في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)



المبحث الثالث: الجماعة من العناوين القصديّة

قد عرفت أنّ الجماعة من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقق بدون القصد ، فلا يترتّب على صلاة جماعة الفضيلة المترتّبة شرعاً على صلاة الجماعة ، إلاّ مع نية المأمومين الاقتداء والائتمام ، ولا يكفي مجرّد المتابعة في الأفعال والحركات من دون نية الاقتداء ، وجعل الامام متبوعاً في مقام العبادة والخضوع والخشوع في مقابل المولى جلّ شأنه .
وأمّا الإمام فقد عرفت أنّه لا يحتاج إلى قصد الإمامة خلافاً لبعض العامّة(1) ، ولولا اتفاق أصحابنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم(2) الكاشف عن موافقة المعصوم(عليه السلام) ، لكان مقتضى الأصل عدم ترتّب فضيلة الجماعة وأحكامها إلاّ مع نية الإمام الإمامة أيضاً كما لا يخفى .
ثمّ إنّه استدلّ بعض الأعاظم من المعاصرين على وجوب نية الائتمام على المأموم وجوباً شرطياً بقوله(صلى الله عليه وآله) : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به . . .»(3) ،(4) . نظراً إلى أنّ الائتمام لا يتحقّق بدون القصد .


(1) و (2) راجع 3 : 195 .
(3) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 447  .
(4) صحيح البخاري 1: 190 ح688 و689; سنن ابن ماجة 1: 392 ب144; صحيح مسلم 4: 113 ح89; سنن أبي داود 1 : كتاب الصلاة: 164 ـ 165; ح603 ـ 605; سنن النسائي 2: 90 ح790; سنن الترمذي 1 : 376 ب150  .

(الصفحة202)

هذا ، ولا يخفى أنّ هذا الحديث وإن كان مرويّاً في جميع الكتب «الصحاح الست» المعدّة لجمع الأحاديث المروية بطرقهم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ السند في جميعها ينتهي إلى أبي هريرة ، وهو الذي روى هذا الحديث ، نعم ، فيه اختلاف من حيث المتن ، لأنّ أبا داود رواه في سننه هكذا: «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبِّروا ولا تكبّروا إلاّ بعد تكبيره ، وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا إلاّ بعد ركوعه ، وإذا كان الإمام يصلّي قاعداً فصلّوا قعوداً» .
وليس الجملتان الناهيتان في غير ما رواه أبو داود ، وعلى أيّ تقدير فقد عرفت أنّ راوي الحديث هو أبو هريرة ، وقد وقع إسلامه في السنة الثامنة من الهجرة النبوية إلى المدينة المشرّفة ، ومن الواضح كما عرفت أنّ تشريع الجماعة الحاصل بعمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان قبل وروده بالمدينة ، لأنّه في أيّام توقّفه بقبا قبل الورود إلى المدينة كان يصلّي فيها جماعة ، وبعد قدومه فيها استمرّ عمله(صلى الله عليه وآله)وعمل المسلمين على ذلك .
وحينئذ ، فكيف يمكن دعوى أنّ اعتبار نية الاقتداء قد ثبت بهذه الرواية التي صدرت على تقديره بعد مضيّ سنين متعدّدة من ورود النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة؟! . وهل يمكن الالتزام بأنّ المسلمين لم يكونوا قبل صدور هذه الرواية ملتزمين في جماعاتهم بنية الاقتداء والائتمام ، بل كان عملهم صادراً من دون نية؟! .
وبالجملة: فالظاهر أنّ الرواية لم تكن مسوقة لبيان ذلك ، بل المراد بها لزوم متابعة الإمام عملا في التكبير والركوع وغيرهما ، فهي تدلّ على لزوم التكبير عقيب تكبيره من دون فصل وتأخير .
ويؤيّد ذلك الزيادة الواقعة فيما رواه أبو داود ، حيث إنّها ظاهرة في النهي عن التقدّم عن الإمام في التكبير والركوع ، وهو يناسب كون ما قبله دالاًّ على

(الصفحة203)

النهي عن التأخّر عنه ، فمضمون الجملتين يرجع إلى لزوم متابعة الإمام في الأفعال دون تقدّم عليه ولا تأخّر عنه ، وأين هذا من مسألة نية الائتمام المعتبرة في تحقق الاقتداء .


(الصفحة204)



المبحث الرابع:
هل الجماعة وصف للمجموع أو للأبعاض؟

هل الجماعة وصف لمجموع الصلاة من حيث هو مجموع بحيث كان المكلّف الذي يريد الصلاة ، مخيّراً عند الشروع فيها بين الإتيان بها جماعة أو فرادى ، ولم يكن له بعد الشروع حقّ العدول من الجماعة إلى الانفراد أو العكس أصلا ، أو أنها وصف لكلّ جزء من أجزاء الصلاة ، بحيث كان المصلّي عند كلّ جزء مخيّراً بين ايقاعه في الجماعة أو انفراداً ، ولازمه حينئذ عند إرادة الإتيان بمجموع الصلاة جماعة نية الاقتداء عند كلّ جزء؟ ، وجهان:
يظهر الثاني من الشيخ(قدس سره) في الخلاف ، وكذا من صاحب الجواهر من المتأخّرين ، حيث إنّه قوّى جواز العدول من الانفراد إلى الجماعة كجواز العدول منها إليه(1) ، ولكنّك عرفت في مسألة العدول من الجماعة إلى الانفراد التي تكلّمنا فيها مفصّلا في مبحث النيّة من هذا الكتاب ، إنّه لا يمكن الالتزام بذلك ، لعدم دلالة دليل عليه .
وعرفت أيضاً أنّ مسألة الاستخلاف ليست مبتنية على صيرورة الصلاة فرادى ، ثمّ جماعة حتّى تكون الأدلّة الواردة فيها دالّة على جواز العدول من الجماعة إلى الانفراد وكذا العكس ، فالقول بجواز العدول من الجماعة إلى الانفراد ممّا

