جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج17 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


41 - 26 - 39

وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا لا تَسمَعُوا لهَِذَا الْقُرْءَانِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلّكمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنّ الّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شدِيداً وَ لَنَجْزِيَنهُمْ أَسوَأَ الّذِى كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِك جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللّهِ النّارُ لهَُمْ فِيهَا دَارُ الخُْلْدِ جَزَاءَ بمَا كانُوا بِئَايَتِنَا يجْحَدُونَ (28) وَ قَالَ الّذِينَ كفَرُوا رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ أَضلانَا مِنَ الجِْنِّ وَ الانسِ نجْعَلْهُمَا تحْت أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسفَلِينَ (29) إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ استَقَمُوا تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئكةُ أَلا تخَافُوا وَ لا تحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالجَْنّةِ الّتى كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فى الْحَيَوةِ الدّنْيَا وَ فى الاَخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشتَهِى أَنفُسكُمْ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رّحِيمٍ (32) وَ مَنْ أَحْسنُ قَوْلاً مِّمّن دَعَا إِلى اللّهِ وَ عَمِلَ صلِحاً وَ قَالَ إِنّنى مِنَ الْمُسلِمِينَ (33) وَ لا تَستَوِى الحَْسنَةُ وَ لا السيِّئَةُ ادْفَعْ بِالّتى هِىَ أَحْسنُ فَإِذَا الّذِى بَيْنَك وَ بَيْنَهُ عَدَوَةٌ كَأَنّهُ وَلىّ حَمِيمٌ (34) وَ مَا يُلَقّاهَا إِلا الّذِينَ صبرُوا وَ مَا يُلَقّاهَا إِلا ذُو حَظٍ عَظِيمٍ (35) وَ إِمّا يَنزَغَنّك مِنَ الشيْطنِ نَزْغٌ فَاستَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَ مِنْ ءَايَتِهِ الّيْلُ وَ النّهَارُ وَ الشمْس وَ الْقَمَرُ لا تَسجُدُوا لِلشمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسجُدُوا للّهِ الّذِى خَلَقَهُنّ إِن كنتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ استَكبرُوا فَالّذِينَ عِندَ رَبِّك يُسبِّحُونَ لَهُ بِالّيْلِ وَ النهَارِ وَ هُمْ لا يَسئَمُونَ (38) وَ مِنْ ءَايَتِهِ أَنّك تَرَى الأَرْض خَشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتزّت وَ رَبَت إِنّ الّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتى إِنّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ قَدِيرٌ (39)

بيان

رجوع إلى حديث كفرهم بالقرآن المذكور في أول السورة و ذكر كيدهم لإبطال حجته، و في الآيات ذكر الكفار و بعض ما في عقبى ضلالتهم و أهل الاستقامة من المؤمنين و بعض ما لهم في الآخرة و متفرقات أخر.

قوله تعالى: "و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون" اللغو من الأمر ما لا أصل له و من الكلام ما لا معنى له يقال: لغا يلغى و يلغو لغوا أي أتى باللغو، و الإشارة إلى القرآن مع ذكر اسمه دليل على كمال عنايتهم بالقرآن لإعفاء أثره.

و الآية تدل على نهاية عجزهم عن مخاصمة القرآن بإتيان كلام يعادله و يماثله أو إقامة حجة تعارضه حتى أمر بعضهم بعضا أن لا ينصتوا له و يأتوا بلغو الكلام عند قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن ليختل به قراءته و لا تقرع أسماع الناس آياته فيلغو أثره و هو الغلبة.

قوله تعالى: "فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا" إلخ اللام للقسم، و المراد بالذين كفروا بحسب مورد الآية هم الذين قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن و إن كانت الآية مطلقة بحسب اللفظ.

و قوله: "و لنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون" قيل: المراد العمل السيىء الذي كانوا يعملون بتجريد أفعل عن معنى التفضيل، و قيل: المراد بيان جزاء ما هو أسوأ أعمالهم و سكت عن الباقي مبالغة في الزجر.

قوله تعالى: "ذلك جزاء أعداء الله النار" إلخ "ذلك جزاء" مبتدأ و خبر و "النار" بدل أو عطف بيان من "ذلك" أو خبر مبتدإ محذوف و التقدير هي النار أو مبتدأ خبره "لهم فيها دار الخلد".

و قوله: "لهم فيها دار الخلد" أي النار محيطة بهم جميعا و لكل منهم فيها دار تخصه خالدا فيها.

و قوله: "جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون" مفعول مطلق لفعل مقدر، و التقدير يجزون جزاء أو للمصدر المتقدم أعني قوله: "ذلك جزاء" نظير قوله: "فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا:" إسراء: - 63.

قوله تعالى: "و قال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن و الإنس" محكي قول يقولونه و هم في النار، يسألون الله أن يريهم متبوعيهم من الجن و الإنس ليجعلوهما تحت أقدامهم إذلالا لهما و تشديدا لعذابهما كما يشعر به قولهم ذيلا: "نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين".

قوله تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة" إلخ قال الراغب: الاستقامة تقال في الطريق الذي يكون على خط مستو، و به شبه طريق الحق نحو "اهدنا الصراط المستقيم".

قال: و استقامة الإنسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا".

انتهي.

و في الصحاح،: الاستقامة الاعتدال يقال: استقام له الأمر.

انتهي.

فالمراد بقوله: "ثم استقاموا لزوم وسط الطريق من غير ميل و انحراف و الثبات على القول الذي قالوه، قال تعالى: "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم:" التوبة: - 7 و قال: "و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم:" الشورى: - 15 و ما ورد فيها من مختلف التفاسير يرجع إلى ما ذكر.

