في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة21)

الإحتياط متمّمة لصلاة الفريضة ـ الارتياب في بطلانها بسبب تخلّل الحدث .
ويشهد له أيضاً أنه قد أمر بسجدتي السهو مع التكلّم بينهما في خبر ابن أبي يعفور المتقدّم سابقاً ، الوارد فيمن صلّي ركعتين أم أربعاً؟ حيث قال(عليه السلام) :«يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثمّ يتشهّد ويسلّم ـ إلى أن قال : ـ وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(1) .
واحتمال كون المراد التكلّم حين عروض الشكّ قبل أن يتلبّس بما هو وظيفته من التشهّد والتسليم ثمّ الإحتياط ، أو كون المراد التكلّم سهواً في أثناء الإحتياط في غايد البعد ، ولا يجوز حمل الرواية عليه .
فانقدح أنّ مقتضى ظواهر النصوص بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ونحوه .
ومنها : أنه لو تذكّر الشاكّ أحد طرفي الشكّ أو أطرافه ، فتارة يكون أحد طرفيه مثلا التمامية ، والآخر الزيادة ، كما في الشكّ بين الأربع والخمس ، واُخرى يكون أحد طرفيه النقص كما في سائر الشكوك الصحيحة .
ففي الأول: لا إشكال في تمامية الصلاة وصحّتها لو تذكّر التمامية ، والظاهر لزوم سجدتي السهو أيضاً كما في صورة عدم التبيّن ، لما عرفت من أنّ وجوبهما إنّما هو أثر نفس الذهول والغفلة المتحققة في أثناء الصلاة لا جبران إحتمال الزيادة ، لأنها مدفوعة بالاصل ، كما أنه لا إشكال في البطلان لو تذكّر زيادة ركعة في الصلاة ، لأنها القدر المتيقّن من الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على من زاد في صلاته ، كما مرّ فيما تقدّم .
وفي الثاني : الذي حكمه وجوب البناء على الأكثر ، والتشهّد والتسليم ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ، إن تذكّر تمامية الصلاة وإنّها لم تكن ناقصة ، فإن كان ذلك

(1) الكافي 3: 352 ح4; التهذيب 2 : 186 ح739; الاستبصار 1: 372 ح1315; الوسائل 8: 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .

(الصفحة22)

قبل الإتيان بصلاة الإحتياط فالظاهر سقوط وجوبها حينئذ ، لأنها إنّما شرعت لتدارك النقص المحتمل ، ومع عدم احتمال النقص لا مجال لوجوبها أصلا كما لا يخفى ، وإن كان ذلك بعد الإتيان بصلاة الإحتياط .
فالظاهر بمقتضى الروايات المتقدّمة الواردة في الشكوك وقوعها نافلة ، وهذا ممّا لا كلام فيه .
وإنّما الإشكال فيما لو تذكّر الشاكّ ـ بعد البناء على الأكثر والتسليم ـ نقصان الصلاة ، وفيه صور ثلاث ، لأنّه تارة يكون التذكّر قبل صلاة الإحتياط ، واُخرى في أثنائها ،وثالثة بعدها .
فإن تذكّر النقص بعد الإتيان بصلاة الإحتياط ، فالظاهر صحة الصلاة ووقوع صلاة الإحتياط متمّمة لها ، لانّ ثمرة تشريع الاحتياط ذلك كما مرّ مراراً ، وليس لأحد أن يدّعي أنّ الأحكام المجعولة للشاكّ في عدد الركعات التي مرجعها إلى البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط إنّما هي فيما لو بقي الشكّ بحاله دون ما لو حصل الجزم بالنقصان ، لأنه ـ مضافاً إلى مخالفته لظواهر النصوص بل صريح خبر عمّار المتقدّم(1) ـ مدفوع بأنّ مقتضى ذلك عدم العلم بتحقّق موردها حين الشكّ في أثناء الصلاة أصلا ، إذ لا يعلم ببقاء التردّد والشكّ إلى الأبد كما هو واضح .
وبالجملة ، فالاشكال في هذه الصورة أيضاً ممّا لا وجه له .
هذا فيما لو كان كان النقص المتبين قابلا للجبران بصلاة الإحتياط التي صلاّها .
وأمّا فيما لو لم يكن كذلك بأن تبيّن بعد صلاة الإحتياط نقص الصلاة أزيد ممّا كان محتملا ، كما فيما لو شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأكثر وتشهّد وسلّم ثمّ اتى بركعة منفصلة بعنوان صلاة الإحتياط ، ثمّ تذكّر أنّ صلاته كانت ناقصة بركعتين وأنّ اعتقاده بالثلاث كان جهلا مركّباً ، فهل تبطل صلاته حينئذ ، نظراً إلى

(1) التهذيب 2: 349 ح1448; الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .

(الصفحة23)

