في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة241)

شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(1) .
ومنها: رواية عمّار بن مروان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يشهد لابنه ، والإبن لأبيه ، والرجل لامرأته فقال: «لا بأس بذلك إذا كان خيراً»(2) .
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(3) .
ومنها: رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا»(4) .
ومنها: رواية علقمة عن الصادق(عليه السلام) الدالّة على أنّ كلّ من كان على فطرة الإسلام ولو كان مقترفاً بالذنوب جازت شهادته ، لأنّه لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلاّ شهادة الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً(5) .
ويمكن أن يستظهر من هذا الذيل اعتبار كونه معروفاً بالعدالة والستر ، كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، لا مجرّد عدم رؤية الذنب منه وعدم شهادة الشاهدين عليه ، وإلاّ فتصير الرواية غير معمول بها .
ومنها: رواية جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) الدالّة على جواز شهادة القابلة على

(1) الفقيه 3: 33 ح 104 ; الوسائل 27: 394  .كتاب الشهادات ب41 ح 8  .
(2) الفقيه 3: 26 ح 70 ; الوسائل 27: 394  .كتاب الشهادات ب41 ح 9  .
(3) الفقيه 3: 27 ح 77; الوسائل 27: 395  .كتاب الشهادات ب41 ح 10  .
(4) الكافي 7: 389 ح1; التهذيب 6: 248 ح634; الاستبصار 3: 15 ح 42; الوسائل 27: 345 . كتاب الشهادات ب23 ح1  .
(5) امالي الصدوق: 91 ح3; الوسائل 27: 395  . كتاب الشهادات ب41 ح13  .

(الصفحة242)

استهلال الصبي أو بروزه ميّتاً إذا سئل عنها فعدلت(1) .
ومنها: رواية حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) الواردة في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، فعدل منهم إثنان ولم يعدل الآخران ، الدالّة على أنّه إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يُعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً ، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق(2) وهذه الرواية ظاهرة في القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدّمة في معنى العدالة .
ومنها: ما رواه أحمد بن عامر الطائي ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممّن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوّته وحرمت غيبته»(3) . ومثلها ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4) .
ومنها: رواية عبدالكريم بن أبي يعفور ـ أخو عبدالله بن أبي يعفور ـ عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر والعفاف ، مطيعات للأزواج ، تاركات للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم»(5) .
وأمّا ما أوردها في أبواب صلاة الجماعة فكثيرة أيضاً .
منها: مرسلة خلف بن حمّاد عن أبي عبدالله(عليه السلام) الدالّة على النهي عن الصلاة

(1) التهذيب 6: 271 ح 737; الوسائل 27: 362  . كتاب الشهادات ب24 ح38  .
(2) الكافي 7 : 403 ح5 ; التهذيب 6: 277 ح 759 وص286 ح793; الإستبصار 3: 14 ح36; الوسائل 27: 397  . كتاب الشهادات ب41 ح 18  .
(3 و 4) الخصال: 208 ح 28 و29; الوسائل 27: 396  . كتاب الشهادات ب41 ح15 و16 .
(5) التهذيب 6: 242 ح597; الاستبصار 3: 13 ح34; الوسائل 27: 398  .كتاب الشهادات ب41 ح20 .

(الصفحة243)

خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول ، والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصداً(1) .
ومنها: ما رواه الصدوق في العيون بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا(عليه السلام)في كتابه إلى المأمون قال: «لا صلاة خلف الفاجر»(2) .
ومنها: رواية أبي عليّ بن راشد عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه»(3) . والظاهر أنّ المراد به هو من تثق بدينه من حيث الاُصول لا الفروع ، بأن يكون مساوقاً لغير الفاسق .
ومنها: رواية سعد بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن الرضا(عليه السلام) الدالّة على عدم جواز الصلاة خلف رجل يقارف الذنوب وإن كان عارفاً بهذا الأمر يعني الولاية(4) .
ومنها: رواية أصبغ الدالّة على النهي عن إمامة شارب النبيذ والخمر(5) .
ومنها: رواية سماعة بن مهران عن أبي عبدالله(عليه السلام)(6) وهي متحد المضمون مع روايتي أحمد بن عامر وعبدالله بن سنان المتقدّمتين .
ومنها: ما رواه في المقنع ممّا يدلّ على تقديم الخيار من الناس في الصلاة(7) .
ومنها: ما رواه ابن إدريس من كتاب أبي عبدالله السيّاري صاحب موسى والرضا(عليهما السلام)قال: قلت لأبي جعفر الثاني(عليه السلام) : قوم من مواليك يجتمعون فتحضر