و الآية و ما يتلوها بيان حسن حال المؤمنين كما كانت الآيات قبلها بيان سوء حال الكافرين.



و قوله: "تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" إخبار عما سيستقبلهم به الملائكة من تقوية قلوبهم و تطييب نفوسهم و البشرى بالكرامة.

فالملائكة يؤمنونهم من الخوف و الحزن، و الخوف إنما يكون من مكروه متوقع كالعذاب الذي يخافونه و الحرمان من الجنة الذي يخشونه، و الحزن إنما يكون من مكروه واقع و شر لازم كالسيئات التي يحزنون من اكتسابها و الخيرات التي يحزنون لفوتها عنهم فيطيب الملائكة أنفسهم أنهم في أمن من أن يخافوا شيئا أو يحزنوا لشيء فالذنوب مغفورة لهم و العذاب مصروف عنهم.

ثم يبشرونهم بالجنة الموعودة بقولهم: "و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" و في قولهم: "كنتم توعدون" دلالة على أن تنزلهم بهذه البشرى عليهم إنما هو بعد الحياة الدنيا.

قوله تعالى: "نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة" إلخ من تتمة البشارة، و على هذا فذكر ولايتهم لهم في الحياة الدنيا مع انقضاء وقتها كما تقدم من باب التوطئة و التمهيد إلى ذكر الآخرة للإشارة إلى أن ولاية الآخرة مترتبة على ولاية الدنيا فكأنه قيل نحن أولياؤكم في الآخرة كما كنا - لما كنا - أولياءكم في الحياة الدنيا و سنتولى أمركم بعد هذا كما توليناه قبل.

و كون الملائكة أولياء لهم لا ينافي كونه تعالى هو الولي لأنهم وسائط الرحمة و الكرامة ليس لهم من الأمر شيء، و لعل ذكر ولايتهم لهم في الآية دون ولايته تعالى للمقابلة و المقايسة بين أوليائه تعالى و أعدائه إذ قال في حق أعدائه: "و قيضنا لهم قرناء" إلخ و قال في حق أوليائه عن لسان ملائكته: "نحن أولياؤكم".

و بالمقابلة يستفاد أن المراد ولايتهم لهم بالتسديد و التأييد فإن الملائكة المسددين هم المخصوصون بأهل ولاية الله و أما الملائكة الحرس و موكلو الأرزاق و الآجال و غيرهم فمشتركون بين المؤمن و الكافر.

و قيل: الآية من كلام الله دون الملائكة.

و قوله: "و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون" ضمير "فيها" في الموضعين للآخرة، و أصل الشهوة نزوع النفس بقوة من قواها إلى ما تريده تلك القوة و تلتذ به كشهوة الطعام و الشراب و النكاح، و أصل الادعاء - و هو افتعال من الدعاء - هو الطلب فالجملة الثانية أعني قوله: "و لكم فيها ما تدعون" أوسع نطاقا من الأولى أعني قوله: "لكم فيها ما تشتهي أنفسكم" فإن الشهوة طلب خاص و مطلق الطلب أعم منها.

فالآية تبشرهم بأن لهم في الآخرة ما يمكن أن تتعلق به شهواتهم من أكل و شرب و نكاح و غير ذلك بل ما هو أوسع من ذلك و أعلى كعبا و هو أن لهم ما يشاءون فيها كما قال تعالى: "لهم ما يشاءون فيها: ق - 35.

قوله تعالى: "و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين" الآية اتصال بقوله السابق: "و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن، و الغوا فيه" الآية فإنهم كانوا يخاصمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ينازعون القرآن، و قد ذكر في أول السورة قولهم: "قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" الآية فأيد سبحانه في هذه الآية نبيه بأن قوله و هو دعوته أحسن القول.



فقوله: "و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله" المراد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن كان لفظ الآية يعم كل من دعا إلى الله و لما أمكن أن يدعو الداعي إلى الله لغرض فاسد و ليست الدعوة التي هذا شأنها من القول الأحسن قيده بقوله: "و عمل صالحا" فإن العمل الصالح يكشف عن نية صالحة غير أن العمل الصالح لا يكشف عن الاعتقاد الحق و الالتزام به، و لا حسن في قول لا يقول به صاحبه و لذا قيده بقوله: "و قال إنني من المسلمين" و المراد بالقول الرأي و الاعتقاد على ما يعطيه السياق.

فإذا تم الإسلام لله و العمل الصالح للإنسان ثم دعا إلى الله كان قوله أحسن القول لأن أحسن القول أحقه و أنفعه و لا قول أحق من كلمة التوحيد و لا أنفع منها و هي الهادية للإنسان إلى حاق سعادته.

قوله تعالى: "لا تستوي الحسنة و لا السيئة" الآية لما ذكر أحسن القول و أنه الدعوة إلى الله و القائم به حقا هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التفت إليه ببيان أحسن الطريق إلى الدعوة و أقربها من الغاية المطلوبة منها و هي التأثير في النفوس فخاطبه بقوله: "لا تستوي" إلخ.

فقوله: "لا تستوي الحسنة و لا السيئة" أي الخصلة الحسنة و السيئة من حيث حسن التأثير في النفوس، و "لا" في "لا السيئة" زائدة لتأكيد النفي.

و قوله: "ادفع بالتي هي أحسن" استئناف في معنى دفع الدخل كأن المخاطب لما سمع قوله: "لا تستوي" إلخ قال: فما ذا أصنع؟ فقيل: "ادفع" إلخ و المعنى ادفع بالخصلة التي هي أحسن الخصلة السيئة التي تقابلها و تضادها فادفع بالحق الذي عندك باطلهم لا بباطل آخر و بحلمك جهلهم و بعفوك إساءتهم و هكذا.

