جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


عليها أوجب ذلك فقدان أجزاء هامة من الحياة ثم يعتبر ذلك مجرى القوى و الأعضاء الباقية، و ربما أدى ذلك إلى بطلان الحياة بحقيقتها أو معناها.

ثم إن الآية أبهمت ثانيا أمر هذه الأشياء التي نهت عن السؤال عنها، و لم توضح من أمرها إلا أنها بحيث إن تبد لهم تسؤهم "إلخ"، و مما لا يرتاب فيه أن قوله: "إن تبد لكم تسؤكم" نعت للأشياء، و هي جملة شرطية تدل على تحقق وقوع الجزاء على تقدير وقوع الشرط، و لازمه أن تكون هذه أشياء تسؤهم إن أبدئت لهم فطلب إبدائها و إظهارها بالمسألة طلب للمساءة.

فيستشكل بأن الإنسان العاقل لا يطلب ما يسؤه، و لو قيل: لا تسألوا عن أشياء فيها ما إن تبد لكم تسؤكم، أو لا تسألوا عن أشياء لا تأمنون أن تسوءكم إن تبد لكم لم يلزم محذور.

و من عجيب ما أجيب به عن الإشكال أن من المقرر في قوانين العربية أن شرط "إن" مما لا يقطع بوقوعه، و الجزاء تابع للشرط في الوقوع و عدمه فكان التعبير بقوله "إن تبد لكم تسؤكم" دون "إذا أبديت لكم تسؤكم" دالا على أن احتمال إبدائها و كونها تسوء كاف في وجوب الانتهاء عن السؤال عنها، انتهى موضع الحاجة.

و قد أخطأ في ذلك، و ليت شعري أي قانون من قوانين العربية يقرر أن يكون الشرط غير مقطوع الوقوع؟ ثم الجزاء بما هو جزاء متعلق الوجود بالشرط غير مقطوع الوقوع؟ و هل يفيد قولنا: إن جئتني أكرمتك إلا القطع بوقوع الإكرام على تقدير وقوع المجيء؟ فقوله: إن التعبير بالشرط يدل على أن احتمال إبدائها و كونه يسوء كاف في وجوب الانتهاء، انتهى.

إنما يصح لو كان مفاد الشرط في الآية هو النهي عن السؤال عن أشياء يمكن أن تسوء إن أبدئت و ليس كذلك كما عرفت بل المفاد النهي عن السؤال أشياء يقطع بمساءتها إن أبدئت، فالإشكال على حاله.

و يتلو هذا الجواب في الضعف قول بعضهم - على ما في بعض الروايات: أن المراد بقوله: "أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ما ربما يهواه بعض النفوس من الاطلاع على بعض المغيبات كالآجال و عواقب الأمور و جريان الخير و الشر و الكشف عن كل مستور مما لا يخلو العلم به طبعا من أن يتضمن ما يسوء الإنسان و يحزنه كسؤال الرجل عن باقي عمره، و سبب موته، و حسن عاقبته، و عن أبيه من هو؟ و قد كان دائرا بينهم في الجاهلية.

فالمراد بقوله: "لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" هو النهي عن السؤال عن هذه الأمور التي لا يخلو انكشاف الحال فيها غالبا أن يشتمل على ما يسوء الإنسان و يحزنه كظهور أن الأجل قريب، أو أن العاقبة وخيمة، أو أن أباه في الواقع غير من يدعى إليه.

فهذه أمور يتضمن غالبا مساءة الإنسان و حزنه، و لا يؤمن من أن يجاب إذا سئل عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لا يرتضيه السائل فيدعوه الاستكبار النفساني و أنفة العصبية أن يكذب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يجيب به فيكفر بذلك كما يشير إليه قوله تعالى في الآية التالية: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين".

