في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)



سبيلا ما يعنى بذلك قال: من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحج او قال: ممّن كان له مال فقال له حفص الكناسى فاذا كان صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممّن يستطيع الحج؟ قال: نعم.(1)
و منها صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في قوله عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة.(2)
و منها رواية السكونى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئله رجل من اهل القدر فقال يابن رسول اللّه اخبرنى عن قول اللّه عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا أليس قد جعل لهم الاستطاعة؟فقال: ويحك انما يعنى بالاستطاعة الزادوا الراحلة ليس استطاعة البدن الحديث.(3) و الظاهر ان المراد باستطاعة البدن هى صحة الجسم و المراد من نفيه نفى كونه معتبرا فقط كما لا يخفى.
و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه الى المأمون قال: و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة.(4)
و منها غير ذلك من الروايات الظاهرة باطلاقها في اعتبار الراحلة و انها من المراد بالاستطاعة المذكورة في الآية.
و في مقابلها روايات يمكن الاستدلال بها على ان اعتبار الراحلة مقيد بصورة

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 4
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 7
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 5
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 6

(الصفحة82)



الحاجة اليها و هى ايضا كثيرة:
منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لابى جعفر (عليه السلام) فان عرض عليه الحج فاستحيى؟قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار اجدع ابتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل.(1)
و الاستدلال بها مبنى على ان يكون المراد من قوله و لم يستحيى الخ هو الاعتراض على استحيائه نظرا الى انه لو كانت الراحلة المعروضة عليه هو حمارا اجدع ابتر لكان اللازم عليه القبول لتحقق الاستطاعة التى هى شرط في وجوب الحج بذلك بل يستفاد من الذيل انه لو كان قادرا على ان يمشى بعضا و يركب بعضا لكان يكفى في تحققها و ثبوت الوجوب عليه و بما ان القدرة على مشى البعض لا خصوصية لها فيستفاد منها ان القدرة على مشى كل الطريق كافيه في ثبوت الوجوب لتحقق الاستطاعة و يظهر من صاحب الوسائل حمل الرواية على هذا المعنى حيث جعل عنوان الباب: وجوب الحج على من بذل له زادو راحلة و لو حمارا و وجوب قبوله....
و لكن الظاهر ان المراد من قوله: و لم يستحيى بعد الحكم بانه ممن يستطيع الحج انه لو عرض عليه الحج فاستحيى و لم يحج فهو ممن ترك الحج بعد الاستطاعة و الحكم فيه انه يستقر عليه الحج و لازمه الاتيان بالحج و لو على حمار اجدع ابتر و عليه فالذيل ايضا راجع الى هذه الصورة و من المعلوم انه في هذا الفرض إذا كان قادرا على المشى يجب عليه ان يحج و لو ماشيا كما سيأتى انشاء للّه تعالى في بحث الاستقرار.
نعم لو قلنا بعدم ظهور الرواية في هذا المعنى فلا اقل من عدم ظهورها في المعنى الاول الذى عليه يبتنى الاستدلال فلا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الروايات المتقدمة.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 1

(الصفحة83)



و مثلها صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيى و لو يحج على حمار اجدع ابتر فان كان يستطيع (يطيق) ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج(1)و لعل هذه الرواية اظهر من الرواية السابقة في المعنى الذى ذكرنا و لكن يبعده بل يدل على خلافه و ان المراد هو المعنى الاول صحيحة ابى بصير قال سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع للحج(2)و عليه فيتعين المعنى الاول لا محالة و دعوى كون الالتزام بمدلول هاتين الصحيحتين حرجيا قطعا و هو منفى في الشريعة و لا يلتزم به احد مدفوعة بعدم كونه حرجيا دائما بل مدلولهما كسائر الاحكام الثابتة قد يتحقق فيه الحرج و قد لا يتحقق كما هو ظاهر.
و منها رواية ابى بصير قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه ـ عز و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال يخرج و يمشى ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشى قال يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك اعنى المشى قال يخدم القوم و يخرج معهم(3)
و الرواية ـ مضافا الى ضعف سندها بعلى بن ابى حمزة البطائنى الراوى عن ابى بصير ـ لا يكون مدلولها مفتى به لاحد من الاصحاب لان القائل بعدم اعتبار الراحلة فى الاستطاعة للبعيد إذا كان قادرا على المشى انما يقول بذلك في خصوص صورة القدرة على المشى و عدم كونه مشقة عليه و اما لزوم الخدمة و الخروج مع القوم في صورة عدم القدرة على المشى فلم يقل به احد ظاهرا.

