جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


حالها، و ليس له أن يشرب الخمر، و لا له أن يأخذ الربا، و لا له أن يغصب مال غيره بإبطال ملكه و إن رأى صلاح نفسه في ذلك لأن ذلك كله يزاحم حكم الله تعالى، هذا كله في التصرف الشخصي، كذلك ولي الأمر له أن يتصرف في الأمور العامة على طبق المصالح الكلية مع حفظ الأحكام الإلهية على ما هي عليها، فيدافع عن ثغور الإسلام حينا، و يمسك عن ذلك حينا، على حسب ما يشخصه من المصالح العامة، أو يأمر بالتعطيل العمومي أو الإنفاق العمومي يوما إلى غير ذلك بحسب ما يراه من المصلحة.

و بالجملة كل ما للواحد من المسلمين أن يتصرف فيه بحسب صلاح شخصه مع التحفظ على حكم الله سبحانه في الواقعة فلوالي الأمر من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتصرف فيه بحسب الصلاح العام العائد إلى حال المسلمين مع التحفظ بحكم الله سبحانه في الواقعة.

و لو جاز لولي الأمر أن يتصرف في الحكم التشريعي تكليفا أو وضعا بحسب ما يراه من صلاح الوقت لم يقم حكم على ساق، و لم يكن لاستمرار الشريعة إلى يوم القيامة معنى البتة، فما الفرق بين أن يقول قائل: إن حكم التمتع من طيبات الحياة لا يلائم هيئة النسك و العبادة من الناسك فيلزم تركه، و بين أن يقول القائل: إن إباحة الاسترقاق لا تناسب وضع الدنيا الحاضرة القاضية بالحرية العامة فيلزم إهمالها، أو إن إجراء الحدود مما لا تهضمه الإنسانية الراقية اليوم، و القوانين الجارية في العالم اليوم لا تقبله فيجب تعطيله؟! و قد يفهم هذا المعنى من بعض الروايات في الباب كما في الدر المنثور،: أخرج إسحاق بن راعويه في مسنده، و أحمد عن الحسن: أن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة الحج فقام إليه أبي بن كعب، فقال: ليس ذلك لك قد نزل بها كتاب الله و اعتمرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل عمر.

2 سورة البقرة - 204 - 207

وَ مِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُك قَوْلُهُ فى الْحَيَوةِ الدّنْيَا وَ يُشهِدُ اللّهَ عَلى مَا فى قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدّ الْخِصامِ (204) وَ إِذَا تَوَلى سعَى فى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَ يُهْلِك الْحَرْث وَ النّسلَ وَ اللّهُ لا يحِب الْفَسادَ (205) وَ إِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزّةُ بِالاثْمِ فَحَسبُهُ جَهَنّمُ وَ لَبِئْس الْمِهَادُ (206) وَ مِنَ النّاسِ مَن يَشرِى نَفْسهُ ابْتِغَاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ (207)

بيان


تشتمل الآيات على تقسيم آخر للناس من حيث نتائج صفاتهم كما أن الآيات السابقة أعني قوله تعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا "إلخ"، تشتمل على تقسيم لهم غير أن تلك الآيات تقسمهم من حيث طلب الدنيا أو الآخرة، و هذه الآيات تقسمهم من حيث النفاق و الخلوص في الإيمان فمناسبة الآيات مع آيات حج التمتع ظاهرة.

قوله تعالى: و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا "إلخ"، أعجبه الشيء - أي راقه و سره، و قوله: في الحياة الدنيا، متعلق بقوله: يعجبك، أي إن الإعجاب في الدنيا من جهة أن هذه الحياة نوع حياة لا تحكم إلا على الظاهر، و أما الباطن و السريرة فتحت الستر و وراء الحجاب، لا يشاهده الإنسان و هو متعلق الحياة بالدنيا إلا أن يستكشف شيئا من أمر الباطن من طريق الآثار و يناسبه ما يتلوه: من قوله تعالى: و يشهد الله على ما في قلبه، و المعنى أنه يتكلم بما يعجبك كلامه، من ما يشير به إلى رعاية جانب الحق، و العناية بصلاح الخلق، و تقدم الدين و الأمة و هو أشد الخصماء للحق خصومة و قوله: ألد، أفعل التفضيل من لد لدودا إذا اشتد خصومة، و الخصام جمع خصم كصعب و صعاب و كعب و كعاب، و قيل: الخصام مصدر، و معنى ألد الخصام أشد خصومة.