(1) الخلاف 1: 552 مسألة 293; جواهر الكلام 14: 31 .

(الصفحة205)

لا سبيل إليه .
وما توهّم دلالته على ذلك قد ذكرنا في تلك المسألة أنّه لا دلالة له بوجه وسنتعرّض له أيضاً ، والغرض المهم هنا التكلّم في التفصيل الذي ذهب إليه بعض المحقّقين من المعاصرين(1) ، حيث جوّز العدول فيما لو لم تكن نيته ذلك من أوّل الشروع في الصلاة ، وحكم بعدم جوازه فيما لو كانت نيّته ذلك ، فإنّه يقال عليه: إنّه إذا كان أصل العدول جائزاً فيما لو كانت نيّته من أوّل الأمر إقامة الصلاة جماعة ، فكيف تكون نيته في غير هذه الصورة قادحة؟ فإنّه إذا كان إيجاد المقصود من حيث هو من دون سبق تعلّق القصد به جائزاً ، فكيف يكون إيجاده مع القصد ممنوعاً؟! .
فحكمه بعدم الجواز فيما إذا كانت نيته من أوّل الأمر ذلك ، يكشف عن أنّ كون الجماعة وصفاً لمجموع الصلاة أمر إرتكازيّ بين المتشرّعة ، وأنّ جعل الصلاة مرتبطة بصلاة الإمام إنّما يكون موضوعه مجموع الصلاة دون البعض .
ويرد عليه أنه مع هذا الارتكاز لا وجه للعدول في الأثناء ، ولو لم تكن نيته من أوّل الأمر ذلك .
وكيف كان ، فتوضيح الجواب أنّ الجماعة وإن كانت متقوّمة بقصد الاقتداء والائتمام ، إلاّ أنه لابدّ في الحكم بجواز إمكان قصد الاقتداء بالنسبة إلى البعض وعدمه ، من ملاحظة متعلّق القصد ، وأنّ الاقتداء الذي يتعلّق به القصد وبه تصير الصلاة صلاة في جماعة ، هل هو الاقتداء في الصلاة من أوّل الشروع فيها إلى حين نفاد صلاة الإمام وخروجه منها ، أو أنه يستفاد من الأدلّة جواز الاقتداء المبعّض ، بل ليس الاقتداء إلاّ في الأبعاض؟ .
وتحقق الاقتداء في الكل إنّما هو بملاحظة الاقتداء فيها ، فالعمدة النظر والتكلّم

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 455  .

(الصفحة206)

في متعلّق القصد ، وملاحظة حاله من حيث مشروعية الاقتداء المبعّض وعدمها ، فإن ثبت عدم مشروعيته أو لم تثبت المشروعية ، فكما لا تجوز نيته في الابتداء ، كذلك لا يجوز إيجاده في الأثناء ، ولو كان عند الشروع غير قاصد له أصلا ، وإن ثبتت مشروعيته فكما يجوز العدول في الأثناء من دون سبق قصده ، كذلك تجوز نيّته ابتداءً .
فالمهم الذي لابدّ من البحث فيه ملاحظة نفس الاقتداء الذي يتعلّق به القصد عند الشروع في الصلاة ، وحكم القصد يتبع حكم متعلقه ، فالتفصيل في حكم المتعلّق بين صورتي القصد ممّا لم نعرف له وجهاً ، فإن الاقتداء المبعض إن كان جائزاً شرعاً فما المانع من تعلّق القصد به ولو عند الشروع ، وإن لم يكن كذلك فما المجوز له في الأثناء؟
وبالجملة: فلا فرق بين الابتداء والأثناء من هذه الجهة أصلا .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) القائل بالتفصيل أفاد في وجهه ما ملخّصه: إنّه مع قصد الاقتداء إلى آخر صلاة الإمام ، لا مانع من شمول أدلّة الجماعة ، بل لا وجه لعدم شمولها ، فتنعقد الصلاة صحيحة كذلك ، وبعد الانعقاد لا دليل على عدم جواز العدول .
وهذا بخلاف ما إذا كان من قصده ابتداءً العدول في الأثناء ، فإنّه يشكّ حينئذ في شمول أدلّة الجماعة لها ، ويرد عليه أنّ الشكّ في الشمول وعدمه هل يكون له منشأ غير الشكّ في الاقتداء المشروع؟ وأنه هل هو الاقتداء في الجميع أو الأعمّ منه ومن البعض؟ .
ومع هذا الشكّ كما يكون شمول أدلّة الجماعة للصورة الثانية مشكوكاً ، كذلك صحة الصلاة جماعة في الصورة الاُولى تكون مشكوكة أيضاً  ، فلا وجه للجزم بصحّتها فيها والترديد في الصورة الاُخرى كما لا يخفى .