عدم إمكان التتميم لتخلّل صلاة الإحتياط في البين ، وعدم امكان كونها جابرة ، لانّ المفروض كون الصلاة ناقصة بركعتين أو تصحّ بعد تتميمها بهما متّصلة ، فيما لو كان التبيّن قبل الإتيان بالمنافي ، نظراً إلى عدم الدليل على كون صلاة الإحتياط التي تخلّلت في البين مانعاً عن لحوق الأجزاء الباقية ، أو مبطلا للاجزاء السابقة ، خصوصاً بعد كون الإتيان بها بتخيّل ثبوت الأمر بها؟ وجهان ، لا يبعد ثانيهما .
وهنا وجه ثالث ، وهو الاكتفاء في المثال بركعة اُخرى متّصلة بصلاة الإحتياط .
ولكن الانصاف أنه لا دليل على شيء من الوجوه الثلاثة . نعم ، لا دليل أيضاً على مانعية صلاة الإحتياط المتخلّلة في البين ، أو مبطليتها لعدم صدق عنوان الزيادة عليها ، ولهذه الجهة نفينا البعد عن الوجه الثاني ، فتدبّر .
وإن كان تذكّر النقص قبل الإتيان بصلاة الإحتياط ، فالمشهور أنه داخل في مسألة من تذكّر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد(1) ، فيشمله الأخبار الدالّة على وجوب إلحاق مانقص(2) ، وعلى تقدير المناقشة في دخوله فيها موضوعاً ، نظراً إلى انّ مورد تلك الأخبار خصوص صورة ما لو صدر التسليم منه بزعم الفراغ لا مثل المقام . لا ينبغي الخدشة في اشتراك الموردين في الحكم ، نظراً إلى أنّ الحكم المذكور فيها مطابق للقاعدة . والنصّ والاجماع قائمان على أنّ التسليم المأتيّ به في المقام غير موجب للبطلان ولا يمنع عن الاتمام .
وقد تنظّر في الاشتراك أيضاً بعض الاعاظم من المعاصرين حيث قال في كتاب صلاته : وفيه نظر أيضاً لإمكان أن يكون التسليم هنا مانعاً من ضمّ الركعة المتّصلة ، كما يكون مانعاً منه على تقدير التمامية ، وتدارك المنقوص بالمنفصل لا

(1) الحدائق 9 : 309; جواهر الكلام 12: 378; كشف اللثام 4: 434; مستند الشيعة 7: 94 .
(2) الوسائل 8 : 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3  .

(الصفحة24)

دليل عليه ، لاختصاص دليله بما إذا كان باقيا على شكّه في حال الإحتياط ، فإذنّ مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط والاستئناف ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما(1) . انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه .
وأنت خبير بأنّه لا فرق بين مسألة من تذكّر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد وبين المقام ، من حيث وقوع التسليم في كلا المقامين سهواً ، غاية الأمر أنّ السهو الذي أوجب التسليم في غير محلّه هناك هو السهو بالمعنى المصطلح المعبّر عنه بالجهل المركّب ، والسهو الذي أوجب التسليم في غير محلّه هنا هو السهو والذهول عن الواقع مع الالتفات إليه ، وهو الذي يعبّر عنه بالجهل البسيط .
ولا دليل على كون التسليم هنا مانعاً من لحوق الأجزاء الباقية ، لو لم نقل بقيام الدليل على العدم ، وهو نفس الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ، بضميمة ما ورد من التعليل في بعضها من كونها متمّمة على تقدير النقص(2) ، ضرورة أنّ مقتضى قابليّة الصلاة الناقصة للتتميم بصلاة الإحتياط ، عدم كون التسليم المتخلّل في البين مخرجاً عن الصلاة ، ومانعاً عن صلاحية اللحوق ، وإلاّ لم تصلح الصلاة الناقصة للعلاج بالتتميم بها ، كما أنّ مقتضى وقوع صلاة الإحتياط نافلة على تقدير عدم النقص كونه في تلك الصورة مخرجاً محلّلا .
وبالجملة : الأمر بالبناء على الأكثر والتسليم في مورد السهو المقارن للتردّد والشكّ ، مع احتمال زواله بمجرّد الفراغ عن الصلاة ، وعدم بقائه إلى انقضاء زمان الإتيان بوظيفة الإحتياط دليل على عدم مانعية التسلم ، وإلاّ فكيف يمكن إيجاب

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 383  .
(2) الوسائل 8 : 212 ـ 213  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة  .

(الصفحة25)

التسليم عليه مع هذا الاحتمال .
وإن شئت قلت : إنّ الحكم المجعول في مورد الشكّ في عدد الركعات وهو البناء على الأكثر ، إمّا أن يقال باختصاص مورده بما إذا لم يزل الشكّ بعد الفراغ عن الصلاة قبل الإتيان بصلاة الإحتياط ، وإمّا أن يقال بعدم الاختصاص ، بل يعمّ مفروض المقام أيضاً .
فإن قيل بالأوّل ، فلازمه عدم جواز البناء على الأكثر إلاّ لمن يعلم ببقاء شكّه إلى انقضاء زمان الإتيان بوظيفة الإحتياط ، ومن المعلوم عدم الاختصاص به .
وإن قيل بالثاني ، فلازمه عدم بطلان الصلاة بالتسليم ، لأنه لا يجتمع الحكم بالبناء على الأكثر ثمّ التسليم الذي كان محطّ النظر فيه تصحيح الصلاة التي شكّ فيها بالنسبة إلى ركعاتها مع بطلانهابسبب التسليم في صورة تذكّر النقص التي هي مورد للحكم أيضاً .
فدعوى احتمال كون التسليم هنا مانعاً عن ضمّ الركعة المتّصلة ، كما احتمله(قدس سره) ، ممّا لا وجه لها . ويؤيّد ما ذكرنا أنه لا خلاف بين من تعرّض للمسألة من الأصحاب في الحكم المذكور وهو وجوب ضمّ الركعة أو الركعتين متّصلة ، والعجب أنّه(قدس سره) قد عبّر عنه بقوله :
وقد يقال: مع ما عرفت من عدم الخلاف فيه بين المتعرّضين .
إن قلت : إنّ مقتضى ما ذكرت هو الإتيان بصلاة الإحتياط مع تذكّر النقص ، لا الإتيان بالركعة أو نحوها متّصلة كما هو المدّعى .
قلت : إنّ صلاة الإحتياط إنّما هي مجعولة لأن تكون قابلة للتتميم على تقدير النقص ، ولوقوعها نافلة على تقدير عدمه ، فموردها خصوص صورة احتمال النقص وأمّا مع تيقّن النقص فلا مجال لها أصلا .
وإن شئت قلت : لزوم صلاة الإحتياط المشتملة على تكبيرة الاحرام ونحوها