قوله تعالى: و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها "إلخ"، التولي هو تملك الولاية و السلطان، و يؤيده قوله تعالى في الآية التالية: أخذته العزة بالإثم، الدال على أن له عزة مكتسبة بالإثم الذي يأثم به قلبه غير الموافق للسانه، و السعي هو العمل و الإسراع في المشي، فالمعنى و إذا تمكن هذا المنافق الشديد الخصومة من العمل و أوتي سلطانا و تولى أمر الناس سعى في الأرض ليفسد فيها، و يمكن أن يكون التولي بمعنى الإعراض عن المخاطبة و المواجهة، أي إذا خرج من عندك كانت غيبته مخالفة لحضوره، و تبدل ما كان يظهره من طلب الصلاح و الخير إلى السعي في الأرض لأجل الفساد و الإفساد.

قوله تعالى: و يهلك الحرث و النسل، ظاهره أنه بيان لقوله تعالى: ليفسد فيها أي يفسد فيها بإهلاك الحرث و النسل، و لما كان قوام النوع الإنساني من حيث الحياة و البقاء بالتغذي و التوليد فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال: أما التوليد فظاهر، و أما التغذي فإنما يركن الإنسان فيه إلى الحيوان و النبات، و الحيوان يركن إلى النبات، فالنبات هو الأصل و يستحفظ بالحرث و هو تربية النبات، فلذلك علق الفساد على الحرث و النسل فالمعنى أنه يفسد في الأرض بإفناء الإنسان و إبادة هذا النوع بإهلاك الحرث و النسل.

قوله تعالى: و الله لا يحب الفساد المراد، بالفساد ليس ما هو فساد في الكون و الوجود الفساد التكويني فإن النشأة نشأة الكون و الفساد، و عالم التنازع في البقاء و لا كون إلا بفساد، و لا حياة إلا بموت، و هما متعانقان في هذا الوجود الطبيعي في النشأة الطبيعية، و حاشا أن يبغض الله سبحانه ما هو مقدره و قاضيه.

و إنما هو الفساد المتعلق بالتشريع فإن الله إنما شرع ما شرعه من الدين ليصلح به أعمال عباده فيصلح أخلاقهم و ملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال الإنسانية و الجامعة البشرية، و عند ذلك تسعد حياتهم في الدنيا و حياتهم في الآخرة على ما سيجيء بيانه في قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة.

فهذا الذي يخالف ظاهر قوله باطن قلبه إذا سعى في الأرض بالفساد فإنما يفسد بما ظاهره الإصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها، و تغيير حكم الله عما هو عليه، و التصرف في التعاليم الدينية، بما يؤدي إلى فساد الأخلاق و اختلاف الكلمة، و في ذلك موت الدين، و فناء الإنسانية، و فساد الدنيا، و قد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال و ركوبهم أكتاف هذه الأمة الإسلامية، و تصرفهم في أمر الدين و الدنيا بما لم يستعقب للدين إلا وبالا، و للمسلمين إلا انحطاطا، و للأمة إلا اختلافا، فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب، و لا الإنسانية إلا خطفة لكل خاطف، فنتيجة هذا السعي فساد الأرض، و ذلك بهلاك الدين أولا، و هلاك الإنسانية ثانيا، و لهذا فسر قوله و يهلك الحرث و النسل في بعض الروايات بهلاك الدين و الإنسانية كما سيأتي إن شاء الله.

قوله تعالى: و إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم و لبئس المهاد، العزة معروفة، و المهاد الوطاء، و الظاهر أن قوله: بالإثم متعلق بالعزة، و المعنى أنه إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة الظاهرة التي اكتسبها بالإثم و النفاق المستبطن في نفسه، و ذلك أن العزة المطلقة إنما هي من الله سبحانه كما قال تعالى: "تعز من تشاء و تذل من تشاء:" آل عمران - 26، و قال تعالى: "و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين:" المنافقين - 8، و قال تعالى: "أ يبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا:" النساء - 139.

و حاشا أن ينسب تعالى شيئا إلى نفسه و يختصه بإعطائه ثم يستعقب إثما أو شرا فهذه العزة إنما هي عزة يحسبها الجاهل بحقيقة الأمر عزة بحسب ظاهر الحياة الدنيا لا عزة حقيقية أعطاها الله سبحانه لصاحبها.