(الصفحة207)

وبعبارة اُخرى: إنّ الجماعة وإن كانت من العناوين القصدية المتقومة بالقصد كعنواني التعظيم والاستهزاء وغيرهما من العناوين القصدية ، إلاّ أنه حيث كانت من الاُمور التدريجية غير القارّة التي يتحقّق كل جزء منها في زمان ، فلابدّ في تحقّقها من بقاء القصد إلى آخر الصلاة ، كما هو الشأن في جميع العناوين القصدية غير القارّة التي منها أصل عنوان الصلاة ، فإنّه عنوان تدريجيّ لابدّ من بقاء قصده إلى آخر الأجزاء والإتيان بكلّ جزء بما أنه جزء لها .
ففي المقام إذا شرع في الصلاة بنية الاقتداء إلى آخر صلاة الإمام ، فاتّصافها بكونها صلاة في جماعة يتوقّف على إدامة هذه النية إلى آخرها ، وإذا عدل عنها في الأثناء يكشف ذلك عن عدم اتّصاف ما وقع قبل هذه النية من الأجزاء بعنوان الجماعة .
نعم ، لو ثبت أنّ الجماعة وصف لكلّ جزء من أجزاء الصلاة على سبيل الاستقلال ، فلا مانع حينئذ من العدول في الأثناء ، ولكن لا ينحصر الجواز بما إذا حدثت نية العدول في الأثناء ، بل يعمّ ما إذا كان من أوّل الأمر قاصداً لذلك ، فيرجع الكلام بالأخرة إلى ملاحظة هذا المعنى ، وهو أنّ الاقتداء الذي هو من العناوين القصدية ويوجب الفضيلة للصلاة بخمس وعشرين درجة ، أو بأربع وعشرين(1) ، هل تختص مشروعيته بما إذا استدام إلى آخر صلاة الإمام ، أو يعمّ الاقتداء المبعّض أيضاً؟ .
وهذا هو الذي ينبغي أن يقع مبنى المسألة ويبحث فيه ، وليست المسألة مبتنية على أنّ الجماعة والفرادى هل هما حقيقتان أو حقيقة واحدة(2)؟


(1) راجع 3 : 191 .
(2) كما حكاه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ «أدام الله ظلاله» عن شيخه المحقّق الخراساني(قدس سره) ، وذكر أنّه كان هو المعروف بين الأساتذة والأساطين المعاصرين له ، «المقرّر» .

(الصفحة208)

وذلك ـ أي وجه عدم الابتناء ـ أنه إن كان المراد بتغايرهما من حيث الحقيقة هو عدم إمكان اجتماعهما في صلاة واحدة ، كعنواني صلاتي الظهر والعصر المتغايرين بهذا المعنى ، حيث إنّه لا يمكن اجتماعهما في صلاة واحدة ، لأنّه لا يتصوّر صلاة واحدة مركّبة من العنوانين ، بأن يكون بعض أجزائها ظهراً والبعض الآخر عصراً .
والعدول من العصر إلى الظهر في الأثناء وإن كان جائزاً في موارده ، إلاّ أنه لا يوجب اجتماع العنوانين على صلاة واحدة ، ضرورة أنّ العدول يؤثِّر في صيرورة الصلاة من أوّلها معنونة بعنوان المعدول إليها ، ولذا ذكرنا في بحث العدول أنه يكون على خلاف القاعدة ، ولا يصار إليه إلاّ في خصوص الموارد المنصوصة .
وبالجملة: فإن كان المراد بتغاير الجماعة والفرادى عدم إمكان اجتماعهما في صلاة واحدة ، فمن الواضح أنه لا مجال لتوهّم ذلك ، ضرورة أنّ الموارد التي يكون بعض الصلاة جماعة والبعض الآخر فرداً كثيرة جدّاً ، كما في مورد اقتداء الحاضر بالمسافر ، والاقتداء في الصلاة الرباعية بالثلاثية أو الثنائية ونظائرهما .
وإن كان المراد بتغايرهما توقّف تحصّل كلّ واحد من عنوانيهما على تعلّق القصد به ، بحيث كان كلّ واحد منهما من العناوين القصدية ، فذلك أيضاً باطل لما عرفت من أنّ عنوان الجماعة وإن كان من العناوين القصدية المتقوّمة بالقصد ، إلاّ أنّ الصلاة فرداً لا تحتاج إلى نية الانفراد ، بل يكفي في تحقّقه مجرّد عدم قصد الاقتداء ، لا بنحو الموجبة المعدولة بل على نحو السالبة المحصّلة ، كما أنّ صلاة الإمام في الجماعة أيضاً لا تفتقر إلى قصد الإمامة على ما عرفت(1)  ، خلافاً لبعض العامّة ، فهذا الاحتمال أيضاً ممّا لا وجه له .


(1) راجع 3 : 195 .

