جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج9 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 9 ص : 404
و عليه بيت الحارث بن حلزة :
فإنا من قتلهم لبراء قال الفراء أراد به برءاء فحذف الهمزة التي هي لام تخفيفا و أخذ هذا الموضع من أبي الحسن في قوله إن أشياء أصله أشيئاء و هذا المذهب يوجب ترك صرف براء لأنها همزة التأنيث .

الإعراب

ذهب الزجاج إلى أن التقدير إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي فلا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء و قيل إن الكلام قد تم عند قوله « أولياء » ثم قال « تلقون إليهم » على تقدير أ تلقون فحذف الهمزة كقوله و تلك نعمة تمنها علي و تقديره أ و تلك نعمة و قيل إن قوله « تلقون إليهم بالمودة » في موضع النصب على الحال من الضمير في لا تتخذوا و الباء مزيدة و التقدير تلقون إليهم المودة كما قال الشاعر :
فلما رجت بالشرب هز لها العصا
شحيح له عند الإزاء نهيم أي رجت الشرب و يجوز أن يكون مفعول تلقون محذوفا و الباء تتعلق به أي تلقون إليهم ما تريدون بالمودة التي بينكم و بينهم و قد كفروا جملة في موضع نصب على الحال من العدو أو من الهاء و الميم في قوله « تلقون إليهم » و إياكم منصوب بالعطف على الرسول « إن كنتم خرجتم » جواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدمه من الكلام عليه أي إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي فلا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء و جهادا مفعول له أي للجهاد و يجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال و ابتغاء مرضاتي معطوف عليه على الوجهين و التقدير للحال خرجتم مجاهدين في سبيلي مبتغين مرضاتي .
وحده يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد و التقدير توحدونه توحيدا أو توحدونه إيحادا فيكون مصدرا وضع موضع الحال و يجوز أن يكون مصدر فعل ثلاثي تقديره يحد وحدة و التقدير حتى تؤمنوا بالله واحدا .
« إلا قول إبراهيم » منصوب على الاستثناء و المستثنى منه الضمير المستكن فيما يتعلق به اللام في قوله « قد كانت لكم أسوة حسنة » و التقدير ثبتت لكم في إبراهيم إلا في قوله « لأستغفرن لك » .

النزول

نزلت في حاطب بن أبي بلتعة و ذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ مسلمة جئت قالت لا قال أ مهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأصل و العشيرة و الموالي و قد ذهب موالي و احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني و تكسوني
مجمع البيان ج : 9 ص : 405
و تحملوني قال فأين أنت من شبان مكة و كانت مغنية نائحة قالت ما طلب مني بعد وقعة بدر فحث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليها بني عبد المطلب فكسوها و حملوها و أعطوها نفقة و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتجهز لفتح مكة فأتاها حاطب بن أبي بلتعة و كتب معها كتابا إلى أهل مكة و أعطاها عشرة دنانير عن ابن عباس و عشرة دراهم عن مقاتل بن حيان و كساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة و كتب في الكتاب : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة و نزل جبرائيل فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما فعل فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا و عمارا و عمر و الزبير و طلحة و المقداد بن الأسود و أبا مرثد و كانوا كلهم فرسانا و قال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فنحوها و فتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي (عليه السلام) و الله ما كذبنا و لا كذبنا و سل سيفه و قال لها أخرجي الكتاب و إلا و الله لأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد أخبأته في شعرها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله و الله ما كفرت منذ أسلمت و لا غششتك منذ نصحتك و لا أحببتهم منذ فارقتهم و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا و له بمكة من يمنع عشيرته و كنت عريرا فيهم أي غريبا و كان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا و قد علمت أن الله ينزل بهم بأسه و أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عذره فقام عمر بن الخطاب و قال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و روى البخاري و مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنا و المقداد و الزبير و قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا و ذكر نحوه .

المعنى

« يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء » خاطب سبحانه المؤمنين و نهاهم أن يتخذوا الكافرين أولياء يوالونهم و يستنصرون بهم و ينصرونهم « تلقون إليهم بالمودة » أي تلقون إليهم المودة و تبذلون لهم النصيحة يقال ألقيت إليك بسري و قيل معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمودة التي بينكم و بينهم عن الزجاج « و قد كفروا بما جاءكم من الحق » و هو القرآن و الإسلام « يخرجون الرسول و إياكم » من مكة « أن تؤمنوا بالله ربكم » أي لأن تؤمنوا أو كراهة أن تؤمنوا فكأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم بالله
مجمع البيان ج : 9 ص : 406