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 5
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 7
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادى عشر ح ـ 2

(الصفحة84)



و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه ان يحج؟قال: نعم ان حجة الاسلام واجبة على من اطاق المشى من المسلمين و لقد كان (اكثر) من حج مع النبى (صلى الله عليه وآله) مشاة و لقد مر رسول اللّه ـ (صلى الله عليه وآله) بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا ازركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم(1) و كراع الغميم و ادبين مكة و المدينة.
و ربما يقال ان المراد من «اطاق» المذكور في الرواية الذى هو من باب الافعال اعمال اخر مرتبة القدرة و بذل نهاية الطاقة التى ليس فوقها قدرة اصلا كما هو المراد في قوله تعالى: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اى على الذين يتحملون الصوم بجهد و حرج شديد كالشيخ و الشيخة و من الواضح انه لا يجب الحج في هذا المورد قطعا و لم يلتزم به احد كما ان الظاهر ان المراد بالطاقة في الرواية هو القدرة على المشى في داره و بلده في مقابل المريض و المسجى الذى لا يقدر على المشى اصلا حتى في داره و بلده و ليس المراد به المشى الى الحج و عليه فالصحيحة في مقام بيان وجوب الحج على كل من كان قادرا على المشى و كان متمكنا منه في بلده في مقابل المريض الذى لا يتمكن من المشى فالرواية اجنبية عمن يطيق المشى و يتمكن منه بجهد و مشقة و اما الذين حجوا مع النبى (صلى الله عليه وآله) فيحتمل ان يكون حجهم حجا استحبابيا لا حجة الاسلام و ذكر الامام (عليه السلام) هذه القضية ليس للاستشهاد و انما كان نقلها لمناسبة ما.
اقول الظاهر ان كلمة «اطاق» يكون المراد بها مجرد الطاقة و القدرة فانا نرى في كلمات الفقهاء سيما من كان منهم من اهل اللسان كصاحب الجواهر و قبله العلامة و الشيخ و غيرهما الاستعمال في ذلك بل صاحب الجواهر ذكر عقيبه قوله: «من دون مشقة» و ذكر فى المدارك انه اعترف الاصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحاديعشر ح ـ 1

(الصفحة85)



له إذا اطاق المشى و من الواضح ان مرادهم مجرد القدرة لا نهايتها و آخر مرتبتها و عليه فالرواية ظاهرة في وجوب حجة الاسلام إذا كان قادرا على المشى كما ان الظاهر ان المراد هو المشى الى الحج لا المشى في بلده و داره فانه لا خصوصية له في الوجوب بل الملاك هو سلامة البدن كما سيأتى و منه يظهر ان نقل من حج مع النبى (صلى الله عليه وآله) كان بعنوان الاستشهاد لا لمجرد المناسبة و عليه فالرواية تدل على خلاف المشهور و لا مجال للمناقشة فيها سندا و دلالة اصلا و قد انقدح مما ذكرنا صلاحية جلّ هذه الطائفة للنهوض فى مقابل ادلة المشهور و عليه فلا بد من العلاج فنقول يظهر منهم الجمع بين الطائفتين بوجوه:
الاول: ما افاده بعض الاعلام من اظهرية الروايات الدالة على اعتبار الراحلة التى هى مستند المشهور و الروايات المقابلة على تقدير تسليم دلالتها غايتها الظهور في عدم الاعتبار فيرفع اليد عن ظهورها بسبب اظهرية تلك الروايات.
و يرد عليه انه على تقدير تسليم دلالة هذه الطائفة لا مجال لدعوى اظهرية تلك الطائفة بعد كون النسبة بينهما هى نسبة المطلق و المقيد ضرورة ان مفاد تلك الطائفة اعتبار الراحلة مطلقا و مفاد هذه الطائفة عدم اعتبارها في خصوص صورة القدرة على المشى و لا وجه لتوهم كون المطلق اظهر دلالة بالاضافة الى مورد القيد عن المقيد كما هو ظاهر.
الثانى: ما حكى عن الشيخ (قدس سره) من حمل هذه الطائفة على الاستحباب و تلك الطائفة على الحج الواجب الذى هو حجة الاسلام.
و يرد عليه عدم امكان حمل هذه الطائفة على الاستحباب اما الرواية الاخيرة فمضافا الى التعبير بكلمة «على» فيها قد وقع التصريح فيها بحجة الاسلام فكيف يمكن حملها على الاستحباب و اما الروايتان الاولتان الواردتان في الاستطاعة البذلية فبلحاظ كونهما ناظرتين الى الاية الشريفة و مفسرتين لها لا تصلحان لهذا الحمل

(الصفحة86)