و قوله: "فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم" بيان لأثر الدفع بالأحسن و نتيجته و المراد أنك إن دفعت بالتي هي أحسن فاجأك أن عدوك صار كأنه ولي شفيق.

قيل: "الذي بينك و بينه عداوة" أبلغ من "عدوك" و لذا اختاره عليه مع اختصاره.

ثم عظم الله سبحانه الدفع بالتي هي أحسن و مدحه أحسن التعظيم و أبلغ المدح بقوله: "و ما يلقاها إلا الذين صبروا و ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي ذو نصيب وافر من كمال الإنسانية و خصال الخير.

و في الآية مع ذلك دلالة ظاهرة على أن الحظ العظيم إنما يوجد لأهل الصبر خاصة.

قوله تعالى: "و إما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" النزغ النخس و هو غرز جنب الدابة أو مؤخرها بقضيب و نحوه ليهيج، و "ما" في "إما ينزغنك" زائدة و الأصل و إن ينزغنك فاستعذ.

و النازغ هو الشيطان أو تسويله و وسوسته، و الأول هو الأنسب لمقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لا سبيل للشيطان إليه بالوسوسة غير أنه يمكن أن يقلب له الأمور بالوسوسة على المدعوين من أهل الكفر و الجحود فيبالغوا في جحودهم و مشاقتهم و إيذائهم له فلا يؤثر فيهم الدفع بالأحسن و يؤول هذا إلى نزغ من الشيطان بتشديد العداوة في البين كما في قوله: "من بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي:" يوسف: - 100، قال تعالى: "و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" الآية: الحج: - 52.

و لو حمل على الوجه الثاني فالمتعين حمله على مطلق الدستور تتميما للأمر، و هو بوجه من باب "إياك أعني و اسمعي يا جارة".

و قوله: "فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" العوذ و العياذ بكسر العين و المعاذ و الاستعاذة بمعنى و هو الالتجاء و المعنى فالتجىء بالله من نزغه إنه هو السميع لمسألتك العليم بحالك أو السميع لأقوالكم العليم بأفعالكم.



قوله تعالى: "و من آياته الليل و النهار و الشمس و القمر" إلخ لما ذكر سبحانه كون دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن القول و وصاه أن يدفع بأحسن الخصال عاد إلى أصل الدعوة فاحتج على الوحدانية و المعاد في هذه الآيات الثلاث.

فقوله: "و من آياته الليل و النهار" إلخ احتجاج بوحدة التدبير و اتصاله على وحدة الرب المدبر، و بوحدة الرب على وجوب عبادته وحده، و لذلك عقبه بقوله "لا تسجدوا للشمس و لا للقمر" إلخ.

فالكلام في معنى دفع الدخل كأنه لما قيل: "و من آياته الليل و النهار" إلخ فأثبت وحدته في ربوبيته قيل: فما ذا نصنع؟ فقيل "لا تسجدوا للشمس و لا للقمر" هما مخلوقان مدبران من خلقه بل خصوه بالسجدة و اعبدوه وحده، و عامة الوثنيين كانوا يعظمون الشمس و القمر و إن لم يعبدهما غير الصابئين على ما قيل، و ضمير "خلقهن" لليل و النهار و الشمس و القمر.

و قوله: "إن كنتم إياه تعبدون" أي إن عبادته لا تجامع عبادة غيره.

قوله تعالى: "فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل و النهار و هم لا يسأمون" السأمة الملال، و المراد "بالذين عند ربك" الملائكة و المخلصون من عباد الله و قد تقدم كلام في ذلك في تفسير قوله: "إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه و له يسجدون:" الأعراف: - 206.

و قوله: "يسبحون له" و لم يقل: يسبحونه للدلالة على الحصر و الاختصاص أي يسبحونه خاصة، و قوله: "بالليل و النهار" أي دائما لا ينقطع فإن الملائكة ليس عندهم ليل و لا نهار.

و المعنى: فإن استكبر هؤلاء الكفار عن السجدة لله وحده فعبادته تعالى لا ترتفع من الوجود فهناك من يسبحه تسبيحا دائما لا ينقطع من غير سأمة و هم الذين عند ربك.

قوله تعالى: "و من آياته أنك ترى الأرض خاشعة" إلخ الخشوع التذلل، و الاهتزاز التحرك الشديد، و الربو النشوء و النماء و العلو، و اهتزاز الأرض و ربوها تحركها بنباتها و ارتفاعه.

و في الآية استعارة تمثيلية شبهت فيها الأرض في جدبها و خلوها عن النبات ثم اخضرارها و نمو نباتها و علوه بشخص كان وضيع الحال رث الثياب متذللا خاشعا ثم أصاب ما لا يقيم أوده فلبس أفخر الثياب و انتصب ناشطا متبخترا يعرف في وجهه نضرة النعيم.

و الآية مسوقة للاحتجاج على المعاد، و قد تكرر البحث عن مضمونها في السور المتقدمة.

بحث روائي

في المجمع،: في قوله تعالى: "أرنا الذين أضلانا" يعنون إبليس الأبالسة و قابيل بن آدم أول من أبدع المعصية: روي ذلك عن علي (عليه السلام).

أقول: و لعله من نوع الجري فالآية عامة.

و فيه،: في قوله تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا": روي عن أنس قال: قرأ علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ثم قال: قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها.

و فيه،: في قوله تعالى: "تتنزل عليهم الملائكة" يعني عند الموت: عن مجاهد و السدي و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: "نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا" قال: كنا نحرسكم من الشياطين "و في الآخرة" أي عند الموت.

