في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة181)

ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافراً كان أو مقيماً»(1) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة على وجوب الإتيان بما فات كما فات قصراً أو تماماً . هذا ، وخالف فيما ذكرنا بعض العامّة حيث اعتبر حال الإتيان بالقضاء لا حال الفوت(2) ، ولكنّه دعوى بلا دليل .

الثالثة: اشتراك القضاء مع الأداء في أحكام الشك
الظاهر اشتراك القضاء مع الأداء في الأحكام المترتّبة على نسيان بعض الأجزاء ، أو على الشكّ في الإتيان بها بعد المحلّ ، أو قبله ، أو على الشكّ المتعلّق بالركعات الذي يوجب البطلان ، أو البناء على الأكثر .
ودعوى إنّه يمكن أن لا يكون حين الفوات عارضاً له هذا الأمر ، أي الشكّ أو السهو على تقدير الإتيان به .
مدفوعة بأنّ ذلك لا يوجب خروج القضاء عن الأحكام المترتّبة على السهو في الأداء ، بالمعنى الأعمّ الشامل للشكّ كما لا يخفى .

الرابعة: رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات
لو كان الواجب عليه في حال أداء الصلاة مع بعض الحالات التي لا ينتقل إليها إلاّ في صورة الاضطرار كالجلوس والاضطجاع ونحوهما ، فهل الواجب عليه مراعاة تلك الحال عند الإتيان بالقضاء وإن زال عنه العذر وارتفعت الضرورة ، أو أنّ الواجب عليه حينئذ الصلاة الواجبة في حال التمكّن وعدم الضرورة؟ ، وجهان .


(1) التهذيب 3 : 225 ح 568; الفقيه 1: 282 ح1283; الوسائل 8 : 269 . أبواب قضاء الصلوات ب6 ح 4  .
(2) المجموع 4: 367; تذكرة الفقهاء 2: 363 مسألة 65  .

(الصفحة182)

والظاهر هو الوجه الثاني ، كما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب(1) ، بل حكي في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية: أنّ وجوب رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعيّ لا خلاف لأحد من أصحابنا فيه(2) ، بل في الجواهر: أنّه من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمّل(3) .
والفرق بين هذه المسألة والمسألة الثانية أنّ هيئة الأداء من القصرية والإتمامية هي المطلوبة للشارع بخصوصها ، وإن كان المكلّف متمكّناً من غيرها ، ضرورة أنّه لا يجوز للمسافر الإتمام ، بل المطلوب في حال السفر هو القصر ، لأنّه من الصدقات التي تصدّق بها الله عزّوجلّ ، ويجب على الناس قبولها كما ورد في الرواية(4) ، وهذا بخلاف الهيئة التي كان المطلوب الأصلي غيرها ، إلاّ أنه اقتضى سهولة الشريعة وسماحة الملّة جواز الانتقال إليها كالجلوس والاضطجاع كما عرفت .
ولو انعكس الفرض بأن كان الواجب عليه في حال الأداء الصلاة الاختياريّة التي لم يكن مضطرّاً فيها إلى شيء من الجلوس والاضطجاع وغيرهما ، فهل يكفي في مقام القضاء والتدارك الإتيان بها جالساً أو ماشياً أو نائماً ، أو غيرها من الأحوال الاضطرارية المجزية في خصوص حال الاضطرار ، أو يجب توقع زوال العذر وحدوث حالة الاختيار والقضاء معها؟
لا ينبغي الإشكال في الجواز والاكتفاء بذلك ، لو علم بعدم زوال العذر وبقائه

(1) منهم: العلاّمة في نهاية الأحكام 1 : 327; وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (رسائل العشر): 109; والطباطبائي في رياض المسائل 4 : 288  .
(2) مفتاح الكرامة 3: 397 .
(3) جواهر الكلام 13: 113 .
(4) الوسائل 8 : 519  ، 520  . أبواب صلاة المسافر ب22 ح7 و 11 .