الاّ ان يقال بعدم دلالة الآية ايضا على خصوص وجوب الحج بل لها دلالة على الحج الاستحبابى ايضا و هو كما ترى خصوصا مع التعبير بالكفر فيها هذا مضافا الى انه لو وصلت النوبة الى هذا الحمل لا دليل على حمل روايات المشهور على الوجوب و الطائفة الاخرى على الاستحباب فمن الممكن ان يقال بعكس ذلك كما لا يخفى.
الثالث: حمل هذه الطائفة على من استقر عليه الحج و ان كان خلاف ظاهرها على ما عرفت و حمل روايات المشهور على حجة الاسلام.
و فيه انه لا بد في الجمع ان يكون مقبولا عند العرف و العقلاء بحيث لا يرون لاجله التعارض و المباينة بين الطرفين و من الواضح ان هذا الجمع لا يكون كذلك.
الرابع: حمل روايات المشهور على التقية من جهة ذهاب كثير من العامة الى اشتراط الراحلة مطلقا.
و فيه ـ مضافا الى ان فتوى المشهور عندنا ايضا ذلك و في مثله لا مجال للحمل على التقية ـ ان الحمل عليها انما هو في صورة عدم امكان الجمع بوجه و ثبوت المعارضة التامة و وصول النوبة الى هذا المرجح و قد عرفت في الجواب عن الوجه الاول امكان الجمع بنحو التقييد للاطلاق.
الخامس: ما افاده السيد في العروة و اختاره بعض الاعاظم في شرحها من ان مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الاولى على صورة الحاجة الى الراحلة لعدم القدرة على المشى خصوصا مع ملاحظة انها منزلة على الغالب بل منصرفة عن صورة القدرة على المشى و لاجله ذكر السيد فيها انه لو لا الاجماعات المنقولة و الشهرة المحققة لكان هذا القول ـ اى القول الثانى ـ في غاية القوة.هذا و لكن تحقق الشهرة على الخلاف و توقف الاستطاعة على الراحلة مطلقا مع ان الجمع بين المطلق و المقيد كان امرا متداولا بين الفقهاء و تبعا للعقلاء في مقام التقنين و جعل القانون خصوصا فيما إذا كان التقييد مستلزما لخروج افراد قليلة كما في المقام حيث ان القدرة على المشى

(الصفحة87)



الى الحج قلما تتحقق في الاشخاص يكشف عن اعراض المشهور عن هذه الطائفة مع كونها بمرئى و مسمع منهم و قد تحقق في محله ان اعراض المشهور عن الرواية و لو كانت في كمال الصحة و الوثاقة يوجب الوهن فيها و الخروج عن الاعتبار و الحجية فالمقام ليس من قبيل الترجيح بالشهرة الفتوائية الذى هو اول المرجحات لعدم كون التعارض متحققا هنا بل من قبيل ما ذكرنا من كون الاعراض موجبا للخروج عن الحجية.
و على ما ذكرنا فلا محيص عن الاخذ بما هو المشهور و يؤيده انه لو كان القادر على المشى مستطيعا تجب عليه حجة الاسلام لكان اللازم بلوغه الى مرتبة الظهور و الوضوح و عدم بقائه تحت سترة الخفاء و لكن مع ذلك لا ينبغى ترك الاحتياط
الجهة الثالثة في اعتبار الراحلة في الاستطاعة بالاضافة الى القريب من المكى و من يقارب مكة مقتضى اطلاق الاكثر منهم الشيخ في غير المسبوط و المحقق في النافع و العلامة في الارشاد و التبصرة و التلخيص الاعتبار و قال في محكى كشف اللثام يقوى عندى اعتبارها ايضا للمكى للمضى الى عرفات و ادنى الحل و العود و المحكى عن مبسوط الشيخ و العلامة في القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير و بعض آخر انه لا يشترط الراحلة للمكى و قال المحقق في الشرايع بعد اعتبار الزاد و الراحلة: و هما معتبران فيمن يفتقر الى قطع المسافة و ذكر في المسالك في شرحه: احترز بالمفتقر الى قطع المسافة عن اهل مكة و ما قاربها ممن يمكنه السعى من غير راحلة بحيث لا يشق عليه عادة.و في الجواهر عقيب عبارة الشرايع: بل لا أجد فيه خلافا بل في المدارك نسبته الى الاصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه.
و كيف كان فالدليل على اعتبار الراحلة مطلقا اطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة في الجهة الثانية فان تفسير الاستطاعة في الاية بهما يدل على اعتبارهما كذلك مضافا الى ما عرفت في كلام كشف اللثام من حاجة المكى ايضا اليها للمضى الى عرفات مثلا

(الصفحة88)



