جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج7 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 7 ص : 400

قوله « سحران » أنه نسب المعاونة إلى السحرين على وجه الاتساع كان كل سحر منهما يقوي الآخر .

الإعراب

قال الزجاج قوله « بصائر » حال أي آتيناه الكتاب مبينا و أقول فيه أنه بدل من الكتاب فإن المعرفة يجوز أن تبدل منها النكرة و البصائر في معنى الحجج فلا يصح معنى الحال فيها إذا كان اسما محضا لا شائبة فيه للفعل و قوله « إذ قضينا » ظرف للمحذوف الذي يتعلق به الباء في قوله « بجانب الغربي » و تتلو جملة منصوبة الموضع على الحال « و لكن رحمة » رحمة منصوبة مفعول لها تقديره و لكنا أوحينا إليك رحمة أي للرحمة كما تقول فعلت ذلك ابتغاء الخير .
« لو لا أن تصيبهم مصيبة » لو لا هذه هي التي معناها امتناع الشيء لوجود غيره و أن تصيبهم مبتدأ و جواب لو لا محذوف و تقديره لم يحتج إلى إرسال الرسل و لو لا الثانية في قوله « ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا » هي التي معناه التخصيص بمعنى هلا .
« بغير هدى » الجار و المجرور في موضع نصب على الحال .

المعنى

ثم ذكر سبحانه من أخبار موسى (عليه السلام) ما فيه دلالة على معجزة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و لقد آتينا موسى الكتاب » يعني التوراة « من بعد ما أهلكنا القرون الأولى » أي الجموع التي كانت قبله من الكفار مثل قوم نوح و عاد و ثمود و يجوز أن يريد بالقرون قوم فرعون لأنه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدة « بصائر للناس » أي حججا و براهين للناس و عبرا يبصرون بها أمر دينهم و أدلة يستدلون بها في أحكام شريعتهم « و هدى » أي دلالة لمن اتبعه يهتدي بها « و رحمة » لمن آمن به « لعلهم يتذكرون » أي يتعظون و يعتبرون و جاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ما أهلك الله قوما و لا قرنا و لا أمة و لا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة أ لم تر أن الله تعالى قال « و لقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى » الآية « و ما كنت بجانب الغربي » أي و ما كنت يا محمد حاضرا بجانب الجبل الغربي أي في الجانب الغربي من الجبل الذي كلم الله فيه موسى عن قتادة و السدي و قيل بجانب الوادي الغربي عن ابن عباس و الكلبي « إذ قضينا إلى موسى الأمر » أي عهدنا إليه و أحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون و قومه و قيل معناه أخبرناه بأمرنا و نهينا و قيل أراد كلامه معه في وصف نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نبوته « و ما كنت من الشاهدين » أي الحاضرين لذلك الأمر و بذلك المكان فتخبر قومك عن مشاهدة و عيان و لكنا أخبرناك به ليكون معجزة لك « و لكنا أنشأنا قرونا
مجمع البيان ج : 7 ص : 401
فتطاول عليهم العمر » أي خلقنا قرنا بعد قرن فطال عهدهم بالمهلكين قبلهم و فترة النبوة فحملهم ذلك على الاغترار و أنكروا بعثة الله رسله لجهلهم بأمر الرسل فأرسلناك للناس رسولا و جعلناك رحمة للناس كما جعلنا موسى رحمة لا يتم الكلام إلا بهذا التقدير و قيل إن المعنى خلقنا خلقا كثيرا عهدنا إليهم في نعتك و صفتك و أمرنا الأول بالإبلاغ للناس إلى الثاني فامتد بهم الزمان فنسوا عهدنا إليهم فيك « و ما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا » معناه و ما كنت مقيما في قوم شعيب تتلو عليهم آياتنا قال مقاتل معناه و لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم « و لكنا كنا مرسلين » أي أرسلناك إلى أهل مكة و أنزلنا عليك هذه الأخبار و لو لا ذلك لما علمتها قال الزجاج المعنى إنك لم تشاهد قصص الأنبياء و لا تليت عليك و لكنا أوحيناها إليك و قصصناها عليك حتى تخبر قومك بهذا فيدل ذلك على صحة نبوتك و قيل معناه إنك لم تشهد إحساننا إلى عبادنا في إرسال الرسل و نصب الآيات و إنزال الكتب بالبينات و الهدى و هذا كما يقال لم تدر أي شيء كان هناك تفخيما للأمر و لو لا الوحي لما علمت من ذلك ما علمت و لم تهتد له « و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا » أي و لم تك حاضرا بناحية الجبل الذي كلمنا عليه موسى و ناديناه يا موسى خذ الكتاب بقوة و قيل أراد بذلك المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى (عليه السلام) حين اختار من قومه سبعين رجلا ليسمعوا كلام الله تعالى « و لكن رحمة من ربك » أي و لكن الله تعالى أعلمك ذلك و عرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك و هو أن بعثك نبيا و اختارك لإيتاء العلم بذلك معجزة لك « لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك » أي لتنذر العرب الذين لم يأتهم رسول قبلك « لعلهم يتذكرون » أي لكي يتفكروا و يعتبروا و ينزعوا عن المعاصي و في هذا دلالة على وجوب فعل اللطف فإن الإنذار و الدعوة لطف من الله تعالى مؤثر في القبول و مقرب منه « و لو لا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك و نكون من المؤمنين » معناه لو لا أن لهم أن يحتجوا لو أصابتهم عقوبة بأن يقولوا هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى ما يجب الإيمان به فنتبع الرسول و نأخذ بشريعته و نصدق به لما أرسلنا الرسل و لكنا أرسلنا رسلا لقطع حجتهم و هو في معنى قوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و قيل إن جواب لو لا هاهنا لعجلنا لهم العقوبة و قيل المراد بالمصيبة هاهنا عذاب الاستئصال و قيل عذاب الدنيا و الآخرة عن أبي مسلم « فلما جاءهم الحق من عندنا » أي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و القرآن و الإسلام « قالوا لو لا أوتي » أي هلا أعطي محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « مثل ما أوتي موسى » من فلق البحر و اليد البيضاء و العصا و قيل معناه هلا أوتي كتابا جملة واحدة و إنما قاله اليهود أو قريش بتعليم اليهود فاحتج
مجمع البيان ج : 7 ص : 402
الله عليهم بقوله « أ و لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل » أي و قد كفروا ب آيات موسى كما كفروا ب آيات محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و قالوا سحران تظاهرا » يعنون التوراة و القرآن عن عكرمة الكلبي و مقاتل و من قرأ ساحران تظاهرا فمعناه أنهم قالوا تظاهر موسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس « و قالوا إنا بكل كافرون » من التوراة و القرآن قال الكلبي و كانت مقالتهم هذه حين بعثوا الرهط منهم إلى رءوس اليهود بالمدينة في عيد لهم فسألوهم عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبروهم بنعته و صفته في كتابهم التوراة فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك سحران تظاهرا « قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين » معناه قل يا محمد لكفار قومك فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة و القرآن حتى أتبعه إن صدقتم إن التوراة و القرآن سحران و قيل معناه فأتوا بكتاب من عند الله يؤمن معه التكذيب أي لم يكذب به طائفة من الناس ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فإن لم يستجيبوا لك » أي فإن لم يأتوا بمثل التوراة و القرآن و قيل فإن لم يستجيبوا لك إلى الإيمان مع ظهور الحق « فاعلم إنما يتبعون أهواءهم » أي ما تميل إليه طباعهم لأن الهوى ميل الطبع إلى المشتهى قال الزجاج أي فاعلم إنما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه و إنما آثروا فيه الهوى ثم ذمهم فقال « و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله » أي لا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير رشاد و لا بيان جاءه من الله « إن الله لا يهدي القوم الظالمين » إلى طريق الجنة و قيل معناه لا يحكم الله بهدايتهم و قيل إنهم إذا لم يهتدوا بهدى الله فكأنه لم يهدهم .