(الصفحة183)

إلى آخر العمر ، إنّما الإشكال فيما إذا علم بزواله فيما بعد أو احتمل ذلك فنقول:
إن قلنا في مسألة المضايقة المتقدّمة بثبوتها ، وأنّ مقتضى الأدلّة هو الإتيان بالقضاء فوراً عند حدوث الذكر  ، إمّا لكونها موقّتة بحدوثه وإمّا لتعلّق أمر آخر بالبدار والمسارعة غير الأمر المتعلّق بأصل الطبيعة ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ مقتضى ذلك هو القول بجواز القضاء عند حدوث الذكر ولو كان فاقداً للحالة الاختيارية ، بل الظاهر وجوب ذلك على ما يستفاد من تلك الأدلّة ، كما أنّه لو استفيد منها ترتّب الحاضرة على الفائتة وكونها شرطاً لصحة الحاضرة لا التوقيت والفورية المجردة ، فالظاهر جواز الإتيان بها كذلك قبل الحاضرة ، بل وجوب ذلك كما لا يخفى .
وإن قلنا في تلك المسأله بالمواسعة الراجعة إلى عدم التوقيت وعدم الفورية وعدم الترتّب ، فهل يجوز الإتيان بالفائتة حينئذ أم لا؟ وجهان ، حكي الوجه الأول عن البيان ، والألفية ، وحاشية المحقّق الثاني عليها ، وعن نهاية الأحكام ، وكشف الالتباس ، وبعض آخر التصريح بأنّه لا يجب إلى زوال العذر ، بل ذكر في الجواهر إنّه لم يجد فيه خلافاً  ، بل استظهر ذلك من معقد إجماع إرشاد الجعفرية(1) .
نعم ، حكي فيها عن بعضهم استثناء خصوص صورة فقد الطهورين من صور الاضطرار ، فأوجب تأخير القضاء إلى التمكّن وزوال العذر ، مدّعياً عليه الاجماع ، ولكنّه أفاد نفسه أنّه بمكانة من الظهور مستغنى بها عن الاستثناء المزبور ، وعن دعوى الاجماع المسطور ، للعلم بعدم صحة القضاء بدونهما عندنا ، حتّى لو قلنا بها في الأداء لمصلحة الوقت(2) .


(1) البيان : 152; نهاية الأحكام 1 : 327; الموجز الحاوي (رسائل العشر) : 109; ونقل في جواهر الكلام 13: 115 عن الألفية وحاشية المحقّق النائيني وكشف الالتباس والجعفريّة وشرحها .
(2) جواهر الكلام 13: 115  .

(الصفحة184)

وكيف كان ، فقد استشهد في الجواهر للوجه الأول باطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لجميع الأوقات المقتضي لصحّة الفعل من المكلّف فيها جميعاً على حسب تمكّنه ، وبما ورد من قولهم: «كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر»(1) ، الذي هو من الأبواب التي ينفتح منها ألف باب ، وبعدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء في سائر هذه الأعذار .
وقد سمعت أنّ القضاء عين الأداء إلاّ في الوقت ، بل هو بعد مجيء الدليل به صار كالواجب الواحد الذي له وقتان: اختياريّ واضطراريّ ، فجميع ما يثبت للفعل في الحال الأول يثبت للثاني .
هذا ، ولكنّه استشكل في ذلك كلّه بعد دعوى منافاته لإطلاق ما دلّ على شرطية هذه الاُمور المفروض تعذّرها وجزئيتها ، واقتضائه الجواز مع العلم بالزوال في أقرب الأزمان الذي يمكن دعوى حصول القطع بفساد الدعوى فيه ، بمنع اقتضاء إطلاق الأمر ذلك ، لأنّه متعلّق بالفعل الجامع للشرائط ، وإن كان المكلّف مخيّراً في الإتيان به في أيّ وقت .
وبذلك ونحوه صار أفراداً متعدّدة ، وإلاّ فهو في الحقيقة شيء واحد ، وأوقاته متعدّدة ، لا أنّ الأمر متعلّق في كل وقت بالصلاة التي تمكّن فيه ، فيكون لكلّ جزء من الوقت متعلّق غير الآخر ، وإن اتّفق توافق بعضها مع بعض . ولهذا لا يجري حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأول للأداء مثلا ، من قصر أو تمام أو غيرهما في الوقت الثاني ، لاختلاف متعلّق الأمر فيهما .
وليس هو عينه كي يصحّ استصحاب ما ثبت له في الوقت الأول ، ضرورة فساد جميع ذلك ، إذ لا يشكّ أحد في أنّ المفهوم من مثل هذه الأوامر شيء واحد إلاّ

(1) الوسائل 8 : 258  . أبواب قضاء الصلوات ب3  .