و لكن ربما يجاب عن المطلقات بانصرافها الى صورة المسافة التى يتهيأ الزاد و الراحلة لها بحسب العادة فلا يشمل غيرها، و عن.دليل كاشف اللثام بان اعتبارهما للمضى الى عرفات لا دليل عليه لاختصاص الاية الشريفة بالسفر الى البيت الشريف فالاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك و لا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات بل اللازم الرجوع فيه الى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة و عدمه مع عدمها.
و قد اورد على هذا الجواب بانه لا ريب في ان البيت الشريف مقصود في جميع اقسام للحج و لا يختص بحج التمتع غاية الامر انه قد يقصد متقدما كما في الحج المزبور و قد يقصد متأخرا كحج القران و الافراد و قد يقصد البيت خاصة كالعمرة المفردة.
اقول كون البيت مقصودا في جميع اقسام الحج امر و الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج المدلول عليها بالاية الظاهرة بملاحظة رجوع الضمير فيها الى البيت امر آخر لا ارتباط بينهما.
و الظاهر ان مفاد الاية هو استطاعة السبيل الى البيت و لذا لو كان للمتمتع راحلة الى البيت فقط و لم يكن له راحلة للمضى الى عرفات و العود هل يمكن الخدشة في استطاعته و وجوب الحج عليه فاذا لم يكن المضى الى عرفات ملحوظا في استطاعة النائى لعدم كون سفره الى البيت فكيف يكون ملحوظا في المكى نعم يمكن ان يقال بان هذا انما يتم في خصوص المكى و اما من قارب مكة فسفره الى البيت و ان كان في غاية القرب اليه و عليه فينحصر الجواب بمنع شمول الاطلاقات لمثله.
و مما ذكرنا يظهر ان المراد من القريب الخارج عن مكة هو المقدار الذى لا يعد له الراحلة عادة و يكون المشى الى البيت مقدورا نوعا و لا يكون فيه حد خاص من القصر عن مسافة القصر و غيره.
بقى الكلام في شىء و هو انه لو شك في اعتبار الراحلة للمكى و نحوه فهل

(الصفحة89)



المرجع فيه و في مثله مما يحتمل اعتباره في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية اصالة البرائة عن وجوب حجة الاسلام او انه لا بد من الرجوع الى الاية الواردة في الحج و الحكم بوجوب الحج عليه وجهان بل قولان.
حكى القول الاول صاحب الجواهر (قدس سره) عن بعض مشايخه نظرا الى ان الاستطاعة التى يتوقف عليها وجوب الحج هى الاستطاعة الشرعية و هى امر محل غير مبين بحدوده فكل ما يحتمل اعتباره فيها يرجع الشك فيه الى الشك في ثبوت المشروط و هو وجوب الحج و المرجع في الشك في التكليف هى اصالة البرائة عنه.
و لكن التحقيق يقتضى القول الثانى ضرورة انه ليس للاستطاعة حقيقة شرعية و لم يحك عن القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات القول بثبوتها في الاستطاعة بل الظاهر ان المراد بها هى الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في ادلة الاحكام غاية الامر ان الشارع اعتبر فيها زائدا على مقتضاها بحسب العرف مثل الحكم باعتبار الراحلة بالاضافة الى البعيد و ان كان قادرا على المشى من غير مشقة بل كان المشى اسهل له من الركوب فان اعتباره يكون زائدا على المعنى العرفى و لازم ذلك الاقتصار على ما دل عليه الدليل و مع عدم الدليل يرجع الى الآية التى علق فيها وجوب الحج على الاستطاعة العرفية فكما ان قوله تعالى: احل اللّه البيع ظاهر في ان البيع الذى امضاه اللّه و حكم بصحته و نفوذه هو البيع المتعارف بين العقلاء غاية الامر ان الشارع اعتبر بعض الامور فيه مثل عدم كونه غرريا فمع الشك في اعتبار شىء في الصحة كاعتبار اللفظ ـ مثلا ـ يرجع الى الاطلاق و يحكم بالصحة كذلك الاية الواردة في الحج فمع الشك في اعتبار شىء في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية يرجع فيه الى الآية و يحكم بالوجوب.
و لا ينافى ما ذكرنا ورود بعض الروايات في تفسير الاية الشريفة و ان المراد

(الصفحة90)

مسئلة 10 ـ لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا بل يكفى وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال نقدا كان او عروضا1.


بالاستطاعة فيها هى الزاد و الراحلة ـ مثلا ـ فان مثل هذا التفسير يرجع الى تبيين المراد الجدى و هو لا ينافى كون المراد الاستعمالى ما ذكرنا فالجمع بين ذلك و بين ظهور الآية في الاستطاعة هو الجمع بين الخاص و العام كما قد حقق في محله من الاصول فراجع.
و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) من انه في مورد الشك لا يمكن التمسك باطلاق ادلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية لكن الاخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شىء زائد في الاستطاعة يكون المرجع اطلاق نفس الاخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة الى الاصل العملى المتأخر عن الاصل اللفظى.
وجه النظر ما عرفت من ان الاخبار المفسرة لا دلالة لها على ان الاستطاعة في الآية قد استعملت في الاستطاعة الشرعية بل مرجع التفسير الى ما ذكر من بيان المراد الجدى و تضيق دائرة المراد الجدى لا يستلزم ضيقا في ناحية الاستعمال و المرجع هو اللفظ بلحاظ الاستعمال و عليه فلو لم تكن الاخبار المفسرة ذات اطلاق ايضا لكان المرجع هى الاية الشريفة كما عرفت.
1 ـ مقتضى الجمود على ظاهر اعتبار الزاد و الراحلة في وجوب الحج و ان كان هو وجود عينهما خصوصا بعد ورود بعض النصوص الواردة في هذا المجال في مقام تفسير الاية الاّ ان الظاهر عدم اعتبار وجودهما عينا بحيث لم يجب تحصيلهما لانه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و ذلك مضافا الى عدم فهم العرف من ذلك الاّ التمكن و القدرة عليهما سواء كانت بدون الواسطة او معها للروايات الظاهرة فى اعتبار المال او وجود ما يحج به مثل: صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال: قال اللّه تعالى و للّه