و من هنا يظهر أن قوله: بالإثم ليس متعلقا بقوله: أخذته، بأن يكون الباء للتعدية، و المعنى حملته العزة على الإثم و رد الأمر بالتقوى، و تجيبه الأمر بما يسوؤه من القول، أو يكون الباء للسببية، و المعنى ظهرت فيه العزة و المناعة بسبب الإثم الذي اكتسبه، و ذلك أن إطلاق العزة على هذه الحالة النفسانية و تسميته بالعزة يستلزم إمضاءها و التصديق منه تعالى بأنها عزة حقيقية و ليست بها، بخلاف ما لو سميت عزة بالإثم.

و أما قوله تعالى: "بل الذين كفروا في عزة و شقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا و لات حين مناص:" ص - 2، فليس من قبيل التسمية و الإمضاء لكون العزة نكرة مع تعقيب الآية بقوله: كم أهلكنا من قبلهم "إلخ"، فهي هناك عزة صورية غير باقية و لا أصيلة.

قوله تعالى: و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله "إلخ"، مقابلته مع قوله تعالى: و من الناس من يعجبك قوله "إلخ"، يفيد أن الوصف مقابل الوصف أي كما أن المراد من قوله: و من الناس من يعجبك، بيان أن هناك رجلا معتزا بإثمه معجبا بنفسه متظاهرا بالإصلاح مضمرا للنفاق لا يعود منه إلى حال الدين و الإنسانية إلا الفساد و الهلاك كذلك المراد من قوله: و من الناس من يشري نفسه "إلخ"، بيان أن هناك رجلا آخر باع نفسه من الله سبحانه لا يريد إلا ما أراده الله تعالى لا هوى له في نفسه و لا اعتزاز له إلا بربه و لا ابتغاء له إلا لمرضاة الله تعالى، فيصلح به أمر الدين و الدنيا، و يحيى به الحق، و يطيب به عيش الإنسانية، و يدر به ضرع الإسلام، و بذلك يظهر ارتباط الذيل بالصدر أعني قوله تعالى: و الله رءوف بالعباد، بما قبله، فإن وجود إنسان هذه صفته من رأفة الله سبحانه بعباده إذ لو لا رجال هذه صفاتهم بين الناس في مقابل رجال آخرين صفتهم ما ذكر من النفاق و الإفساد لانهدمت أركان الدين، و لم تستقر من بناء الصلاح و الرشاد لبنة على لبنة، لكن الله سبحانه لا يزال يزهق ذاك الباطل بهذا الحق و يتدارك إفساد أعدائه بإصلاح أوليائه كما قال تعالى: "و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض:" البقرة - 251، و قال تعالى: "و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا:" الحج - 40، و قال تعالى: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين:" الأنعام - 89، فالفساد الطارىء على الدين و الدنيا من قبل عدة ممن لا هوى له إلا في نفسه لا يمكن سد ثلمته إلا بالصلاح الفائض من قبل آخرين ممن باع نفسه من الله سبحانه، و لا هوى له إلا في ربه، و إصلاح الأرض و من عليها، و قد ذكر هذه المعاملة الرابية عند الله بقوله تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به:" التوبة - 111، إلى غير ذلك من الآيات.

بحث روائي

في الدر المنثور، عن السدي: في قوله تعالى: و من الناس من يعجبك الآية، أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة، أقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة و قال: جئت أريد الإسلام و يعلم الله إني لصادق فأعجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك منه فذلك قوله تعالى: و يشهد الله على ما في قلبه، ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين و حمر فأحرق الزرع و عقر الحمر فأنزل الله: و إذا تولى سعى في الأرض الآية.

و في المجمع، عن ابن عباس: نزلت الآيات الثلاثة في المرائي لأنه يظهر خلاف ما يبطن، قال: و هو المروي عن الصادق (عليه السلام).

أقول: و لكنه غير منطبق على ظاهر الآيات.

و في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت أنها من الآيات النازلة في أعدائهم.

و في المجمع، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: و يهلك الحرث و النسل: أن المراد بالحرث هاهنا الدين، و النسل الإنسان.

أقول: و قد مر بيانه، و قد روي: أن المراد بالحرث الذرية و الزرع، و الأمر في التطبيق سهل.