(الصفحة26)

إنّما هو في صورة احتمال تحقّق الزياة في الفريضة لو أتى بالركعة ونحوها متّصلة ، وأمّا مع عدم هذا الاحتمال فلابد من الإتيان بها متّصلة كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو شكّ في صحة الصلاة في المقام بضمّ الركعة كذلك ، واحتمل بطلانها بمجرّد تذكّر النقص قبل الإتيان بوظيفة الإحتياط ، فمقتضى الإحتياط الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ثمّ الاستئناف ، وأمّا ما أفاده المحقّق المزبور في عبارته المتقدّمة(1) ـ من أنّ مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط والاستئناف للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ـ فلا يعلم له وجه .
لأنّ الظاهر باعتبار عطف الاستئناف على الإحتياط الظاهر في المغايرة ، أنّ المراد بالعمل بالاحتياط هو الإتيان بصلاة الإحتياط ، وحينئذ فيرد عليه أنه لا وجه لعدم مراعات احتمال وجوب ضمّ الركعة متّصلة ، خصوصاً بعدما عرفت من عدم الخلاف فيه بين المتعرضين للمسألة من الأصحاب ، بل لا وجه للإتيان بصلاة الإحتياط أصلا . فلابدّ من الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ، وبين الاستئناف على ماذكرنا ، لأنّ المنشأ للعلم الإجمالي ليس إلاّ احتمالين ، احتمال كون التسليم مانعاً أو مبطلا ، واحتمال عدم كونه كذلك .
فمقتضى احتمال الأول وجوب الاستئناف ليحصل الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم تفصيلا المتعلّق بالصلاة المشتملة على أربع ركعات . ومقتضى احتمال الثاني بملاحظة حرمة قطع الصلاة ووجوب الاتمام بعد الشروع فيها هو لزوم ضمّ الركعة متّصلة ، وليس هنا إحتمال ثالث كان مقتضاه الإتيان بصلاة الإحتياط .
وبالجملة: فالسلام لا يخلو من أحد الأمرين : إمّا أن يكون مانعاً أو مبطلا فيجب الاستئناف ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، فيجب إتمام الصلاة بضمّ الركعة متّصلة ولا وجه للإتيان بالاحتياط أصلا كما لا يخفى .


(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 383 .

(الصفحة27)

ثمّ إنّ المحقّق المتقدّم قال في كتاب صلاته ـ بعد العبارة المتقدّمة ، وبعد كلام آخر متضمّن لما أورده على نفسه مع الجواب عنه بما لايخلو عن اضطراب بل نظر ـ ما هذا لفظه :
والأولى أن يقال : إنّ الموضوع في باب الشكوك في ركعات الصلاة هو الشكّ المستمر إلى آخر الوظيفة ، كما أنّ الموضوع في كلّ عمل متدرّج الوجود المتعلّق بعنوان خاصّ ، هو ذلك العنوان الباقي إلى آخر العمل .
وأمّا ما أورد على هذا القول بأنّ لازمه القول: بأنّ من لم يدر أنّ شكّه هل يبقى أم يزول؟ يجوز له رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل .
ففيه: أنّ الشخص المفروض له طريق عقلائيّ يقتضي عدم زوال شكّه ، هو الغلبة بحيث يكون خلافه نادراً جدّاً ، فإنّ من استقرّ شكّه بعد التروّي لا يزول عادة قبل الإتيان بتمام الوظيفة ، فلو زال شكّه قبل ذلك يكشف عن خطأ طريقه ، فالسلام المبنيّ على طريق انكشف خطأه بعده كالسلام المبنيّ على القطع الذي انكشف خطأه في دخوله تحت السلام السهوي ، ولو فرضنا أنّ شخصاً لم تكن تلك الغلبة النوعية معتبرة في حقه ، مثل أن تكون الغلبة في مورده شخصاً على خلاف العادة ، نلتزم بجواز رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل ولا ضير فيه(1) . انتهى .
ويرد عليه أنّه إن كان المراد دخول المقام تحت أدلّة السلام السهويّ باعتبار كون السلام السهوي المبنيّ على طريق انكشف خطأه ، كالسلام السهويّ الصادر عن جهل مركّب ، فيشمله الأخبار الواردة في من سلّم سهواً(2) ، فيرد عليه أيضاً وضوح عدم الشمول ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ عن الصلاة .


(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 384  .
(2) الوسائل 8 : 198  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3  .

(الصفحة28)