و هذا الوجه و إن كان سليما في بادىء النظر لكنه لا يلائم قوله تعالى: "و إن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" سواء قلنا: إن مفاده تجويز السؤال عن هذه الأشياء حين نزول القرآن، أو تشديد النهي عنه حين نزول القرآن بالدلالة على أن المجيب - و هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - في غير حال نزول القرآن في سعة من أن لا يجيب عن هذه الأسئلة رعاية لمصلحة السائلين لكنها أعني الأشياء المسئول عنها مكشوفة الحقيقة مرفوع عنها الحجاب لا محالة فلا تسألوا عنها حين ينزل القرآن البتة.

أما عدم ملاءمته على المعنى الأول فلأن السؤال عن هذه الأشياء لما اشتمل على المفسدة بحسب طبعه فلا معنى لتجويزه حال نزول القرآن، و المفسدة هي المفسدة.

و أما على المعنى الثاني فلأن حال نزول القرآن و إن كان حال البيان و الكشف عن ما يحتاج إلى الكشف و الإبداء غير أن هذه الخصيصة مرتبطة بحقائق المعارف و شرائع الأحكام و ما يجري مجراها، و أما تعيين أجل زيد و كيفية وفاة عمرو، و تشخيص من هو أبو فلان؟ و نحو ذلك فهي مما لا يرتبط به البيان القرآني، فلا وجه لتذييل النهي عن السؤال عن أشياء كذا و كذا بنحو قوله: "و إن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" و هو ظاهر.

فالأوجه في الجواب ما يستفاد من كلام آخرين أن الآية الثانية: "قد سألها قوم من قبلكم، إلخ" و كذا قوله: "و إن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" تدل على أن المسئول عنها أشياء مرتبطة بالأحكام المشرعة كالخصوصيات الراجعة إلى متعلقات الأحكام مما ربما يستقصى في البحث عنه و الإصرار في المداقة عليه، و نتيجة ذلك ظهور التشديد و نزول التحريج كلما أمعن في السؤال و ألح على البحث كما قصه الله سبحانه في قصة البقرة عن بني إسرائيل حيث شدد الله سبحانه بالتضييق عليهم كلما بالغوا في السؤال عن نعوت البقرة التي أمروا بذبحها.



ثم إن قوله تعالى: "عفا الله عنها" الظاهر أنه جملة مستقلة مسوقة لتعليل النهي في قوله: "لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" لا كما ذكروه: أنه وصف لأشياء، و أن في الكلام تقديما و تأخيرا، و التقدير: لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم، "إلخ".

و هذا التعبير - أعني تعدية العفو بعن - أحسن شاهد على أن المراد بالأشياء المذكورة هي الأمور الراجعة إلى الشرائع و الأحكام، و لو كانت من قبيل الأمور الكونية كان كالمتعين أن يقال: عفاها الله.

و كيف كان فالتعليل بالعفو يفيد أن المراد بالأشياء هي الخصوصيات الراجعة إلى الأحكام و الشرائع و القيود و الشرائط العائدة إلى متعلقاتها، و أن السكوت عنها ليس لأنها مغفول عنها أو مما أهمل أمرها بل لم يكن ذلك إلا تخفيفا من الله سبحانه لعباده و تسهيلا كما قال: "و الله غفور حليم" فما يقترحونه من السؤال عن خصوصياته تعرض منهم للتضييق و التحريج و هو مما يسوؤهم و يحزنهم البتة فإن في ذلك ردا للعفو الإلهي الذي لم يكن البتة إلا للتسهيل و التخفيف، و تحكيم صفتي المغفرة و الحلم الإلهيين.

فيرجع مفاد قوله: "لا تسئلوا عن أشياء، إلخ" إلى نحو قولنا: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أشياء مسكوت عنها في الشريعة عفا الله عنها و لم يتعرض لبيانها تخفيفا و تسهيلا فإنها بحيث تبين لكم أن تسألوا عنها حين نزول القرآن، و تسوؤكم إن أبدئت لكم و بينت.

و قد تبين مما مر أولا: أن قوله تعالى: "و إن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" من تتمة النهي كما عرفت، لا لرفع النهي عن السؤال حين نزول القرآن كما ربما قيل.