و في أمالي الشيخ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): في قوله تعالى: و من الناس من يشري نفسه الآية، قال: نزلت في علي (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أقول: و قد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين أنها نزلت في شأن ليلة الفراش، و رواه في تفسير البرهان، بخمس طرق عن الثعلبي و غيره.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن صهيب، قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا و لا مال لك و تخرج أنت و مالك، و الله لا يكون ذلك أبدا، فقلت لهم: أ رأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني؟ قالوا: نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ربح البيع صهيب مرتين: أقول: و رواه بطرق أخرى في بعضها و نزلت: و من الناس من يشري نفسه الآية، و في بعضها نزلت في صهيب و أبي ذر بشرائهما أنفسهما بأموالهما و قد مر أن الآية لا تلائم كون المراد بالشراء الاشتراء.

و في المجمع، عن علي (عليه السلام): أن المراد بالآية الرجل يقتل على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

أقول: و هو بيان لعموم الآية و لا ينافي كون النزول لشأن خاص.

2 سورة البقرة - 208 - 210

يَأَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فى السلْمِ كافّةً وَ لا تَتّبِعُوا خُطوَتِ الشيْطنِ إِنّهُ لَكمْ عَدُوّ مّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكمُ الْبَيِّنَت فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ (209) هَلْ يَنظرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فى ظلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَ الْمَلَئكةُ وَ قُضىَ الأَمْرُ وَ إِلى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (210)

بيان

هذه الآيات و هي قوله: يا أيها الذين آمنوا إلى قوله: ألا إن نصر الله قريب الآية سبع آيات كاملة تبين طريق التحفظ على الوحدة الدينية في الجامعة الإنسانية و هو الدخول في السلم و القصر على ما ذكره الله من القول و ما أراه من طريق العمل، و أنه لم ينفصم وحدة الدين، و لا ارتحلت سعادة الدارين، و لا حلت الهلكة دار قوم إلا بالخروج عن السلم، و التصرف في آيات الله تعالى بتغييرها و وضعها في غير موضعها، شوهد ذلك في بني إسرائيل و غيرهم من الأمم الغابرة و سيجري نظيرها في هذه الأمة لكن الله يعدهم بالنصر: ألا إن نصر الله قريب.

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، السلم و الإسلام و التسليم واحدة، و كافة كلمة تأكيد بمعنى جميعا، و لما كان الخطاب للمؤمنين و قد أمروا بالدخول في السلم كافة، فهو أمر متعلق بالمجموع و بكل واحد من أجزائه، فيجب ذلك على كل مؤمن، و يجب على الجميع أيضا أن لا يختلفوا في ذلك و يسلموا الأمر لله و لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و أيضا الخطاب للمؤمنين خاصة فالسلم المدعو إليه هو التسليم لله سبحانه بعد الإيمان به فيجب على المؤمنين أن يسلموا الأمر إليه، و لا يذعنوا لأنفسهم صلاحا باستبداد من الرأي، و لا يضعوا لأنفسهم من عند أنفسهم طريقا يسلكونه من دون أن يبينه الله و رسوله، فما هلك قوم إلا باتباع الهوى و القول بغير العلم، و لم يسلب حق الحياة و سعادة الجد عن قوم إلا عن اختلاف.

و من هنا ظهر: أن المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة الحق و يسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الإنسان من غير علم، و علامة ذلك عدم ذكر الله و رسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية.

و خصوصيات سياق الكلام و قيوده تدل على ذلك أيضا: فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، و إذا كان سالكه هو المؤمن، و طريقه إنما هو طريق الإيمان فهو طريق شيطاني في الإيمان، و إذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم فالطريق الذي يسلكه من غير سلم من خطوات الشيطان، و اتباعه اتباع خطوات الشيطان.

فالآية نظيرة قوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء و الفحشاء و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون:" البقرة - 169 و قد مر الكلام في الآية، و قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر:" النور - 21، و قوله تعالى: كلوا مما رزقكم الله و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين:" الأنعام - 142، و الفرق بين هذه الآية و بين تلك أن الدعوة في هذه موجهة إلى الجماعة لمكان قوله تعالى: كافة بخلاف تلك الآيات فهي عامة، فهذه الآية في معنى قوله تعالى: "و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا:" آل عمران - 103، و قوله تعالى: "و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله:" الأنعام - 153، و يستفاد من الآية أن الإسلام متكفل لجميع ما يحتاج إليه الناس من الأحكام و المعارف التي فيه صلاح الناس.

