلق على غاية الكمال فعلى هذا يتعلق بقوله و لقد صرفناه بينهم ليذكروا ثم ذكر من التصريف للآيات بقوله و هو الذي مرج البحرين ما يدل على وحدانيته و كمال قدرته ثم عجب سبحانه من إعراضهم عن الآيات مع وضوحها و ظهورها و مقابلتهم لنعمه بالكفران بقوله « و يعبدون من دون الله » الآية ثم بين أنه أراد بتصريف الآيات الخير و الإحسان بقوله « و ما أرسلناك » الآية ثم بين أنه لا يسألهم عليه أجرا لئلا ينفروا عنه ثم بين سبحانه أنه كما لا يسألهم أجرا أنه يتوكل عليه في أمره و يفوض إليه علم المصالح فيما كلفه ثم هدد سبحانه عباده بقوله « و كفى به بذنوب عباده خبيرا » فإنه إذا لم يذهب عليه ذنوبهم لا يذهب عليه جزاؤهم .

مجمع البيان ج : 7 ص : 276
تَبَارَك الَّذِى جَعَلَ فى السمَاءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيهَا سِرَجاً وَ قَمَراً مُّنِيراً(61) وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكرَ أَوْ أَرَادَ شكوراً(62) وَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشونَ عَلى الأَرْضِ هَوْناً وَ إِذَا خَاطبَهُمُ الْجَهِلُونَ قَالُوا سلَماً(63) وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سجَّداً وَ قِيَماً(64) وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرِف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كانَ غَرَاماً(65) إِنَّهَا ساءَت مُستَقَرًّا وَ مُقَاماً(66) وَ الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسرِفُوا وَ لَمْ يَقْترُوا وَ كانَ بَينَ ذَلِك قَوَاماً(67) وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك يَلْقَ أَثَاماً(68) يُضعَف لَهُ الْعَذَاب يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ يخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً(69) إِلا مَن تَاب وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صلِحاً فَأُولَئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسنَت وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً 70) ِيماً(70)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم سرجا بضمتين من غير ألف و الباقون « سراجا » و قرأ حمزة و خلف أن يذكر خفيفا و الباقون يذكر بتشديدتين و قرأ أهل المدينة و ابن عامر يقتروا بضم الياء و قرأ أهل الكوفة بفتح الياء و ضم التاء و قرأ أهل البصرة و ابن كثير بفتح الياء و كسر التاء و قرأ أبو جعفر و ابن عامر و يعقوب و سهل يضعف له العذاب بالتشديد و الجزم و « يخلد » بالجزم و قرأ ابن عامر يضعف بالتشديد و الرفع و يخلد بالرفع و قرأ أبو بكر يضاعف بالألف و الرفع و يخلد بالرفع و قرأ نافع و أبو عمرو و أهل الكوفة إلا أبا بكر « يضاعف » بالألف و الجزم « و يخلد » بالجزم و قرأ ابن كثير و حفص فيهي مهانا بإشباع كسرة الهاء و ذلك مذهب ابن كثير في جميع القرآن و وافقه حفص في هذا الموضع فقط و قرأ يبدل الله بسكون الباء البرجمي عن أبي بكر مختلفا عنه و الباقون بالتشديد .

الحجة

من قرأ « سراجا » فحجته قوله « و جعل فيها سراجا » و من قرأ سرجا فحجته قوله « و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح » فشبهت الكواكب بالمصابيح كما شبهت المصابيح بالكواكب في قوله الزجاجة كأنها كوكب دري و إنما المصباح الزجاجة في المعنى و قد سبق
مجمع البيان ج : 7 ص : 277
القول في يذكر و يذكر فيما مضى و الإقتار خلاف الإيسار قال الشاعر :
لكم مسجد الله المزوران و الحصى
لكم قبصة من بين أثرى و أقترا تقديره من بين رجل أثرى و رجل أقترا فأقام الصفة مقام الموصوف و مثله في التنزيل و من أهل المدينة مردوا على النفاق قال أبو علي يجوز أن يكون على قبيل مردوا مثل قوله و من آياته يريكم البرق و أما قتر يقتر و يقتر فمثل عكف يعكف و يعكف و عرش يعرش و يعرش فمن ضم الياء أراد لم يقتروا في إنفاقهم لأن المسرف مشرف على الإقتار و من فتح الياء فالمعنى لم يضيقوا في الإنفاق و من قرأ يضاعف بالجزم جعله بدلا من الفعل الذي هو جزاء الشرط و هو قوله « يلق أثاما » و ذلك أن تضعيف العذاب هو لقي جزاء الآثام في المعنى و مثله قول الشاعر
إن يجبنوا أو يغدروا أو يبخلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا فغدوهم مرجلين في المعنى ترك الاحتفال و قد أبدل من الشرط كما أبدل من الجزاء و ذلك في قول الشاعر
متى تأتنا ثلمم بنا في ديارنا
تجد حطبا جزلا و نارا تأججا فأبدل تلمم من تأتنا لأن الإلمام إتيان في المعنى قال أبو علي و مثل حذف الجزاء الذي هو مضاف في المعنى في قوله « يلق أثاما » أي جزاء أثام قوله ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا و هو واقع بهم المعنى من جزاء ما كسبوا و قال أبو عبيدة « يلق أثاما » أي عقوبة و أنشد لمسافع الليثي
جزى الله ابن عروة حيث أمسى
عقوقا و العقوق له أثام قال و ابن عروة رجل من ليث كان دل عليهم ملكا من غسان فأغار عليهم قال أبو علي و يمكن أن يكون هذا من قول بشر :
مجمع البيان ج : 7 ص : 278