(الصفحة91)



على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة الى اخر الحديث.(1) و صحيحته الاخرى قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّه تعالى و نحشره يوم القيامة اعمى الى آخر الحديث.(2) و صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام الحديث(3) و صحيحة ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال قلت له ارأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الاّ التجارة او الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج الى آخر الحديث.(4) و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك و لا مجال لتوهم كون مقتضى الجمع بينها و بين ما ظاهره اعتبار خصوص الزاد و الراحلة حمل المال عليهما بل الظاهر بنظر العرف حمل الطائفة الثانية على انه لا خصوصية لعين الزاد و الراحلة بل المناط التمكن منهما عينا او بواسطة مال آخر نقدا كان او عروضا كما لا يخفى.
ثم انه تعرض السيد في العروة في ذيل هذه المسئلة لحكم حمل الزاد الشامل للطعام و الماء و علف الدابة و غيرها من الحوائج فقال: و لا يشترط امكان حمل الزاد معه بل يكفى امكان تحصيله في المنازل بمقدار الحاجة و مع عدمه فيها يجب حمله مع الامكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره و مع عدمه يسقط الوجوب.و لعل علة ترك التعرض فى المتن ان العمدة في هذا البحث انما هو الماء و العلف للدابة

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 3
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4

(الصفحة92)



و من المعلوم انها غير مبتلى بها في هذه الازمنة مع انه يمكن فرض مثله في هذا الزمان بالاضافة الى المادة المحركة للسيارة فانه لو علم بعدم وجودها في الطريق هل يجب عليه حملها مع الامكان و عدم المشقة ام لا و كيف كان ففى محكى التذكرة: و ان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله و اما الماء و علف البهائم فان كان يوجد في المنازل التى ينزلها على حسب العادة فلا كلام و ان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده و لا من اقرب البلدان الى مكة كاطراف الشام و نحوها لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به و لا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق و الطعام بخلاف ذلك.
و قال في محكى المنتهى: و اما الماء و علف البهائم فان كانت توجد في المنازل التى ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها و الاّ وجب مع المكنة و مع عدمها يسقط الفرض.
و الظاهر ان كلامه في التذكرة ناظر الى انه لا يكون هناك قدرة نوعا كما يدل عليه التعبير بقوله: و لا يتمكن فلا ينافى ما في المنتهى من التفصيل بين صورة المكنة و عدمها.
و كيف كان فمبنى القول بعدم وجوب الحمل انه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب فلا يجب عليه الحج في هذا الحال.
و مبنى القول الثانى صدق الاستطاعة بامكان الحمل و عدم استلزامه للحرج و العسر فان من يقدر على حمل ذلك من غير مشقة لا يكون خارجا عن الاستطاعة بوجه بمجرد عدم وجدانه في الطريق و هذا القول هو الاقوى كما هو ظاهر.

(الصفحة93)

مسئلة 11 ـ المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج اليه في السفر بحسب حاله قوة و ضعفا و شرفا و ضعة و لا يكفى ما هو دون ذلك و كل ذلك موكول الى العرف، و لو تكلف بالحج مع عدم ذلك لا يكفى عن حجة الاسلام، كما انه لو كان كسوبا قادرا على تحصيلهما في الطريق لا يجب و لا يكفى عنها1.