(1) التهذيب 3: 31 ح109; الفقيه 1 : 248 ح 1111; الخصال: 154 ح193; الوسائل 8: 310 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح 6  .
(2) عيون اخبار الرضا(عليه السلام) 2: 123 ح1; الوسائل 8 : 315 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح5  .
(3) الكافي 3: 374 ح5; التهذيب 3: 266 ح755 ; الوسائل 8 : 309 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح2 .
(4) الفقيه 1: 249 ح 1116; التهذيب 3: 31 ح 110 وص277 ح808 ; الوسائل 8 : 316 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح10  .
(5) السرائر 3: 638; الوسائل 8 : 316 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح 11  .
(6) الكافي 2: 187 ح28; الوسائل 8 : 315  .أبواب صلاة الجماعة ب11 ح9  .
(7) المقنع: 118 ; الوسائل 8 : 315  .أبواب صلاة الجماعة ب11 ح7  .

(الصفحة244)

الصلاة فيقدم بعضهم فيصلّي بهم جماعة ، فقال: «إن كان الذي يؤمّهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل»(1) . ولا يخفى أنّ توصيفه بأنّه صاحب موسى والرضا(عليهما السلام) لا يلائم مع ما في رجال النجاشي(2) في ترجمة الرجل الذي اسمه أحمد بن محمد بن سيّار من أنّه كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمد(عليه السلام)  .
ومنها: ما رواه الشهيد في الذكرى عن الصادق(عليه السلام) ممّا يدلّ على أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة ، ولا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته»(3) . وغير ذلك من الأخبار.
وقد انقدح من ذلك أنّه ليس في شيء من الروايات الواردة في باب الجماعة ما يدلّ على اعتبار العدالة بعنوانها في الإمام  ، بل الوارد إنّما هو النهي عن الصلاة خلف الفاسق ، أو الغالي ، أو من لا تثق بدينه ، أو المقترف للذنوب ، أو شبه ذلك من العناوين .
نعم، يستفاد من اعتبارها في الشاهد بملاحظة عدم الفرق بينه وبين الإمام من هذه الجهة اعتبارها في الإمام أيضاً ، مع أنّ النهي عن الصلاة خلف الفاسق يكفي في ذلك ، لوضوح التقابل بين الفسق والعدالة بين المتشرّعة تقابل التضادّ أو غيره ، فالنهي عن الصلاة خلف الفاسق يرجع إلى مانعيّة الفسق واعتبار العدالة .
هذا، والظاهر أنّ التقابل بينهما إنّما هو تقابل العدم والملكة ، لأنّ العدالة هو عدم العصيان وعدم الانحراف عن طريق الاعتدال ، والفسق هو الميل والاعوجاج عن جادّة الاستواء والاستقامة .


(1) السرائر 3 : 570; الوسائل 8: 316 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح12  .
(2) رجال النجاشي: 80  .
(3) الذكرى 4 : 372 ; الوسائل 8 : 317 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح13  .

(الصفحة245)







الذنوب الكبيرة والصغيرة


غير خفيّ على الناظر في صحيحة عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(1) أنّها مشعرة بأنّ المعاصي الشرعيّة قسمان: كبيرة وصغيرة ، كما أنّها تشعر بأنّ ضابط الكبيرة هو ما أوعد الله عليها النار ، بناءً على كون الوصف توضيحيّاً لا احترازيّاً ، كما هو الظاهر .
وهذا الأمر ـ أي تقسيم المعاصي إلى قسمين ، وإنّ منها كبيرة ومنها صغيرة ـ ممّا لا يظهر من كلمات قدماء أصحابنا الإمامية الذين صنّفوا في الفقه، كالمفيد والمرتضى وأبي الصلاح وغيرهم ، نعم ذكر ذلك الشيخ في كتاب المبسوط الذي عرفت غير مرّة أنّه مصنّف على غير ما هو المتداول بين الأصحاب في ذلك الزمان في مقام التصنيف في الفقه ، حيث قال ـ بعد تفسير العدالة في الشريعة بأنّها عبارة عن العدالة في الدين والعدالة في المروءة والعدالة في الأحكام ، وبعد تفسير كلّ

(1) راجع 3 : 228 .