ربكم الذي خلقكم « إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي و ابتغاء مرضاتي » و المعنى أن كان غرضكم في خروجكم و هجرتكم الجهاد و طلب رضاي فأوفوا خروجكم حقه من معاداتهم و لا تلقوا إليهم بالمودة و لا تتخذوهم أولياء « تسرون إليهم بالمودة » أي تعلمونهم في السر أن بينكم و بينهم مودة و قيل الباء للتعليل أي تعلمونهم بأحوال الرسول في السر بالمودة التي بينكم و بينهم فعل من يظن أنه يخفى علي ما يفعله « و أنا أعلم بما أخفيتم و ما أعلنتم » لا يخفى علي شيء من ذلك فأطلع رسولي عليه « و من يفعله منكم » أي و من أسر إليهم بالمودة و ألقى إليهم أخبار رسولي منكم يا جماعة المؤمنين بعد هذا البيان « فقد ضل سواء السبيل » أي عدل عن طريق الحق و جار عن سبيل الرشد و في هذه الآية دلالة على أن الكبيرة لا تخرج عن الإيمان لأن أحد من المسلمين لا يقول إن حاطبا قد خرج من الإيمان بما فعله من الكبيرة الموبقة « إن يثقفوكم » يعني أن هؤلاء الكفار أن يصادفوكم مقهورين و يظفروا بكم « يكونوا لكم أعداء و يبسطوا إليكم أيديهم و ألسنتهم بالسوء » أي يمدوا إليكم أيديهم بالضرب و القتل و يبسطوا إليكم ألسنتهم بالشتم و المعنى أنهم يعادونكم و لا ينفعكم ما تلقون إليهم و لا يتركون غاية في إلحاق السوء بكم باليد و اللسان « و ودوا » مع ذلك « لو تكفرون » بالله كما كفروا و ترجعون عن دينكم « لن تنفعكم أرحامكم » أي ذوو أرحامكم و المعنى قراباتكم « و لا أولادكم » أي لا يحملنكم قراباتكم و لا أولادكم التي بمكة على خيانة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المؤمنين فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم « يوم القيامة يفصل » الله « بينكم » فيدخل أهل الإيمان و الطاعة الجنة و أهل الكفر و المعصية النار و يميز بعضكم من بعض ذلك اليوم فلا يرى القريب المؤمن في الجنة قريبه الكافر في النار و قيل معناه يقضي بينكم من فصل القضاء « و الله بما تعملون بصير » أي عليم بأعمالكم علم الله سبحانه بما عمله حاطب من مكاتبة أهل مكة حتى أخبر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بذلك ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم مثلا في ترك موالاة الكفار فقال « قد كانت لكم أسوة حسنة » أي اقتداء حسن « في إبراهيم » خليل الله « و الذين معه » ممن آمن به و اتبعه و قيل الذين معه من الأنبياء عن ابن زيد « إذ قالوا لقومهم » الكفار « إنا برءآؤا منكم » فلا نواليكم « و مما تعبدون من دون الله » أي و براء من الأصنام التي تعبدونها و يجوز أن يكون ما مصدرية فيكون المعنى و من عبادتكم الأصنام « كفرنا بكم » أي يقولون لهم جحدنا دينكم و أنكرنا معبودكم « و بدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبدا » فلا يكون بيننا موالاة في الدين « حتى تؤمنوا بالله وحده » أي تصدقوا بوحدانية الله و إخلاص التوحيد و العبادة له قال الفراء يقول الله تعالى أ فلا تأتسي يا حاطب بإبراهيم و قومه فتبرأ من أهلك كما تبرؤا منهم أي من قومهم الكفار « إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك » أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره
مجمع البيان ج : 9 ص : 407
إلا في هذا القول فلا تقتدوا به فيه فإنه (عليه السلام) إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه قال الحسن و إنما تبين له ذلك عند موت أبيه و لو لم يستثن ذلك لظن أنه يجوز الاستغفار للكفار مطلقا من غير موعدة بالإيمان منهم فنهوا أن يقتدوا به في هذا خاصة عن مجاهد و قتادة و ابن زيد و قيل كان آزر ينافق إبراهيم و يريه أنه مسلم و يعده إظهار الإسلام فيستغفر له عن الحسن و الجبائي ثم قال « و ما أملك لك من الله من شيء » إذا أراد عقابك و لا يمكنني دفع ذلك عنك « ربنا عليك توكلنا » أي و كانوا يقولون ذلك « و إليك أنبنا » أي إلى طاعتك رجعنا « و إليك المصير » أي إلى حكمك المرجع و هذه حكاية لقول إبراهيم و قومه و يحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك فيفوضوا أمورهم إليه و يرجعون إليه بالتوبة « ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا » معناه لا تعذبنا بأيديهم و لا ببلاء من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء عن مجاهد و قيل معناه و لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك و قيل معناه الطف بنا حتى نصبر على أذاهم و لا نتبعهم فنصير فتنة لهم و قيل معناه أعصمنا من موالاة الكفار فإنا إذا واليناهم ظنوا أنا صوبناهم و قيل معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا « و اغفر لنا ربنا » ذنوبنا « إنك أنت العزيز » الذي لا يغالب و « الحكيم » الذي لا يفعل إلا الحكمة و الصواب و في هذا تعليم للمسلمين أن يدعو بهذا الدعاء .

مجمع البيان ج : 9 ص : 408
لَقَدْ كانَ لَكمْ فِيهِمْ أُسوَةٌ حَسنَةٌ لِّمَن كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الاَخِرَ وَ مَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنىُّ الحَْمِيدُ(6) * عَسى اللَّهُ أَن يجْعَلَ بَيْنَكمْ وَ بَينَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنهُم مَّوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِيرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(7) لا يَنْهَاشُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَتِلُوكُمْ فى الدِّينِ وَ لَمْ يخْرِجُوكم مِّن دِيَرِكُمْ أَن تَبرُّوهُمْ وَ تُقْسِطوا إِلَيهِمْ إِنَّ اللَّهَ يحِب الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَتَلُوكُمْ فى الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكم مِّن دِيَرِكُمْ وَ ظهَرُوا عَلى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَ مَن يَتَوَلهَُّمْ فَأُولَئك هُمُ الظلِمُونَ(9)

النزول

نزل قوله « لا ينهاكم الله » الآية في خزاعة و بني مدلج و كانوا صالحوا رسول الله على أن لا يقاتلوه و لا يعينوا عليه أحدا عن ابن عباس .