فكان مقامنا ندعو عليهم
بأسفل ذي المجاز له أثام و من رفع يضاعف و يخلد قطعه عما قبله و استأنف و أما يضاعف و يضعف فهما في المعنى سواء و كذلك و يبدل و يبدل .

اللغة

قال أبو عبيدة الخلفة كل شيء بعد شيء الليل خلفة النهار و النهار خلفة الليل لأن أحدهما يخلف الآخر قال زهير
بها العين و الآرام يمشين خلفة
و أطلاؤها ينهضن من كل مجثم و الهون مصدر إلهين في السكينة و الوقار و الغرام أشد العذاب و هو اللازم الملح و منه الغريم لملازمته و إلحاحه و فلان مغرم بالنساء أي ملازم لهن لا يصبر عنهن قال بشر بن أبي حازم :
و يوم النسار و يوم الجفار
كانا عذابا و كانا غراما و قال آخر :
إن يعاقب يكن غراما و إن يعط
جزيلا فإنه لا يبالي .

الأعراب

« الذين يمشون » خبر المبتدأ الذي هو « عباد الرحمن » و يجوز أن يكون خبره أولئك يجزون الغرفة و يكون « الذين يمشون » صفة العباد و « هونا » في موضع الحال و « سلاما » نصب على المصدر بفعل محذوف و تقديره فتسلم منكم سلاما لا نجاهلكم كأنهم قالوا تسلما منكم .
و « مستقرا و مقاما » منصوبان على التمييز و المخصوص بالذم محذوف و تقديره ساءت مستقرا جهنم « و كان بين ذلك قواما » أي كان الإنفاق ذا قوام بين الإسراف و الإقتار فقوله « بين ذلك » تبيين لقوام و إن شئت علقته بنفس كان و إن شئت علقته بخبر كان أي ثابتا بين ذلك فيكون خبرا بعد خبر .