(الصفحة246)

واحد من هذه الأمور الثلاثة ـ : وإن ارتكب شيئاً من الكبائر (وعدّ جملة منها) ، سقط شهادته فأمّا إن كان مجتنباً للكبائر مواقعاً للصغائر ، فإنّه يعتبر الأغلب من حاله ، فإن كان الأغلب من حاله مجانبته للمعاصي وكان يواقع ذلك نادراً قبلت شهادته ، وإن كان الأغلب مواقعته للمعاصي واجتنابه لذلك نادراً لم تقبل شهادته، قال: وإنّما اعتبرنا الأغلب في الصغائر، لأنّا لو قلنا إنّه لا تقبل شهادة من واقع اليسير من الصغائر أدّى ذلك إلى أن لا تقبل شهادة أحد  ، لأنّه لا أحد ينفكّ من مواقعة بعض المعاصي(1) ، انتهى .
ويشعر بهذا الاقتسام قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم . . .}(2) ، وقوله تعالى أيضاً: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللمم . . .}(3) ، حيث إنّهما مشعران باتّصاف بعض المنهيّات والآثام بوصف الكبر وبعض آخر بخلافه .
هذا ، ولكن جماعة من المتأخّرين أنكروا ذلك، وذهبوا إلى أنّ المعاصي كلّها كبيرة ، وقد أورد ابن إدريس على ما ذكره الشيخ في المبسوط حيث قال: وهذا القول لم يذهب إليه(رحمه الله) إلاّ في هذا الكتاب ، أعني المبسوط ، ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلاّ بالإضافة إلى غيرها ، وما خرّجه واستدلّ به من أنّه يؤدّي ذلك إلى أن لا تقبل شهادة أحد ، لأنّه لا أحد ينفكّ من مواقعة بعض المعاصي فغير واضح .
لأنّه قادر على التوبة من ذلك الصغيرة ، فإذا تاب قبلت شهادته ، وليست التوبة ممّا يتعذّر على إنسان دون إنسان ، ولا شكّ أنّ هذا القول تخريج لبعض

(1) المبسوط 8 : 217  .
(2) النساء: 31  .
(3) النجم: 32  .

(الصفحة247)

المخالفين ، فاختاره شيخنا هاهنا ونصره وأورده على جهته ولم يقل عليه شيئاً ، لأنّ هذا عادته في كثير ممّا يورده في هذا الكتاب(1) ، انتهى  .
هذا، ويمكن المناقشة في دلالة الصحيحة المتقدّمة(2) على ذلك ، لأنّه يمكن أن يكون المراد من الكبائر التي جعل الاجتناب عنها دخيلا في تحقق العدالة هو الكبائر عن المنهيّات التي هي أعمّ ممّا تعلّق به النهي التحريمي ، بحيث تكون الكبائر مساوقة لخصوص ما كان متعلقاً للنهي التحريمي .
ودعوى إنّ التقييد بذلك للإحتراز عن عدم كون ارتكاب المكروهات مضرّاً بالعدالة لا وجه له بعد عدم توهّم الخلاف أصلا .
مدفوعة بأنّك عرفت أنّه كان من جملة الأقوال في باب العدالة في عصر الإمام الصادق(عليه السلام) هو القول بأنّها عبارة عن الاجتناب عن المحرّمات والمكروهات جميعاً ، والالتزام بالطاعات الواجبة والمندوبة كذلك ، ومع وجود هذا القول لابدّ من التقييد بالكبائر لئلاّ يتوهّم الخلاف .
ومن هنا يظهر أنّ قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه . . .} لا دلالة له على كون المعاصي على قسمين ، بل غاية مفاده أنّ الاُمور التي تعلّق النهي بها على قسمين ، ولعلّه كانت الكبائر مساوقة للمنهيّ عنها بالنهي التحريمي ، وإطلاق السيّئة على المكروه لا مانع عنه أصلا .
فالآية تدلّ حينئذ على أنّ اجتناب المحرّمات يوجب ستر المكروهات أيضاً . هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ مثل هذا الاحتمال لا يقاوم الظهور في كون المحرّمات على قسمين، صغيرة وكبيرة كما لا يخفى .
نعم، تفسير الكبائر بما أوعد الله عليها النار مجمل جدّاً ، لأنّه لا يعلم أنّ المراد

(1) السرائر2 : 118  .
(2) راجع 3 : 228 .