المعنى

ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال « لقد كان لكم فيهم » أي في إبراهيم و من آمن معه « أسوة حسنة » أي قدوة حسنة و إنما أعاد ذكر الأسوة لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله و حسن المنقلب و الأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار و قوله « لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر » بدل من قوله « لكم » و هو بدل البعض من الكل مثل قوله « و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا » و فيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله و يخاف عقاب الآخرة و هو قوله « و اليوم الآخر » و قيل يرجو ثواب الله و ما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر « و من يتول » أي و من يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم و الأنبياء و المؤمنين و الذين معه فقد أخطأ حظ نفسه و ذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه و هو قوله « فإن الله هو الغني الحميد » أي الغني عن ذلك المحمود في جميع أفعاله فلا يضره توليه و لكنه ضر نفسه « عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم » أي من كفار مكة « مودة » بالإسلام قال مقاتل لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت هذه الآية و المعنى أن موالاة الكفار لا تنفع و الله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان و تحصل المودة بينكم و بينهم فكونوا على رجاء و طمع من الله أن يفعل ذلك و قد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح فحصلت المودة بينهم و بين المسلمين « و الله قدير » على نقل القلوب من العداوة إلى المودة و على كل شيء يصح أن يكون مقدورا له « و الله غفور » لذنوب عباده « رحيم » بهم إذا تابوا و أسلموا « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم » أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال و برهم و معاملتهم بالعدل و هو قوله « أن تبروهم و تقسطوا إليهم » أي و تعدلوا فيما بينكم و بينهم من الوفاء بالعهد عن الزجاج و قيل إن المسلمين استأمروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أن يبروا أقرباءهم من المشركين و ذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين فنزلت هذه الآية و هي منسوخة بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة و لم يهاجر عن قتادة و قيل هي عامة في كل من كان بهذه الصفة عن ابن الزبير و الذي عليه الإجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس بمحرم و إنما الخلاف في
مجمع البيان ج : 9 ص : 409
إعطائهم مال لزكاة و الفطرة و الكفارات فلم يجوزه أصحابنا و فيه خلاف بين الفقهاء و قوله « أن تبروهم » في موضع جر بدل من الذين و هو بدل الاشتمال و تقديره لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم « إن الله يحب المقسطين » أي العادلين و قيل يحب الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات ثم قال « إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين » من أهل مكة و غيرهم « و أخرجوكم من دياركم » أي منازلكم و أملاككم « و ظاهروا على إخراجكم » أي عاونوا على ذلك و عاضدوهم و هم العوام و الأتباع عاونوا رؤساءهم على الباطل « أن تولوهم » أي ينهاكم الله عن أن تولوهم و توادوهم و تحبونهم و المعنى أن مكاتبتكم بينهم بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم « و من يتولهم » منكم أي يوالهم و ينصرهم « فأولئك هم الظالمون » يستحقون بذلك العذاب الأليم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 410
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكمُ الْمُؤْمِنَت مُهَجِرَت فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَنهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَت فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلُّ لهَُّمْ وَ لا هُمْ يحِلُّونَ لهَُنَّ وَ ءَاتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصمِ الْكَوَافِرِ وَ سئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَ لْيَسئَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(10) وَ إِن فَاتَكمْ شىْءٌ مِّنْ أَزْوَجِكُمْ إِلى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَئَاتُوا الَّذِينَ ذَهَبَت أَزْوَجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ(11)

القراءة

قرأ أهل البصرة و لا تمسكوا بالتشديد و الباقون « و لا تمسكوا » بالتخفيف و في الشواذ قراءة الأعرج فعقبتم بالتشديد و قراءة النخعي و الزهري و يحيى بن يعمر بخلاف فعقبتم ) خفيفة القاف من غير ألف و قراءة مسروق فعقبتم بكسر القاف من غير ألف و القراءة المشهورة « فعاقبتم » و قرأ مجاهد فأعقبتم .

الحجة


حجة من قرأ « لا تمسكوا » قوله فإمساك بمعروف و لا تمسكوهن ضرارا و أمسك عليك زوجك و حجة من قال و لا تمسكوا قوله و الذين يمسكون بالكتاب يقال أمسكت بالشيء و مسكت به و تمسكت به قال ابن جني روينا عن قطرب قال « فعاقبتم » أصبتم عقبى منهن يقال عاقب الرجل شيئا إذا أخذ شيئا و أنشد لطرفة :
فعقبتم بذنوب غير مر جمع مرة فسروه على أعطيتم و عدتم و قال في قوله و لم يعقب لم يرجع و حكي عن الأعمش أنه قال عقبتم غنمتم و قد يجوز أن يكون عقبتم بوزن غنمتم و بمعناه جميعا و روي أيضا بيت طرفة فعقبتم بكسر القاف و حكى أبو عوانة عن المغيرة قال قرأت على إبراهيم « فعاقبتم » فأخذها على فعقبتم خفيفة و معنى أعقبتم صنعتم بهم مثل ما صنعوا بكم .

النزول

قال ابن عباس صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم و من أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو لهم و لم يردوه عليه و كتبوا بذلك كتابا و ختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب و النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم و قال مقاتل هو صيفي ابن الراهب في طلبها و كان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا منا و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات » من دار الكفر إلى دار الإسلام « فامتحنوهن » قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج و لا رغبة عن أرض إلى أرض و لا التماس دنيا و ما خرجت إلا حبا لله و لرسوله فاستحلفها رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما خرجت بغضا لزوجها و لا عشقا لرجل منا و ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) زوجها مهرها و ما أنفق عليها و لم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يرد من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء إذا امتحن و يعطي أزواجهن مهورهن قال الزهري و لما نزلت هذه الآية و فيها قوله « و لا تمسكوا بعصم الكوافر » طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قرنية بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي
مجمع البيان ج : 9 ص : 411

سفيان و هما على شركهما بمكة و الأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه و هما على شركهما و كانت عند طلحة بن عبد الله أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر و كان طلحة قد هاجر و هي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية و كانت ممن فرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من نساء الكفار فحبسها و زوجها خالدا و أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرت منه و هو يومئذ كافر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فزوجها رسول الله سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل قال الشعبي و كانت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت و لحقت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في المدينة و أقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله و قال الجبائي لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء و لم يجر للنساء ذكر و أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ردها عليهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما قال الجبائي و إنما لم يجر هذا الشرط في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكيف ترد عليه و قد وقعت الفرقة بينهما .