و ثانيا: أن قوله تعالى: "عفا الله عنها" جملة مستقلة مسوقة لتعليل النهي عن السؤال فتفيد فائدة الوصف من غير أن يكون وصفا بحسب التركيب الكلامي.

و ثالثا: وجه تذييل الكلام بقوله: "و الله غفور حليم" مع كون الكلام مشتملا على النهي غير الملائم لصفتي المغفرة و الحلم فالاسمان يعودان إلى مفاد العفو المذكور في قوله: "عفا الله عنها" دون النهي الموضوع في الآية.

قوله تعالى: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" يقال: سأله و سأل عنه بمعنى، و "ثم" يفيد التراخي بحسب الرتبة الكلامية دونه بحسب الزمان.

و الباء في قوله: "بها" متعلقة بقوله: "كافرين" على ما هو ظاهر الآية من كونها مسوقة للنهي عن السؤال عما يتعلق بقيود الأحكام و الشرائع المسكوت عنها عند التشريع فالكفر كفر بالأحكام من جهة استلزامها تحرج النفوس عنها و تضيق القلوب من قبولها، و يمكن أن تكون الباء للسببية و لا يخلو عن بعد.

و الآية و إن أبهمت القوم المذكورين و لم يعرفهم لكن في القرآن الكريم ما يمكن أن تنطبق عليه الآية من القصص كقصة المائدة من قصص النصارى و قصص أخرى من قوم موسى و غيرهم.

بحث روائي



في الدر المنثور،: أخرج ابن جرير و أبو الشيخ و ابن مردويه عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: أ في كل عام يا رسول الله؟ قال: أما إني لو قلت: نعم لوجبت، و لو وجبت ثم تركتم لضللتم اسكتوا عني ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا - لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" إلى آخر الآية.

أقول: و روي القصة عن أبي هريرة و أبي أمامة و غيرهما عدة من الرواة، و رويت في المجمع و غيره من كتب الخاصة، و هي تنطبق على ما قدمناه في البيان المتقدم.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن السدي: في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء،" الآية قال: غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما من الأيام فقام خطيبا فقال: سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له: عبد الله بن حذاقة و كان يطعن فيه فقال: يا رسول الله من أبي؟ فقال: أبوك فلان فدعاه لأبيه فقام إليه عمر فقبل رجله و قال: يا رسول الله رضينا بالله ربا و لك نبيا و بالقرآن إماما فاعف عنا عفا الله عنك فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر، و أنزل عليه: "قد سألها قوم من قبلكم".

أقول: و الرواية مروية بعدة طرق على اختلاف في متونها، و قد عرفت فيما تقدم أنها غير قابلة الانطباق على الآية.

و فيه، أيضا: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صححه عن ثعلبة الخشني قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و ترك أشياء في غير نسيان و لكن رحمة منه لكم فاقبلوها و لا تبحثوا عنها.

و في المجمع، و الصافي، عن علي (عليه السلام) قال: إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها و حد لكم حدودا فلا تعتدوها، و نهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، و سكت لكم عن أشياء و لم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل و القال، و فساد المال، و كثرة السؤال فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله عز و جل يقول: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف - أو إصلاح بين الناس" و قال: "و لا تؤتوا السفهاء أموالكم - التي جعل الله لكم قياما" و قال: "لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".

و في تفسير العياشي، عن أحمد بن محمد قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و كتب في آخره: أ و لم تنهوا عن كثرة المسائل؟ فأبيتم أن تنتهوا، إياكم و ذلك فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم فقال الله تبارك و تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إلى قوله تعالى كافرين".