(الصفحة209)

فالواجب أن يقال بافتقار خصوص الجماعة ، إلى القصد وهو يجتمع مع القول بجواز العدول ومع القول بالعدم ، لما عرفت من تبعية حكم القصد لحكم متعلقه ، فإن قلنا باختصاص المشروعية الثابتة بالاقتداء في مجموع الصلاة ـ أي من حين الشروع إلى آخر صلاة الإمام ونفادها ـ فلا مجال لدعوى الجواز .
وإن قلنا بعدم الاختصاص والشمول للاقتداء المبعّض أيضاً ، بل ليس الاقتداء إلاّ بالنسبة إلى كلّ بعض على سبيل الاستقلال ، غاية الأمر أنّ الاقتداء في الكلّ مرجعه إلى تحقق الاقتداء في كل جزء من أجزائها ، فاللازم القول بجواز العدول ، فمبنى المسألة هو هذا المعنى وليس إلاّ ، كما لا يخفى .
وكيف كان فقد استدلّ على جواز العدول بوجوه:
منها: الآية الشريفة(1) الواردة في صلاة ذات الرقاع ، بضميمة الروايات الدالّة على كيفيتها ، وهذه الروايات ـ غير ما ورد منها في كيفية صلاة الخوف في خصوص صلاة المغرب ـ مختلفة من جهتين :
1 ـ تكبير الإمام في الركعة الثانية بعد مجيء الطائفة الثانية ، حيث إنّ مقتضى رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(عليه السلام)الحاكية لصلاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)بأصحابه في غزوة ذات الرقاع أنّه(صلى الله عليه وآله)كبّربعدمجيءالطائفة الثانية،وقيامهم خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2).
والظاهر أنّ المراد بهذا التكبير هي تكبيرة الافتتاح هذا ، وباقي الروايات خالية عن اعتبار هذا التكبير والتعرّض(3) له ، ولعلّ ذكره في رواية عبدالرحمن كان مستنداً إلى سهو الراوي ، حيث كان اتّحاد السياق يلائم مع ثبوته كما لا يخفى .


(1) النساء : 102  .
(2) الفقيه 1: 293 ح 1337; الكافي 3: 456 ح2; التهذيب 3: 172 ح380; الوسائل 8: 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح1 .
(3) الوسائل 8 : 436 ـ 438 ب2 ح2 ـ 8 .

(الصفحة210)

2 ـ جلوس الإمام في التشهّد حتّى تلحق الطائفة الثانية به ويسلّم عليهم ، فمقتضى رواية عبدالرحمن المتقدّمة وبعض الروايات الاُخر الواردة في الباب أنّه يسلّم الإمام لنفسه بعد التشهّد ثمّ تقوم الطائفة الثانية وتقضون لأنفسهم ركعة(1) .
ومقتضى بعض الروايات الاُخر، أنه يمكث في التشهّد ويجلس حتّى تلحق الطائفة الثانية الذين قاموا بعد سجود الإمام للإتيان بالركعة الثانية به ، ويسلّم عليهم، فتسليم الطائفة الثانية حينئذ يقع عقيب تسليم الإمام(2) .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ عمل الطائفة الثانية وكيفية صلاتهم لا يدلّ على ما راموه من جواز العدول اختياراً ، لأنّه إن كانت الكيفية مطابقة لما تدلّ من الروايات على أنّ الإمام يجلس في التشهّد حتّى تلحقوا به ، فواضح أنّ صلاتهم حينئذ تقع جماعة من أوّلها إلى آخرها .
وإن كانت مطابقة للروايات الاُخر فلا دلالة له أيضاً على جواز العدول ، لأنّ مفروض مسألة العدول ما إذا كان الإمام مشتغلا بالصلاة بحيث لم تنفد صلاته ، ضرورة أنه مع خروجه لا يبقى مجال للشكّ في وقوع ما بقي من صلاة المأموم متّصفاً بغير الجماعة ، كالمأموم المسبوق بركعة أو أزيد ، وصلاة الطائفة الثانية بناءً على ذلك تصير من هذا القبيل .
وأمّا الطائفة الاُولى الذين يصلّون الركعة الثانية لأنفسهم، فيمكن أن يقال بعدم خروج صلاتهم أيضاً عن عنوان كونها في جماعة ، غاية الأمر أنّه رفع عنهم وجوب المتابعة في الأفعال والأقوال ، وهي لا يكون لها مدخلية في قوام الجماعة وحقيقتها ، وعلى تقدير التنزّل وتسليم كون الركعة الثانية من صلاتهم لا تقع

(1 و 2) الوسائل 8 : 436 ـ 438 ب2 ح8 و5 .

(الصفحة211)