قوله تعالى: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات، الزلة هي العثرة، و المعنى فإن لم تدخلوا في السلم كافة و زللتم و الزلة هي اتباع خطوات الشيطان فاعلموا أن الله عزيز غير مغلوب في أمره، حكيم لا يتعدى عما تقتضيه حكمته من القضاء في شأنكم فيقضي فيكم ما تقتضيه حكمته، و يجريه فيكم من غير أن يمنع عنه مانع.

قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام "إلخ"، الظلل جمع ظلة و هي ما يستظل به، و ظاهر الآية أن الملائكة عطف على لفظ الجلالة، و في الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة و تبديل خطابهم بخطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإعراض عن مخاطبتهم بأن هؤلاء حالهم حال من ينتظر ما أوعدناهم به من القضاء على طبق ما يختارونه من اتباع خطوات الشيطان و الاختلاف و التمزق، و ذلك بأن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة، و يقضي الأمر من حيث لا يشعرون، أو بحيث لا يعبأ بهم و بما يقعون فيه من الهلاك، و إلى الله ترجع الأمور، فلا مفر من حكمه و قضائه، فالسياق يقتضي أن يكون قوله: هل ينظرون، هو الوعيد الذي أوعدهم به في قوله تعالى في الآية السابقة فاعلموا أن الله عزيز حكيم.

ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب و السنة أن الله سبحانه و تعالى لا يوصف بصفة الأجسام، و لا ينعت بنعوت الممكنات مما يقضي بالحدوث، و يلازم الفقر و الحاجة و النقص، فقد قال تعالى: "ليس كمثله شيء:" الشورى - 11، و قال تعالى: "و الله هو الغني:" الفاطر - 15، و قال تعالى: "الله خالق كل شيء:" الزمر - 62، إلى غير ذلك من الآيات، و هي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن، فما ورد من الآيات و ظاهرها إسناد شيء من الصفات أو الأفعال الحادثة إليه تعالى ينبغي أن يرجع إليها، و يفهم منها معنى من المعاني لا ينافي صفاته العليا و أسماءه الحسنى تبارك و تعالى، فالآيات المشتملة على نسبة المجيء أو الإتيان إليه تعالى كقوله تعالى: "و جاء ربك و الملك صفا صفا:" الفجر - 22، و قوله تعالى: "فأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا:" الحشر - 2، و قوله تعالى: "فأتى الله بنيانهم من القواعد:" النحل - 26، كل ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدست أسماؤه كالإحاطة و نحوها و لو مجازا، و على هذا فالمراد بالإتيان في قوله تعالى: إن يأتيهم الله الإحاطة بهم للقضاء في حقهم.

على أنا نجده سبحانه و تعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النسب و فعلا من الأفعال عن استقلال الأسباب و وساطة الأوساط فربما نسبها إلى نفسه و ربما نسبها إلى أمره كقوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس:" الزمر - 42، و قوله تعالى: "يتوفيكم ملك الموت:" السجدة - 11، و قوله تعالى: "توفته رسلنا:" الأنعام - 61، فنسب التوفي تارة إلى نفسه، و تارة إلى الملائكة ثم قال تعالى: في أمر الملائكة: "بأمره يعملون:" الأنبياء - 27، و كذلك قوله تعالى: إن ربك يقضي بينهم:" يونس - 93، و قوله تعالى: "فإذا جاء أمر الله قضي بالحق:" المؤمن - 78، و كما في هذه الآية: أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام الآية، و قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك:" النحل - 33.

و هذا يوجب صحة تقدير الأمر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى نظير: جاء ربك، و يأتيهم الله، فالتقدير جاء أمر ربك و يأتيهم أمر الله.

فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج في معنى هذه النسب على ما يراه جمهور المفسرين لكن التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذه النسب معنى أرق و ألطف من ذلك، و ذلك أن أمثال قوله تعالى: "و الله هو الغني:" الفاطر - 15، و قوله تعالى: "العزيز الوهاب:" ص - 9، و قوله "تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى:" طه - 50، تفيد أنه تعالى واجد لما يعطيه من الخلقة و شئونها و أطوارها، مليء بما يهبه و يجود به و إن كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة و أحكامها الجسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات و نسبته إليه تعالى، لكن هذه المعاني إذا جردت عن قيود المادة و أوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور فالنقص و الحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى، فإذا لم يصاحب المعنى نقصا و حاجة لتجريده عنه صح إسناده إليه تعالى بل وجب ذلك لأن كل ما يقع عليه اسم شيء فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه و عظمته.