(الصفحة185)

أنّ أوقاته متعدّدة ، حتّى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث بدليل آخر ، لا أنه يستفاد من نفس إطلاق الأمر الشامل لمثل هذا الوقت الذي فرض تعذّر الجزء فيه مثلا . إلى آخر ما أفاده الذي مرجعه إلى انّ اطلاق الأمر لا يقتضي جواز الإتيان بالفعل في كلّ وقت على حسب تمكّن المكلّف ، بل متعلقه أمر واحد ، وهو الفعل الجامع للشرائط ، وتعدد الأفراد إنّما هو باعتبار كون المكلّف مخيّراً في الإتيان بذلك الفعل الجامع في كلّ وقت(1) .
ولا يخفى أنّ لازم ما أفاده ثبوت التكليف بالقضاء من أوّل حدوث الذكر ومتعلقه هو الفعل الجامع للشرائط غير المتمكّن منه فعلا ، فالتكليف الفعلي تعلّق بأمر استقباليّ كالواجب المعلّق ، مع أنّ ذلك خلاف ظاهر أوامر القضاء الدالّة على وجوبه إذا ذكر ، فإنّها ظاهرة في أنّ المكلّف به مقدور عند حدوث التكليف ، كيف ولا ينظر في توجيه الأوامر إلاّ إلى المطلوبات التي هي متعلّق الأوامر ، ونفس الطلب المنتزع من فعل المولى مغفول عنه ، ولا نظر له إليه كما لا يخفى .
وبالجملة: فمقتضى إطلاق أوامر القضاء جواز الإتيان به عند توجه الأمر إلى المكلّف  .
ودعوى أنّ مقتضى إطلاق أدلة شرطية هذه الأمور المفروض تعذّرها وجوب الانتظار إلى حدوث التمكّن ، وزوال المانع في الواجبات المطلقة ، وإلى ضيق الوقت في الواجبات الموسعة الموقتة ، فتنافي مع إطلاق الأمر بالقضاء ، كما أفاد صاحب الجواهر(قدس سره) .
مدفوعة بأنّ متعلّق الأمر بالقضاء هو نفس طبيعة الصلاة بلا مدخلية شيء زائد ، ومرجع الكلام في جواز الإتيان بها مع وجود واحد من هذه الأعذار مع

(1) جواهر الكلام 13: 116 ـ 117 .

(الصفحة186)

احتمال زوال العذر فيما بعد هذه الحالة ، إلى أنّ الصلاة المأتيّ بها في حال الجلوس مثلا مع ذلك الاحتمال هل تكون مصداقاً لعنوان الصلاة وطبيعتها المأمور بها أم لا؟ فالشكّ في فرديّة المأتيّ بها في ذلك الحال .
وأمّا الأدلّة الدالّة على شرطية هذه الاُمور المفروض تعذّرها ، فغاية مفادها لزوم مراعاة الطبيعة بمرتبتها العالية عند التمكّن منها ، والانتقال إلى الحالات التي بعد هذه الحالة مع عدم التمكّن ، ومرجعها إلى أنه عند إرادة الإتيان بالمأمور بها لابدّ من مراعاة هذه المراتب .
ومن المعلوم أنّ إرادة الإتيان بمثل الصلاة من الأمور العبادية لا تكون ناشئة إلاّ من قبل أمر المولى وإلزامه ، ضرورة أنّها ليست مثل الأفعال غير العبادية الناشئة إرادة كلّ منها من وجود حالة مخصوصة وتحقق مبدأ خاص ، فالأمر بالقضاء الحادث عند حدوث الذكر ، يصلح لأن يكون داعياً للمكلّف إلى الإتيان بمتعلّقه ، وتلك الأدلّة الدالّة على شرطية الاُمور المفروض تعذّرها ، لا دلالة لها إلاّ على مراعاة المراتب المذكورة فيها عند إرادة الإتيان بالمأمور به الناشئة من تعلّق الأمر به ، فمن ذلك يستفاد جواز البدار وعدم لزوم الانتظار ، فافهم واغتنم .