جماعة ، مع عدم نفاد صلاة الإمام بعد ـ كما هو ظاهر بعض الروايات الواردة في صلاة الخوف ـ نقول: إنّ تجويز ذلك في مورد الضرورة والعذر لا يستلزم التجويز مطلقاً .
ومنها: ما ورد في بعض الروايات من جواز التسليم قبل الإمام فيما لو أطال التشهّد(1) وقد قدّمنا جوابه فيما سبق ، ومحصّله: إنّ مجرّد جواز التسليم قبل الإمام لا يتوقّف على صيرورة الصلاة فرادى ، بل صلاته باقية على الجماعة ما دام لم يفرغ منها ، غاية الأمر أنه بالفراغ لا يبقى موضوع لوصف الجماعة ، ومرجع ذلك إلى أنّ ما يكون واجباً على المأموم عند صيرورة صلاته جماعة ـ وهو وجوب متابعة الإمام في الأفعال ـ يرتفع عند عروض عذر للمأموم ، وقد عرفت أنّ متابعة الإمام لا يكون لها دخل في قوام الجماعة أصلا .
ومنها: ما رواه العامّة بطرقهم عن جابر أنّه قال: «كان معاذ يصلّي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)العشاء ثمّ يرجع إلى قومه فيؤمّهم ، فأخّر النبيّ(صلى الله عليه وآله) صلاة العشاء فصلّى معه، ثمّ رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة ، فتأخّر رجل فصلّى معه وحده ، فقيل له: نافقت يا فلان ، فقال: ما نافقت ولكن لآتينّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأخبره ، فأتى النبيّ(صلى الله عليه وآله)فذكر ذلك له ، فقال له: افتان أنت يا معاذ مرّتين ولم ينكره النبيّ(صلى الله عليه وآله)»(2) .
وقد استدلّ بهذه الرواية الشافعي في كتاب الأمّ، ورواها بطرق أربعة ينتهي كلّها إلى جابر(3) ، وكذا استدلّ بها الشهيد(قدس سره)(4) هذا ، والظاهر أنّه لا دلالة للرواية على مرام المستدلّ بوجه ، لأنّها متعرّضة لحال معاذ من جهة كونه من الأنصار ،

(1) التهذيب 2 : 317 ح1299  . الوسائل 6 : 416  . أبواب التسليم ب1 ح6  .
(2) سنن البيهقي 2: 392 ـ 393 .
(3) الامّ 1: 172 ـ 173 .
(4) الذكرى 4 : 426  .

(الصفحة212)

كجابر الراوي للحديث ، وليس فيها تعرّض لحال الأعرأبي الذي صلّى وحده ، وأنّه هل أوجب الرسول(صلى الله عليه وآله) عليه الإعادة أم لا؟
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من عدم التعرّض لا دلالة له على الجواز ، مضافاً إلى أنّ تأخّر الرجل وصلاته منفرداً، لا ظهور له في عدوله عن الجماعة إلى الانفراد وإتمامه باقي الصلاة ، فلعلّه تأخّر واستأنف الصلاة من رأس كما لا يخفى .
ومنها: الاستدلال بأصالة الإباحة أو البراءة ، كما استدلّ به الشيخ في الخلاف ، والعلاّمة في بعض كتبه ، حيث ذكر أنّ الجماعة فضيلة للصلاة ، وبالعدول عنها لا يحصل إلاّ ترك الفضيلة في بعض أجزاء الصلاة(1) ، وهذا الاستدلال يعطي كون النزاع في ثبوت تكليف وجوبيّ أو تحريميّ وعدمه .
توضيح ذلك ، إنّك عرفت فيما تقدّم أنّ كلمات الأصحاب في هذه المسألة مختلفة من حيث الدلالة على مورد البحث ومحلّ النزاع ، لأنّ استدلال بعض المجوّزين كالشيخ(قدس سره) بأصالة الاباحة وعدم الدليل على كون العدول منهيّاً عنه ، يعطي أنّ النزاع في ثبوت تكليف وجوبيّ متعلّق بإدامة الصلاة جماعة وإبقائها على حالها ، أو تكليف تحريميّ متعلّق بالعدول الذي مرجعه إلى جعل الصلاة المنعقدة جماعة فرادى بحسب الاستدامة .
وإليه ينظر ما عرفت من استدلال العلاّمة على الجواز  ، لأنّ مرجعه إلى أنّ الجماعة كما لا تكون واجبة عند الشروع في الصلاة كذلك لا تجب إدامتها وإبقاؤها ، وإلى ذلك يرجع أيضاً استدلال بعض المانعين بقوله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أعمالكم}(2) .


(1) الخلاف 1: 559 مسألة 309; تذكرة الفقهاء 4: 271; مختلف الشيعة 3 : 74 ـ 75 .
(2) محمد ص: 33; والمستدلّ هو الشيخ في المبسوط 1: 157 .

(الصفحة213)

ويستفاد من بعض الاستدلالات الاُخر، أنّ النزاع إنّما هو في تأثير العدول في فساد الصلاة وعدمه، كاستدلال العلاّمة في بعض كتبه على الجواز ، بأنّ المصلّي لم يكتسب بالجماعة صحة الصلاة ، وإنّما اكتسب مجرّد الفضيلة ، فالعدول لا يؤثِّر في الفساد بل يؤثّر في ترك الفضيلة وعدم تحقّقها(1)  ، واستدلال النراقي القائل بالمنع في المستند بأنّه ليس في الشريعة صلاة مركّبة من الجماعة والفرادى ، ومعه يشكّ في حصول براءة الذمّة عمّا اشتغلت به يقيناً ، وهو التكليف المتعلّق بالصلاة(2) .
هذا، ويظهر من صاحبي المدارك والمفاتيح وبعض آخر(3) ، أنّ ترتّب أحكام الجماعة من سقوط القراءة عن المأموم وعدم مانعية زيادة الركن لأجل المتابعة والرجوع في الشكّ إلى حفظ الإمام وغيرها من أحكام الجماعة ، إنّما هو فيما إذا وقعت الصلاة بتمامها جماعة .
وأمّا لو وقع بعض أجزائها جماعة، وبعضها فرادى ، فلا دليل على سقوط القراءة ولا على غيره من أحكام الجماعه ، ومرجع ذلك إلى أنّ قصد الانفراد وإن كان موجباً لصيرورة الصلاة فرادى ، وأنّ الصلاة لا تبطل من هذه الجهة ، إلاّ أنّ وجه بطلانها هو كونها خالية عن القراءة أو مشتملة على الركن الزائد مثلا .
ولا يخفى أنّ النزاع في الحكم التكليفي الوجوبي أو التحريمي لا يغني عن النزاع في الحكم الوضعي ، وأنّ الصلاة مع العدول عن الجماعة إلى الانفراد هل تكون صحيحة أم لا؟ والنزاع في الحكم الوضعي يبتني على ما ذكرنا من كون الجماعة وصفاً للمجموع أو الأبعاض ، ضرورة أنّه لو كانت وصفاً للمجموع لا يبقى شكّ في