و في المجمع،: في الآية قيل: "نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا" أي نحرسكم في الدنيا و عند الموت في الآخرة.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن" قال: ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم.

41 سورة حم السجدة - 40 - 54

إِنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فى ءَايَتِنَا لا يخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَ فَمَن يُلْقَى فى النّارِ خَيرٌ أَم مّن يَأْتى ءَامِناً يَوْمَ الْقِيَمَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جَاءَهُمْ وَ إِنّهُ لَكِتَبٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن بَينِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مّا يُقَالُ لَك إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرّسلِ مِن قَبْلِك إِنّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَةٍ وَ ذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَ لَوْ جَعَلْنَهُ قُرْءَاناً أَعجَمِيّا لّقَالُوا لَوْ لا فُصلَت ءَايَتُهُ ءَ اعجَمِىّ وَ عَرَبىّ قُلْ هُوَ لِلّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَ شِفَاءٌ وَ الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئك يُنَادَوْنَ مِن مّكانِ بَعِيدٍ (44) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكِتَب فَاخْتُلِف فِيهِ وَ لَوْ لا كلِمَةٌ سبَقَت مِن رّبِّك لَقُضىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنّهُمْ لَفِى شكٍ مِّنْهُ مُرِيبٍ (45) مّنْ عَمِلَ صلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْهَا وَ مَا رَبّك بِظلّمٍ لِّلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدّ عِلْمُ الساعَةِ وَ مَا تخْرُجُ مِن ثَمَرَتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَ مَا تحْمِلُ مِنْ أُنثى وَ لا تَضعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شرَكاءِى قَالُوا ءَاذَنّك مَا مِنّا مِن شهِيدٍ (47) وَ ضلّ عَنهُم مّا كانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَ ظنّوا مَا لهَُم مِّن محِيصٍ (48) لا يَسئَمُ الانسنُ مِن دُعَاءِ الْخَيرِ وَ إِن مّسهُ الشرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَ لَئنْ أَذَقْنَهُ رَحْمَةً مِّنّا مِن بَعْدِ ضرّاءَ مَستْهُ لَيَقُولَنّ هَذَا لى وَ مَا أَظنّ الساعَةَ قَائمَةً وَ لَئن رّجِعْت إِلى رَبى إِنّ لى عِندَهُ لَلْحُسنى فَلَنُنَبِّئنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَ إِذَا أَنْعَمْنَا عَلى الانسنِ أَعْرَض وَ نَئَا بجَانِبِهِ وَ إِذَا مَسهُ الشرّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَ رَءَيْتُمْ إِن كانَ مِنْ عِندِ اللّهِ ثُمّ كفَرْتم بِهِ مَنْ أَضلّ مِمّنْ هُوَ فى شِقَاقِ بَعِيدٍ (52) سنرِيهِمْ ءَايَتِنَا فى الاَفَاقِ وَ فى أَنفُسِهِمْ حَتى يَتَبَينَ لَهُمْ أَنّهُ الحَْقّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّك أَنّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ شهِيدٌ (53) أَلا إِنهُمْ فى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنّهُ بِكلِّ شىْءٍ محِيط (54)

بيان

عودة أخرى إلى حديث القرآن و كفرهم به على ظهور آيته و رفعة درجته و ما فرطوا في جنبه و رميهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و جحدهم الحق و كفرهم بالآيات و ما يتبع ذلك، و تختتم السورة.

و الآية الأولى أعني قوله: "إن الذين يلحدون في آياتنا" الآية كالبرزخ الرابط بين هذا الفصل و الفصل السابق من الآيات لما وقعت بين قوله: "إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم" الآية و بين قوله: "و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن" الآية و قوله: "و من آياته الليل و النهار" إلخ.

قوله تعالى: "إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا" إلخ سياق تهديد لملحدي هذه الأمة كما يؤيده الآية التالية، و الإلحاد الميل.

و إطلاق قوله: "يلحدون" و قوله: "آياتنا" يشمل كل إلحاد في كل آية فيشمل الإلحاد في الآيات التكوينية كالشمس و القمر و غيرهما فيعدونها آيات لله سبحانه ثم يعودون فيعبدونها، و يشمل آيات الوحي و النبوة فيعدون القرآن افتراء على الله و تقولا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يلغون فيه لتختل تلاوته فلا يسمعه سامع أو يفسرونه من عند أنفسهم أو يأولونه ابتغاء الفتنة فكل ذلك إلحاد في آيات الله بوضعها في غير موضعها و الميل بها إلى غير مستقرها.

و قوله: "أ فمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة" إيذان بالجزاء و هو الإلقاء في النار يوم القيامة قسرا من غير أي مؤمن متوقع كشفيع أو ناصر أو عذر مسموع فليس لهم إلا النار يلقون فيها، و الظاهر أن قوله "أم من يأتي آمنا يوم القيامة" لإبانة أنهما قبيلان لا ثالث لهما فمستقيم في الإيمان بالآيات و ملحد فيها و يظهر به أن أهل الاستقامة في أمن يوم القيامة.

و قوله: "اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير" تشديد في التهديد.

قوله تعالى: "إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم - إلى قوله - من حكيم حميد" المراد بالذكر القرآن لما فيه من ذكر الله، و تقييد الجملة بقوله: "لما جاءهم" يدل على أن المراد بالذين كفروا هم مشركو العرب المعاصرين للقرآن من قريش و غيرهم.

و قد اختلفوا في خبر "إن" و يمكن أن يستظهر من السياق أنه محذوف يدل عليه قوله: "إن الذين يلحدون في آياتنا" إلخ فإن الكفر بالقرآن من مصاديق الإلحاد في آيات الله فالتقدير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم يلقون في النار يوم القيامة، و إنما حذف ليذهب فيه وهم السامع أي مذهب ممكن و الكلام مسوق للوعيد.