1 ـ فى هذه المسئلة امران:
احدهما المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج اليه في السفر من جهة الطعام و المأكول و المشروب و ما يتعلق به حتى الاوعية و الوسيلة التى بها يتحقق طى الطريق سواء كانت دابة كما هو المتداول في تلك الازمنة او سيارة و طيارة كما هو المتعارف في هذا الزمان او سفينة او غيرها مما يتحقق به ذلك و الظاهر انه لا يشترط ان يكون مالكا للراحلة و الوسيلة عينا او قيمة بل يكفى ان يكون مالكا لاجرتها في صورة الاستيجار بحيث صار مالكا للمنفعة كما لعلّه سيأتى.
و يبقى في هذا الامر جهتان:
الاولى انّه هل يكون اختلاف الحال من جهة القوة و الضعف موجبا لاختلاف الزاد و الراحلة نظرا الى ان اختلاف الحال يوجب اختلاف الحاجة فالقوى لا يحتاج الى ازيد من السيارة لفرض قوته و عدم كون الحركة معها موجبة لوقوعه في الشدة و المشقة و الضعيف يحتاج الى الطيارة لعدم اقتضاء حاله للركوب في السيارة او لا يوجب و الظاهر انه لا خلاف بينهم في الايجاب و قد استدل عليه بحكومة ادلة نفى العسر و الحرج على الاطلاقات.
و الظاهر انه لا حاجة الى هذا النحو من الاستدلال حتى يرد عليه ما اورد على الاستدلال بهذه الحكومة في الجهة الثانية بل يمكن ان يستدل عليه بحكم العرف بالفرق بينهما فانه بعد ما كان المرجع في تشخيص الاستطاعة الواقعة في الاية هو العرف كما قويناه و كان المرجع في تشخيص معنى الزاد و الراحلة الواقعين تفسيرا

(الصفحة94)



للاية في الروايات ايضا هو العرف فهو يقضى بالفرق بين الضعيف و القوى في الزاد و الراحلة كما لا يخفى.
الثانية هل يكون اختلاف الشأن من جهة الشرف و الضعة موجبا للاختلاف في الزاد و الراحلة ام لا فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد قول المحقق و المراد من الراحلة راحلة مثله: «كما في القواعد و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن التذكرة التصريح به لكن في كشف اللثام الجزم بها في الاولين دون الاخيرين لعموم الآية و الاخبار و خصوص قول الصادق (عليه السلام)فى صحيح ابى بصير من عرض عليه الحج و لو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع، و نحوه غيره و لانهم (عليهم السلام) ركبوا الحمير و الزوامل و اختاره في المدارك كذلك ايضا بل هو ظاهر الدروس قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب فلا يكفى علو منصبه فى اعتبار المحمل و الكنيسة فان النبى (صلى الله عليه وآله) و الائمة (عليهم السلام) حجوا على الزوامل الا ان الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه اذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم (عليه السلام) لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك».
و اجاب بعض الاعاظم (قدس سره) عن الاستدلال للاختلاف بالعسر و الحرج بعد استدلاله لعدم الفرق بين الشرف و الضعة بالروايات الواردة في البذل الدالة على وجوب الحج و لو على حمار اجدع ابتر نظرا الى انها و ان كانت واردة في مورد البذل لكن الظاهر انها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شىء حصولها بان عمومات نفى العسر و الحرج مخصصة بهذه الاخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا الذى هو صريح هذه الروايات.
و يرد عليه اولا ان هذه الاخبار كما مر البحث فيها في البعيد القادر على

(الصفحة95)



المشى يكون معرضا عنها عند المشهور و لاجله تكون فاقدة لشرط الاعتبار و الحجية
و ثانيا ان دعوى صراحة هذه الاخبار او كونها كالصريحة في ثبوت الحكم الحرجى ممنوعة جدا فان هذه الاخبار تكون مطلقة قد يتحقق في موردها الحرج و قد لا يتحقق و عليه فمقتضى حكومة دليل نفى الحرج تخصيصها بصورة عدم تحققه لا العكس.
و ثالثا ان الظاهر من لحن دليل الحرج كقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ابائه عن التخصيص و عدم ملائمته معه اصلا و ثبوت حجة الاسلام و لو بنحو التسكع على من استقر عليه الحج بالاستطاعة المناسبة و عدم الاتيان بالحج لا يكون من باب التخصيص لدليل نفى الحرج بل هو حكم تعذيبى مسوق لافادة العقوبة و من الواضح خروج الاحكام التعذيبية عن دائرة ادلة نفى الحرج و الا يلزم ان تكون الحدود و التعزيرات بل القصاص و اكثر الديات كلها مخصصة لادلة نفى الحرج كما لا يخفى فالانصاف عدم تمامية ما افاده هذا البعض.
نعم في الاستدلال لثبوت الفرق بدليل نفى العسر و الحرج كما في كلام صاحب الجواهر و تبعه السيد في العروة اشكال و هو ما ذكره في المستمسك من ان حكومة قاعدة نفى العسر و الحرج انما تقتضى نفى الوجوب و لا تقتضى نفى المشروعية و لازمه في المقام انه إذا اقدم المكلف على ما فيه العسر و الحرج يكون مقتضى الجمع بين دليل نفى الحرج و الاطلاقات الدالة على الوجوب هو الصحة و الاجزاء عن حج الاسلام فعدم الاجزاء عن حج الاسلام ـ حينئذ ـ يحتاج الى دليل آخر.
و الجواب عن هذا الاشكال ان الحج كما عرفت ليس له حقيقة واحدة بل له حقايق متعددة و ان كانت الصورة واحدة كصلوتى الظهر و العصر فانهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة لكنهما مختلفتين بالحقيقة و لذا لا تقع واحدة منهما مقام اخرى و على هذا المبنى في باب الحج إذا كان مقتضى الجمع بين الاطلاقات و دليل