(الصفحة248)

بها هو خصوص ما أوعد الله عليها النار في كتابه العزيز ، أو الأعمّ منه وممّا أوعد عليها النار بلسان نبيّه(صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين(1) .
وبالجملة: فهذه المسألة ـ أي أصل كون المعاصي على قسمين ـ في غاية الإشكال ، خصوصاً مع توصيف الإمام(عليه السلام) في بعض الروايات الواردة في هذا الباب «كل ذنب بأنّه عظيم»(2) ، وخصوصاً مع أنّ الشيخ في التبيان ـ على ما حكي  ـ صرّح بعدم كون المعصية على نوعين ، وأنّ اطلاق الصغر والكبر إضافيّ إلى ما فوق وإلى ما تحت ، لا في حدّ ذاته ، كما أنّه حكي عن كتاب عدّته أيضاً(3) ، وحكي عن المفيد والقاضي والتقي والطبرسي، بل يظهر من المحكيّ عن مجمع البيان والعدّة والسرائر أنّ ذلك إتّفاقيّ ، حيث نسب فيها إلى الجميع(4) .
وبالجملة: فظهور الآيتين والروايات الكثيرة الآتية في أنّ المعاصي على نوعين ، واشتهار ذلك بين المتأخّرين ، حتّى أنّه نسب إلى المشهور تارة، وإلى أكثر العلماء اُخرى، وإلى العلماء ثالثة ، وإلى المشهور المعروف رابعة(5) ، يدلّ على اختلاف المعاصي واتّصاف بعضها بالكبر في حدّ ذاته ، وبعضها بالصغر كذلك ، لكن إنكار جماعة كثيرة التي عرفت جملة منهم بضميمة الاختلاف الواقع في تعداد الكبائر في الروايات كما سيجيء ، ربما يؤيّد كون إطلاق الصغر والكبر إنّما هو بالإضافة إلى ما فوق وإلى ما تحت .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال إنّه لا مجال لإنكار الصغر والكبر بقول مطلق

(1) الوسائل 27 : 391 كتاب الشهادات ب41 ح1 ; وج15 : 318  . أبواب جهاد النفس ب46 ح1 .
(2) الكافي3: 450 ح31; التهذيب 2: 130 ح502; الوسائل 15: 322 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح5.
(3) تفسير التبيان 3 : 184 ; عدّة الاُصول 1 : 139  .
(4) أوائل المقالات : 83 ; المهذّب 2 : 556 ; الكافي في الفقه : 435 ; مجمع البيان 3 : 70; عدّة الاُصول 1: 139; السرائر 2 : 118  .
(5) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 318 ـ 320  .

(الصفحة249)

أصلا ، ضرورة أنّه مع دعوى الإضافة أيضاً لا محالة ينتهي الأمر إلى ذنب أو ذنوب ليس لها فوق ، وهذا الذي ليس له فوق كما أنّه كبيرة بالنسبة إلى ما تحته من الذنوب كذلك كبيرة في حدّ نفسها وبقول مطلق ، إذ لا يتصوّر فوق بالإضافة إليه كما هو المفروض ، حتّى يكون هذا الذنب صغيرة بالنسبة إليه ، وهكذا الأمر في جانب الصغيرة .
فإنّه مع دعوى الإضافة أيضاً لا محالة ينتهي الأمر إلى ذنب أو ذنوب لم يكن تحته ذنب ، وهذا الذي ليس تحته ذنب كما أنّه صغيرة بالإضافة إلى ما فوقه كذلك هي صغيرة بقول مطلق ، إذ المفروض أنّه ليس تحته ذنب أصلا ، فلا محيص حينئذ عن الالتزام بوجود الكبيرة والصغيرة بقول مطلق أيضاً .
وحينئذ فلا مانع من الأخذ بمقتضى الروايات الدالّة على وجود الكبائر وتعدادها ، غاية الأمر أنّ اختلافها كما سيجيء محمول على اختلاف المراتب ، كما أنّه في نوع واحد من الكبائر يتصوّر المراتب أيضاً ، فإنّ الظلم الذي هو من الكبائر له مراتب يختلف على حسب اختلافها من حيث شدّة المعصية وعدمها ، وكذلك غيره من الكبائر .
وهذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضاً ، فإنّ جعل مثل الفرار من الزحف من الكبائر كما في الروايات الدالّة على عدد الكبائر إنّما هو لأجل الآثار المترتّبة عليه غالباً من مغلوبية جمع كثير من المسلمين ، وصيرورتهم مقتولين بأيدي الكفّار ، وهذا لا ينبغي أن يقاس بقتل نفس واحدة ، بل ربما يترتّب عليه ضعف الإسلام وغلبة الكفر كما لايخفى .
كما أنّ جعل مثل الشرك بالله من الكبائر، بل من أكبرها، كما في بعض الروايات(1)، إنّما هو لأجل كونه ظلماً على الله الذي هو معطي الوجود، ومنعم

(1) الوسائل 15 : 318  . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح2  .