وهنا لا يكون التسليم كذلك ، وإن كان جاهلا من حيث تخيل أنّ حكمه البناء على الأكثر الذى مورده صورة استمرار الشكّ إلى آخر الإتيان بوظيفة الإحتياط على ما هو المفروض ، إلاّ أنه من جهة التسليم لا يكون كذلك ، لأنه لا يسلّم بزعم الفراغ بعد العلم بلزوم الإتيان بصلاة الإحتياط فتدبر .
وإن كان مراده اشتراك المقام مع السلام السهوي من حيث الحكم وإن لم يكن المقام مشمولا للأخبار الواردة فيه ، فهو وإن كان صحيحاً تامّاً إلاّ أنه لا يحتاج في إثبات ذلك إلى سلوك الطريق الذي سلكه ، بل يكفي في ذلك نفس الأخبار الوادرة في الشكوك ، الآمرة بالبناء على الأكثر والتسليم ، بتقريب أنّ إيجاب التسليم عليه في هذه الصورة لا يجتمع مع كونه مانعاً عن اللحوق أو مبطلا للأجزاء السابقة ومخرجاً لها عن الصحة التأهلية فتأمّل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر عدم بطلان الصلاة ، ووجوب ضمّ الركعة أو أزيد متّصلة ، كما لاخلاف فيه بين المتعرّضين على ما عرفت .
هذا كله فيما لو كان تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط .
وأمّا لو كان تذكّره في أثناء صلاة الإحتياط ففيه وجوه أربعة :
أحدها : القول برفع اليد عن المقدار الذي صلّى من صلاة الإحتياط وإلغائه والإتيان بالنقص منضماً كالصورة المتقدّمة ، وهي ما لو تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط ، نظراً إلى أنّ مقتضى كون صلاة الإحتياط متمّمة على تقدير النقص ، عدم كون السلام الواقع قبل التمامية محلّلا مخرجاً ، وعدم كون التكبيرة مبطلةً ، فلا مانع من لحوق ما بقي بما سبق .
وإتمام صلاة الإحتياط لا دليل عليه بعد اختصاص مورده بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر العمل بالوظيفة الاحتياطية ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأدلّة الواردة فيمن سلّم سهواً اشتراك المقام مع موردها في الحكم فتدبر .


(الصفحة29)

ثانيها : القول بلزوم صلاة الإحتياط ، نظراً إلى عدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» للمقام ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ لا مثل المقام ، وعدم اختصاص مورد دليل الإحتياط بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر صلاة الإحتياط ، بل يعمّ مثل المقام ممّا كان الشكّ مستمرّاً إلى حين الشروع في صلاة الإحتياط .
ثالثها : التفصيل بين ما إذا كانت صلاة الإحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، واشتغل بعد البناء على الأكثر والتسليم بركعة قائماً ، فتذكّر كون صلاته ثلاثاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في واحد منهما ، كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً ، فتذكّر كونها ثلاثاً .
وكما في الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع إذا تذكّر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وكما إذا اشتغل في هذا الفرض بركعتين جالساً ـ بناءً على جواز تقديمهما ـ وتذكّر كون صلاته ركعتين .
ومرجع هذا التفصيل إلى لزوم الاتمام في الصورة الاُولى ، ووجوب الإلغاء وإتمام ما نقص متّصلا في غيرها من الصور ووجهه يستفاد من الوجهين المتقدّمين ويحتمل الاستئناف في غير الصورة الاُولى .
رابعها : البطلان ولزوم الاستئناف مطلقاً ، نظراً إلى عدم إمكان العلاج لعدم شمول أدلّة الإحتياط للمقام ، بعد اختصاص موردها بصورة بقاء الشكّ إلى آخر صلاة الإحتياط ، وعدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» له أيضاً ، لاختصاص مورده بما إذا سلّم بزعم الفراغ ، ومع عدم العلاج لابدّ من الطرح ثمّ الاستئناف .
ثمّ إنّ المتعرّضين للمسألة من الأصحاب رضوان الله عليهم بين من اقتصر على ذكر الوجوه المحتملة من دون ترجيح ، وبين من رجّح بعضها على الآخر كالعلاّمة(قدس سره) ، حيث اختار الاستئناف في القواعد والتذكرة والتحرير(1) ، وحكي عن

(1) قواعد الأحكام 1 : 305; تذكرة الفقهاء 3: 367; تحرير الأحكام 1 : 50 .

(الصفحة30)

الجعفرية والبيان والارشاد واللمعة والألفية وشرحها للكركي ، والدرّة عدم الالتفات ، والمحكيّ عن الشهيد في الدروس الإتمام مع المطابقة والإشكال مع المخالفة ، وعن جامع المقاصد الاستئناف مع المخالفة دون الموافقة(1) .
ودعوى أنّه يستفاد إشعاراً بل دلالة من رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك اختصاص أدلّة الإحتياط بما إذا كان الشكّ الحادث في الأثناء باقياً إلى آخر الإتيان بصلاة الإحتياط ، مدفوعة مضافاً إلى عدم الدلالة ، بل ولا الإشعار ،