و إلى هذا المعنى يرجع قول الزمخشري في الكشاف،: إن قوله: "إن الذين كفروا" إلخ بدل من قوله: "إن الذين يلحدون في آياتنا".

و قيل: خبر إن قوله الآتي: "أولئك ينادون من مكان بعيد"، و قيل: الخبر قوله: "لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه" بحذف ضمير عائد إلى اسم إن و التقدير لا يأتيه منهم أي لا يأتيه من قبلهم ما يبطله و لا يقدرون على ذلك أو بجعل أل في الباطل عوضا من الضمير و المعنى لا يأتيه باطلهم.

و قيل: إن قوله: "و إنه لكتاب عزيز" إلخ قائم مقام الخبر، و التقدير إن الذين كفروا بالذكر كفروا به و إنه لكتاب عزيز.



و قيل: الخبر قوله: "ما يقال لك" إلخ بحذف الضمير و هو "فيهم" و المعنى ما يقال لك في الذين كفروا بالذكر إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن لهم عذاب الاستئصال في الدنيا و عذاب النار في الآخرة، و وجوه التكلف في هذه الوجوه غير خفية على المتأمل البصير.

و قوله: "و إنه لكتاب عزيز" الضمير للذكر و هو القرآن، و العزيز عديم النظير أو المنيع الممتنع من أن يغلب، و المعنى الثاني أنسب لما يتعقبه من قوله: "لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه".

و قوله: "لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه" إتيان الباطل إليه وروده فيه و صيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلا بأن يصير ما فيه من المعارف الحقة أو بعضها غير حقة أو ما فيه من الأحكام و الشرائع و ما يلحقها من الأخلاق أو بعضها لغا لا ينبغي العمل به.

و عليه فالمراد بقوله: "من بين يديه و لا من خلفه" زمانا الحال و الاستقبال أي زمان النزول و ما بعده إلى يوم القيامة، و قيل: المراد بما بين يديه و من خلفه جميع الجهات كالصباح و المساء كناية عن الزمان كله فهو مصون من البطلان من جميع الجهات و هذا العموم على الوجه الأول مستفاد من إطلاق النفي في قوله: "لا يأتيه".

و المدلول على أي حال أنه لا تناقض في بياناته، و لا كذب في إخباره، و لا بطلان يتطرق إلى معارفه و حكمه و شرائعه، و لا يعارض و لا يغير بإدخال ما ليس منه فيه أو بتحريف آية من وجه إلى وجه.

فالآية تجري مجرى قوله: "إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون:" الحجر: - 9.

و قوله: "تنزيل من حكيم حميد" بمنزلة التعليل لكونه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل "إلخ" أي كيف لا يكون كذلك و هو منزل من حكيم متقن في فعله لا يشوب فعله وهن، محمود على الإطلاق.

قوله تعالى: "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك" إلخ "ما" في "ما يقال لك" نافية، و القائلون هم الذين كفروا حيث قالوا: إنه ساحر أو مجنون أو شاعر لاغ في كلامه أو يريد أن يتأمر علينا، و القائلون لما قد قيل للرسل أممهم.

و المعنى: ما يقال لك من قبل كفار قومك حيث أرسلت إليهم فدعوتهم فرموك بما رموك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي مثل ما قد قيل لهم.

و قوله: "إن ربك لذو مغفرة و ذو عقاب أليم" في موضع التهديد و الوعيد أي إن ربك ذو هاتين الصفتين أي فانظر أو فلينظروا ما ذا يصيبهم من ربهم و هم يقولون ما يقولونه لرسوله؟ أ هو مغفرة أم عقاب؟ فالآية في معنى قوله: "اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير" أي ما عملتم من حسنة أو سيئة أصابكم جزاؤه بعينه.

و قيل: المعنى ما يوحى إليك في أمر هؤلاء الذين كفروا بالذكر إلا ما قد أوحي للرسل من قبلك و هو أن ربك لذو مغفرة و ذو عقاب أليم فالمراد بالقول الوحي، و "إن ربك" إلخ بيان لما قد قيل.

قوله تعالى: "و لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته أ أعجمي و عربي" قال الراغب،: العجمة خلاف الإبانة.

قال: و العجم خلاف العرب و العجمي منسوب إليهم، و الأعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أو غير عربي اعتبارا بقلة فهمهم عن العجم.

انتهي.

فالأعجمي غير العربي البليغ سواء كان من غير أهل اللغة العربية أو كان منهم و هو غير مفصح للكنة في لسانه، و إطلاق الأعجمي على الكلام كإطلاق العربي من المجاز.



فالمعنى: و لو جعلنا القرآن أعجميا غير مبين لمقاصده غير بليغ في نظمه لقال الذين كفروا من قومك: هلا فصلت و بينت آياته و أجزاؤه فانفصلت و بانت بعضها من بعض بالعربية و البلاغة أ كتاب مرسل أعجمي و مرسل إليه عربي؟ أي يتنافيان و لا يتناسبان.

و إنما قال: "عربي" و لم يقل: عربيون أو عربية مع كون من أرسل إليه جمعا و هم جماعة العرب، إذ القصد إلى مجرد العربية من دون خصوصية للكثرة بل المراد بيان التنافي بين الكلام و بين المخاطب به لا بيان كون المخاطب واحدا أو كثيرا.