الخامسة: لو كان القصر لأجل الخوف كيف يقضى؟
قد عرفت أنّ المسافر حال الفوات يقضي قصراً ، وأنّ الحاضر حال الفوات يقضي تماماً ، لتطابق النصوص والفتاوى عليه(1)  ، لكن يقع الكلام في حكم ما إذا كان الاختلاف في الكمية لا لأجل السفر والحضر ، بل لأجل الخوف وعدمه ، فإن قلنا باختصاص جواز القصر لأجل الخوف بالسفر ، فلا إشكال في لزوم

(1) راجع 3 : 180 .

(الصفحة187)

قضائها  قصراً .
وإن قلنا بعدم اختصاصه به ، وإنّه يجوز القصر عند الخوف في الحضر أيضاً فيشكل الحكم فيما إذا فاتت في الحضر ، والظاهر بعد عدم شمول الروايات الواردة في قضاء الحاضر والمسافر لهذا المقام ، لاختصاص موردها بما إذا كان الاختلاف في الكمّية لأجل السفر والحضر ، إنّه يجب في هذه الصورة مراعاة حال القضاء والإتيان بالفائتة تماماً ، لأنّه المتبادر من أدلّة وجوب تدارك الفائتة عند العرف .
وذلك لأنّ تجويز الشارع الاقتصار على الأقلّ ، إنّما كان لأجل ضرورة الخوف ، وإلاّ فالمطلوب الأصلي في تلك الحال أيضاً هو التمام . هذا ، مضافاً إلى أنّ الخوف قد يبلغ إلى مرتبة لا يجب على المكلّف فيها إلاّ الإتيان بتكبيرتين بدل الركعتين ، وهل يمكن الالتزام حينئذ مع الاخلال بالتكبيرتين وفوتهما ، بأنّه لا يجب عليه عند القضاء إلاّ ما وجب عليه حال الأداء؟


(الصفحة188)






(الصفحة189)




المطلب السادس




في


صلاة الجماعة


(الصفحة190)






(الصفحة191)







توضيح حول صلاة الجماعة


لا ريب في أنّ صلاة الجماعة أفضل من الصلاة منفرداً ، لما رواه الفريقان عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ممّا يدلّ على أفضليتها عنها بأربع وعشرين ، أو بخمس وعشرين درجة(1) ، كما لا ريب في شرعيّتها في الصلوات في الجملة ، وأنّ تعليم أصل الصلاة وقع بفعل الصلاة جماعة ، لأنّه(صلى الله عليه وآله) بعد مهاجرته من مكّة المعظّمة وقدومه بقبا التي كانت من حوالي المدينة المنوّرة ، أقام بها الصلاة جماعة في المدّة التي كان بها(2) . كما أنّ الأمر في المدينة كان على هذا المنوال .
وبالجملة: فالمناقشة فيها ـ بعد كون تعليم أصل الصلاة عملا واقعاً بها ـ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها .
ثمّ إنّ هذا العنوان ينادي بكون تحقّقه يتوقّف على وجود أزيد من شخص

(1) الوسائل 8 : 285  . أبواب صلاة الجماعة ب1; صحيح البخاري 1 : 179 ب30; سنن الترمذي 1: 255 ب47; سنن ابن ماجة 1 : 258 ب16  .
(2) بل قبل الهجرة أيضاً كان (صلى الله عليه وآله) يصلّي جماعة ، الوسائل 8 : 288  . أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح12 .