المعنى

لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين و الكافرين بين حكم النساء المهاجرات و أزواجهن فقال « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن » بالإيمان أي استوصفوهن الإيمان و سماهن مؤمنات قبل أن يؤمن لأنهن اعتقدن الإيمان « الله أعلم بإيمانهن » أي كنتم تعلمون بالامتحان ظاهر إيمانهن و الله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن ثم اختلفوا في الامتحان على وجوه ( أحدها ) أن الامتحان أن يشهدن أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله عن ابن عباس ( و ثانيها ) ما روي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أن امتحانهن أن يحلفن ما خرجن إلا للدين و الرغبة في الإسلام و لحب الله و رسوله و لم يخرجن لبغض زوج و لا لالتماس دنيا و روي ذلك عن قتادة ( و ثالثها ) أن امتحانهن بما في الآية التي بعد و هو أن لا يشركن بالله شيئا و لا يسرقن و لا يزنين الآية عن عائشة ثم قال سبحانه « فإن علمتموهن مؤمنات » يعني في الظاهر « فلا ترجعوهن إلى الكفار » أي لا تردوهن إليهم « لا هن حل لهم و لا هم يحلون لهن » و هذا يدل على وقوع
مجمع البيان ج : 9 ص : 412
الفرقة بينهما بخروجها مسلمة و إن لم يطلق المشرك « و آتوهم ما أنفقوا » أي و آتوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر عن ابن عباس و مجاهد و قتادة قال الزهري لو لا الهدنة لم يرد إلى المشركين الصداق كما كان يفعل قبل « و لا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن » أي و لا جناح عليكم معاشر المسلمين أن تنكحوا المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن التي يستحل بها فروجهن لأنهن بالإسلام قد بن من أزواجهن « و لا تمسكوا بعصم الكوافر » أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات و أصل العصمة المنع و سمي النكاح عصمة لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج و عصمته و في هذا دلالة على أنه لا يجوز العقد على الكافرة سواء كانت حربية أو ذمية و على كل حال لأنه عام في الكوافر و ليس لأحد أن يخص الآية بعابدة الوثن لنزولها بسببهن لأن المعتبر بعموم اللفظ لا بالسبب « و اسألوا ما أنفقتم » أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها و لم يدفعوها إليكم كما يسألونكم مهور نسائهم إذا هاجرن إليكم و هو قوله « و ليسألوا ما أنفقوا ذلكم » يعني ما ذكر الله في هذه الآية « حكم الله يحكم بينكم و الله عليم » بجميع الأشياء « حكيم » فيما يفعل و يأمر به قال الحسن كان في صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر و الكافرة تحت المسلم فنسخته هذه الآية قال الزهري و لما نزلت هذه الآية آمن المؤمنون بحكم الله و أدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم و أبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمرهم به من أداء نفقات المسلمين فنزل « و إن فاتكم شيء من أزواجكم » أي أحد من أزواجكم « إلى الكفار » فلحقن بهم مرتدات « فعاقبتم » معناه فغزوتم و أصبتم من الكفار عقبى و هي الغنيمة فظفرتم و كانت العاقبة لكم و قيل معناه فخلفتم من بعدهم و صار الأمر عن مؤرج و قيل إن عقب و عاقب مثل صغر و صاغر بمعنى عن الفراء و قيل عاقبتم بمصير أزواج الكفار إليكم إما من جهة سبي أو مجيئهن مؤمنات عن علي بن عيسى « فأتوا الذين ذهبت أزواجهم » أي نساؤهم من المؤمنين « مثل ما أنفقوا » من المهور عليهن من رأس الغنيمة و كذلك من ذهبت زوجته إلى من بينكم و بينه عهد فنكث في إعطاء المهر فالذي ذهبت زوجته يعطى المهر من الغنيمة و لا ينقص شيئا من حقه بل يعطى كملا عن ابن عباس و الجبائي و قيل معناه إن فاتكم أحد من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم و بينهم عهد فغنمتم فأعطوا زوجها صداقها الذي كان ساق إليها من الغنيمة ثم نسخ هذا الحكم في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده عن قتادة و قال علي بن عيسى معناه فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل
مجمع البيان ج : 9 ص : 413

ما أنفقوا من المهور كما عليهم أن يردوا عليكم مثل ما أنفقتم لمن ذهب من أزواجكم « و اتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون » أي اجتنبوا معاصي الله الذي أنتم تصدقون به و لا تجاوزا أمره و قال الزهري فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام ست نسوة : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري و فاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر أبت و ارتدت و بروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان و عبدة بنت عبد العزى بن فضلة و زوجها عمرو بن عبد ود و هند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل و كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مهور نسائهم من الغنيمة .
يَأَيهَا النَّبىُّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَت يُبَايِعْنَك عَلى أَن لا يُشرِكْنَ بِاللَّهِ شيْئاً وَ لا يَسرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلَدَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتَن يَفْترِينَهُ بَينَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَك فى مَعْرُوف فَبَايِعْهُنَّ وَ استَغْفِرْ لهَُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(12) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِب اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئسوا مِنَ الاَخِرَةِ كَمَا يَئس الْكُفَّارُ مِنْ أَصحَبِ الْقُبُورِ(13)
<

الإعراب


« من أصحاب القبور » أي من بعث أصحاب القبور فحذف المضاف و يجوز أن يكون من تبيينا للكفار و التقدير كما يئس الكفار الذين هم من أصحاب القبور من الآخرة .