(1) البيان : 151; وفيه: ولو ذكر في الثانية فوجهان: أقربهما الإتمام; اللمعة : 18; إرشاد الأذهان 1: 270; الدروس 1 : 205; جامع المقاصد 2 : 491; وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 358 ، عن الجعفريّة والألفية وشرحها والدرّة .
وهنا تفصيل آخر استقربه سيّدنا العلاّمة الاستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ في تعليقته المباركة على كتاب العروة ص68 ، حيث قال: والأقرب التفصيل بأنّ النقص المتبيّن إن كان هو الذي جعلت هذه الصلاة جابرة له شرعاً ، فالواجب إتمامها وإن خالفته في الكمّ والكيف ، كالركعتين من جلوس مع تبيّن النقص بركعة بل وكذا إذا أمكن تتميمها كذلك ، كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث ، قبل أن يركع في الثانية منهما ، وأمّا في غيرما ذكر فالواجب قطعها وإتمام أصل الصلاة ، ولا يترك الاحتياط بالإعادة فيهما خصوصاً الثاني . انتهى .
ومبنى ما أفاده على شمول أدلة الاحتياط لصورة تبيّن النقص في الأثناء وعدم اختصاص موردها بما إذا كان الشك باقياً إلى آخر صلاة الاحتياط . غاية الأمر أنه فيما إذا لم يمكن كون ما بيده جابراً للنقص المتبيّن ، ولم يمكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام مع تبيّن الثلاث بعدما ركع في الثانية منهما ، لا معنى للإتمام بعد كون تشريع الاحتياط لجبران النقص ، ولزوم إتمام أصل الصلاة إنّما هو لعدم الدليل على مانعية الاُمور المتخللة غير القابلة للوقوع جزء لو لم نقل باستفادة عدم مانعيتها من نفس أدلة الاحتياط الآمرة بها كما لايخفى .
وكيف كان ، فالظاهر شمول أخبار الاحتياط للشك الحادث في أثناء الصلاة الباقي إلى زمان الشروع في صلاة الاحتياط وإن زال بعد الشروع ، وفاقاً لمن فصّل بين ما إذا كانت صلاة الاحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في أحدهما ، فأوجب إتمام ما بيده من صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى والرجوع إلى حكم من تذكّر النقص في الصورة الثانية . كبعض المحققين في التعليقة على العروة .
فإنّ إيجاب إتمام صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى متوقف على كون المقام مشمولا لأدلة الاحتياط ، وإن كان يرد عليه أنه بعد الاعتراف بالشمول لا وجه للتفصيل بين الصورتين ، بل الظاهر عدم الفرق بينهما كما صرّح به سيدناالاستاذ(مدظلّه العالي)فيماتقدّم من عبارته.نعم لابدّمن تخصيص موردهابماإذالم يمكن كون مابيده جابرة ولم يمكن تتميمها كذلك ، لعدم إمكان كونه جابراً ، وتشريع الاحتياط إنما هو للجبران والتدارك . «المقرّر»

(الصفحة31)

لأنّ الرواية قد رويت مختلفة بثلاثة متون :
أحدها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال له : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك نقصت»(1) .
ثانيها : مارواه الشيخ باسناده عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى ابن عمر ، عن موسى بن عيسى ، عن مروان بن مسلم ، عن عمّار بن موسى الساباطي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال : «ألا أعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» قلت : بلى ، قال : «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
ثالثها : مارواه الشيخ أيضاً باسناده عن احمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ ، عن معاذ بن مسلم ، عن عمّار بن موسى قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام): «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر» ، قال : «فاذا انصرفت فاتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(3) .
والتي يتوهّم فيها الدلالة أو الإشعار من هذه المتون الثلاثة هي الرواية المرويّة بالطريق الثاني . وأمّا ما رويت بالطريقين الآخرين ، فلا إشعار فيها فضلا عن الدلالة كما لا يخفى . ومع ثبوت هذا النحو من الاختلاف لا مجال للاستدلال بشيء منها ، إلاّ فيما تشترك فيه كما هو ظاهر .


(1) الفقيه 1: 225 ح992; الوسائل 8: 212 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح1  .
(2) التهذيب 2 : 349 ح1448; الوسائل 8 : 213  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
(3) التهذيب2: 193 ح762; الاستبصار1: 376ح1426; الوسائل8:213.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح4.

(الصفحة32)

الإخلال بصلاة الاحتياط
ومن أحكام صلاة الإحتياط انه لو زاد فيها ركعة أو ركناً أو نقص كذلك بحيث لا يقبل التدارك فلا إشكال في بطلانها ، وأمّا بطلان الصلاة في هذه الصورة وكذا فيما لونسي الإحتياط ودخل في فريضة اُخرى ، وذكر بعد ما كان ما أتى به نسياناً منافياً للفورية ، فيبتني على ملاحظة الأدلّة .
فإن قلنا: باستفادة اعتبار الفوريّة منها ، كما ربما يدّعى أنّها ظاهرها ، فمقتضى ذلك بطلان الصلاة السابقة ، وعدم كون نقصها المحتمل قابلا للتدارك ، وإن قلنا: بعدم ظهور الأدلّة في اعتبار الفوريّة ، بل غاية ما يقال: إنّ القدر المتيقّن من مفادها كون ما يوتى به عقيب السلام من دون فصل معتدّ به جابراً(1) ، فالأدلة وإن لم يكن لها اطلاق يدلّ على جواز التراخي  ، ولكن لا دلالة لها أيضاً على منع الفصل من صحة صلاة الإحتياط ووقوعها جابرة للنقص; ومع هذا الحال يجب الإحتياط بالجمع بين صلاة الإحتياط والاستئناف ، إلاّ أن يكون هنا أصل شرعيّ يوجب جواز الاكتفاء بصلاة الإحتياط .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) بعدما عقد للمقام مسألتين ، إحداهما : مسألة إبطال صلاة الإحتياط ، والاُخرى : مسألة نسيانها والدخول في فريضة اُخرى مرتّبة أو غير مرتبة ، قد قرّر الأصل المحتمل في المسألة الاُولى من وجوه تأتي ، وأشار في المسألة الثانية إليها .
ويرد عليه اتّحاد ملاك المسألتين والدليل فيهما ، لأنّ الاخلال في كلتيهما إنّما وقع بالفورية التي يحتمل اعتبارها ، غاية الأمر أنّ الإخلال بها في المسألة الاُولى من حيث الابطال ، وفي المسألة الثانية من حيث الدخول في فريضة اُخرى .
وأمّا الاُصول التي قرّرها :


(1) الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 ، 4 وص 217 ب10 ح4 ـ 6 .