فالمجيء و الإتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه و بين جسم آخر بالحركة و اقترابه منه إذا جرد عن خصوصية المادة كان هو حصول القرب، و ارتفاع المانع و الحاجز بين شيئين من جهة من الجهات، و حينئذ صح إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز: فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم و بين قضائه فيهم، و هذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفق الأبحاث البرهانية لنيله إلا بعد إمعان في السير، و ركوبها كل سهل و وعر، و إثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة.

و كيف كان فهذه الآية تتضمن الوعيد الذي ينبىء عنه قوله سبحانه في الآية السابقة: إن الله عزيز حكيم، و من الممكن أن يكون وعيدا بما سيستقبل القوم في الآخرة يوم القيامة كما هو ظاهر قوله تعالى في نظير الآية: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك:" النحل - 33، و من الممكن أن يكون وعيدا بأمر متوقع الحصول في الدنيا كما يظهر بالرجوع إلى ما في سورة يونس بعد قوله تعالى: "و لكل أمة رسول:" يونس - 47، و ما في سورة الروم بعد قوله تعالى: "و أقم وجهك للدين حنيفا:" الروم - 30، و ما في سورة الأنبياء و غيرها على أن الآخرة آجلة هذه العاجلة و ظهور تام لما في هذه الدنيا، و من الممكن أيضا أن يكون وعيدا بما سيقع في الدنيا و الآخرة معا، و كيف كان فقوله في ظلل من الغمام يشتمل من المعنى على ما يناسب مورده.



قوله تعالى: و قضي الأمر و إلى الله ترجع الأمور، السكوت عن ذكر فاعل القضاء، و هو الله سبحانه كما يدل عليه قوله: و إلى الله ترجع الأمور، لإظهار الكبرياء على ما يفعله الأعاظم في الأخبار عن وقوع أحكامهم و صدور أوامرهم و هو كثير في القرآن.

بحث روائي

قد تقدم في قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية عدة روايات تؤيد ما ذكرناه من معنى اتباع خطوات الشيطان فارجع، و في بعض الروايات أن السلم هو الولاية و هو من الجري على ما مر مرارا في نظائره.

و في التوحيد، و المعاني، عن الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام" قال: يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام و هكذا نزلت، و عن قول الله عز و جل. "و جاء ربك و الملك" صفا صفا قال: إن الله عز و جل لا يوصف بالمجيء و الذهاب، تعالى عن الانتقال و إنما يعني به و جاء أمر ربك و الملك صفا صفا.

أقول: قوله (عليه السلام) يقول هل ينظرون، معناه يريد هل ينظرون فهو تفسير للآية و ليس من قبيل القراءة.

و المعنى الذي ذكره هو بعينه ما قربناه من كون المراد بإتيانه تعالى إتيان أمره فإن الملائكة إنما تعمل ما تعمل و تنزل حين تنزل بالأمر، قال تعالى: "بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون:" الأنبياء - 27، و قال تعالى: "ينزل الملائكة بالروح من أمره:" النحل - 2.

و هاهنا معنى آخر احتمله بعضهم و هو أن يكون الاستفهام الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله "إلخ"، لإنكار مجموع الجملة لا لإنكار المدخول فقط، و المعنى أن هؤلاء لا ينتظرون إلا أمرا محالا و هو: أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام كما يأتي الجسم إلى الجسم و يأتي معه الملائكة فيأمرهم و ينهاهم و هو محال، فهو كناية عن استحالة تقويمهم بهذه المواعظ و التنبيهات، و فيه: أنه لا يلائم ما مر: أن الآيات ذات سياق واحد و لازمه أن يكون الكلام متوجها إلى حال المؤمنين، و المؤمنون لا يلائم حالهم مثل هذا البيان، على أن الكلام لو كان مسوقا لإفادة ذلك لم يخل من الرد عليهم كما هو دأب القرآن في أمثال ذلك كقوله تعالى: "و قال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم و عتوا عتوا كبيرا: الفرقان - 21، و قوله تعالى: "و قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه:" الأنبياء - 26.

على أنه لم يكن حينئذ وجه لقوله تعالى: في ظلل من الغمام، و لا نكتة ظاهرة لبقية الكلام و هو ظاهر.