مجمع البيان ج : 7 ص : 403
* وَ لَقَدْ وَصلْنَا لهَُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(51) الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ(52) وَ إِذَا يُتْلى عَلَيهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسلِمِينَ(53) أُولَئك يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَينِ بِمَا صبرُوا وَ يَدْرَءُونَ بِالْحَسنَةِ السيِّئَةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(54) وَ إِذَا سمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضوا عَنْهُ وَ قَالُوا لَنَا أَعْمَلُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَلُكمْ سلَمٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِى الْجَهِلِينَ(55)

اللغة

أصل التوصيل من وصل الحبال بعضها ببعض قال امرؤ القيس :
درير كخذروف الوليد أمره
تتابع كفيه بخيط موصل أي موصول بعضه ببعض و هو في الكلام أن يصير بعضه يلي بعضا و الدرء الدفع .

النزول

نزل قوله « الذين آتيناهم الكتاب » و ما بعده في عبد الله بن سلام و تميم الداري و الجارود العبدي و سليمان الفارسي فإنهم لما أسلموا نزلت فيهم الآيات عن قتادة و قيل نزلت في أربعين رجلا من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه اثنان و ثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وقت قدومه و ثمانية قدموا من الشام منهم بحيراء و أبرهة و الأشرف و عامر و أيمن و إدريس و نافع و تميم .

المعنى

ثم بين سبحانه صفة القرآن فقال « و لقد وصلنا لهم القول » أي فصلنا لهم القول و بينا عن ابن عباس و معناه أتينا ب آية بعد آية و بيان بعد بيان و أخبرناهم بأخبار الأنبياء و المهلكين من أممهم « لعلهم يتذكرون » أي ليتذكروا و يتفكروا فيعلموا الحق يتعظوا « الذين آتيناهم الكتاب من قبله » أي من قبل محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « هم به » أي بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « يؤمنون » لأنهم وجدوا نعته في التوراة و قيل معناه من قبل القرآن و هم بالقرآن يصدقون و المراد بالكتاب التوراة و الإنجيل يعني الذين أوتوا الكتاب « و إذا يتلى » القرآن « عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله » أي من قبل نزوله « مسلمين » به و ذلك أن ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و القرآن كان مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل فهؤلاء لم يعاندوا ثم أثنى الله سبحانه عليهم فقال « أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا » مرة بتمسكهم بدينهم حتى أدركوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ف آمنوا به و مرة بإيمانهم به و قيل بما صبروا على الكتاب الأول و على الكتاب الثاني و إيمانهم بما فيهما عن قتادة و قيل بما صبروا على دينهم و على أذى الكفار و تحمل المشاق « و يدرءون بالحسنة السيئة » أي يدفعون بالحسن من الكلام الكلام
مجمع البيان ج : 7 ص : 404
القبيح الذي يسمعونه من الكفار و قيل يدفعون بالمعروف المنكر عن سعيد بن جبير و قيل يدفعون بالحلم جهل الجاهل عن يحيى بن سلام و معناه يدفعون بالمداراة مع الناس أذاهم عن أنفسهم و روي مثل ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و مما رزقناهم ينفقون » مر معناه « و إذا سمعوا اللغو » أي السفه من الناس و القبيح من القول و الهزء الذي لا فائدة فيه « أعرضوا عنه » و لم يقابلوه بمثله « و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم » أي لا نسأل نحن عن أعمالكم و لا تسألون عن أعمالنا بل كل منا يجازى على عمله و قيل معناه لنا ديننا و لكم دينكم و قيل لنا حلمنا و لكم سفهكم « سلام عليكم » أي أمان منا لكم أن نقابل لغوكم بمثله و قيل هي كلمة حلم و احتمال بين المؤمنين و الكافرين و قيل هي كلمة تحية بين المؤمنين عن الحسن « لا نبتغي الجاهلين » أي لا نطلب مجالستهم و معاونتهم و إنما نبتغي الحكماء و العلماء و قيل معناه لا نريد أن نكون من أهل الجهل و السفه عن مقاتل و قيل لا نبتغي دين الجاهلين و لا نحبه عن الكلبي .
إِنَّك لا تهْدِى مَنْ أَحْبَبْت وَ لَكِنَّ اللَّهَ يهْدِى مَن يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(56) وَ قَالُوا إِن نَّتَّبِع الهُْدَى مَعَك نُتَخَطف مِنْ أَرْضِنَا أَ وَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً يجْبى إِلَيْهِ ثَمَرَت كلِّ شىْء رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَ لَكِنَّ أَكثرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(57) وَ كَمْ أَهْلَكنَا مِن قَرْيَةِ بَطِرَت مَعِيشتَهَا فَتِلْك مَسكِنُهُمْ لَمْ تُسكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلاً وَ كنَّا نحْنُ الْوَرِثِينَ(58) وَ مَا كانَ رَبُّك مُهْلِك الْقُرَى حَتى يَبْعَث فى أُمِّهَا رَسولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا وَ مَا كنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلا وَ أَهْلُهَا ظلِمُونَ(59) وَ مَا أُوتِيتُم مِّن شىْء فَمَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ زِينَتُهَا وَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ وَ أَبْقَى أَ فَلا تَعْقِلُونَ(60)

مجمع البيان ج : 7 ص : 405

القراءة

قرأ أهل المدينة و يعقوب و سهل تجبي بالتاء و الباقون بالياء و قرأ أبو عمرو « أ فلا تعقلون » بالياء و التاء كيف شئت و الباقون بالتاء .

الحجة

قال أبو علي تأنيث ثمرات جمع و ليس بتأنيث حقيقي فيكون بمنزلة الوعظ و الموعظة و الصوت و الصيحة إذا ذكرت جاز و إذا أنثت جاز و حجة من قرأ « أ فلا تعقلون » بالتاء قوله « و ما أوتيتم » و الياء على أ فلا يعقلون يا محمد .

اللغة

التخطف أخذ الشيء على وجه الاستلاب من كل وجه يقال تخطفه تخطفا و اختطفه اختطافا و خطفه يخطفه خطفا قال امرؤ القيس :
تخطف خزان الأنيعم بالضحى
و قد حجرت منها ثعالب أورال يجبى من جبيت الماء في الحوض أي جمعته و الجابية الحوض و البطر الطغيان عند النعمة قال ابن الأعرابي البطر سوء احتمال الغنى و قيل إن أصله من قولهم ذهب دمه بطرا أي باطلا عن الكسائي و قيل هو أن يتكبر عند الحق فلا يقبله .