(1) تذكرة الفقهاء 4 : 271  .
(2) مستند الشيعة 8: 163 .
(3) مدارك الأحكام 4: 378; مفاتيح الشرائع 1 : 124 ; الحدائق 11 : 240; ذخيرة المعاد: 402 .

(الصفحة214)

البطلان ، ولو كانت وصفاً للأبعاض لا مجال للإرتياب في الصحّة .
ومنه يظهر تفرّع الوجه الثالث الذي يظهر من صاحبي المدارك والمفاتيح على ما ذكرنا أيضاً ، بداهة أنّه لو كانت الجماعة وصفاً للأبعاض، يترتّب على البعض الواقع جماعة أحكام الجماعة، وعلى البعض الآخر الواقع إنفراداً أحكام الصلاة كذلك ، ولو كانت وصفاً للمجموع يتوقّف ترتّب أحكام الجماعة على اتّصاف مجموع الصلاة بها .
فانقدح ممّا ذكرنا رجوع جميع الوجوه الثلاثة إلى ما بنينا المسألة عليه .
نعم، هنا وجه رابع ، وهو أنّ قصد الانفراد لا يؤثّر في صيرورة الصلاة المنعقدة جماعة فرادى ، ولا يوجب سقوط أحكام الجماعة المترتّبة عليها قبل هذا القصد ، بل الصلاة التي انعقدت جماعة باقية على هذه الصفة ، ووجود قصد الانفراد والعدول كعدمه لا يؤثّر شيئاً .
وقد ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) أنّ هذا الوجه يبتني على كون الجماعة من الأوصاف المقوّمة المنوعة ، وأنّ الجماعة والفرادى ماهيتان مختلفتان كعنواني الظهرية والعصرية ، فكما لا يجوز العدول عن حقيقة إلى اُخرى في مثل الظهر والعصر إلاّ بدليل خاصّ ، كالعدول من العصر إلى الظهر لو نسيها وذكر في أثناء العصر ، كذلك لا يجوز العدول من الجماعة إلى الانفراد وكذا العكس ، ولا يوجب قصد العدول صيرورة الصلاة وتبدّلها إلى المعدول إليها(1) .
ويرد على هذا الوجه ـ مضافاً إلى ما أوردنا عليه في السابق من منع كون الجماعة والفرادى حقيقتين مختلفتين ، بل الجماعة فقط من العناوين القصدية المتقوّمة بالقصد ، وأمّا الانفراد فلا يحتاج إلى القصد أصلا ـ أنّ العدول هنا يغاير

(1) جواهر الكلام 14: 25  .

(الصفحة215)

العدول في مثل صلاتي الظهر والعصر ، لأنّ العدول هناك يؤثّر في صيرورة الصلاة من أوّل أجزائها إلى آخرها متّصفة بعنوان المعدول إليها من الظهر والمغرب وغيرهما ، ولذا ذكرنا في محلّه أنّه على خلاف القاعدة .
لأنّ تأثير الأمر الحادث فيما وقع قبله خلاف مقتضى العقل ، ولذا لا يصار إليه إلاّ فيما ورد فيه النصّ ولا يتعدّى عن مورده أصلا ، كما مرّ في بحث العدول الذي تعرّضنا له في مبحث النية من الكتاب(1) ، وأمّا العدول هنا فلا يراد منه التأثير في الأجزاء السابقة ، بل الغرض منه قطع الأجزاء اللاحقة وإخراجها عن وصف الأجزاء السابقة ، ضرورة أنه لا يراد بالعدول عن الائتمام إلى الانفراد إلاّ مجرّد وقوع الأجزاء اللاحقة فرادى ، لا خروج الأجزاء السابقة عن وصف الجماعة ، فافترق العدولان، ولا ينبغي أن يقاس أحدهما بالآخر أصلا .
وبالجملة: فإن كان مستند هذا الوجه ومبناه هو تغاير الجماعة والانفراد حقيقة، فقد عرفت ما فيه ، وإن كان مبناه كون الجماعة وصفاً لمجموع الصلاة دون أبعاضها ، فاللاّزم ملاحظة هذا الأمر والنظر فيه ، فنقول:
لا ينبغي الارتياب في أنّ الموارد التي كان بعض الصلاة متّصفاً بوصف الجماعة وبعضها بعنوان الفرد في الشرع كثيرة جدّاً ، كالمأموم المسبوق بركعة أو أزيد ، بل المأموم الذي لم يدرك من الجماعة إلاّ السجود وما يلحقه ، أو التشهّد فقط ، والدليل عليه أنّه وإن كان السجود أو التشهّد الذي أدركه جماعة لا يحسب جزء من صلاته إلاّ انّه لا يحتاج إلى إعادة تكبيرة الإحرام ، بل تكبيره هو التكبير الأول الذي نوى به الاقتداء والائتمام ، وكصلاة ذات الرقاع بالنسبة إلى الركعة الثانية من صلاة كلّ من الطائفتين .