(الصفحة33)

فمنها: استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ، وقد استشكل عليه بأنّ إجراء الحكم المعلّق بالمفاهيم المقيّدة على غيرها لا يمكن بالاستصحاب ، لتعدّد الموضوع حتّى بنظر العرف ، نعم لو كان الحكم يسري إلى الوجودات الخارجية المتصفة بالقيد ، يمكن استصحابه بعد زوال قيده ، ألا ترى أنّ حكم الماء المتغيّر بنحو الكلّي لا يمكن إجراؤه على الماء غير المتغيّر ، ولكن لو تحقّق الماء المتغيّر في الخارج وصار محكوماً بالنجاسة بواسطة انطباق ذلك المفهوم على الفرد الخارجيّ الشخصي ثمّ زال تغيّره من قبل نفسه يصحّ استصحاب نجاسته ، فإنّ معروض النجاسة كان ذلك الشخص الخارجي عرفاً ، والحكم المتعلّق بأفعال المكلّفين ممّا لا يسري إلى الخارج ، بل الموجود الخارجي منها يوجب سقوط الحكم .
ومنها: استصحاب كون صلاة الإحتياط موجبة لتدارك الركعة المنسيّة ، فإنّها كانت كذلك قبل ذلك . وأورد عليه بأنّ إيجابه للتدارك إنّما كان بوجودها الخارجي لا بالوجود اللحاظيّ الذي كان مورداً للأمر ، والمفروض عدم تحقّقها في الخارج قبل ذلك .
ومنها : الاستصحاب التعليقي ، وقد بيّنه من وجهين:
أحدهما : إنّ صلاة الإحتياط قد جعل الشارع وجودها الخارجي موجباً لتدارك النقص المحتمل ، فيقال : إنّ الركعتين بعد التسليم فيما إذا شكّ المصلّي بين الثنتين والأربع ، كانتا بحيث لو وجدتا في الخارج حصل بهما تدارك النقص المحتمل في الفريضة شرعاً ، وفي الزمن اللاّحق يشكّ في ارتفاع هذا الأثر الشرعيّ المعلّق على الوجود الخارجي ، فيستصحب كاستصحاب النجاسة المعلّقة على الغليان الخارجي .


(الصفحة34)

وأورد عليه: بأنّ تدارك النقص المحتمل ليس ممّا جعله الشارع ، بل هو من فوائدها الواقعية صار موجباً لجعل الشارع صلاة الإحتياط . وبعبارة اُخرى بناء الشاك بين الثنتين والأربع على الأكثر ، ثمّ اتيان مقدار الناقص المحتمل بعد السلام مفصولة مشتمل على مصلحة موجبة لتدارك ما فات من المصلّي ، ولأجل ذلك أمر الشارع بذلك ، لا أنّ الشارع أمر بذلك وجعل وجود الركعتين موجباً للتدارك بجعل آخر .
ثانيهما : استصحاب كون الإحتياط على تقدير وجوده قبل ذلك متداركاً للنقص المحتمل ، فإنّه كان كذلك من قبل ، فإنّ التدارك وإن قلنا: بأنّه ليس بمجعول شرعيّ وليس له أثر شرعيّ أيضاً ، ولكن تناله يد الجعل بتقبّل ما يأتي به في حال عدم الفورية مصداقاً للمأمور به ، نظير استصحاب الطهارة حال الصلاة بعدما كان فارغاً منها ، فإنّ مصحّح الاستصحاب ليس إلاّ تقبّل الشارع ما أتى به مصداقاً للمأمور به(1) ، انتهى  .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّ الشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك النقيصة المحتملة ، مسبّب عن الشكّ في اعتبار الفورية وعدمه ، أو الشكّ في مانعية الفصل وعدمها ، ومع جريان البراءة في مثل الشكّ في الشرطيّة أو المانعيّة ـ كما هو الحق وقد حقق في محله ـ لا يبقى مجال للشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك الركعة الناقصة المحتملة; مضافاً إلى انّ استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ممّا لا مانع منه على الظاهر ، وكذا استصحاب كونها موجبة للتدارك .


(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 386 ـ 389 .

(الصفحة35)







حكم صور الانقلاب


وتفصيل الصور أنّ الشكّ الصحيح قد ينقلب إلى الظنّ وقد ينقلب إلى شكّ آخر صحيح أو مبطل ، كما أنّ الظنّ قد ينقلب إلى ظنّ آخر وقد ينقلب إلى شكّ صحيح أو مبطل .
لا ريب في وجوب العمل على طبق الحالة الثانية فيما لو انقلب ظنّه إلى حالة ظنية اُخرى ، أو إلى حالة شكّ ، كما أنه لا ريب في وجوب العمل على طبق الحالة الثانية أيضاً ، فيما لو انقلب شكّه الصحيح إلى الظنّ أو إلى شكّ آخر قبل الفراغ من الصلاة ، فيعمل على طبق ظنّه أو شكّه ، صحيحاً كان أو مبطلا ، كان حكمه مع الصحّة البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الإحتياط ، كما هو حكم أكثر الشكوك الصحيحة ، أو البناء على الأقلّ والإتيان بسجدتي السهو ، كما هو حكم الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت .
إنّما الكلام فيما لو حصل الانقلاب إلى شكّ آخر بعد الفراغ من الصلاة ، وله أيضاً صورتان : فإنّه تارة ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة ، وعليه فلامحالة وقع

(الصفحة36)