الإعراب

« رزقا » مصدر وضع موضع الحال تقديره يجبى إليه ثمرات كل شيء من رزقه و يجوز أن يكون مصدر فعل محذوف تقديره نرزق و يجوز أن يكون مصدرا من معنى قوله « يجبى إليه ثمرات » لأنه في معنى رزق فيكون مثل قولهم حمدته شكرا و يجوز أن يكون مفعولا له و قوله « من لدنا » في موضع نصب على الصفة لقوله « رزقا » « و كم أهلكنا » أي كثيرا من القرى أهلكنا فكم في موضع نصب بأهلكنا و « من قرية » في موضع نصب على التمييز لأن كم الخبرية إذا فصل بينها و بين مميزها بكلام نصب كما ينصب كم الاستفهامية معيشتها انتصب بقوله « بطرت » و تقديره في معيشتها فحذف الجار فأفضى الفعل .
« فتلك مساكنهم » مبتدأ و خبر .
لم تسكن في موضع نصب على الحال و العامل فيه معنى الإشارة في تلك قليلا صفة مصدر محذوف تقديره إلا سكونا قليلا أو صفة ظرف تقديره وقتا أو زمانا قليلا .

النزول

قيل نزل قوله « إنك لا تهدي من أحببت » في أبي طالب فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يحب إسلامه فنزلت هذه الآية و كان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه يا عبادي الذين
مجمع البيان ج : 7 ص : 406
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية فلم يسلم أبو طالب و أسلم وحشي و رووا ذلك عن ابن عباس و غيره و في هذا نظر كما ترى فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرادته كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره و نواهيه و إذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب و أراد كفره و أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المرسل فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم إنك يا محمد تريد إيمانه و لا أريد إيمانه و لا أخلق فيه الإيمان مع تكفله بنصرتك و بذل مجهوده في إعانتك و الذب عنك و محبته لك و نعمته عليك و تكره أنت إيمان وحشي لقتله عمك حمزة و أنا أريد إيمانه و أخلق في قلبه الإيمان و في هذا ما فيه و قد ذكرنا في سورة الأنعام أن أهل البيت (عليهم السلام) قد أجمعوا على أن أبا طالب مات مسلما و تظاهرت الروايات بذلك عنهم و أوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و توحيده فإن استيفاء ذلك جميعه لا تتسع له الطوامير و ما روي من ذلك في كتب المغازي و غيرها أكثر من أن يحصى يكاشف فيها من كاشف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يناضل عنه و يصحح نبوته و قال بعض الثقات إن قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر و تغبر في وجه شعراء الدهر يبلغ قدر مجلد و أكثر من هذا و لا شك في أنه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم و حسن تدبيره في دفع كيادهم لئلا يلجئوا الرسول إلى ما ألجئوه إليه بعد موته .

المعنى

لما تقدم ذكر الرسول و القرآن و أنه أنزل هدى للخلق بين سبحانه أنه ليس عليه الاهتداء و إنما عليه البلاغ و الأداء فقال « إنك » يا محمد « لا تهدي من أحببت » هدايته و قيل من أحببته لقرابته و المراد بالهداية هنا اللطف الذي يختار عنده الإيمان فإنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى لأنه إما أن يكون من فعله خاصة أو بإعلامه و لا يعلم ما يصلح المرء في دينه إلا الله تعالى فإن الهداية التي هي الدعوة و البيان قد أضافها سبحانه إليه في قوله و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم و قيل إن المراد بالهداية في الآية الإجبار على الاهتداء أي أنت لا تقدر على ذلك و قيل معناه ليس عليك اهتداؤهم و قبولهم الحق « و لكن الله يهدي من يشاء » بلطفه و قيل على وجه الإجبار « و هو أعلم بالمهتدين » أي القابلين للهدى فيدبر الأمور على ما يعلمه من صلاح العباد ثم قال سبحانه حاكيا عن الكفار « و قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا » أي نستلب من أرضنا يعني أرض مكة و الحرم و قيل إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف فإنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنا لنعلم أن قولك حق و لكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك و نؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا و لا طاقة لنا بالعرب فقال سبحانه رادا
مجمع البيان ج : 7 ص : 407
عليه هذا القول « أ و لم نمكن لهم حرما آمنا » أي أ و لم نجعل لهم مكة في أمن و أمان قبل هذا و دفعنا ضرر الناس عنهم حتى كانوا يأمنون فيه فكيف يخافون زواله الآن أ فلا نقدر على دفع ضرر الناس عنهم لو آمنوا بل حالة الإيمان و الطاعة أولى بالأمن و السلامة من حالة الكفر « يجبى إليه ثمرات كل شيء » أي تجمع إليه ثمرات كل أرض و بلد « رزقا من لدنا » أي إعطاء من عندنا جاريا عليهم « و لكن أكثرهم لا يعلمون » ما أنعمنا به عليهم و قيل لا يعلمون الله و لا يعبدونه فيعلموا ما يفوتهم من الثواب « و كم أهلكنا من قرية » أي من أهل قرية « بطرت معيشتها » أي في معيشتها بأن أعرضت عن الشكر و تكبرت و المعنى أعطيناهم المعيشة الواسعة فلم يعرفوا حق النعمة و كفروا فأهلكناهم « فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا » تلك إشارة إلى ما يعرفونه هم من ديار عاد و ثمود و قوم لوط أي صارت مساكنهم خاوية خالية عن أهلها و هي قريبة منكم فإن ديار عاد إنما كانت بالأحقاف و هو موضع بين اليمن و الشام و ديار ثمود بوادي القرى و ديار قوم لوط بسدوم و كانوا هم يمرون بهذه المواضع في تجاراتهم « و كنا نحن الوارثين » أي المالكين لديارهم لم يخلفهم أحد فيها ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و ما كان ربك » يا محمد « مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا » قيل إن معنى أمها أم القرى و هي مكة و قيل يريد معظم القرى من سائر الدنيا « يتلو عليهم آياتنا » أي يقرأ عليهم حججنا و بيناتنا « و ما كنا مهلكي القرى إلا و أهلها ظالمون » لنفوسهم بالكفر و الطغيان و العتو و العصيان ثم خاطب سبحانه خلقه فقال « و ما أوتيتم من شيء » أي و ما أعطيتموه من شيء « فمتاع الحياة الدنيا و زينتها » أي هو شيء تتمتعون به في الحياة و تتزينون به « و ما عند الله » من الثواب و نعيم الآخرة « خير » من هذه النعم « و أبقى » لأنها فانية و نعم الآخرة باقية « أ فلا تعقلون » ذلك و تتفكرون فيه حتى تميزوا بين الباقي و الفاني .

مجمع البيان ج : 7 ص : 408
أَ فَمَن وَعَدْنَهُ وَعْداً حَسناً فَهُوَ لَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَهُ مَتَعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ مِنَ الْمُحْضرِينَ(61) وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شرَكاءِى الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبرَّأْنَا إِلَيْك مَا كانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ(63) وَ قِيلَ ادْعُوا شرَكاءَكمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَستَجِيبُوا لهَُمْ وَ رَأَوُا الْعَذَاب لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يهْتَدُونَ(64) وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَا ذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسلِينَ(65) فَعَمِيَت عَلَيهِمُ الأَنبَاءُ يَوْمَئذ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ(66)

اللغة

المتعة المنفعة و قد فرق بينهما بأن المتعة منفعة توجب الالتذاذ في الحال و المنفعة قد تكون بالم تؤدي عاقبته إلى نفع فكل متعة منفعة و ليس كل منفعة متعة و الإحضار إيجاد ما به يكون الشيء بحيث يشاهد و الزعم القول في الأمر على ظن أو علم و لذلك دخل في باب علمت و أخواته قال .