المعنى

ثم مدح سبحانه نفسه بأن قال « تبارك » و قد مر معناه في أول السورة
مجمع البيان ج : 7 ص : 279
« الذي جعل في السماء بروجا » يريد منازل النجوم السبعة السيارة التي هي زحل و المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر و هي اثنا عشر برجا الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الأسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت و قيل هي النجوم الكبار عن الحسن و مجاهد و قتادة و سميت بروجا لظهورها « و جعل فيها سراجا » يعني الشمس و من قرأ سرجا أراد الشمس و الكواكب معها « و قمرا منيرا » أي مضيئا بالليل إذا لم تكن شمس « و هو الذي جعل الليل و النهار خلفة » أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار و من فاته عمل النهار استدركه بالليل و هو قوله « لمن أراد أن يذكر » عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و الحسن و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال تقضي صلاة النهار بالليل و صلاة الليل بالنهار و قيل معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل أحدهما أسود و الآخر أبيض عن مجاهد « لمن أراد أن يذكر » أي يتفكر و يستدل بذلك على أن لهما مدبرا و مصرفا لا يشبههما و لا يشبهانه فيوجه العبادة إليه « أو أراد شكورا » يقال شكر يشكر شكرا و شكورا أي أراد شكر نعمة ربه عليه فيهما و على القول الأول فمعناه أو أراد النافلة بعد أداء الفريضة « و عباد الرحمن » يريد أفاضل عباده و هذه إضافة التخصيص و التشريف كما يقال ابني من يطيعني أي ابني الذي أنا عنه راض و يكون توبيخا لأولاده الذين لا يطيعونه « الذين يمشون على الأرض هونا » أي بالسكينة و الوقار و الطاعة غير أشرين و لا مرحين و لا متكبرين و لا مفسدين عن ابن عباس و مجاهد و قال أبو عبد الله (عليه السلام) هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف و لا يتبختر و قيل معناه حلماء علماء لا يجهلون و إن جهل عليهم عن الحسن و قيل أعفاء أتقياء عن الضحاك « و إذا خاطبهم الجاهلون » بما يكرهونه أو يثقل عليهم « قالوا » في جوابه « سلاما » أي سدادا من القول لا يقابلونهم بمثل قولهم من الفحش عن مجاهد و قيل سلاما أي قولا يسلمون فيه من الإثم أو سلموا عليهم دليله قوله و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم سلام عليكم و قال قتادة كانوا لا يجاهلون أهل الجهل و قال ابن عباس لا يجهلون مع من يجهل قال الحسن هذه صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس و ليلهم خير ليل إذا خلوا فيما بينهم و بين ربهم يراوحون بين أطوافهم و هو قوله « و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما » قال الزجاج كل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم و المعنى يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ساجدين و قائمين طالبين لثواب ربهم فيكونون سجدا في مواضع السجود و قياما في مواضع القيام « و الذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما » أي يدعون بهذا القول و غراما أي لازما ملحا دائما غير مفارق « إنها ساءت
مجمع البيان ج : 7 ص : 280
مستقرا و مقاما » أي إن جهنم بئس موضع قرار و إقامة هي « و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا » و اختلف في معنى الإسراف فقيل هو النفقة في المعاصي و الإقتار الإمساك عن حق الله تعالى عن ابن عباس و قتادة و قيل السرف مجاوزة الحد في النفقة و الإقتار التقصير عما لا بد منه عن إبراهيم النخعي و روي عن معاذ أنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فقال من أعطى في غير حق فقد أسرف و من منع عن حق فقد قتر و روي عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة أنه قال ليس في المأكول و المشروب سرف و إن كثر « و كان بين ذلك قواما » أي و كان إنفاقهم بين الإسراف و الإقتار لا إسرافا يدخلون به في حد التبذير و لا تضييقا يصيرون به في حد المانع لما يجب و هذا هو المحمود و القوام من العيش ما أقامك و أغناك و قيل القوام بالفتح و هو العدل و الاستقامة و بالكسر ما يقوم به الأمر و يستقر عن تغلب و قال أبو عبد الله (عليه السلام) القوام هو الوسط و قال (عليه السلام) أربعة لا يستجاب لهم دعوة رجل فاتح فاه جالس في بيته فيقول يا رب ارزقني فيقول له أ لم آمرك بالطلب و رجل كانت له امرأة يدعو عليها يقول يا رب أرحني منها فيقول أ لم أجعل أمرها بيدك و رجل كان له مال فأفسده فيقول يا رب ارزقني فيقول أ لم آمرك بالاقتصاد و رجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقول أ لم آمرك بالشهادة « و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر » أي لا يجعلون لله سبحانه شريكا بل يوجهون عبادتهم إليه وحده « و لا يقتلون النفس التي حرم الله » أي حرم الله قتلها « إلا بالحق » و النفس المحرم قتلها نفس المسلم و المعاهد و المستثناة قتلها نفس الحربي و من يجب قتلها على وجه القود و الارتداد أو للزنا بعد الإحصان و للسعي في الأرض بالفساد « و لا يزنون » و الزنا هو الفجور بالمرأة في الفرج و في هذا دلالة على أن أعظم الذنوب بعد الشرك القتل و الزنا و روى البخاري و مسلم في صحيحيهما بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الذنب أعظم قال إن تجعل لله ندا و هو خلقك قال قلت ثم أي قال إن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت ثم أي قال إن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديقها « و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر » الآية « و من يفعل ذلك » قال مقاتل هذه الخصال جميعا « يلق أثاما » أي عقوبة و جزاء لما فعل قال الفراء أثمه الله يأثمه إثما و أثاما أي جزاه جزاء الإثم و قال الشاعر :
و هل يأثمني الله في أن ذكرتها
و عللت أصحابي بها ليلة النفر
مجمع البيان ج : 7 ص : 281
و قيل إن أثاما اسم واد في جهنم عن عبد الله بن عمر و قتادة و مجاهد و عكرمة ثم فسر سبحانه لقي الآثام بقوله « يضاعف له العذاب يوم القيامة » يريد سبحانه مضاعفة أجزاء العذاب لا مضاعفة الاستحقاق لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب بأكثر من الاستحقاق لأن ذلك ظلم و هو منفي عنه و قيل معناه أنه يستحق على كل معصية منها عقوبة فيضاعف عليه العقاب و قيل المضاعفة عذاب الدنيا و عذاب الآخرة عن قتادة « و يخلد فيه مهانا » أي و يدوم في العذاب مستحقا به و إنما قال ذلك لأنه عز اسمه قد يوصل الآلام إلى بعض المكلفين لا على وجه الاستخفاف و الإهانة فبين أنه يوصل العقاب إليهم على وجه الإهانة ثم استثنى من جملتهم التائب بقوله « إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات » قال قتادة إلا من تاب من ذنبه و آمن بربه و عمل عملا صالحا فيما بينه و بين ربه قال و التبديل في الدنيا طاعة الله بعد عصيانه و ذكر الله بعد نسيانه و الخير يعمله بعد الشر و قيل يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام بالشرك إيمانا و بقتل المؤمنين قتل المشركين و بالزنا عفة و إحصانا عن ابن عباس و مجاهد و السدي و قيل إن معناه أن يمحو السيئة عن العبد و يثبت له بدلها الحسنة عن سعيد بن المسيب و مكحول و عمرو بن ميمون و احتجوا بالحديث الذي رواه مسلم في الصحيح مرفوعا إلى أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه و نحوا عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا و هو مقر لا ينكر و هو مشفق من الكبائر فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول أن لي ذنوبا ما أراها هاهنا قال و لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضحك حتى بدت نواجذه « و كان الله غفورا » أي ساترا لمعاصي عباده « رحيما » أي منعما عليهم بالرحمة الفضل .