بحث روائي آخر

اعلم أنه ورد عن أئمة أهل البيت تفسير الآية بيوم القيامة كما في تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام)، و تفسيرها بالرجعة كما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام)، و تفسيرها بظهور المهدي (عليه السلام) كما رواه العياشي في تفسيره، عن الباقر (عليه السلام) بطريقين.

و نظائره كثيرة فإذا تصفحت وجدت شيئا كثيرا من الآيات ورد تفسيرها عن أئمة أهل البيت تارة بالقيامة و أخرى بالرجعة و ثالثة بالظهور، و ليس ذلك إلا لوحدة و سنخية بين هذه المعاني، و الناس لما لم يبحثوا عن حقيقة يوم القيامة و لم يستفرغوا الوسع في الكشف عما يعطيه القرآن من هوية هذا اليوم العظيم تفرقوا في أمر هذه الروايات، فمنهم من طرح هذه الروايات، و هي مات و ربما زادت على خمسمائة رواية في أبواب متفرقة، و منهم من أولها على ظهورها و صراحتها، و منهم - و هم أمثل طريقة - من ينقلها و يقف عليها من غير بحث.

و غير الشيعة و هم عامة المسلمين و إن أذعنوا بظهور المهدي و رووه بطرق متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنهم أنكروا الرجعة و عدوا القول بها من مختصات الشيعة، و ربما لحق بهم في هذه الأعصار بعض المنتسبين إلى الشيعة، و عد ذلك من الدس الذي عمله اليهود و بعض المتظاهرين بالإسلام كعبد الله بن سبإ و أصحابه، و بعضهم رام إبطال الرجعة بما زعمه من الدليل العقلي فقال: ما حاصله: "أن الموت بحسب العناية الإلهية لا يطرأ على حي حتى يستكمل كمال الحياة و يخرج من القوة إلى الفعل في كل ما له من الكمال فرجوعه إلى الدنيا بعد موته رجوع إلى القوة و هو بالفعل، هذا محال إلا أن يخبر به مخبر صادق و هو الله سبحانه أو خليفة من خلفائه كما أخبر به في قصص موسى و عيسى و إبراهيم (عليهما السلام) و غيرهم.

و لم يرد منه تعالى و لا منهم في أمر الرجعة شيء و ما يتمسك به المثبتون غير تام، ثم أخذ في تضعيف الروايات فلم يدع منها صحيحة و لا سقيمة، هذا.

و لم يدر هذا المسكين أن دليله هذا لو تم دليلا عقليا أبطل صدره ذيله فما كان محالا ذاتيا لم يقبل استثناء و لم ينقلب بإخبار المخبر الصادق ممكنا، و أن المخبر بوقوع المحال لا يكون صادقا و لو فرض صدقه في إخباره أوجب ذلك اضطرارا تأويل كلامه إلى ما يكون ممكنا كما لو أخبر بأن الواحد ليس نصف الاثنين، و أن كل صادق فهو بعينه كاذب.

و ما ذكره من امتناع عود ما خرج من القوة إلى الفعل إلى القوة ثانيا حق لكن الصغرى ممنوعة فإنه إنما يلزم المحال المذكور في إحياء الموتى و رجوعهم إلى الدنيا بعد الخروج عنها إذا كان ذلك بعد الموت الطبيعي الذي افترضوه، و هو أن تفارق النفس البدن بعد خروجها من القوة إلى الفعل خروجا تاما ثم مفارقتها البدن بطباعها.

و أما الموت الاخترامي الذي يكون بقسر قاسر كقتل أو مرض فلا يستلزم الرجوع إلى الدنيا بعده محذورا، فإن من الجائز أن يستعد الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الأولى فيموت ثم يحيى لحيازة الكمال المعد له في الزمان الثاني، أو يستعد لكمال مشروط بتخلل حياة ما في البرزخ فيعود إلى الدنيا بعد استيفاء الشرط، فيجوز على أحد الفرضين الرجعة إلى الدنيا من غير محذور المحال و تمام الكلام موكول إلى غير هذا المقام.

و أما ما ناقشه في كل واحد من الروايات ففيه: أن الروايات متواترة معنى عن أئمة أهل البيت، حتى عد القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة و أئمتهم من لدن الصدر الأول، و التواتر لا يبطل بقبول آحاد الروايات للخدشة و المناقشة، على أن عدة من الآيات النازلة فيها، و الروايات الواردة فيها تامة الدلالة قابلة الاعتماد، و سيجيء التعرض لها في الموارد المناسبة لها كقوله تعالى: "و يوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا:" النمل: 83 و غيره من الآيات.