(الصفحة192)

واحد ، وأنّه لا يعقل صدقه على صلاة شخص واحد ، فصلاة كلّ واحد منهم وإن كانت مصداقاً لعنوان الصلاة مستقلةً ، إلاّ أنّها جزء من عنوان صلاة الجماعة ، لكونها عبارة عن الصلوات المتعدّدة الواقعة من أشخاص متعدّدة مع ارتباط ووحدة بينها .
وإن شئت قلت: إنّ صلاة كلّ واحد من المأمومين متّصفة بكونها الصلاة في جماعة ، وأمّا عنوان صلاة الجماعة فمعنونها هي صلاة المجموع من حيث هو مجموع ، كما أنّ هذا العنوان يتقوّم بمقارنة صلاة كلّ واحد من هؤلاء الجماعة مع الباقين ، مقارنة زمانية قطعاً .
ضرورة أنّه مع اختلاف الأزمان لا يصدق هذا العنوان ، ومقارنة مكانية ، إتفاقاً من الإمامية رضوان الله عليهم(1) وخلافاً لغيرهم حيث لا يعتبرونها ، نعم حكي عن الشافعي أنّه اعتبر عدم كون الفصل بين الإمام والمأمومين ، وكذا بين بعضهم بالنسبة إلى بعض زائداً على ثلاثمائة ذراع(2)  ، وسيأتي البحث في هذه الجهة إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فلا خفاء في أنّ هذا العنوان إنّما هو مع وحدة عرفية ومعية عقلائية وارتباط بين صلوات هؤلاء الجماعة ، ومجرّد المقارنة من حيث الزمان والمكان لا تكفي في صدقه ، بل لابدّ له من وحدة ، وهي لا تتحقّق بدون حافظ وناظم ، ضرورة أنّه بدونه لا يكاد يوجد الائتلاف والاتّحاد كما هو الشأن في سائر الأمور الاجتماعية التي لابدّ لحفظ وحدتها من رئيس وقائد .
فتحقّق الجماعة يتوقّف على وجود إمام يأتمّون به ويتابعون له ، وإليه ينظر ما رواه العامّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) وتلقّاه الخاصّة بالقبول حيث يستدلّون به ، ومضمونه أنّه

(1) تذكرة الفقهاء 4 : 251 . الشرط الثالث ; مدارك الأحكام 4 : 322; ذخيرة المعاد: 394; مستند الشيعة 8 : 66  .
(2) المجموع 4 : 303 ـ 304 و 307; تذكرة الفقهاء 4 : 252 مسألة 551  .

(الصفحة193)

«إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا»(1) ، ومن الواضح أنّ ذكر التكبير والركوع إنّما هو من باب المثال ، والمقصود افتقار الجماعة إلى الإمام الذي يأتمّ به المأمومون في أفعالهم وأقوالهم ، فهذه الجهة أيضاً لا ينبغي الإشكال فيها .
إنّما الإشكال في أنّ الاحتياج إلى الإمام هل هو في جميع حالات الصلاة ، بحيث لو فرض خلوّ لحظة منها من الإمام لأجل عروض عارض عليه ، لا تكون الصلاة في تلك اللحظة متّصفة بوصف كونها في جماعة ، أو أنّه ليس كذلك؟ .
وعلى هذا يترتّب مسألة الاستخلاف المفروضة فيما لو عرض للإمام عارض من موت وحدث ونحوهما ، حيث يستخلف إماماً آخر أو يستخلفه المأمومون ويتمّون به صلاتهم .
فإن قلنا بالأوّل الذي مرجعه إلى تقوّم الجماعة في جميع الآنات واللحظات بوجود الإمام ، فلابدّ من الالتزام في تلك المسألة بصيرورة الصلاة فرادى ثمّ جماعة ، وإن لم نقل بذلك فصلاتهم باقية على وصف الجماعة ولم تصر فرادى حتّى تصير جماعة ثانياً .
والوجه الأول هو الذي يظهر من الشيخ في الخلاف ، حيث عنون مسألة وتعرّض فيها لثلاث مسائل: مسألة الاستخلاف ، ومسألة العدول من الجماعة إلى الانفراد ، ومسألة العدول منه إليها ، واستدلّ(رحمه الله) لجميعها بالاجماع والأخبار ، وقال بعد ذلك: وقد ذكرناها ـ أي الأخبار ـ في الكتاب الكبير(2) ، مع أنّه(قدس سره) لم يذكر نصّاً على المسألتين الأخيرتين ، بل الظاهر أنّه استفاد حكمهما من النصوص الواردة في