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم
فإني شريت الحلم عندك بالجهل .

النزول

نزل قوله « أ فمن وعدناه » الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أبي جهل و قيل نزل في حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و في أبي جهل عن محمد بن كعب و السدي و قيل نزل في عمار و في الوليد بن المغيرة و الأولى أن يكون عاما فيمن يكون بهذه الصفة .

المعنى

لما تقدم ذكر ما أوتوا من زينة الحياة الدنيا عقبه سبحانه بالفرق بين من أوتي نعيم الدنيا و بين من أوتي نعيم الآخرة فقال « أ فمن وعدناه وعدا حسنا » من ثواب الجنة و نعيمها جزاء على طاعته « فهو لاقيه » أي فهو واصل إليه و مدركة لا محالة « كمن متعناه متاع الحياة الدنيا » من الأموال و غيرها « ثم هو يوم القيامة من المحضرين » للجزاء و العقاب و قيل من المحضرين في النار و المعنى أ يكون حال هذا كحال ذاك أي لا يكون حالهما سواء لأن نعم الدنيا مشوبة بالغموم و تعرض الزوال و الفناء و نعم الآخرة خالصة صافية دائمة لا تتكدر بالشوب و لا تتنقص بالانقضاء « و يوم يناديهم » أي و اذكر يوم ينادي الله الكفار و هو يوم القيامة و هذا نداء تقريع و تبكيت « فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون » أي كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركاء في الإلهية و تعبدونهم و تدعون أنهم ينفعونكم « قال الذين حق عليهم القول » أي حق عليهم الوعيد بالعذاب من الجن و الشياطين و الذين أغووا الخلق من الإنس « ربنا هؤلاء الذين أغوينا » يعنون أتباعهم « أغويناهم كما غوينا » أي أظللناهم عن
مجمع البيان ج : 7 ص : 409
الدين بدعائنا إياهم إلى الضلال كما ضللنا نحن بأنفسنا « تبرأنا إليك » منهم و من أفعالهم قال الزجاج برىء بعضهم من بعض و صاروا أعداء كما قال سبحانه الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو « ما كانوا إيانا يعبدون » أي لم يكونوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون الشياطين الذين زينوا لهم عبادتنا و قيل معناه لم يعبدونا باستحقاق و حجة « و قيل ادعوا شركائكم » أي و يقال للأتباع ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله و زعمتم أنهم شركائي لينصروكم و يدفعوا عنكم عذاب الله و إنما أضاف الشركاء إليهم لأنه لا يجوز أن يكون لله شريك و لكنهم كانوا يزعمون أنها شركاء لله بعبادتهم إياهم « فدعوهم فلم يستجيبوا لهم » أي فيدعونهم فلا يجيبونهم إلى ملتمسهم « و رأوا العذاب » أي و يرون العذاب « لو أنهم كانوا يهتدون » جواب لو محذوف تقديره لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب أي لاعتقدوا أن العذاب حق و هذا القول أولى لدلالة الكلام على المحذوف « و يوم يناديهم فيقول ما ذا أجبتم المرسلين » أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين و هذا سؤال تقرير بالذنب و هو نداء يجمع العلم و العمل معا فإن الرسل يدعون إلى العلم و العمل جميعا فكأنه قيل لهم ما ذا علمتم و ما ذا عملتم « فعميت عليهم الأنباء يومئذ » أي فخفيت و اشتبهت عليهم طرق الجواب يومئذ فصاروا كالعمي لانسداد طرق الأخبار عليهم كما تنسد طرق الأرض على العمي و قيل معناه فالتبست عليهم الحجج عن مجاهد و سميت حججهم أنباء لأنها أخبار يخبر بها فهم لا يحتجون و لا ينطقون بحجة لأن الله تعالى أدحض حجتهم و أكل ألسنتهم فسكتوا فذلك قوله « فهم لا يتساءلون » أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج و قيل لا يسأل بعضهم بعضا عن العذر الذي يعتذر به في الجواب فلا يجيبون و قيل معناه لا يتساءلون بالأنساب القرابة كما في الدنيا و قيل لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله لشغله بنفسه عن الجبائي و قيل لا يسأل بعضهم بعضا أن حمل ذنوبه عنه عن الحسن .

مجمع البيان ج : 7 ص : 410
فَأَمَّا مَن تَاب وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً فَعَسى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ(67) وَ رَبُّك يخْلُقُ مَا يَشاءُ وَ يخْتَارُ مَا كانَ لهَُمُ الخِْيرَةُ سبْحَنَ اللَّهِ وَ تَعَلى عَمَّا يُشرِكونَ(68) وَ رَبُّك يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صدُورُهُمْ وَ مَا يُعْلِنُونَ(69) وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فى الأُولى وَ الاَخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(70)

المعنى

ثم ذكر سبحانه التائبين و رغب في التوبة بعد التخويف فقال « فأما من تاب » أي رجع عن المعاصي و الكفر « و آمن و عمل صالحا » أي و أضاف إلى إيمانه الأعمال الصالحة « فعسى أن يكون من المفلحين » و إنما أتى بلفظة عسى مع أنه مقطوع بفلاحه لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك فيفلح و قد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك على أنه قد قيل إن عسى من الله سبحانه لفظة وجوب في جميع القرآن و لما كان المفلح مختار الله تعالى ذكر عقيبه أن الاختيار إلى الله تعالى و الخلق و الحكم له لكونه قادرا عالما على الكمال فقال « و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة » الخيرة اسم من الاختيار أقيم مقام المصدر و الخيرة اسم للمختار أيضا يقال محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) خيرة الله من خلقه و يجوز التخفيف فيهما و اختلف في الآية و تقديرها على قولين ( أحدهما ) أن معناه و ربك يخلق ما يشاء من الخلق و يختار تدبير عباده على ما هو الأصلح لهم و يختار للرسالة ما هو الأصلح لعباده ثم قال « ما كان لهم الخيرة » أي ليس لهم الاختيار على الله بل لله الخيرة عليهم و على هذا تكون ما نفيا و يكون الوقف على قوله « و يختار » و فيه رد على المشركين الذين قالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكة و عروة بن مسعود الثقفي من الطائف ( و الآخر ) أن يكون ما في الآية بمعنى الذي أي و يختار الذي كان لهم الخيرة فيه فيكون الوقف على هذا عند قوله « ما كان لهم الخيرة » و هذا أيضا في معنى الأول لأن حقيقة المعنى فيهما أنه سبحانه يختار و إليه الاختيار ليس لمن دونه الاختيار لأن الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار و لا يعلم غيره سبحانه جميع أحوال المختار و لأن الاختيار هو أخذ الخير و كيف يأخذ الخير من الأشياء من لا يعلم الخير فيها « سبحان الله و تعالى عما يشركون » أي تقدس و تنزه عن أن يكون له شريك في خلقه و اختياره ثم أقام سبحانه البرهان على صحة اختياره بقوله « و ربك يعلم ما تكن صدورهم و ما يعلنون » أي و ربك يعلم ما يخفونه و ما يظهرونه فإليه الاختيار و في هذا دلالة على أن من لا يعلم السر و الجهر فلا اختيار إليه ثم أكد سبحانه ذلك بقوله « و هو الله لا إله إلا هو » لا يستحق العبادة سواه « له الحمد في الأولى و الآخرة » أي له الثناء المدح و التعظيم على ما أنعم به على خلقه في الدنيا و العقبي « و له الحكم » بينهم بما يميز به الحق من الباطل قال ابن عباس يحكم لأهل طاعته بالمغفرة و الفضل و لأهل معصيته بالشقاء و الويل « و إليه » أي و إلى جزائه و حكمه « ترجعون » .