(الصفحة96)



نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الاسلام التى يكون قوامها بكونها واجبة و فريضة في اصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء بالنذر غاية الامر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل ان يسرى الحكم من متعلقه الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل المتعلق له هو الوفاء بعقد الاجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.
و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج الا حجة الاسلام التى بنى عليها الاسلام فاذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة الاسلام التى قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة الاسلام لمغايرة مهية المأتى به مع مهية حجة الاسلام الا ان يقوم دليل خاص على اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.
ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال او اليسار في المال نظرا الى انه لا يصدق مع العسر قال: ففى رواية ابى الربيع الشامى «فقيل له ـ اى لابى عبد اللّه (عليه السلام) فما السبيل؟ قال السعة في المال»(1) و في رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) الواردة في تفسير آية الحج قال (عليه السلام) «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال (عليه السلام) نعم».(2) و موثق ابى بصير قال سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول من مات و هو

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 3

(الصفحة97)



صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّه عز و جل و نحشره يوم القيامة اعمى...»(1) و نحوها غيرها.
اقول اما رواية ابى الربيع فالظاهر بقرينة قوله (عليه السلام) بعده: «إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله» ان المراد من السعة هو وجدان ما يبقى بعضه لقوت عياله و لا يبعد بقرينة هذه الرواية ان يكون المراد بالقوة في المال و اليسار و كونه موسرا في سائر الروايات ايضا هو ذلك و عليه فلا ارتباط لهذه الروايات بما هو بصدده من عدم صدقه مع العسر.
ثم على تقدير كون المراد بالسعة في المال هو نفس عنوانها و باليسار كذلك فارتباطه بمسئلة العسر و الحرج الراجع الى نفس العمل غير واضح فان العسر في قاعدة الحرج يكون مرتبطا بالعمل و راجعا اليه و اليسار في الروايات راجع الى المال و الشخص فهنا الشخص موسر و معسر و هناك العمل و متعلق التكليف بلحاظه كذلك و لم يظهر ارتباط بين الامرين.
ثم على تقدير كون المراد باليسار في المال ما ذكره فمقتضى الروايات اعتباره في الاستطاعة مطلقا من غير فرق بين الشريف و الوضيع و دعوى كون معنى اليسار مختلفا بالنسبة اليهما بحيث كان معنى اليسار في حق الشريف غير معناه في حق الوضيع واضحة المنع.
الامر الثانى ما إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لاكله و شربه و سائر حوائجه فهل يجب عليه الحج في هذه الصورة ام لا؟فيه وجهان بل قولان و ليعلم ان محل الاختلاف ما إذا لم يكن له بالفعل زاد اصلا و اما ما هو المتداول في هذه الازمنة من استخدام بعض الاشخاص للخدمة في سفر الحج لاجل الطبخ او سائر الخدمات او استخدام بعض الروحانيين للنظارة

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 7

(الصفحة98)



على امر الحجاج من جهة مناسكهم و تجعل الاجرة زادا و راحلة او مع اضافة فلا اشكال في تحقق الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة بالاضافة اليهما لوقوع الاستيجار قبل الشروع في سفر الحج و من المعلوم انه عند تمامية عقد الاجارة يملك المستأجر العمل على الاجير و الاجير الاجرة على المستأجر فالملكية ثابتة قبل الشروع في السفر نعم ربما يتحقق الاشكال في بعض الموارد كاكثر الروحانيين بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة ـ الذى سيأتى البحث فيه انشاء اللّه تعالى ـ و اما الاستطاعة من جهة الزاد و الراحلة فلا اشكال فيها اصلا فالكلام في المقام انما هو في غير هذه الصورة و هو ما إذا لم يكن بالفعل مالكا للزاد اصلا بل الثابت بالفعل هى القدرة على تحصيله في الطريق و المحكى عن مستند النراقى الوجوب فيه حيث قال: «و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوبا يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه و ظن امكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة» و قال العلامة في التذكرة في هذه المسئلة: «فان كان السفر طويلا لم يلزمه الحج لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة العظيمة و لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدى الى هلاك نفسه و ان كان السفر قصيرا فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج لانه قد ينقطع عن كسبه في ايام الحج فيتضرر، و ان كان كسبه في كل يوم يكفيه لايامه لم يلزمه الحج ايضا للمشقة و لانه غير واجد لشرط الحج و هو احد وجهى الشافعية و الثانى الوجوب و به قال مالك مطلقا» و مقتضى دليله الاخير و هو عدم كونه واجدا لشرط الحج عدم الوجوب مطلقا سواء كان في السفر الطويل او في السفر القصير.
و كيف كان فالظاهر ما في المتن لظهور الاستطاعة ـ المأخوذة شرطا لوجوب الحج ـ فى الاستطاعة الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في الادلة و من الواضح عدم تحققها في مثل المقام.