المعنى

ثم ذكر سبحانه بيعة النساء و كان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من بيعة الرجال و هو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية فشرط الله تعالى في
مجمع البيان ج : 9 ص : 414

مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط و هو قوله « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على » هذه الشرائط و هي « أن لا يشركن بالله شيئا » من الأصنام و الأوثان « و لا يسرقن » لا من أزواجهن و لا من غيرهم « و لا يزنين و لا يقتلن أولادهن » على وجه من الوجوه لا بالواد و لا بالإسقاط « و لا يأتين ببهتان يفترينه » أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد « بين أيديهن و أرجلهن » أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس و قال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفتري بين أيديهن و أرجلهن و ذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها و رجليها و ليس المعنى على نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم و قيل البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات و الكذب على الناس و إضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر و المستقبل من الزمان « و لا يعصينك في معروف » و هو جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر إلا بالمعروف و المعروف نقيض المنكر و هو كل ما دل العقل و السمع على وجوبه أو ندبه و سمي معروفا لأن العقل يعترف به من جهة عظم حسنه و وجوبه و قيل عنى بالمعروف النهي عن النوح و تمزيق الثياب و جز الشعر و شق الجيب و خمش الوجه و الدعاء بالويل عن المقاتلين و الكلبي و الأصل أن المعروف كل بر و تقوى و أمر وافق طاعة الله تعالى « فبايعهن » على ذلك « و استغفر لهن الله » أي اطلب من الله أن يغفر لهن ذنوبهن و يسترها عليهن « إن الله غفور » أي صفوح عنهن « رحيم » منعم عليهن و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بايعهن و كان على الصفا و كان عمر أسفل منه و هند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفا أن يعرفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فقالت هند إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال و ذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام و الجهاد فقط فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لا تسرقن فقالت هند إن أبا سفيان رجل ممسك و إني أصبت من ماله هنأت فلا أدري أ يحل لي أم لا فقال أبو سفيان ما أصبت من مالي فيما مضى و فيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عرفها فقال لها و إنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لا تزنين فقالت هند أ و تزني الحرة فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه و بينها في الجاهلية فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و لا تقتلن أولادكن فقالت هند ربيناهم صغارا و قتلتموهم كبارا و أنتم و هم أعلم و كان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى و تبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لما قال و لا تأتين ببهتان فقالت هند و الله إن البهتان قبيح و ما تأمرنا إلا بالرشد و مكارم الأخلاق و لما قال و لا يعصينك في معروف فقالت هند ما جلسنا مجلسنا هذا و في أنفسنا أن نعصيك في شيء و روى الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج : 9 ص : 415
يبايع النساء بالكلام بهذه الآية « أن لا يشركن بالله شيئا » و ما مست يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يد امرأة قط إلا يد امرأة يملكها رواه البخاري في الصحيح و روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس فيه يده ثم غمسن أيديهن فيه و قيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي و الوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين و الأنفس و الأزواج و كان ذلك في صدر الإسلام و لئلا ينفتق بهن فتق لما وضع من الأحكام فبايعهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حسما لذلك ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم » أي لا تتولوا اليهود و ذلك أن جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم فنهى الله عن ذلك عن المقاتلين و قيل أراد جميع الكفار أي لا تتخذوا كافرا من الكفار أولياء ثم وصف الكفار فقال « قد يئسوا من الآخرة » أي من ثواب الآخرة « كما يئس الكفار من أصحاب القبور » يعني أن اليهود بتكذيبهم محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هم يعرفون صدقه و أنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ و خير كما يئس الكفار الذين ماتوا و صاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل كما يئس كفار العرب من أن يحيا أهل القبور أبدا عن الحسن و قيل كما يئس الكفار من أن ينالهم خير من أصحاب القبور و قيل يريد بالكفار هاهنا الذين يدفنون الموتى أي يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من الآخرة كما يئس الذين دفنوا الموتى منهم .

النظم


ختم الله سبحانه السورة بالأمر بقطع الموالاة من الكفار كما افتتحها به .

مجمع البيان ج : 9 ص : 416
( 61 ) سورة الصف مدنية و آياتها أربع عشرة ( 14 )
و تسمى سورة الحواريين و سورة عيسى (عليه السلام) مدنية و هي أربع عشرة آية بلا خلاف .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة عيسى (عليه السلام) كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا و هو يوم القيامة رفيقه . أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ سورة الصف و أدمن قراءتها في فرائضه و نوافله صفة الله مع ملائكته و أنبيائه المرسلين .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه السورة بقطع موالاة الكفار افتتح هذه السورة بإيجاب ذلك ظاهرا و باطنا ثم بالأمر بالجهاد فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 417

سورة الصف
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سبَّحَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(1) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2) كبرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(3) إِنَّ اللَّهَ يحِب الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فى سبِيلِهِ صفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصوصٌ(4) وَ إِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنى وَ قَد تَّعْلَمُونَ أَنى رَسولُ اللَّهِ إِلَيْكمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا يهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ(5)

اللغة

المقت البغض و الرص إحكام البناء يقال رصصت البناء أي أحكمته و أصله من الرصاص أي جعلته كأنه بني بالرصاص لتلاؤمه و شدة اتصاله .

الإعراب

لم حذفت الألف من ما لشدة الاتصال مع ضعف حرف الاعتلال آخر الكلام لأنه حرف تعيير في موضع تعيير مقتا نصب على التمييز و « أن تقولوا » في موضع رفع بأنه فاعل كبر و التقدير كبر هذا القول مقتا عند الله و قيل إن الفاعل مضمر فيه و التقدير كبر المقت مقتا عند الله نحو نعم رجلا زيد و المخصوص بالذم أن تقولوا صفا مصدر في موضع الحال أي مصطفين .

النزول

نزل قوله « لم تقولون ما لا تفعلون » في المنافقين عن الحسن و قيل نزل في قوم كانوا يقولون إذا لقينا العدو لم نفر و لم نرجع عنهم ثم لم يفوا بما قالوا و انفلوا يوم أحد حتى شج وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كسرت رباعيته عن مقاتل و الكلبي و قيل نزلت في قوم قالوا جاهدنا و أبلينا و فعلنا و لم يفعلوا و هم كذبة عن قتادة و قيل لما أخبر الله سبحانه رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعد قتالا لنفرغن فيه وسعنا ثم فروا يوم أحد فعيرهم الله تعالى بذلك عن محمد بن كعب و قيل كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون وددنا لو أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبرهم الله أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه و الجهاد فكره ذلك ناس و شق عليهم و تباطأوا عنه فنزلت الآية عن ابن عباس و قيل كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين فقتله صهيب في القتال فقال رجل يا رسول الله قتلت فلانا ففرح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال عمرو عبد الرحمن لصهيب أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنك قتلته و أن فلانا ينتحله فقال صهيب إنما قتلته لله و لرسوله فقال عمرو عبد الرحمن يا رسول الله إنما قتله صهيب فقال كذلك يا أبا يحيى قال نعم يا رسول الله فنزلت الآية و الآية الأخرى عن سعيد بن المسيب .