مجمع البيان ج : 7 ص : 411
قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكمُ الَّيْلَ سرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِضِيَاء أَ فَلا تَسمَعُونَ(71) قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكمُ النَّهَارَ سرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِلَيْل تَسكُنُونَ فِيهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ(72) وَ مِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضلِهِ وَ لَعَلَّكمْ تَشكُرُونَ(73) وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شرَكاءِى الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(74) وَ نَزَعْنَا مِن كلِّ أُمَّة شهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَنَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للَّهِ وَ ضلَّ عَنهُم مَّا كانُوا يَفْترُونَ(75)

المعنى

ثم بين سبحانه ما يدل على توحيده فقال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد لأهل مكة الذين عبدوا معي آلهة تنبيها لهم على خطإهم « أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا » أي دائما « إلى يوم القيامة » لا يكون معه نهار « من إله غير الله يأتيكم بضياء » كضياء النهار تبصرون فيه فإنهم لا يقدرون على الجواب عن ذلك إلا بأنه لا يقدر على ذلك سوى الله فحينئذ تلزمهم الحجة بأنه لا يستحق العبادة غيره « أ فلا تسمعون » أي أ فلا تقبلون ما وعظتم به و قيل أ فلا تسمعون ما بينه الله لكم من أدلته و تتفكرون فيه « قل » يا محمد لهم « أ رأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا » أي دائما « إلى يوم القيامة » لا يكون معه ليل « من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه » أي تستريحون فيه من الحركة و النصب « أ فلا تبصرون » أي أ فلا تعلمون من البصيرة و قيل أ فلا تشاهدون الليل و النهار و تتدبرون فيهما فتعلموا أنهما من صنع مدبر حكيم ثم قال « و من رحمته جعل لكم الليل و النهار » أي و من نعمته عليكم و إحسانه إليكم أن جعل لكم الليل و النهار « لتسكنوا فيه » أي في الليل « و لتبتغوا من فضله » أي في النهار « و لعلكم تشكرون » نعم الله في تصريف الليل و النهار
مجمع البيان ج : 7 ص : 412
و في سائر أنواع النعم « و يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون » مضى تفسيره فإنما كرر ذكر النداء للمشركين بأين شركائي تقريعا لهم بعد تقريع و قيل لأن النداء الأول لتقرير إقرارهم على أنفسهم بالغي الذي كانوا عليه و دعوا إليه و الثاني للتعجيز عن إقامة البرهان على ما طولبوا به بحضرة الأشهاد « و نزعنا من كل أمة شهيدا » أي و أخرجنا من كل أمة من الأمم رسولها الذي يشهد عليهم بالتبليغ و بما كان منهم عن مجاهد و قتادة و قيل هم عدول الآخرة و لا يخلو كل زمان منهم يشهدون على الناس بما علموا « فقلنا هاتوا برهانكم » أي حججكم على صحة ما ذهبتم إليه « فعلموا أن الحق لله » أي فبهتوا و تحيروا لما لم يكن لهم حجة يقيمونها و علموا يقينا أن الحق ما أنتم عليه و ما أنزله الله و أن الحجة لله و لرسوله فلزمتهم الحجة لأن المشهود عليه إذا لم يأت بمخلص عن بينة الخصم توجهت القضية عليه و لزمه الحكم « و ضل عنهم » أي ذهب عنهم « ما كانوا يفترون » من الكذب و بطل ما عبدوه من دون الله تعالى .

النظم

إنما اتصلت هذه الآيات بما قبلها بأنه جرى ذكر معبودي الكفار و أنهم لم يغنوا من الله شيئا فعقبه سبحانه بأن وصف نفسه بأنه المنعم المالك للنفع و الضر و قيل لما تقدم أن الحمد لله سبحانه في الدارين ذكر عقيبه ما يوجب الحمد من النعم السابقة و قيل يتصل بقوله يخلق ما يشاء و يختار أي و يختار لعباده ما هو الأصلح لهم و الأنفع .

مجمع البيان ج : 7 ص : 413
* إِنَّ قَرُونَ كانَ مِن قَوْمِ مُوسى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَ ءَاتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصبَةِ أُولى الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يحِب الْفَرِحِينَ(76) وَ ابْتَغ فِيمَا ءَاتَاك اللَّهُ الدَّارَ الاَخِرَةَ وَ لا تَنس نَصِيبَك مِنَ الدُّنْيَا وَ أَحْسِن كمَا أَحْسنَ اللَّهُ إِلَيْك وَ لا تَبْغ الْفَسادَ فى الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يحِب الْمُفْسِدِينَ(77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْم عِندِى أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَك مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكثرُ جَمْعاً وَ لا يُسئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ(78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فى زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا يَلَيْت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتىَ قَرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظ عَظِيم(79) وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكمْ ثَوَاب اللَّهِ خَيرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً وَ لا يُلَقَّاهَا إِلا الصبرُونَ(80) فخَسفْنَا بِهِ وَ بِدَارِهِ الأَرْض فَمَا كانَ لَهُ مِن َة َة يَنصرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَ مَا كانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ(81) وَ أَصبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسط الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسف بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ(82)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم و يعقوب و سهل « لخسف » بفتح الخاء و السين و هو قراءة الحسن و الأعرج و شيبة و مجاهد و الباقون لخسف بضم الخاء و كسر السين و قرأ يعقوب ويك يقف عليها ثم يبتدي فيقول أنه .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « لخسف بنا » بفتح الخاء فلتقدم ذكر الله تعالى و من قرأ بضم الخاء فبنى الفعل للمفعول به فإنه يؤول إلى الأول في المعنى و قال ابن جني في ويكأنه ثلاثة أقوال منهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على وي و منهم من وقف على وي و منهم من قال ويك و هو مذهب أبي الحسن و الوجه فيه عندنا هو قول الخليل و سيبويه و هو أن وي اسم سمي به الفعل في الخبر فكأنه اسم أعجب ثم ابتدأ فقال كأنه لا يفلح الكافرون و كان الله يبسط الرزق فوي منفصلة من كان و عليه بيت الكتاب .

سألتاني الطلاق إن رأتاني
قل مالي قد جئتماني بنكر

مجمع البيان ج : 7 ص : 414

وي كان من يكن له نشب يحبب
و من يفتقر يعش عيش ضر و مما جاءت فيه كان عارية من معنى التشبيه ما أنشده أبو علي :
كأنني حين أمسي لا تكلمني
متيم يشتهي ما ليس موجود أي أنا حين أمسي متيم من حالي كذا و من قال إنها ويك فكأنه قال أعجب لأنه لا يفلح الكافرون و أعجب لأن الله يبسط الرزق و هو قول أبي الحسن و ينبغي أن يكون الكاف هنا حرف خطاب بمنزلة الكاف في ذلك و أولئك و يشهد لهذا قول عنترة :
لقد شفا نفسي و أذهب سقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدم و قول من قال ويكأنه كلمة واحدة إنما يريد به أنه لا يفصل بعضه من بعض .