قال في الكشاف،: فإن قلت: كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم و هم أمة العرب؟ قلت: هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتابا عجميا كتب إلى قوم من العرب يقول: كتاب أعجمي و مكتوب إليه عربي و ذلك لأن مبنى الإنكار على تنافر حالتي الكتاب و المكتوب إليه لا على أن المكتوب إليه واحد أو جماعة فوجب أن يجرد لما سيق إليه من الغرض و لا يوصل به ما يخل غرضا آخر أ لا تراك تقول و قد رأيت لباسا طويلا على امرأة قصيرة: اللباس طويل و اللابس قصير و لو قلت و اللابس قصيرة جئت بما هو لكنة و فضول قول لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس و أنوثته إنما وقع في غرض وراءهما.

و قوله: "قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء" بيان أن أثر القرآن و خاصته لا يدور مدار لغته بل الناس تجاهه صنفان و هم الذين آمنوا و الذين لا يؤمنون، و هو هدى و شفاء للذين آمنوا يهديهم إلى الحق و يشفي ما في قلوبهم من مرض الشك و الريب.

و هو عمى على الذين لا يؤمنون - و هم الذين في آذانهم وقر - يعميهم فلا يبصرون الحق و سبيل الرشاد.

و في توصيف الذين لا يؤمنون بأن في آذانهم وقرا إيماء إلى اعترافهم بذلك المنقول عنهم في أول السورة: "و في آذاننا وقر".

و قوله: "أولئك ينادون من مكان بعيد" أي فلا يسمعون الصوت و لا يرون الشخص و هو تمثيل لحالهم حيث لا يقبلون العظة و لا يعقلون الحجة.

قوله تعالى: "و لقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه" إلخ تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جحود قومه و كفرهم بكتابه.

و قوله: "و لو لا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم" الكلمة هي قوله: "و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين:" الأعراف: - 24.

و قوله: "و إنهم لفي شك منه مريب" أي في شك مريب من كتاب موسى (عليه السلام).

بيان حال قومه ليتسلى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يرى من قومه.

قوله تعالى: "من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها" إلخ أي إن العمل قائم بصاحبه ناعت له فلو كان صالحا نافعا انتفعت به نفسه و إن كان سيئا ضارا تضررت به نفسه فليس في إيصاله تعالى نفع العمل الصالح إلى صاحبه و هو الثواب و لا في إيصال ضرر العمل السيىء إلى صاحبه و هو العقاب ظلم و وضع للشيء في غير موضعه.

و لو كان ذلك ظلما كان تعالى في إثابته و تعذيبه من لا يحصى من العباد في ما لا يحصى من الأعمال ظلاما للعبيد لكنه ليس بظلم و لا أنه تعالى ظلام لعبيده و بذلك يظهر وجه التعبير باسم المبالغة في قوله: "و ما ربك بظلام للعبيد" و لم يقل: و ما ربك بظالم.

قوله تعالى: "إليه يرد علم الساعة - إلى قوله - إلا بعلمه" ارتداد علم الساعة إليه اختصاصه به فلا يعلمها إلا هو، و قد تكرر ذلك في كلامه تعالى.



و قوله: "و ما تخرج من ثمرات من أكمامها" "ثمرات" فاعل "تخرج" و "من" زائدة للتأكيد كقوله: "و كفى بالله شهيدا:" النساء: - 79، و أكمام جمع كم و هو وعاء الثمرة و "ما" مبتدأ خبره "إلا بعلمه" و المعنى و ليس تخرج ثمرات من أوعيتها و لا تحمل أنثى و لا تضع حملها إلا مصاحبا لعلمه أي هو تعالى يعلم جزئيات حالات كل شيء.

فهو تعالى على كونه خالقا للأشياء محولا لأحوالها عالم بها و بجزئيات حالاتها مراقب لها، و هذا هو أحسن التدبير فهو الرب وحده، ففي الآية إشارة إلى توحده تعالى في الربوبية و الألوهية، و لذا ذيل هذا الصدر بقوله: "و يوم يناديهم أين شركائي" إلخ.

قوله تعالى: "و يوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد - إلى قوله - من محيص" الظرف متعلق بقوله: "قالوا" و قيل: ظرف لمضمر مؤخر قد ترك إيذانا بقصور البيان عنه كما في قوله تعالى: "و يوم يجمع الله الرسل"، و قيل: متعلق بمحذوف نحو اذكر، و لعل الوجه الأول أنسب لصدر الآية بالمعنى الذي ذكرناه فتكون الآية مسوقة لنفي الشركاء ببيان قيام التدبير به تعالى و اعتراف المشركين بذلك يوم القيامة.

و الإيذان الإعلام، و المراد بالشهادة الشهادة القولية أو الشهادة بمعنى الرؤية الحضورية و على الثاني فقوله: "و ضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل" عطف تفسير يبين به سبب انتفاء الشهادة.

و قوله: "و ظنوا ما لهم من محيص" الظن - على ما قيل - بمعنى اليقين، و المحيص المهرب و المفر، و المعنى: و يوم ينادي الله المشركين: أين شركائي؟ - على زعمكم - قالوا: أعلمناك ما منا من يشهد عليك بالشركاء - أو ما منا من يشاهد الشركاء و غاب عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في الدنيا، و أيقنوا أن ليس لهم مهرب من العذاب.

قوله تعالى: "لا يسئم الإنسان من دعاء الخير و إن مسه الشر فيئوس قنوط" السأمة الملال، و اليأس و القنوط بمعنى و هو انقطاع الرجاء، و الدعاء الطلب.

شروع في ختم الكلام في السورة ببيان ما هو السبب في جحودهم و دفعهم الحق الصريح، و هو أن الإنسان مغتر بنفسه فإذا مسه شر يعجز عن دفعه يئس من الخير و تعلق بذيل الدعاء و المسألة و توجه إلى ربه، و إذا مسه خير اشتغل به و أعجب بنفسه و أنساه ذلك كل حق و حقيقة.