(الصفحة99)

مسئلة 12 ـ لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه فلو استطاع العراقى او الايرانى و هو في الشام او الحجاز وجب و ان لم يستطع من وطئه، بل لو مشى الى قبل الميقات متسكعا او لحاجة و كان هناك جامعا لشرائط الحج وجب و يكفى عن حجة الاسلام، بل لو احرم متسكعا فاستطاع و كان امامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه و ان لا يخلو من اشكال1.


1 ـ فى هذه المسئلة فروع ثلاثة:
الاول ما لو استطاع الشخص في غير بلده و وطنه و لم يكن مستطيعا من وطنه و محل الكلام ما إذا لم تكن اقامته في البلد الثانى بنحو الدوام و قصد التوطن و ما إذا لم تكن اقامته فيه موجبا لانتقال الفرض كالمجاور بمكة بعد السنين بل كانت اقامته فيه موقتة قصيرة ففى هذه الصورة إذا استطاع من البلد الثانى كما إذا استطاع الايرانى و هو في الشام الواقع في وسط الطريق تقريبا، كما ان محل البحث ما إذا كان واجدا للزاد و الراحلة بعد العود الى وطنه لا الى محل الاستطاعة ففى هذه الصورة وقع البحث في انه مستطيع يجب عليه الحج ام لا؟فالمحكى عن المدارك و المستند و الذخيرة و بعض المتأخرين القول بوجوب الحج و عن الشهيد الثانى العدم و عمدة ما يدل على الاول تحقق الاستطاعة الفعلية بالاضافة اليه و لا دليل على اعتبار حصولها من البلد بعد عدم وقوع التقييد به لا في الاية و لا في غيرها من الادلة فالملاك هى فعلية الاستطاعة و هى متحققة على ما هو المفروض كما ان المفروض وجدانه للزاد و الراحلة بالاضافة الى العود حتى الى وطنه نعم ربما يستدل على الوجوب ـ مضافا الى ما ذكر ـ بصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن او غيرها من البلدان و طريقة بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ايجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: نعم(1)

1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 2

(الصفحة100)



و قد استشكل في الاستدلال بها ـ تارة ـ بان الظاهر منها كون جهة السؤال عدم قصد الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه ـ و اخرى ـ بان الاجزاء اعم من كونه حجة الاسلام و الجواب عن الثانى واضح فانك عرفت ان الحج له حقائق متعددة و مهية حجة الاسلام مغايرة مع مهية غيرها من الحج الاستحبابى و النيابى و غيرهما فالحكم بالاجزاء لا محالة ينطبق على حجة الاسلام و اجيب عن الاول بصلاحية الجواب للاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال بين ما إذا كان مستطيعا من البلد و بين ما إذا لم يكن كذلك و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا الجواب فانه بعد ما فرض كون حيثية السؤال امرا لا يرتبط بمسئلة الاستطاعة لا مجال ـ حينئذ ـ للاستدلال بترك الاستفصال في الجواب كما لا يخفى فالانصاف تمامية الاشكال الاول لكن عرفت انه لا حاجة الى الاستدلال بالرواية اصلا فالحكم في هذا الفرع هو وجوب الحج كما افيد في المتن.
الثانى ما لو مشى الى ما قبل الميقات متسكعا او لحاجة ثم حصل له الاستطاعة هناك و الظاهر وجوب الحج عليه لما عرفت من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد الاّ لمن اراد الحج منه بان كان مقيما فيه.
ثم انه يظهر من ذلك انه لو علم بحصول الاستطاعة عند الميقات و هو في البلد لا يجب عليه السفر الى الميقات لعدم لزوم تحصيل الاستطاعة بوجه كما إذا علم الشخص بانه لو اتجر تجارة فلانية يصير مستطيعا فانه لا يجب عليه الاتجار المذكور لهذا الوجه و هذا بخلاف الفرع الذى ذكرنا في ذيل بعض المسائل السابقة و هو ما لو علم الصغير المستطيع بحصول البلوغ له قبل الميقات فانه يلزم عليه عقلا السفر الى الميقات لوجود الاستطاعة الفعلية و حصول البلوغ قبل الشروع في الاعمال و الفرق الزام العقل هناك و المفروض وجود الاستطاعة و لا مجال للالزام هنا بعد كونه متسكعا كما لا يخفى.