5 سورة المائدة - 103 - 104

مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بحِيرَةٍ وَ لا سائبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حَامٍ وَ لَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْترُونَ عَلى اللّهِ الْكَذِب وَ أَكْثرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَ إِذَا قِيلَ لهَُمْ تَعَالَوْا إِلى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَ إِلى الرّسولِ قَالُوا حَسبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَ وَ لَوْ كانَ ءَابَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شيْئاً وَ لا يهْتَدُونَ (104)

بيان



قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و لا حام، هذه أصناف من الأنعام كان أهل الجاهلية يرون لها أحكاما مبنية على الاحترام و نوع من التحرير، و قد نفى الله سبحانه أن يكون جعل من ذلك شيئا، فالجعل المنفي متعلق بأوصافها دون ذواتها فإن ذواتها مخلوقة لله سبحانه من غير شك، و كذلك أوصافها من جهة أنها أوصاف فحسب، و إنما الذي تقبل الإسناد إليه تعالى و نفيه هي أوصافها من جهة كونها مصادر لأحكام كانوا يدعونها لها فهي التي تقبل الإسناد و نفيه، فنفي جعل البحيرة و أخواتها في الآية نفي لمشروعية الأحكام المنتسبة إليها المعروفة عندهم.

و هذه الأصناف الأربعة من الأنعام و إن اختلفوا في معنى أسمائها و يتفرع عليه الاختلاف في تشخيص أحكامها كما ستقف عليه، لكن من المسلم أن أحكامها مبنية على نوع من تحريرها و الاحترام لها برعاية حالها، ثلاثة منها و هي البحيرة و السائبة و الحامي من الإبل، و واحدة و هي الوصيلة من الشاة.

أما البحيرة ففي المجمع،: أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن و كان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها شقا واسعا و امتنعوا عن ركوبها و نحرها، و لا تطرد عن ماء و لا تمنع عن مرعى، فإذا لقيها المعيي لم تركبها، عن الزجاج.

و قيل: إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس فإن كان ذكرا نحروه فأكله الرجال و النساء جميعا، و إن كانت أنثى شقوا أذنها فتلك البحيرة ثم لا يجز لها وبر، و لا يذكر لها اسم الله إن ذكيت، و لا حمل عليها، و حرم على النساء أن يذقن من لبنها شيئا، و لا أن ينتفعن بها، و كان لبنها و منافعها للرجال خاصة دون النساء حتى تموت فإذا ماتت اشتركت الرجال و النساء في أكلها، عن ابن عباس، و قيل "إن البحيرة بنت السائبة، عن محمد بن إسحاق".

و أما السائبة ففي المجمع، أنها ما كانوا يسيبونه فإن الرجل إذا نذر القدوم من سفر أو البرء من علة أو ما أشبه ذلك قال: ناقتي سائبة فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها، و أن لا تخلى عن ماء و لا تمنع من مرعى، عن الزجاج، و هو قول علقمة.

و قيل: هي التي تسيب للأصنام أي تعتق لها، و كان الرجل يسيب من ماله ما يشاء فيجيء به إلى السدنة - و هم خدمة آلهتهم - فيطعمون من لبنها أبناء السبيل و نحو ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود.

و قيل: إن السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سيبت فلم تركبوها، و لم يجزوا وبرها و لم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم تخلى سبيلها مع أمها، و هي البحيرة، عن محمد بن إسحاق.

و أما الوصيلة ففي المجمع،: و هي في الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، و إذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا و أنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.

عن الزجاج.

و قيل: كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع جديا ذبحوه لآلهتهم و لحمه للرجال دون النساء، و إن كان عناقا، استحيوها و كانت من عرض الغنم، و إن ولدت في البطن السابع جديا و عناقا قالوا: إن الأخت وصلت أخاها لحرمته علينا فحرما جميعا فكانت المنفعة و اللبن للرجال دون النساء، عن ابن مسعود و مقاتل.

و قيل: الوصيلة الشاة إذا تأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيها ذكر جعلت وصيلة فقالوا: قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإناث عن محمد بن إسحاق.

و أما الحامي ففي المجمع،: هو الذكر من الإبل كانت العرب إذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يحمل عليه، و لا يمنع من ماء و لا من مرعى، عن ابن عباس و ابن مسعود، و هو قول أبي عبيدة و الزجاج.