(الصفحة250)

للموجودات ، فجعل موجود آخر شريكاً له في العبادة أو غيرها ظلم لا محالة {إنّ الشرك لظلم عظيم}(1)  .
وبالجملة: فالظاهر أنّه لا مجال لإنكار اختلاف المعاصي واتّصاف بعضها بالصغر وبعضها بالكبر بقول مطلق .

كلام بحر العلوم في تعداد الكبائر وإشكال

صاحب الجواهر عليه

ثمّ إنّه يقع الكلام بعد ذلك في عدد الكبائر ، والمحكيّ عن العلاّمة الطباطبائي(رحمه الله)إنّه بعد اختياره ما عليه المشهور، من أنّ الكبائر هي المعاصي التي أوعد الله سبحانه عليها النار أو العذاب ، سواء كان الوعيد بالنار صريحاً أو ضمنيّاً ، حصر الموارد في الكتاب في أربع وثلاثين ، أربعة عشر منها ممّا صرّح فيها بالوعيد بالنار ، وأربعة عشر قد صرّح فيها بالعذاب دون النار ، والبقية ممّا يستفاد من الكتاب وعيد النار عليها ضمناً أو لزوماً .
أمّا ما صرّح فيه بالوعيد بالنار:
فالأوّل: الكفر بالله العظيم لقوله تعالى: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات اُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(2)وغير ذلك وهي كثيرة .
الثاني: الإضلال عن سبيل الله ، لقوله تعالى: {ثاني عِطفِه لِيضِلَّ عن سَبَيلِ الله

(1) لقمان : 13  .
(2) البقرة: 257 .

(الصفحة251)

لَه في الدّنيا خِزيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَة عَذابَ الحَريق}(1) ، وقوله تعالى: {إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذابُ الحريق}(2) .
الثالث: الكذب على الله تعالى والافتراء عليه ، لقوله تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوىً للمتكبّرين}(3). وقوله تعالى: {قل إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يُفلحون* متاع في الدنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذابَ الشّديدَ بما كانوا يكفرون}(4) ، وقد أورد عليه في الجواهر بأنّه ليس في الآية الثانية ذكر النار(5) .
الرابع: قتل النفس التي حرّم الله قتلها ، قال الله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً}(6). وقال عزّوجلّ: {ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً* ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً}(7) .
الخامس: الظلم ، قال الله عزّوجلّ: {إنّا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادِقُها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشرابُ وساءت مرتفقاً}(8) .


(1) الحج: 9  .
(2) البروج: 10  .
(3) الزمر: 60  .
(4) يونس: 69 ـ 70  .
(5) جواهر الكلام 13: 311  .
(6) النساء: 93  .
(7) النساء: 29 ـ 30  .
(8) الكهف: 29  .

(الصفحة252)

السادس: الركون إلى الظالمين ، قال الله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}(1) .
السابع: الكبر ، لقوله تعالى: {فادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين}(2) .
الثامن: ترك الصلاة ، لقوله تعالى: {ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلّين}(3) .
التاسع: المنع من الزكاة ، لقوله سبحانه: {والذين يكنزون الذهب والفضَّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم* يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتُم لأنفُسِكم فذُوقُوا ما كنتم تكنزون}(4) .
العاشر: التخلّف عن الجهاد ، لقوله سبحانه: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلافَ رسُول الله وَكَرِهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحرِّ ، قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون}(5) .
الحادي عشر: أكل الربا ، لقوله عزّوجلّ: {الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرّم الربوا فمن جاءَه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فاُولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}(6) .


(1) هود: 113  .
(2) النحل: 29  .
(3) المدّثر: 42 ـ 43  .
(4) التوبة: 34 ـ 35  .
(5) التوبة: 81  .
(6) البقرة: 275  .