المعنى


« سبح لله ما في السماوات و ما في الأرض و هو العزيز الحكيم » مر تفسيره و إنما أعيد هاهنا لأنه استفتاح السورة بتعظيم الله من جهة ما سبح له بالآية التي فيه كما يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم و إذا دخل المعنى في تعظيم الله حسن الاستفتاح به « يا
مجمع البيان ج : 9 ص : 418
أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون » قيل إن الخطاب للمنافقين و هو تقريع لهم بأنهم يظهرون الإيمان و لا يبطنونه و قيل إن الخطاب للمؤمنين و تعيير لهم أن يقولوا شيئا و لا يفعلونه قال الجبائي هذا على ضربين ( أحدهما ) أن يقول سأفعل و من عزمه أن لا يفعله فهذا قبيح مذموم ( و الآخر ) أن يقول سأفعل و من عزمه أن يفعله و المعلوم أنه لا يفعله فهذا قبيح لأنه لا يدري أ يفعله أم لا و لا ينبغي في مثل هذا أن يقرن بلفظة إن شاء الله « كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون » أي كبر هذا القول و عظم مقتا عند الله و هو أن تقولوا ما لا تفعلونه و قيل معناه كبر أن تقولوا ما لا تفعلونه و تعدوا من أنفسكم ما لا تفون به مقتا عند الله « إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا » أي يصفون أنفسهم عند القتال صفا و قيل يقاتلون في سبيله مصطفين « كأنهم بنيان مرصوص » كأنه بني بالرصاص لتلاؤمه و شدة اتصاله و قيل كأنه حائط ممدود رص على البناء في إحكامه و اتصاله و استقامته أعلم الله سبحانه أنه يحب من ثبت في القتال و يلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص و معنى محبة الله إياهم أنه يريد ثوابهم و منافعهم ثم ذكر سبحانه حديث موسى (عليه السلام) في صدق نيته و ثبات عزيمته على الصبر في أذى قومه تسلية للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في تكذيبهم إياه فقال « و إذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني و قد تعلمون أني رسول الله إليكم » هذا إنكار عليهم إيذاءه بعد ما علموا أنه رسول الله و الرسول يعظم و يبجل و لا يؤذى و كان قومه آذوه بأنواع من الأذى و هو قولهم اجعل لنا إلها و اذهب أنت و ربك فقاتلا و ما روي في قصة قارون أنه دس إليه امرأة و زعم أنه زنى بها و رموه بقتل هارون و قيل إن ذلك حين رموه بالأدرة و قد ذكرنا ذلك عند قوله « و لا تكونوا كالذين آذوا موسى » الآية « فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم » أي فلما مالوا عن الحق و الاستقامة حلاهم و سوء اختيارهم و منعهم الألطاف التي يهدي بها قلوب المؤمنين كقوله و من يؤمن بالله يهد قلبه عن أبي مسلم و قيل أزاغ الله قلوبهم عما يحبون إلى ما يكرهون و لا يجوز أن يكون المراد أزاغ الله قلوبهم عن الإيمان لأن الله تعالى لا يجوز أن يزيغ أحدا عن الإيمان و أيضا فإنه يخرج الكلام عن الفائدة لأنهم إذا زاغوا عن الإيمان فقد حصلوا كفارا فلا معنى لقوله أزاغهم الله عن الإيمان « و الله لا يهدي القوم الفاسقين » أي لا يهديهم الله إلى الثواب و الكرامة و الجنة التي وعدها المؤمنين و قيل لا يفعل بهم الألطاف التي يفعلها بالمؤمنين بل يخليهم و اختيارهم عن أبي مسلم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 419

وَ إِذْ قَالَ عِيسى ابْنُ مَرْيمَ يَبَنى إِسرءِيلَ إِنى رَسولُ اللَّهِ إِلَيْكم مُّصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشرَا بِرَسول يَأْتى مِن بَعْدِى اسمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(6) وَ مَنْ أَظلَمُ مِمَّنِ افْترَى عَلى اللَّهِ الْكَذِب وَ هُوَ يُدْعَى إِلى الاسلَمِ وَ اللَّهُ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ(7) يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كرِهَ الْكَفِرُونَ(8) هُوَ الَّذِى أَرْسلَ رَسولَهُ بِالهُْدَى وَ دِينِ الحَْقِّ لِيُظهِرَهُ عَلى الدِّينِ كلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشرِكُونَ(9)

القراءة

فتح أهل البصرة و الحجاز و أبو بكر الياء من قوله من بعدي اسمه أحمد و لم يفتحه الباقون و قرأ ابن كثير و أهل الكوفة غير أبي بكر « متم نوره » مضافا و الباقون متم نوره بالنصب و التنوين .


الحجة

الإضافة ينوي بها الانفصال كما في قوله إنا مرسلوا الناقة و ذائقة الموت و النصب في متم نوره على أنه في حال الفعل و فيما يأتي .

الإعراب

قوله « اسمه أحمد » في موضع جر لكونه وصفا للرسول كما أن قوله « يأتي » في موضع جر أيضا و تقديره اسمه قول أحمد فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و كذلك قوله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة أي يجدون ذكره مكتوبا أ لا ترى أن الشخص لا يكتب كما أن أحمد عبارة عن الشخص و الاسم قول و القول لا يكون الشخص و خبر المبتدأ يكون المبتدأ في المعنى و مفعول قوله « يريدون » محذوف و تقديره يريدون ذم الإسلام أو يريدون هذا القول « ليطفئوا نور الله » أي لإطفاء نور الله « و الله متم نوره » في موضع نصب على الحال .