و قيل: إنه الفحل إذا لقح ولد ولده قيل: حمى ظهره فلا يركب، عن الفراء.

و هذه الأسماء و إن اختلفوا في تفسيرها إلا أن من المحتمل قريبا أن يكون ذلك الاختلاف ناشئا من اختلاف سلائق الأقوام في سننهم فإن أمثال ذلك كثيرة في السنن الدائرة بين الأقوام الهمجية.

و كيف كان فالآية ناظرة إلى نفي الأحكام التي كانوا قد اختلقوها لهذه الأصناف الأربعة من الأنعام، ناسبين ذلك إلى الله سبحانه بدليل قوله أولا: "ما جعل الله، إلخ" و ثانيا: "و لكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب، إلخ".

و لذلك كان قوله: "و لكن الذين كفروا، إلخ" بمنزلة الجواب عن سؤال مقدر كأنه لما قيل: "ما جعل الله من بحيرة، إلخ" سئل فقيل فما هذا الذي يدعيه هؤلاء الذين كفروا؟ فأجيب بأنه افتراء منهم على الله الكذب ثم زيد في البيان فقيل: "و أكثرهم لا يعقلون" و مفاده أنهم مختلفون في هذا الافتراء فأكثرهم يفترون ما يفترون و هم لا يعقلون، و القليل من هؤلاء المفترين يعقلون الحق و أن ما ينسبونه إليه تعالى من الافتراء، و هم المتبوعون المطاعون لغيرهم المديرون لأزمة أمورهم فهم أهل عناد و لجاج.

قوله تعالى: "و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله، إلى آخر" الآية في حكاية دعوتهم إلى ما أنزل الله إلى الرسول الذي شأنه البلاغ، فقط فالدعوة دعوة إلى الحق و هو الصدق الخالي عن الفرية، و العلم المبرى من الجهل فإن الآية السابقة تجمع الافتراء و عدم التعقل في جانبهم فلا يبقى لما يدعون إليه - أعني جانب الله سبحانه - إلا الصدق و العلم.

لكنهم ما دفعوه إلا بالتقليد حيث قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، و التقليد و إن كان حقا في بعض الأحيان و على بعض الشروط و هو رجوع الجاهل إلى العالم، و هو مما استقر عليه سير المجتمع الإنساني في جميع أحكام الحياة التي لا يتيسر فيها للإنسان أن يحصل العلم بما يحتاج إلى سلوكه من الطريق الحيوي، لكن تقليد الجاهل في جهله بمعنى رجوع الجاهل إلى جاهل آخر مثله مذموم في سنة العقلاء كما يذم رجوع العالم إلى عالم آخر بترك ما يستقل بعمله من نفسه و الأخذ بما يعلم غيره.

و لذلك رده تعالى بقوله: "أ و لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا و لا يهتدون" و مفاده أن العقل - لو كان هناك عقل - لا يبيح للإنسان الرجوع إلى من لا علم عنده و لا اهتداء فهذه سنة الحياة لا تبيح سلوك طريق لا تؤمن مخاطره، و لا يعلم وصفه لا بالاستقلال و لا باتباع من له به خبرة.

و لعل إضافة قوله: "و لا يهتدون" إلى قوله: "لا يعلمون شيئا" لتتميم قيود الكلام بحسب الحقيقة، فإن رجوع الجاهل إلى مثله و إن كان مذموما لكنه إنما يذم إذا كان المسئول المتبوع مثل السائل التابع في جهله لا يمتاز عنه بشيء، و أما إذا كان المتبوع نفسه يسلك الطريق بهداية عالم خبير به و دلالته فهو مهتد في سلوكه، و لا ذم على من اتبعه في مسيره و قلده في سلوك الطريق، فإن الأمر ينتهي إلى العلم بالآخرة كمن يتبع عالما بأمر الطريق ثم يتبعه آخر جاهل به.
<<        الفهرس        >>