اللغة

البغي طلب العتو بغير حق و منه قيل لولاة الجور بغاة ، و الكنز جمع المال بعضه على بعض و صار بالعرف عبارة عما يخبأ تحت الأرض و لا يطلق في الشرع اسم الكنز إلا على مال لا تخرج زكاته للوعيد الذي جاء فيه .
و المفاتح جمع مفتح و المفاتيح جمع مفتاح و معناهما واحد و هو عبارة عما يفتح به الأغلاق .
و ناء بحمله ينوء نوءا إذا نهض به مع ثقله عليه و منه أخذت الأنواء لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها و قال أبو زيد ناءني الحمل إذا أثقلني و العصبة الجماعة الملتف بعضها ببعض يقال ناءت المفاتيح بالعصبة و أناءت العصبة بمعنى كما يقال ذهبت به و أذهبته فالباء و الهمز يتعاقبان في تعدي الفعل قال سبحانه فأجاءها المخاض أي جاء بها و قال أبو عبيدة هذا من المقلوب و معنى قوله « لتنوء بالعصبة » تنوء العصبة بها كما قال الشاعر :
إن سراجا لكريم مفخره
تجلى به العين إذا ما تجهره و معناه يجلي بالعين فقلب و قال آخر :
كانت عقوبة ما جنيت كما
كان الزناء عقوبة الرجم قال امرؤ القيس :
مجمع البيان ج : 7 ص : 415

يضيء الظلام وجهها لضجيعها
كمصباح زيت في قناديل ذبال أي في ذبال قناديل و هذا غير صحيح و لا يجوز أن يحمل القرآن عليه لأنه يجري مجرى الغلط من العرب و مثل ذلك في شعرهم كثير قال :
غداة أحلت لابن صرمة طعنة
حصين غبيطات السدايف و الخمر و الغبيطات مفعولة و الطعنة فاعلة فقلب و من أغلاطهم قول الراجز :
جارية لم تعلم المرققا
و لم تذق من البقول الفستقا فظن الفستق من البقول فأما قول خداش بن زهير :
و تركت خيلا لا هوادة بينها
و تشقى الرماح بالضيا طرة الحمر فذهب كثير من العلماء إلى أن المعنى و تشقى الضياطرة الحمر بالرماح فقلب و ليس الأمر كذلك و إنما أراد أن رماحهم تشرف عن هؤلاء الضياطرة فإذا طعنوا بها فقد شقيت الرماح لأن منزلتها أرفع من أن يطعنوا بها و قالوا أيضا في قول زهير :
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم تنتج فتتئم أنه غلط فنسبه إلى عاد و إنما هو أحمر ثمود و هذا أيضا ليس بغلط فإن ثمود يسمى عادا الآخرة لقوله تعالى و أنه أهلك عادا الأولى و قيل إنما سموا ثمود لأن الله تعالى أهلك عادا و بقيت منهم بقية تناسلوا فهم ثمود و اشتق لهم هذا الاسم من الثمد و هو الماء القليل لأنهم قلوا عن عدد عاد الأولى و إذا جاء في الشعر ما يجري مجرى الغلط فلا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى عليه .

المعنى

« إن قارون كان من قوم موسى » أي كان من بني إسرائيل ثم من سبط موسى و هو ابن خالته عن عطا عن ابن عباس و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل كان
مجمع البيان ج : 7 ص : 416
ابن عم موسى لحا لأنه كان قارون بن يصهر بن فاهث و موسى بن عمران بن فاهث عن ابن جريج و قيل كان موسى ابن أخيه و قارون عمه عن محمد بن إسحاق « فبغى عليهم » أي استطال عليهم بكثرة كنوزه عن قتادة قال و كان يسمى المنور لحسن صورته و لم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتوراة و لكن عدو الله نافق كما نافق السامري فبغى عليهم و قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فكان يبغي عليهم و يطالبهم لما كانوا بمصر عن سعيد بن المسيب و ابن عباس و قيل إنه زاد عليهم في الثياب شبرا عن عطاء الخراساني و شهر بن حوشب « و آتيناه من الكنوز » قال عطا أصاب كنزا من كنوز يوسف « ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة » ما هذه موصولة بمعنى و الذي و صلتها أن مع اسمها و خبرها أي أعطيناه من الأموال المدخرة قدر الذي ينيء مفاتحه العصبة و المفاتح هنا الخزائن في قول أكثر المفسرين و هو اختيار الزجاج كما في قوله سبحانه و عنده مفاتح الغيب فيكون المراد بمفاتحه خزائن ماله و هو قول ابن عباس و الحسن و قيل هي المفاتح التي تفتح بها الأبواب عن قتادة و مجاهد و روى الأعمش عن خيثمة قال كانت مفاتيح قارون من جلود كل مفتاح مثل الإصبع و اختلف في معنى العصبة فقيل ما بين عشرة إلى خمسة عشرة عن مجاهد و قيل ما بين عشرة إلى أربعين عن قتادة و قيل أربعون رجلا عن أبي صالح و قيل ما بين الثلاثة إلى العشرة عن ابن عباس و قيل إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض « إذ قال قومه » من بني إسرائيل « لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين » أي لا تأشر و لا تمرح و لا تتكبر بسبب كنوزك إن الله لا يحب من كان بهذه الصفة و يدل على أن الفرح بمعنى البطر قول الشاعر .