و المعنى: لا يمل الإنسان من طلب الخير و هو ما يراه نافعا لحياته و معيشته و إن مسه الشر فكثير اليأس و القنوط لما يرى من سقوط الأسباب التي كان يستند إليها، و هذا لا ينافي تعلق رجائه إذ ذاك بالله سبحانه كما سيأتي.

قوله تعالى: "و لئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي" إلخ الأصل بالنظر إلى مضمون الآية السابقة أن يقال: و إن ذاق خيرا قال: هذا لي لكن بدل ذاق من "أذقناه" و خيرا" من قوله: "رحمة منا" ليدل على أن الخير الذي ذاقه هو رحمة من الله أذاقه إياها و ليس بمصيبة برأسه و لا هو يملكه و لو كان يملكه لم ينفك عنه و لم يمسسه الضراء، و لذا قيد قوله: "و لئن أذقناه" إلخ بقوله: "من بعد ضراء مسته".

و قوله: "ليقولن هذا لي" أي أنا أملكه فلي أن أفعل فيه ما أشاء و أتصرف فيه كيف أريد، فليس لأحد أن يمنعني من شيء منه أو يحاسبني على فعل، و لهذا المعنى عقبه بقوله: "و ما أظن الساعة قائمة" فإن الساعة هي يوم الحساب.



و قوله: "و لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى" أي للمثوبة الحسنى أو للعاقبة الحسنى، و هذا مبنى على ما يراه لنفسه من الكرامة و استحقاق الخير كأنه يقول: ما ملكته من الخير لو كان من الله فإنما هو لكرامة نفسي عليه و على هذا فإن قامت الساعة و رجعت إلى ربي كانت لي عنده العاقبة الحسنى.

فالمعنى: و أقسم لئن أذقنا الإنسان رحمة هي منا و لا يستحقها و لا يملكها فأذقناها من بعد ضراء مسته و ذلك يدله على أنه لا يملك ما أذيقه نسي ما كان من قبل و قال: هذا لي - يشير إلى شخص النعمة و لا يسميها رحمة - و ليس لأحد أن يمنعني عما أفعل فيه و يحاسبني عليه و ما أظن الساعة - و هي يوم الحساب - قائمة، و أقسم لئن رجعت إلى ربي و قامت ساعة كانت لي عنده العاقبة الحسنى لكرامتي عليه كما أنعم علي من النعمة.

و الآية نظيرة قوله في قصة صاحب الجنة: "ما أظن أن تبيد هذه أبدا و ما أظن الساعة قائمة و لئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا:" الكهف: - 36.

و قد تقدم بعض الكلام فيه.

و قوله: "فلننبئن الذين كفروا بما عملوا و لنذيقنهم من عذاب غليظ" تهديد و وعيد.

قوله تعالى: "و إذا أنعمنا على الإنسان أعرض و نأى بجانبه و إذا مسه الشر فذو دعاء عريض" النأي الابتعاد، و المراد بالجانب الجارحة و هي الجنب أو المراد الجهة و المكان فقوله: "نأى بجانبه" كناية عن الابتعاد بنفسه و هو كناية عن التكبر و الخيلاء، و المراد بالعريض الوسيع، و الدعاء العريض كالدعاء الطويل كناية عما استمر و أصر عليه الداعي، و الآية في مقام ذم الإنسان و توبيخه أنه إذا أنعم الله عليه أعرض عنه و تكبر و إذا سلب النعمة ذكر الله و أقبل عليه بالدعاء مستمرا مصرا.

قوله تعالى: "قل أ رأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد" "أ رأيتم" أي أخبروني، و الشقاق و المشاقة الخلاف، و الشقاق البعيد الخلاف الذي لا يقارب الوفاق و هو شديده، و قوله: "ممن هو في شقاق بعيد" كناية عن المشركين و لم يقل: منكم بل أتى بالموصول و الصلة و ذلك في معنى الصفة ليدل على علة الحكم و هو الشقاق البعيد من الحق.

و المعنى: قل للمشركين أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل منكم؟ أي لا أضل منكم لأنكم في خلاف بعيد من حق ما فوقه حق.

فمفاد الآية أن القرآن يدعوكم إلى الله ناطقا بأنه من عند الله فلا أقل من احتمال صدقه في دعواه و هذا يكفي في وجوب النظر في أمره دفعا للضرر المحتمل و أي ضرر أقوى من الهلاك الأبدي فلا معنى لإعراضكم عنه بالكلية.

قوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" إلخ، الآفاق جمع أفق و هو الناحية، و الشهيد بمعنى الشاهد أو بمعنى المشهود و هو المناسب لسياق الآية.

و ضمير "أنه" للقرآن على ما يعطيه سياق الآية و يؤيده الآية السابقة التي تذكر كفرهم بالقرآن، و على هذا فالآية تعد إراءة آيات في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين بها كون القرآن حقا، و الآيات التي شأنها إثبات حقية القرآن هي الحوادث و المواعيد التي أخبر القرآن أنها ستقع كإخباره بأن الله سينصر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين و يمكن لهم في الأرض و يظهر دينهم على الدين كله و ينتقم من مشركي قريش إلى غير ذلك.



فأمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة إلى المدينة و قد اشتد الأمر عليه و على من آمن به غايتها فلا سماء تظلهم و لا أرض تقلهم ثم قتل صناديد قريش في بدر و لم يزل يرفع ذكره و يفتح على يديه حتى فتح مكة و دانت له جزيرة العرب ثم فتح بعد رحلته للمسلمين معظم المعمورة فأرى سبحانه المشركين آياته في الآفاق و هي النواحي التي فتحها للمسلمين و نشر فيها دينهم، و في أنفسهم و هو قتلهم الذريع في بدر.