(الصفحة253)

الثاني عشر: الفرار من الزحف ، لقوله عزّوجلّ: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير}(1) .
الثالث عشر: أكل مال اليتيم ظلماً ، لقوله تعالى: {إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}(2) .
الرابع عشر: الإسراف ، لقوله عزّوجلّ: {وأنّ المسرفين هم أصحاب النار}(3) .
وأمّا ما وقع فيه التصريح بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة أيضاً:
الأول: كتمان ما أنزل الله ، لقوله عزّوجلّ: {إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا أُولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يُزكِّيهم ولهم عذاب أليم}(4) .
الثاني: الإعراض عن ذكر الله ، لقوله عزّوجلّ: {وقد آتيناك من لدنّا ذكراً* من أعرض عنه فإنّه يحمل يوم القيامة وزراً* خالدين فيها وساء لهم يوم القيامة حملا}(5) .
الثالث: الإلحاد في بيت الله عزّوجلّ ، لقوله عزّوجلّ: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}(6) .
الرابع: المنع من مساجد الله ، لقوله تعالى شأنه: {ومن أظلم ممّن منع مساجد

(1) الانفال: 16  .
(2) النساء: 10  .
(3) غافر ، المؤمن: 43  .
(4) البقرة: 174  .
(5) طه: 99 ـ 101  .
(6) الحج: 25  .

(الصفحة254)

الله أن يُذْكَر فيها اسمه وسَعى في خَرابها اُولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}(1) .
الخامس: إيذاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لقوله تعالى: {إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً}(2) .
السادس: الاستهزاء بالمؤمنين ، لقوله عزّوجلّ: {الذين يلمزون المطَّوِّعين مِنَ المُؤْمنينَ في الصدقات والذين لا يجدون إلاّ جهدهم فيسخَرُون منهم سَخِرَ اللهُ منهم ولهم عذاب أليم}(3) .
السابع والثامن: نقض العهد واليمين ، لقوله تعالى: {إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلا أُولئك لا خلاق لهم في الآخِرَةِ . . . ولهم عذاب أليم}(4) .
التاسع: قطع الرحم ، قال الله تعالى: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أُولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}(5) وقال عزّوجلّ: {فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسِدُوا في الأرض وتُقَطِّعُوا أرحامكم* أُولئك الّذين لعنهم الله فأصمَّهم وأعمى أبصارَهم}(6) .
وأُورد عليه في الجواهر : بأنّ «أولئك» في الآية الاُولى لم يعلم كونه إشارة إلى كلّ واحد من النقض والقطع والإفساد ، والآية الثانية مع ذلك لم تشتمل على وعيد بالعذاب ، إلاّ أن يقال: إنّه يفهم من اللعن وما بعده(7) .


(1) البقرة: 114  .
(2) الاحزاب: 57  .
(3) التوبة: 79  .
(4) آل عمران: 77  .
(5) الرعد: 25  .
(6) محمد ص : 22 ـ 23  .
(7) جواهر الكلام 13: 314  .

(الصفحة255)

العاشر: المحاربة وقطع السبيل ، قال الله تعالى: {إنّما جزاؤاْ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أيدِيَهُمْ وأرجلهم من خلاف أو يُنفَوا مِنَ الأرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم}(1) .
وأورد عليه في الجواهر  ، بأنّه قد يرجع ذلك إلى الكفر والوعيد على الأمرين معاً(2) .
الحادي عشر: الغناء ، لقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلَّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً أُولئك لهم عذابٌ مُهين}(3) .
الثاني عشر: الزنا ، قال الله تعالى: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يَلقَ اثاماً* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويَخلُد فيه مُهاناً}(4) .
الثالث عشر: إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، قال الله تعالى: {إنّ الذين يحبّون أن تَشيعَ الفاحشةَ في الذينَ آمنوا لهم عذابٌ أليم}(5) .
الرابع عشر: قذف المحصنات ، قال الله تعالى: {إنّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعِنُوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}(6) .
وأمّا المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز، وعيد النار عليها ضمناً ولزوماً فهي ستّة:


(1) المائدة: 33  .
(2) جواهر الكلام13: 314  .
(3) لقمان: 6  .
(4) الفرقان: 68 ـ 69  .
(5) النور: 19  .
(6) النور: 23  .