المعنى

ثم عطف سبحانه بقصة عيسى (عليه السلام) على قصة موسى فقال « و إذ قال عيسى بن مريم » أي و اذكر إذ قال عيسى بن مريم لقومه الذين بعث إليهم « يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة » المنزلة على موسى « و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد » يعني نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 9 ص : 420


صلى الإله و من يحف بعرشه
و الطيبون على المبارك أحمد و لهذا الاسم معنيان ( أحدهما ) أن يجعل أحمد مبالغة من الفاعل أي هو أكثر حمدا لله من غيره ( و الآخر ) أن يجعل مبالغة من المفعول أي يحمد بما فيه من الأخلاق و المحاسن أكثر مما يحمد غيره و صحت الرواية عن الزهري عن محمد بن جبير بن المطعم عن أبيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن لي أسماء أنا أحمد و أنا محمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي و أنا العاقب الذي ليس بعدي نبي أورده البخاري في الصحيح و قد تضمنت الآية أن عيسى بشر قومه بمحمد و بنبوته و أخبرهم برسالته و في هذه البشرى معجزة لعيسى (عليه السلام) عند ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أمر لأمته أن يؤمنوا به عند مجيئه « فلما جاءهم » أحمد « بالبينات » أي بالدلالات الظاهرة و المعجزات الباهرة « قالوا هذا سحر مبين » أي ظاهر « و من أظلم ممن افترى على الله الكذب » أي من أشد ظلما ممن اختلق الكذب على الله و قال لمعجزاته سحر و للرسول إنه ساحر كذاب « و هو يدعى إلى الإسلام » الذي فيه نجاته و قيل يدعى إلى الاستسلام لأمره و الانقياد لطاعته « و الله لا يهدي القوم الظالمين » الذين ظلموا أنفسهم بفعل الكفر و المعاصي قال ابن جريج هم الكفار و المنافقون و يدل عليه قوله بعد « يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم » أي يريدون إذهاب نور الإيمان و الإسلام بفاسد الكلام الجاري مجرى تراكم الظلام فمثلهم فيه كمثل من حاول إطفاء نور الشمس بفيه « و الله متم نوره » أي مظهر كلمته و مؤيد نبيه و معلن دينه و شريعته و مبلغ ذلك غايته « و لو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله » محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « بالهدى » من التوحيد و إخلاص العبادة له « و دين الحق » و هو دين الإسلام و ما تعبد به الخلق « ليظهره على الدين كله » بالحجة و التأييد و النصرة « و لو كره المشركون » و في هذه دلالة على صحة نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه سبحانه قد أظهر دينه على جميع الأديان بالاستعلاء و القهر و إعلاء الشأن كما وعده ذلك في حال الضعف و قلة الأعوان و أراد بالدين جنس الأديان فلذلك أدخل الألف و اللام و روى العياشي بالإسناد عن عمران بن ميثم عن عباية أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول « هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله » أ ظهر بعد ذلك قالوا نعم قال كلا فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا و ينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرة و عشيا .

مجمع البيان ج : 9 ص : 421
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ عَلى تجَرَة تُنجِيكم مِّنْ عَذَاب أَلِيم(10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ تجَهِدُونَ فى سبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَلِكمْ وَ أَنفُسِكُمْ ذَلِكمْ خَيرٌ لَّكمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(11) يَغْفِرْ لَكمْ ذُنُوبَكمْ وَ يُدْخِلْكمْ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ وَ مَسكِنَ طيِّبَةً فى جَنَّتِ عَدْن ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12) وَ أُخْرَى تحِبُّونهَا نَصرٌ مِّنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ(13) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسى ابْنُ مَرْيمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصارِى إِلى اللَّهِ قَالَ الحَْوَارِيُّونَ نحْنُ أَنصارُ اللَّهِ فَئَامَنَت طائفَةٌ مِّن بَنى إِسرءِيلَ وَ كَفَرَت طائفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصبَحُوا ظهِرِينَ(14)

القراءة

قرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد و الباقون « تنجيكم » بالتخفيف و قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو أنصارا بالتنوين لله بغير ألف و الباقون « أنصار الله » بالإضافة إلى الله .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ تنجيكم بالتشديد قوله و نجينا هودا و الذين آمنوا و حجة التخفيف فأنجاه الله من النار .

اللغة

التجارة طلب الربح في شراء المتاع و استعير هنا لطلب الربح في أعمال الطاعة و الجهاد مقاتلة العدو .

الإعراب

إنما جاز تؤمنون بالله مع أنه محمول على تجارة و خبر عنها و لا يصح أن يقال للتجارة تؤمنون و إنما يقال و أن تؤمنوا بالله لأنه جاء على طريق ما يدل على خبر التجارة لا على نفس الخبر إذ الفعل يدل على مصدره و إنما انعقاده بالتجارة في المعنى لا في اللفظ و في ذلك توطئة لما يبنى على المعنى في الإيجاز و العرب تقول هل لك في خير تقوم إلى فلان فتعوده و أن تقوم إليه و قوله « يغفر لكم ذنوبكم » في كونه مجزوما وجهان
مجمع البيان ج : 9 ص : 422
( أحدهما ) أنه جواب هل أدلكم و هو قول الفراء و أنكره أصحابنا البصريون و قالوا إن الدلالة على التجارة لا توجب المغفرة ( و الآخر ) أنه محمول على المعنى لأن قوله « تؤمنون بالله » معناه آمنوا بالله و رسوله و جاهدوا في سبيله و هو أمر جاء على لفظ الخبر و يدل على ذلك قراءة عبد الله بن مسعود آمنوا بالله و جاهدوا و لا يمتنع أن يأتي الأمر بلفظ الخبر كما أتى الخبر بلفظ الأمر في قوله فليمدد له الرحمن مدا المعنى فمد له الرحمن مدا لأن القديم تعالى لا يأمر نفسه و مثل ذلك أسمع بهم و أبصر لفظه أمر و معناه خبر و يجوز أن يكون قوله « تؤمنون » مرفوعا بسقوط أن و الموصول و الصلة في موضع جر على البدل من تجارة و تقديره هل أدلكم على تجارة إيمان بالله و قوله « و أخرى » في موضع جر بأنها صفة لموصوف محذوف مجرور بالعطف على تجارة تقديره و على تجارة أخرى محبوبة و قال الزجاج تقديره و لكم تجارة أخرى فعلى هذا يكون أخرى صفة موصوف محذوف مرفوع بالابتداء و تحبونها صفة بعد صفة و نصر خبر مبتدإ محذوف تقديره هي نصر من الله .
« من أنصاري إلى الله » إلى هاهنا بمعنى مع أي مع الله .