و ليست هذه آيات في أنفسها فكم من فتح و غلبة يذكره التاريخ و مقاتل ذريعة يقصها لكنها آيات بما أن الله سبحانه وعد بها و القرآن الكريم أخبر بها قبل وقوعها ثم وقعت على ما أخبر بها.

و يمكن أن يكون المراد بإراءة الآيات و تبين الحق بذلك ما يستفاد من آيات أخرى أن الله سيظهر دينه بتمام معنى الظهور على الدين كله فلا يعبد على الأرض إلا الله وحده و تظل السعادة على النوع الإنساني و هي الغاية لخلقتهم، و قد تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض" الآية: النور: - 55 و غيره و أيدناه بالدليل العقلي.

و الفرق بين الوجهين أن وجه الكلام على الأول إلى مشركي مكة و من يتبعهم خاصة و على الثاني إلى مشركي الأمة عامة و الخطاب على أي حال اجتماعي، و يمكن الجمع بين الوجهين.

و يمكن أن يكون المراد ما يشاهده الإنسان في آخر لحظة من لحظات حياته الدنيا حيث تطير عنه الأوهام و تضل عنه الدعاوي و تبطل الأسباب و لا يبقى إلا الله عز اسمه و يؤيده ذيل الآية و الآية التالية، و ضمير "أنه الحق" على هذا لله سبحانه.

و لهم في الآية أقوال أخرى أغمضنا عن إيرادها.

و قوله: "أ و لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" فاعل "لم يكف" هو "بربك" و الباء زائدة، و "أنه على كل شيء شهيد" بدل من الفاعل، و الاستفهام للإنكار، و المعنى أ و لم يكف في تبين الحق كون ربك مشهودا على كل شيء إذ ما من شيء إلا و هو فقير من جميع جهاته إليه متعلق به و هو تعالى قائم به قاهر فوقه فهو تعالى معلوم لكل شيء و إن لم يعرفه بعض الأشياء.

و اتصال الجملة أعني قوله: "أ و لم يكف بربك" إلخ بقوله: "سنريهم" إلخ على الوجه الأخير من الوجوه الثلاثة الماضية ظاهر، و أما على الوجهين الأولين فلعل الوجه فيه أن المشركين إنما كفروا بالقرآن لدعوته إلى التوحيد فانتقل من الدلالة على حقية القرآن للدلالة على حقية ما يدعو إليه إلى الدلالة على حقية ما يدعو إليه مستقيما من غير واسطة كأنه قيل: سنريهم آياتنا ليتبين لهم أن القرآن الذي يخبرهم بها حق فيتبين أن ربك واحد لا شريك له ثم قيل: و هذا طريق بعيد هناك ما هو أقرب منه أ و لم يكفهم أن ربك مشهود على كل شيء؟ قوله تعالى: "ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم" إلخ الذي يفيده السياق أن في الآية تنبيها على أنهم لا ينتفعون بالاحتجاج على وحدانيته تعالى بكونه شهيدا على كل شيء و هو أقوى براهين التوحيد و أوضحها لمن تعقل لأنهم في مرية و شك من لقاء ربهم و هو كونه تعالى غير محجوب بصفاته و أفعاله عن شيء من خلقه.

ثم نبه بقوله: "ألا إنه بكل شيء محيط" على ما ترتفع به هذه المرية و تنبت من أصلها و هو إحاطته تعالى بكل شيء على ما يليق بساحة قدسه و كبريائه فلا يخلو عنه مكان و ليس في مكان و لا يفقده شيء و ليس في شيء.

و للمفسرين في الآية أقوال لو راجعتها لرأيت عجبا.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن عساكر عن عكرمة: في قوله: "أ فمن يلقى في النار خير - أم من يأتي آمنا يوم القيامة" نزلت في عمار بن ياسر و في أبي جهل.: أقول: و رواه أيضا عن عدة من الكتب عن بشر بن تميم، و روي أيضا عن ابن مردويه عن ابن عباس: "أ فمن يلقى في النار" قال: أبو جهل بن هشام، و "أم من يأتي آمنا يوم القيامة" قال: أبو بكر الصديق، و الروايات من التطبيق.

و في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: "إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم" يعني القرآن "لا يأتيه الباطل من بين يديه" قال: لا يأتيه الباطل من قبل التوراة و لا من قبل الإنجيل و الزبور "و لا من خلفه" قال: لا يأتيه من بعده كتاب يبطله.

و في المجمع، في الآية قيل فيه أقوال إلى أن قال و ثالثها معناه: أنه ليس في إخباره عما مضى باطل و لا في إخباره عما يكون في المستقبل باطل بل أخباره كلها موافقة لمخبراتها،: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: "أعجمي و عربي" قال: لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا: كيف نتعلمه و لساننا عربي و أتيتنا بقرآن أعجمي فأحب الله أن ينزله بلسانهم و قد قال الله عز و جل: "و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه".

و في روضة الكافي، بإسناده عن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم - حتى يتبين لهم أنه الحق" قال خسف و مسخ و قذف. قال: قلت: "حتى يتبين لهم" قال: دع ذا ذاك قيام القائم.

و في إرشاد المفيد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): في الآية قال: الفتن في آفاق الأرض و المسخ في أعداء الحق.

و في روضة الكافي، بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الآية قال: يريهم في أنفسهم المسخ، و يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز و جل في أنفسهم و في الآفاق. قلت له: حتى يتبين لهم أنه الحق؟ قال: خروج القائم هو الحق عند الله عز و جل يراه الخلق.

تم و الحمد لله.

<<        الفهرس        >>