(1) راجع 2 : 9 ، مبحث النيّة .

(الصفحة216)

لما عرفت من ظهور بعض الروايات الواردة فيها ، في أن كلاًّ من الطائفتين يصلّون الركعة الثانية لأنفسهم ، وكصلاة الإمام فيما لو اقتدى به في أثناء صلاته ، حيث إنّك عرفت أنّه لا يحتاج إلى قصد الإمامة، بل اتّصافها بوصف الجماعة يتحقّق بمجرّد قصد الائتمام به ، وكصلاة المأموم عند عروض حادثة للإمام ، مانعة عن إتمامه للصلاة ولم يمكن الاستخلاف ، وكصلاة المأموم المتمّ المقتدي بالإمام المقصر .
وبالجملة: لا ينبغي الإشكال في أصل التبعّض وإنّما الإشكال وقع في موردين منه:
1 ـ العدول من الانفراد إلى الجماعة ، ويظهر من الشيخ في موضع من الخلاف التصريح بالجواز ، ومن صاحب الجواهر من المتأخّرين الميل إليه(1) .
ثانيهما: العكس ، والعدول من الائتمام إلى الانفراد ، وقد وقع الخلاف فيه من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين ، لكنّه لم ينصّ أحد من القائلين بالمنع ببطلان الصلاة بذلك ، بل غاية دليلهم هو الإحتياط .
وأنت خبير بأنّ القائل بالمنع إن كان نظره إلى أنّ الجماعة التي هي في الأصل وعند الشروع سنّة وفضيلة ، تجب بالشروع في الصلاة بنية الائتمام ، فيرد عليه أنّه لا دليل على وجوبها بالشروع ، فتخصيص العمومات الواردة في الجماعة بهذا المورد تخصيص بلا دليل ، وإليه يرجع استدلال العلاّمة بأنّ الأصل عدم الوجوب بعد عدم الدليل عليه(2) .
وإن كان نظره إلى بطلان الصلاة بذلك ، فيرد عليه أنّه لا دليل على مبطلية قصد العدول . وبالجملة، بعدما نرى كثرة الموارد التي كانت الصلاة فيها متبعّضة

(1) الخلاف 1: 552 مسألة 293; جواهر الكلام 14: 30 .
(2) تذكرة الفقهاء 4: 271 .

(الصفحة217)

من حيث الجماعة والانفراد ، يمكن لنا أن نستكشف جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد بالمعنى الذي عرفت أنّه المراد من العدول هنا ، لا كمثل العدول من العصر إلى الظهر في مورد نسيانها ، أو العدول من الإتمام إلى القصر أو العكس في موارد التخيير بينهما .
ونحكم بالجواز مطلقاً سواء كان إختياريّاً أو اضطراريّاً ، خصوصاً مع أنّ الصلاة عبارة عن الأمر الذي يوجد بالشروع في أجزائها ويدوم إلى آخر الإتيان بها ، ولا تكون عبارة عن مجموع الأفعال والأقوال الذي لا يتحقّق إلاّ بعد تحقق أجزائها بأجمعها حتّى يستبعد حينئذ التبعيض كما لا يخفى .
ودعوى أنّ الاشتغال بأصل التكليف بالصلاة يقتضي عدم العدول بعد الشكّ في جوازه .
مدفوعة: بأنّه لا مجال لجريان قاعدة الاشتغال بعد كون الشكّ في حصول البراءة ناشئاً إمّا عن احتمال كون الجماعة ممّا تجب بالشروع ، أو عن احتمال كون العدول موجباً لفسادها .
والأول مجرى أصل البراءة ، لكون الشكّ في حدوث تكليف وجوبيّ ، وكذا الثاني ، لأنّ مرجعه إلى الشكّ في شرطية البقاء والإدامة على هذه الحالة ، وهو مجرى البراءة على ما حققناه من جريان أصل البراءة عقلا ونقلا في موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض شيء من أدلّة المنع على إثباته ، لكنّ الإحتياط خصوصاً في مثل الصلاة ممّا لا يحسن تركه .


(الصفحة218)



المبحث الخامس : أصناف الأئمة

في أصناف الأئمّة ومن تجوز الصلاة خلفه ومن لا تجوز على سبيل التنزيه أو التحريم الوضعي ونقول:
قد ورد في الروايات والفتاوى الكاشفة عن النصّ ، النهي تنزيهاً أو تحريماً عن إمامة عدّة كثيرة ربّما تزيد عن ثلاثين ، لكنّهم مختلفون من حيث كون النهي الوارد فيه مطلقاً أو مختصّاً بمأموم خاصّ ، وكذا من حيث ورود الرواية الدالّة على الجواز فيه أيضاً وعدمه ، ولا بأس لعدّ جميعهم والإشارة إلى حكمهم:
1 ـ المخالف(1) .
2 ـ الناصب ، وهو وإن كان من صنوف المخالفين ، إلاّ أنّه قد وقع النهي عن الائتمام به بعنوانه(2) .
3 ـ الشيعيّ غير الإماميّ الاثنى عشرية، كالواقفية، والزيدية، والفطحية وغيرهم(3) .
4 ـ من يتولّى عليّاً ولا يتبرّأ ممّن يعاديه(4) .