و لست بمفراح إذا الدهر سرني
و لا جازع من صرفه المتقلب و قول الآخر
و لا أرخي من الفرح الأزارا ) « و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة » و هذا أيضا من مقالة المؤمنين من قوم قارون له و قيل إن المخاطب له بذلك موسى و إن ذكر بلفظ الجمع و معناه اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الدار الآخرة بأن تنفقها في سبيل الخير و وجوه الخير و البر « و لا تنس نصيبك من الدنيا » و هو أن تعمل في الدنيا للآخرة عن أكثر المفسرين و معناه لا تنس أن تعمل لآخرتك لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته و روي في معناه عن علي (عليه السلام) لا تنس صحتك و قوتك و فراغك و شبابك و نشاطك و غناك أن تطلب بها الآخرة و قيل أمر أن يقدم الفضل و أن يمسك ما يغنيه عن الحسن و قيل معناه أنه كان قتورا شحيحا فقيل له كل و اشرب و استمتع بما آتاك الله من الوجه الذي أباحه الله لك فإن ذلك غير محظور عليك « و أحسن كما أحسن الله إليك » أي أفضل على الناس
مجمع البيان ج : 7 ص : 417
كما أفضل الله عليك و قيل أحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك عن يحيى بن سلام و قيل معناه و أحسن شكر الله تعالى على قدر إنعامه عليك و واس عباد الله بمالك « و لا تبغ الفساد » أي لا تطلب العمل « في الأرض » بالمعاصي « إن الله لا يحب المفسدين » ظاهر المعنى « قال » قارون « إنما أوتيته على علم عندي » اختلف في معناه فقيل أراد إنما أعطيت هذا المال بفضل و علم عندي ليس ذلك عندكم عن قتادة يعني أنه قدر أن هذا ثواب من الله له لفضيلته كما أخبر سبحانه عن ذلك الكافر بقوله و لئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا و قيل معناه لرضا الله عني و معرفته باستحقاقي عن ابن زيد و هذا قريب من الأول و قيل معناه إن المال حصل له على علم عندي بوجوه المكاسب و بما لا يتهيأ لأحد أن يكتسبه من التجارات و الزراعات و غيرها و قيل على علم عندي بصنعة الذهب و هو علم الكيمياء عن الكلبي و حكي أن موسى (عليه السلام) علم قارون الثلث من صنعة الكيمياء و علم يوشع الثلث منها و علم ابن هارون الثلث منها فخدعهما قارون حتى علم ما عندهما و عمل بالكيمياء فكثرت أمواله « أ و لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون » الكافرة بنعمته « من هو أشد منه قوة و أكثر جمعا » كقوم عاد و ثمود و قوم لوط و غيرهم ثم بين سبحانه أن اغتراره بماله و عدده من الخطإ العظيم لأنه لا ينتفع بذلك عند نزول العذاب به كما أن من كانوا أقوى و أغنى منه لم تغن أموالهم إشغالهم عنهم شيئا عند ذلك « و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون » قال قتادة يعني أنهم يدخلون النار بغير حساب و قال قتادة إن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا يسألون عنهم لعلامتهم و يأخذونهم بالنواصي و الأقدام فيصيرونهم إلى النار و هذا كقوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان و أما قوله فو ربك لنسألنهم أجمعين فإنما ذلك سؤال تقريع و توبيخ لا ليعلم ذلك من قبلهم عن الحسن « فخرج على قومه » أي خرج قارون على بني إسرائيل « في زينته » التي كان يتزين بها و حشمه و تبعه و قيل إنه خرج في أربعة آلاف دابة عليها أربعة آلاف فارس عليهم و على دوابهم الأرجوان عن قتادة و الأرجوان في اللغة صبغ أحمر و قيل خرج في جوار بيض على سرج من ذهب على قطف أرجوان على بغال بيض عليهن ثياب حمر و حلي من ذهب عن السدي و قيل خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات « قال الذين يريدون الحيوة الدنيا » من الكفار و المنافقين و ضعيفي الإيمان بما للمؤمنين عند الله من ثواب الجنة لما رأوه في تلك الزينة و الجمال « يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم » أي ذو نصيب وافر من الدنيا و المعنى أنهم تمنوا مثل منزلته و مثل ماله « و قال الذين أوتوا العلم » و هم المصدقون بوعد الله المؤمنون لهم « ويلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمل صالحا » مما أوتي قارون و حذف لدلالة الكلام عليه « و لا يلقاها إلا
مجمع البيان ج : 7 ص : 418
الصابرون » أي و لا يلقى مثل هذه الكلمة و لا يوفق لها إلا الصابرون على أمر الله و قيل معناه و لا يعطاها يعني الجنة في الآخرة و دل عليها قوله « ثواب الله » .
« إلا الصابرون » على طاعة الله و عن زينة الدنيا عن الكلبي « فخسفنا به و بداره الأرض » قال السدي دعا قارون امرأة من بني إسرائيل بغيا فقال لها إني أعطيك ألفين على أن تجيئي غدا إذا اجتمعت بنو إسرائيل عندي فتقولي يا معشر بني إسرائيل ما لي و لموسى قد آذاني قالت نعم فأعطاها خريطتين عليهما خاتمه فلما جاءت بيتها ندمت و قالت يا ويلتي قد عملت كل فاحشة فما بقي إلا أن أفتري على نبي الله فلما أصبحت أقبلت و معها الخريطتان حتى قامت بين بني إسرائيل فقالت إن قارون قد أعطاني هاتين الخريطتين على أن آتي جماعتكم فأزعم أن موسى يراودني عن نفسي و معاذ الله أن أفتري على نبي الله و هذه دراهمه عليها خاتمه فعرف بنو إسرائيل خاتم قارون فغضب موسى فدعا الله عليه فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك و سلطتها عليه فمرها فقال موسى يا أرض خذيه و هو على سريره و فرشه فأخذته حتى غيبت سريره فلما رأى قارون ذلك ناشده الرحم فقال خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه ثم أخذته حتى غيبت ركبتيه ثم أخذته حتى غيبت حقويه و هو يناشده الرحم فأخذته حتى غيبته فأوحى الله إليه يا موسى ناشدك الرحم و استغاثك فأبيت أن تغيثه لو إياي دعا و استغاثني لأغثته قال مقاتل و لما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل إنما فعل ذلك موسى ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره و بجميع أمواله بعده بثلاثة أيام فلم يقدر على ماله بعده أبدا « فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله » أي فما كان له من جماعة منقطعة إليه يدفعون عنه عذاب الله تعالى الذي نزل به و إنما قال سبحانه ذلك لأنه كان يقدر مع نفسه الامتناع بحاشيته و جنوده « و ما كان من المنتصرين » بنفسه لنفسه « و أصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس » حين خرج عليهم في زينته « يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر » و هذه كلمة ندم و اعتراف و قد بينا أن عند الخليل و سيبويه لفظة وي مفصولة من كان و إن وقعت في المصحف موصولة يقول القائل إذا تبين له الخطأ وي كنت على خطأ و قال الفراء أصله ويلك فحذفت اللام و جعلت أن مفتوحة في موضع نصب بفعل مضمر كأنه قال اعلم أن الله تعالى قال و حدثني شيخ من أهل البصرة قال سمعت أعرابية تقول لزوجها أين ابنك ويلك فقال لها ويك أنه وراء البيت قال معناه أ ما ترينه وراء البيت و قيل معناه أ لا كان و أ ما كان و قال الكسائي ويكأن في التأويل ذلك أن الله و هو قول ابن عباس أي قالوا ذلك أن الله يبسط الرزق لمن يشاء لا لكرامته كما بسط لقارون و يقدر أن يضيق على من يشاء لا لهوان لكن بحسب المصلحة و قال مجاهد و قتادة ويكأن معناه أ لم تعلم « لو لا أن من الله
مجمع البيان ج : 7 ص : 419
علينا لخسف بنا » أي لو لا أنه أنعم علينا بنعمه فلم يعطنا ما أعطى قارون لخسف بنا كما خسف به و قيل معناه لو أن الله تعالى من علينا بالتجاوز عما تمنينا لخسف بنا لما تمنينا منزلة قارون « ويكأنه لا يفلح الكافرون » أي لا يفوز بثواب الله و ينجو من عقابه الجاحدون لنعمه العابدون معه سواه .

النظم

إنما اتصلت قصة قارون بما قبلها من قوله « نتلو عليك من نبأ موسى » فكأنه قال و من نبأ موسى الذي وعدنا تلاوته في أول السورة قصة قارون معه و قيل اتصل بقوله فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا و ما عند الله خير و أبقى فأكد سبحانه ذلك بحديث قارون و حاله و قيل إنه لما تقدم خزي الكفار و افتضاحهم يوم القيامة ذكر عقيبه أن قارون من جملتهم و أنه يفتضح يوم القيامة كما افتضح في الدنيا .
تِلْك الدَّارُ الاَخِرَةُ نجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فى الأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83) مَن جَاءَ بِالحَْسنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِّنهَا وَ مَن جَاءَ بِالسيِّئَةِ فَلا يجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السيِّئَاتِ إِلا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(84) إِنَّ الَّذِى فَرَض عَلَيْك الْقُرْءَانَ لَرَادُّك إِلى مَعَاد قُل رَّبى أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالهُْدَى وَ مَنْ هُوَ فى ضلَل مُّبِين(85) وَ مَا كُنت تَرْجُوا أَن يُلْقَى إِلَيْك الْكتَب إِلا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك فَلا تَكُونَنَّ ظهِيراً لِّلْكَفِرِينَ(86) وَ لا يَصدُّنَّك عَنْ ءَايَتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَت إِلَيْك وَ ادْعُ إِلى رَبِّك وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشرِكينَ(87) وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كلُّ شىْء هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الحُْكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)

مجمع البيان ج : 7 ص : 420

النزول

قيل لما نزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالجحفة في مسيرة إلى المدينة لما هاجر إليها اشتاق إلى مكة فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال أ تشتاق إلى بلدك و مولدك فقال نعم قال جبرائيل فإن الله يقول « إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد » يعني مكة ظاهرا عليها فنزلت الآية بالجحفة و ليست بمكية و لا مدنية و سميت مكة معادا لعوده إليها عن ابن عباس .