(الصفحة256)

الأول: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، قال الله عزّوجلّ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافِرُونَ}(1) .
الثاني: اليأس من روح الله عزّوجلّ ، قال الله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافِرُونَ}(2) .
الثالث: ترك الحج ، قال الله تعالى: {ولله على الناسِ حِجُّ البَيتِ مَنْ استَطَاعَ إليهِ سَبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين}(3) .
الرابع: عقوق الوالدين ، قال الله تعالى: {وبَرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً}(4) وقوله تعالى: {وخاب كلّ جبّار عنيد* من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد}(5) وقوله تعالى: {فأمّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق}(6) .
الخامس: الفتنة ، لقوله تعالى: {والفتنة أشدّ من القتل}(7) .
السادس: السحر ، قال الله تعالى: {واتَّبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمانَ وما كَفَر سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كَفَرُوا يعلِّمون النّاس السِّحرَ وما أُنزِلَ على الملكين بِبابِلَ هارُوت وماروتَ وما يُعلِّمانِ مِن أحد حتّى يَقُولا إنّما نَحنُ فِتنَة فلا تكُفر فيتعلَّمون منهُما ما يفرِّقون به بين المرءِ وزوجه وما هم بضارِّين به مِن أحد إلاّ بإذن الله ويَتَعلَّمون ما يضُرُّهم ولا ينفعُهُم ولقد علِمُوا لمن اشتراه

(1) المائدة: 44  .
(2) يوسف: 87  .
(3) آل عمران: 97  .
(4) مريم: 32  .
(5) ابراهيم: 15 ـ 16  .
(6) هود: 106  .
(7) البقرة: 191  .

(الصفحة257)

مالَه في الآخرة من خلاق وَلَبِئس ما شَرَوا بِهِ أنفُسَهُم لو كَانُوا يَعلَمُون}(1) انتهى محكيّ ما أفاده العلاّمة الطباطبائي في هذا الباب(2) .
وأورد عليه صاحب الجواهر ستّة إيرادات:
أحدها: إنّه يلزم على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد أن يكون ما عداها صغائر ، وأنّه لا يقدح في العدالة فعلها بل لابدّ من الإصرار ، وبدونه تقع مكفرة لاتحتاج إلى توبة ، فمثل اللواط وشرب الخمر وترك صوم يوم من شهر رمضان وشهادة الزور ونحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في عدالة ولا تحتاج إلى توبة وهو واضح الفساد .
وكيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البيّنة على أنه لاط في زمان قبل زمان أداء الشهادة بيسير ؟! كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع ، وإن شئت فانظر إلى كتب الرجال وما يقدحون به في عدالة الرجل ، وفي رواية ابن أبي يعفور السابقة: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واللسان»(3) ونحو ذلك ، بل في ذلك إغراء الناس في كثير من المعاصي فإنّه قلّ من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العذاب بعد معرفة أن لا عقاب عليه .
ثانيها: إنّه قد ورد في السنّة في تعداد الكبائر ما ليس مذكوراً فيما حصره مع النص عليه فيها بأنّه كبيرة ، وقوله(عليه السلام) : ـ في جواب السؤال عن الكبائر ـ «كلّ ما أوعد الله عليه النار»(4) ، لاينافيه ولو لكونه(عليه السلام) يعلم كيف توعّد الله عليها بالنار.
قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد الله عليها النار ،

(1) البقرة: 102  .
(2) جواهر الكلام 13: 310 ـ 316; مفتاح الكرامة 3 : 92 ـ 94  .
(3) راجع 3 : 228 .
(4) الفقيه 3: 373 ح 1758 ; الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح24 .

(الصفحة258)

فانظر إلى ما في حسنة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكبائر؟ فقال: هنّ في كتاب عليّ(عليه السلام) سبع ـ إلى أن قال: ـ فقلت: هذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم ، قلت: فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلماً أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة ، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر ، قال: أيّ شيء أوّل ما قلت لك؟ قلت: الكفر ، قال: فإنّ تارك الصلاة كافر ـ يعني من غير علّة ـ(1) . من انّه كيف أدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره(عليه السلام) لقوله تعالى: {ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلّين}(2) .
ثالثها: قال الله تعالى: {حرّمت عليكم الميتة والدَّم ولحم الخنزير وما اُهلّ لغير الله بِهِ . . . وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق}(3) فإنّه إن اُريد بالإشارة كلّ واحد فقد حكم بالفسق ، واحتمال إرادة الاضرار بعيد ، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق ، بل مجرّد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر .
رابعها: إنّه قد ورد في السنّة التوعّد بالنار ـ وأيّ توعّد ـ على كثير من المعاصي وبناءً على ما ذكر لابدّ وأن يراد بها إمّا الإصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر وكلّه مخالف للظاهر من غير دليل يدلّ عليه .
خامسها: إنّ فيما رواه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر، معلّلا ذلك بأنّ الله تعالى نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمّداً ، أو شيئاً ممّا فرض الله ، لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله»(4) ، فانظر كيف استدلّ على كونه كبيرة بما ورد

(1) الكافي 2: 212 ح8 ; الوسائل 15: 321 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح4 .
(2) المدّثر; 42 ـ 43  .
(3) المائدة: 3  .
(4) الكافي 2: 217 ح24; الوسائل 15: 318 . أبواب جهاد النفس ومايناسبه ب46 ح2 .