(1) الخلاف 1: 549 مسألة 290; شرائع الإسلام 1: 114; تذكرة الفقهاء 4: 279 مسألة 563; مستند الشيعة 8: 26; الوسائل 8 : 309  . أبواب صلاة الجماعة ب 10  .
(2) الوسائل 8: 310 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح4 .
(3) الوسائل 8 : 310  . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح5  .
(4) الوسائل 8: 309 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح 3  .

(الصفحة219)

5 ـ من لا تثق بدينه(1) ، والمراد به إمّا من تحتمل في حقّه المخالفة في الاُصول ، مثل ما إذا شككت في كونه إمامياً أو مخالفاً ، وإمّا من تحتمل في حقّه المخالفة العملية في الفروع ، ومرجعه إلى احتمال الفسق في حقّه .
6 ـ الفاسق(2) .
7 ـ العاق والديه ، وهو وإن كان من أفراد الفاسق ، إلاّ أنه منهيّ عن الائتمام به بالخصوص(3) .
8 ـ القاطع للرحم ، وهو كالسابق(4) .
9 ـ الأغلف(5) ، وهو إن كان متمكّناً من الختان ومع ذلك لم يفعل ، فهو فاسق لتركه ما أمر به ، وإن لم يكن متمكّناً منه بحيث كان تركه مستنداً إليه ، فلا يعلم دلالة الرواية على النهي عن إمامته لانصرافها عنه ، بل ظاهرها عدم الشمول كما لا يخفى .
10 ـ ولد الزنا ، وقد وقع النهي عن إمامته ، وليس في البين ما يدلّ على جوازها(6) .
11 ـ المجنون(7) ، وعدم جواز إمامته واضح لا خفاء فيه ، وذكره إنّما هو لاستيفاء جميع العناوين الواقعة متعلقة للنهي .
12 ـ السفيه ، والمراد منه إن كان هو المجنون فعدم جواز إمامته واضح ، وإن

(1) الوسائل 8 : 309  . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح 2  .
(2) الوسائل 8 : 314 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح2  ، 4  .
(3 و 6) الوسائل 8 : 313  . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح1  .
(5) الوسائل 8 : 320  . أبواب صلاة الجماعة ب13 وص322 ب14 ح6  .
(6) الوسائل 8: 321  ، 322  . أبواب صلاة الجماعة ب14 ح1 ، 2 ، 4 ، 6 وص324 و325 ب15 ح3 ، 5 ، 6  .
(7) الوسائل 8: 321  ، 322  . أبواب صلاة الجماعة ب14 ح1 ، 2 ، 4 ، 6 وص324 و325 ب15 ح3 ، 5 ، 6  .

(الصفحة220)

كان هو الفاقد لصفة الرشد ، فالقول بعدم جواز إمامته مشكل ، وإن وقع النهي عنها في بعض الروايات(1) .
13 ـ المحدود ، وعدم جواز الائتمام به مع عدم توبته ظاهر ، لأنّه حينئذ من أفراد الفاسق ، ومعها مشكل لابدّ من البحث فيه(2) .
14 ـ الأعرأبي ، وهو من يسكن البادية ، ولعلّ النهي عن الائتمام به منصرف إلى من لا يعلم منهم الأحكام الشرعية ، ولا يكون عارفاً بها، مطّلعاً على خصوصيّاتها(3) .
15 ـ المجذوم(4) .
16 ـ الأبرص ، وقد ورد النهي عن إمامتهما مطلقاً ، وبالنسبة إلى خصوص المأموم السالم أيضاً(5) .
17 ـ الفالج(6) .
18 ـ المقيّد ، والمراد به المحبوس كذلك ، ولعلّ النهي عن إمامته لأجل عدم قدرته على مراعاة الصلاة بجميع أجزائها(7) .
19 ـ المرأة ، وقد ورد النهي عن إمامتها مطلقاً(8) ، ولكنّ الظاهر اختصاصه بما إذا كان المؤتمون رجالا كلّهم، أو بعضهم، كما هو الغالب في الجماعات ، وأمّا مع انحصارهم بالنساء، فالظاهر جواز إمامة المرأة لهنّ واقتدائهنّ بها كما سيجيء(9) .


(1) الوسائل 8 : 314  . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح2  .
(2 ـ 6) الوسائل 8 : 324 ـ 325 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح3 و 6 .
(6 و 8) الوسائل 8 : 340  . أبواب صلاة الجماعة ب22 ح1 و2; وص328 ب17 ح5  .
(8) مستدرك الوسائل 6 : 467 ب18 ح1; الدعائم 1 : 152; سنن البيهقي 3: 90 .
(9) الوسائل 8 : 334 ـ 336  . أبواب صلاة الجماعة ب20  .

<<التالي الفهرس السابق>>