التسليم في غير محلّه ، كما إذا شكّ بين الإثنتين والأربع مثلا ، ثمّ بعد الصلاة انقلب شكّه إلى الإثنتين والثلاث .
وأُخرى لايكون كذلك ، كما إذا شكّ بين الإثنتين والأربع ، ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع . ففي الصورة الاُولى لابدّ من أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة ، لانّ المفروض أنه تبيّن كونه في الصلاة ، وأنّ السلام وقع في غير محلّه ، ففي المثال المفروض أنه يبني على الثلاث ويتمّ بإضافة ركعة اُخرى ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، ويسجد سجدتي السهو للسلام في غير محلّه .
وأمّا الصورة الثانية فقد يقال فيها بصحّة الصلاة وعدم وجوب التدارك ، لانّ المفروض أنّ الشكّ الموجب للتدارك قد زال ، والشكّ الحادث إنّما وقع بعد الفراغ فلا اعتبار به .
وقد استشكل فيه بعض الاعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته بما ملخّصه : عدم شمول قاعدة الشكّ بعد الفراغ لهذا المورد ، لأنّ الفراغ في مورد الفرض إنّما هو من جهة تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فبنى على الأكثر وسلّم بزعم أنه محكوم بذلك ، ودليل الشكّ بعد الفراغ منصرف إلى الفراغ بعنوان آخر الركعات واقعاً ، وليس المراد هو الفراغ الواقعي من الصلاة ، لأنّه يوجب أن يكون الشكّ بين النقيصة والتمام بعد السلام من الشبهة المصداقية ، لعدم إحراز أنه بعد الفراغ أو قبله ، بل المراد أنّ مورد الدليل أن يأتي المصلّي بالجزء الأخير ، بتخيّل أنه الجزء الأخير ، لا بناءً بواسطة تخيّل الأمر ، كما أنّ الشكّ المفروض في المقام ليس داخلا في الشكّ قبل الفراغ حتّى يترتّب عليه حكم الشكّ في حال الصلاة ، ولايكون من الشبهة المصداقية للشكّ قبل الفراغ .
أما الأول: فواضح ، وأمّا الثاني: فللزوم أن يكون الشكّ بين النقص والتمام بعد

(الصفحة37)

السلام من الشبهة المصداقيّة بين الأمرين ، فإنّه على تقدير وقوع السلام في محلّه يكون مصداقاً للشكّ بعد الفراغ ، وعلى تقدير آخر يكون مصداقاً للشك قبل الفراغ  . إلى أن قال ما محصّله :
لزوم الإتيان بالنقيصة المحتملة في الصورة المفروضة موصولة لحصول البراءة به يقيناً ، لأنّه لو كانت صلاته تامّة لم يضرّ الزيادة بواسطة الفصل بالسلام الواقع في محلّه ، وإن كانت ناقصة يكون ما أتى به متمّماً لها ، وبعد انحصار العلاج بذلك يجب ، فإنّ الاشتغال اليقيني يوجب البراءة اليقينية(1) . إنتهى ملخّص موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علوّ مقامه .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّ الصور المحتملة فيما لو حصل الانقلاب بعد الفراغ من الصلاة وكان كلّ من الشكّ المنقلب عنه والشكّ المنقلب إليه من الشكوك الخمسة الصحيحة المنصوصة ، تبلغ عشرين صورة حاصلة من ضرب كلّ من الشكوك الخمسة في الأربعة الاُخر ، وحيث إنّ أحكام هذه الصور مختلفة ، فلا بدّ من تفصيل الكلام في بيان أحكامها فنقول :
لو كان الشكّ المنقلب عنه هو الشكّ بين الأربع والخمس الذي يكون حكمه البناء على عدم الزيادة والإتيان بسجدتي السهو بعد الفراغ من الصلاة ، فتارة ينقلب إلى واحد من الشكوك التي أحد طرفيها أو أطرافها هو احتمال التمامية كالشكّ بين الثلاث والأربع ، والشكّ بين الإثنتين والأربع ، والشكّ بين الإثنتين والثلاث .
واُخرى ينقلب إلى الشكّ الذي لا يكون كذلك ، كالشكّ بين الإثنتين والثلاث ففي الصورة الاُولى : لا يجب عليه شيء ، بل تكون صلاته تامّة ، ولا يرد عليه ما ذكر من عدم شمول قاعدة الشكّ بعد الفراغ للشكّ الحادث بعد الفراغ في المقام . لأنّ

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 372 ـ 373 .

(الصفحة38)

المفروض أنّ المصلّي إنّما اُتي فيها بالجزء الأخير الذي هو السلام بعنوان أنه الجزء الأخير واقعاً كما هو واضح .
ومنه يظهر عدم وجوب صلاة الإحتياط عليه ، لأنّ احتمال النقص إنّما حدث بعد الفراغ ، ومورد لزوم تدارك النقص المحتمل ما إذا طرأ احتمال النقص في الأثناء ، كما أنه ممّا ذكرنا ظهر صحة الصلاة في هذه الصورة ، ولو انقلب شكّه إلى شيء من الشكوك المبطلة ، لأنه بعد جريان قاعدة الفراغ هنا لا يبقى لها أثر أصلا .
وفي الصورة الثانية ، لابدّ من البناء على الأكثر والإتيان بركعة موصولة والتشهّد والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ، لانّ المفروض هو القطع بوقوع السلام في غير محلّه ، فالشكّ الحادث بعده إنّما يكون حادثاً في الأثناء حقيقة ، فلابدّ من أن يعمل عمله .
ولو كان الشكّ المنقلب عنه شيئاً من الشكوك الأربعة والشكّ المنقلب إليه هو الشكّ بين الأربع والخمس عكس الصور الأربع المتقدّمة ، فتارة يكون الشكّ المنقلب عنه من الشكوك التي احد طرفيها أو اطرافها هو احتمال التمامية كالشكوك الثلاثة المتقدّمة .
واُخرى ينقلب إلى الشكّ الذي لا يكون كذلك كالشكّ بين الإثنتين والثلاث .
ففي الصورة الاُولى: تتمّ صلاته ولا يجب عليه الإتيان بصلاة الإحتياط ، لأنها مشروعة لتدارك النقيصة المحتملة ، والمفروض أنه علم بعد الفراغ بالتمامية وعدم كون صلاته ناقصة فلا يبقى لها مجال ، كما أنّ الظاهر عدم وجوب سجدتي السهو لأجل الشكّ بين الأربع والخمس ، لأنّ حدوثه إنّما هو بعد الفراغ ولا أثر له من هذه الجهة .
وأمّا الصورة الثانية: فالظاهر فيها البطلان ووجوب الاستئناف ، لأنّ المفروض أنه علم بعد الفراغ بكون شكّه السابق الذي بنى معه على الأكثر واتى