(الصفحة259)

من السنّة .
سادسها: نقل الإجماع على أنّ الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر(1) ، وقد أورد عليه بهذا الأخير تلميذه صاحب مفتاح الكرامة ، حيث قال: وليت شعري ماذا يقول في الإصرار على الصغائر ، فإنّه كبيرة إجماعاً ، وليس في القرآن المجيد وعيد عليه بالنار ، ولعلّي أسأله عنه شفاهاً(2)  .
ويرد عليه أيضاً مضافاً إلى ما ذكر أنّ الظاهر كون المقسم للكبيرة والصغيرة هي المعاصي الوجودية التي تتحقّق بالوجودات الصادرة من المكلّف  ، وعليه فيسقط من جملة ما عدّه من الكبائر مثل ترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، والتخلّف عن الجهاد وكتمان ما أنزل الله ونقض العهد واليمين ، وقطع الرحم ، وعدم الحكم بما أنزل الله وترك الحج ، لأنّها كلّها معاصي عدميّة .
أمّا مثل ترك الصلاة ومنع الزكاة فواضح ، وأمّا كتمان ما أنزل الله ، فالآية الواردة فيه ظاهرة في أنّ الواجب هو التبيين والكتمان تركه ، وهكذا نقض العهد واليمين ، وكذا قطع الرحم والحكم بغير ما أنزل الله ، كما يظهر من آيتيهما ، وأيضاً الظاهر أنّ المراد بالمعاصي الكبيرة هي المعاصي التي يمكن أن تقع من المسلم غير الكافر .
وعليه فيسقط من جملة ما ذكره مثل الكفر بالله العظيم والإضلال عن سبيل الله ، ولذا لم يعدّ في جملة الكبائر في بعض الروايات الدالّة على أنّ الكبائر خمس(3) ، حيث إنّه بعد ذلك عدّها ستّاً ، وهذا دليل على أنه لا يكون مثل الشرك بالله معدوداً من الكبائر .


(1) جواهر الكلام 13 : 316 ـ 318  .
(2) مفتاح الكرامة 3: 94 .
(3) الخصال: 273 ح16; علل الشرائع: 475 ح2; الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح27 .

(الصفحة260)

وأيضاً تدخل جملة ممّا عدّه من الكبائر في الظلم الذي عدّه منها ، فتلك الجملة من أقسام الظلم لا أنـّها قسيمة له ، وذلك مثل قتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، والمنع من مساجد الله ، والاستهزاء بالمؤمنين ، وإيذاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقذف المحصنات ، والمحاربة ، وقطع السبيل . وعليه فلا يبقى إلاّ مقدار قليل لا يتجاوز عن الإثنى عشر كما لايخفى .

الروايات الواردة في الصغيرة والكبيرة

إنّ الروايات الواردة في هذا الباب كثيرة ، وقد أوردها في الوسائل في الباب السادس والأربعين من أبواب جهاد النفس(1) ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ، لأنّ جملة منها واردة في تفسير الكبائر وبيان الضابط لها ، وجملة منها دالّة على عددها وأنّها خمس أو سبع أو تسع أو أزيد على اختلاف بين هذه الطائفة أيضاً ، وجملة منها واردة في عدّ بعض المعاصي من الكبائر من غير تعرّض لتفسيرها ولا كونها في مقام تعدادها ، وبعض منها غير مرتبط بعنوان الباب الذي عقده ، وهو تعيين الكبائر التي يجب اجتنابها مثل رواية الأصبغ(2) .
والعمدة من الروايات الدالّة على عدد الكبائر وأنّها أزيد من التسع ثلاث روايات:
1 ـ رواية عبدالعظيم الحسني(3) .


(1) الوسائل 15: 318 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه .
(2) الوسائل 15 : 321  . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح3  .
(3) الوسائل 15: 318 .أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح2  .

<<التالي الفهرس السابق>>