المعنى

لما تقدم ذكر الرسول عقبه سبحانه بذكر الدعاء إلى قبول قوله و نصرته و العمل بشريعته فقال « يا أيها الذين آمنوا » و هو خطاب للمؤمنين على العموم و قيل هو خطاب لمن تقدم ذكرهم في أول السورة « هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم » صورته صورة العرض و المراد به الأمر على سبيل التلطف في الاستدعاء إلى الإخلاص في الطاعة و المعنى هل ترغبون في تجارة منجية من العذاب الأليم و هو الإيمان بالله و رسوله و الجهاد في سبيل الله بالمال و النفس و ذلك قوله « تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم » و إنما أنزل هذا لما قالوا لو نعلم أي الأعمال أفضل و أحب إلى الله لعملناه فجعل الله سبحانه ذلك العمل بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيها رضى الله و الفوز بالثواب و النجاة من العقاب « ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون » أي ما وصفته و ذكرته لكم أنفع لكم و خير عاقبة لو علمتم ذلك و اعترفتم بصحته و قيل إن معناه إن التجارة التي دللتكم عليها خير لكم من التجارة التي أنتم مشتغلون بها لأنها تؤدي إلى ربح لا يزول و لا يبيد و هذه تؤدي إلى ربح يزول و يبيد إن كنتم تعلمون مضار الأشياء و منافعها يغفر لكم ذنوبكم فإنكم إن علمتم بذلك « يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيبة » أي مواضع تسكنونها مستلذة مستطابة « في جنات عدن » أي إقامة لا تبغون عنها حولا « ذلك الفوز العظيم » لا ما يعده الناس فوزا من طول البقاء و ولاية الدنيا و سأل الحسن عمران بن الحصين و أبا هريرة عن تفسير قوله « و مساكن طيبة في جنات عدن » فقالا على الخبير سقطت
مجمع البيان ج : 9 ص : 423

سألنا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن ذلك فقال قصر من لؤلؤ في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام في كل بيت سبعون وصيفا و وصيفة قال و يعطي الله المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله ثم قال سبحانه « و أخرى تحبونها » أي و تجارة أخرى أو خصلة أخرى تحبونها عاجلا مع ثواب الآجل و هذا من الله تعالى زيادة ترغيب إذ علم سبحانه أن فيهم من يحاول عاجل النصر إما رغبة في الدنيا و إما تأييدا للدين فوعدهم ذلك بأن قال « نصر من الله و فتح قريب » أي تلك الخصلة أو تلك التجارة نصر من الله لكم على أعدائكم و فتح قريب لبلادهم يعني النصر على قريش و فتح مكة عن الكلبي و قيل يريد فتح فارس و الروم و سائر فتوح الإسلام على العموم عن عطاء و قريب معناه قريب كونه و قيل قريب منكم يقرب الرجوع منه إلى أوطانكم « و بشر المؤمنين » أي بشرهم بهذين الثوابين عاجلا و آجلا على الجهاد و هو النصر في الدنيا و الجنة في العقبي ثم حض سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال « يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله » أي أنصار دينه و أعوان نبيه و إنما أضاف إلى نفسه كما يقال للكعبة بيت الله و قيل حمزة بن عبد المطلب أسد الله و المعنى دوموا على ما أنتم عليه من النصرة « كما قال عيسى بن مريم » أي مثل قول عيسى بن مريم « للحواريين » و هم خاصة الأنبياء و سموا بذلك لأنهم أخلصوا من كل عيب عن الزجاج و قيل سموا بذلك لبياض ثيابهم و قيل لأنهم كانوا قصارين « من أنصاري إلى الله » و المعنى قل يا محمد إني أدعوكم إلى هذا الأمر كما دعا عيسى قومه فقال من أنصاري مع الله ينصرني مع نصرة الله إياي و قيل إلى الله أي فيما يقرب إلى الله كما يقال اللهم منك و إليك « قال الحواريون نحن أنصار الله » أي أنصار دين الله و أولياء الله و قيل إنهم إنما سموا نصارى لقولهم نحن أنصار الله « ف آمنت طائفة من بني إسرائيل » أي صدقت بعيسى « و كفرت طائفة » أخرى به قال ابن عباس يعني في زمن عيسى (عليه السلام) و ذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق فرقة قالت كان الله فارتفع و فرقة قالت كان ابن الله فرفعه إليه و فرقة قالوا كان عبد الله و رسوله فرفعه إليه و هم المؤمنون و اتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا و ظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين و ذلك قوله « فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين » أي عالين غالبين و قيل معناه أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن عيسى كلمة الله و روحه عن إبراهيم و قيل بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عن مجاهد و قيل
مجمع البيان ج : 9 ص : 424
معناه ف آمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كفرت طائفة به فأصبحوا قاهرين لعدوهم بالحجة و القهر و الغلبة و بالله التوفيق .


 

 
Back Index