(1) صحيح البخاري 1: 190 ح688 و689; سنن ابن ماجة 1: 392 ب144; سنن النسائي 2: 90 ح790; الخلاف 1: 425 مسألة 172; المعتبر 2: 421  .
(2) الخلاف 1: 551 مسألة 293; التهذيب 3: 283 ح 842 ـ 844  .

(الصفحة194)

مسألة الاستخلاف ، نظراً إلى ابتنائه على صيرورة الصلاة فرادى ثمّ جماعة; فباعتبار صيرورتها فرادى تنقدح صحة العدول من الجماعة إلى الانفراد ، وباعتبار صيرورتها جماعة ثانياً يصحّ العدول من الانفراد إلى الجماعة .
والظاهر أنّه لا وجه لهذه الاستفادة ، لأنّ الاستخلاف لا يكون مبتنياً على ذلك ، بل الصلاة المنعقدة جماعة لا تخرج عن هذه الصفة بمجرّد عروض ما يمنع الإمام عن الاتمام ، بل هي بعد باقية على الجماعة ، ومرجع ذلك إلى عدم تقوّم عنوان الصلاة جماعة بوجود الإمام في جميع الحالات واللحظات .
كما أنّ المقارنة الزمانية التي عرفت مدخليتها في هذا العنوان يقع الإشكال فيها أيضاً ، في أنّها هل تكون معتبرة بالنسبة إلى جميع الأفعال والحركات ، أو أنّه يكفي فيها المقارنة في الجملة؟ ويمكن أن يستفاد ممّا ورد في صلاة ذات الرقاع الوجه الثاني(1) ، حيث إنّه يدلّ على أنّه بعد مجيء الطائفة الثانية واقتداؤهم بالإمام في الركعة الثانية ، يجلس الإمام بعد السجدتين ويقومون فيصلّون ركعة اُخرى ثمّ يسلّم الإمام عليهم فينصرفون بتسليمه .
ومن الواضح أنّ جلوس الإمام بعد السجدتين وانتظاره إلى أن يصلّوا ركعة اُخرى حتّى يسلّم بهم ، دليل على عدم خروجهم عن الاقتداء ، وإلاّ فلا وجه لانتظار الإمام أصلا ، وسيأتي الكلام في هذه الجهة أيضاً .
ثمّ إنّ ممّا يتقوّم به عنوان الجماعة ـ مضافاً إلى ما ذكرنا من وجود جماعة يصلّون ووجود من يحفظ وحدتهم ـ قصد المأمومين الاقتداء والائتمام ، فإنّ عنوان الجماعة يكون من العناوين القصدية التي لا يكاد يتحقّق بدون القصد ، فصدقها على الصلوات المتعدّدة الصادرة من أشخاص كذلك يتوقّف على نية كل واحد

(1) تذكرة الفقهاء 4: 422 مسألة 655; المعتبر 2: 454; الوسائل 8 : 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2; صحيح مسلم 3 : 103 ب57; صحيح البخاري 1 : 256 ب1 .

(الصفحة195)