مجمع البيان ج : 7 ص : 282
وَ مَن تَاب وَ عَمِلَ صلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوب إِلى اللَّهِ مَتَاباً(71) وَ الَّذِينَ لا يَشهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كرَاماً(72) وَ الَّذِينَ إِذَا ذُكرُوا بِئَايَتِ رَبِّهِمْ لَمْ يخِرُّوا عَلَيْهَا صمًّا وَ عُمْيَاناً(73) وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَب لَنَا مِنْ أَزْوَجِنَا وَ ذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْين وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً(74) أُولَئك يجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صبرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهَا تحِيَّةً وَ سلَماً(75) خَلِدِينَ فِيهَا حَسنَت مُستَقَرًّا وَ مُقَاماً(76) قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكمْ رَبى لَوْ لا دُعَاؤُكمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسوْف يَكونُ لِزَامَا(77)

القراءة

قرأ أبو عمرو و أهل الكوفة غير حفص و ذريتنا و الباقون « ذرياتنا » على الجمع و قرأ يلقون بفتح الياء و التخفيف أهل الكوفة غير حفص و الباقون « يلقون » بضم الياء و التشديد و في قراءة أهل البيت (عليهم السلام) و اجعل لنا من المتقين إماما و القراءة المشهورة « و اجعلنا للمتقين إماما » و في قراءة ابن عباس و ابن الزبير فقد كذب الكافرون .

الحجة

قال أبو علي الذرية تكون واحدة و تكون جمعا فمن قرأ و ذريتنا على الإفراد فإنه أراد به الجمع فاستغنى عن جمعه لما كان جمعا و من جمع فكما يجمع هذه الأسماء التي تدل على الجمع نحو قوم و أقوام و جاء في الحديث صواحبات يوسف و حجة من قرأ « و يلقون » قوله و لقاهم نضرة و سرورا و حجة من خفف فسوف يلقون غيا و من قرأ فقد كذب الكافرون ترك لفظ الحضور إلى الغيبة أ لا ترى أن قبله « قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم » .

اللغة

القرة مصدر يقال قرت عينه قرة و يكون من القرور و هو برد العين عند السرور و يكون أيضا من استقرارها عند السرور و قوله إماما مصدر من أم فلان فلانا إماما كما قيل قام قياما و صام صياما و لذلك وحده هنا من جمع إماما فقال أئمة فلأنه قد كثر في معنى الصفة و قيل إنه إنما وحد لأنه جاء على الجواب كقول القائل من أميركم فيقول المجيب هؤلاء أميرنا قال الشاعر .

يا عاذلاتي لا تردن ملامتي
إن العواذل لسن لي بأمير و قيل إنما وحد لأن المعنى و اجعل كل واحد منا إماما فأجمل فالمعنى معنى التفصيل و قال الزجاج تأويل « ما يعبؤ بكم » أي وزن يكون لكم عنده كما يقال ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن و لا قدر و أصل العبء في اللغة الثقل و قيل أصله من تهيئة الشيء يقال عبئت الطيب أعبؤ عبا إذا هيأته قال الشاعر يصف أسدا
 

Back Index Next