على أن الآيات بنحو الإجمال دالة عليها كقوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم:" البقرة - 214، و من الحوادث الواقعة قبلنا ما وقع من إحياء الأموات كما قصه القرآن من قصص إبراهيم و موسى و عيسى و عزير و أرميا و غيرهم، و قد قال رسول الله فيما رواه الفريقان: "و الذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة لا تخطئون طريقهم و لا يخطئكم سنن بني إسرائيل".

على أن هذه القضايا التي أخبرنا بها أئمة أهل البيت من الملاحم المتعلقة بآخر الزمان، و قد أثبتها النقلة و الرواة في كتب محفوظة النسخ عندنا سابقة تأليفا و كتابة على الوقوع بقرون و أزمنة طويلة نشاهد كل يوم صدق شطر منها من غير زيادة و نقيصة فلنحقق صحة جميعها و صدق جميع مضامينها.

و لنرجع إلى بدء الكلام الذي كنا فيه و هو ورود تفسير آية واحدة بيوم القيامة تارة، و بالرجعة أو الظهور تارة أخرى، فنقول: الذي يتحصل من كلامه تعالى فيما ذكره تعالى من أوصاف يوم القيامة و نعوته أنه يوم لا يحجب فيه سبب من الأسباب و لا شاغل من الشواغل عنه سبحانه فيفنى فيه جميع الأوهام و يظهر فيه آياته كمال الظهور و هذا يوم لا يبطل وجوده و تحققه تحقق هذا النشأة الجسمانية و وجودها فلا شيء يدل على ذلك من كتاب و سنة بل الأمر على خلاف ذلك غير أن الظاهر من الكتاب و السنة أن البشر أعني هذا النسل الذي أنهاه الله سبحانه إلى آدم و زوجته سينقرض عن الدنيا قبل طلوع هذا اليوم لهم.

و لا مزاحمة بين النشأتين أعني نشأة الدنيا و نشأة البعث، حتى يدفع بعضها بعضا كما أن النشأة البرزخية و هي ثابتة الآن للأموات منا لا تدفع الدنيا، و لا الدنيا تدفعها قال تعالى: "تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم و لهم عذاب أليم:" النحل - 63.



فهذه حقيقة يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء، و لذلك ربما سمي يوم الموت بالقيامة لارتفاع حجب الأسباب عن توهم الميت، فعن علي (عليه السلام): "من مات قامت قيامته"، و سيجيء بيان الجميع إن شاء الله.

و الروايات المثبتة للرجعة و إن كانت مختلفة الآحاد إلا أنها على كثرتها متحدة في معنى واحد و هو أن سير النظام الدنيوي متوجه إلى يوم تظهر فيه آيات الله كل الظهور، فلا يعصى فيه سبحانه و تعالى بل يعبد عبادة خالصة، لا يشوبها هوى نفس، و لا يعتريه إغواء الشيطان، و يعود فيه بعض الأموات من أولياء الله تعالى و أعدائه إلى الدنيا، و يفصل الحق من الباطل.

و هذا يفيد: أن يوم الرجعة من مراتب يوم القيامة، و إن كان دونه في الظهور لإمكان الشر و الفساد فيه في الجملة دون يوم القيامة، و لذلك ربما ألحق به يوم ظهور المهدي (عليه السلام) أيضا لظهور الحق فيه أيضا تمام الظهور و إن كان هو أيضا دون الرجعة، و قد ورد عن أئمة أهل البيت: "أيام الله ثلاثة: يوم الظهور و يوم الكرة و يوم القيامة"، و في بعضها: "أيام الله ثلاثة: يوم الموت و يوم الكرة و يوم القيامة"، و هذا المعنى أعني الاتحاد بحسب الحقيقة، و الاختلاف بحسب المراتب هو الموجب لما ورد من تفسيرهم (عليهم السلام) بعض الآيات بالقيامة تارة و بالرجعة أخرى و بالظهور ثالثة، و قد عرفت مما تقدم من الكلام أن هذا اليوم ممكن في نفسه بل واقع، و لا دليل مع المنكر يدل على نفيه.

2 سورة البقرة - 211 - 212

سلْ بَنى إِسرءِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَهُم مِّنْ ءَايَةِ بَيِّنَةٍ وَ مَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنّ اللّهَ
<<        الفهرس        >>