منهم الاقتداء والائتمام بإمام معيّن ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .
إنّما الإشكال في افتقار صلاة الامام إلى نية الإمامة ، والظاهر أنّه لا خلاف في عدم اعتبار ذلك بين علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم ، وحكي خلاف ذلك عن أبي حنيفة من العامة حيث اعتبر في صلاة الإمام قصد الإمامة(1) .
ثمّ إنّه هل يحتاج بعد نية الاقتداء والائتمام من المأمومين التي عرفت أنّه لا إشكال في اعتبارها إلى نيّة المتابعة في كلّ فعل وحركة صادرة من الإمام ، أو أنه لا يفتقر إلى ذلك ، بل الصلاة في جماعة التي تترتّب عليها فضيلة كثيرة ، حيث تفضل على الصلاة فرادى بأربع وعشرين درجة ، أو بخمس وعشرين ، على ما عرفت ، بل أزيد من ذلك على ما ذكره الشهيد الثاني(2)ـ والظاهر أنه لخصوصية في بعض الصلوات الواقعة جماعة ، لا لأجل أصل الصلاة جماعة ـ أمر اعتباريّ يتحقّق بمجرّد نية الاقتداء والائتمام من المأمومين؟ وجهان:
ربّما يظهر الوجه الأول عن الشيخ(قدس سره) حيث اعتبر تأخّر أفعال المأمومين وحركاتهم عن الإمام بقليل(3) ، ولكنّه يمكن أن يستفاد من قول النبيّ(صلى الله عليه وآله)المتقدّم، على ما رواه العامّة: «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتم به ، فإذا كبّر فكبِّروا وإذا ركع فاركعوا» . إنّهم لم يكونوا يلتزمون في مقام العمل بمتابعة الامام في مثل التكبير والركوع ، فصار النبيّ(صلى الله عليه وآله)بصدد الردع والمنع ، وأنّ الإمام إنّما جعل إماماً ليؤتمّ به في الأفعال والحركات ، وأنّ تكبير المأموم ينبغي أن يقع عقيب تكبيره ، وكذا

(1) المجموع 4: 202 ـ 203; فتح العزيز 4: 366; الخلاف 1: 565 مسألة 317; المعتبر 2: 423; تذكرة الفقهاء 4: 265 مسألة 555; الذكرى 4 : 423; مدارك الأحكام 4 : 332; جامع المقاصد 2: 499; وشرط أبو حنيفة نيّة الإمامة إذا أمّ النساء لا مطلقاً .
(2) الروضة البهيّة 1: 377  .
(3) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : 298 ـ 299  .

(الصفحة196)

ركوعه  ونحوهما .
ثمّ إنّ الكلام فيما يتعلّق بصلاة الجماعة من الأحكام من حيث حكمها بنفسها ومن حيث شرائط الإمام وخصوصيّات النسبة بين موقفه وموقف المأموم ، وحكم المأمومين من حيث هم كذلك وغيرها من الجهات ، يقع في ضمن مباحث:


(الصفحة197)



المبحث الأول :
حكم صلاة الجماعة من حيث الوجوب والاستحباب

لا إشكال ولا خلاف عندنا «معاشر الإمامية» في عدم وجوب الجماعة في الصلوات الخمس اليومية ، وكذا في غيرها من الصلوات الواجبة والمندوبة ، نعم تجب في خصوص صلاة الجمعة عند اجتماع شرائط وجوبها(1) ، كما انّه قد تجب في غيرها بالنذر وشبهه وضيق الوقت عن الإتيان بها فرادى ، لأجل بطء المأموم في قراءَته وسرعة الامام فيها .
فإنّه يجب في هذه الموارد أن يصلّي جماعة ، فإن خالف ولم يصلّ كذلك ، فإن كانت مخالفته في حال السهو عن تعلّق النذر مثلا بالإتيان بها جماعة ، فالظاهر صحة صلاته ، وإن كانت مخالفته عن عمد والتفات ، فتارة: يكون متعلّق نذره شاملا للصلاة المعادة جماعة بحيث كان غرضه متعلقاً بأصل الإتيان بالصلاة في جماعة ، واُخرى: لا يكون متعلّق نذره شاملا لها ، بل كان منذوره هو الإتيان بفريضته في الجماعة .
فعلى الأول تصحّ صلاته فرادى ، لتمكّنه من الإتيان بمنذوره ، وعلى الثاني

(1) الخلاف 1: 541 مسألة 279 وص593 مسألة 355; المعتبر2: 414; المنتهى 1: 363; تذكرة الفقهاء 4: 228 مسألة 528; مدارك الأحكام 4: 310 ـ 314; جامع المقاصد 2: 501 ـ 502; مفاتيح الشرائع1 : 158ـ 159 مستند الشيعة 8: 13; جواهر الكلام 13: 134 ـ 140  .