(الصفحة39)

بركعة موصولة شكّاً بين الأربع والخمس ، وعليه فالركعة الموصولة التي أتى بها بعد البناء على الأكثر وقعت بعنوان الصلاة من دون أن يتخلّل التسليم في البين ، ومن المعلوم أنّ زيادة الركعة مطلقاً توجب البطلان ، فاللازم في هذه الصورة الاستئناف . وقد انقدح بما ذكرنا حكم ثمان صور من عشرين صورة .
ويماثل الصورة الأخيرة في الحكم بالبطلان ووجوب الاستئناف ، ما لو كان شاكّاً بين الإثنتين والثلاث ، فعمل عمله ثمّ انقلب شكّه إلى الإثنتين والأربع ، لأنه يعلم إجمالا بكون صلاته إمّا ناقصة بركعة أو زيدت فيها ركعة كما لا يخفى .
ولو كان شاكّاً بين الإثنتين والثلاث والأربع ، أو بين الإثنتين والأربع ، أو بين الثلاث والأربع ، فبنى على الأكثر وسلّم ثمّ انقلب شكّه إلى الإثنتين والثلاث ، فحكمه حكم ما لو كان الشكّ المنقلب عنه شكاً بين الأربع والخمس ، والشكّ المنقلب إليه هو الشكّ بين الإثنتين والثلاث في صحة صلاته ، ولزوم عمل الشكّ بين الإثنتين والثلاث للقطع بوقوع السلام في غير محلّه ، وكون الشكّ المنقلب إليه حادثاً في الأثناء .
فانقدح ممّا ذكرنا أنه لامجال لما افاده المحقّق المتقدّم من عدم شمول دليل الفراغ للشكّ الحادث بعد التسليم البنائي في شيء من الصور المتقدّمة .
نعم الصور التي يجري فيها هذا الكلام ستّة حاصلة من ضرب انحاء الشكوك المنقلب عنها التي كان أحد طرفيها أو اطرافها احتمال التمامية ، والآخر احتمال النقيصة في أنحاء الشكوك المنقلب إليها التي تكون كذلك ، بأن كان شاكاً بين الثلاث والأربع فانقلب شكّه بعد السلام إلى الإثنتين والأربع ، أو إلى الإثنتين والثلاث والأربع ، أو كان شاكّاً بين الإثنتين والأربع فبنى على الأكثر وسلّم ، ثمّ انقلب شكّه إلى الثلاث والأربع ، أو إلى الإثنتين والثلاث والأربع ، أو شاكّاً بين الإثنتين والثلاث والأربع ، فانقلب شكّه بعد البناء على الأكثر والتسليم إلى الإثنتين

(الصفحة40)

والأربع ، أو إلى الثلاث والأربع ، فاللازم بيان حكم هذه الصور فنقول :
لو كان شاكّاً في الأثناء بين الإثنتين والثلاث والأربع ، فانقلب شكّه بعد الصلاة إلى الإثنتين والأربع ، أو إلى الثلاث والأربع ، فمرجع هذا الانقلاب والتبدّل إلى ذهاب واحد من الاحتمالات الثلاثة التي يحتملها في الأثناء ، لأنه كان يحتمل التمامية; ويحتمل نقصان ركعتين ، ويحتمل نقصان ركعة واحدة ، وبعد التسليم زال أحد احتمالي النقصان .
إما احتمال نقصان ركعتين كما فيما لو انقلب إلى الثلاث والأربع وإمّا احتمال نقصان ركعة واحدة فقط ، كما فيما لو تبدّل إلى الإثنتين والأربع ، ويتبع زوال أحد الاحتمالين سقوط وجوب ما جعل جبراً له من صلاة الإحتياط . ولاينافي ذلك وجوب ما جعل جبراً للاحتمال الآخر الذي لم يزل بعد كونه حادثاً في الأثناء ، وباقياً بعد التسليم كما هو المفروض .
فيجب في الصورة الاُولى من هاتين الصورتين الإتيان بركعتين قائماً بعنوان صلاة الإحتياط ، وفي الصورة الثانية الإتيان بركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً كذلك .
ولا مجال فيهما لدعوى زوال الشكّ المنقلب عنه الحادث في الأثناء . وحدوث الشكّ المنقلب إليه بعد الفراغ ، فلا أثر لشيء منهما .
فإنّه يرد عليها أنّ الشكّ الحادث في الأثناء المركّب من الاحتمالات الثلاثة ـ على ما هو المفروض في الصورتين ـ لم يزل بجميع أجزائه واحتمالاته ، بل الزائل واحد من احتمالي النقص من تلك الاحتمالات . فلكلّ من الزائل والباقي حكمه ، فلا تجب عليه صلاتان للاحتياط ، بل تجب عليه صلوة واحدة للاحتياط ، جبراً للنقص الذي كان احتماله باقياً بعد التسليم .
كما أنه لامجال فيهما لما أفاده المحقّق المتقدّم من وجوب ضمّ ما يحتمل تقصه بعد التسليم موصولا ، لعدم كون الاحتمال الحادث بعد التسليم مشمولا لدليل الشكّ

<<التالي الفهرس السابق>>