المعنى

« تلك الدار الآخرة » يعني الجنة « نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض » أي تجبرا و تكبرا على عباد الله و استكبارا عن عبادة الله « و لا فسادا » أي عملا بالمعاصي عن ابن جريج و مقاتل و روى زاذان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يمشي في الأسواق وحده و هو دال يرشد الضال و يعين الضعيف و يمر بالبياع و البقال فيفتح عليه القرآن و يقرأ « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا » و يقول نزلت هذه الآية في أهل العدل و المواضع من الولاة و أهل القدرة من سائر الناس و روى أبو سلام الأعرج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا قال إن الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية « تلك الدار الآخرة » الآية يعني أن من تكبر على غيره بلباس يعجبه فهو ممن يريد علوا في الأرض قال الكلبي يعني بقوله « فسادا » الدعاء إلى عبادة غير الله و قال عكرمة هو أخذ المال بغير حق « و العاقبة للمتقين » أي و العاقبة الجميلة المحمودة من الفوز بالثواب للذين اتقوا الشرك و المعاصي و قيل معناه الجنة لمن اتقى عقاب الله بأداء فرائضه و اجتناب معاصيه « من جاء بالحسنة فله خير منها » مضى تفسيره « و من جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما يعملون » أي لا يزاد في عقابهم على قدر استحقاقهم بخلاف الزيادة في الفضل على الثواب المستحق فإنه يكون تفضلا فهو مثل قوله و من جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها « إن الذي فرض عليك القرآن » خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المعنى أن الذي أوجب عليك الامتثال بما تضمنه القرآن و أنزله عليك « لرادك إلى معاد » أي يردك إلى مكة عن ابن عباس و مجاهد و الجبائي و على هذا فيكون في الآية دلالة على صحة النبوة لأنه أخبر به من غير شرط و لا استثناء و جاء المخبر مطابقا للخبر قال القتيبي معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه و قيل « إلى معاد » إلى الموت عن ابن عباس في رواية أخرى و عن أبي سعيد الخدري قيل إلى المرجع يوم القيامة أي يعيدك بعد الموت كما بدأك عن الحسن و الزهري و عكرمة و أبي مسلم و قيل إلى الجنة عن مجاهد و أبي صالح فالمعنى أنه مميتك و باعثك و مدخلك الجنة و الظاهر يقتضي أنه العود إلى مكة لأن ظاهر العود يقتضي ابتداء ثم عودا إليه على أنه يجوز أن يقال الجنة معاد و إن لم يتقدم له فيها كون كما قال سبحانه في الكفار ثم إن مرجعهم لألى
مجمع البيان ج : 7 ص : 421
الجحيم ثم ابتدأ سبحانه كلاما آخر فقال « قل » يا محمد « ربي أعلم من جاء بالهدى » الذي يستحق به الثواب « و من هو في ضلال مبين » أي و من لم يجيء بالهدى و ضل عنه أي لا يخفى عليه المؤمن و الكافر و من هو على الهدى و من هو ضال عنه و تأويله قل ربي يعلم أني جئت بالهدى من عنده و إنكم في ضلال سينصرني عليكم ثم ذكر نعمه فقال « و ما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب » أي و ما كنت يا محمد ترجو فيما مضى أن يوحي الله إليك و يشرفك بإنزال القرآن عليك « إلا رحمة من ربك » قال الفراء هذا من الاستثناء المنقطع و معناه إلا أن ربك رحمك و أنعم به عليك و أراد بك الخير كذلك ينعم عليك بردك إلى مكة فاعرف هذه النعم و قيل معناه و ما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين و قصصهم تتلوها على أهل مكة و لم تشهدها و لم تحضرها بدلالة قوله و ما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا أي أنك تتلو على أهل مكة قصص مدين و موسى و لم تكن هناك ثاويا مقيما و كذلك قوله و ما كنت بجانب الغربي و أنت تتلو قصصهم و أمرهم فهذه رحمة من ربك « فلا تكونن ظهيرا للكافرين » أي معينا لهم و في هذا دلالة على وجوب معاداة أهل الباطل و في هذه الآية و ما بعدها و إن كان الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فالمراد غيره و قد روي عن ابن عباس أنه كان يقول القرآن كله إياك أعني و اسمعي يا جارة « و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك » أي و لا يمنعك هؤلاء الكفار عن اتباع آيات الله التي هي القرآن و الدين بعد إذ نزلت إليك تعظيما لذكرك و تفخيما لشأنك « و ادع إلى ربك » أي إلى طاعة ربك الذي خلقك و أنعم عليك و إلى توحيده « و لا تكونن من المشركين » أي لا تمل إليهم و لا ترض بطريقتهم و لا توال أحدا منهم « و لا تدع مع الله إلها آخر » أي لا تعبد معه غيره و لا تستدع حوائجك من جهة ما سواه « لا إله إلا هو » أي لا معبود إلا هو وحده لا شريك له « كل شيء هالك إلا وجهه » أي كل شيء فإن بائد إلا ذاته و هذا كما يقال هذا وجه الرأي و وجه الطريق و هذا معنى قول مجاهد « إلا هو » و في هذا دلالة على أن الأجسام تفنى ثم تعاد على ما قاله الشيوخ في الفناء و الإعادة و قيل معناه كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه فإن ذلك يبقى ثوابه عن عطا و ابن عباس و عن أبي العالية و الكلبي و هو اختيار الفراء و أنشد :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه
رب العباد إليه الوجه و العمل أي إليه أوجه العمل و على هذا يكون وجه الله ما وجه إليه من الأعمال « له الحكم » أي له القضاء النافذ في خلقه و قيل له الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره « و إليه ترجعون » أي تردون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم .

مجمع البيان ج : 7 ص : 422

النظم

اتصل قوله تلك الدار الآخرة الآية بما قبله على معنى أنه سبحانه كما حرم نعم الدنيا عليهم بالهلاك كذلك يحرم عليهم نعم الآخرة و أما وجه اتصال قوله إن الذي فرض عليك القرآن الآية بما قبله فقد ذكر فيه من حمل المعاد على البعث أنه اتصل بقوله تلك الدار الآخرة و من حمله على العود إلى مكة قال إنه لما بين سبحانه وعده لأم موسى رد موسى عليها مع شرف النبوة كذلك وعده ربه العودة إلى مكة مع الشرف العظيم و قد أنجز وعده كما أنجز وعده هناك و يكون معنى الكلام أن الذي أنزل القرآن بذلك الوعد سينجز هذا الوعد و اتصل قوله قل ربي أعلم من جاء بالهدى على معنى أنه أمره بأن يقول لهم ربي أعلم بالصادق و الكاذب لا يلتبس عليه شيء .


 

 
Back Index