(الصفحة198)

تبطل ، لأنّ صلاته انفراداً صارت موجبة لزوال القدرة بالنسبة إلى متعلّق النذر وما يوجب ذلك حرام شرعاً فصلاته كذلك محرّمة ، ومع اتّصافها بالتحريم لا يعقل وقوعها صحيحة كما هو غير خفيّ .


(الصفحة199)



المبحث الثاني : موارد مشروعيّة الجماعة

لا خفاء في مشروعية صلاة الجماعة في الصلوات الخمس اليوميّة من الصلوات المفروضة ، كما أنّه لا إشكال في مشروعيتها في صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الآيات وصلاة الجنازة ، وفي مشروعيتها في صلاة الطواف في الحجّ أو العمرة ـ مع أنه لم ينقل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) الإتيان بها جماعة ولو مرّة ، وهذا يكشف عن عدم ثبوته ، ضرورة أنه لو كان لنقل ـ إشكال .
وربّما استدلّ على المشروعية بما رواه زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة . . .»(1) . والظاهر أنّه لا دلالة لهذه الرواية على ذلك ، لأنّ المراد بقوله: «الصلوات فريضة» إن كان هو جميع الصلوات ، فمن الواضح أنـّها لا تكون بأجمعها فريضة ، وإن كان المراد هو خصوص المفروض منها ، يلزم أن تكون القضية ضرورية بشرط المحمول ، وهو بعيد جدّاً .
فاللازم أن يقال: إنّ المراد هو الصلوات التي كانت الجماعة فيها معهودة متعارفة ، وعليه فمرجع السؤال إلى أنّ الجماعة في تلك الصلوات التي كان المتعارف بين الناس الإتيان بها جماعة هل تكون فريضة أم لا؟ ، ومحصّل الجواب أنّ أصل تلك الصلوات بما أنها صلاة مفروضة ، والجماعة ليست مفروضة في جميعها ، وهو

(1) الكافي 3: 372 ح6; التهذيب 3: 24 ح83; الوسائل 8: 285; أبواب صلاة الجماعة ب1 ح2 .

(الصفحة200)

إشارة إلى وجوبها في بعضها كالجمعة ، وليس في الرواية دلالة على كون الاجتماع سنّة في جميع الصلوات حتّى يستدلّ بعمومها على استحبابه في صلاة الطواف أيضاً . هذا بالنسبة إلى الصلوات المفروضة .
وأمّا الصلوات المندوبة ، فلا إشكال في عدم مشروعية الجماعة في جميعها(1)لاستمرار فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع شدّة اهتمامه بالجماعة وكثرة ما يترتّب عليها من الفضائل والمثوبات على الإتيان بها فرادى ، ضرورة أنه كان يصلّي النوافل اليومية في منزله غالباً ، وهذا يدلّ قطعاً على عدم استحبابها فيها .
نعم،لاينبغي الارتياب في مشروعيتهافي صلاة الاستسقاء(2)، وقدوردت رواية دالّة على جوازهافي صلاة الغدير(3)، لكنّهالم يعلم جواز العمل بها لاحتمال الإعراض.
وأمّا نوافل شهر رمضان فهي أيضاً كسائر النوافل غير المشروعة فيها الجماعة ، ولكن قد جوّزها فيها الثاني من الخلفاء ، وهو مع اعترافه بكونه بدعة استحسن بدعته(4)! ، واستمرّ العمل بعده على ذلك من العامّة; وكيف كان ، فلا إشكال عندنا في عدم مشروعيّتها فيها .


(1) و (2) المعتبر 2: 415; تذكرة الفقهاء 4 : 235; المنتهى 1: 364; كنز العرفان 1: 194; مدارك الأحكام 4 : 314; جواهر الكلام 13 : 140 ـ 145; مستند الشيعة 8: 14.
(3) مصباح المتهجد: 696 و702 ـ 703; الوسائل 10: 444 . أبواب الصوم المندوب ب14 ح11 .
(4) صحيح البخاري 2 : 308 ح2010  .

<<التالي الفهرس السابق>>